|
|
منتدى الحوار الفكري العام الثقافة ديوان الأقلاميين..فلنتحاور هنا حول المعرفة..ولنفد المنتدى بكل ما هو جديد ومنوع. |
مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان) |
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
22-12-2014, 09:58 AM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
(الحوار العقلي في الفكر العربي ) بقلم الباحث : مهتدي مصطفى غالب
الحوار العقلي في الفكر العربي رسائل المؤيد و المعري نموذجاً تأليف الباحث :مهتدي مصطفى غالب كثيرا ما تطلق الأحكام المسبقة على الفكر العربي و رجالاته ، من خلال تصور مسبق للإتجاهات الفكرية التي تنتمي لها هذه الرجالات و هذه الأفكار بحيث نسجن هذه الأفكار بشبكة نسجناها من خارجها و نحكم عليها من خلال هذه الخيوط التي إما اخترعها خيالنا المأسور بأراء عششت في ذاكرتنا حتى النخاع ، أو من خلال قراءات نقلناها عن المستعربين أو المستشرقين و كأن كل ما يقوله هؤلاء المغامرون فكريا و حياتياً حقيقة نتيجة لعقد نقص زرعناها في فكرنا فصارت هي هذا الفكر و غاب فكرنا وراء غيوم من الإغتراب الداخلي و الخارجي ، لتنتج عن قراءاتنا لهذا الفكر رؤيا نقلية غير تحليلية و عقلية استطاعت أن تفصل بيننا و بين مكوناتنا التراثية . و من اهم الأحكام على رجالات الفكر العربي انهم لا يعرفون الحوار العقلي بل الحوار التكفيري الإتهامي، بمعنى أن كل منهم يتهم و يشتم و يكفر فكر الأخر ، و رغم وجود مثل هذه الظواهر الفكرية و خصوصا عند المفكرين النقليين غير العقليين إلا أن صفحات التراث الفكري مليئة بنماذج هامة للحوار الفكري و العقلي بين مفكرين عرب و فلاسفة و شعراء و ادباء على مدار التاريخ ، إلا أنَّ القراءات الإنتقائية التي يمارسها بعض الفكر النقلي للتراث العربي تجعلهم يسلطون الضوء على الإنكسارات الفكرية للعقل النقلي لأنه يطابق رؤيتهم الضيقة للفكر العربي ، بينما يغيبون حوارات فكرية رائعة تجلت في نقاشات حول مواضيع جد مهمة منها على سبيل المثال لا الحصر ( حوارات الرازيينالتي أعطت الفكر النبوي كتباً فلسفية مهمة جداً)و كذلك حوارات ( ابن رشد و الغزالي التي أعطت : تهافت الفلاسفة و تهافت التهافت) و منها أيضاً ما اصطلح على تسميته ( مناظرات المعري وا لمؤيد في الدين) التي نقدم في هذه العجالة قراءة تعريفية لها، لعلها تقدم النموذج للحوار العقلي بين مفكرين و شاعرين يتشابهان بكل شيء إلا في نظرتهما للحياة فالمعري زاهد و رهين المحبسين الذين اختارهما ، و المؤيد المكرس حياته لما آمن به من فكر فلسفي و ديني و الساعي دائما لتطبيق هذا الإيمان بشكله الواقعي كما تراه المنظومات الفكرية الفاطمية ، بينما المعري رهن نفسه ضمن منظومة فكرية و حياتية إختارها كمفكر و عاشها كما اقتنع بها شخصياً ، و هذا هو الفرق الأساس بينهما فالمؤيد مؤمن بفكر جمعي تطور لحد أصبح منظومات فكرية جمعية و ليست فردية أي أن الآخر في فكره هو جزء منه ، بينما المعري عاش ضمن مكونات فكرية شخصية و لم يسع لطرح فكره للآخر كي يعتنقه و