الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديــات الأدبيــة > منتدى القصة القصيرة

منتدى القصة القصيرة أحداث صاخبة ومفاجآت متعددة في كل مادة تفرد جناحيها في فضاء هذا المنتدى..فهيا لنحلق معا..

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-12-2016, 05:36 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عبدالرحيم التدلاوي
طاقم الإشراف
 
الصورة الرمزية عبدالرحيم التدلاوي
 

 

 
إحصائية العضو







عبدالرحيم التدلاوي متصل الآن


افتراضي قبور حائرة

انفلت فنجان القهوة من بين يدي كما الماء من فرجة الأصابع، فاعتبرت الأمر نذير شؤم، تناثرت شظاياه، وساح السائل الأسود فوق الأرضية المبلطة لغرفة الطعام، رفعت عيني الحزينتين إلى صورة أمي التي كانت تعد لي فطوري الساخن، فحبست دمعة كادت تنذر بهطول؛ كانت تعدني ابنها المفضل الذي سيحقق لها حلما طالما راودها وهي تتابع نجاحي الدراسي المبهر، لكنها توفيت في منتصف الطريق.
لابد أن التحطم قد أيقظ أبي فتقلب في فراشه لاعنا هذا الابن الفاشل، أضاع عمره في الدراسة من دون طائل، وأرهقه بمصاريف زائدة هو الذي كان ينتظر مني أن أساعده، وأكون له فخر العائلة. صرت معرته، هكذا يظن، أعذره، فالسبب ليس في ولا فيه، ولكن في هذا الزمن الأغبر، ضيق فرج الحياة على أبناء الفقراء، ووسعها علي تلك الأسر المظفرة بالمال والنفوذ، وكأن الله خصهم بنعيم الدنيا دون غيرهم.
ارتديت لباسي، قميصا مفتوح الصدر أسود، وبنطالا مكويا بعناية، أحرص على أن تكون طيته حادة كموسى، وانتعلت حذاء جلديا لمعته لأن الحذاء اللامع دليل مكانة في المجتمع، لا بأس من خداع النفس أحيانا..ولأن حبيبتي غادرتني إلى حضن زوج يمتلك رصيدا ماليا، يحرص على أن تكون أحذيته لامعة على الدوام.
لا أعرف أين سارت بها الأيام، لا يهمني ذلك، فقد أحرقت لحظات لقاءاتنا، وجمعت رمادها في ثنية قلبي، وطمرتها بدقة حتى لا تعكر مزاجي الرائق هذا الصباح؛ سأخرج لأستمتع بأشعة الشمس الدافئة، لن أضيع وقتي في البحث عن عمل، فالتجربة علمتني أن الأبواب ستكون موصدة، ومن العيب أن أقضي وقتي الثمين في البحث تاركا متع الحياة البسيطة تهدر.
خرجت منتشيا...مخلفا ورائي تلك الطاقة السلبية، لن أسمح لها بتجعيد فرحتي، وتجريعي سم الحزن في هذا الصباح المشرق.
حينا العتيق يشهد حركية باكرا، أنتشي بسماع أغنية الفنانة "خربوشة" وهي تصدح بالتحدي، وترفع سقفه بعيدا بالتحريض علي القائد المتجبر؛ يأتيني صوتها من دكان السي العبدي، بقال الحي، وإمام المسجد، أرتاح له وهو ينصحني بالصبر وتكرار المحاولات، بخلاف غيره الذي يتتبع عورتي، كنت أشعر بغضب من قول الجيران: فين وصلتي؟ هم يطرحون السؤال كمن يقف إلى جانبي مساندا، لكن قراءة ما وراء الكلمات تخبر بسم ما تنظوي عليه من سخرية وحقد. فين وصلتي، لا تعني إلا أنني فشلت رغم اجتهاداتي وتفوقي في الدراسة، بخلاف أبنائهم الذين فشلوا دراسة ونجحوا في ممارسة التجارة التي ذرت عليهم أموالا محترمة من حيث الكم...
مع المدة وانصرام الوقت، تعودت على وخز إبرهم هم الذين يستمتعون بالفضائح، ويشهرونها استمتاعا: لقد ضبطوا المغني الفلاني عاريا، لقد شوهد الزوج الفلاني يخون زوجته... هم بذلك يشغلون أنفسهم العارية من كل عمل، وفكر، ويسحبون الفشل على غيرهم؛ أليس الهجوم أفضل وسيلة للدفاع؟ بيوتهم من زجاج، ورغم ذلك يرمون الناس بالحجارة. تبا لسلوكاتهم العرجاء، محطمون هم، يعيشون في توابيت ولا يشعرون... أدركت أن خربوشة استطاعت غرس شوكة في حلق وإست القائد العيادي، تحدته، هي المرأة الرافضة للظلم، وعلمت لم يدعوني البقال بالعبدي، لقد كانت أمي تنحدر من تلك المنطقة التي أنجبت خربوشة، بل إنها من عائلتها. صرت أفخر بالمغنية والزجالة، وأشعر بالقوة كلما استمعت لروائعها.
ما إن ابتعدت قليلا عن منزلنا حتى اعترتني رعشة برد، كان الظل يبسط سلطانه علي، ظننت في بادئ الأمر أنها سحابة صيف ستزول لأنعم بدفء الشمس من جديد، لكنها لازمتني؛ خيل إلي أنني رسول، ضحكت سرا، انتهى زمن الرسل، لا أخفيكم أنني انتفخت قليلا، ثم انكمشت، فالغرور قد يؤدي إلى الجنون. أستغفر الله، لست إلا عبدا ضالا ؛ لا مضلا. قلت في نفسي: قد يكون الظل الفسيح لطائر جارح، عظيم الجناحين، رفعت رأسي لأتأكد، خاب ظني، فلم يكن ما ينشر ظله علي إلا جسما غريبا، حرت في تحديد هويته، دققت النظر ، شعرت برعب، فانسللت إلى المقهى القريبة، كنت أرتادها قبلا، كانت غاصة بالزبائن، كل واحد قد انخرط في شغل ما: قراءة الصحف، أو متابعة المارين؛ اخترت أصدقائي الذين يقضون جل وقتهم في لعب الورق، وانغمست كليا في اللعب، إلى أن دب تيار التعب في جسمي، حينها كان الوقت ظهرا، وفي بطني فراغ، نهضت، ناسيا أمر الجسم الذي ما إن لمحني أخرج حتى تبعني كما لو كان قمرا، أينما وليت وجهك وجدته قريبا منك. سرت وسط الناس أستشعر دفأهم، إلى أن بلغت مطعما شعبيا وكنت أتقي النظر إلى الظل الملازم، دخلت إليه، وطلبت صحن"كرعين' بالحمص، أتيت عليه كاملا، ثم أتبعت الطعام بكوب شاي ساخن، حتى يذيب الذهون. ونهضت متثائبا، كانت النشرة التلفزية تظهر قبورا كثيرة دفن فيها ضحايا تعصب مقيت ضرب بمرضه أرضا مسالمة فحولها تنورا تغلي بالحقد.
خرجت سريعا حتى لا أصاب بالدوار. في الشارع كان ما يزال متابعي موجودا، قررت لحظتها أن أراوغه بالذهاب إلى الشاطئ، لأستمتع بغروب الشمس، فلربما زوال النهار قد يؤدي إلى زوال الظل، قلت في نفسي: لأسترق النظر حتى أعرف كنه الجسم الغريب، فمعرفة الشيء تقود إلى إبعاد الخوف منه. وجدته مجوفا، كما لو كان زورقا، ثم تبين لي بعد تدقيق وتمحيص حقيقته، شعرت برعب حقيقي يحاصرني، فلم أجد سوى الدخول إلى الماء لأختفي، كنت أسير ثابت الخطو، ولم أكن أدرك أني أغرق، لكن الأمر الأكيد أن الظل الذي لازمني طيلة اليوم، لم يكن سوى قبري.

---






التوقيع

حسن_العلوي سابقا

 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 11:16 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط