|
|
المنتدى الإسلامي هنا نناقش قضايا العصر في منظور الشرع ونحاول تكوين مرجع ديني للمهتمين.. |
مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان) |
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
01-09-2021, 12:23 PM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة
﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ 1 ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ 2 ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ 3مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ 4 إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ 5 ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ 6 صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ 7﴾ |
|||
01-09-2021, 12:24 PM | رقم المشاركة : 2 | |||
|
رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة
فضل سورة الفاتحة لا يخفى على أحد دور فاتحة الكتاب في حياة المسلم، تلك السورة التي تتصدر في المصحف سور القرآن الكريم: 1) يتلوها المسلم في صلاته سبع عشرة مرة على الأقل كل يوم، ولا تصح صلاة من لا يتلوها في كل ركعة. عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رض)، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ثَلَاثًا غَيْرُ تَمَامٍ". أخرجه مسلم (395)، وأبو داود (821)، والترمذي (2953)، وفي "العلل الكبير" (110) واللفظ له، والنسائي (909)، وابن ماجه (838)، وأحمد (7291). 2) هي السورة التي خصها المولى جل وعلا بالذكر كما نرى لأهميتها وفضلها مدحها، ومَنَ بها علينا: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾الحجر87 فهي السبع المثاني في أرجح أقوال السلف. 3) ورد في البخاري عن أبي سعيد بن المعلى، أنه قال: كُنْتُ أُصَلِّي في المَسْجِدِ، فَدَعانِي رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، فقالَ: ألَمْ يَقُلِ اللَّهُ: ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾؟الأنفال 24 ثُمَّ قالَ لِي: "لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هي أعْظَمُ السُّوَرِ في القُرْآنِ قَبْلَ أنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ". ثُمَّ أخَذَ بيَدِي، فَلَمَّا أرادَ أنْ يَخْرُجَ، قُلتُ له: ألَمْ تَقُلْ: لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هي أعْظَمُ سُورَةٍ في القُرْآنِ؟ قالَ: "﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هي السَّبْعُ المَثانِي، والقُرْآنُ العَظِيمُ الذي أُوتِيتُهُ". حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى , عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ : حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قَالَ : (الحديث). صحيح البخاري (4474). 4) وورد في صحيح مسلم عن ابن عباس أنه قال: بينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم عنده جبريلُ إذ سمِع نَقيضًا من فوقهِ ، فرفعَ جبريلُ بصرَه إلى السماءِ فقال : "هذا بابٌ فُتِح من السماءِ ما فُتِح قطُّ قال : فنزل منه ملَكٌ فأتَى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم فقال : أبشِرْ بنورَينِ أوتيتُهما لم يؤتَهُما نبيٌّ قبلكَ فاتحةِ الكتابِ وخواتيمِ سورةِ البقرةِ لن تَقرأَ حرفًا منهما إلَّا أُعطيتَهُ". رواه: عبد الله بن عباس. وأخرجه: مسلم (806)، والنسائي (912) باختلاف يسير، والبغوي في "شرح السنة" (4/466) واللفظ له. 5) لأهميتها ومكانتها وشرفها، جمعت مقاصد الشرع، وأصول الدين، وأجملت ما فُصًل في سائر الذكر الحكيم. 6) للفاتحة أسماء كثيرة، منها: القرآن العظيم، وأم القرآن، والوافية، والكافية، والنور، والحمد، والشكر، والصلاة، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى. 7) ومن أسمائها كذلك: الشفاء، والشافية، والرقية، والواقية. وقد ورد في الحديث الشريف: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: انْطَلَقَ نَفَرٌ مِن أَصْحَابِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حتَّى نَزَلُوا علَى حَيٍّ مِن أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فأبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذلكَ الحَيِّ، فَسَعَوْا له بكُلِّ شَيءٍ، لا يَنْفَعُهُ شَيءٌ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: لو أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا؛ لَعَلَّهُ أَنْ يَكونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيءٌ، فأتَوْهُمْ، فَقالوا: يا أَيُّهَا الرَّهْطُ، إنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا له بكُلِّ شَيءٍ، لا يَنْفَعُهُ؛ فَهلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنكُم مِن شَيءٍ؟ فَقالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، وَاللَّهِ إنِّي لَأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَما أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ علَى قَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عليه، وَيَقْرَأُ: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾، فَكَأنَّما نُشِطَ مِن عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَما به قَلَبَةٌ، قالَ: فأوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذي صَالَحُوهُمْ عليه، فَقالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا، فَقالَ الَّذي رَقَى: لا تَفْعَلُوا حتَّى نَأْتِيَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَنَذْكُرَ له الَّذي كَانَ، فَنَنْظُرَ ما يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَذَكَرُوا له، فَقالَ: "وَما يُدْرِيكَ أنَّهَا رُقْيَةٌ؟" ثُمَّ قالَ: "قدْ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لي معكُمْ سَهْمًا". فَضَحِكَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. أخرجه الشيخان: البخاري (2276)، ومسلم (2201) مختصراً. 8) كما أنها تشفي من مرض البدن، فإنها شفاء لأمراض القلوب، يقول ابن قيم: "وكثيرا ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ ﴾ تدفع الرياء و ﴿وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ ﴾ تدفع الكبرياء .فإذا عوفي من مرض الرياء بـ ﴿إياك نعبد﴾ ومن مرض الكبرياء والعجب بـ ﴿وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ ﴾ ومن مرض الضلال والجهل ب ﴿ٱهۡدِنَاٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ﴾ عوفي من أمراضه وأسقامه، ورفل في أثواب العافية، وتمت عليه النعمة، وكان من المنعم عليهم غير المغضوب عليهم وهم أهل فساد القصد، الذين عرفوا الحق وعدلوا عنه والضالين وهم أهل فساد العلم، الذين جهلوا الحق ولم يعرفوه". بدائع التفسير لابن قيم الجوزية، ج1، ص 41. |
|||
11-09-2021, 12:19 PM | رقم المشاركة : 3 | |||
|
رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة
الاســـتعاذة لم ترد الاستعاذة في سورة الفاتحة، ولا في صدر أية سورة من سور التنزيل الحكيم، ولكنها مندوب لها في سائر أعمالنا، خاصة قبيل تلاوة آيات الله. ونحن نحب أن نذكر جانباً من معانيها وفضلها وأهدافها ومشروعيتها قبل البدء في تأمل الكتاب وقراءة مدلولاته. أولًا: معنى الاستعاذة في العربية: الاستعاذة: مصدر استعاذ، وأعوذ فعل مضارع يصلح للحال والاستقبال، وهو مشتق من العوذ؛ وهو الالتجاء إلى الشيء، ثم يحمل عليه كل شيء لصق بشيء أو لازمه. والعَوَذ الملجأ، ومثله: العوذة، وهو ما يعاذ به من الشر، وقيل: للرقية والتميمة. والْعَائِذُ مِنَ الْإِبِلِ: الحديثة النتاج إلى خمس عشرة أو نحوها، من ذلك أيضاً: وعاذت بولدها: أقامت معه وحدبت عليه ما دام صغيراً، أو أن ولدها عاذ بها، وانقلب المعنى. وعلى هذا فإن العوذ له معنيان: 1) الالتجاء إلى الشيء، والانحياز له، والاستجارة به. يقول الراجز: أعَوْذ بربي منكمُ وحَجْرُ ويقال: عذت بالشيء أعوذ عوذًا وعياذًا ومعاذًا إذا لذت به ولجأت إليه واعتصمت به ، وهو عياذي، أي: ملجئي. يقول أبو الطيب: يَا مَــنْ أَلُـــوذُ بِــهِ فِيمَــا أُؤمِّلُـــهُ ..... وَمَـنْ أَعُـــوذُ بِهِ مَمَا أُحَــــاذِرُه لا يجْبرُ النَّاسُ عظمًا أنت كاسِرُهُ ..... ولا يهيضُونَ عظمًا أنْتَ جابرُهُ 2) الالتصاق: يقال: أطيب اللحم عوذه، وهو ما التصق منه بالعظم. و "أعوذ بالله" تفسر على الوجهين، فمدلول المعنى الأول: ألتجئ إلى رحمة الله وعصمته، ومن المعنى الثاني: التصق نفسي بفضل الله ورحمته. ثانيًا: المعنى الاصطلاحي: لا يختلف معنى الاستعاذة الاصطلاحي كثيرًا عن المعنى اللساني، فهي الالتجاء إلى الله والالتصاق بجنابه من شر كل شر. والعياذة تكون لدفع الشر، و اللياذة تكون لطلب الخير. والاستعاذة من الشيطان الرجيم تعني أن يتوجه المرء لله سبحانه وتعالى ليجنبه شر وساوس الشيطان وهمزه ولمزه. الاستعاذة إذاً في معناها اللساني هو اللجوء ممن تخافه إلى من يعصمك منه. ومعناها الشرعي هو أن تستجير بالله دون سائر خلقه من الشيطان أن يضرك في دينك أو يصدك عن حق يلزمك لربك. ولها وجهان: الاستجارة بذي منعة، والاستعانة عن خضوع. وشرعاً هي: الالتجاء إلى الله، والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر، قال تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ النحل 98. ولعل بركة الاستعاذة حين قالت امرأة عمران: ﴿وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ﴾ آل عمران 36 إذ قُبلت فكانت سبباً في جعل ابنتها مريم سيدة نساء العالمين. ورود الاستعاذة في القرآن الكريم: 1) في صيغة المصدر، في نحو قوله تعالى: ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ يوسف 23. 2) في صيغة الفعل الماضي: في نحو: ﴿وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾ غافر 27. 3) في صيغة الفعل المضارع: في نحو: ﴿قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ البقرة 67. 4) في صيغة فعل الأمر: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ الأعراف 200. أنواع الاستعاذة: الاستعاذة لأنها طلب الحماية من مكروه، فالمستعيذ معتصم بمن استعاذ به، والاستعاذة أنواع: 1) الاستعاذة بالله تعالى وهي المتضمنة لكمال الافتقار إليه والاعتصام به واعتقاد كفايته وتمام حمايته من كل شيء حاضر أو مستقبل، صغير أو كبير، من البشر أو من غيرهم، ودليلها سورتا الفلق والناس. 2) الاستعاذة بصفة من صفات الله وأسمائه، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "أعوذُ بكَلِماتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق"1 وقوله : "وأعوذُ بعظمتِك أن أُغتالَ مِن تحتي"2. 1 مَن قال إذا أمْسى ثلاثَ مَرَّاتٍ: "أعوذُ بكَلِماتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ، لم تَضُرَّه حُمَةٌ تلك اللَّيلةَ". قال: فكان أهلُنا قد تَعَلَّموها، فكانوا يقولونَها كلَّ لَيلةٍ، فلُدِغتْ جاريةٌ منهم، فلم تَجِدْ لها ألَمًا. الراوي: أبو هريرة. أخرجه مسلم (2709)، وأبو داود (3899)، والنسائي في السنن الكبرى (10421)، وابن ماجه (3518) بنحوه، والترمذي (3604) ، وأحمد (7898) باختلاف يسير. 2 لَمْ يَكُنْ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَعُ هؤلاء الدعواتِ حينَ يُمسي، وحينَ يُصبِحُ: "اللهم إني أسألُك العافيةَ في الدنيا والآخرةِ، اللهم إني أسألُك العفوَ والعافيةَ في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استرْ عورتي وآمنْ روعاتي، اللهم احفظْني مِن بين يديَّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذُ بعظمتِك أن أُغتالَ مِن تحتي." الراوي: عبدالله بن عمر. خلاصة حكم المحدث: صحيح، صحيح أبي داود (5074). 3) الاستعاذة بالأموات أو الأحياء غير الحاضرين القادرين على العوذ، فهذا شرك، ومنه قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ الجن 6. 4) الاستعاذة بما يمكن العوذ به من المخلوقين من البشر أو الأماكن أو غيرها فهذا جائز ودليله قوله صلى الله عليه وسلم في ذكر الفتن: "سَتَكُونُ فِتَنٌ القاعِدُ فيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ، والقائِمُ فيها خَيْرٌ مِنَ الماشِي، والماشِي فيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، ومَن يُشْرِفْ لها تَسْتَشْرِفْهُ، ومَن وجَدَ مَلْجَأً أوْ مَعاذًا فَلْيَعُذْ بهِ". الراوي : أبو هريرة. متفق عليه: صحيح البخاري (3601)، وصحيح مسلم (2886). منزلة الاستعاذة وآثارها: أولًا: الاستعاذة مظهر من مظاهر التوحيد: الاستعاذة عبادة قولية، تصرف لله وحده، ولا ينبغي الاستعاذة إلا به، ولا يستعاذ بأحد من خلقه؛ بل هو يعيذ المستعيذين، ويعصمهم، ويمنعهم من شر ما استعاذوا من شره. وقد أمر الله نبيه بالاستعاذة به في سورتي الفلق والناس، بصيغة الرب والملك والإله، فجمع الربوبية والإلاهية معاً في لفظ متتابع ليؤكد أن الأمر كله إليه. وإذا كان ذلك كذلك، فلا مجال للخوف مما عدا الله. ثانيًا: الاستعاذة من هدي الأنبياء والصالحين: وقد أمرنا الله بالاقتداء بهم. قال تعالى: ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ﴾ الأنعام 90. ومن استعاذات الأنبياء: 1) نوح عليه السلام، قال: ﴿رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ هود 47. وكانت نتيجة استعاذة نوح (ع) أن وهبه الله السلام والبركات، فقال تعالى: ﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ۚ ﴾ هود 48. 2) يوسف عليه السلام حين راودته التي هو في بيتها عن نفسه، قال: ﴿مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ يوسف 23. فصرف الله عنه السوء والفحشاء، فقال: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ يوسف 79، ثم إنه تبارك وتعالى أظهر براءته، ورفع مكانته. 3) موسى عليه السلام يتقوى بربه من أن يتعرض لأذى فرعون وقومه، قال: ﴿وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ 20 ﴾ الدخان. فأُعْطِيَ إنجاء قومه، وإهلاك عدوه، وتوريثه وقومه أموال وديار آل فرعون. 4) وقد استن بسنتهم الصالحون، فامرأة عمران لجأت إلى الله بالاستعاذة ليحفظ عقبها، فقالت: ﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ آل عمران 36. فتقبل المولى جل وعلا مريم بأفضل مما تحلم أمها. يقول تعالى: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ﴾ آل عمران 37، ثم إنه برأها من الزنى بآية إنطاق الوليد، الذي وهبها إياه من غير أب، وجعله رابع أولي العزم من الرسل. الصيغ المأثورة للاستعاذة: هي كثيرة، والاستعاذة تتحقق بأي لفظ، لكن الأفضل هو المأثور. وأشهر الاستعاذات المأثورة: 1) أعوذ برب الفلق، 2) أعوذ برب الناس، 3) رب أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون، 4) ومن السنة النبوية استعاذات كثيرة، منها: ..... - أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ..... - أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ..... - أعوذ بكلمات الله التامات، ..... - أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم، ..... - اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم وهمزه ونفخه ونفثه. ما الفرق بين: الاستعاذة والاستعانة والاستغاثة؟: الثابت هو خصوصية الاستعاذة، وهي عبادة لدفع الشر، بينما الغرض من الدعاء في معناه الاصطلاحي: هو عبادة تقوم على جلب الخير. لكن ما قد يحتاج إلى مزيد توضيح هو الفرق بين الاستعاذة وكل من الاستعانة والاستغاثة. 1) الاستعانة: الاستعانة: مصدر استعان، وهو من العون بمعنى المعاونة. والعون: الظهير على الأمر، يقال: فلان عوني، أي: معيني. وقد أعنته، والمعونة: الإعانة، ورجل معوان حسن المعونة، وكثير المعونة للناس. وكل شيء أعانك فهو عون لك، كالصوم عون على العبادة. والاستعانة: استفعال من العون، أي: طلب العون، فيقال: استعنته واستعنت به فأعانني. والمعنى الشـرعي للاستعانة لا يختلف عن معناه اللسـاني، يقول تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ ﴾ البقرة 45. فالاستعانة هي طلب العون؛ لإزالة العجز، سواء أكانت الاستعانة بالله في كل أمر، أم كانت بغيره فيما يقدر عليه. أما الاستعانة بالله، المتضمنة كمال الطاعة والخضوع، كما في قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ ٥ ﴾ الفاتحة، فصرفها لغير الله تعالى شركاً مخرجاً عن الملة. وأما الاستعانة بغير الله، فمباحة، ومنها قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ﴾ المائدة 2. وشرط الاستعانة بالمخلوق أن يكون حياً حاضراً، أما الاستعانة بالأموات فيعد شركاً، كما أن الاستعانة بالأحياء على أمر الغائب لا يقدرون على مباشرته فهذا شرك لأنه لا يقع إلا من شخص يعتقد أن لهؤلاء تصرفاً خفياً في الكون. الاستعانة إذاً أعم من الاستعاذة مع اجتماعهما في طلب كف الشر، وتزيد الاستعانة بأنها تكون في تحصيل الخير. 2) الاستغاثة: أما الاستغاثة، فهي مصدر استغاث، وهو طلب الغَوْث، والغوث هو التخليص من الشِّدة والنِّقمة، والعون على الفَكاك من الشدائد. واستغاثني فلان فأغثتُه إغاثةً ومغوثةً، ويقال: استغثت فلانًا فما كان لي عنده مَغُوثة؛ أي: إغاثة. وأما لفظ :الغَوث والغياث، فلا يستحق إلا لله؛ فهو غِياثُ المستغيثين، فلا يجوز لأحد الاستغاثةُ بغيره، لا بملَكٍ مقرَّب، ولا نبيٍّ مرسَل. ولم يتعدَّ لفظ الاستغاثة في القرآن إلا بنفسِه؛ كقوله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ الأنفال 9، وقد يتعدى بالحرف؛ كقول الشاعر: حتى استغاث بماءٍ لا رِشاء له ..... مِن الأباطحِ في حَافَاتِه البُرَكُ والاستغاثة على أقسام: 1) الاستغاثة بالله عز وجل: وهذا من أفضل الأعمال وأكملها وهو دأب الرسل وأتباعهم، ودليله: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ الأنفال 9. 2) الثاني: الاستغاثة بالأموات أو بالأحياء غير الحاضرين القادرين على الإغاثة فهذا شرك؛ لأنه يجعل لمخلوق حظاً من الربوبية. قال الله تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ 62﴾ النمل. 3) الاستغاثة بالأحياء العالمين القادرين على الإغاثة: وهذا جائز. قال تعالى في قصة موسى (ع): ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾ القصص 15. 4) الاستغاثة بحي غير قادر من غير أن يعتقد أن له قوة خفية: وهذا سخف وقلة عقل، أو استهزاء المستغاث به. وبين الاستعاذة والاستغاثة عموم وخصوص: - ففي كل منهما طلب العون والمدد، - إلا أن طلب العون في الاستغاثة قيد بحالة الشدة والنقمة والكرب ونحوها، ولم يقيد ذلك في الاستعاذة، فالاستغاثة أخص لأنها تكون عند الشدة، - والاستغاثة تكون بالقلب والقول والعمل. - والأصل في الاستعاذة أن تكون بدفع الأمر قبل وقوعه، أما الاستغاثة فتكون برفع الأمر بعد وقوعه. |
|||
18-09-2021, 12:12 PM | رقم المشاركة : 4 | |||
|
رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ الشيطان اختلف في اشتقاق لفظة "الشيطان"، على قولين: - إنَّه مشتق من (شطن)؛ بمعنى: بَعُد عن الحقِّ، فهو من: شطنه يشطنه شطنًا: إذا خالفه عن وجهته ونيَّته، وشَطَّت الدار: بَعُدَت، والشاطن: الخبيث، وتشيطن الرجل: إذا صار كالشيطان وفعل فعله، ومنه الشيطنة: التي هي مرتبة كلية عامَّة لمظاهر الاسم المضل، وعلى هذا الاشتقاق تكون كلمة شيطان على وزن (فيعال)، والنون فيه أصلية. - إنَّه مأخوذ من الفعل (شاط)؛ بمعنى: احترق من الغضب، فهو من: شاط يشيط، وتشيط: إذا لفحَته النار فاحترق أو هلك؛ مثل هيمان وغيمان؛ مِن هام وغام، وعلى هذا الاشتقاق يكون على وزن فعلان، والنون فيه زائدة. وعلى الوجه الأول الذي نرجحه يكون الشيطان سمي شيطاناً لأنه شطن عن أمر ربه، ومنه قول النابغة الذبياني: نَأَتْ بِسُعَادَ عَنْكَ نَوًى شَطُونُ ..... فَبَانَتْ والفُؤَادُ بِهَا رَهِينُ من هو الشيطان؟: قد ورد ذكر "الشيطان" في القرآن الكريم بلفظين: إبليس، والشيطان. والثابت أن إبليس هو اسمه، والشيطان هي صفته، فصار لدينا على اليقين للشيطان اسم هو: إبليس، وصفة وصم بها بعد أن عصى الله وعزم على إضلال آدم وذريته. وآيات الخلافة في سـورة البقرة تقدم هذا التحول، ففي قوله تعالى: ﴿وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٣٤﴾ كان إبليس، ثم حين بدأ في ممارسة وظيفة الإغواء صار "الشيطان"، في قوله تعالى: ﴿فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ عَنۡهَا﴾ 36. ولا يصح عندنا القول بأسماء أخرى له ـ مثل عزازيل ـ قد أقحمها بعض المفسرين في كتبهم تأثراً بالميثولوجيا اليهودية. وقد ورد الاسم في سفر اللاويين (16/26). وقالوا: إن "إبليس" من "الإبلاس" أي: فقد الرجاء، لأن ضياع الأمل ألزم صفات إبليس على ألسنة الخاصة والعامة. مشتقٌّ من أَبلَس الرجل: إذا انقطع ولم تكن له حجَّة، وأَبلَس الرجل: قُطِع به، وأبلس أيضًا: سكَتَ، وأبلس مِن رحمة الله: يئس، والإبلاس: الحزن المعترض من شدَّة البأس، وقد استخدم العربُ هذه المعاني فقالوا: ناقة مِبلاس: إذا كانت لا تَرغو من الخوف، وفلان أبلس: إذا سكَت من شدَّة الخوف. والقرآن الكريم استخدم هذه المعاني اللغويَّة لكلمة أبلس، فقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ الروم 12، وقال: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ الأنعام 44. ولا نلتفت لزعم أن الكلمة غير عربية، لوجود جذورها في العربية، واستعمال القرآن الكريم لاشتقاقاتها. الرجيم: وصف له، فإن قيل: كيف "الرجيم" وصف لصفة هي "الشيطان"؟ قلنا: إن لفظة "الشيطان" جاوزت معنى الصفة، لتصير علماً على ذلك الملعون، وصح لذلك أن يوصف. وهو "رجيم" على وزن فعيل بمعنى مفعول أي: مرجوم، وتشتمل على معنى المشئوم والملعون المطرود. والرجام: الحجارة، والرجمة: أحجار القبر، ثم يعبر بها عن القبر وجمعها رجام ورجم، وقد رجمت القبر: وضعت عليه رجاماً. والمراجمة: المسابة الشديدة، استعارة كالمقاذفة. والرجم: الرمي بالرجام. يقال: رجم فهو مرجوم، ومنه قوله تعالى: ﴿لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ﴾ مريم 46، ومعنى الرجم هنا في قول آزر لإبراهيم صلى الله عليه وسلم على قولين: - القول الأول: الشتم أو اللعن، أو: لأقولن فيك ما تكره. - والقول الثاني: الرمي بالحجارة، سواء لإبعاده، أو بالشكوى للقوم حتى يقتلوه. وقوله تعالى على لسان قوم نوح: ﴿قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾ الشعراء 116 بالشتم أو الرمي بالحجارة. ويستعار الرجم للرمي بالظن، والتوهم، وللشتم والطرد، نحو قوله تعالى: ﴿رَجْمًا بِالْغَيْبِ﴾ الكهف 22، قيل: أي: قذفاً بالظن، قال زهير بن أبي سلمى: وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ ..... وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ والشيطان الرجيم: المطرود عن الخيرات، وعن منازل الملإ الأعلى. قال تعالى: ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ النحل 98، وقال تعالى: ﴿فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ الحجر 34، ص 77، وقال في الشهب: ﴿وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ﴾ الملك 5. ما سبب تسمية الشيطان بالرجيم؟: - قيل: سُـمِّي بالرجيم لأنه أتى إبراهيم عليه السـلام وهاجر وإسماعيل في منى، فاسـتعطف إبراهيمَ حتى لا يذبح ولده، فقال: أعوذ بالله منك فرجمه، ثم استعطف هاجر على ولدها فقالت: أعوذ بالله منك فرجمته، ثم استعطف إسماعيل عليه السلام على نفسه، فقال: "أعوذ بالله منك" فرجمه، فصار الرجم من مناسك الحج إلى يوم القيامة، - وقيل: سُمِّي بالرجيم؛ لأنه يسترق السمع في السماء فترجُمُه الملائكة؛ قال سبحانه: ﴿إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ ﴾ الحجر 18، - وقيل: وُصف بذلك لأن أتباعه يرجمونه في النار. الشيطان في العهدين: القديم والجديد: أولاً: العهد القديم: 1) لا نجد ذكراً واضحاً للشيطان في العهد القديم، بل كان التركيز على رب الجنود، أو يهوه، الذي يحوز صفات الخير والشر جميعاً، فهو جبار، فاق آلهة الوثنيين الذين كانوا يمثلون بشكل ما حضور الشيطان في العالم وهيمنته عليه في الفترة ما قبل قدوم المسيح.: - فهو يتآمر مع النبي يعقوب ليسرقا المواشي من الناس (التكوين 31/9)، - وفي لحظة غضب يقرر أن يبيد شعبًا بأكمله لولا تدخل موسى في الوقت المناسب إذ أمر ربه بالرجوع عما نوى ويكف شره عن بني إسرائيل فيصرخ فيه بقوله: «اِرْجِعْ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِكَ، وَٱنْدَمْ عَلَى ٱلشَّرِّ بِشَعْبِكَ» (الخروج 32/12)، « فَنَدِمَ ٱلرَّبُّ عَلَى ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي قَالَ إِنَّهُ يَفْعَلُهُ بِشَعْبِهِ» (الخروج 32/14). - والإله عندهم شيطان شرير حقود عنصري يكره جميع الأمم التي خلقها ما عدا الشعب المختار. ودور الشيطان في اليهودية دور عامل مستغنى عنه، يؤديه يهوه، الذي يرضى ويغضب، وينعم وينقم، ويعدل ويظلم، فما عادت ثمة حاجة لكائن آخر يقوم بدور الشر. 2) ويظهر الشيطان في صدر سفر التكوين، متخفياً في صورة حية، ليغوي حواء، مما يؤدي لخروجه وآدم من الجنة، فجعلت الخطيئة ممثلة في الأنثى من الإنس والحيوان، وليكون الصراع بين الحية والمرأة: «وَأَضَعُ عَدَأوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا» (تكوين 3 /15). 3) ثم يظهر الشيطان في سفر أيوب لإغوائه، فيسمح الرب للشيطان بأن يجرب أيوب، شريطة ألا يميته (أيوب 1 /6-12). 4) ثم في سفر أشعياء صورة للشيطان، رمز له بزهرة بنت الصبح، «كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى ٱلْأَرْضِ يَا قَاهِرَ ٱلْأُمَمِ؟ ١٣ وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى ٱلسَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ ٱللهِ، وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ ٱلِٱجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي ٱلشَّمَالِ. ١٤ أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ ٱلسَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ ٱلْعَلِيِّ ١٥لَكِنَّكَ ٱنْحَدَرْتَ إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ، إِلَى أَسَافِلِ ٱلْجُبِّ» (أشعياء 14 /12-15). 5) ثم في سفر حزقيال (28): يتجدد ذكر رمز الشيطان، ولكن باسم ملك صور، فيخبرنا الكتاب عن سقوطه، ومرثاته، بعد أن تنجس: «١٢ يَا ٱبْنَ آدَمَ، ٱرْفَعْ مَرْثَاةً عَلَى مَلِكِ صُورَ وَقُلْ لَهُ: هَكَذَا قَالَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ: أَنْتَ خَاتِمُ ٱلْكَمَالِ، مَلآنٌ حِكْمَةً وَكَامِلُ ٱلْجَمَالِ» حتى: ١٨ قَدْ نَجَّسْتَ مَقَادِسَكَ بِكَثْرَةِ آثَامِكَ بِظُلْمِ تِجَارَتِكَ، فَأُخْرِجُ نَارًا مِنْ وَسْطِكَ فَتَأْكُلُكَ، وَأُصَيِّرُكَ رَمَادًا عَلَى ٱلْأَرْضِ أَمَامَ عَيْنَيْ كُلِّ مَنْ يَرَاكَ. ١٩ فَيَتَحَيَّرُ مِنْكَ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ يَعْرِفُونَكَ بَيْنَ ٱلشُّعُوبِ، وَتَكُونُ أَهْوَالًا وَلَا تُوجَدُ بَعْدُ إِلَى ٱلْأَبَدِ». ثانياً: العهد الجديد: 1) وتتفق القصة اليهودية مع المسيحية في أن الحية هي التي أغرت حواء بالأكل من الشجرة وليس الشيطان، وأن حواء هي السبب في إخراج آدم من الجنة بسبب أكلها من الشجرة ثم بعد ذلك أعطت زوجها آدم. 2) وشخصية الشيطان في الدين المسيحي أكثر وضوحًا من الديانة اليهودية فهو فيها رمز للشر والفساد، ففي إنجيل لوقا (الإصحاح الرابع) يتولى الشيطان تجربة يسوع: «٢ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُجَرَّبُ مِنْ إِبْلِيسَ. وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ. وَلَمَّا تَمَّتْ جَاعَ أَخِيرًا». ثم: «١٣ وَلَمَّا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ». 3) وإنجيل مرقس يروي لنا فاتحة معجزات يسوع في كفر ناحوم، حيث أخرج روحاً نجسة من رجل ممسوس، وهناك صرخ تلك الروح: «آهِ! مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ؟ أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ قُدُّوسُ اللَّهِ (1/24). 4) والأناجيل الأربع تروي قصصاً مشابهة لإخراج تلك الشياطين من الناس وفي كل مرة كانت تفزع مرتعبة من سلطان المسيح، وتعلن للجميع بأنه ابن الله العلي، ثم إن يسوع يرسل تلاميذه لشفاء المرضى ولإخراج الشياطين (متى 10/8). 5) وفي "رؤيا يوحنا" صور رمزية عديدة عن الشيطان، وحربه ضد الكنيسة، حيث ينبئ الكتاب بهزيمة إبليس وجميع أعوانه في نهاية الأزمنة (رؤيا 20 : 1 – 3 – 7- 10). 6) ثم لم يتحدث النصارى عن الشيطان بشيء من الوضوح إلا في إنجيل برنابا الذي لا تعترف به الكنيسة. 7) وعلى هذا فدور الشيطان في المسيحية، دور الشرير في قصة الخلق كله، وهو منفصل عن الرب الذي لم يسقطوا عليه نقائص يهوه. 8) تتضح في العهد الجديد مفاهيم الخطيئة والكفارة أو الغفران، أكثر من العهد القديم، ويرون أنه لولا سقوط آدم لم تكن به ولا بذريته حاجة إلى الخلاص من طريق الفداء. الشيطان في التراث الإسلامي: هي في الإسلام أكثر وضوحًا من اليهودية والمسيحية، فهو عدو الله، وعمله مضاد لعمل الملائكة، فلا خير فيه، ولا يرجو الصلاح لبني آدم. وقيل: اسمه إبليس لأنه أبلس أي: يئس من رحمة الله. وقيل أنه اسم أعجمي غير مشتق. وأطلقوا عليه عدة أسماء أخرى، مثل: الحارث والحكم وكنيته أبو مرة. وقيل: عزازيل، وهو اسم انتحلوه من العهد القديم. ونحن نرى أن اسمه هو إبليس قبل أن يبدأ الغواية، وهذا ما نستدل عليه من آيات الله. وقد حمل اسمه تلك المعاني السلبية في العربية بعد وروده في القرآن الكريم، لا قبل ذلك. وهذا رأي منطقي، إذ من غير المعقول أن يتسمى بهذا الاسم السلبي قبل رفضه السجود. أما مدلول اسم الشيطان، من الشطن أو البعد عن الخير، أو من شاط يشيط إذا هلك، فقد وصف به بعد كفره، ثم التصق به ليصير اسم علم، لمطابقة الوصف على الفعل. ولا تستوقفنا كثيراً الأساطير التي حيكت حول سيرته، ولا يعنينا أكثر مما ورد في القرآن الكريم عنه. وأما قصة إغوائه لآدم وزوجه، فإن الإغواء كان لكليهما، وقرار الأكل من الشجرة كان قراراً مزدوجاً، لا تتحمل زوجه مسئوليته وحدها، على خلاف ما ذكر غير ذلك. ودليلنا من القرآن هو تثنية مستقبل الإغواء. يقول تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ 35 فَأَزَلَّهُـمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ 36﴾ البقرة، وكذلك في الأعراف: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُـمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾ 20، وعليه، فإن المسئولية في الإسلام لا يتحملها إلا من قام بالفعل، لا توارث في الذنوب، ولا شراكة في الأوزار إلا بحجم الفعل، ولا تزر وازرة وزر أخرى. لِمَ نستعيذ بالله من الشيطان؟: كانت بداية عداوة إبليس للإنسان يوم رفض أمر الله بالسجود لآدم، فبدأ رحلة الغواية بالوسوسة، مما تسبب في خروجه وزوجه من الجنة، ثم وسّع عداوته، ليتولى هو وذريته زحزحة بني آدم عن طاعة الله: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ 82 إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ 83﴾ ص، وقال، وقد وضع خطة الغواية وخريطة الوسوسة ﴿لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾ الإسراء 62، أي لأحتوينهم ولأستولين عليهم، ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ الأعراف 17. لذلك حذر الله سبحانه وتعالى بني آدم من هذا الإجرام عن سابق إصرار وترصد، فقال جل جلاله: ﴿يا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الجَنَّةِ﴾ الأعراف 27، وقال جل جلاله ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُواًّ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير﴾ فاطر 6، وقال جل جلاله ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً﴾ الكهف 50. وهو يجـري من ابن آدم مجـرى الدم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الأثر المتفق عليه*. ورغم هذه التحذيرات التي تنبه بني آدم، وتدعوهم لأخذ الحذر والاحتياط من الشيطان وقبيله، وكأن الله جل جلاله يريد ليطمئن المؤمنين، ويقوي من عزمهم لمقاومة الإغواء، فيقول ﴿إِنَّ كَيدَ الشَّيطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ النساء 76، فالإيمان والحذر والعزيمة كافية لرد مكائد الشيطان. * أنَّهَا جَاءَتْ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَزُورُهُ وهو مُعْتَكِفٌ في المَسْجِدِ، في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ معهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حتَّى إذَا بَلَغَ قَرِيبًا مِن بَابِ المَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، مَرَّ بهِما رَجُلَانِ مِنَ الأنْصَارِ، فَسَلَّما علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ نَفَذَا، فَقالَ لهما رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: علَى رِسْلِكُمَا، قالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ يا رَسولَ اللَّهِ! وكَبُرَ عليهما ذلكَ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وإنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ في قُلُوبِكُما شيئًا. الراوي: صفية أم المؤمنين، أخرجه الشيخان: البخاري (3101) واللفظ له، ومسلم (2175). لطائف الاستعاذة: 1) طهارة الفم من اللغو والرفث، وتطييب له بذكر الله، 2) اعتراف لله بقدرته وحوله، في مقابل عجز العبد عن مواجهة عدو الله إلا بعون من الله، 3) "أعوذ بالله" إشارة إلى ضعف العبد وقصوره تجاه خالقه القادر، ومن عرف قدره تواضع وذل لخالقه، 4) تكفل الله بنصر عباده المؤمنين على أعدائهم الظاهرين، فحري بالعبد أن يلجأ إلى الله ليعينه على محاربة عدوه الأزلي الباطني الذي يرانا من حيث لا نراه، 5) اختصت الاستعاذة باسم الله الجامع دون غيره من أسماء الصفات، ليكون وقع الاستعاذة على الشيطان أقوى، 6) الاسـتعاذة الصادقة تورث خيراً كثيراً، ألا ترى أن امرأة عمران باسـتعاذتها تقبل الله وليدتها وضمن لها كفالة نبي، وأن مريم ابنة عمران باسـتعاذتها: ﴿إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ مريم 18، فأمنهـا الله ووهب لها ابنا رسولاً نبياً، وأنطقه بمعجزة ليُبَرّأها. مواضع الاستعاذة: 1) قبل تلاوة القرآن: لقوله تعالى ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم﴾ النحل 98، أي إذا أردت القراءة فاستعذ، فالاستعاذة: 1. تنبيه لمن يسـمع أن يسـتعد لاستقبال كلام الله. وكأن الشيطان يستعد بخيله ورجله ليوسـوس للقارئ، فتكون الاستعاذة درءاً للشيطان وإبعاداً له ولجنده، 2. وهي قبل القراءة دواء مطهراً للقلب، يمهد الأجواء لآيات القرآن التي هي شفاء لما في الصدور، فيدحر اللعين وجنده بالدوائين: الاستعاذة والقرآن، 3. حين يُبعد الشيطان بالاستعاذة، تحضر الملائكة لاستماع القرآن، ولاشك أن حضور الملائكة يرعب الشياطين ويُلجأها للاختفاء، 4. وهي عند قراءة القرآن التجاء إلى الكريم، ولما كانت القراءة من أعظم الطاعات وقد شغلت القاريء عن السؤال، أُعطي أفضل ما أعطى السائلين، 5. وهي تطهر اللسان مما دون ذكر الله، وإذا حصل الطهور استعد للصلاة الحقيقية وهي ذكر الله فيثني: بسم الله، 6. ولأن المسلم مأمور بمحاربة الأعداء، والعدو الخفي أخطر من العدو الظاهر، إذ أن العدو الخفي إنما يستهدف الدين، فتصير الاستعاذة قبل القراءة ضرورية لطرده. 2) في الصلاة قبل قراءة الفاتحة. 3) عند الغضب: للأثر المروي عن سُلَيْمانَ بْنِ صُرَدٍ*. * كُنْتُ جَالِسًا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورَجُلَانِ يَسْتَبَّانِ، فأحَدُهُما احْمَرَّ وجْهُهُ، وانْتَفَخَتْ أوْدَاجُهُ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لو قالَهَا ذَهَبَ عنْه ما يَجِدُ، لو قالَ: أعُوذُ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، ذَهَبَ عنْه ما يَجِدُ فَقالوا له: إنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: تَعَوَّذْ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَقالَ: وهلْ بي جُنُونٌ. أخرجه البخاري (3282). 4) عند دخول الخلاء: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الْخَلَاءَ قال: "اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ"* والخُبُث جمع الذكور من الشياطين، والخبائث جمع الإناث منهم. والحمام فيه مظنة النجاسة، وهو موطن من مواطن الشيطان، لذلك يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نتعوذ منه. * أخرجه البخاري (142)، ومسلم (375). 5) عند نباح الكلاب، ونهيق الحمير: للأثر المروي عن جابر بن عبد الله (رض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا سمعتم نِباحَ الكلابِ ونِهِيقَ الحمارِ بالليلِ فتعوذوا باللهِ فإنهنَّ يُرَيْنّ ما لا تَرَوْن"* ولأن النباح أو النهيق بعلة رؤية الشيطان، كان الأمر بالتعوذ منه. * أخرجه أبو داود (5103) واللفظ له، وأحمد (14322). 6) عند الأرق والفزع: لما روي عن عبد الله بن عمرو (رض) أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ كانَ يُعلِّمُهُم منَ الفزَعِ كلِماتٍ : "أعوذُ بِكَلماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، من غَضبِهِ وشرِّ عبادِهِ، ومن هَمزاتِ الشَّياطينِ وأن يحضُرونِ"*. وقد جمعت الاستعاذة بأسماء الله وصفاته، وآيات كتبه، من عذاب الله وعقابه، ومن شر عباده، ومن نزغات الشياطين وخطراتهم ووساوسهم وفتنهم وحضورهم بسوء، فجمع شتى أنواع المضار والشرور. وفي الحديث دليل على أن الفزع إنما هو من الشيطان. * صحيح أبي داود (3893) خلاصة حكم المحدث: حديث حسن. 7) عند الرقية: فعَنِ ابن عَبَّاسٍ (رض): كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعَوِّذُ الحَسَنَ والحُسَيْنَ، ويقولُ: "إنَّ أَبَاكُما كانَ يُعَوِّذُ بهَا إسْمَاعِيلَ وإسْحَاقَ: أَعُوذُ بكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِن كُلِّ شيطَانٍ وهَامَّةٍ، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ"*. أما الهامَّة فهي كل ذات سم يقتل كالـحية وغيرها، والـجمع: هوام، وقيل: يقع الهوام علـى ما يدب من الـحيوان وإن لـم يقتلِ كالـحشرات. وأما العين اللاَّمَّةُ فهي التـي تصيب ما نظرت إلـيه بسوء. * أخرجه البخاري (3371). 8) عند دخول المسجد: عن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ (رض) عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كان إذا دخل المسجدَ قال أعوذُ باللهِ العظيمِ وبوجهِه الكريمِ وسلطانِه القديمِ من الشيطانِ الرجيمِ قال أقطُّ ؟ قلتُ: نعم. قال فإذا قال ذلك قال الشيطانُ: حُفِظَ مني سائرَ اليومِ."*. * أخرجه أبو داود (466) ، والبيهقي في الدعوات الكبير (68). 9) عند ورود الوساوس في الصلاة. 10) عند إقبال الليل. 11) عند النزول: فقد رَوَتْ خَوْلة بنت حكيم (رض) قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن نَزَلَ مَنْزِلًا، ثُمَّ قالَ: أَعُوذُ بكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شيءٌ، حتَّى يَرْتَحِلَ مِن مَنْزِلِهِ ذلكَ"*. وكلمات الله هي القرآن. وكلمات جمع قلة بقصد الكثرة، بدليل: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ الكهف 109 وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ لقمان 27 والتامة: أي الخالية عن العيوب، والفاضلة التي لا يدخلها نقص أو الوافية في دفع ما يتعوذ منه. * صحيح مسلم (2708). 12) عند وسوسة الشيطان:قال أبو هريرةَ (رض): قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " يَأْتي الشَّيْطَانُ أحَدَكُمْ فيَقولُ: مَن خَلَقَ كَذَا؟ مَن خَلَقَ كَذَا؟ حتَّى يَقُولَ: مَن خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ ولْيَنْتَهِ."*. والمقصود هنا دفع وسوسة الشيطان، أي الشك الباطني الذي يبثه الشيطان في خلد ابن آدم. أما المشككين من البشر، فتكون مجادلتهم بالحجة، ودفع شكوكهم بالبرهان، فإذا أصاب الرد بالمنطق عقولهم انقطع شكهم، فالكلام يرد عليه الكلام. على عكس الوسوسة التي لا تنقطع، فتُدفع بالتعوذ. ولأن الشيطان لا يكل عن محاولة غزو الإيمان، ولا يمل من بث الشكوك كان الإرشاد النبوي بتحصين المؤمن صباح مساء بأذكار ضمتها كتب "أذكار الصباح والمساء". * أخرجه البخاري (3276)، ومسلم (134). |
|||
25-09-2021, 12:14 PM | رقم المشاركة : 5 | |||
|
رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ما يستعاذ منه: الأصل أن يستعاذ بالله من كل سوء. لكن ثمة أمور عامة يستحب أن يستعاذ منها، منها: أولًا: من شر شياطين الإنس والجن: أما شياطين الإنس، فربما تنفع مداراتهم، بمبادرتهم بالحسنى، لرد أذاهم، وكف شرهم. يقول تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ 199﴾ الأعراف. لكن شياطين الجن لا يجدي معهم هذا الصنيع، لطبيعة خلقتهم، لذا أمرنا بالاعتصام بالله، في قوله: 1) ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 200﴾ الأعراف، 2) ﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ 97 وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ 98﴾ المؤمنون. 3) ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 36﴾ فصلت. ونزغات الشيطان وهمزاته هي خطراته التي يخطرها بقلب الإنسان. ومما يخْنِس الشيطان مقابلة إساءة الناس بالعفو، وكظم الغضب بالحلم، وتربية النفس بالصبر. يقول تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ 34﴾ فصلت. وقد أنزل الله المعوذتين لإعانة المسلم على مواجهة شرور شياطين الجن والإنس. وقيل إن سورة الفلق ناجعة كذلك في كل شر في الدنيا، بما فيها السباع والهوام والنار والهواء، وغيرها، لقوله جل وعلا: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ 1 مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ 2﴾. ثانيًا: الجهل والسفه: إن موسى (ع) لمـا نقل لقومه أمر الله بأن يذبحوا بقـرة، قالوا له: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوٗاۖ﴾ فما كان منه إلا أن رد عن نفسه تهمتهم، فقال: ﴿أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ ٦٧﴾ البقرة، فنفى عن نفسه الجهل، بالاستعاذة بالله أن يجهل أوامره، أو ألا يعلم كيف يوصل لهم أمر ربه، أو يستخدم السخرية في تبليغ دين الله. ثالثًا: تسـلط الجبابرة والمتكبرين: والله سبحانه وتعالى أرسل نبيه موسى (ع) لهداية قومه، وكأن آل فرعون توعدوه بالقتل فلجأ إلى رب العالمين ووَكَّلَ إليه أمره بقوله: ﴿وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ 20﴾ الدخان، ثم لما أراد فرعون أن يتسلط عليه فقال: ﴿ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ﴾ غافر 26، لجأ نبي الله لرحاب ملك الملوك، فقال: ﴿إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ 27﴾ غافر، فاستجار بالله ممن يتجبر، ولا يخشى لقاء الله. كذلك فإن الله أمر نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من الذي يجادل في آيات الله بغير علم، ويتكبر عن قبول الحق، فقال: ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ 56﴾ غافر، فيخبر تعالى رسوله أن هؤلاء الذين يريدون الاستعلاء عليه بما معهم من الباطل، لن يبلغوا قصدهم ومرادهم، وكل ما عليك فعله لصدهم هو الاعتصام به جل وعلا، واللجوء إلى جنابه. رابعاً: شـر الناس، ومنه السحر والحسد: دلت النصوص الشرعية على أن نفس الحاسد يؤذي المحسود، فنفس حسده شر يتصل بالمحسود من نفسه وعينه، وإن لم يؤذه بيده ولا لسانه؛ وقد تضمنت المعوذتان الاستعاذة من جميع الشرور التي تصيب الإنسان، أما سورة الفلق فاختصت بالاستعاذة من شر المصائب، ومنها السحر والحسد: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ 1 مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ 2 وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ 3 وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ 4 وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ 5﴾. وأما سورة الناس، فاختصت بالاستعاذة من المعائب، ومنها وساوس الشياطين من الجن والإنس، التي تلج إلى قلب المؤمن فتسعى لتدمير إيمانه، وتخريب سلامه: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ 1 مَلِكِ النَّاسِ 2 إِلَهِ النَّاسِ 3 مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ 4 الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ 5 مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ 6﴾. ثمرات الاستعاذة: 1) حفظ النفس والمال من تسلط الشياطين: يقول تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ 97 وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ 98﴾ المؤمنون. هذه استعاذة من مادة الشر كله وأصله، فإذا أعاذ الله عبده من هذا الشر، فقد جنبه كل شر، ووفقه بالتالي إلى صنوف الخير. والله قد ضمن أن يعيذ من استعاذه من الشيطان، لأنه هو الذي أمر بالاستعاذة، ففي الحديث القدسي: "ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ"*. * أخرجه البخاري (6502) من حديث أبي هريرة. والاستعاذة من الشيطان وردت في المعوذتين: في الفلق ضمنياً في: ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ 2﴾ وفي الناس تصريحاً في: ﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ 4﴾، ولا يخفى على كل مسلم فضيلة تكرار السورتين في كل حاجة أو ضرورة، حتى قيل: إن حاجة العبد إلى الاستعاذة بهاتين السورتين أعظم من حاجته إلى ضرورات الحياة. 2) الهداية إلى الحق: إن الاستعاذة بالله سبيل إلى هداية الإنسان إلى طريق الحق، يقول تعالى عن يوسف (ع): ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ 79﴾ يوسف، فاستعاذ بالله من أن يأخذ البريء بالمذنب. كذلك أُمر نبينا بالاستعاذة بالله من حال من يجادل في آيات الله، ويصد بالكبر عن قبول الحق، فقال: ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ 56﴾ غافر. 3) الوقاية من الوقوع في الفعل القبيح: إن الاستعاذة بالله كذلك سبيل إلى الوقاية من الوقوع في الفواحش، مثلما حدث مع يوسف (ع) لما دعي للفاحشة: ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ 23﴾ يوسف، فرتب استعاذته ترتيباً في غاية الحسن؛ فبدأ بالاستعاذة، وثنى بخلقه الرباني الذي يأبى عليه السقوط في الفتنة، وثلث بذكر حال من يتعدى حدوده ظالماً. ولا شك أن الفعل القبيح الذي يستعاذ بالله منه يشمل التفريط في حق الله، وإساءة التعامل مع عباده، فإذا ضمن المرء الحماية من هذين المحذورين، نجا من السقوط في لذة عاجلة، أو منفعة زائلة، يتبعها خزي في الدنيا وعذاب في الآخرة. 4) حفظ الأجر والبركة في العمل: شرع الله للمسلم أن يستعيذ به قبيل أداء أي عمل مشروع، والعبادات على رأسها، حتى لا يصده الشيطان عن النشاط فيه، فيحفظ له بذلك الأجر، ويبارك الله له في العمل. إن في المواظبة على الاستعاذة إقرار بالفقر في مقابل غنى الله الخالق المدبر، والغنى به، والحاجة إليه تعالى في كل شأن، وبأنه هو وحده جالب النفع ودافع الضر، وأن الشيطان عدو لابن آدم، وقد جند له من أعوان الجن والبشر، من يفسدون على المؤمن دينه، بتزيين المعاصي والفواحش، ولا مهرب منه، هو وجنده إلا بالاعتصام بالله والتمسك بدينه وشرعه. حول الاستعاذة: إن الشيطان هو ذلك الكائن الذي ابتدأت به صورة الشر مع بدء الخليقة. والشر أطل برأسه ربما قبل خلق البشر، فالجن جنس استعمر الأرض قبل الإنسان، ومنه ـ مثل البشر ـ صنفان ذكرهما أحدهم في سورة الجن: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا 11﴾، وإبليس هو فرد من هذا الجنس، عصى الله فكتب رب العالمين عليه اللعنة إلى يوم الدين. وعالم الجن هو أحد العوالم الثلاث المخلوقة لله، الواقعة تحت حكمه وإرادته، خلقها لحكمة، ورسم لها وظائف حددها لها، فكانت مختلفة فيما بينها في الخلقة وفي الدور الذي كتب لها. فالملائكة كائنات روحانية خلقت من نور، تمارس عبودية متواصلة لربها، وتتنوع أدوارها في تدبير الكون وفق أمر الله وقضائه، من أضخم الأدوار وأجلها، إلى أدق الوظائف وأخصها، فمنهم من يوكل بنقل رسائل الله لأنبيائه، ومنهم من يلتصق بالإنسان منذ نفخ الروح فيه، حتى وفاته. وهو عالم مثالي: ﴿لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ 6﴾ التحريم. أما الإنسـان فهو كائن خلقه الله لمهمة تختلف عن الملائكة، هي الخلافـة في الأرض والعبادة المتناسـبة مع الخلافة، فلئن كانت عبادة الملائكة طبيعة في جبلتهم، فإن قيمة الإنسان في حسن قيامه بما خلق له، فخلق له الحكيم الخبير أداة الاختيار الحر، فصار بين طريقين: الهدى والضلال، الخير والشر، الفضيلة والرذيلة، الجنة والنار. ولم يترك في خضم الحيرة والضياع، بل أهداه مفتاحين لباب التقوى: فطرة وضعها فيه منذ يولد، ورسلاً يحملون منهج الرشد، ودستور الهداية. وأما الجن فقد خلق من نار. يقول الحكيم الخبير: ﴿وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ 27﴾ الحجر. وعالم الجن عالم غيبي بالنسبة للإنسان، يقول تعالى: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ﴾ الأعراف 27. والجن (بالكسر) اسم جنس جمعي واحده جني، وهو مأخوذ من الاجتنان، وهو التستر والاستخفاء. وقد سموا بذلك لاجتنانهم من الناس فلا يرون، والجمع جنان وهم الجِنة. والمِجَن هو الترس، لأن المقاتل يستتر به من الرامي والطاعن وغير ذلك. وكل شيء وقيت به نفسك واستترت به فهو جنة. وفي الحديث الشريف: "والصِّيَامُ جُنَّةٌ"* أي وقاية، لأنه يقي صاحبه من المعاصي. وجن الرجل جنوناً وأجنه الله فهو مجنون: إذا خفي عقله واستتر، وجن الرجل كذلك: أعجب بنفسه حتى يصير كالمجنون من شدة إعجابه. قال الشنفري: فَدَقَّتْ، وَجَلَّتْ، واسْبَكَرَّتْ، وأُكْمِلَتْ ..... فَلَوْ جُنَّ إنْسَانٌ من الحُسْنِ جُنَّتِ * من حديث أبي هريرة في البخاري (1904)، ومسلم (1151) واللفظ له. والجن كالأنس لديه الحاجة للضرورات الطبيعية البشرية كالأكل والشرب والتناسل، ويمتلك الإرادة الحرة على فعل الخير أو الشر. ويماثل البشر في وصف الله له: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ النساء 76، كما وصف الإنسان في قوله تعالى: ﴿وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ النساء 28. لذلك أرسل إليهم رسل منهم، كما حدث مع البشر، ومنهم من آمن بهم، ومنهم من كفر. وإن كان بين العلماء خلاف حول: هل كان من الجن رسل؟ وجواب أكثرهم بالنفي، وأدلتهم: 1) ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ﴾ الأنعام 130، والمعنى: ألم يأتكم رسل من أحد جنسيكم، بتغليب الإنس، كقوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ 22 ﴾ الرحمن، وقالوا: من المعلوم أنهما يخرجان من الماء المالح دون العذب. لكن هذه المعلومة خاطئة، فاللؤلؤ والمرجان موجودان في الماء العذب كذلك كما أثبتت البحوث العلمية، فتوجَد اللآلئ في المياه العذبة في إنجلترا واسكتلندا وويلز وتشيكوسلوفاكيا واليابان، بالإضافة إلى مصايد اللؤلؤ البحرية المشهورة. أما المرجان فقد تم اكتشاف مساحات واسعة من الشعب المرجانية بقاع نهر الأمازون. وهذا يسقط الاستدلال القديم. 2) قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ يوسف 109، أي: أرسلنا رجالاً ليس فيهم امرأة، ولا جني، ولا ملك. وهذا رد على القائلين: ﴿وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ الأنعام 8، ومن شرط الرسول أن يكون رجلاً آدميا مدنياً، لا امرأة ولا جنياً ولا بدوياً. أما قوله: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا 6﴾ الجن، فهي تسمية مقيدة، كما تقول: رجال من حجارة، ورجال من خشب ونحوه. ورد هذا الدليل، منه: تقولون: ﴿رِجَالاً﴾ في آية يوسف تعني: بشراً، و "رجال" في آية الجن تسمية مقيدة، فمن يحدد المدلول، وهنا رجال، وهناك رجال ؟ وما يمنع أن يكون مدلول رجال واحد في الآيتين؟ إن معنى: ﴿مِّنَ﴾ في: ﴿بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ﴾ يدل على بعض من الكل، فالجن هم المجموع، بعض منهم هم رجال يتعوذ به رجال من الإنس. ثم انظر إلى المقابلة بين ﴿رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ﴾ و ﴿بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ﴾. هل يقال أن الأوائل هم رجال بالمعنى المألوف، بينما من يقابلهم في الآية نفسها هم رجال بمعنى مخالف مقيد كرجال الحجارة والخشب؟! 3) قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا 163﴾ النساء، وقوله: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ 27﴾ العنكبوت، قالوا: فهذه الآيات قد أخبرت أن الله قد جعل النبوة في الرجال من البشر، ولو كان في الجن رسل وأنبياء لأخبر القرآن بذلك، والآيات السالفة إخبار من الله عن إبراهيم عليه السلام أن الله قد جعل النبوة في ذريته من بعده. لكن ليس فيما نعلم في الآيات قصر للنبوة فيهم، فالله تعالى قال: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا 15﴾ الإسراء، وقال: ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ 24﴾ فاطر، والأرض على اتساعها، وتعدد مستعمريها من البشر، وجدت فيها أمم كثيرة، أكثر من تلك الأمم التي تقطن بقعة جزيرة العرب وما حولها، حيث وجد نوح (ع) ومن تلاه من رسل. ونحن نجهل من وجد من الأمم بين آدم ونوح، وبين نوح وإبراهيم إلا ما ذكر من عاد وثمود وأهل مدين، وهؤلاء مجموعون في بقعة النبوات المذكورة في سلسلة النبوة من بعد نوح. وهذا يدلنا على أن الله أخبرنا بما يخصنا، وأبهم عنا ما لا نحتاج إليه من علم، ومنه إنذار أمم بعيدة عنا كأمم الشرق الأقصى، وأفريقيا، والعالم الذي يسمونه بالعالم الجديد. فإذا كان ذلك كذلك، فقد يكون أخفى عنا رسله لعالم الجن. 4) قوله تعالى: ﴿وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ﴾ الفرقان 20، قالوا: فقد أخبر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن الرسل الذين بعثهم قبله كانوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، والمقصود بذلك أنهم بشر، وليس في الآية ما يدل على بعث الرسل من خلاف الإنس. وهذا الدليل ليس بشيء، فما يمنع أن تكون هذه الصفات لرسل من الجن أرسلوا لقومهم؟ 5) قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ آل عمران 33، قيل: وأجمعوا على أن المراد بهذا الاصطفاء إنما هو النبوة، فوجب كون النبوة مخصوصة بهؤلاء فقط، فلا يدخل فيه الجن أو غيرهم من البشر. وهذا كذلك مردود، للاختلاف حول مدلول الاصطفاء، ففي العربية هو: الاختيار، ومعنى اصْطَفاهُم: أي: جعلهم صفوةَ خلقه تمثيلاً بما يُشَاهَد من الشيء الذي يُصَفَّى من الكدورة، ويقال: صفَّاهم صَفْوَةً، وصِفْوَةً، وصُفْوَةً. وفي الآية قولان: .....1. المعنى - على حذف مضاف - تقديرُهُ: إن الله اصطفى دين آدم .... .....2. أن الله اصطفاهم؛ أي: صفَّاهم من الصفاتِ الذميمة، وزينهم بالصفات الحميدة، ولموافقة قوله: ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ الأنعام 124، هذا عن الاصطفاء، أما العالمون، فجمع عالم، والعالَم: جمعٌ لا واحدَ له من لفظه. والعالم اسم لأصناف الأمم، وكل صنف منها عالَمٌ، وأهل كل قَرْن من كل صنف منها عالم ذلك القرن وذلك الزمان، ولذلك جُمع فقيل: عالمون، وواحده جمعٌ، لكون عالم كلّ زمان من ذلك عالم ذلك الزمان. ومن ذلك قول العجاج: فَخِنْدِفٌ هامَةُ هَذَا العَالَمِ وقيل: إن للعالمين معان متعددة، يخصصها السياق: .....1. وحدة الخلق الذي يكون لهم صفات واحدة، فالبشر عالم والملائكة عالم، والجن عالم، والسموات عالم، والأرض عالم، أي: كل موجود سوى الله تعالى. .....2. قد تطلق اللفظة على الإنس فقط، كقول الله تبارك وتعالى: ﴿قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ الحجر 70، لكن ما هو أرجح أن لفظة "العالمين" في البيان القرآني تصف المجتمعات البشرية المختلفة فحسب، وليس للفظة أي علاقة بالملائكة ولا الجن ولا الحيوانات ولا الجمادات ولا أي شيء ما عدا الإنسان. إن اللفظة ذُكرت في القرآن 61 مرة، جاءت في بعضها عامة، وفي بعضها الآخر مخصصة بأوصاف لا تتجاوزها. والآيات كثيرة، منها: .....1. ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ 47﴾ البقرة، وهو خطاب لنسل يعقوب (ع)، وفسر العالمون بأنهم الناس على الأرض في زمانهم. .....2. ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾ آل عمران 42، أي: فضلت على نساء زمانها. .....3. ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ 96 فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ 97﴾ آل عمران، وفيه دليل على أن البيت وضع لهداية الناس، فيخرج من مدلول العالمين هنا كل ما سوى العاقلين. .....4. ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ 20﴾ المائدة، وأحد لا تستعمل إلا مع العاقلين. ونخلص من هذا إلى القول بأن العالمين لفظة مخصصة للجماعات البشرية فقط، لأن: .....1. جُمِعَ عالم على "عالمين" لا "عوالم"، و "عالمون" جمع مذكر سالم خاص بالعاقلين، وعليه: يحذف من معنى العالمين كل غير العاقلين. أما لو جمع على "عوالم" لصح أن يدخل فيها كل ما عدا البشر. .....2. قالوا: العالم مشتق من العلم وهو ترك الأثر، ومن المعلوم أننا لا نرى لا الملائكة ولا الجن، ولا أثر مباشر لهم، لذا لا يُسمون عالم، فلا يدخلون في مصطلح العالمين. وإذا كان الاصطفاء على العالمين من صنف البشر فقط، فلا يمنع أن يصطفي الله من الجن أنبياء عليهم. 6) قالوا: مجموع الأدلة التي دلت على أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم قد بعث إلى الجن، وهي كثيرة جداً، تفيد أن الرسل المبعوثين إلى الجن هم من البشر، كما هو الشأن في رسالة نبينا إلى الثقلين، حيث كانت دعوته عليه السلام شاملة للإنس والجن جميعاً. والأدلة على إرسال نبينا عليه الصلاة والسلام إلى الجن إنما تفيد أن الرسل من البشر، ولو كان رسل الجن منهم لما كلف نبيه بقراءة القرآن عليهم وتبليغهم وإنذارهم، ولكانت هذه من مهمة رسول الجن إليهم. وهذه مغالطة، فلا يشك أحد أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد بعث إلى الثقلين، لكن هذه خصوصية له، كما ورد في السنة، ولا تعني أن الرسل المبعوثين إلى الجن هم من البشر. كما أن هذا لا ينفي أن كان للجن أنبياء منهم قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما بعث كان هو آخر أنبياء الله للثقلين. 7) قوله تعالى إخباراً عن النفر من الجن الذين ولوا إلى قومهم منذرين بعد سماعهم القرآن من الرسول عليه السلام :﴿إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ 30﴾ الأحقاف. قالوا: والذي نفهمه من هذه الآية أن هذا النفر من الجن كان منهم من آمن بموسى عليه السلام، مما يدل على أنه مرسل إليهم. غير أن منطوق الآية لا يثبت أنهم آمنوا بموسى (ع). قد يكونون علموا بالتوراة كما علموا بالقرآن، ولا يلزم أن يكونوا تهودوا. 8) ويدعم هذا التوجه قول من قالوا: بأن في الجن نذراً، وليس منهم رسل، وهم الذين قال فيهم المولى جل وعلا: ﴿وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ 29﴾ الأحقاف. فهم رسل عن الرسل، لا رسل عن الله تعالى، ويسمون نذراً، ويجوز تسميتهم رسلاً، لتسمية رسل سورة يس رسلاً في قوله تعالى: ﴿إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ 14﴾. وهذا إنما هو تخريج لآية الأنعام: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ﴾ 130، في إيراد معنى آخر للرسل، غير مدلول "رسل الله" لا يختلف عن أدلة الفريق الأول. إلا أننا مع القائلين بإرسال رسل إلى الجن من جنسهم، استناداً لقوله تعالى: 1) ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ﴾ الأنعام 130، وظاهره أن الله بعث في الدنيا إلى الجن رسلاً منهم، كما بعث إلى الإنس رسلاً منهم، وهذا الدليل رد عليه النافون بأن ﴿مِّنكُمْ﴾ تشمل المجموع، المراد : من أحد الجنسين، فيكون الله قد أرسل رسلاً من البشر للثقلين. 2) ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ فاطر 24، 3) ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ﴾ الأنعام 9، وقيل: السبب في استئناس الإنسان بالإنسان أكمل من استئناسه بالملك، فوجب في حكمة الله تعالى أن يجعل رسول الإنس من الإنس ليكمل هذا الاستئناس، إذا ثبت هذا المعنى فهذا السبب حاصل في الجن، فوجب أن يكون رسول الجن من الجن. 4) من حديث جابر عنه صلى الله عليه وسلم: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ مِنَ الأنْبِيَاءِ قَبْلِي": "وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً"*، فتبين أن هذه خصوصية لمحمد صلى الله عليه وسلم على غيره من الرسل قاطبة، فجاء خاتم لكل الأنبياء، ولذلك تحتم على الجن اتباعه. * البخاري (438) واللفظ له، ومسلم (521). الجن إذاً صنف مشابه للإنس في التكليف والاختيار، ومختلف عنهم في الخلقة والطبيعة. وقد ذكر الله تعالى أن منهم الصالحين الأخيار ومنهم الفاسقين الفجار والكفار. وكان إبليس كبيرهم، يراقب خلق البشر، فلما أمر بالسجود لمن ميزه الله بالخلافة، غلبت عليه مشاعر الحسد، ورفض أمر الله تكبراً وفسوقاً، فحكم عليه باللعنة. ولما توعد لبني آدم بالإضلال، وباشر في تنفيذ وعيده، صار شيطاناً. منذئذ بدأ الصراع بين الشيطان والإنسان. هو قد تحدد مصيره الأبدي بالشقاء، ووظف كل جهد ليسوق معه هذا الإنسان الذي فضل عليه، ووضع منذ بدايته رحلة الإغواء خطته: ﴿فَبِمَاۤ أَغۡوَیۡتَنِی لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَ ٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ 16 ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّنۢ بَیۡنِ أَیۡدِیهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَیۡمَـٰنِهِمۡ وَعَن شَمَاۤىِٕلِهِمۡۖ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَـٰكِرِینَ 17﴾ الأعراف. وقد تكفل الله بعصمة من آمن به وصدق رسله واتبع شرعه، فقال تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا﴾ الاسراء 65. وأول أبواب الوقاية من شره لعنه الله هو الاستعاذة بالله تبارك وتعالى منه. |
|||
03-10-2021, 12:28 PM | رقم المشاركة : 6 | |||
|
رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 1﴾ البسملة: البسملة مستحبة عند ابتداء كل أمر مباح أو مأمور به لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع"*. إننا حين نبدأ أعمالنا باسم الله فإننا نقر بأن الأمر لله أولاً وأخيراً، هو المانح والمانع، وكل شيء عنده بمقدار، منه النجاح والتوفيق، فلا فضل لنا، ولا قدرة لنا إلا بما يقدر سبحانه وتعالى. لا مجال للغرور أو التعالي. وإذا بدأنا أعمالنا بذكر الله، منحنا ثواب الدنيا والآخرة. أما من لا يبدأ عمله باسم الله، فقد يحرم ثواب الآخرة، وقد يعطى ثواب الدنيا أو يحرم منه. وإن أوتي ثواب الدنيا، فهو عرضة للغرور والتعالي، كقارون: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي﴾ القصص 78، أو صاحب الجنتين: ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا 34 وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا 35 وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا 36﴾ الكهف وقد تطور إعراضه عن مسبب الأسباب أولاً بتعاليه على صاحبه، ثم بتأكده من دوام النعمة دون إرجاع الفضل للمنعم. بل إنه لا يرى زوالاً لنعمته، فهو يشكك في الآخرة، ويسخر ممن يذكره بها، ويقرر أنه مثلما ساد في الدنيا ستكون له الحظوة عند الله بأفضل مما كان له في الدنيا. * عن أبي هريرة: كلُّ أمر ذي بالٍ لا يُبدَأُ بالحمد للَّهِ فَهوَ أقطعُ، وفي روايةٍ: بالحمدِ فَهوَ أقطعُ، وفي رواية: كل كلامٍ لا يُبدَأُ فيهِ بالحمد للَّهِ فَهوَ أجذَمُ، وفي رواية: كلُّ أمرٍ ذي بالٍ لا يبدأُ فيهِ ببسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ فَهوَ أقطعُ. (أذكار النووي). أثر حسن أخرجه أبو داود، والنسائي في «السنن الكبرى»، وابن ماجه باختلاف يسير، وأحمد بنحوه. وقد أجمع العلماء على أن البسملة بعض آية من سورة النمل: ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ﴾ النمل 30، غير أنهم اختلفوا في البسملة في صدر كل سورة من القرآن الكريم، سوى براءة، وفي أنها آية من سورة الفاتحة أم لا. والأغلب أنها ليست آية في أوائل السور، بل وضعت للدلالة على ابتداء السورة، وللفصل بينها وبين غيرها من السور. أما في الفاتحة، فالأمر مختلف، لأن حكم البسملة مرتبط بكل ركعة من الصلاة. وقد انقسم العلماء إلى آراء، مجملها: 1) الوجوب فيجهر بها، لمن يرى أنها آية في أول سورة الفاتحة، 2) الاستحباب فيسر بها. على أنه للقول الفصل في هذه المسألة يمكن لباحثي الإعجاز العددي للقرآن الكريم أن يضعوا الفرضيتين، فإذا وُجد خلل في إحداهما، كان الترجيح للأخرى. هل البسملة خاصة بالرسالة الخاتمة؟: اختلف العلماء في: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ هل هي من خواص هذه الأمة أم لا؟ فقيل بلى، لأنها لو كانت في الكتب القديمة لأمر من أول الأمر بكتابتها ولكانت معاني القرآن في كل كتاب. لكن الرأي الذي نراه أنها عامـة للمؤمنين من كـل الرسـالات، ونســـتدل على ذلك بقولـه تعالـى في ســـورة النمـل فـي مطلـع رسـالة ســليمان (ع) لملكـة ســبأ: ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ 30﴾ سبأ، وكذلك ورود: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ على لسان نوح (ع) في: ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ هود 41، والرحمن في: ﴿قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ﴾ الإسراء 110. كذلك فإن ما بأيدينا من الكتب السابقة وقع عليه التحريف والإخفاء والتأليف، ولم يعد يوثق بنصه وحكمه. من فضائل البسملة: 1) نحن إذ نبدأ تلاوة القرآن الكريم بـ: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ نستحضر رحمة الله، ونستذكر أبوابها المشرعة لنا كأننا نرفع أكفنا بالضراعة إلى الله أن يرحمنا، ويتجاوز عن ذنوبنا، ويمحو سيئاتنا. هذه الأبواب التي لا تغلق طالما نلجأ إلى الله كل حين، ونستفتح أمورنا كلها بذكر اسمه. 2) إن ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ هي - كما يقول العلماء - بمثابة قَسَم من ربنا أنزله عن رأس كل سورة يُقسـم لعبـاده أن هـذا الذي وضعت لكـم في هذه السـورة حق، وأنى أفي لكـم بجميـع ما ضمنت في هذه السورة من وعدى ولطفي وبرى. 3) البسملة أمان ورحمة، لذا لم تبدأ بها سورة براءة. 