الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديات الحوارية العامة > منتدى الحوار الفكري العام

منتدى الحوار الفكري العام الثقافة ديوان الأقلاميين..فلنتحاور هنا حول المعرفة..ولنفد المنتدى بكل ما هو جديد ومنوع.

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-12-2014, 09:58 AM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
مهتدي مصطفى غالب
أقلامي
 
الصورة الرمزية مهتدي مصطفى غالب
 

 

 
إحصائية العضو







مهتدي مصطفى غالب غير متصل


افتراضي (الحوار العقلي في الفكر العربي ) بقلم الباحث : مهتدي مصطفى غالب

الحوار العقلي في الفكر العربي
رسائل المؤيد و المعري نموذجاً


تأليف الباحث :مهتدي مصطفى غالب


كثيرا ما تطلق الأحكام المسبقة على الفكر العربي و رجالاته ، من خلال تصور مسبق للإتجاهات الفكرية التي تنتمي لها هذه الرجالات و هذه الأفكار بحيث نسجن هذه الأفكار بشبكة نسجناها من خارجها و نحكم عليها من خلال هذه الخيوط التي إما اخترعها خيالنا المأسور بأراء عششت في ذاكرتنا حتى النخاع ، أو من خلال قراءات نقلناها عن المستعربين أو المستشرقين و كأن كل ما يقوله هؤلاء المغامرون فكريا و حياتياً حقيقة نتيجة لعقد نقص زرعناها في فكرنا فصارت هي هذا الفكر و غاب فكرنا وراء غيوم من الإغتراب الداخلي و الخارجي ، لتنتج عن قراءاتنا لهذا الفكر رؤيا نقلية غير تحليلية و عقلية استطاعت أن تفصل بيننا و بين مكوناتنا التراثية .
و من اهم الأحكام على رجالات الفكر العربي انهم لا يعرفون الحوار العقلي بل الحوار التكفيري الإتهامي، بمعنى أن كل منهم يتهم و يشتم و يكفر فكر الأخر ، و رغم وجود مثل هذه الظواهر الفكرية و خصوصا عند المفكرين النقليين غير العقليين إلا أن صفحات التراث الفكري مليئة بنماذج هامة للحوار الفكري و العقلي بين مفكرين عرب و فلاسفة و شعراء و ادباء على مدار التاريخ ، إلا أنَّ القراءات الإنتقائية التي يمارسها بعض الفكر النقلي للتراث العربي تجعلهم يسلطون الضوء على الإنكسارات الفكرية للعقل النقلي لأنه يطابق رؤيتهم الضيقة للفكر العربي ، بينما يغيبون حوارات فكرية رائعة تجلت في نقاشات حول مواضيع جد مهمة منها على سبيل المثال لا الحصر ( حوارات الرازيينالتي أعطت الفكر النبوي كتباً فلسفية مهمة جداً)و كذلك حوارات ( ابن رشد و الغزالي التي أعطت : تهافت الفلاسفة و تهافت التهافت) و منها أيضاً ما اصطلح على تسميته ( مناظرات المعري وا لمؤيد في الدين) التي نقدم في هذه العجالة قراءة تعريفية لها، لعلها تقدم النموذج للحوار العقلي بين مفكرين و شاعرين يتشابهان بكل شيء إلا في نظرتهما للحياة فالمعري زاهد و رهين المحبسين الذين اختارهما ، و المؤيد المكرس حياته لما آمن به من فكر فلسفي و ديني و الساعي دائما لتطبيق هذا الإيمان بشكله الواقعي كما تراه المنظومات الفكرية الفاطمية ، بينما المعري رهن نفسه ضمن منظومة فكرية و حياتية إختارها كمفكر و عاشها كما اقتنع بها شخصياً ، و هذا هو الفرق الأساس بينهما فالمؤيد مؤمن بفكر جمعي تطور لحد أصبح منظومات فكرية جمعية و ليست فردية أي أن الآخر في فكره هو جزء منه ، بينما المعري عاش ضمن مكونات فكرية شخصية و لم يسع لطرح فكره للآخر كي يعتنقه و يحوله إلى فكر جمعي يتأطر في منظومات فكرية جمعية ، هذه هي النقطة التي تجعلنا نقرأ حوارهما الفكري من خلالها فنفهم لماذا يصر المؤيد على المعري لكشف حقيقة رأيه للآخر ، بينما كان المعري يدافع عن نظرة فردية يعيشها بكل تفاصيلها و لا يهتم كثيرأ إ، إقتنع الآخر بها أم لا فهو لا يدعو لتبني منظومته الفكرية من قبل الأخرين ، و هو ما يخالفه به المؤيد في الدين ’ و قبل الغوص في التحليل لابد من أن نعرف المؤيد في الدين . اسمه: هبة الله بن أبي عمران موسى بن داؤد الشيرازي السلماني، يُكنى بأبي نصر يلقب بالمؤيد في الدين و هو لقب حصل عليه من أئمة الفاطميين في مصرز
ولد في شيراز سنة 390هجرية(999م) في أرة فاطمية المعتقد و أبوه كان حجة جزيرة فارس في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي ، و لقد أعده والده ليأخذ موقعه و كان له ذلك بعد أن وافته المنية ، و كانت باكورة أعماله اتصاله الملك البويهي أبو كاليجار الذي أعجب به واستمع إليه، وحضر مجالس مناظرته مع العلماء من المعتزلة والزيدية والسنة.
خرج المؤيد إلى مصر سنة 437للهجرة و وصلها سنة 439للهجرة حيث تقلد (ديوان الإنشاء) و بقي في مصر زهاء ثلاثين عاماص كان خلالها يكتب و يؤلف و يحاضر و يدير شؤون الدعوة الفاطمية إضافة لقيامه ببعض المهام لإدارية و السياسية التي كان يكلفه بها الخليفة الفاطمي المستنصر بالله ، وقد تمكن من رفع راية الدولة الفاطمية فوق بغداد. وأجبر الخليفة العباسي القائم بأمر الله سنة 450 على مغادرة البلاد .
فكان علماً من أعلام عصره فكرياً و شعرياً و إدارياً و سياسياً ، عرفته الأوساط الفكرية و الأدبية و السياسية في عصره و مابعد عصره ، فقد كان عالماً متفوقاً، قوي الحجة في مناظرته ومناقشاته مع مخالفيه.
إضافة لكونه واسع الإطلاع في علوم اللغة العربية ، فمن يطلع على سيرته يدرك جيداً تعمقه في مفاصل اللغة لعربية و من يقرأ ديوانه الشعري يعرف أنه كان شاعراً قوياً صاحب قضية إلتزم بها و دافع عنها بكليته الشعرية فطرح العقائد الفاطمية بلغة شعرية سهلة و رقيقة بغية تسهيل حفظها في القلوب بعد العقول مثل : ( التوحيد ، الولاية ، التأويل، إعجاز القرآن ، ...الخ)
توفي في قاهرة المعز لدين الله الفاطمي شيخاً بلغ الثمانين ، عام 470 للهجرة المحمدية(1077م) و دفن فيها بعد أن صلى عليه الخليفة الفاطمي المستنصر بالله
و ترك أعمالا فكرية عديدة منها:
1- السيرة المؤيدية – حققها محمد كامل حسين – دار الفكر العربي – القاهرة-1949
2- ديوان المؤيد – حققه محمد كامل حسين – القاهرة – 1949
3- المجالس المؤيدية – و هي ثمانمائة مجلسا كل مائة منها في كتاب حقق الدكتور مصطفى غالب ( الأولى و الثالثة)1974-1984 و حقق مهتدي غالب ( الرابعة و الثانية و الخامسة و السادسة) 1992-2008م – و حقق حاتم حميد الدين (لمائة الأولى و الثانية) عام 1975 اختصرها حاتم بن ابراهيم الحامدي في كتاب سماه (جامع الحقائق) حققه: م.عبد القادر – القاهرة - 1975
4- كتاب نهج الهداية للمهتدين (نهج العبادة) تحقيق: مهتدي غالب – 2009
5- بونيادي تأويل – و هو ترجمة المؤيد لكتاب أساس التأويل للقاضي النعمان
6- الإيضاح
7- شرح المعاد
8- الإبتداء و الإنتهاء
و هناك مؤلفات أخرى كثيرة و تنسب إليه كتب و أشعار كثيرة لا مجال لذكرها هنا لأن ذلك خارج ما نعرضه.
الرسائل المتبادلة بين المؤيد في الدين و المعري
أرخ التاريخ الأدبي لهذه الرسائل عن طريقين الأول ما أورده ياقوت الحموي في معجمه عند تقديمه للمعري فقدم ما اعتبره الرسائل ، و ما أورده حاتم بن ابراهيم الحامدي في كتابه جامع الحقائق الجزء الثاني ، إلا أننا سنعتمد النسخ الكاملة للرسائل المجالس 88 حتى 98كما أوردها المؤيد في الدين في كتابه المجالس المؤيدية المائة الخامسة ،بالطبع المجال لا يتسع لعرضها بكليتها و سأقدم عرضاً موجزا للرسائل بالتأكيد لا يُغني عن قراءتها ، و للآسف معظم تحقيقات هذه الرسائل اغفلت بعضاً منها و سنحاول كشف هذا البعض لحين إظهار هذه الرسائل كما هي و لابد من الإشارة إلى أن المعري لم يدون هذه الرسائل أو يذكرها في اي من كتبه و يعود ذلك إلى أنها حصلت في أواخر عمره فلم يدونها أو أن تلامذته أنكروها عليه أو أنها ضاعت مع بعض مؤلفاته الضائعة ، فنحن سنأخذ رسائل المؤيد منه أما رسالتي المعري فمن تحقيق محب الدين الخطيب للرسائل كاملة عن نسخة من خزانة أحمد تيمور باشا و هي أقرب النسخ للدقة و الكمال ، طبعها في القاهرة في المطبعة السلفية عام 1349هجرية ، و روى في مقدمته أن المؤيد في الدين هبة الله الشيرازي أراد مداعبة المعري الشاعر الحكيم و هو في آخر شيخوخته ، فكتب إليه يستنكر اجتنابه أكل اللحم و يسأله بيان الحجة في استحسان هذا النوع من الزهد ، و هذا رأي يجانب الحقيقة التي أوردها المؤيد في الدين في رسالته الثالثة التي كاشف فيها المعري و كشف له سبب رسالتيه الأولى و الثانية بعد أن أعيته الحيلة بأن ينال من المعري جواباً شافيا يدافع فيه عن حكيم المعرة ؛ و هناك من عزى هذه الرسائل لمحاولة المؤيد استمالة المعري للفاطميين ، أعتقد أن طرح هذا السبب يفترض أن المؤيد لا يعرف المعري و العكس صحيح فالرسائل المتبادلة تؤكد معرفة كل منهما للآخر معرفة وثيقة و دقيقة و هي معرفة أصدقاء و حكماء يمشون على دروب الحقيقة و لو كان كل منهما يسلك طريقه الخاص فهما في الهم الفكري سواء، وهما معاً ينتميان لمدرسة عقلية واحدة ، و خطابهما العقلي، و إن تباينت رؤية كل منهما عن الآخر فكلاهما يؤكدان مقولة المؤيدإن العقل و العقل وحده هو ما ينبغي أن يسترشد به الإنسان في بحثه عن الحقيقة).
و لكي نؤكد توأمتهما الفكرية نورد ما قاله حكيم المعرة في رسالته الثانية إذ يقول مظهراص عزة نفسه و إيمانه بالدولة الفاطمية حتى عقائدياً إن السيد الأجل تاج الأمراء فخر الملك عمدة الإمامة و عدة الدولة و مجدها و عزها ذا الفخرين أعز الله نصره يضيف أولاد سام و من ولده أخوه حام و كذلك نسل يافث ، و لو فتحت يأجوج و مأجوج لجاز أن يضمن لهم قرى الأضياف . وود العبد لو أن قلعة حلب – حماها الله – و جميعجبال الشام جعلها الله القادر ذهباً لنفقة السيد الأجل تاج الأمراء خلد الله إمارته في نصر الدةلة النبوية على إمامها السلام، و كذلك على الأئمة الطاهرين آبائه ) .. فاللغة و المصطلحات فاطمية ، علما أن تاج الأمراء هو الحاكم الفاطمي على قلعة حلب في ذلك الوقت فهل نشك للحظة بعفة و إباء المعري لنعرف ميوله أين ؟؟!! حتى و لو لم يصرح بهذه الميول بشكل مباشر.
قصة الرسائل كما يرويها المؤيد في الدين : فهو يروي سبب تبادل الرسائل بكل وضوح إذ يقول: ( فلما رمت بي الرامي إلى ديار الشام و مصر سمعت عن الشيخ – وفقه الله – بفضل في الأدب و العلم قد اتفقت عليه الأقاويل ، و وضح به البرهان و الدليل ، و رأيت الناس فيما يتعلق بدينه مختلفين ن وفي أمره متبلبلين : فكل يذهب فيه مذهباً ، و يتبع من تقاسيم الظنون سبباً. و حضرت مجلساً جليلاً أجري فيه ذكره ، فقال الحاضرون فيه غثاً و سميناً ، و قام في نفسي أن عنده من حقائق دين الله سرّاً ، قد أسبل عليه من التقية ستراً ، و أمراً تميز به عن قوم يكفر بعضهم بعضاً ، ويلعن بعضهم بعضاً ، و لما سمعت البيت:
غدوت مريض الدين و العقل فالقني لتسمع أنباء العقول الصحائح
فوثقت من خلدي فيما حدست عقوده. و تأكدت عهوده، و قلت إن لساناً يستطيع بمثل هذه الدعوى نطقاً ، و يفتق من هذا العظيم رتقاً للسان صامت عنده كل ناطق)
من هنا نستشف أن المؤيد عند إقامته في حلب سنة 449هجرية جاء قوم لمجلسه و تهجموا على المعري و كفروه و طالبوا بالقصاص له ، إلا أن المؤيد الذي قرأ المعري و عرفه تمام المعرفة ، أراد أن يحصل على سبب مقنع من المعري كي يدافع به عن المعري أمام متهمي ليس لعجزه عن الدفاع عنه و هو الذي ردهم و أنبهم على ما اتهموه به ، بل كي يؤكد دفاعه بأقوال المعري و هو لم يظهر له هذا بل سأله عن بيت الشعر هذا و هو يعرف أن قائل هذا البيت يقف الجميع صامتين أمام نطقه.
عرض موجز لمضامين الرسائل
الرسالة الأولى من المؤيد إلى المعري: خاطب فيها المؤيد أبا العلاء المعري بعد ديباجة التحية و التمجيد بعظمة المعري الفكرية المشهود له بفضلة الأدب و النقد، مفتتحاً الحوار ببيت شعر لأبي العلاء المعري ألا وهو:
غدوت مريض الدين و العقل فالقني لتعلم أنباء الأمور الصحائح
و هي وردت في المجالس (العقول) و ليس (الأمور) و لقد عرضنا الحالتين ليتبين القارئ أيهما أدق ، و من خلال هذا البيت ينطلق ليعرض على المعري ما انتابه من تساؤلات و الإحتمالات التي يرغب من المعري من خلالها إيضاح و تعليل لماذا لا يأكل ما ينتجه الحيوان من حليب وبيض و لحم من وجهة نظره الخاصة داعياً إياه لكشف قناعاته هذه للناس كي يكفوا عن لومه و تكفيره فالمؤيد لا يلومه و لا يكفره بل يدعوه لكشف رؤيته الخاصة بهذه الناحية ، فيعيد كما يرى رؤية المعري إلى أمرين:
الأول: رأفة المعري بالحيوان و عدم ارغبة بأذيتها ، معارضاً بذلك مبدأ التحليل و التحريم .
الثاني: أنه يرى أن سفك دم الحيوان و اغتصاب منتجاته المخصصة لغذاء مواليده خارج عن أوضاع الحكمة ، و ذلك كما يرى المؤيد إعتراض على الخالق الذي أوجده.
ثم يختم الرسالة برجاء الكشف عن رأيه الفلسفي و العقلي الذي جعله يتخذ هذا الموقف.
الرسالة الأولى من المعري إلى المؤيد: يبدأ المعري رده بصيغ من تواضع الفقير لفضل علم المؤيد و يتهرب بشكل قصدي من الإجابة الواضحة و الدقيقة و المقنعة عقلياً ، مدخلاً الحوار في تحليل الإحتمالات التي طرحها المؤيد آخذاً الحقيقة لتبحث عن ذاتها بين مفهومي الخير و الشر و ما هو من عند الله ، مجيباً على تساؤلات المؤيد بتساؤلات المعريالمبنية على الإحتمالات التالية:
أولاً- أن الله لا يفعل إلا خيراً و يدحضها بقوله إن الشرور في الحياة هي الغالبة
ثانياً- إن هذه المقولة كاذبة أي (أن الله لا يفعل الخير) ، و هذا يعتبره المعري سوء أدب بحق الله
ثالثاً – أن الله فاعل الخير و الشر.
رابعاً – أن يكون هناك فاعل للخير و فاعل للشر و هذا يستلزم من وجهة نظر المعري وجود إلهين أحدهما للخير و الآخر للشر، و ينفي هذه المقالة و يتهمها بالشرك معلناً عن نفسه قائلاً ( بل نكرم شرعنا ، و نبسط في اتباعه ذرعنا) ، لينتقا إلى طروحات فلسفية لم يصل العقل البشري إلى يقينيات فيها ، فينتقل من ( هل الله فاعل للخير أم لا)) إلى (هل الله عالم بالخير أم لا، و يسأل إذا كان عالماً هل هو مريد له أو غير مريد ، فإذا كان مريداً له فهو الفاعل ن و إذا كان غير مريد له فهو عندئذ لا يصل إلى مرتبة امير في الأرض ، جلَّ و علا . ليصل لنتيجة عقلية ألا و هي نسبية الشر و الخير و القائم بهما.
و من خلال أخذه للمؤيد من البحث في الجزئيات إلى الكليات كهروب ذكي من جواب محدد ، يشير إلى سبب مادي، و كأنه أراد به أن يسخر و هو الساخر الحكيم من كل الفلسفات و النظريات الفكرية بكلياتها و جزئياتها معاً ، فيقول مما حثني على ترك أكل الحيوان ، أن الذي لي في السنة نيف و عشرون ديناراً ، فإذا أخذ خادمي بعض ما يجب ، م بقي لي ما لا يعجب ، فاقتصرت على فول و بلسن و ما لا يعذب على الألسن)
الرسالة الثانية من المؤيد إلى المعري: يؤكد المؤيد سؤاله لنفس المعري عن هجره لما يسدُّ الجسم من اللحم ، و يرى المؤيد أن المعري لم يعطه جواباً شافياً بل حام حول الموضوع ، و لم يدخل إلى صلبه ، إضافة إلى أنه لم يكن واضحاً في طرحه لرأيه الخاص و ليس لهذه الفذلكات الإجتماعية حول الموضوع ، فيكشف خفايا احتمالاته داعماً رأيه بأمثلة يراها تجيب على تساؤلات المعري الإفتراضية التي تستر عدم رغبته بالإجابة الصريحة عن تساؤلات المؤيد فيعيد تأكيد طلبه ، غامزاً من السبب المادي الذي طرحه المعري واعداً أن يجعل تاج الأمراء الحاكم الفاطمي لحلب أن يزيح عنه العلة المادية و يحسن عيشه ، و هو مقتنع أن إيراد المعري لهذا السبب الواهي هو من باب السخرية من الحياة بعد أن آن أوان الرحيل عنها ، مختتماً رسالته بقوله : (إن ملتمسي فيه المعاني لا الألفاظ) فهو يرغب المضمون لا الشكل .
رسالة المعري الثانية إلى المؤيد: لم يبادر المعري للإجابة بالمعاني لا الألفاظ إنما انطلق ليحرف الحوار عن مساره و ليناقش ألفاظ(شكل) الرسالة ، بحيث يكرس أن حرفه لمعاني الرسالة باتجاه ألفاظها الغاية منه الهروب الذي من الرد برأي عقلي مقنع حول امتناعه عن أكل منتوجات الحيوان ، فيذهب لمناقشة السجع في الرسائل مدافعا عنه ، ثم ينتهي إلى أنه من الصعب أن يجيب الإنسان عن أسئلة المؤيد المتعددة ، لأنها تتعلق بالحكمة الإلهية ، و المعري عاجز عن أن يعقلها ، مطلقاً نعوتاً على المؤيد في قوله : ( لو ناظر ارسطاطالي لجاز أن يفحمه ، و أفلاطون لنبذ حججه خلفه ، و الله يجمل بحياته الشريعة ، و ينصر بحجته الملة)
و تعتبر هذه الرسالة هي أخر مادونه المعري وفق ما رواه تلميذه أبو الحسن علي بن الهمام
رسالة المؤيد الثالثة إلى المعري:في هذه الرسالة بدا أن المؤيد قد فقد المل بالإجابة الواضحة ، فعاب على المعري تزلفه له و هو الراغب بالإستفادة من علم المعري و ثقافته ، ثم يفرق بين مبدأي النقل و العقل و يقف في صف المعري مع العقل ، ثم يتحدث عن أهمية المعري من حيث تقيته و زهده و عقليته و عقلانيته ، ثم يروي السبب الذي دعاه لمراسلته ، فهو يحترمه و يحبه و يقدر ثقافته ، لكنه يريد الرد على من يهاجمه برده هو لا برد المؤيد،لأنه يعتقد أن الجواب المقنع يأتي من مورده ، متسائلاص اخيرأ (( من أين لي أن أظهر على مكنون جواهر علوم دينه كظهوري على مصنفات آدبه وشعره)) ليؤكد في ختام الرسالة و الله تعالى يعلم أني ما قصدت به غير الإستفادة من علمه و الإغتراف من بحره)
لتصل الرسالة إلى المعري ولكنه لم يكتب رداً عليها لأن المنية وافته قبل ذلك .
هذا الحوار كان بين شاعرين و فيلسوفين و ناقدين فالمعري يتميز بجزالة شعره و ألفاظه أكثر من المؤيد لأن همه الشعري كان يوازي الهم الفكري و الفلسفي و النقدي عنده ، بينما تميز المؤيد بالسهولة و البساطة و الرقة الناجمة من ان شعره دفقات عاطفية و وجدانية ذات مسحة تسبيحية و تراتيل صاغت فلسفته و فكره ، فبساطة الألفاظ توصل لعمق المعاني فهو كان ملتزماً بقضية جمعية ذات نظرة فكرية شاملة ، أما المعري فهو ملتزم بقضيته كإنسان له مكونه الفكري المتفرد ، من هنا كا فكر المعري حراً إلا من الإنسان صانع هذا الفكر ، بينما المؤيد كان يعرف و يشرب من منبع فكري جمعي ذو أصالة ، و عبقرية المعري تتجلى في خطابه التحليلي و الشكي و الإقناعي ، من خلال مفهومه الشكي في كل شيء أخذ رؤيته في الحياة بينما المؤيد في الدين أيضاً يتبع مبدأ الشك لكن الشك الذي هو طريق الإيمان و ليس طريق النكران.
و أخيراً لا بد من هذه الملاحظات الهامة حول الرسائل و تاريخيتها:
1- ما كشفها للقارئ هو ورودها في معجم الأدباء لياقوت الحموي ، باختصار انتقائي أضر بها رغم أنه عرفنا عليها.
2- أغلب مؤرخي هذه الرسائل و المحققين لها ذكروا أنها موجودة في المجالس المؤيدية الجزء أو المجلد الثاني و هذا خطأ ناتج عن خلطهم بين كتاب جامع الحقائق و المجالس المؤيدية فهي موجودة في جامع الحقائق المجلد الثاني ، و هي موجودة في المائة الخامسة المجالس 88-89-90 و الموجود فقط رسائل المؤيد في الدين.






 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 01:01 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط