الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديات الحوارية العامة > منتدى الحوار الفكري العام

منتدى الحوار الفكري العام الثقافة ديوان الأقلاميين..فلنتحاور هنا حول المعرفة..ولنفد المنتدى بكل ما هو جديد ومنوع.

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-12-2007, 12:27 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ابو محمد الباحث
أقلامي
 
إحصائية العضو







ابو محمد الباحث غير متصل


افتراضي الثوابت الوطنية

الثوابت الوطنية

استوقفت الكثيرين من أبناء المسلمين عبارة كُتبت على باب دار التعزية، وفي أماكن متعددة من فلسطين عن الشهيدهشام البرادعي رحمه الله وأحسن الله إليه، وهي عبارة


"شهيد الثوابت الوطنية"

وتساءلوا عن معناها ومغزاها ومدلولها ومنبعها. ولما كانت هذه الأمة التي ذكرها تعالى في كتابه الكريم بقوله: { إن هذه أمتكم أمة واحدة } هي الأمة الإسلامية، فقد بحثنا في القرآن الكريم بين دفتيه وفي معاجمه وفي أمهات كتب التفاسير وفي الصحاح وفي أمهات كتب الحديث الشريف فلم نجد لعبارة " الثوابت الوطنية" أي مدلول أو أي معنى أو أي مغزى أو حتى منبع، بل لم نجد هذه العبارة إطلاقاً.
فلم ترد في قرآن ولاحديث ولا كلام الصحابة ولاكبار علماء الأمة علماء العصور الثلاثة التي مدحها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لذا كان لابد لنا من العودة للمنبع اللغوي لهذه العبارة وتحكيم الشرع الإسلامي الحنيف بها.


الوطنية
من " الوطن"
وفي لسان العرب " وطن: الوطن المنزل تقيم به وهو موطن الانسان ومحله والجمع اوطان ..
و في معجم العين للخليل بن أحمد:الوَطَنُ: مَوْطِنُ الإنسان ومَحَلُّهُ وأوطانُ الأغنام: مَرابضُها التي تأوي إليها، ويُقال: أَوْطَنَ فلانٌ أرضَ كذا، أي: اتّخذها مَحَلاًّ ومَسْكَناً يُقِيمُ بها، قال رؤبة:
حتّى رَأَى أَهْلُ العِراقِ أَنَّني
أَوْطَنْتُ أرضا لم تكُنْ من وَطني
والمَوْطِنُ: كلّ مكان قام به الإنسانُ لأمرٍ.

وورد في معجم الصحاح للجوهري:
الوَطَنُ: محلُّ الإنسان. وأَوْطانُ الغنم: مرابِضها. وأَوْطَنْتُ الأرضَ، ووَطَّنْتُها تَوْطيناً، واسْتَوْطَنْتُها، أي اتَّخذتها وَطَناً. وكذلك الاتِّطانُ، وهو افتِعالٌ منه. وتَوْطينُ النفس على الشيء، كالتمهيد. ويقال: من أين ميطانُكَ، أي غايتك. والميطانُ: الموضع الذي يُوَطَّنُ لتُرسَل منه الخيل في السباق، وهو أوَّل الغاية. والمَوْطِنُ: المشهدُ من مشاهد الحرب. قال تعالى: " لقد نَصَرَكُم الله في مَواطِنَ كثيرةٍ " . قال طرفة:
على مَوْطِنٍ يخشى الفتى عندَه الرَدَى ... متى تَعْتَرِكْ فيه الفوارِسُ تُرْعَدِ

وورد في معجم تهذيب اللغة للأزهري
قال الليث: الوَطنُ مَوْطِن الإنسان ومحلُّه. قال: وأوطان الغنم مرابضها التي تأوي إليها. ويقال: أَوْطَن فلان أرض كذا وكذا، أي اتَّخذها محلاًّ ومسكناً يقيم فيها، قال رؤبة:
حتى رأى أهلُ العراقِ أَنَّني ... أوطنْتُ أرضاً لم تكن من وَطَني
وأما الوطن فكل مكان قام به الإنسان لأمرٍ فهو موطن له، كقولك: إذا اتيت فوقفتَ في تلك المواطنِ فادع الله لي ولإخواني،