4) جمعت الأسماء الثلاث الله والرحمن والرحيم لأن الأول هو الخالق المعبود، والثاني والثالث للتنبيه على سعة رحمته وديمومتها. والرحمة هي الحبل الواصل بين العبد وربه. 5) إرادة الله سبحانه وتعالى أن يكون البدء باسم الذات "الله" لا بأي أسماء الصفات، لأن "الله" اسم جامع لصفات الكمال، بخلاف أسماء الصفات التي يختص كل اسم منها بكمال فرعي يندرج تحت اسم الذات الذي لا يشاركه فيه أحد. 6) كثرت أقوال العلماء حول اسم الله الأعظم، وكثيرون منهم قالوا: هو لفظ الجلالة. وقد استندوا لأسباب عقلية، وأخرى نقلية. والرأي عندنا أنه من الأشياء التي تُعُمد إخفاؤها ليجتهد الناس في الذكر والعبادة. فليلة القدر وساعة الإجابة من يوم الجمعة مثلان واضحان على هذه الحكمة. مدلول البسملة: أصل الاسم: سمو، حذفت الواو تخفيفاً لكثرة الاستعمال ولتعاقب الحركات وسكن السين وحرك الميم واجتلبت ألف الوصل. واشتقاقه من السمو كالعلو. وقيل هو من السمة لأنه علامة على مسماه وأصله وسم فحذفت الواو وعوضت عنها همزة الوصل. والبسملة مصدر "بسمل" إذ قال ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ نحو هلل وحوقل وحمدل*. وقول: ﴿بسم الله﴾ الباء في بسم الله للاستعانة، نحو كتبت بالقلم، وموضعها نصب. وهو قول خبري تعلقت الباء فيه بتقدير محذوف: أبدأ أو أتلو، كما أنّ المسافر إذا حلّ أو ارتحل فقال: بسم الله، كان المعنى بسم الله أحل وبسم الله أرتحل، وكذلك كل فاعل يبدأ في فعله ﴿بسم الله﴾ كان مضمراً ما جعل التسمية مبدأ له. ومن العلماء من قدر المعنى: بسم الله ابتداء، والمعنى: أَبتديء هذا الفعل مصاحباً أو مستعيناً بـ "اسم الله" سائله المعونة والتوفيق. * هلهل قال: لا إله إلا الله، وحوقل قال: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، وحمدل قال: الحمد لله، ... ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾: الاسم هو اللفظ الدال بالوضع على موجود في العيان، إن كان محسوساً، وفي الأذهان، إن كان معقولاً من غير تعرض ببنيته للزمان، ومدلوله هو المسمى. والتسمية جعل ذلك اللفظ دليلاً على ذلك المعنى. وقد يطلق الاسم ويراد المسمى، على أن العلماء توقفوا عند التفرقة بين الاسم والمسمى في مبحث مفصل. هل الاسم هو عين المسمى؟: مسألة المباينة بين الاسم والمسمى والتسمية عليها خلافات بين العلماء: هل الاسم هو عين المسمى أو غيره. وما سبب الشبهة عندهم أنّ الله تعالى أمرنا بذكره وتسبيحه في آيات وبذكر اسمه وتسبيح اسمه في آيات أخرى، من ذلك: الاسم: - ﴿وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً 8﴾ المزمل، - ﴿وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً﴾ الحج 40، - ﴿فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ 118﴾ الأنعام، المسمى: - ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾ الأحزاب 41، - ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 1﴾ الحديد، - ﴿فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ﴾ المؤمنون 14. وثمة من قال جمعاً بين هذه الآيات وأمثالها: الاسم عين المسمّى، وأنّ ذكر الله وذكر اسمه وتسبيحه وتسبيح اسمه واحد. والأرجح القول بأن الذكر عند العرب ضدّ النسيان، وله معنيان: ذكر القلب وهو عبادة قلبية، وذكر اللسان حين ينطق بما ينطوي عليه القلب. واللسان يذكر اسم الله تعالى كما يذكر من كلّ الأشياء أسماءها، دون ذوات مسمّياتها. أي أن الذكر والتسبيح باسم ربك باللسان متعلقاً باللفظ، بينما الذكر بالقلب متعلق بالمسمى. وفي قوله جل وعلا: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً﴾ يوسف 40، المراد أنكم تعبدون أسماء كاذبة لا وجود لمسمياتها في الحقيقة، فكأنهم لم يعبدوا إلا الأسماء التي اخترعوها، وهذا من بديع المجاز. ولو كنا نرى الموجودات كلها طول الوقت دون غياب لم نحتج إلى مسمياتها، ولكن لما أمكن غيابها عن أبصارنا وبصائرنا احتجنا إلى ما يدلنا عليها في التخاطب والاخبار عنها، فمنّ الله تعالى علينا بلطف وحكمة أن نتعرف على المسميات بأسماء لمنع الالتباس وسهولة التعبير والخطاب. لِمَ وردت ﴿بسۡمِ﴾ بدون ألف "اسم"؟: فـي حـذف الألـف في: ﴿بسۡمِ﴾ وكذلك في: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ﴾ و ﴿مَٰلِكِ﴾ و ﴿ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ و ﴿ٱلصِّرَٰطَ﴾ و ﴿صِرَٰطَ﴾ لمحـات بلاغية لم يذكرها المفسرون، بل اكتفوا في تعليل هذه النكتة البلاغية بقولهم: حذفت لكثرة الاستعمال، وليس الأمـر كذلك. إن الرســم القرآني - عندنا – أو ما يسـمونه بالرسـم العثماني توقيفي، هكذا نقلـه جبريـل عليه السلام لرسولنا صلى الله عليه وسلم، وهكذا نقله الرسول لنا. نذكر هنا ما يتعلق باسم الجلالة، ونلمح لباقي الألفاظ في حينها. إن لفظة ﴿بسۡمِ﴾ وردت في القرآن الكريم بدون ألف الوصل ثلاث مرات: 1) ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ 1﴾ الفاتحة، 2) ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ هود 41، 3) ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ 30﴾ النمل. ووردت بألف الوصل أربع مرات: 1) ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ 74﴾ الواقعة، 2) ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ 96﴾ الواقعة، 3) ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ 52﴾ الحاقة، 4) ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ 1﴾ العلق. وإذا تأملنا الآيات التي حذفت منها الألف، وجدنا أنها كلها: - تأتي في ابتداء الكلام، فبسملة الفاتحة في أول الكتاب، وبسملة هود لبداية رحلة الفلك، وبسملة النمل في صدر رسالة سليمان (ع) لملكة سبأ لغرض افتتاح الرسالة. ومدلول البسملات الثلاثة هو: بسم الله أبدأ. - في المواضع الثلاثة جاء اسم الله تالياً لـ ﴿بسۡمِ﴾. لذلك جاء الحذف ليدل بتقصير الكلم على وجوب سرعة الوصول إلى الله بأقصر الطرق وأسرع الوسائل. أما عدم حذف الألف في الآيات الأخرى وبقاؤها كجزء من أصل الكلمة فقد جاء في معرض التسبيح في ثلاثة منها، والقراءة في الرابعة، وكلاهما من الأمور التي تحتاج إلى التفكر والتدبر والتأمل، فأُثبتَ الألف لغياب ضرورة السرعة*. * إعجاز رسم القرآن وإعجاز التلاوة تأليف محمد شملول: ص 70. هل لفظ الجلالة ﴿اللَّهِ﴾ مشتق أم جامد؟: ﴿اللَّهِ﴾ اسم علم يطلق على المعبود بحق وحده جل وعلا، وهو اسم مفرد لم يتسم به غيره. وهو اسم ذات جامع لأن المألوه إنما يؤله لما يتصف به من صفات الكمال. والألف واللام في أوله أصلية لازمة، وليست زائدة كسائر الأسماء المعرفة بالألف واللام. وقيل في اشتقاقه أقوال: - مشتق من "لاه ، يليه" أي ارتفع . - أو من "لاه ، يلوه ، لياها" أي احتجب، فدخلت الألف واللام للتعظيم. قال الشاعر: لاَهِ ابنُ عَمَّكَ لاَ أَفْضَلْتَ فى حَسَبٍ ..... عَنَّى ولا أَنْتَ دَيَّانِي فَتَخْزُوني - أو من "أله"، وأله لفظ مشترك بين معان هي العبادة والسكون والتحير والفزع، أي أن خلقه يعبدونه، ويسكنون إليه، ويتحيرون فيه، ويفزعون إليه. ومنه بيت رؤبة بن العجاج: لله درُّ الغانيات المُدَّهِ ..... سَّبحْنَ واسترجَعْنَ من تألُّهي - أو من "إلاه" مثل فعال، فأدخلت الألف واللام بدلًا من الهمزة، واستدل بقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ﴾ الزخرف 84 أي: المعبود في السماوات والأرض. - أو أن أصله: "الإله" حذفوا الهمزة وأدغموا اللام الأولى في الثانية، كما قال: ﴿لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي﴾ الكهف 38 ، أي: لكن أنا. - أو من "ألهت" إلى فلان أي: سكنت إليه، فالعقول لا تسكن إلا إلى ذكره، والأرواح لا تفرح إلا بمعرفته؛ لأنه الكامل على الإطلاق دون غيره. - أو من "أله" الفصيل إذا ولع بأمه، والمعنى: أن العباد مألوهون مولعون بالتضرع إليه في كل الأحوال. قيل: لفظ ﴿اللَّهِ﴾لم يعرف قبل الإسلام، فلا يعرف عند العرب اشتقاق له. لذلك من النحاة وأكثر الأصوليين والفقهاء من ذهب إلى أنه اسم جامد، لا اشتقاق له، والدليل أنك تقول: يا الله، بينما تقول: يا رحمن، فلولا أنه من أصل الكلمة لما جاز إدخال حرف النداء على الألف واللام. والاستدلال على ذلك بوجوه منها: - أنه لو كان مشتقا لاشترك في معناه كثيرون . - أن بقية الأسماء تذكر صفات له، فتقول: الله الرحمن الرحيم الملك القدوس، فدل أنه ليس بمشتق. - قوله تعالى: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ مريم 65 يدل على أنه لم يسم به غيره. والصحيح أنه عرف قبل الإسلام، بدليل قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ الزخرف 87، ولعل الاشتقاق كان من لفظه، وليس العكس، فمنه اشتقت الإلوهية والتأله ويتأله، وغيرها. وخلاصة القول في هذه المسألة: - أن لفظ الجلالة ﴿اللَّهِ﴾هو اسم عربي قديم، وهو اسم علم جنسي، أطلقه الله جل وعلا على ذاته المقدسة، وخصَّها به دون غيرها من الذوات المخلوقة. وقوله تعالى : ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ مريم 65 يدل على أنه قد سبق الأسماء كلها، ولم يتقدَّم عليه لفظ، أو عبارة، وأنه لم يسمَّ به أحد غير الله جل وعلا، بخلاف غيره من أسماء الله الحسنى التي تدل على صفاته جل وعلا، على سبيل التمام والكمال. - لأن ﴿اللَّهِ﴾ لسانياً اسم: لا تطرح الألف منه، وليس من الأسماء التي يجوز منها اشتقاق فعل، وهمزته - في الأصل- هي همزة قطع لا وصل، ولكنها وصِلَت لكثرة الاستعمال، وهو لا يتصرَّف تصرُّف غيره من الأسماء، فهو بهذا الاعتبار يكون جامدًا، أي: غير متصرف. - ولفظ الجلالة ﴿اللَّهِ﴾ ولفظ: (إله) وإن سمِّي أحدهما مشتقًّا والآخر مشتقًّا منه، فمن باب التجوز؛ لأن ما بينهما هو اشتقاق تلازمي، لا اشتقاق مادي. وبمعنى آخر: لفظ (إله) ليس أصلاً للفظ الجلالة، ولا مشتقًّا منه لأمور: 1) لفظ (إله) هو أحد أسماء الله الحسنى، بدليل قوله: ﴿وَإِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ﴾ البقرة 163. 2) إن القرآن الكريم فرَّق بينهما في الاستعمال، فأتى بلفظ (إله) وصفًا للفظ الجلالة في كثير من الآيات؛ منها قوله تعالى: ﴿اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولاَ نَوْمٌ﴾ البقرة 255. وقد جاءت هذه التفرقة صريحة بين اللفظين في قوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ الأنبياء 22، وآلهة جمع إله، فبانت التفرقة في اللفظين هنا، إذ جاء في الآية لفظة ﴿اللَّهِ﴾ وجمع لفظة (إله) سوياً مما يثبت المغايرة. ومثله قوله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ﴾ آل عمران 62 ، ص 65. 3) إن كلا اللفظين قد وردا كثيرًا في الشعر الجاهلي قبل نزول القرآن، كقول النابغة الذبياني في مدح النعمان بن المنذر: ولا أرى فاعلاً في الناسِ يُشْبِهُهُ ..... ولا أُحَاشِي مِن الأَقوامِ مِن أَحَدِ إلاّ ســـليمانَ إذْ قــالَ الإلــهُ لـهُ ..... قُمْ في البَرِيَّةِ فَاحْدُدْها عنِ الفَنَدِ فاليَوْمَ أَشْرَبْ غيرَ مُستَحْقبٍ ..... إثْمًا من اللهِ ولا واغِلِ 4) إن كلًا من اللفظين يشبه في لفظه وبنائه اللساني نظائره في الألسنة السامية الأخرى، والدراسات الحديثة أثبتت تفرع كل هذه الألسنة من لسان أصيل واحد هو اللسان العربي القديم. والأصل الواحد لها هو في اللسان العربي الجنوبي: (إلّ) وتعني الربوبية، والإلهيَّة، والتعالي، والهيمنة، والقدرة. لِمَ قال تعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ دون غيره من الأسماء الحسنى؟