يحوله إلى فكر جمعي يتأطر في منظومات فكرية جمعية ، هذه هي النقطة التي تجعلنا نقرأ حوارهما الفكري من خلالها فنفهم لماذا يصر المؤيد على المعري لكشف حقيقة رأيه للآخر ، بينما كان المعري يدافع عن نظرة فردية يعيشها بكل تفاصيلها و لا يهتم كثيرأ إ، إقتنع الآخر بها أم لا فهو لا يدعو لتبني منظومته الفكرية من قبل الأخرين ، و هو ما يخالفه به المؤيد في الدين ’ و قبل الغوص في التحليل لابد من أن نعرف المؤيد في الدين . اسمه: هبة الله بن أبي عمران موسى بن داؤد الشيرازي السلماني، يُكنى بأبي نصر يلقب بالمؤيد في الدين و هو لقب حصل عليه من أئمة الفاطميين في مصرز ولد في شيراز سنة 390هجرية(999م) في أرة فاطمية المعتقد و أبوه كان حجة جزيرة فارس في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي ، و لقد أعده والده ليأخذ موقعه و كان له ذلك بعد أن وافته المنية ، و كانت باكورة أعماله اتصاله الملك البويهي أبو كاليجار الذي أعجب به واستمع إليه، وحضر مجالس مناظرته مع العلماء من المعتزلة والزيدية والسنة. خرج المؤيد إلى مصر سنة 437للهجرة و وصلها سنة 439للهجرة حيث تقلد (ديوان الإنشاء) و بقي في مصر زهاء ثلاثين عاماص كان خلالها يكتب و يؤلف و يحاضر و يدير شؤون الدعوة الفاطمية إضافة لقيامه ببعض المهام لإدارية و السياسية التي كان يكلفه بها الخليفة الفاطمي المستنصر بالله ، وقد تمكن من رفع راية الدولة الفاطمية فوق بغداد. وأجبر الخليفة العباسي القائم بأمر الله سنة 450 على مغادرة البلاد . فكان علماً من أعلام عصره فكرياً و شعرياً و إدارياً و سياسياً ، عرفته الأوساط الفكرية و الأدبية و السياسية في عصره و مابعد عصره ، فقد كان عالماً متفوقاً، قوي الحجة في مناظرته ومناقشاته مع مخالفيه. إضافة لكونه واسع الإطلاع في علوم اللغة العربية ، فمن يطلع على سيرته يدرك جيداً تعمقه في مفاصل اللغة لعربية و من يقرأ ديوانه الشعري يعرف أنه كان شاعراً قوياً صاحب قضية إلتزم بها و دافع عنها بكليته الشعرية فطرح العقائد الفاطمية بلغة شعرية سهلة و رقيقة بغية تسهيل حفظها في القلوب بعد العقول مثل : ( التوحيد ، الولاية ، التأويل، إعجاز القرآن ، ...الخ) توفي في قاهرة المعز لدين الله الفاطمي شيخاً بلغ الثمانين ، عام 470 للهجرة المحمدية(1077م) و دفن فيها بعد أن صلى عليه الخليفة الفاطمي المستنصر بالله و ترك أعمالا فكرية عديدة منها: 1- السيرة المؤيدية – حققها محمد كامل حسين – دار الفكر العربي – القاهرة-1949 2- ديوان المؤيد – حققه محمد كامل حسين – القاهرة – 1949 3- المجالس المؤيدية – و هي ثمانمائة مجلسا كل مائة منها في كتاب حقق الدكتور مصطفى غالب ( الأولى و الثالثة)1974-1984 و حقق مهتدي غالب ( الرابعة و الثانية و الخامسة و السادسة) 1992-2008م – و حقق حاتم حميد الدين (لمائة الأولى و الثانية) عام 1975 اختصرها حاتم بن ابراهيم الحامدي في كتاب سماه (جامع الحقائق) حققه: م.عبد القادر – القاهرة - 1975 4- كتاب نهج الهداية للمهتدين (نهج العبادة) تحقيق: مهتدي غالب – 2009 5- بونيادي تأويل – و هو ترجمة المؤيد لكتاب أساس التأويل للقاضي النعمان 6- الإيضاح 7- شرح المعاد 8- الإبتداء و الإنتهاء و هناك مؤلفات أخرى كثيرة و تنسب إليه كتب و أشعار كثيرة لا مجال لذكرها هنا لأن ذلك خارج ما نعرضه. الرسائل المتبادلة بين المؤيد في الدين و المعري أرخ التاريخ الأدبي لهذه الرسائل عن طريقين الأول ما أورده ياقوت الحموي في معجمه عند تقديمه للمعري فقدم ما اعتبره الرسائل ، و ما أورده حاتم بن ابراهيم الحامدي في كتابه جامع الحقائق الجزء الثاني ، إلا أننا سنعتمد النسخ الكاملة للرسائل المجالس 88 حتى 98كما أوردها المؤيد في الدين في كتابه المجالس المؤيدية المائة الخامسة ،بالطبع المجال لا يتسع لعرضها بكليتها و سأقدم عرضاً موجزا للرسائل بالتأكيد لا يُغني عن قراءتها ، و للآسف معظم تحقيقات هذه الرسائل اغفلت بعضاً منها و سنحاول كشف هذا البعض لحين إظهار هذه الرسائل كما هي و لابد من الإشارة إلى أن المعري لم يدون هذه الرسائل أو يذكرها في اي من كتبه و يعود ذلك إلى أنها حصلت في أواخر عمره فلم يدونها أو أن تلامذته أنكروها عليه أو أنها ضاعت مع بعض مؤلفاته الضائعة ، فنحن سنأخذ رسائل المؤيد منه أما رسالتي المعري فمن تحقيق محب الدين الخطيب للرسائل كاملة عن نسخة من خزانة أحمد تيمور باشا و هي أقرب النسخ للدقة و الكمال ، طبعها في القاهرة في المطبعة السلفية عام 1349هجرية ، و روى في مقدمته أن المؤيد في الدين هبة الله الشيرازي أراد مداعبة المعري الشاعر الحكيم و هو في آخر شيخوخته ، فكتب إليه يستنكر اجتنابه أكل اللحم و يسأله بيان الحجة في استحسان هذا النوع من الزهد ، و هذا رأي يجانب الحقيقة التي أوردها المؤيد في الدين في رسالته الثالثة التي كاشف فيها المعري و كشف له سبب رسالتيه الأولى و الثانية بعد أن أعيته الحيلة بأن ينال من المعري جواباً شافيا يدافع فيه عن حكيم المعرة ؛ و هناك من عزى هذه الرسائل لمحاولة المؤيد استمالة المعري للفاطميين ، أعتقد أن طرح هذا السبب يفترض أن المؤيد لا يعرف المعري و العكس صحيح فالرسائل المتبادلة تؤكد معرفة كل منهما للآخر معرفة وثيقة و دقيقة و هي معرفة أصدقاء و حكماء يمشون على دروب الحقيقة و لو كان كل منهما يسلك طريقه الخاص فهما في الهم الفكري سواء، وهما معاً ينتميان لمدرسة عقلية واحدة ، و خطابهما العقلي، و إن تباينت رؤية كل منهما عن الآخر فكلاهما يؤكدان مقولة المؤيدإن العقل و العقل وحده هو ما ينبغي أن يسترشد به الإنسان في بحثه عن الحقيقة). و لكي نؤكد توأمتهما الفكرية نورد ما قاله حكيم المعرة في رسالته الثانية إذ يقول مظهراص عزة نفسه و إيمانه بالدولة الفاطمية حتى عقائدياً إن السيد الأجل تاج الأمراء فخر الملك عمدة الإمامة و عدة الدولة و مجدها و عزها ذا الفخرين أعز الله نصره يضيف أولاد سام و من ولده أخوه حام و كذلك نسل يافث ، و لو فتحت يأجوج و مأجوج لجاز أن يضمن لهم قرى الأضياف . وود العبد لو أن قلعة حلب – حماها الله – و جميعجبال الشام جعلها الله القادر ذهباً