وورد في القاموس المحيط
المعنى اللغوي لكلمة وطن: "منزل الإقامة و مربط البقر و الغنم، الجمع أوطان، و وطن به يطن و أوطن: أقام". و الإقامة قد تكون في قرية أو مدينة و بذلك تصلح المدينة أو القرية لأن تكون وطنا.

إذن فإن أوسع مدلول لكلمة وطن هو القرية أو المدينة التي يعيش فيها الإنسان , أما سائر المدن و القرى فهي كلها بالنسبة له سواء، لا فرق بين مدينة أو قرية ضمن ولايته أو إمارته أو دولته و بين أخرى تقع خارجها، فكلها سواء من حيث إنه لا يستوطنها. فالمقيم في بيروت مثلا قد يتعلق قلبه ببيروت لأنه عاش فيها و استوطنها و اعتاد عليها، إلا أنه لا فرق بالنسبة له بين طرابلس الشام و دمشق أو بين صيدا و الإسكندرية أو بين بعلبك و بغداد، من حيث إنها كلها مدن لا يستوطنها.

وفي صفته صلى الله عليه وسلم: كان لا يوطن الاماكن اي لا يتخذ لنفسه مجلسا يعرف به اما المواطن فكل مقام قام به الانسان لامر فهو موطن له .
وفي الحديث انه صلى الله عليه وسلم نهى عن نقرة الغراب وان يوطن الرجل في المكان بالمسجد كما يوطن البعير قيل معناه ان يالف الرجل مكانا معلوما من المسجد مخصوصا به يصلي فيه كالبعير لا ياوي من عطن الا الى مبرك دمث قد اوطنه واتخذه مناخا ومنه الحديث انه صلى الله عليه وسلم نهى عن ايطان المساجد اي اتخاذها وطنا.."

والوطن كلّ مكان قام به الإنسانُ لأمرٍ.
وأما الوطن فكل مكان قام به الإنسان لأمرٍ فهو موطن له،
أَوْطَن فلان أرض كذا وكذا، أي اتَّخذها محلاًّ ومسكناً يقيم فيها

فالوطن ليس هو إلا محل إقامة الإنسان، سواء كانت إقامة دائمية أو مؤقتة، فالذي يسافر فترة لبلد آخر، فإنه يتخذه وطناً، أي مسكناً ومقاماً، ولو مؤقتاً. ويقول الحريري في مقاماته:

وَجُبِ البلادَ فأيها أرضــــــــــاك فاتخذهُ وَطَنْ

وتوطين النفس على شيء هو تعويدها عليه، والتواطن والمواطنة بين شخصين يعني الاتفاق والتراضي وترويض النفس على ما اتفقا عليه.

ولم يكن عند المسلمين قبل هدم دولة الخلافة أي معنى لكلمة الوطن غير هذا المعنى، الذي هو مكان السكن، ومكان الإقامة، ومكان الحلول في السفر.

ولم يرد في القرآن الكريم أي استعمال لهذا اللفظ

أما في السنة، فقد ورد في معجم الطبراني الأوسط، في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر، في حديث طويل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورد فيه: (ويا موسى ، وطن نفسك على الصبر تلقى الحكم)، وطّن نفسك، أو عوّد نفسك وروضها.