: لفظ الجلالة ﴿اللَّهِ﴾ هو علم على الذات الإلهية، فهو الدال على جميع الأسماء الحسنى، والصفات العليا. ولهذا يضيف الله سبحانه وتعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم، كقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ الأعراف 180 وقوله تعالى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ طه 8. وتميزه أن سائر الأسماء الحسنى تنطوي تحته، فيقال إنها من أسماء الله لأنه العلم الدال عليها جميعاً. وللفظ الجلالة ﴿اللَّهِ﴾ خصائص كثيرة منها: - أنه سبحانه وتعالى متفرد به، وقد صرف عنه جبابرة الأرض عن أن يطلق على أحدهم اسمه. - وهو أساس الشهادة، فلا تصح شهادة من قال: لا إله إلاّ الرّحمن أو الرحيم أو الملك أو القدوس، ولا ينعقد إسلام من لا ينطق بها على وجهها: لا إله إلا الله، فكان الاسم الجليل ﴿اللَّهِ﴾ هو بوابة الدخول في الإسلام. - ولا تنعقد صلاة من ابتدأ بالتكبير بقوله: الرحمن أكبر، أو غيره من الأسماء الحسنى، إلا أن يقول: الله أكبر. - كثيرون قالـوا إنه هو اسـم الله الأعظـم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سـئل به أعطى. وقد قال بهـذا علمـاء كبار، وإن كان ما نعتقده أن اسم الله الأعظم: - إما أنه اسم مخفي بين أسماء الله تعالى، - أو أنه متعدد، أي: هو (الله) عند متعبد، و(الرحمن) عند آخر، و(اللطيف) عند ثالث، و (الشافي) عند المريض، و (المغني) عند الفقير، وهكذا ... لكل وفق تعلق قلبه به وحاله ومجاهدته. - وللمتصوفة كـلام كثيـر حول خصوصية اللفظ من حيث التركيب، فاسـم ﴿اللَّهِ﴾ فيه المعنى الجليـل، فإذا حذفت ألفه صار "لله" ثم إذا حذفت لامه الأولى صار "له" تشير إليه سبحانه، فإذا حذفت اللام الثانية بقيت الهاء تصير "هـُ" أي: هو. ومنهم من يجعلون "هو" ورداً. - اللفظة ﴿اللَّهِ﴾ لا تسقط عنها الألف واللام عند النداء كما أشرنا من قبل. ولا نعرف لمعرف آخر هذه المزية. - هو اسم علم مفرد لا يمكن جمعه، وهي خاصية أخرى للاسم الكريم الجليل: ﴿اللَّهِ﴾. - كلّ أسمائه تعالى يمكن ترجمتها إلاّ لفظ الجلالة: ﴿اللَّهِ﴾. - ومن عظمة اسم ﴿اللَّهِ﴾ أن مكوّنات أحرفه، دون الأسماء جميعها، تخرج من خالص الجوف لا من الشفتين. - إنفراد آخر بإضافة الميم لنهاية اسم الجلالة، لتكون نداءاً: ﴿اللَّهُمَّ﴾ نحو: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ﴾ الزمر 46. - هـو علـم الأعـلام، فكل الأسـماء تُضاف إليه، ولا يُضـاف إليها. تقـول: الرّحمـن الرّحيـم من أسـماء الله، ولا يقال: الله من أسماء الرّحمن الرّحيم. يقول تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ الأعراف 180 ويقول: ﴿هُو اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ 22 هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ 23﴾ الحشر. - هذا الاسم الفرد تقترن به جل الأذكار، مثل: سبحان الله، الحمد لله، لا حول ولا قوة إلا بالله، ... - لفظ الجلالة ﴿اللَّهِ﴾ هو أكثر الأسماء وروداً في القرآن الكريم. - وهو أكثرها في افتتاحيات السور. - كل الأنبياء جاءوا بتوحيده، فما من رسول إلا وقال: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ الأعراف 59 فله اقتضت العبادة، وباسمه نزلت الكتب. ولقد كان أهل الجاهلية يعتقدون بوجود الله ويؤمنون بأنه الخالق، ولكنهم لا يصرفون العبادة له وحده، بل قالوا :﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ 5﴾ ص، ويبررون شركهم بقولهم عن أصنامهم: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ﴾ الزمر 3. ومن أعظم ثمرات فقه لفظ الجلالة ﴿اللَّهِ﴾ أنه: - يورث المحبة، فهو الّذي يألَه العبادَ حبًّا، وذلاًّ، وخوفا، ورجاءً، وتعظيما، وطاعة له، وهو الّذي تألَهه القلوب حباً وتذللاً له. - يحقق ذكره الطمأنينة القلبية مصداقاً لقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ الرعد 28. - به وحـده الاسـتغناء عن غيره، للأثر الذي رواه ابن عباس عن الرسـول صلى الله عليه وسلم: "يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ: احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ. واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ. رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ"*. * صحيح الترمذي (2516). |
|||
03-10-2021, 01:06 PM | رقم المشاركة : 7 | |||||
|
رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة
شكر الله سعيكم أستاذنا المبجل / عوني قرمة
|
|||||
04-10-2021, 11:26 AM | رقم المشاركة : 8 | |||
|
رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة
الشكر لكم. نسأل الله القبول والسداد. |
|||
21-10-2021, 12:04 PM | رقم المشاركة : 9 | |||
|
رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 1﴾ تنزيه اسم الله عن الشبيه والشريك: الذات الإلهية في هي غاية ما يتصوره العقل البشري من الكمال في أشرف الصفات. إن الله عند المسلم لا يشوب الإيمان به أي عارض من عوارض الشرك والمشابهة، وليس له مثيلٌ. وهو جل وعلا له الأسماء الحسنى والصفات العلى، ولا تغلب عنده صفة على صفة، فهو القوي وهو الرحيم، وهو المنتقم وهو العفو، وهو الضار وهو النافع، وهو المذل وهو المعز، وهو المحيي وهو المميت... ولأن ليس من أحد من أجناس خلقه أن يوفق في وصفه، تولى هو سبحانه وتعالى تقديم نفسه لعباده في أعظم آيات كتابه: ﴿اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ 255﴾ البقرة. فثبت أن: - كل كمال في نفسه ثبت للمخلوق ليس فيه نقص بوجه من الوجوه، فإن الخالق أولى به من المخلوق، - وكل نقص تنزه عنه المخلوق، فالخالق أولى بأن يتقدس ويتنزه عنه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ الشورى 11. - هو الغني فلا يحتاج لأحد فيما خلق ويخلق ودبَّر ويُدبِّر ويُعْطِي ويَرْزُق ويَقْضِي ويُمْضِى، لا رادَّ لأمْرِه ﴿وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ آل عمران 189. وهو الغَنِيُ المُسْتَغْنِي عن الخلق بقدرته وعز سلطانه، والخلق فقراء إلى فضلِهِ وإحسانه ﴿وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ﴾ محمد 38. - وهو سبحانه لا يحده زمان ولا مكان، وهو محيط بالزمان والمكان: ﴿أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾ فصلت 54. - وهو وحده الأبدي السرمدي: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ الحديد 3، هو الحي الذي لا يموت ﴿وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ المؤمنون 80. ولا بقاء على الدوام إلا لمن له الدوام ومنه الابتداء وإليه الانتهاء و ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ القصص 88. |
|||
26-10-2021, 12:32 PM | رقم المشاركة : 10 | |||
|
رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة
﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ﴾: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ﴾ فعلان من رحم، كغضبان وسكران، من غضب وسكر. وهو لفظ لم يستعمل في غير الله عزّ وجلّ، ولم يستثنى عبر التاريخ إلا مسيلمة الكذاب، وقد لقبوه بـ "رحمان اليمامة" لكفرهم. والخلاف بين النحويين حول بنائه وصرفه، ورجح أن يعامل معاملة الألفاظ التي جاءت على شاكلته. وقيل: الرحمنُ ليس مشتقاً لأن العربَ لم تَعْرِفْه في قولهم: ﴿وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ﴾ الفرقان 60، لكن رد على هذا بأنهم جَهِلوا الصفةَ دونَ الموصوفِ، ولذلك لم يقولوا: وَمَنْ الرحمن؟ و ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ﴾ عند الجمهور من الصفات الغالبة، على قولين: 1) هناك من قال: هو بدلٌ من اسمِ الله لا نعتٌ له، إذ هو علم بالغلَبة وإن كان مشتقاً من الرحمـة، لكنه ليس بمنزلة الرحيم ولا الراحـم، فجاء على بناء لا يكون في النعوت. وإن ما يـدل على علميته وروده غير تابع لاسم قبله، قال تعالى: ﴿الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ 5﴾ طه، وقال: ﴿الرَّحْمَٰنُ 1 عَلَّمَ الْقُرْآنَ 2﴾ الرحمن. وإذا ثبتت العلمية امتنع النعت، فتعين البدل. 2) إنه لو كان بدلاً لكان مبيَّناً لِما قبله، وما قبله - وهو اسم الجلالة - لا يفتقرُ إلى تبيين لأنه أعرفُ الأعلامِ، ألا تراهم قالوا: ﴿وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ﴾ الفرقان 60، ولم يقولوا: "وما اللهُ". خصوصية اسم الرحمن: - من العلماء من عد ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ﴾ اسم الله الأعظم لقوله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ﴾ الإسراء 110. وبإحصاء عن ورود اسم ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ﴾ في القرآن الكريم، نلاحظ أنه: 1. ورد اسم ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ﴾ في ثمانية وأربعين موضعاً من القرآن الكريم، 2. لم يقترن هذا الاسم بأي من الأسماء الحسنى سوى ﴿الرَّحِيمِ﴾، 3. اقترن بـ ﴿الرَّحِيمِ﴾ في ستة مواضع، ورد فيها كلها متقدماً على ﴿الرَّحِيمِ﴾، 4. المواضع الست: منها ثنتان في الفاتحة، والأخريات واحدة في كل من: البقرة، والنمل، وفصلت، والحشر. - اسم الرحمن من الأسماء الذاتية الخاصة بالله عز وجل، لم يسمَّ بها غيره؛ وهو يتضمن صفة الرحمة لله عز وجل، الرحمن الرفيق بمن أحبَّ أن يرحمه، والبعيد الشديد على من أحب أن يعنف عليه، المتصف بالرحمة العظيمة التي لا يماثلها رحمة أحد من خَلقه، فرحمته وسعت كل شيء، وبرحمته وُجدت المخلوقات، وبرحمته اندفعت عنها كل نقمة. - الرحمة تبدأ في كيان الإنسان، ففي الأثر في الحض على صلة ذوي القربى أن "الرحم" مشتقة من اسم ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ﴾*، وتنتشر في الكون كله، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "جعل اللهُ الرحمةَ مائةَ جُزءٍ، فأمسك عنده تسعةً وتسعين جزءًا، وأنزل في الأرضِ جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزءِ تتراحمُ الخلقُ حتى ترفعَ الفرُس حافرَها عن ولدِها خشيةَ أن تُصيبَه"**. والمولى جل وعلا يخبرنا أن رحمته وسعت كل شيء: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ﴾ الملك 19، ورحمة الله تتولى الطائر في بسطه لجناحيه وفي ضمهما. هذه الرحمة التي تتولى سائر المخلوقات حتى أصغر الأحياء، وإذا انتهى الأجل كان الرحمن: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا 93﴾ مريم 93. * قال اللهُ تبارَك وتعالى: أنا الرَّحمنُ خلَقْتُ الرَّحِمَ وشقَقْتُ لها اسمًا مِن اسمي فمَن وصَلها وصَلْتُه ومَن قطَعها بَتَتُّه الراوي: عبد الرحمن بن عوف المحدث :شعيب الأرناؤوط في تخريج صحيح ابن حبان (443) حكم المحدث: صحيح. ** الراوي: : أبو هريرة التخريج: أخرجه البخاري (6000) واللفظ له، ومسلم (2752). إضاءة على قولهم: ﴿وَمَا الرَّحْمَنُ﴾: لعل من المناسب أن نعرج أولاً على: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾ الفرقان 60، وقد جاء استغرابهم لأحد أمرين: - لفظة الرحمـن لم تكن معروفة عند العرب. وهذا يفسر اسـتغرابهم من اللفظة، فقالوا: ﴿وَمَا الرَّحْمَنُ﴾. فكان سؤالهم باسم موصول لغير العاقل، كاستفهام استنكاري مغلف بالسخرية. ولعل صيغة هذا الاستفهام ترجعنا لقول فرعون لموسى ﷺ: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ الشعراء 23. ولعل المشركين استحضروا في أذهانهم مسيلمة الكذاب الذي سُمي برحمن اليمامة، إذ أنهم لم يسمعوا باللفظة قبل تسميته بها، ولعله هو المقصود في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْقَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ الأنعام 93، هنا ملمح آخر مهم يشير إلى إعجاز القرآن الكريم. هؤلاء المشركون لم يتركوا وسيلة للاعتراض على نبوة الرسول ﷺ. هم أنكروا لفظة لم تأت في معجمهم اللغوي، فما بالك بسائر القرآن الكريم، أكانوا تركوه لو وجدوا فيه هنة أو ضعفاً؟. - بل كانت معروفة لديهم، وثمة شواهد من الشعر الجاهلي على سابق معرفتهم باللفظة. روي عن حاتم الطائي قوله: كُلوا اليومَ مِن رزقِ الإلهِ وأيْسِرُوا ..... فإنَّ على الرحمنِ رِزقكُمُ غَدا تِلْكَ السَّحَابُ إذَا الرّحْمَانُ أرْسَلَهَا ..... رَوّى بِهَا مِنْ مُحولِ الأرضِ أيْبَاسَا تِلْك الموَازينُ والرّحْمَــان أنزلها ..... ربُّ البرِيّــةِ بَيْنَ النّــاس مِقيَاســــا |
|||
02-11-2021, 12:57 PM | رقم المشاركة : 11 | |||
|
رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة
﴿ٱلرَّحِيمِ﴾: ﴿ٱلرَّحِيمِ﴾ فعيل من رحم، كمريض وسقيم، من مرض وسقم. وصيغة فعيل كصفة تدل على الثبوت والصفة الدائمة، فنقول: طويل وبخيل وكريم، وقد وردت كثيراً في القرآن الكريم في صفات الله سبحانه، مثل: ﴿إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ الأنفال 63، ﴿قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ الأنعام 19، ﴿فَأَنَّهُ غَفُورٌرَّحِيمٌ﴾ الأنعام 54، ﴿وَاللَّهُ شَكُورٌحَلِيمٌ﴾ التغابن 17، ﴿الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ الفرقان 59. والرحمة لغةً: اسمٌ يدلّ على الرقّة والعطف والرأفة، ومنه اشتقاق الرَّحِم، لانعطافِها على الجنين. كما تُطلق على الرزق والغيث. والمقصود برحمة الله عطفه وإحسانه. وهي اصطلاحاً: 1. رقّةٌ في القلب تقتضي الإحسان وإيصال الخير إلى الغير، وإن كان هذا الإحسان في الظاهر شراً أو أذى، فالرحمة تقتضي تحقيق مصلحة الغير حتى وإن كان في ظاهر ذلك الإحسان ما يكرهه العبد ويبغضه في قلبه، من ذلك أن الله تعالى فرض على عباده تكاليف، وإن بدت لهم شاقة، إلا أنه تبارك وتعالى فرضها عليهم رحمة بهم ليثيبهم عليها يوم العرض عليه. فعلى هذا يكون وصفُه تعالى بالرحمة مجازاً عن إنعامِه على عبادِه كالمَلِك إذا عَطَف على رعيَّته أصابَهم خيرُه. 2. وقيل: الرحمة إرادةُ الخيرِ لمَنْ أرادَ اللهُ به ذلك، ووَصْفُه بها على هذا القولِ حقيقةٌ، وهي حينئذ صفةُ ذاتٍ، وهذا القولُ هو الظاهرُ. 3. وقيل: الرحمة رِقَّةٌ تقتضي الإِحسانَ إلى المرحومِ، وقد تُستعملُ تارةً في الرقة المجردة وتارةً في الإِحسان المجرَّد، وإذا وُصِف به الباري تعالى فليس يُراد به إلا الإِحسانُ المجردُ دونَ الرقةِ، وعلى هذا رُوي: "الرحمةُ من الله إنعامٌ وإفضالٌ، ومن الآدميين رقةٌ وتعطُّف". 4. وقيل في الرحمن الرحيم: هما اسمان رقيقان أحدهما أرقُّ من الآخر، أي: أكثرُ رحمة، والرفق من صفاته". أما من قال: إن الرقة لا مَدْخَلَ لها في صفاتهِ، فيرد قوله قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيقٌ يحبُّ الرِفقَ."*. * روت السيدة عائشة رضي الله عنها قول النبي صلى الله عليه وسلم لها: يا عائِشَةُ إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، ويُعْطِي علَى الرِّفْقِ ما لا يُعْطِي علَى العُنْفِ، وما لا يُعْطِي علَى ما سِواهُ. أخرجه الشيخان: البخاري (2927)، ومسلم (2593). 5. قد رد اسم الله ﴿ٱلرَّحِيمِ﴾ في القرآن الكريم في أكثر من صيغة، مضافاً وغير مضاف، ومعرفاً ومجرداً، ومنفرداً ومقروناً باسم آخر. جاء مع الرحمن، والتواب، والغفور، والرؤوف، والودود، والعزيز. 