لنفقة السيد الأجل تاج الأمراء خلد الله إمارته في نصر الدةلة النبوية على إمامها السلام، و كذلك على الأئمة الطاهرين آبائه ) .. فاللغة و المصطلحات فاطمية ، علما أن تاج الأمراء هو الحاكم الفاطمي على قلعة حلب في ذلك الوقت فهل نشك للحظة بعفة و إباء المعري لنعرف ميوله أين ؟؟!! حتى و لو لم يصرح بهذه الميول بشكل مباشر. قصة الرسائل كما يرويها المؤيد في الدين : فهو يروي سبب تبادل الرسائل بكل وضوح إذ يقول: ( فلما رمت بي الرامي إلى ديار الشام و مصر سمعت عن الشيخ – وفقه الله – بفضل في الأدب و العلم قد اتفقت عليه الأقاويل ، و وضح به البرهان و الدليل ، و رأيت الناس فيما يتعلق بدينه مختلفين ن وفي أمره متبلبلين : فكل يذهب فيه مذهباً ، و يتبع من تقاسيم الظنون سبباً. و حضرت مجلساً جليلاً أجري فيه ذكره ، فقال الحاضرون فيه غثاً و سميناً ، و قام في نفسي أن عنده من حقائق دين الله سرّاً ، قد أسبل عليه من التقية ستراً ، و أمراً تميز به عن قوم يكفر بعضهم بعضاً ، ويلعن بعضهم بعضاً ، و لما سمعت البيت: غدوت مريض الدين و العقل فالقني لتسمع أنباء العقول الصحائح فوثقت من خلدي فيما حدست عقوده. و تأكدت عهوده، و قلت إن لساناً يستطيع بمثل هذه الدعوى نطقاً ، و يفتق من هذا العظيم رتقاً للسان صامت عنده كل ناطق) من هنا نستشف أن المؤيد عند إقامته في حلب سنة 449هجرية جاء قوم لمجلسه و تهجموا على المعري و كفروه و طالبوا بالقصاص له ، إلا أن المؤيد الذي قرأ المعري و عرفه تمام المعرفة ، أراد أن يحصل على سبب مقنع من المعري كي يدافع به عن المعري أمام متهمي ليس لعجزه عن الدفاع عنه و هو الذي ردهم و أنبهم على ما اتهموه به ، بل كي يؤكد دفاعه بأقوال المعري و هو لم يظهر له هذا بل سأله عن بيت الشعر هذا و هو يعرف أن قائل هذا البيت يقف الجميع صامتين أمام نطقه. عرض موجز لمضامين الرسائل الرسالة الأولى من المؤيد إلى المعري: خاطب فيها المؤيد أبا العلاء المعري بعد ديباجة التحية و التمجيد بعظمة المعري الفكرية المشهود له بفضلة الأدب و النقد، مفتتحاً الحوار ببيت شعر لأبي العلاء المعري ألا وهو: غدوت مريض الدين و العقل فالقني لتعلم أنباء الأمور الصحائح و هي وردت في المجالس (العقول) و ليس (الأمور) و لقد عرضنا الحالتين ليتبين القارئ أيهما أدق ، و من خلال هذا البيت ينطلق ليعرض على المعري ما انتابه من تساؤلات و الإحتمالات التي يرغب من المعري من خلالها إيضاح و تعليل لماذا لا يأكل ما ينتجه الحيوان من حليب وبيض و لحم من وجهة نظره الخاصة داعياً إياه لكشف قناعاته هذه للناس كي يكفوا عن لومه و تكفيره فالمؤيد لا يلومه و لا يكفره بل يدعوه لكشف رؤيته الخاصة بهذه الناحية ، فيعيد كما يرى رؤية المعري إلى أمرين: الأول: رأفة المعري بالحيوان و عدم ارغبة بأذيتها ، معارضاً بذلك مبدأ التحليل و التحريم . الثاني: أنه يرى أن سفك دم الحيوان و اغتصاب منتجاته المخصصة لغذاء مواليده خارج عن أوضاع الحكمة ، و ذلك كما يرى المؤيد إعتراض على الخالق الذي أوجده. ثم يختم الرسالة