وفي شعب الإيمان للبيهقي نص لغوي وليس حديثاً، ينقله الأصمعي عن أعرابي من الأعراب: (أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا علي بن محمد الحبيبي ، بمرو ، أخبرني محمد بن عبد الله اليعمري ، أخبرني المبرد ، عن الأصمعي ، يقول : سمعت أعرابيا يقول : « اليأس حر ، والطمع عبد ، والغنى وطن ، والفقر غربة ، وقد وجدنا من لذة العفو ما لم نجد من لذة العقوبة »)

وفي مسند أبي يعلى، حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدجال، ورد فيه: (يقول رجل منهم وقد وطن نفسه على أنهم يقتلونه فيجدهم موتى ، فيناديهم : ألا فأبشروا فقد أهلك الله عدوكم)، وطّن نفسه، أي هيأها وروضها.

وورد في كتاب نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية:
( وَمَنْ كَانَ لَهُ وَطَنٌ فَانْتَقَلَ عَنْهُ وَاسْتَوْطَنَ غَيْرَهُ ، ثُمَّ سَافَرَ فَدَخَلَ وَطَنَهُ الْأَوَّلَ قَصَرَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ وَطَنًا لَهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ عَدَّ نَفْسَهُ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسَافِرِينَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْوَطَنَ الْأَصْلِيَّ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ دُونَ السَّفَرِ ، وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ وَبِالسَّفَرِ وَبِالْأَصْلِيِّ.
انظر تغيير الوطن في النص السابق، وأنه قد جعل مقياساً للقصر، وانظر كيف ضرب مثالاً برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه في مكة عد نفسه مسافراً، ولم يعتبر نفسه في وطنه، لأنه وطنه قد صار المدينة، أي أنه قد اتخذها مسكناً ومقاماً دائمياً.

فهذا رسول الله عليه سلام الله قد اعتبر مكة محل سفر وقصر فيها الصلاة، أي لم يعتبرها وطنا حيث الوطن في اصطلاح اللغة محل الإقامة، فاعتبر نفسه عليه السلام في مكة مسافرا لا مقيما، وقصر الصلاة، فمن أين جئنا بمفهوم الوطنية والانتماء إلى الوطن طالما لم يعتبر مكة له وطنا بعد أن أقام في غيرها؟

ومصطلح الوطنية انما ظهر في المجتمع الاوروبي على اثر تطورات فكرية و سياسية هامة ادت الى اعادة صياغة المجتمعات الاوروبية. وبايجاز نقول ان مفهوم الوطن كونه بلد يربط فيه جماعة من الناس تتفق ان تلتزم بسيادة الوطن واطاعة الحاكم، وما يتبعه من اجهزة حكومية، انما ظهر بعد ان سعى سياسيون وفلاسفة في كسر شوكة الكنيسة والحد من تدخلها في الحياة العامة في المجتمعات الاوربية وذلك على اثر الصراع الدامي الذي دار لعقود من الزمن واستهلك الكثير من الدماء والثروات، من هنا تنادى المفكرون الى ضرورة وضع اسس جديدة تربط ببين الناس لا على اساس الدين والمذاهب الدينية التي ادت الى سفك الدماء وانما على الولاء للوطن، اي ان تحويل الولاء من الكنيسة ورجالاتها وايضا من رجال الاقطاع الى الحاكم الوطني كان من ابرز التحولات الفكرية السياسية التي عصفت بالمجتمع الاوروبي والتي توجت بتكريس مفهوم "فصل الدين عن الحياة" وهو اساس الفكر العلماني والعقيدة العلمانية التي تقوم على انكار دور الدين والخالق في تصريف شؤون المجتمع وان كانوا تساهلوا بعض الشيء بحيث سمحوا للافراد بالتدين ولكن على ان يتدخل هذا التدين بالشؤون العامة.
وبناء على هذه النظرية العلمانية قام المفكرون والفلاسفة من امثال روسو وجون لوك وفولتير ومونتسيكيو بوضع اسس نظرية "العقد الاجتماعي" وهو عبارة عن عقد بين الحاكم والمحكومين بحيث يكون للمواطن حقوق قانونية دستورية على الحاكم ان يحترمها، ومن هنا جاءت نظرية الحقوق الغربية ومن ثم حقوق المواطن و..الخ

