مشردون وجوعى في رمضان ...مناشدة للعالم العربي نيابة عن اللاجئين الفلسطينيين / بقلم: ليلى شهيد
التاريخ: 25 / 09 / 2008 الساعة : 21:11
في الحادي عشر من أيلول الماضي، وبحضور 22 بعثة دبلوماسية، قامت الأونروا والحكومة اللبنانية بإطلاق مناشدة من أجل توفير الإغاثة المباشرة، وعلى المدى القصير، لحوالي ثلاثين ألف لاجئ فلسطيني نزحوا بسبب القتال الذي دار في العام الماضي في مخيم نهر البارد في شمال لبنان. وكانت جمهورية مصر العربية الدولة العربية الوحيدة التي حضرت إلى جانب البلد المضيف لبنان. أما إسلاميا، فلم تحضر سوى إيران من دول المؤتمر الإسلامي المانحة للأونروا.
وفي تلك المناشدة، طلبت الأونروا ما يقارب من 43 مليون دولار لمعالجة الاحتياجات العاجلة والطارئة، مثل الغذاء والمأوى، للبعض من أكثر الناس حرمانا في الشرق الأوسط. ولم يكفى أن منازلهم قد دمرت في العام الماضي، أو أنهم فروا منها خوفا على حياتهم، أو أنهم فقدوا تقريبا كافة ممتلكاتهم، إلا أنهم اليوم وفي شهر رمضان المبارك يواجهون تهديد الجوع والتشرد.
إن كافة الأموال المتوفرة لدى الأونروا في الوقت الحالي من أجل عمليات الإغاثة الطارئة في مخيم نهر البارد، بما في ذلك التعهد الأمريكي بدفع 4,3 مليون دولار، سوف تستنفذ بالكامل بحلول نهاية شهر تشرين الأول المقبل. وما لم تستلم الوكالة أية أموال استجابة لمناشدتها الأخيرة، فإنها لن تكون قادرة على دفع إعانات الإيجار لما مجموعه 3,100 أسرة تعيش في مساكن مؤقتة. كما أنها لن تكون قادرة على توفير الصيانة اللازمة لما يقارب 600 مسكن مؤقت وحوالي 11 مبنى مجتمعي. وما يثير القلق أكثر هو أن الأونروا لن تكون قادرة على تقديم المساعدات الغذائية لنحو 27,000 من اللاجئين المشردين. فما هي الرسالة التي يرسلها هذا الوضع لأشخاص عانوا من الحرمان لما يزيد عن ستين عاما؟
وخلال حفل إطلاق المناشدة في الحادي عشر من أيلول، كانت الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي حضرت وفي جعبتها أموال إضافية. إن ما يزيد عن 90 ٪ من الأموال التي تم التعهد بها حتى الآن من أجل عمليات الإغاثة على المدى القصير لمخيم نهر البارد كان مصدرها الجهات المانحة الغربية. وبالإضافة إلى ذلك، ومن بين الأموال التي تم التعهد بها من أجل إعادة إعمار المخيم والمناطق المحيطة به على المدى البعيد، فإن 88% منها كان مصدرها التبرعات الغربية.
ومن المحزن القول أن هذا الوضع يعكس نمطا سائدا. لكسمبورج، على سبيل المثال، تقدم بمفردها تبرعات للميزانية العامة للوكالة تبلغ في مجموعها أكثر من تبرعات أية حكومة عربية منفردة، بينما النرويج تقدم تبرعات لنفس الميزانية تبلغ في مجموعها أكثر من تبرعات الدول العربية مجتمعة.
وهنا أتردد في طرح تساؤلي، ولا أفعل ذلك إلا لأن اللاجئين يعانون: أين هم المانحون العرب في مواجهة الواقع المخيف الذي سيحل قريبا؟
إن سؤالي لا يعمل بأي شكل من الأشكال على إخفاء الامتنان العميق لكافة أولئك المانحين في العالم العربي الذين قدموا تبرعات للأونروا عن طيب خاطر. فالمنظمات، مثل اللجنة السعودية لدعم الشعب الفلسطيني، وجمعية الهلال الأحمر في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهيئة الإغاثة الإسلامية في المملكة العربية السعودية، والهيئة العربية للاستثمار الزراعي والتنمية، وجمعية الهلال الأحمر القطري، و"دبي العطاء" قد تبرعت جميعها بسخاء للأونروا، مما يدل على أن الرأي العام في العالم العربي هو أبعد ما يكون عن عدم المبالاة بمعاناة اللاجئين الفلسطينيين. كما أن البلدان التي تستضيف اللاجئين، وهي الأردن وسورية ولبنان ونحن في السلطة الفلسطينية، تسهم مساهمة كبيرة في رفاه إخوتنا وأخواتنا الفلسطينيين. ولا ننسى بطبيعة الحال العديد من البلدان العربية التي تقدم بسخاء مساعدات للسلطة الفلسطينية.
وقبل عام، تبرعت حكومة المملكة العربية السعودية للأونروا بمبلغ 12 مليون دولار للاجئين في مخيم نهر البارد، فيما تبرعت دولة الإمارات العربية المتحدة بمبلغ 5 ملايين دولار. ومنذ ذلك الحين، ساهم المانحون العرب (ومعظمهم من المنظمات غير الحكومية) بمبلغ 8 ملايين دولار، تم إنفاق معظمها بسبب حدة الأوضاع الطارئة وصعوبتها. وعلى أية حال، وحتى هذه اللحظة، فإن الحكومات العربية لم تتعهد بأي مبلغ من أجل إعادة إعمار المخيم على المستوى البعيد المدى، وهو الذي يعد أكبر مشروع منفرد في تاريخ الوكالة، والذي يعمل على إعطاء الأمل لمستقبل مشرف للأشخاص الذين دمرت حياتهم.
وقد يقول البعض أن إعادة إعمار مخيم نهر البارد يجب أن تنتظر جلاء الحالة السياسية في لبنان. وبصراحة، فإن هذه المقولة ليست إنسانية على الإطلاق؛ فالحاجات الأساسية للناس لا يمكن احتجازها لمدة شهور أو حتى أسابيع.
كما أن الارتفاع الكبير في أسعار النفط قد كان له أثر ضار على العديدين. وبالنسبة للأونروا، فإن ما نتج عن ذلك من ارتفاع في أسعار الغذاء والنقل يكلفها الكثير ويعمل على تهديد عملية توزيع الغذاء للآلاف من الاسر المحتاجة ويرفع كلفة كافة الخدمات التي تقدمها.
إن هذا سبب آخر من الأسباب التي تجعلني مضطرة، كلاجئة فلسطينية من لبنان، لتجديد تأييدي القوي للمناشدة التي تم إطلاقها في وقت سابق من هذا الشهر من أجل اللاجئين المشردين من مخيم نهر البارد. إن هذه الحالة لا توجد لها سابقة في التاريخ الحديث للوكالة. وعلينا أن نفعل كل شيء ممكن لتجنب الوصول إلى المرحلة التي تضطر الوكالة فيها بسبب الحاجة المالية إلى جعل الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين بلا مأوى مرة أخرى.
المندوب العام لفلسطين لدى الاتحاد الأوروبي وبلجيكا ولوكسمبورج