برجاء الكشف عن رأيه الفلسفي و العقلي الذي جعله يتخذ هذا الموقف. الرسالة الأولى من المعري إلى المؤيد: يبدأ المعري رده بصيغ من تواضع الفقير لفضل علم المؤيد و يتهرب بشكل قصدي من الإجابة الواضحة و الدقيقة و المقنعة عقلياً ، مدخلاً الحوار في تحليل الإحتمالات التي طرحها المؤيد آخذاً الحقيقة لتبحث عن ذاتها بين مفهومي الخير و الشر و ما هو من عند الله ، مجيباً على تساؤلات المؤيد بتساؤلات المعريالمبنية على الإحتمالات التالية: أولاً- أن الله لا يفعل إلا خيراً و يدحضها بقوله إن الشرور في الحياة هي الغالبة ثانياً- إن هذه المقولة كاذبة أي (أن الله لا يفعل الخير) ، و هذا يعتبره المعري سوء أدب بحق الله ثالثاً – أن الله فاعل الخير و الشر. رابعاً – أن يكون هناك فاعل للخير و فاعل للشر و هذا يستلزم من وجهة نظر المعري وجود إلهين أحدهما للخير و الآخر للشر، و ينفي هذه المقالة و يتهمها بالشرك معلناً عن نفسه قائلاً ( بل نكرم شرعنا ، و نبسط في اتباعه ذرعنا) ، لينتقا إلى طروحات فلسفية لم يصل العقل البشري إلى يقينيات فيها ، فينتقل من ( هل الله فاعل للخير أم لا)) إلى (هل الله عالم بالخير أم لا، و يسأل إذا كان عالماً هل هو مريد له أو غير مريد ، فإذا كان مريداً له فهو الفاعل ن و إذا كان غير مريد له فهو عندئذ لا يصل إلى مرتبة امير في الأرض ، جلَّ و علا . ليصل لنتيجة عقلية ألا و هي نسبية الشر و الخير و القائم بهما. و من خلال أخذه للمؤيد من البحث في الجزئيات إلى الكليات كهروب ذكي من جواب محدد ، يشير إلى سبب مادي، و كأنه أراد به أن يسخر و هو الساخر الحكيم من كل الفلسفات و النظريات الفكرية بكلياتها و جزئياتها معاً ، فيقول مما حثني على ترك أكل الحيوان ، أن الذي لي في السنة نيف و عشرون ديناراً ، فإذا أخذ خادمي بعض ما يجب ، م بقي لي ما لا يعجب ، فاقتصرت على فول و بلسن و ما لا يعذب على الألسن) الرسالة الثانية من المؤيد إلى المعري: يؤكد المؤيد سؤاله لنفس المعري عن هجره لما يسدُّ الجسم من اللحم ، و يرى المؤيد أن المعري لم يعطه جواباً شافياً بل حام حول الموضوع ، و لم يدخل إلى صلبه ، إضافة إلى أنه لم يكن واضحاً في طرحه لرأيه الخاص و ليس لهذه الفذلكات الإجتماعية حول الموضوع ، فيكشف خفايا احتمالاته داعماً رأيه بأمثلة يراها تجيب على تساؤلات المعري الإفتراضية التي تستر عدم رغبته بالإجابة الصريحة عن تساؤلات المؤيد فيعيد تأكيد طلبه ، غامزاً من السبب المادي الذي طرحه المعري واعداً أن يجعل تاج الأمراء الحاكم الفاطمي لحلب أن يزيح عنه العلة المادية و يحسن عيشه ، و هو مقتنع أن إيراد المعري لهذا السبب الواهي هو من باب السخرية من الحياة بعد أن آن أوان الرحيل عنها ، مختتماً رسالته بقوله : (إن ملتمسي فيه المعاني لا الألفاظ) فهو يرغب المضمون لا الشكل . رسالة المعري الثانية إلى المؤيد: لم يبادر المعري للإجابة بالمعاني لا الألفاظ إنما انطلق ليحرف الحوار عن مساره و ليناقش ألفاظ(شكل) الرسالة ، بحيث يكرس أن حرفه لمعاني الرسالة باتجاه ألفاظها الغاية منه الهروب الذي من الرد برأي عقلي مقنع حول امتناعه عن أكل منتوجات الحيوان ، فيذهب لمناقشة السجع في الرسائل مدافعا عنه ، ثم ينتهي إلى أنه من الصعب أن يجيب الإنسان عن أسئلة المؤيد المتعددة ، لأنها تتعلق بالحكمة الإلهية ، و المعري عاجز عن أن يعقلها ، مطلقاً نعوتاً على المؤيد في قوله : ( لو ناظر ارسطاطالي لجاز أن يفحمه ، و أفلاطون لنبذ حججه خلفه ، و الله يجمل بحياته الشريعة ، و ينصر بحجته الملة) و تعتبر هذه الرسالة هي أخر مادونه المعري وفق ما رواه تلميذه أبو الحسن علي بن الهمام رسالة المؤيد الثالثة إلى المعري:في هذه الرسالة بدا أن المؤيد قد فقد المل بالإجابة الواضحة ، فعاب على المعري تزلفه له و هو الراغب بالإستفادة من علم المعري و ثقافته ، ثم يفرق بين مبدأي النقل و العقل و يقف في صف المعري مع العقل ، ثم يتحدث عن أهمية المعري من حيث تقيته و زهده و عقليته و عقلانيته ، ثم يروي السبب الذي دعاه لمراسلته ، فهو يحترمه و يحبه و يقدر ثقافته ، لكنه يريد الرد على من يهاجمه برده هو لا برد المؤيد،لأنه يعتقد أن الجواب المقنع يأتي من مورده ، متسائلاص اخيرأ (( من أين لي أن أظهر على مكنون جواهر علوم دينه كظهوري على مصنفات آدبه وشعره)) ليؤكد في ختام الرسالة و الله تعالى يعلم أني ما قصدت به غير الإستفادة من علمه و الإغتراف من بحره) لتصل الرسالة إلى المعري ولكنه لم يكتب رداً عليها لأن المنية وافته قبل ذلك . هذا الحوار كان بين شاعرين و فيلسوفين و ناقدين فالمعري يتميز بجزالة شعره و ألفاظه أكثر من المؤيد لأن همه الشعري كان يوازي الهم الفكري و الفلسفي و النقدي عنده ، بينما تميز المؤيد بالسهولة و البساطة و الرقة الناجمة من ان شعره دفقات عاطفية و وجدانية ذات مسحة تسبيحية و تراتيل صاغت فلسفته و فكره ، فبساطة الألفاظ توصل لعمق المعاني فهو كان ملتزماً بقضية جمعية ذات نظرة فكرية شاملة ، أما المعري فهو ملتزم بقضيته كإنسان له مكونه الفكري المتفرد ، من هنا كا فكر المعري حراً إلا من الإنسان صانع هذا الفكر ، بينما المؤيد كان يعرف و يشرب من منبع فكري جمعي ذو أصالة ، و عبقرية المعري تتجلى في خطابه التحليلي و الشكي و الإقناعي ، من خلال مفهومه الشكي في كل شيء أخذ رؤيته في الحياة بينما المؤيد في الدين أيضاً يتبع مبدأ الشك لكن الشك الذي هو طريق الإيمان و ليس طريق النكران. و أخيراً لا بد من هذه الملاحظات الهامة حول الرسائل و تاريخيتها: 1- ما كشفها للقارئ هو ورودها في معجم الأدباء لياقوت الحموي ، باختصار انتقائي أضر بها رغم أنه عرفنا عليها. 2- أغلب مؤرخي هذه الرسائل و المحققين لها ذكروا أنها موجودة في المجالس المؤيدية الجزء أو المجلد الثاني و هذا خطأ ناتج عن خلطهم بين كتاب جامع الحقائق و المجالس المؤيدية فهي موجودة في جامع الحقائق المجلد الثاني ، و هي موجودة في المائة الخامسة المجالس 88-89-90 و الموجود فقط رسائل المؤيد في الدين. |
|||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | تقييم هذا الموضوع |
|
|