يرى الدكتور محمد حسين رحمه الله، في كتابه "الاسلام والحضارة الغربية"، ان اول ما وردت لفظة "الوطن" انما جاء من خلال الازهري المتفرنس رفاعة الطهطاوي الذي أُشرب حب فرنسا والحضارة الفرنسية حينما اقام فيها في 1826 الى 1832 فلما عاد الى مصر عاد يصدح بالحضارة الفرنسية وجمالها وصار يدندن حول الوطنية ولعله بدأ بداية خجولة الا انه في الواقع طرح بذرة الفكرة التي جاء غيره من المضبوعين بحضارة الغرب ليكملوا سقيها ورعايتها ومن هؤلاء بعض نصارى الشام الذين رأوا خلاصهم من حكم الاسلام بالعمل على نشرة فكرة القومية والوطنية.

والوطنية يعرضها أصحابها رابطة تجمع الناس في وطن معين. أما ما هو هذا الوطن؟ فواقع الذين يدعون إلى الوطنية أنهم يعدون الوطن هو ذلك الكيان السياسي الذي تقوم فوقه دولة ذات حدود مرسومة على الخريطة بغض النظر عمن رسم تلك الحدود. فيتكلمون عن الوطنية اللبنانية و الوطنية العراقية و الوطنية المصرية وهكذا.

إلا أن أدعياء فكرة "الوطنية" لما أرادوا أن يبتدعوا فكرة يكرسون بها الكائنات التي أقامها الكافر المستعمر في بلادنا بعد أن قسمها إلى دويلات هزيلة، حرفوا كلمة "الوطن" لتصبح دالة على ”لبنان" الذي أسسه غورو سنة 1920 ، و على العراق و الأردن و فلسطين و سوريا و مصر التي أوجدتها معاهدات الغربيين و مؤامراتهم.

ففكرة الوطنية جزء لا يتجزأ من المؤامرات الغربية لتكريس تجزئة بلاد المسلمين إلى أردن وفلسطين وسوريا ومصر وليبيا ... الخ، وقد تجلت هذه الفكرة بشكل خطير في الشعارات التي تراها في كل زاوية: الأردن أولا، مصر للمصريين، القضية الفلسطينية شأن فلسطيني، وهكذا كرست الوطنية تفتيت الأمة الاسلامية وجعلت أهل كل بلد غير معنيين بما يجري في البلد المسلم المجاور لهم، فحمامات الدم تراق في أرض بيت المقدس، ولا يتحرك عرق في جيش مصر أو الأردن أو سوريا أو تركيا لأنها ليست "وطنه"
كما أنها كرست تفتيت الأمة إلى دويلات ، مع أن الإسلام حرم أن يكون للمسلمين أكثر من حاكم، بل أمر بإطاحة رأس الحاكم الثاني إذا ظهر وللمسلمين إمام يحكمهم ،
ثم إن الوطنية كرست الاعتراف بالاستقلال ، أي استقلال البلاد الإسلامية بعضها عن بعض وتجزئتها، فتفرقت الأمة التي أمر الله أن تكون واحدة بفعل الوطنية إلى أمم فضعفت الأمة أمام أعدائها فكانت الوطنية سهما بغيضا مكَّن للكافر المستعمر احتلال البلاد ومص دمائها وخيراتها.

و بذلك تصبح "الوطنية" هي الرابطة التي تجمع الناس الذين يعيشون داخل حدود دولة من هذه الدول، و تفصلهم عن سائر الناس الذين هم خارج تلك الحدود. و بذلك يصبح اللبناني مرتبطا فقط باللبناني و يصبح المصري مرتبطا فقط بالمصري، حتى تنقسم الأمة و تتعدد همومها، و لا تعمل سويا في سبيل قضية واحدة هي قضية الأمة، فما يهم الجزائري لا يهم التونسي... و هكذا . و من أجل تكريس ذلك المفهوم ، بثت بين الناس شعارات مضللة خبيثة مثل "الدين لله و الوطن للجميع" و مثل نحن ننتمي إلى الوطن قبل أن ننتمي إلى الدين" و غيرهما من الشعارات التي تتعارض مع الاسلام من حيث الأساس. فأين الوطنية من قوله صلى الله عليه و سلم : "مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
هل حض الإسلام على الوطنية وعزز الشعور الوطني لدى المسلمين؟

دعاة ذلك يستندون إلى أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال حين خرج من مكة: " أنت أحب بلاد الله إلي و لولا أن المشركين أخرجوني لم أخرج منك"، و بأن الاسلام أمر بالدفاع عن الاوطان و اعتبر ذلك جهادا في سبيل الله.

فأما حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي استدلوا به، فلا شان له بالوطنية لا من قريب و لا من بعيد. فالرسول عليه الصلاة و السلام لم يكن يحب مكة لأنها وطنه، و إنما كان يحبها لأنها البلد الحرام الذي يحتضن الكعبة الشريفة. و الذي يوضح ذلك هو الحديث نفسه الذي يستدلون به غالبا مجتزءا، فقد روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم لما خرج من مكة إلى الغار التفت إلى مكة و قال: " أنت أحب بلاد الله إلى الله ، و أنت أحب بلاد الله إلي، و لولا أن المشركين أخرجوني لم أخرج منك". إذا فالرسول صلى الله عليه و سلم كان يحب مكة لأنها أحب اليلاد إلى الله تعالى.

و أما قولهم إن الاسلام أمر بالدفاع عن الأوطان و اعتبر ذلك جهادا في سبيل الله، ففيه كثير من التدليس و التضليل.
ذلك أن الاسلام لم يأمر بالدفاع عن "الوطن" و إنما أمر بالدفاع عن البلاد الاسلامية بغض النظر عن كونها وطنا للمجاهد أو غير ذلك.

فعلى هذا الأساس فإن واجب الجهاد لتحرير فلسطين من دولة يهود و تحرير الأندلس من الأوروبيين و الدفاع عن أراضي البوسنة و الهرسك و الشيشان و بلاد كشمير في الهند، لا يناط فقط بأهل تلك البلاد طالما لا يستطيعون رد العدوان وحدهم، و إنما يناط الواجب بكل المسلمين الذين يلونهم ثم الذين يلونهم حتى يتحقق الفرض. و على هذا الأساس أيضا، لا يجب على المسلم الذي يعيش في غير البلاد الاسلامية كأستراليا و أميركا أن يدافع عن تلك البلاد إذا نشبت حرب بين دولته و دولة أخرى، بل لا يجوز له ذلك، لأن هذا قتال في غير سبيل الله، و الرسول صلى الله عليه و سلم يقول: "من قاتل تحت راية عمية، يدعو إلى عصبية ، أو ينصر عصبية ، فقتلته جاهلية".

ثم إن الرسول صلى الله عليه و سلم لم يتمسك بتراب "وطنه" مكة الذي أخرج منه بغير حق هو و صحابته الكرم، و قد كان في استطاعته ذلك بعد الفتح. لكنه رجع إلى المدينة عاصمة الدولة الاسلامية و أقام فيها ما تبقى من أيام حياته، و و لم يوص المسلمين بدفن جثمانه الطاهر في تراب "الوطن" مكة المكرمة، و هكذا فعل أصحابه رضوان الله عليهم من بعده، فشهداء بدر و أحد دفنوا في البقيع في المدينة و أبو عبيدة دفن في غور الأردن، و أبو أيوب الأنصاري دفن قرب أسوار القسطنطينية، و حفظة القرآن الكريم من الصحابة دفنت أعداد منهم في أطراف الهند و بحر قزوين خلال الفتوحات الاسلامية، و لم يصدر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا عن صحابته الكرام أي اشارة "وطنية" أو حنين للديار ، بل كان همهم الأول و قضيتهم المصيرية إعلاء كلمة الله و نشر الاسلام و إخراج الناس من الظلمات إلى النور.

بل إن الإسلام اعتبر الوطنية من الدعاوى الجاهلية النتنة، من ذلك ما رواه جابر رضي الله عنه، حيث قال: (كنا في غزاة فكسع -وهو ضرب دبر غيره بيده أو رجله- رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمعها الله رسوله صلى الله عليه وسلم قال: ما هذا؟ فقالوا: كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها منتنة، قال جابر وكانت الأنصار حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ثم كثر المهاجرون بعد، فقال عبد الله بن أبي أو قد فعلوا، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، قال النبي صلى الله عليه وسلم دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ) رواه البخاري

فاعتبر عليه السلام الانحياز والتفرق على أساس أن أصل هذا من المدينة فهو أنصاري وذاك من مكة فهو مهاجري، وهذا ينصر قومه على هذا، اعتبر هذه الدعاوى نتنة وأمر بتركها ، وقال في رواية: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم!


قال العلامة ابن تيمية رحمه الله (كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة، فهو من عزاء الجاهلية، بل لما اختصهم مهاجري وأنصاري، فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم وغضب لذلك غضبا شديدا ) انتهى


وفي سنن أبي داود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية

ومن النصوص الواردة في ذلك ما رواه الترمذي وغيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله قد أذهب عنكم عصبية الجاهلية وفخرها بالآباء إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي الناس بنو آدم وآدم خلق من تراب ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى

ومن ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح عن الحارث الأشعري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس أن يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن فذكرها، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثي جهنم" قيل يا رسول الله وإن صلى وصام؟ قال "وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله

وهذا الحديث الصحيح من أوضح الأحاديث وأبينها في إبطال الدعوة إلى القومية، والوطنية، واعتبارهما دعوة جاهلية، يستحق دعاتها أن يكونوا من جثي جهنم، وإن صاموا وصلوا، وزعموا أنهم مسلمون فيا له من وعيد شديد، وتحذير ينذر كل مسلم من الدعوات الجاهلية، والركون إلى معتنقيها، وإن زخرفوها بالمقالات السحرية، والخطب الرنانة الواسعة، التي لا أساس لها من الحقيقة، ولا شاهد لها من الواقع، وإنما هو التلبيس والخداع والتقليد الأعمى، الذي ينتهي بأهله إلى أسوأ العواقب، نسأل الله السلامة من ذلك.

وذلك لأن الوطنية تكرس انقسام الأمة وانفراط عقد جماعتها، أي تكرس الخروج عن الجماعة إلى دويلات متفرقة متناحرة مجزأة لا يمر المسلم فيها من أرض إلى أرض إلا بوثائق وتأشيرات وكأنه غريب في ديار الإسلام!! فتبا للوطنية وتبا لثوابتها التي كلها تكريس لتجزئة هذه الأمة.

لقد وصل الأمر ببعض دعاة "الوطنية " إلى افتراء الأحاديث على رسول الله صلى الله عليه و سلم كقولهم (حب الوطن من الإيمان) فهذا ليس بحديث و لم يقله صلى الله عليه و سلم ثم إن حب الوطن شيء و "الوطنية" شيء آخر.

فحب الوطن شيء طبيعي و غريزي لدى الانسان ، ذلك أن قلب الإنسان يتعلق بالمكان الذي اعتاد عليه و ترعرع فيه و كانت له معه ذكريات جميلة، فهو يحن إلى البيت الذي ترعرع فيه و يحب الحي أو القرية أو المدينة التي نشأ فيها أو سكنها فترة من الزمن، إلا أن هذا الحب "الغريزي" لا يتعدى القرية أو المدينة أو المنطقة التي عاش فيه الانسان. أما "الوطنية" التي يروج لها مثقفو البلاط و كتاب السلطة، فهي التي يريدون لها أن تكون رابطة تجمع سكان الدولة الواحدة و تفصلهم عن سائر إخوانهم في سائر العالم الاسلامي.

إن الدعوة إلى القومية أو الوطنية هي ترويج للفكر الغربي الغريب عن الاسلام. و الرسول صلى الله عليه و سلم يقول: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". فالداعي إليهما آثم عند الله تعالى.فالواجب يحتم على المسلمين أن ينبذوا كل الأفكار و الأطروحات الدخيلة ، و يعودوا من جديد إلى إحياء الرابطة الاسلامية لإقامة مجتمعهم على أساس العقيدة الاسلامية ، فتسوده أفكار الاسلام و مشاعره و أنظمته، حتى تستأنف الأمة حياتها الاسلامية من جديد و تعود أرقى أمم العالم.

وحيث ان الاسلام يوجب على المسلم ان يتلقى دينه وشريعته من رب الكون لا من حثالات البشر من مفكرين وفلاسفة مصيرهم جهنم فان الوطنية بقضها وقضيضها حرام بحرام بحرام و لا يجوز الدعوة لها ولا السكوت عنها فانها من اكبر المنكرات التي تفرق بين المسلم واخيه وتؤدي الى سفك الدم المسلم بغير وجه حق وتؤدي الى جعل الولاء والبراء مبنيان على غير رابطة الايمان وتؤدي الى اتخاذ الكافرين اولياء من دون المؤمنين ولذا فالواجب الشرعي على كل مسلم ان يتبرا منها ومن اهلها وان يظهر العداوة لها ولمن عمل لها.

وبسقوط الوطنية كفكرة معادية للإسلام، تسقط معها ثوابتها، أي مايسمى بالثوابت الوطنية، ولايبقى إلا الإسلام يعلو ولايُعلى عليه وإلا الثوابت الإسلامية المنبثقة عن الأحكام الشرعية.

وختاما نقول:
هل من اجل الثوابت الوطنية المزعومة سكب الشهداء دمائهم الزكية على أرض الجهاد والمجاهدين، أرض الإسراء والمعراج، التي إكراما لها ولمنزلتها بارك الله ماحولها؟

هل من اجل الثوابت الوطنية جاهد الصحابة الكرام وتركوا "أوطانهم" ليستشهدوا في أرض فلسطين؟

هل من اجل الثوابت الوطنية جاء عمر الفاروق إلى القدس فاتحا لها و صلاح الدين محررها؟

هل من اجل الثوابت الوطنية بذل أهل البلاد الإسلامية قاطبة دون استثناء أرواحهم في محاولات لتطهيرها من دنس يهود؟

وأخيرا، هل من أجل الثوابت الوطنية استشهد هشام البرادعي وإخوانه الشهداء؟


قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ
المصدر :
http://www.alokab.com/forums/index.php?showtopic=28094






 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مقال أعجبني. سرّ «الكراّسة» التي أغضبت العروس د.رشا محمد منتدى الحوار الفكري العام 33 22-05-2011 06:23 PM
وقفة على جريمة ( مؤتمر الخريف ) ابو عصام منتدى الحوار الفكري العام 15 05-12-2007 12:24 PM
قراءات في ازمة اليسار الفلسطيني حافظ عليوي منتدى الحوار الفكري العام 0 05-09-2007 12:51 AM
حكومة الوحدة الوطنية هي الحل داعس ابوكشك منتدى الحوار الفكري العام 0 19-12-2006 05:48 PM
وثيقة الأسرى أساس الحوار الفلسطيني وثيقة أعدتها فتح وبصمت عليها الفصائل الأخرى أحمد الحلواني منتدى الحوار الفكري العام 4 28-05-2006 09:54 PM

الساعة الآن 02:17 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط