نصف بيت من الرمال
وكعادتي منذ سنين في مثل هذا الوقت من كل عام ومع بدايات الربيع أأتي إلى شاطئ البحر، اقتعد الأرض، اجمع اكواما من الرمال، اخلطها بقليل من الماء، واصنع منها نصف بيت. من وراء ظهري جاء صوتها يشعل احزان الذكريات البعيدة:
- الازلت تصنع نصف بيت من الرمال؟
التفت الي الوراء كانت هي لم تغير ملامح وجهها يد السنين عدا خصلة بيضاء شاردة تمردت على باقي شعرها الداكن السواد. في الماضي كانت تأتي كل يوم تضع المناديل والازهار على الارض وتجلس إلي جوار ابنتي تراقبها حتى تكمل نصف البيت الأخر، تظل لبعض الوقت تهمس في اذني ابنتي التي كانت لا تتوقف عن الضحك، تمرر اصابعها علي شعر ابنتي بحنان، تقف وتنفض الرمال عن جلبابها، تذهب وتترك ورائها زهرة. تظل ابنتي تتابعها بعينيها حتى تبتعد او تختفي وراء الزحام. ولكنها لم تعد تأتي منذ ان جاءت موجه غادرة واخذت معها ابنتي.
جلست على الارض نظرت إلى ثم جمعت كوما من الرمال وبدأت في تكملة نصف البيت الاخر، عندما اتمت بناءه نظرت إلي البحر ثم نظرت إلي، نهضت وهي تمسح الدموع عن عينيها، اعطتني ظهرها ومضت ولكنها وعلى عكس ما كانت تفعل فيما مضي لم تذهب كي تجلس عند مطلع الكبرى القديم وتضع المناديل والازهار امامها بل عادت من حيث كانت تأتي، ظللت اتابعها بعيون غائمة حتى اختفت، وعندما نظرت إلى الارض وجدت زهرة.
كانت تلك هي المرة الاخيرة التي رأيت فيها بائعة المناديل والازهار،مرة ربيع وبعده كم مر من ربيع لم اعد ابني نصف بيت من الرمال ، بل كنت اكتفي بالجلوس علي الشاطئ والنظر إلي البحر حتي تبتلع مياهه نصف قرص الشمس ثم انصرف.