6. إن ﴿ٱلرَّحِيمِ﴾ هو أرجى أسـماء الله، يتمسك به المسـلم في دعائه لينال الطمـأنينة في حياته، وليركن إليه هرباً من قسوة الحياة وهمومها. وإليه تكون الأوبة حين يخطيء المرء، فيدعوه ليغفر له. وهو الاسم الذي يلجأ إليه المكلوم أو المظلوم، لينجو به مما وقع له. وبه تتعلق به الأرواح يوم تتطاير الصحف ويوضع الميزان، ليتحدد مصير الإنسان إلى عذاب دائم أو نعيم مقيم. إلامَ تشير الرحمة في اسم ﴿ٱلرَّحِيمِ﴾؟: 1) الرحمـة التي دل عليهـا الرحيم رحمـة خاصـة تكون للمؤمنين فقط، ولذا فغالبـاً ما يقترن اسم الله الرحيم بالتواب والغفور والرؤوف والودود بهذا الاعتبار: - ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ النساء 16، - ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ البقرة 199، - ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ الأحزاب 43. فدل هذا على أن رحمة الله عز وجل في الآخرة خاصة بالمؤمنين. 2) الرحيم سبحانه واصل الرحمة إلى سائر خلقه: - ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ الأعراف 156، - ﴿وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ﴾ القصص 73، - ﴿مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا﴾ فاطر 2. من مظاهر رحمة الله: - خلق أسباب المعيشة والراحة: ﴿وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ القصص 73. - توفير النعم التي لا تحصى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ النحل 18. - باب رحمته مفتوح لخلقه: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا﴾ فاطر 2. - إنزال الأنعام: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ النحل 7. - إرسال الرسل وإنزال الكتب للهداية إليه سبحانه: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ مريم 50، ﴿تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ فصلت 2 . - إصطفاء محمد صلى الله عليه وسلم وإرساله للأميين: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ 31 أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ 32﴾ الزخرف. - إرسال القرآن: ﴿وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾ القصص 86 . - تربيته صلى الله عليه وسلم على عين الله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ﴾ آل عمران 159. - تشريع الأحكام والحدود لصلاح المجتمع الإسلامي: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ النساء 16. - رفع الحرج عن المضطر: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ البقرة173. - قبول التوبة من عباده المذنبين: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ الزمر 53. - تزكية نفوس المؤمنين: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا﴾ النور 21. - نصرة المؤمنين: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ 4 بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ 5﴾ الروم. - يبارك في نسل الصالحين: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾ الكهف82. موجبات رحمة الله: - الصمت والإنصات عند سماع تلاوة القرآن: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ الأعراف 204. - تعهد القرآن الكريم بالتلاوة والتدبر: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِين﴾ الإسراء 82. - إتباع القرآن في أوامره ونواهيه: ﴿وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ الأنعام 155. - الإيمان بالله والاعتصام بحبله: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ النساء 175. - طاعة الله ورسوله: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ 132﴾ آل عمران. - الإحسان بكل صوره: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ الأعراف 56. - تخلق المسلم بالرحمة: ﴿ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ 17﴾ البلد. - الإصلاح بين الناس: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ الحجرات 10. - الصبر عند الابتلاء: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ 156 أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ 157﴾ البقرة. هل الرحمن والرحيم بمعنى واحد أم هما مختلفان؟: اختلف أهلُ العلمِ في "الرحمن الرحيم" بالنسبة إلى كونِهما بمعنىً واحدٍ أو مختلفين. فذهب بعضُهم إلى أنهما بمعنى واحد كَنْدمان ونَدِيم، ثم اختلف هؤلاء على أقوال: - قيل: جُمِع بينهما تأكيداً، - وقيل: لمَّا تَسَمَّى مُسَيْلمة - لعنه الله - بالرحمن قال الله لنفسه: الرحمنُ الرحيم، فالجمعُ بين هاتين الصفتين لله تعالى فقط. وهذا ضعيفٌ جداً، فإنَّ تسميَته بذلك غيرُ مُعْتَدٍّ بها البتَة، وأيضاً فإن بسم الله الرحمن الرحيم قبلَ ظهورِ أمرِ مُسَيْلَمَةَ. - وقيل: لكلِّ واحد فائدةٌ غيرُ فائدةِ الآخر، وجَعَل ذلك بالنسبة إلى تغايُرِ متعلِّقِهما إذ يقال: "رَحْمن الدنيا ورحيمُ الآخرة"، يُروى ذلك عن النبي صلَى الله عليه وسلم، وذلك لأنَّ رحمته في الدنيا تَعُمُّ المؤمنَ والكافرَ، وفي الآخرة تَخُصُّ المؤمنين فقط، ويُروَى: رحيمُ الدنيا ورحمنُ الآخرة، وفي المغايَرة بينهما بهذا القَدْر وحدَه نظرٌ لا يَخْفى. - وذهب بعضُهم إلى أنهما مختلفان، ثم اختلف هؤلاء أيضاً: فمنهم مَنْ قال: 1 الرحمن أبلغُ، ولذلك لا يُطلق على غيرِ الباري تعالى، وهو من باب غَضْبان وسَكْران للممتليءِ غَضَباً وسُكْراً، ولذلك يقال: رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الآخرة فقط، فكان القياسُ الترقِّيَ من الأدنى، إلى الأعلى، كما يُقال: شُجاع باسل ولا يقال: باسِلٌ شجاع، ثم أَرْدَفَ الرحمنَ الذي يتناول جلائلَ النِّعَمِ وأصولَها بالرحيمِ ليكونَ كالتتمَّةِ والرديف ليتناولَ ما دَقَّ منها ولَطَف. 2 ومنهم مَنْ عَكَس فجعلَ الرحيمَ أبلغَ، ويؤيده روايةُ مَنْ قال: "رحيم الدنيا ورحمان الآخرة" لأنه في الدنيا يَرْحم المؤمن والكافرَ، وفي الآخرة لا يَرْحم إلا المؤمن. لكن الصحيح أنَّ الرحمنَ أبلغُ، وأمَّا هذه الروايةُ فليس فيها دليلٌ، بل هي دالَّةٌ على أنَّ الرحمنَ أبلغُ، وذلك لأن القيامَة فيها الرحمةُ أكثرُ بأضعافٍ، وأثرُها فيها أظهرُ، على ما يُروى أنه خَبَّأ لعباده تسعاً وتسعينَ رحمةً ليوم القيامة. والظاهر أن جهةَ المبالَغَةِ فيهما مختلفةٌ، فمبالغةُ "فَعْلان" من حيث الامتلاءُ والغَلَبَةُ ومبالغةُ "فعيل" من حيث التكرارُ والوقوع بمَحَالِّ الرحمة. وقيل: بناء فَعْلان ليس كبناءِ فَعِيل، فإنَّ بناء فَعْلان لايقع إلا على مبالغةِ الفِعْل، نحو: رجل غَضْبانُ للمتليء غضباً، وفعيل يكون بمعنى الفاعلِ والمفعول. قال: فأمَّا إذا عَضَّتْ بك الحربُ عَضَّةً ..... فإنك مَعْطوفٌ عليك رحيمُ أيهما أكثر مبالغة: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ﴾ أم ﴿ٱلرَّحِيمِ﴾ ؟: 1) في الرحمٰن من المبالغة ما ليس في الرحيم، لذا قالوا: رَحۡمَٰنِ الدنيا والآخرة، ورحيم الدنيا، 2) ويقولون: إنّ الزيــادة في البنـاء لزيـادة المعنى، مثل الفـرق في اسـم الفاعـل من غَضِبَ بين غَضِبٌ وغضبـان، والأخيرة تعني: الممتليء غضباً. 3) وقيل الرحيم أكثر مبالغة. 4) وقيل: إنهما مختلفـان، لذلك جمع بينهمـا، لا من باب التوكيد، ولكن لأن لفظ الرحمـن لدلالة وزن فعلان فيه الامتلاء والغلبة، ورحيم بوزن فعيل، فيه التكرار. 5) وقيل: إنهما بمعنى واحد، ولا يؤكد أحدهما الآخر، بل: - رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، - الرحمن بجميع خلقه في النعـم العامة، والرحيم بالمؤمنين في الهداية لهم واللطف بهم،أو برحمة النفوس ورحمة القلوب أو لمصالح المعاد والمعاش. - الرحمن أمدح، والرحيم ألطف، - الرحمن المنعم بما لا يتصور جنسه من العباد، والرحيم المنعم بما يتصور جنسه من العباد. - الرحمن اسـم عـام في جميع أنواع الرحمـة، يختص به الله، والرحيم إنما هو في جهة المؤمنين، كما قال تعالى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ الأحزاب 43. |
|||
11-11-2021, 11:52 AM | رقم المشاركة : 12 | |||
|
رد: قراءات في الكتاب: ســـورة الفاتحــة
﴿الرحمن ٱلرَّحِيمِ﴾: والذي يظهر لنا أن اللفظتين متغايرتان في المدلول، في الأولى علم دال على أعرف المعارف بعد لفظ الجلالة، بينما ﴿ٱلرَّحِيمِ﴾ صفة لله تعالى تحمل معنى الرحمة. وللتفصيل نعرض بعض ما جاء في الرحمن من آيات تظهر شمولية الاسم الجليل ومعنى الرحمة من صفاته: 1) جامع لأسماء الله: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ﴾ الإسراء 110، 2) متمكن من سائر ما خلق منذ الأزل: ﴿الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ 5﴾ طه، 3) خالق الخلق: ﴿مَا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِنْ تَفَاوُتٍ 3﴾ الملك، 4) مدبر للكون: - ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَٰنِ﴾ النبأ 37. - ﴿وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾ طه 90. - ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ﴾ الملك 19. 5) منزه عن الشرك: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا﴾ مريم 88، الأنبياء 26. 6) إرادته نافذة على خلقه: - ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ الزخرف 36. - ﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَٰنُ مَدًّا 75﴾ مريم. 7) يعذب في الدنيا والآخرة: - ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾ مريم 45. - ﴿إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا﴾ يس 23. 8) آياته تتلى: ﴿إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ مريم 58. 9) إليه المصير: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا﴾ مريم 93. 10) وإليه الحكم في الآخرة: ﴿لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا 38﴾ النبأ. نخلص إلى أن ﴿الرحمن﴾ أشمل وأعم من ﴿ٱلرَّحِيمِ﴾ وهو اسم قريب من لفظ الجلالة في الدلالة، وتؤدي اللفظة معنى يشمل الرحمة ويتسع عنها. لِمَ جاء في معنى الرحمة بصفتين متتاليتين ؟: جاء بصفتين متتاليتين بمعنى الرحمة، إحداهما لا تنفك عن الأخرى: - أولاهما تدل على التجدد، - وثانيتهما تدل على الثبوت، ليدلل على أن الرحمة مستمرة لا تنقطع. لِمَ قرن الاسمين: ﴿الرحمن الرحيم﴾؟: - إنه تفضل بعد تفضل، وإنعام يتلوه إنعام - الأول: ﴿الرحمن﴾ للوصف، فالرحمة صفته، والثاني: ﴿الرحيم﴾ للفعل، فهو يرحم خلقه برحمته. هو أولاً يستحق لذاته الاتصاف بالرحمة ، وثانياً هو يرحم خلقه. لِمَ قدم لفظ الجلالة على ﴿الرحمن الرحيم﴾؟: - لفظ الجلالة يشير إلى القهر والقدرة والعلو، فأعقبه بصفتين تجمعان الرحمة ليحصل الكمال، - لما كان اسم لفظ الجلالة اسماً جامعاً أعقبه بـ ﴿الرحمن﴾ الذي لا يتصف به غيره. لِمَ قدم ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ﴾ على ﴿ٱلرَّحِيمِ﴾ في الذكر؟: القيـاس الترقي من الأدنى إلى الأعلـى، نقول: فلان شــجاع باســل، أو جواد فياض، فنبـدأ بالوصف الأقـل فالأعم. أما هنا فحدث العكس، لعل: - في ذكره تعالى للرَّحْمَنِ ذي جلائل النعم وعظائمها وأصولها، ثم الرحيم المتصف بما دقّ منها ولطف، تتمة وتخصيص، فصار العام أولى من الخاص في التقديم. - لأن في ﴿الرحمن﴾ مبالغة الرحمة، تقدم ليتصل مع لفظ الجلالة العام، وهو اسم الذات الأعظم. - في هذا قرينة على أن ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ﴾ بدل من لفظ الجلالة بينما ﴿ٱلرَّحِيمِ﴾ نعت له، يشاركه فيه غيره، ولكن بالإضافة. - بين ﴿ٱللَّهِ﴾ و ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ﴾ من المناسبة ما ليس بينه وبين ﴿ٱلرَّحِيمِ﴾ فلهذا قدم الرحمن على الرحيم. وقد أوردنا من الآيات ما يشير إلى ذلك. ورجحنا أن يكون ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ﴾ اسم ذات، بينما ﴿ٱلرَّحِيمِ﴾ صفة. - ﴿الرحمن﴾ لا يتسمى به غير الله تعالى فارتبط بالاسم الأعظم ﴿الله﴾، والمتقدم في المنزلة والمكانة متقدم في الموقع والمتأخر في المنزلة والمكانة متأخر في الموقع كذلك. - لأن ﴿الرحمن﴾ لا يُطلق على غير الباري تعالى عند أكثر العلماء، لقوله تعالى: ﴿قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ﴾ الإسراء 110، والرحيم لفظ مشترك يُطلق معه على غيره تعالى. يقول تعالى في حق رسوله: ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ التوبة 128، فقدم ما لا شِرْكَةَ فيه على المشترك. - لأن الإنسان عجول في طبعه، ﴿كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ﴾ القيامة 20، قدّم المولى سبحانه الصفة المتجددة، ثم ثنى بالصفة الثابتة، ليدل على استمرار الرحمة وديمومتها. - قالوا: ﴿الرحمن﴾ اسم عام في جميع أنواع الرحمة، و ﴿الرحيم﴾ خاص بالمؤمنين ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ الأحزاب 43، فبدأ بالعام الذي يشمل كل مخلوقاته، ثم خص المؤمنين بالرحمة. - عند الإشاريين تفصيلات على تفضيل ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ﴾ بإظهار الصفات وإخفاء الذات، وبتحميل حروف الكلمة وتركيبها ما لا تحتمل. - ومن أقوال المتصوفة، يقول الجنيد: الرحمة على وجهين: رحمة لطفه، ورحمة عطفه، فإشارة باسمه ﴿الرحمن﴾ إلى لطفه، وباسمه ﴿الرحيم﴾ إلى عطفه. |
|||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | تقييم هذا الموضوع |
|
|