الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديـات الثقافيـة > منتدى العلوم الإنسانية والصحة > مكتبة أقلام

مكتبة أقلام قسم وليد يهتم بنقاشات الكتب وأخبار المؤلفين والأصدرات ودور النشر

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع التقييم: تقييم الموضوع: 1 تصويتات, المعدل 5.00. انواع عرض الموضوع
قديم 26-12-2017, 07:42 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي قراءة في كتاب "نسب آل الشرباتي" للباحث حاتم الشرباتي


قراءة في كتاب "نسب آل الشرباتي" للباحث حاتم الشرباتي


عرض وتعليق: د.إدريس جرادات
مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي -

صدر كتاب نسب آل الشرباتي في حجم 126 صفحة من القطع المتوسط، تزينه لوحة فنية لمدينة الخليل، والحرم الإبراهيمي، في العصور السابقة،من إعداد الباحث حاتم ناصر الشرباتي، وصدر عن دار الإسراء للطباعة والنشر الخليل سنة 2003 م.
تضمنت الصفحة الأولى : عنوان الكتاب، ونسب آل الشرباتي من أعقاب الشيخ محمد الشيبي الشرباتي، ناظر المارستان، وصاحب الخلوة الشرباتية في مدينة الخليل، القادم من حماة إلى مدينة الخليل، والمتوفي بها سنة 1058 هجري، منقول عن نسب السادات السعدية، والبهجة السنية، المحفوظ ضمن سجلات محكمة صفد الشرعية، وإضافاتها في سجلات محكمة الخليل الشرعية، وما تفرع عنها من انساب بعد ذلك.
تحتوي الصفحة الثانية آية من القران الكريم"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى"... وبطاقة الفهرسة للكتاب.
يذكر الباحث في مقدمة كتابه:"احتفلت عائلة الشرباتي في ديوانها في الخليل بفتح واستعراض وثيقة نسب العائلة للمرة الأولى في عهد الجيل الحالي، بحضور نخبة من رجالات العائلة، من سكان الخليل، والقدس، وشرقي الأردن، ومصر، وان الباحث شرفته العائلة، بالاحتفاظ، بمخطوطة نسبهم المفصل بالسادات السعدية، بقصد إكمال النسب إلى يومنا هذا.
اعتمد الباحث على وثيقة أصل النسب الشريف، المنقول من وثيقة النسب الشريف للسادات السعدية، المستخرجة من سجلات محكمة صفد الشرعية، ومقارنة ذلك ما ورد في أمهات ومشاهير كتب الأنساب، والتحقق من المعلومات عن طريق الرواية الشفوية، من أفراد عائلته،والاستعانة،بشهادات الميلاد، والوفاة، وجوازات السفر، وبطاقات الهوية الشخصية، ومطابقتها،بسجلات العائلة، الموجودة، لدى الباحث،واعتمد التسجيل للذكور، دون الإناث، ولا يلحق بالسجل فرد ما دام والده على قيد الحياة مهما بلغ سنه.
قسم الباحث الشرباتي،الكتاب إلى عدة أبواب منها :-
.. الباب الأول : عن خلق الإنسان في نظر الإسلام، وخلق آدم، وحواء، والنسب، وطبقات الأنساب، والتفاخر بالأنساب،وشجرة النسب، ونسب الناس،من آدم إلى نوح عليه السلام، وهذا الباب منقول عن كتاب للباحث بعنوان موسوعة الخلق والنشوء.
.. الباب الثاني : تحت بيان طريقة الإضافات على أصل النسب، وبطون وأفخاذ عائلة الشرباتي، وأعقاب الشيخ شمس الدين،كما ورد في وثيقة النسب،ومقدمة وثيقة النسب، والتصديق على النسب،ونماذج منتقاة من كتب الأنساب، حول نسب الشرباتي.
.. الباب الثالث :ضم مجموعة قصائد شعرية، منها قصيدة يونس الشيباني، وقصيدة عبد الغني النابلسي، وقصيدة في مدح آل شيبة، دون الإشارة إلى اسم ناظمها، وقصيدة للشاعر جواد الهشلمون الأيوبي الكردي الأصيل.
.. الباب الرابع : فهو منقول بالتأمل من وثيقة نسب آل الشرباتي، المطابقة للنسخة الأصلية من نسب السادات السعدية، والبهجة النسبية كما يذكر الباحث الشرباتي، ووضح بالرسم نسب الناس من آدم إلى نوح، ومن نوح إلى إبراهيم، الياس كلاب، إلى كعب بن لؤي بن غالب بن نهر، ونسب بني أمية،ونسب أعقاب العباسي، و نسب بنو شيبة،ونسب آل السعدي الشيباني، ونسب آل الشرباتي، حتى قدومهم الخليل وأفخاذهم الحالية.
.. الباب الخامس : الذي يحتوي على صور لبعض أجزاء مخطوطة وثيقة نسب آل الشرباتي، وصور المستندات التي تتعلق بالنسب، وتدوينه، والإشهاد عليه، ومجموعة صور فوتوغرافية، لمدخل دار الشرباتي في قنطرة الحمام، وخلوه الشرباتية في حمام الخليل،ورقم حجري مثبت على مدخل المارستان في قنطرة الحمام قبل هدمه.
بعد هذا العرض يمكن الإشارة الى الملاحظات التالية :-
1- منهجية الباحث العلمية واعتماده على التحقق والدقة في النسب.
2- الاعتماد على المراجع والمصادر حيث رجع الى 38 كتابا ومرجعا.
3- فهرس اللوحات والملاحق والفهرس العام.
4- جدول الأخطاء المطبعية وتصحيحها يدل على دقة الباحث ومراجعتة للكتاب بعد الطباعة.
وكلنا أمل في الطبعة الثانية أن يأخذ الكاتب بما يأتي :-
1- اضافة فصل للحديث عن جغرافية الخليل وسكانها وعائلاتها وتوزيعهم في المدينة، وحارة الشيخ، وحارة المشارقة، خاصة في ظل تعرض البلدة القديمة لعملية تفريغ من سكانها على يد الاحتلال الإسرائيلي.
2- التوسع في الحديث عن آلية قدوم جد آل الشرباتي من حماه الى الخليل، وفي أي عهد؟، ولماذا؟، وكيف سكن مدينة الخليل ؟
3- سبب تسمية آل الشرباتي لهذا الاسم.
4-الحديث عن المارستان وإدارته في مدينة الخليل وآلية هدمه وإقامة المجمع الاستيطاني عليه وتوثيقه بالصور.
5-الحديث عن الخلوة الشرباتية من حيث موقعها، وإدارتها، والطقوس التي كانت تمارس فيها، ووضعها الحالي.
*هذا الكتاب شمعة مضيئة في دراسة أنساب العائلات، ومحفز قوي للآخرين للسير على دربه بعيدا عن التعصب والعائلية وخاصة أن الباحث ينتمي لحزب سياسي إسلامي تكسبه هذه الخاصية.
والله يعطيك العافية- الكاتب حاتم ناصر الشرباتي- على الجهد المبارك الذي تبذله وأنت في هذا العمر، ولك كل الشكر، والعرفان والتقدير، على هذا الجهد الدءوب الذي تحرص فيه على توثيق الأنساب، والتي يجهل الكثير عنها.
كل التحية، وكل الشكر والتقدير لجهودك الرائدة وكلنا أمل ونتطلع إلى درة نفيسة أخرى.

عرض وتعليق: د.إدريس جرادات/ مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي .



ــــــــــــــــــــــــــــــ



صورة الغلاف : مدينة الخليل والمسجد الإبراهيمي الشريف في عام 1834 م.
نسب آل ألشرباتي
من أعقاب الشيخ محمد ألشيبي ألشرباتي
ناظر المارستان وصاحب الخلوة الشرباتية في الخليل
القادم من حماة إلى مدينة الخليل
والمتوفى بها سنة 1058 هـ
*******
منقول عن
نسب السادات السعدية
والبهجة السنية
المحفوظة ضمن سجلات محكمة صفد الشرعية
وإضافاتها في سجلات محكمة الخليل الشرعية
وما تفرع عنها من أنساب بعد ذلك.

إعداد : حاتم ناصر الشرباتي
2002 م. - 1422 هـ.


بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
يا أيها النّاسُ إنّا خَلَقْناكُم مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعلْناكُمْ شُعوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفواإنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَّ اللهِ اتقاكم إنَّ اللّهَ عَليمٌ خَبْير

صورة الغلاف : مدينة الخليل والمسجد الإبراهيمي الشريف في عام 1834 م.
رقم التصنيف: 20564, 929
المؤلف ومن هو في حكمه: حاتم ناصر أحمد ناجي ألشرباتي
عنوان المصنف: نسب آل ألشرباتي
رؤوس الموضوعات:
1- العائلات – تاريخ الأسر في فلسطين
2- الأنساب – آل ألشرباتي
تاريخ الإعداد: 1422 هـ – 2002 م
ملاحظات: بحث عائلي
http://sharabati.org/vb/showthread.php?t=13







 
رد مع اقتباس
قديم 28-12-2017, 01:04 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي رد: قراءة في كتاب "نسب آل الشرباتي" للباحث حاتم الشرباتي


شكر وعرفان
ختاماً أصلي وأسلم على كافة الأنبياء والمرسلين والصالحين من أصحاب هذا النسب الشريف، وأدعو الله تعالى بالمغفرة والرّحمة وحُسْنَ الثّواب لآبائنا وأجدادنا. خاصة المغفور لهما إن شاء الله جدي الحاج أحمد ناجي الشرباتي ووالدي الحاج ناصر أحمد ناجي الشرباتي، ولأخي المغفور له إن شاء الله المهندس نافذ ناصر الشرباتي، ولصاحب فكرة تدوين هذا النسب وإخراجه من مخازن الوثائق والسجلات المحفوظة في المحاكم الشرعية إلى متناول الأيدي: المغفور له إن شـاء الله عبد السـلام ناجي أحمد خليل الشرباتي وزملائه السبعة والعشرين من أجدادنا وأعمامنا الوارد ذكرهم في ثنايا وثيقة النسب.

وأدعو بالرّحْمَة والمغفِرَة وحُسْنَ الثّواب للمغفور لهم إن شاء الله: الحاج عبد السلام ناجي عبد السلام الشرباتي، والحاج شفيق صادق أحمد ناجي الشرباتي، والحاج فتحي سعد أسعد الشرباتي، الذين بذلوا الوُسْعَ والجُهْدَ وكان لهم الفضل الأول في إبراز هذا النسب وإخراجه من محبسه، بعد طول تقلب وجوه أفراد العائلة في شتى الاتجاهات وعنائهم حينٌ من الزمن بانتظار ذلك.

شاكراً كل الأخوة الذين ساهموا في ذلك: لابن العم الحاج مصطفى حامد أحمد الشرباتي بشكر خاص لحفظه وصيانته مخطوطة النسب المودعة كأمانة عند المغفور له إن شاء الله والده الشيخ حامد أحمد الشرباتي، وإعادتها سالمة بأبهى صورة كما أودعت لديهم، ولابن العم المغفور له إن شاء الله الحاج عاطف ضاهر حيميد الشرباتي، ولصاحب دار الإسراء للطباعة والنشر الأخ أبو الحسن طاهر عبد العزيز دنديس المتصل نسبه من جهة والدته بهذا النسب الشريف، والسـيد المغفور له إن شاء الله رامـي مرشـد الـزرو المروانـي الذي قام بتصميم شجرة النسب على لوحة واحدة بواسـطة الحاسوب، وسينجز قريبـاً إن شاء الله. والسـادة غالـب محمـد ياسـين بشير أبو شخدم الحسـيني وعونـي عيسـى ألطبـاخي الذيـن شـاركا بالـرأي والإمـداد ببعـض المراجع والوثائق الهامة. والأخ الشيخ جواد عبد المحسن الهشلمون ناظم قصيدة المدح المثبتة في باب القصائد. والسيد شكري جبريل الدميري الذي قام بتصوير مناظر متعددة من دار الشرباتي في قنطرة الحّمام في محلة الجزازين في الخليل. وأبناء المغفور له إن شـاء الله الشيخ يوسف نعمان الشرباتي وابن العم عز الدين نور الدين الشرباتي[ الزين] لمساعدتهم في الحصول على صور لمناظر من دار الشرباتي.

وصهرنا السيد إياد أبو حامد وزوجته أم براء لإمدادنا ببعض برامج الحاسوب الخاصة بالنّسب، وابنتي أم عبيدة ودعاء على مساعدتهن القيمة في ضبط وبرمجة طباعة البحث على الحاسوب. ولأختي الحاجة نافذة ناصر الشرباتي التي قامت بمراجعة النّص لغوياً. والآنسة يسرى فضل الحداد التي وضعت اللمسات الأخيرة في برمجة الكتاب على الحاسوب. لكل هؤلاء وغيرهم لجهودهم المشكورة ومساعدتهم بالنصح والرأي، ولكل من شارك بأي صورة من الصور. والله أسأل حُسْنَ العمل وخير الثواب. والحمد لله رب العالمين.


الخليـل في الثاني من جماد الثاني سنة 1424هـ.
الفاتح من شهر آب سنة 2003م.
حاتم ناصر أحمد ناجي الشرباتي








 
رد مع اقتباس
قديم 29-12-2017, 12:46 PM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي رد: قراءة في كتاب "نسب آل الشرباتي" للباحث حاتم الشرباتي


الباب الأول
مقدمة في خلق الإنسان ونسبه*
مواضيع الباب :
1. خلق الإنسان في نظر الإسلام.
2. خلق آدم أبا البشر عليه السلام.
3. خلق الزوجة [حواء].
4. النسب.
5. طبقات الأنساب
6. التفاخر بالأنساب
7. شجرة النسب
8. نسب الناس من آدم إلى نوح عليهما السلام


* هذا البحث منقول عن : [ موسوعة الخلق والنشوء ] – اعداد: حاتم ناصر الشرباتي







 
رد مع اقتباس
قديم 31-12-2017, 04:39 PM   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي رد: قراءة في كتاب "نسب آل الشرباتي" للباحث حاتم الشرباتي 12/16


خلق الإنسان في نظر الإسلام
لقد كرّم الله الإنسان وجعله أرقى المخلوقات على الإطلاق، كرّمه بالعقل وحُسْن الخَلق والخُلُق وحسن الصورة وجمالها. . وَهَبَه العقل المميز بين الحق والباطل. . . وبناء عليه فقد كَلَّفَهُ بالعبادة وغيرها من الواجبات، قال تعالى: [ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم][[1]]وليس الإنسان في وجهة النظر الإسلامية أيًّ من النظرات الثلاثة التي عرّفه بها الفكر البشري:
1. ليس الإنسان حيواناً ولا متطوراً من أصلٍ وضيع كما يدعي الماديون في علومهم الاجتماعية.
2. ليس الإنسان آثماً بحكم الوراثة كما تدعي بعض الديانات.
3. ليس الإنسان مجبور التناسخ كما تدعي البوذية والهندوكيّة.
لا، ليس الإنسان أياً من تلك الأوصاف التي يلصقونها به والتعاريف التي يعرفونه بها، بل هو الإنسان المخلوق في أحسن تقويم المستخلف في الأرض الممتاز عن كل ما خلق الله في الكون، الإنسان الذي كرّمه الله بالعقل والتمييز وفتح له أفاق الحياة وامتحنه بهدايته النجدين، قال تعالى: [وهديناه النجدين][[2]][إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا][[3]].
وكما يقرر الإسلام أنّ الإنسان هو مادة مخلوقة مميزة، وأنّ الفرد ليس من صنع المناخ أو البيئة أو العادات وأنه ليس مجرد ظاهرة اجتماعية في وجوده المادي أو طفرة[[4]] متطورة، بل هو مخلوق له كيانه الذاتي مرتبط مع الجماعة بنظام فريد في نفس الوقت، ممتن عليه بالعقل المدرك الذي يمكنه من تمييز الخبيث من الطيب. لذا فقد حَمَّلَهُ الله الأمانَة وَكَلَّفَهُ بالرّسالة والعِبادَة وأمَرَهُ بالتّفكر والتعمق والاستنارة والكياسة والفطنة، وحثّه على إعمال العقل في الموجودات وفي نفسه للاستدلال من خلال ذلك [بصفته مخلوقاً عاقلاً مميزاً] على وجود الخالق المدبر ليكون هذا الإيمان الآتي عن إعمال العقل والتفكر بالمخلوقات: ثابتاً وراسخاً وقطعياً.
إنّ الإسلام يقدّم الإنسان في أجمل صورة وأبدعها، فهو في نظره ليس حيواناً وليس آثماً بحكم الوراثة كما أنه ليس شيطاناً ولا ملاكاً وليس ثالث ثلاثة... إنّه ليس أي من تلك الأوصاف، بل هو الإنسان المخلوق في أحسن صورة وأصح قامة وأجمل قد، خليفة الله في الأرض الذي سُخٍرَت لمنفعته المخلوقات جميعاً وذُللت له ألأرض بجبالها وأنهارها وبحارها وقفارها. وبهذا يكون الإسلام قد وضعه في موضعه الصحيح اللائق به. وفي ذلك قوله تعالى: [ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم][[5]][ خلق السموات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم][[6]][وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين] [[7]][ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا].
لقد منّ الله على الإنسان إذ وهبه العقل كما وهبه السّمع والبصر والفؤاد، فهداه النجدين وعلّمه وأدبه وأرشده مُحسناً التعليم والتأديب والإرشاد. وبهذا فقد هيأه لحمل الأمانة وللخلافة في الأرض، قال تعالى: [وعلّم آدم الأسماء كلها][[8]][وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة][[9]].
وبناء على ما حباه الله من نعمة العقل والإدراك والتمييز، وبما أنّه أرفع المخلوقات شأناً عند خالقها، وبعد أن دعاه إلى أن ينعم النظر والتدقيق في الموجودات جميعها وما حولها وما يتعلّق بها من سُنَن وقوانين وأمور حياة ليستدل بها على وجود الله تعالى كخالق ومدبر لهذا الكون، فلا بدّ أن يحصل من إنعام النّظر والتأمل والتفكر في الموجودات والقوانين إيمان راسخ هوإيمان المستنير المتيقن الذي نظر ونظر وفكر وفكر بعمق واستنارة ثم وصل إلى القطع والجزم واليقينبالله تعالى ليكون ذلك اعتقادا جازماً لايخالطه أدنى شك أو ارتياب، لأن الإسلام قد أعطاه البراهين الدامغة مصحوبة بالأجوبة المقنعة لكل استفساراته فعمد إلى حل العقدة الكبرى التي هي عقدة الإيمان عنده حلاً يوافق الفطرة فيملأ العقل قناعة والقلب طمأنينة. وبما أنّ الإنسان قد توصل بالدليل العقلي القطعي أنه مخلوق لخالق وأنّ هذا الخالق هو موجب الوجود ومدبره، وجب أن يكلف بالمهمة الشاقة: قال تعالى: [ إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ][[10]].
وبناء على حمل الأمانة وحتى يتمكن الإنسان من الاستمرار في ذلك والنجاح فيه فقد سَخّّرَ الله تعالى كل المخلوقات له من جماد وحيوان، قال تعالى: [ الله الذي سخّر لكم البحر لتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ][[11]][ ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطّيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا][[12]].
[ وذلك أنّ الله تعالى الخالق الحق قد ميّز الإنسان بأن حباه العقل، فهو بالعقل قد تفرّد عن سائر المخلوقات، وهذا التفرّد لم يخلقه الله عبثاً ولا باطلاً ولا عشوائياً بلا قصد وإنما خلقه بالحق لأمر عظيم وجليل، وهو تهيئة الإنسان لتلقي التكليف الإلهي دون مخلوقات الله جميعاً وجعل العقل مناط التكليف، وجعله قادراً على إدراك هذا التكليف والقيام بتبعاته سيما وأنّ في هذا العقل صفة الاعتزاز بالذّات، ولهذا فإنّه عندما عُرِضَ عليه التكليف كما عُرِضَ على سائر المخلوقات لم يتوانَ في القبول منطلقاً من اعتزازه وثقته بنفسه وقدرته، فَقَبِلَ التّكليف واستَعّدَّ لتحمل تبعاته، وفي ذلك قوله تعالى من سورة الأحزاب: [ إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوماً جهولا][[13]]ولولا اعتزاز الإنسان بعقله وثقته بنفسه وبقدرته لأحجم عن القبول، ولأدخل نفسه في موكب الكون السّائر بطاعة الله تعالى والانقياد له دون هذا التكليف. ولكن الله علاّم الغيوب وقد خلق العقل وخلق قدراته وشاء له أن يقبل التّكليف، فقد خلقه في حالة تمكنه من حمل هذا العبء إن هو أراد، فانطلق من قاعدة الانقياد والطاعة لله، فإن هو فعل ذلك بقي في موكب الحق بل واستحق أن يتسنّم الذّروة فيه، وإلا خَرَجَ عَنهُ إلى غَضَب الله وعِقابه.
إنّ عقل الإنسان انطلق من قاعدة الانقياد والطاعة لله، فعندما عُرِضَ عليه الإسلام قَبِلَهُ واستسلم لخالقه بالطاعة، فكان عقلاً مستنيراً مُدْرِكاً لمسؤولياته ناهضاً لتحمل تبعات ما قَبِلَهُ، هذا العقل هو عقل الإنسان المسلم، وهو بهذا القبول قد بقي ضِمن موكب الكون الحق بل كان رائداً فيه.
ومن العقل من أعماه الاعتزاز بالنفس وبقدرته فلم ينطلق من قاعدة الانقياد لله والطاعة له، وإنما استكبر وتطاول وَجَمَحَ بِهِ الغُرور، وهذا العقل هو عقل الإنسان الكافر، فأتعَسَ صاحبه وأورده موارد التَّهلكَة، فخرج هذا الكافر بِاستكباره وتطاوُله وَجُموحه على موكب الكون إلى غَضَب الله وَعِقابه. إذ أنّ الأرْضَ ومن فيها ومن عليها، والشّمس وضوءها والقمر ونوره وسائر الأجرام التي نعرفها وندركها وتلك التي قصرت عقولنا عن معرفتها وإدراكها: كلها بلا استثناء تسير معاً في موكب كوني خاضع مطيع، يُسَبّح الله ويسجد له وينقاد إليه ويطيعه، ولم يتخلف عنه سوى الإنسان الكافر وعقله، فهو وحده النّشاز في هذا النّسق الكوني البديع، يُصاحبه ويرافقه إبليس والكفار من الجن، قال تعالى: [ ألم تَرَ أنّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَنْ في السموات والأرض والشّمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدّواب وكثير من النّاس وكثير حقَ عليه العذاب ومن يُهِنِ الله فما له من مكرم إنّ الله يفعل ما يشاء ][[14]].
إنّ مفارقة الكفار لهذا الموكب الكوني هذه المفارقة والمباينة وصفها ربّ العزة الخالق تعالى بأقبح وصف وأرذله بقوله تعالى من سورة التّوبة: [ إنّما المشركون نجس][[15]] ولم يرد في الآيات القرآنية ذكر النّجاسة إلا مرة واحدة فَحَسْب : هي هذه المرة أطلقها سبحانه وتعالى على الكفار المشركين ، وحيث أنّ الكون مخلوق على الطهارة فإنّ وصف الكفار بالنجاسة لأبلغ دلالة على مغايرتهم لما عليه هذا الكون وخروجهم على خطّه ومنهاجه مما يستوجب نبذهم تماماً كما تُنْبَذُ النجاسات ، فالكفار من الإنس ومثلهم من الجان هم حالة النُشوز في هذا الكون.
لقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يُفاضل بين مخلوقاته، فقد فضّل الإنسان على سائر المخلوقات، فأنه قد جعل مخلوقاته في الأرض والسموات مسخرة لهذا الإنسان الكريم، فالموكب الكوني الحق تسير فيه مخلوقات الله بالحق ما عدى الكفار من الإنس والجان، في مقدمة هذا الموكب وعلى قمته الإنسان المسلم المؤمن بالله الخالق][[16]].






 
رد مع اقتباس
قديم 31-12-2017, 04:41 PM   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي رد: قراءة في كتاب "نسب آل الشرباتي" للباحث حاتم الشرباتي


خلق الإنسان في نظر الإسلام
الهامش
[[1]] سورة الإسراء: الآية [70].

[[2]] سورة البلد: الآية [10].

[[3]] سورة الإنسان: الآية [3].

[[4]] طفرة: وثبة.

[[5]] سورة التين: الآية [4].

[[6]] سورة التغابن: الآية [4].

[[7]] سورة ص: الآيات من [71-72].

[[8]] سورة البقرة: الآية [31].

[[9]] سورة النحل: الآية [78].

[[10]] سورة الأحزاب: الآية [72].

[[11]] سورة الجاثية: الآيات من [12-13].

[[12]] سورة الإسراء: الآية [70].

[[13]] سورة الأحزاب: الآية [72].

[14] سورة الحج: الآية [18].

[15] سورة التوبة: الآية [28].

[16] عويضة ـ محمود عبد اللطيف: حمل الدعوة، واجبات وصفات. الصفحات [8-10] بتصرف .







 
رد مع اقتباس
قديم 02-01-2018, 10:09 PM   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي (8)_____ خلق آدم أبا البشر عليه السّلام


خلق آدم أبا البشر عليه السّلام
تبدأ قصة خلق آدم عليه السّلام، أو واقعة خلق الإنسان الأول أبي البشر، بمحاورة بين الله تعالى وملائكته، ومن هنا تبدأ أول قصّة البشريّة وخلق الإنسان. تبدأ بإعلان ميلاد الإنسان وخلقه خَلْقا مباشِراً ومتقصداً، لا وجودَ للصدفة العشوائية ولا للتطور من البهيميّة إلى البشريّة، كما أنّه ليس طفرة من طفرات الطبيعة، واحتفالاً بمولد الإنسان، وتعظيماً لقدرة الخالق المبدع الذي صوره، فقد أمر الله تعالى ملائكته بالسجود لأول البشر، وقد سجدوا جميعاً إلا إبليس لم يكن من الساجدين.
ومن هنا يرى بعض الفقهاء ، أنّ الإنسان ليس أفضل من كل الموجودات فقط، بل هو أفضل من الملائكة أيضاً.[[1]] إذ هو متميز عنهم في الخَلق، فأمرهم بالطاعة والخضوع له حين أمرهم بالسجود له.

لقد استخلف الله الإنسان في الأرض، وحتى يتحقق له هذا الإستخلاف فلا بُدّ له من أن يُمَكّّنَ من استعمال الوسائل الماديّة التي تحقق له هذا الأمر، فقد سُخِرَت لَهُ الموجودات الكونية جميعها، وَهُيِأت لَهُ الأرض وَذُلِلَت لتكون طوع تصرف الإنسان: يزرعها لتنتج له ما يأكل، ويبني عليها بيت سكنه، ويسير في شِعابها وتلالها لمعاشِه ومباشرة أعماله، وّسُخِرَ لَهُ البَحْرَ: يركبه بالفلك والسُّفن والقوارب، ومنه يأكل طعامه، كما سُخّرت النباتات والأنعام له ولمعاشه.

ولولا تمكين الله تعالى للإنسان، واعطاؤه السّيطرة بتسخير كل تلك الموجودات له، لما استطاع العيش في هذه الحَياة الدنيا، وبالرغم من كل هذه النِّعَم التي مَنَّ الله عليه بها ـ وهي كثيرة لا تُعَدُّ ولا تُحصى ـ فإنّا نراهُ قليلاً ما يكون لله المُنعم الرازق المتفضل حامداً أو شاكراً، بل كثيراً ما نراه ضالاً شاطاً، كافراً بأنعم الله، جاحِداً فضله،[[2]] متبعاً خطوات الشيطان وجنده من دعاة الماديّة والوثنية والإلحادية والعصبية القبلية والقومية، كافراً بأنعم الله طوراً ومُشركاً به أطواراً، عاصياً أوامره مُسْتَحِلاً حرماته، متمرداً على كل النواميس والسُّنن التي سنها لهم الخالق المنعم المدبر.

يُعلمنا القرآن الكريم أنّ قصة خَلق البشرية قد بدأت بآدم عليه السَّلام، وَسَبَقَ ذلك مُحاوَرَةً بين الله تعالى وبين ملائكته، مُخْبِراً إياهم بأنّهُ سيستخلفُ في الأرضِ خَليفَة وهو الإنسان متمثلاً بادئ الأمر بآدم، وأنّه سيمكن لهم في الأرض بإعطائهم السُّلطان عليها.

تعجب الملائكة ووجلت قلوبهم، لقد رأى الملائكة في أنفسهم أنهم أحق بخلافة الأرض من ذلك المخلوق المُنْتَظَر، إذ هم يسبحون بحمد الله ويقدسونه ولا يعصونه ما أمرهم، فلماذا يستخلف فيها من إذا تمكن فيها عصاه وأفسد فيها وبطش وسفك الدماء؟ فأجابهم العالِم العليم أنّه يعلم ما لا يعلمون.

وهنا يعرض القرآن الكريم تكريم آدم الإنسان، فهو علاوة على استخلافة في الأرض، قد أكرمه الله بالعقل والإدراك والتفكير، وفضَّله على الملائكة بِالعِلم، فقد علمه الله تعالى أسماء الموجودات جميعاً، ولمّا سأل الملائكة أجابوا: (سُبْحانَكَ لا عِلْم َ لَنا إلا ما عَلَمْتَنا)[[3]] فالله تعالى وحده هو عالِم كل شئ، ذو الحكمة والعِلم، وليس لأحد كان أن يعلَم إلا ما علمه الله.

عندها طلب من آدم أن ينبئهم الأسماء، فلما طلب منه ذلك أخبرهم آدم بجميع الأسماء، وذلك ما يُظْهِرُ فضل آدم عليهم بزيادة علمه عنهم، وهنا يذكرهم الله أنّه يعلَم ما لا يعلمون، وأنّ له حكمة أرادها في خلق الإنسان واستخلافه في الأرض، فالله تعالى عليم بكل الخفايا والأسرار وبواطن الأمور، عليم بما يُظهرون بالقول والفعل، وبما قد يكتمونه في أنفسهم.

إنَّ تعليم آدم الأسماء لا يقتصر على المسميات نفسها، بل هو تَعليمٌ وَتَثْقيفٌ عام بكل المخلوقات والموجودات وكيفيّة الإستفادة منها، وَتَعْليمٌ بِصِفات الأشْياء وَخًواصِها وطرق الإستفادة منها حيث هي مسخرة له، فهو عِلْمٌ عام شامِلٌ يحوى الأسماء وصفاتها.[[4]] في ذلك يقول العلامة تقي الدين النبهاني: وأمّا قوله تعالى [وعلم آدم الأسماء كلها][[5]] فإنّ المراد منه مسميات الأشياء لا اللغات، أي علمه حقائق الأشياء وخواصها، أي أعطاه المعلومات التي يستعملها للحكم على الأشياء)[[6]]

_____________________
[1] النبهاني – الشيخ تقي الدين، التفكير، صفحه ( 5 ).
- سابق – سيد سابق، العقائد الإسلامية، صفحه ( 111 ).
- القرطبي – محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن ( تفسير القرطبي )، صفحه ( 294 ).

[2] حتى بلغ الكفر والصفاقة والوقاحة فيه أن تبجح الصليبي " ريجان " الرئيس السابق للولايات المتحدة، على ما تناقلت وسائل الأعلام، بعد الحرب الصليبية التي شنوها على العراق، بالإدعاء بأنهم هم الذين يتحكمون بالقدر !!!

[3] البقرة: ( 32 ).

[4] تفسير ابن كثير، المجلد الأول، صفحه ( 74 ). بتصرف.

[5] البقره: ( 31 ).

[6] النبهاني – الشيخ تقي الدين، الشخصية الإسلامية، الجزء الثالث، صفحه ( 117 ).








 
رد مع اقتباس
قديم 04-01-2018, 07:26 PM   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي (9)-------خلق آدم أبا البشر عليه السّلام (2)


خلق آدم أبا البشر عليه السّلام (2)
وهنا لا بد لنا من معرفة أنّ الإنسان يختلف عن غيره من المخلوقات بالعقل أي القدرة على التفكير، والتفكير حكم على ماهية شئ أو حكم على واقع، وحتى يتم هذا التفكير بصورة تعطي الحكم الصادق الصحيح لَزم أن يستكمل هذا التفكير الشـروط اللازمة له، فعمليـة التفكير تجري بنقل الواقع المحسوس إلى الدِّماغ بواسطة إحدى الحواس مع ضرورة وجود معلومات سابقة عند الإنسان المُفَكر تفسر ذلك الواقع، فإذا إنعدمت إحدى تلك الأساسيات لا يتم الحكم على الواقع أو على الشئ بالصورة الصحيحة، وعناصر التفكير أربعة:

1. دماغ صالح.
2. واقع محسوس.
3. حواس.
4. معلومات سابقة.

وبما أنّ الله تعالى قد وَهَبَ آدم الدّماغ الصالح والحواس، وَأوْجَدَهُ في واقع معيّن، لذا لزم أن يُزَوِدَهُ الله تعالى بالمعلومات "الأسماء وصفاتها وخواصها" حتى تتم عمليّة التفكير للحكم على الأشياء والوقائع. لذا فقد علّم الله آدم كلها.

إنَّ قصَّة خَلق آدم وما رافقها من وقائع وأحداث، قد وردت مفصلة في القرآن الكريم في عدة مواضع، شارحة ومفصلة، معلمة إيانا، مبينة لنا وقائعها الحقيقية، طالبة منا الإعتقاد الجاذم بها، فإلى النُّصوص القرآنيّة التي تقص علينا ذلك، قال تعالى:
1. من سورة البقره .
(وَإذْ قالَ رَبُكَ للمَلائِكَةِ إنيّ جاعِلٌ في الأرْضِ خَليفَةً قالوا أتَجْعَلَ فيها مًنْ يُفْسِدُ وَيَسْفِكَ الدِماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إنّي أعْلَمُ ما لا تَعْلَمونَ ! وَعَلَمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلُها ثُمَّ عَرَضَهُم عَلى المَلائِكَةِ فَقالَ أنبِؤني بِأسْماء هؤلاءِ إنْ كُنْتُم صادقين ! قالوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إلا ما عَلَمْتَنا إنَّكَ أنْتَ العَليمُ الحَكيم ! قالَ يا آدَمُ أنْبِئْهُم بِأسْمائِهِم فَلَمّا أنْبَأهُم بِأسْمائِهِم قالَ ألَم أقُلْ لَكُمْ أنّي أعْلَمُ غَيْبَ السَمَواتِ والأرْضِ وَاعْلَمُ ما تُبْدونَ وما كُنْتُمْ تَكْتُمون ! وَإذْ قُلْنا لِلمَلائِكَةِ أسْجُدوا لآدَمَ فَسَجَدوا إلآ إبْليسَ أبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الكافرين !)[[1]]

2. من سورة الأعراف.
(وَلَقَدْ مَكَناكُمْ في الأرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فيها مَعايِشَ قَليلاً ما تَشْكُرونَ ! وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ أسْجُدوا لآدَمَ فَسَجَدوا إلآ إبليسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السّاجِدينَ!)[[2]]

جاء في الظلال: (إنّ الخَلق قد يكون معناه: الإنشاء والتّصوير، وقد يكون معناه: إعطاء الصورة والخصائص... وهما مرتبتان في النشأة لا مرحلتان... فإنّ "ثُمّ" قد لا تكون للترتيب الزمني ولكن للترقي المعنوي، والتّصوير أرقى مرتبة من مجرد الوجود فالوجود يكون للمادة الخامة، ولكن التّصويرـ بمعنى إعطاء الصورة الإنسانية والخصائص ـ يكون درجة أعلى من من درجات الوجود. فكأنّه قال: إننا نمنحكم مجرد الوجود، ولكن جعلناه وجوداً ذا خصائص راقية، وذلك كقوله تعالى: (الذي أعطى كُلَّ شَيٍْ خَلْقَهُ ثم هدى)[[3]] وعلى أية حال فإنّ مجموع النصوص القرآنية في خلق آدم عليه السلام وفي نشأة الجنس البشري، ترجح أنّ إعطاء هذا الكائن خصائصه الإنسانية ووظائفه المستقلة كان مصاحباً لخلقه. وأنّ الترقي في تاريخ الإنسان كان ترقياً في بروز الخصائص ونموها وتوزيعها واكتسابها الخبرة العالية. ولكن لم يكن ترقياً في وجود الإنسان من تطور حتى انتهت إلى الإنسانيّة كما تقول الداروينية.

ووجود أطوار مترقية من الحيوان تتبع ترتيباً زمنياً ـ بدلالة الحفريات التي تعتمد عليها نظرية النشوء والإرتقاء ـ هو مجرد نظرية ظنية وليست يقينية، لأنّ تقدير أعمار الصخور ذاته في طبقات الأرض لا يتم إلا ظناً!! أي مجرد فرضٍ كتقدير أعمار النجوم من اشعاعها. وليس ما يمنع من ظهور فروض أخرى تُعَدِلها أو تُغيرها أو تنسفها نَسْفاً. على أنّه ـ على فرض العلم اليقيني بأعمار الصخور ـ ليس هناك ما يمنع من وجود أنواع من الحيوان في أزمان متوالية بعضها أرقى من بعض... ثم انقراض بعضها.. ولكن هذا لا يحتم أن يكون بعضها متطور من بعض... لاتستطيع أن تثبت في يقين مقطوع به أنّ هذا النوع تطور تطوراً عضوياً من النوع الذي قبله من الناحية الزمنية ـ وفق شهادة الطبقة الصخرية التي يوجد فيها ـ ولكنها تثبت أنّ هناك نوعاً أرقى من النوع الذي قبله زمنياً... وعندئذٍ تكون نشأة النوع الإنساني نشأة مستقلة، في الزمن الذي علم الله أنّ ظروف الأرض تسمح بالحياة والنمو والترقي لهذا النوع، وهذا ما ترجحه النصوص القرآنية في نشأة البشرية، وتفرد الإنسان من الناحية البيولوجية والفسيولوجية والعقلية والروحية. هذا التفرد الذي اضطر الداروينيون المحدثون "وفيهم الملاحدة بالله كلية" للإعتراف به، دليل مرجح على تفرد النشأة البشرية، وعدم تداخلها مع الأنواع الأخرى في تطور عضوي.)[[4]]

وقال إبن كثير : ( وذلك انه تعالى لمّا خلق آدم عليه السّلام بيده من طين لازب ، وصَوَّرَهُ بشراً سوياً ونفخ فيه من روحه ، أمر الملائكة بالسـّجود له تعظيماً لشأن الله تعالى وجلاله، فسمعوا كلهم وأطاعوا إلآ إبليس لم يكن من الساجدين، وهذا الذي قررناه هو إختيار "إبن جرير" أنّ المراد بذلك كله آدم عليه السلام. وقال سفيان الثوري عن الأعمش بن عمرو عن سعيد بن جبير عن إبن عباس "ولقد خلقناكم ثم صورناكم" قال: خلقوا في أصلاب الرجال وصوروا في أرحام النساء... ونقل إبن جرير عن بعض السّلَف أيضاً أنّ المراد بخلقناكم ثم صورناكم: الذُّرِيَة.)[[5]]
_____________________

[1] البقرة: ( 30 – 34 ).

[2] الأعراف: ( 10 – 11 ).

[3] طه: ( 50 ).

[4] قطب – سيد قطب، في ظلال القرآن، المجلد الثالث، الصفحات ( 1264 – 1265 ).
ويمكن الرجوع إلى فصل "حقيقة الحياة" في القسم الثاني من كتاب "خصائص التطور الإسلامي ومقوماته".

[5] تفسير ابن كثير، المجلد الثاني، الصفحات ( 202 – 203 ).








 
رد مع اقتباس
قديم 06-01-2018, 12:58 AM   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي (10) ---- 17 - 20 خلق آدم أبا البشر عليه السّلام (3)


خلق آدم أبا البشر عليه السّلام (3)
وقال الأستاذ عبد الوهاب النّجار: (خلقنا أصلكم الذي نسلكم وكنتم من أبنائه ، فَخَلْقُنا لَهُ خَلْقٌ لَكُمْ.)[[1]]

3. من سورة الحجر.
(ولقد خَلَقْنا الإنسانَ مِنْ صَلْصالِ مِنْ حَمَإِ مَسْنونٍ ! والجانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمومِ ! وَإذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إني خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنون ! فَإذا سَوَيْتُهُ وَنَفَخْتُ فيهِ مِنْ روحي فَقَعوا لَهُ ساجِدْين ! فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُهُمْ أجْمَعونَ ! إلاّ إبليسَ أبى أنْ يَكونَ مَِعَ السّاجِدينَ)[[2]]

الصَلصال: هو المنتن من الطين. الحمأ: هو الطين الأسود المنتن. المسنون: هو المتغير. وجاء في "لسان العرب": (الصلصال من الطين ما لم يُجعل خزفاً، وكل ما جَفَّ من طينٍ أو فخار. والمسنون هو المُصَوَرَ وهو المتغير المنتن. والحمأ هو الطين الأسود المنتن. من حمأ مسنون أي متغير منتن)[[3]]
امّا أبوبكر الرازي فيقول: (الصلصال هو الطين الحر خُلِطَ بِالرّمل فصار يتصلصل إذا جف، فإذا طبخ بالنّار فهو الفخار، والحمأ هو الطين الأسود، والحمأ المسنون هو المتغير المنتن)[[4]]

قال الدكتورمحمد البهي: (الصلصال هو الطين اليابس الذي له رنين وصوت، والحمأ هو الطين الأسود المتغيّر، والمسنون هو المصوّر والمصبوب، أي صورنا هيكل هذا المخلوق المعهود من طين يابس طال اختلاطه بالماء حتى تغير واسود لونه)[[5]]

كما ورد في تفسير إبن كثير: (من سلالة من طين وهو آدم عليه السلام، خلقه الله من صلصال من حمأ مسنون، وقال قتاده: إستلّ آدم من الطين، فإنّ آدم عليه السلام خُلق من طين لازب وهو الصلصال من الحمأ المسنون، وذلك مخلوق من التراب كما قال تعالى: [ومن آياته أن خلقكم من تراب ثمّ إذا أنتم بَشَرٌ تنتشرون][[6]])[[7]]

1. من سورة الكهف.
(وَإذ قلنا لِلْمَلائِكَةِ إسْجُدوا لآدَمَ فَسَجَدوا إلاّ إبْليسَ كانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبّهِ أفَتَتْخِذونَهُ وَذرِيَتَهُ أولياءّ مِنْ دوني وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌ بِئْسَ لِلظالِمينَ بَدَلاً!)[[8]]
2. من سورة "ص":
)[ 9] إلاّ إبْليسَ اسْتَكبَرَ وكانَ مِنَ الكافِرينَ فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلهم أجْمَعونَ  فَإذا سَوَيْتُهُ وَنَفَختُ فيهِ مِنْ روحي فَقَعوا لَهُ ساجِدينَ (وَإذ قالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إنّي خالقٌ بَشَراً مِنْ طينٍ

3. من سورة المؤمنون.
)[10 ](وَلَقَدْ خَلَقنا الإنسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طين
وفيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال :
(إنّ الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، منهم الأحمر والأسود والأبيض وما بين ذلك، ومنهم الخرق والسهل وبين ذلك، وإنّما سمي آدم لأنه من أديم الأرض.)[11 ]


_____________________

[1] النجار – عبد الوهاب، قصص الأنبياء، صفحه ( 2 ).
[2] الحجر: ( 26 – 31 ).
[3] ابن منظور، لسان العرب، مجلد ( 11 )، صفحه ( 382 ).
[4] الرازي: أبو بكر، تفسير الصحاح، الصفحات: ( 153 ) و ( 368 ).
[5] البهي – الدكتور محمد، تفسير سورة الحجر، صفحه ( 19 ).
[6] الروم: ( 20 ).
[7] تفسير ابن كثير، المجلد ( 2 )، صفحه ( 551 ).
[8] الكهف: ( 50 ).
[9] ص: ( 71 – 74 ).
[10] المؤمنون ( 12 ).
[11] رواه مسلم في صحيحه







 
رد مع اقتباس
قديم 08-01-2018, 11:42 PM   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي (11)- 2- إبليس ومعركته مع الإنسان


2. إبليس ومعركته مع الإنسان
سأل الله تعالى إبليس عن سبب امتناعه عن السجود لآدم، وقد أمره الله بذلك، فكان تعليل إبليس لذلك يتضمن الغطرسة والكِبَرَ والغرور والجموح، معللاً تمرده وعصيانه وخروجه من موكب الكون الحق السائر بطاعة الله والإنقياد له أنّ أصل نشأته خير من أصل نشأة آدم، فإبليس قد خُلق من نار، في حين أنّ آدم قد خُلِقَ من مادة الطين، والنّار أعلى مرتبة من الطين، فكان تعليله لِلأمرتعليلاً مادِيّا بحتاً، فقد تعرض في تعليله لبحث المادة التي تّمَّ منها الخلق، غاضّاً الطرف عن أنّ أيٍٍ منهم لم يقم بخلق نفسه، ولم يكن له الرأي أصلاً في إختيار المادة التي خلق منها، ودون النظر في تكريم الله لِلإنسان بإختصاصه فيما لا يدخل في مجال الجسد ـ أي العقل والإدراك والتمييز والعِلم ـ وذلك كافٍ لتفضيله على الملائكة وسائر المخلوقات.

إنّ عدم انصياع إبليس لأوامر الله الخالق المدبر، هو عصيان وتمرد على الذّات الإلهيّة، وصلف وتكبر وغطرسة وجرأة، وحقّ للعاصي الظالِم نفسه أن ينال عقوبة ما أثمت يداه، فأتى العقاب رهيباً على قدر حجم المعصية، إذ أوعِدَ النار والخروج من الجنة، لأنّ الجنة ونعيمها لا يكون للمستكبرين العصاة المتردين.

طلب إبليس من ربه إمهاله إلى يوم البعث والحساب، متوعداً ذريّة آدم ـ التي بسبب أبيهم لحقه ما لحق من غضب الله ـ متوعداً إياهم بالسّعي الدائب لغوايتهم وإضلالهم بالتزيين لهم بعصيان الله وعدم حمده وشكره وتسبيحه، فأنْظَرَهُ الله تعالى متوعداً إياه ومن تبعه من ذرية آدم بعذاب يوم عظيم.

خرج إبليس من الجّنَة حقيراً ذليلاً صاغراً مطروداً من رحمة الله، متوعداً آدم وذريته بقيادتهم للمعاصي والآثام، مزيناً لهم سوء الأعمال، مبعداً إياهم ما استطاع لذلك سبيلاً عن طاعة الله، صارفاً إياهم للشرك والإلحاد والكفر والضلال.

ويتوعد الله تعالى إبليس ومن إتبعه بالعصيان من ذرية آدم: إستخف وأبعد عن الصواب من استطعت، وأفرغ جهدك بكل ما استطعت من أنواع الإغراء..... شاركهم في كسب الأموال الحرام وفي صرفها في المعاصي والمنكرات.. ساعدهم وأنسالهم على الكفر، إغرهم وزين لهم الفساد والإفساد، زين لهم النفاق والكذب والفجور، قدهم إلى كل باطل وضلال، أبعدهم عن الحق ما استطعت، ويحذر رب العزّة محذراً البشر من ذرية آدم أنّه ما يعدهم الشيطان إلاّ الغرور والكذب والضلال . أمّا من أخلص من عباد الله المؤمنين فليس للشيطان عليهم من سبيل ، فلا سلطة ولا قدرة له على إغوائهم وإضلالهم إن أخلصوا النية وأخلصوا العمل وتوكلوا على الله خالقهم ومصورهم، وكفى بالله نصيراً.

أسكن الله آدم وزوجه حواء الجنّة، مبيحاً لهما أن يتمتعا بكل النّعم فيها، يأكلان ويشربان كل ما تشتهي أنفسهما من ثمراتها وخيراتها، إلاّ شجرة واحدة أمرهما ألا يقرباها، وألا يتذوقا ثمرها، إذ هي محرمة عليهم. وإن فعلا خلاف ذلك يكونا قد ظالمي نفسيهما بعصيانهما أمر ربهما إذا خالفا أمره، أي أنهما قد وضعا أمام إمتحانٍ يترتب عليه تقرير مصيرهما، مما يترتب عليهما في حالة المخالفة والعصيان جزاء وعقاب.

(لم يخبرنا النّص القرآني ما نوع تلك الشّجرة، فقال بعضهم: الحنطة "القمح" وقال آخرون: شجرة التفاح. وقيل: هي الكرمة، لـذا حُرّمَ علينا الخمر. وقيل هي السّنبلة وقيل هي شجرة التين. وقال إبن عطية: وليس في شيْ من هذا التعيين ما يَعْضُدُهُ خبَر، وإنّما الصّواب أنْ يُعْتَقد أنّ الله تعالى نهى آدم عن شَجَرَةٍ فخالَفَ هو إليها وعصى في الأكل منها.)[1 ] وما دام القرآن لم يعلمنا ماهي تلك الشجرة الممنوعة، فليس لنا محاولة التَكهن عن ماهيتها، ولا يعنينا من أمرها شيْ. والله تعالى أعلم.

لقد كان موضوع الشجرة المحرمة على آدم وزوجه هي أول منفذٍ لإبليس ينفذ منه إلى إغواء آدم وزوجه قبل أن يبدأ في إغواء نسلهما مستقبلاً، لذا فقد سٌرَّ إبليس به واغتنمها فرصة إشفاء غليله بغواية عدوه آدم وزوجه ولينتقم منهما، فأخذ يُفْرِغ جهده بالتّزيين لهما، والتّزلف لكليهما، بإقناعهما بالأكل من تلك الشّجرة المحرمة عليهما.

كان من ضمن الوسائل التي توسل بها الشيطان لهما لحثهما على العصيان وسيلة الإغراءات بأنّ تلك الشجرة هي شَجَرَة الخلد والنّعيم المقيم الذي لا يفنى، وأنّ منع الله لهما من الأكل منها كان لئلا يصبحا مَلَكَين، ولئلا يخلدا في الجنة ذات الخيرات والنعم الكثيرة، ولكي يصدقاه فقد أقسم على أقواله بمختلف الأيمان المغلظة، مُقْسِماً على أنّه لهما النَاصح الأمين.

ومن كثرة إلحاح الشيطان عليهما، وحتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، فقد نسي آدم وحواء أنّ إبليس هو في حقيقته عدوهما اللدود الحاقد إلى يوم البعث والحساب، وأنّه لا يمكن بحالٍ من الأحوال أن يكون لهما النّاصح الأمين، فوقعا في مكائد الشيطان عدوهما، وعصيا أمر ربهما بأكلهما من الشّجرة المحرمة عليهما. ولمّا تذوقا طعمها تكشفت لهما عورات أنفسهما، فطفقا يجمعان من أوراق الجنّة ليواريا عوراتهما، فناداهما ربهما مؤنباً وزاجراً لهما عصيانهما: (ألم أنهكما عن تلكما الشّجَرَةِ وَأقُلْ لكما أنّ الشَيْطان لكما عدوٌ مُبين)[ 2] عندها أحَسّا بحجم مَعصِيَتِهما وسوءَ ما قَدْ فَعَلا، وَشَعَرا حجم معصيتهما بمخالفة أمر ربهما، فأخذهما النّدَم الشَّديد، وتوجها تائبين مبتهلين متضرعين إلى الله ربهما أن يتوب عليهما ويرحمهما ويغفر لهما مخالفتهما وعصيانهما: (قالا ربنا إنّا ظلمنا أنفسنا وإنْ لّمْ تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)[ 3]

قَبِلَ الله التّواب الرّحيم تَوْبَة آدم وحواء فغفر لهما: (فَتَلقى آدم من ربه كلمات فَتاب عَليه)[4 ] والإنسان خَطاء، وللخطأ والعصيان ـ حتى الإسراف بهما وحتى الكفر ـ علاج هو التّوْبَة. فالتوبة تغسل المعصية، والعاصي التائب مغفور الذّنب، فالإنسان لم يخلق آثِماً، ولم يلاحقه إثم ما صنع أبَواه، فَأبَواهُ قَدْ تابَ اللهُ عليهما، غَفَر لهما ذنبهما، ولن يأخذ الله الأبناء بذنب الآباء أبداً. قال رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم: (كُلّ بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)[5] وذلك مطابق لقوله تعالى: (قل يا عِبادِيَ الذينَ أسْرَفوا على أنْفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إنّ الله يَغفِرُ الذّنوب جميعاً، إنّهُ هُوَ الغفور الرّحيم)[ 6]

بعد أن تاب الله على آدم أنزله وزوجه حواء من الجنة إلى الأرض، وأخبرهما أنّهُ سَيَكون بين نسلهما عداء لبعضهم البعض، وأنّ سكناهم منذ اليوم سيكون الأرض يعمرونها ويتمتعون بها مُسْتَخلفين فيها، ومُسّخرة ومن بها ومن عليها ولذرياتهم من بعدهم، إلآ أنّ تلك السُّكنى في الأرض سَتَكون إلى حين من الزّمَن، أي أنّها سَتَكون سُكنى عابِرَة لحين إنتهاء أعمارهم المقدرة عليهم، وأنّ الله سَيُزَوِدَهُم بِالهُدى والرَشاد، فمن سار على الدّرب القويم وهُدى الله تعالى فلن يقع في المآثِم والذُنوب ولن يشقى بها، وسيحيون ويموتون فيها، ومنها سَيُبعَثون يوم الحساب، حيث سيجزى كل منهم جزاء ما قدّمت يداه، خيراً كان أم شَراً. وسنستعرض إن شاء الله بعض النّص القرآني لتلك الحادثة:

1. من سورة البقرة.
)[7 ]ï0، قُلنا إهْبِطوا مِنْها جَميعاً فَإمّا يَأتِيَنّكُم مِني هُدىً فَمَـن تَبِعَ هُدايَ فلا خَوفٌ عَليْهِم ولا هُمْ يَحْزَنونَ 0، فَتَلقى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْـهِ إنّهُ هُوَ التَّوابُ الرَّحيمُ 0، فَأزَلَهُمـا الشّـَيْطانُ عَنْها فَأخْرَجَهُما مما كانا فيهِ وَقُلنا إهبطـوا بَعْضُكُم لِبَعضٍ عَدُوٌ وَلَكُـمْ في الأرضِ َمُسْتَقَرٌ وَمَتاعٌ إلى حينْ ï0( وَقلنـا يا آدَمُ إسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذهِ الشَّـجَرّةَ فَتَكونا مِنَ الظالمين

2. من سورة الأعراف .
)[8 ]0 قالَ فيها تَحْيونَ وَفيها تَموتونَ وَمِنْها تَخرُجونَ0، قالَ اهْبِطوا مِنها بَعْضٌكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌ وَلَكُمْ في الأرْضِ مَتاعٌ وّمُسْتَقَرٌ إلى حين 0، قالا رَبّنا ظّلَمْنا أنْفُسَنا وَإنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمَنا لَنَكونّنَّ مِنَ الخاسِرينَ 0 فَدَلاهُما بِغُرورٍ فَلَمّا ذاقا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْءاتُهُما وَطَفَقا يَخصِفانِ عَليْهما مِنْ وّرَقِ الجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما ألَمْ أنْهّكُما عَنْ تِلْكُما الشَّجَرَةِ وَأقُلْ لَكُما إنَّ الشَيْطانَ لَكُما عَدُوٌ مُبينٌ 0، وَقاسَمَهُما إنّي لَكُمْ لَمِنَ النّاصِحينَ 0، فَوَسْوَسَ لهُما الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لهُما ما وورِيَ مِنْ سَوْءاتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُكُما عَنْ هذه الشَّجَرّةِ إلآ أنْ تَكونا مَلَكَيْنِ أوْ تَكونا مِنَ الخالِدينَ 0، وَيا آدَمُ اسْكُن أنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ قَتَكونا مِنَ الظالِمينَ 0، قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذموماً مَدْخوراً لَمَنْ تَبَعَكَ مِنْهُمْ لأمْلًئَنَّ جَهَنَمَ مِنكُمْ أجْمَعينَ 0، ثُمَّ لآتِيَنَهُم مِن بَيْنِ أيْدِيَهُمْ وَمِنْ خلفِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أكْثَرَهُمْ شاكِرينَ0، قالَ فَبِما أغوَيْتَنيَ لأقعُدَنَّ لَهُم صِراطَكَ المُسْتَقيم 0، قالَ إنّكَ مِنَ المُنْظَرينّ 0، قالَ أنْظِرني إلى يَوْمِ يُبْعَثونَ0 قالَ فَاهْبِط مِنْها فَما يَكونُ لَكَ أنْ تَتَكَبّرَ فيها فَاخْرُج إنّكَ مِنَ الصّاغِرينَ0،قالَ ما مَنَعَكَ أن تَسْجُدَ إذْ أمَرْتُكَ قالَ أنا خَيْرٌ مِنْهُ خلقْتَني مِنْ نارٍ وَخلقْتَهُ مِنْ طين )

2. من سورة الكهف.
)[ 9](، ما أشْـهَدْتُهُمْ خلقَ السَمَوات والأرْضِ ولا خلقَ أنْفُسِهِمْ وما كُنْتُ مُتّخِذَ المُضليـنَ عَضُداً ï،(وَإذْ قُلنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجدوا لآدَمَ فَسَجَدوا إلآ إبْليسَ كانَ مِنَ الجِنِِّ فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبّـهُ أفَتَتَخِدونَهُ وَذُرِيَتَـهُ أوْلِياءَ مِنْ دوني وَهُمْ لكُمْ عَدُوٌ بِئْسَ لِلْظالِمينَ بَدَلاً

3. من سورة "ص"
)[10 ](، إلآ عِبادَكَ مِنْهُمُ المُخلَصينَï-، قالَ فَبِعِزَتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أجْمَعينَ ï- إلى يَوْم الوَقْتِ المَعلومِ ï- قالَ فَإنَكَ مِنَ المُنْظَرينَ 0، قالَ رَبِّ فَأنْظِرْني إلى يَوْمِ يُبْعَثونَ 0 وَإنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيَ إلى يَوْمِ الدّينِ ï0، قالَ فَاخْرُجْ فَإنَّكَ رَجيمْ ï0، قالَ أنا خَيْرٌ مِنْهُ خَلقْتَني مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طينٍ ï0،( قالَ يا ابليسُ ما مَنّعَكَ أنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ إسْتَكبَرْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ العالينَ


4. من سورة الإسراء.
)[ 11]0، إنَّ عِبادي ليسَ لّكّ عَليْهِم مِن سُلطانٌ وكفى بِرَبِكَ وَكيلاً0، وَاسْتَفْزِزْ مَنِ أسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَاجْلِبْ عَليْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجْلِكَ وَشارِكْهُمْ في الأمْوالِ والأوْلادِ وَعِدْهُمْ وما يَعِدُهُمً الشَيْطانِ إلآ غُروراً 0 قالَ إذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤكُمْ جَزاءً مَوْفوراً 0 قالَ أرأيْتَكَ هذا الذي كَرَّمْتَ عَليَّ لَئِنْ أخَرْتَنِِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ لأّحْتَنِكَنَّ ذرِّيَتَهُ إلآ قَليلاً0،(وَإذْ قُلنا لِلمَلائِكَةِ إسْجُدوا لآدَمَ فَسَجَدوا إلآ إبْليسَ قالَ أأسْجُدُ لِمَنْ خلَقْتَ طيناً

5. من سورة طه.
)[12 ]0، قالَ إهْبِطا مِنْها جَميعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌ فَإمّا يَأتِيَنَّكُمْ مِني هُدىً فَمَنْ إتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقىï€، ثُمَّ إجتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى ï0، فَأكلا مِنها فَبَدَتْ لهُما سَوءاتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ï0، فَوَسْوَسَ إليهِ الشَّيطانُ قالَ يا آدَمُ هَل أدُلُكَ عَلى شَجِرَةِ الخُلدِ وَمُلكٍ لا يَبْلى ï€، وَأنَّكَ لا تَظْمؤا فيها وًلا تَضْحى ï0، إنَّ لَكَ ألآ تَجوعَ فيها وَلا تَعْرى ï€، فَقُلنا يا آدّمُ إنَّ هذا عَدُوٌ لَكّ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخرِجَنَّكَ مِنَ الجَنَّةَ فَتَشْقى ï0، وّإذ قُلنا لِلملائِكَةِ اسجُدوا لآدَمَ فَسَجَدوا إلآ إبليسَ أبى ï0،(وَلقَد عَهِدْنا إلى آدَمَ مِن قَبلُ فَنَسِيَ وَلم نَجِد لهُ عَزماَ )

استعرضنا فيما مرّ قصّة آدم عليه السّّلام ومعركته مع إبليس، كما قصّها علينا رب العزة في محكم التّنزيل، إنها قصّة الإغواء ونوازغ الوسوسة، إبتدأها إبليس مع أول البشر وأبيهم ، وإستمرّ بها ولا زال مع ذريته، بدءاً بقابيل وهابيل إبني آدم، وسيستمر بها إلى يوم القيامة، يبين لنا النّص القرآني وقائع الحدث بتسلسل جميل، لا لنضيف إلى علمنا معلومة جديدة، ولا لنزيد قصصنا قصة أخرى مشوقة، بل ساقها إلينا لنتذكر فنعتبر، فإبليس يعمل جاهداً لغواية البشرية ما استطاع لذلك سبيلاً، وجنود إبليس دائبون جاهدون بهمة لا تفتر ونشاط مستمر في إغواء البشر وإضلالهم وصرفهم عن السير في موكب الكون الحق السائر في طاعة الله وتسبيحه... فقد كذَبَ الناس الرُّسُل، وعصوا الله ربهم، والحد وكفر بالله وأنعمه عليهم أناس، وادعى النبوة والإلوهية آخرون، وآخرون أنكروا الخلق رغم شواهده الماثلة أمام أعينهم، وآخرون عللوا وجود أنفسهم والمخلوقات جميعاً بالصّدفة العشوائية، وعللوا النّمو والتكاثر بالتطورالمادي... كل هؤلاء واولئك هم أتباع إبليس وجنوده، كما أنّ من أتباعه الكاذب والمنافق والزاني وآكل الرّبا وموكله والعلماء المفتون بجوازه... ومشايخ السّلطان الذين يقولون على الله الكذب... وأول أتباعه وجنوده وأصفقهم وجهاً من أنكر وجود الله تعالى وأنكر الخلق وكذّب الرُّسُل.

ولا أرى موجباً في هذا البحث المحدد الهدف أن نتناول بالتَّفصيل والإسهاب شرح هذه الآيات الكريمات، فقد أوفت كتب التّفسير كل آيات القرآن الكريم حقها من التّفسير، فعلى من رغب الإستزادة والتّفصيل العودة إلى كتب التّفسير وهي كثيرة وفي متناول يد الجميع.

_____________________

[1] تفسير القرطبي، المجلد الأول، صفحه ( 305 ).
[2] الأعراف: ( 22 ).
[3] الأعراف: ( 23 ).
[4] البقرة: ( 37 ).
[5] سنن الترمذي: ( 2499 ).
[6] الزمر: ( 53 ).
[7] البقرة: ( 35 – 38 ).
[8] الأعراف: ( 12 – 25 ).
[9] الكهف: ( 50 – 51 ).
[10] " ص ": ( 75 – 83 ).
[11] الإسراء: ( 61 – 65 ).
[12] طه: ( 115 – 123 ).







 
رد مع اقتباس
قديم 14-01-2018, 07:32 PM   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي (12)-23/21


3. خلق الزوجة (حواء)
قال تعالى: (وَمِنْ آياتِهِ أنْ خلقَ لكُم مِنْ أنْفُسِكُم أزواجاً لِتَسْكُنوا إلَيْها، وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، إنَّ في ذلِكَ ‍لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكرون)[ 1] وَقالَ تَعالى : (هُوَ الذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إلَيها)[ 2] وقالَ رَسول الله صلى الله عليه وسلّم: (خلقت المرأة من ضلعِ أعوج فإن تنقمها تكسرها وإن تتركها تستمع بها على عوجها)[3 ]

قال المفسرون: (لمّا أسكنَ الله تعالى آدم الجنّة كان يمشي بها وَحْشِياً،[4 ] لم يكن له من يجالسه ويؤانسه، فألقى الله عليه النّوم، فأخذ ضِلعاً من أضلاعِه من شِقِهِ الأيسَرَ يقال له "القيصري" فخلق منه حواء من غير أن يحسَّ آدم بذلك ولا وجد ألماً، ثم ألبسها من لباس الجنَّة وزيّنها بأنواع الزّينة، وأجلسها عند رأسه، فلما هبَّ من نومه رآها قاعدة عند رأسه، فسألته الملائكة يمتحنون علمه: ماهذه ياآدم؟ فقال : إمرأه، ولما سألوه عن اسمها قال: حوّاء. ولما سألوه: لمن خلقها الله؟ قال: لتسكن إلي وأسكن إليها...)[5 ]

إن الله تعالى قد خلق "حواء" لتكون "زوجَة" لآدم، يسكن إليها وتسكن إليه. وبالتالي ليبدأ الفصل الثاني من نظام الخلق الذي سنَّهُ الله تعالى، الآ وهو التزاوج والتناسل، الذي فَرَضَهُ الله تعالى القانون الوحيد الذي يتم به وحده خلق الإنسان بعد خلق آدم وحواء، ولم يُخرج عن هذا القانون إلا "عيسى بن مريم عليه السَّلام" لحكمة أرادها الله تعالى.

لقد خلق الله الإنسان "الرَّجل والمرأة" في فطرةٍ معينةٍ تمتاز عن الحيوان، فكلاهما إنسان لا يختلف أحدهما عن الآخر في الإنسانية بشيْ، ولا يمتاز أيّ منهما بأيِّ إمتياز من إمتيازات الإنسانية مطلقاً، لذا فقد هيأهما الله سوية لخوض معترك الإنسانية في مجتمع واحد وجعل بقاء النَّوع الإنساني متوقفاً على إجتماع الرّجل والمرأة في مجتمع واحد، وقد خلق الله في كلِ منهما طاقات حيوية هي نفس الطاقات الموجودة في الأخر، وأودع في نفس كل منهما الرّغبة لإشباع جوعات وثورات تلك الطاقات، كما أودع في نفس كل منهما القابلية لإثارة تلك الطاقات لتتطلب الإشباع، وأياً كان نوع تلك الطاقات فقد أودعها الله في كليهما.

والطاقات الكامنة في نفس الإنسان نوعان، تبعاً لنوعية الإثارة ـ من داخلية وخارجية ـ وتبعاً لحتمية ألإشباع من عدمه حين تتطلبه، وتبعاً لما ينتج في حالة عدم الإشباع إثر تطلبه وهي نوعان :

1. الحاجات العضوية: مثل الجوع والعطش وقضاء الحاجة.
2. الغرائز: التي تقسم بدورها إلى ثلاث أنواع : [غريزة التدين. غريزة النوع. غريزة حب البقاء]

والغرائز جميعها هي كامنة في كليهما، فهي موجودة في المرأة كما هي موجودة في الرّجل، وبنفس الصفة والنوعية، كما أنّ في كليهما القدرة على التفكير بنفس القوة، فالعقل الموجود في أيٍ منهما هو نفس العقل الموجود في الآخر.

إلآ أنَّ "بقاء النوع الإنساني" الذي هو من الأهداف العليا لصيانة المجتمع التي حافظ عليها الإسلام، قد حُصِرَ في إجتماع الرّجل والمرأة؛ فغريزة النوع وإن أمكن أن يشبعها ذكر من ذكر "لواطاً" أو أنثى من أنثى "سحاقاً، إلا أنّ مثل هذا الإشباع ـ وإن تَمَّ ـ لا يمكن مطلقاً أن يؤدي الغاية التي من أجلها وُجِدّت تلك الغريزة في الإنسان، إلا في حالة واحدة هي أن يشبعها الذكر من الأنثى وأن تشبعها الأنثى من الذكر.

لــــذا فإنّ صلة الزوجية من الناحية الجنسية هي الصلة الطبيعية التي لا غرابة فيها ، والتي تمت حكمة الله تعالى أن تكون قانون وجود النوع الإنساني، فهي الصلة الأصلية التي بها وحدها يتحقق الغرض من ايجاد الغريزة، ألا وهو بقاء النوع الإنساني. فإذا وقعت بينهما هذه الصلة على شكل الإجتماع الجنسي كان ذلك بديهياً ومنطقياً وطبيعياً وبعيداً عن الغرابة، بل كان مثل هذا الإجتماع أمراً حتمياً ولازماً لتحقق بقاء النوع الإنساني، إلا أنّ إطلاق هذه الغريزة هو أمر مضر للإنسان وحياته الإجتماعية.

ونظرة الإسلام إلى الغرض من وجود الغريزة أنَّه: "النّسْل لبقاء النوع الإنساني"، لذا فقد وَجَّهَ الإنسان لجعل نظرته لتلك الغريزة منصبَّة عل الغرض الذي وُجِدَت من أجله في الإنسان، وشدد على حصر النظرة بهدف بقاء النوع الإنساني لدى كل من الرجل والمرأة، بغض النظر عن اللذة والإستمتاع الحاصلتين طبيعياً وحتمياً نتيجة الإشباع.

وبما أنّ الإسلام يعتبر أن لا صلاح لأي جماعة إلآ بتعاون أفرادها - ذكوراً وإناثاً – بإعتبارهما أخوَين مُتضامِنَيْن تضامن مودة ورحمة، لذا فقد أكّدَ الإسلام على ضرورة ايجاد مفهومٌ عند الناس – ذكوراً وأناثاً – عن كيفية إشباع غريزة النوع وعن الغاية من وجودها، فأنشأ لهم نظاماً إجتماعياً متميزاً، يُزيل تسلط مفاهيم الإجتماع الجنسي، بجعلها أمراً طبيعياً وحتمياً للإشباع لأجل تحقق النسل والتكاثر، كما يزيل مفهوم حصر تلك الصلة باللذة والإستمتاع، وبالتالي يجعلها نظرة تستهدف مصلحة الجماعة بالتناسل والتوالد.[ 6]

وباستعراض بعض النصوص القرآنية التي تناولت الموضوع، نرى أنها أتت منصبة على "الزوجيّة" مما يثبت أن خلق الغريزة وايداعها في الإنسان ذكره وأنثاه كان أصلاً لأجل هدف سام هو: الزوجية للنسل والتكاثر بهدف بقاء النوع الإنساني. قال تعالى: (هُوَ الذي خلَقَكم مِنْ نَفْسِ واحدةٍ، وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكنَ إلَيها، فَلمّا تَغَشاها حَمَلتْ حَمْلاً خفيفاَ فَمَرَت بِهِ، فَلمّا أثقلت دَّعَوا اللهَ رَبَهما لئِن آتَيْتَنا صالِحاً لنَكونَنَّ مِنَ الصّالحينّ)[7 ]

(يا أيُها النّاس اتقوا رَبَكُم الذي خَلقَكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثيراً وَنِساءً واتقوا اللهَ الذي تّسآءَلونَ بِهِ وَالأرْحامَ إنَ اللهَ كانَ عَليْكمْ رَقيباً)[ 8]

(وَلَقَدْ أرْسَلنا رُسُلاً مِنْ قَبلِكَ وَجَعَلنا لهُمْ وَذُرِيَةً)[9 ]

(وَاللهُ جَعَلَ لكمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزواجاً، وَجَعَلَ لكمْ مِنْ أزواجِكمْ بَنينَ وَحَفَدَةً)[ 10]

)[11 ]ï€، وَمِنْ آياتِهِ أنْ خلقَ لكمْ مِنْ أنفسِكمْ أزْواجاً لِتَسْكنوا إليْها وَجَعَلَ بَيْنَكمْ مَوَدَةَ وَرَحْمَةً إنَّ في ذلِكَ لآياتٍ لِقوْمٍ يتفكرونَï€،(وَمِنْ آياتِهِ أنْ خلقكم مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إذا أنتمْ بَشَراً تَنْتَشِرونَ
(فاطِرُ السَّمَواتِ والأرْضِ جَعَلَ لكمْ مِنْ أنْفُسِكمْ أزْواجاً وَمِنَ الإنْعام أزْواجاً)[12 ]

)[13 ]ï€، مِنْ نُّطْفَةٍ إذا تَمَنّى ï€،(وَانَّهُ خلق الزَوْجَينِ الذكرَ والأنثى

إنَّ الله تعالى قد سلط الخلق على الزوجين الذكر والأنثى من ناحية الزّوجيّة، وحصر التوالد والتكاثر بين البشر بها، هذا هو قانون الخلق الوحيد الذي به وحده يخلق ويوجد أي إنسان، وهو المفهوم الوحيد الذي غرسه في أذهان البشر، وكرر ذلك حتى يظل المفهوم والنظرة إلى الصلات بين الذكر والأنثى منصبة على الزوجيّة أي على النّسل لبقاء النوع الإنساني، نفياً ومبطلاً أي نظرة أو مفهوم يخالف ذلك.

وبدراستنا لواقع العيش في المجتمع الجاهلي في الجاهليّة الأولى، وهي الفترة التي سبقت الإسلام، وأحوال المرأة بالذات، نجد واقعها أنها كانت متاعاً أو كالمتاع، لاتملك من أمر نفسها شيئاً، ولا يُعْتَرَفُ لها برأيٍ أو إرادةٍ أو مشورةٍ حتى في شؤونها الخاصة، وقد كانت نظرة الزراية بها والهضم لحقوقها والنفي لشخصيتها تسود العالَمَ أجمع، وليس عند العرب فقط، فكانوا يكرهون أن يرزقوا الإناث. قال تعالى:

)[14]ï€، يَتَوارى مِنَ القوم مِنْ سوءِ ما بُشِّرَ بهِ أيُمْسِكهُ على هَوْنٍ أمْ يَدَسُّهُ في التُرابِ ألا ساءَ ما يَحْكمونَ ï€،(وَإذا بُشِّرَ أحَدُهُمْ بِالأُنثى ظلّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كظيمٌ

إنَّ الإسلام قد نظر إلى الإنسان "رجلاً كان أم إمرأة" أنّهُ إنسان فيه الغرائز والميول وفيه العقل والإدراك أيضاً، وأباح وهيأ ومكن الإنسان التمتع بلذائذ الحياة، ولكن على وجه يحفظ الجماعة والمجتمع، ويؤدي إلى تمكين الإنسان من السّير قدماً لتحقيق سعادة وهناء الإنسان داخل مجتمع متوازن تسوده الطمأنينة وتحكمه السنن والقوانين والضوابط الموافقة للفطرة التي اودعت بالإنسان. وبما أنّ حفظ النوع الإنساني من أهداف الإسلام العليا لصيانة المجتمع، ولأجل تحقق تلك الأهداف والغايات أتت ضرورة وحتمية الحفاظ على النَّسب، وبناء عليه فقد حصر الإسلام صلة الجنس بالزواج أو ملك اليمين. وللحفاظ على النسب وللحيلولة دون اختلاطه، فقد سَنَّ الأنظمة والأحكام التي تكفل المجتمع من اختلاط النّسب وتلك التي تكفل الحفاظ عليه، بجعل كل صلة أو علاقة تخالف ذلك وتخرج عنه جريمة تستوجب أقصى أنواع العقوبات الرادعة، ولبشاعة تلك الجرائم وخطورتها على المجتمع وحتى تكون العقوبات زاجرة رادعة، فقد سُنت ضمن الحدود التوقيفية التي لا يجتهد في مضمونها، محذراًَ من الرأفة والرَّحمة لمرتكبوا تلك الجرائم، قال تعالى:

(الزانية والزاني فاجلدوا كلَّ واحِدٍ منهما مائَةَ جَلدَةٍ ولا تَأخذكم بهما رّأفَة في دين الله إنْ كنتم تُؤمنونَ باللهِ وَاليَوْمَ الإخِرَ وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)[15 ]

من هنا يتبين مدى الفرق الشاسع بين نظرة الإسلام للإتصال الجنسي المنبثق عن نظرته لطبيعة الغريزة الكامنة في الإنسان ذكره وانثاه ولطرق اشباعها، ونظرته للمرأة نفسها وللناحية الزوجية التي تقتضيها وتفرضها طبيعة وجودها مع الرجل في مجتمع واحد؛ وبين نظرة الجاهلية الحديثة، فإنَّ كل وجهات نظر الجاهلية الحديثة ومفاهيمها: مسلطة على الناحية الجنسية وكيف نستمتع بها، بل وكيف نكثر من إنتهال المتعة واللذة. وبناء على تسليطهم على الناحية الجنسية فقط كوسيلة للمتعة واللذة وكهدف وغاية ، فمن الطبيعي أن يترتب على ذلك نظرة للمرأة أنها بوتقة لإشباع الرّغبات الجنسية، لا بل وسيلة من وسائل الإثارة والايقاع واشباع الشهوات الجنسية، صاحب ذلك اعتبارهم أنَّ عدم إشباع الغريزة بالجنس المطلق بلا ضوابط، وعدم اطلاق العنان لممارسته يشكل خطر على الصحه والعقل، وكبتٌ للغريزة التي لا بد من اطلاقها، وبما أنهم فهموا أنَّ وظيفة المرأة في ذلك هو الإستمتاع بها والإثارة، كان الحل الوحيد في نظرهم للمشكلة هو ايجاد المناخ المناسب للإثارة لدى كل من الرجل والمرأة بكل الوسائل المتاحة.

وبما أنّ عقولهم قد قصرت وعجزت عن إدراك السّبب الذي من أجله خلقت الغريزة في الإنسان وهو بقاء النوع الإنساني، بالعلاوة على اعتقادهم بحيوانية الإنسان، فإنهم بالتالي قد فهموا العلاقة بين الرجل والمرأة من ناحية جنسية في شكلها البدائي الحيواني، لذا فلا مانع عندهم لا بل من الطبيعي والبديهي والمنطقي – ما دام الجنس وممارسته قد أصبحا لديهم هدفاً يُسعى إليه لتحقيق اللذة والنشوة والإستمتاع – أن يُمارَسَ الجنس بصورة حيوانية منحطة، ما دام يفي بالمطلوب ويحقق الغاية ويوصل للإشباع، فمن الطبيعي أن يُمارَسَ الجنس بصورةٍ شاذة، كأن يمارسه رجل مع رجل، أو أن تمارسه انثى مع انثى، أو إتيان المرأة في غير موضع الحَرْث "موضع الحمل والتناسل".

لقد أثبتوا بذلك نظرية التطور!!! إذ طوروا الإنسان رجعياً، فحتى الحيوان البهيم الغير عاقل، والذي تطور الإنسان بزعمهم من نسله، لم ينحط إلى درجة الشذوذ بأن يواقع الذكر منه الذكر، أو أن تواقع الأنثى منه الأنثى، أو أن يواقع الذكر منه أنثاه في غير موضع التناسل، إلا في حالات نادرة.

قال تعالى :
)[16 ]ï€، نِساؤكمْ حَرْث لكم فَأتوا حَرْثكم أنى شِئْتُم وَأتْقوا اللهَ وَاعلموا أنكم ملاقوهُ وَبَشِّرِ المؤمنينï€،(وَيَسْئَلونَكَ عَنِ المَحيضِ قلْ هُوَ أذىً فَاعَتَزِلوا النِساءَ في المَحيضِ ولا تَقرَبوهُنَّ حَتّى يَطهُرْنّ فَإذا تَطهَرْنَ فَأتوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أمَرَكمُ اللهُ إنَّ اللهَ يُحِبُّ التوابينَ وَيُحِبُّ المتَطهرينَ

لقد كان خلق حواء الزوجة كما فهمه أدم عليه السلام، وكما علمه الله تعالى، لتسكن إليه ويسكن إليها، أي للزوجية التي تعني السّكن والمودة والرحمة، كما تعني التلاقح والتزاوج، والإشباع الصحيح لجوعات الغرائز وثوراتها، والمنتجة للنسل والذرية والنسب، ولايجاد النسل الإنساني، وللمحافظه على بقاء النوع الإنساني واستمرار وجوده، هذا النوع الذي سيحمل الأمانة والإستخلاف في الأرض، ولينتظم في موكب الكون السائر في طاعة الله وعبادته. وليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
_____________________

[1] الروم: ( 21 ).
[2] الأعراف: ( 189 ).
[3] العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، مجلد ( 9: 252 ).
- تفسير القرطبي ( 1: 302 ).
[4] أي استوحش وحنَّ إلى الرفيق.
[5] القصة مقتبسة بتصرف من: النيسابوري، قصص الأنبياء، الصفحات ( 29 – 35 ).
- ابن كثير، البداية والنهاية، ( 1: 74 ).
- القرطبي، تفسير القرطبي، ( 1: 301، 302 ).

[6] هذا البحث منقول بتصرف عن كتاب "النظام الاجتماعي في الإسلام" للعلامة تقي الدين النبهاني، الصفحات ( 18 – 21 ).
[7] الأعراف: ( 189 ).
[8] النساء: ( 1 ).
[9] الرعد: ( 38 ).
[10] النحل: ( 72 ).
[11] الروم: ( 20 – 21 ).
[12] الشورى: ( 11 ).
[13] النجم: ( 45 ).
[14] النحل: ( 58 – 59 ).
[15] النور: ( 2 ).
[16] البقرة: ( 222 – 223 ).







 
رد مع اقتباس
قديم 31-01-2018, 05:42 PM   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


Ss70012 (13)-- مولد عيسى بن مريم 268-276/3


4. مولد عيسى بن مريم


لقد جعل الله تعالى سنته في الخلق والميلاد قائمة على قانون الزوجيّة، فشاءت قدرته تعالى الا يولد إنسان إلا بإختلاط مائي الرّجل والمرأة، ومرور هذا الإختلاط بالأطوار اللازمة لِتَكوُّنَ المخلوق في حَمْلٍ تحمله إمرأة، ثُمّ تَكوّن الجنين في رحمها بتزاوج وتلقيح.

هذه هي السُّنَة التي سَنَّها الله تعالى قانوناً وناموساً لازِماً في خلق الإنسان – كل إنسان – لا ولن يتخلف عن ذلك ولم يسبق تخلف حالة واحدة، فلا يمكن أن يوجَدَ إنسان إلا بتلك الطريقة. إلا أنَّ مشيئة الله وقدرته إقتضت أن يُخلقَ آدَمُ أوّلَ البشر مِنْ تُرابٍ أمْراً مُخالِفاً لِتِلْك القاعدةِ، وَانْ تُخلقَ حَواء مِنْ ضِلع آدَمَ الأيْسَرَ أمْراً آخَرَ مُخالِفاً لِذلكَ الناموس. وَإسْتَمَرَّ تَكوّنُ وايجاد الجِنس الإنساني بطريقة المُعاشَرَة والتزاوج بين ذكر وانثى، ليتم اختلاط المائين معاً،ً والتلقيح في رحم الأنثى التي تحمل في أحشائها ذلك الجنين الذي كان ثمرة إتصال جنسي بين ذكر وأنثى، لتحمله قدَراً مَعلوماً، يخرج بعدها بعملية ولادة بشراً سوياً.

إلآ أنَّ ميلاد نبي الله عيسى عليه السّلام، قد تم بطريقة خالفت تلك القاعدة وشذت عنها، فلم تتم بقانون الخلق وناموسه، إذ سبقت إرادته وحكمته تعالى أن يأتي هذا المولود إلى الدنيا بطريقة خارقة للقاعدة والقانون، ليخالف ميلاده الشريف ميلاد جميع من أتى قبله وجميع من سيأتي بعده مستقبلاً من البشر، أي بمعجزة تكون آية أخرى من آيات الله لتدلل على قدرته في الخلق، فكان ميلا د عيسى عليه السّلام بعملية "ولادة بدون أب Partheno senis" إذ أتى ميلاده الشريف المبارك من أم حملت به بدون أي إتصال جنسي مع رجل، فكان الحمل والميلاد من أم عذراء[ 1] بتول[2 ] لم يمسسها بشر مطلقاً، فلم يمتزج ماؤها بماء رجل بتاتاً، لِيُذكرّ الله تعالى الناس جميعاً: أنَّ مَنْ خَلقَ عيسى قد خلق من قبلِهِ آدَمَ بدون أم ولا أب. وفي ذلك قوله تعالى: (إنّ مثل عيسى عِنْد الله كمثل آدم، خلقه من تراب ثم قالّ كن فيكون)[ 3]

وإذا تجاوز البشر حادث خلق الإنسان أصلاً وإنشاءه على هذه الصورة، فإنَّ ميلاد عيسى عليه السلام يكون أعجب ما شهدته البشرية في تاريخها الطويل. إذ هو حادث لم تعهده البشرية لا من قبل ولا من بعد، والإنسان لم يشهد خلق نفسه، وبالتالي لم يشهد خلق أول إنسان من غير أبوين، واعتاد البشر على مر التاريخ، ومن خلال تعاقب الدّهور والأيام أن يروا الخلق والتكوين يأتي مشاهداً بالسُّنَة المعهودة والطريقة الثابتة، فلم يعهدوا أن يأتي إنسان كائنا من كان إلى هذه الحياة الدنيا بلا اتصال جنسي بين رجل وامرأة، أي بين ذكر وأنثى. فأتت المعجزة الإلهية تبرز العجيبة الثانية في مولد عيسى بن مريم من غير أب ..... من أم عذراء بتول لم تمارس الجنس مطلقاَ ولم يمسسها بشر ، وذلك مخالف وخارق للعادة التي جرت منذ وُجِدَ الإنسان نفسه على هذه الإرض ، ليشهدها البشر ، ثم لتظل عالقة بإذهانهم مُذكرة الناس جميعا بمقدرة الله ، ولافتة النظر إلى المعجزة الأولى ميلاد آدم.

لقد جرت السُّنَة في الخلق واستمرار الحياة أن يكون ذلك بالتناسل والتكاثر الآتي من اتصال جنسي بين ذكر وانثى، جرت هذه السُّنَة أحقاباً طويلة، حتى استقر في تصور البشر أنّ تلك هي الطريقة الوحيدة والناموس الأوحد. ونسوا حادث وجود النوع الإنساني أصلاً، ذلك الحادث الذي لم يشاهده بشر، فشاءت إرادة الله وقدرته أن يَضرب لهم مثلاً يُشاهدونه بِأعينهم وهو ميلاد عيسى بن مريم ليذكرهم بقدرة الله المطلقة التي لا تخضع ولا تحتاج لقوانين ولا لنواميس ولا لقواعد، إذ أنّه إذا أراد شيئاً فإنّما يقول له كن فيكون.

يقص علينا القرآن الكريم قصة ميلاد عيسى بن مريم عليه السلام :

)[ 1] فناداها مِن تحْتِها ألا تحزني قدْ جَعَلَ رَبكِ تَحتكِ سَريا  فأجاءَها المَخاضُ إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مِت قبلَ هذا وَكنتُ نَسْيا مَنسيا  فَحَمَلتهُ فانتبَذتْ بِهِ مَكاناً قصِيا  قالَ كذلكِ قالَ رَبكِ هُوَ عَليَ هَيْنٌ وَلِنَجْعَلهُ آيَة للناسِ وَرَحْمَة مِنا وَكانَِ أمْرًا مَقضيا  قالت أنّى يَكونُ لي غلامٌ وَلمْ يَمْسَسني َبشَرٌ وَلمْ اكُ بَغيا  قالَ إنّما أنا رَسُولُ رَبكِ لأهَبَ لكِ غلاما زَكيا  قالت إني أعوذ بِالرَّحْمن مِنكَ إنْ كنتَ تقيا  فاتخذت مِن دونِهمْ حِجابا فأرْسَلنا إليها روحَنا فتمثلَ لها بَشرا سَويا (واذكرْ في الكِتابِ مَرْيَمَ إذ انتبَذتْ مِنْ أهْلها مَكاناً شَرْقِياً

ممن وُلدَ المسيح؟ من فتاةٍ عذراء بتول طاهرة نقية تقية، نذرت نفسها لعبادة الله ربها، لم يُعرَف عنها وعن أسرتها إلآ التُقى والصلاح والنقاء والطهارة، كانت معروفة لقومها أنها مِثال الطهارة والعفة، حتى أنها تنتسب إلى هارون أبي سدنة المعبد اليهودي المتطهرين....... أنها عذراء بتول، لم تقترف الزنا والفاحشة، ولم تمارس الإتصال الجنسي لا حلالاً ولا حراماً. يؤكد ذلك شهادة قومها: "يا أخت هارون"[5 ] وبصريح النص القرآني الذي يؤكد أن الميلاد كان من عذراء بتول تقية نقية طاهرة، لا بل مثال للطهارة والعفة، أحصنت فرجها ولم تقترف الزنا والسفاح والآثام، ذات التربية الصالحة والمنبت الطيب الأصل من سلالة الأتقياء الأطهار: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ التي أحْصَنَتْ فَرْجَها فنفخنا فيهِ مِن روحِنا وَصَدَّقتْ بِكلِماتِ رَبِّها وَكتبِهِ وَكانتْ مِنَ القانتينَ)[ 6]

وضعت مريم حملها آتية بالمعجزة لبني إسرائيل "ولنجعله آية"، تحمل لهؤلاء القوم المشهورين بالعصيان والتمرد والتشكك حتى من الآيات البينات والحقائق المعلومة بالدليل الباتر، صورة أخرى من صور أيات الله ومعجزاته علهم يتفكرون، قال تعالى:

)[7 ] ما كانَ لِلهِ أنْ يَتخذَ وَلداً سُبْحانَهُ إذا قضى أمْراً فإنّما يَقولُ له كنْ فيَكونَ  ذلكَ عيسى بنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الحَقِِ الذي فيهِ يَمْترونَ  وَالسَّلامُ عَليَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أموتُ وَيَوْمِ أبْعَثُ حَياً  وَبَراً بوالِدَتي وَلمْ يَجْعلنِي جَباراَ شقِياً  وَجَعَلني مُبارَكاً أيْنَ ما كنتُ وَأوصاني بالصَّلاةِ والصِيام ما دمتُ حَياً  قالَ إني عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الكِتابَ وَجَعَلنِي نَبياً  فأشارَت إليهِ قالوا كيْفَ نكلمٌ مَن كانَ بالمَهدِ صَبيًا  يا أختَ هارونَ ما كانَ أبوكِ امرأَ سوءٍ وَما كانت أُمُّك بَغِيا (فأتت بِهِ قوْمَها تحمِلهُ قالوا يا مَرْيَمُ لقد جئتِ شيئا فرياً

لقد حملت مريم إبنة عمران العذراء البتول حملها الشريف الطاهر، ووضعته غلاماً زكياً، حملت هذا المولود وأتت به أهلها. فدُهِش القوم وهم يرون إبنتهم الطاهرة العذراء المنقطعة للعبادة، تحمل لهم طفلاً وضعته لا يعرفون له أب!!! فانطلقوا يُقرِّعونها ويوبخونها بإتيانها هذا الفِعل الفظيع المُستَنكر... طفقوا يذكرونها بتقواها وصلاحها المشهود "يا أُخت هارون". كيف لا وهي من تلك الذرية المشهود لهم بالتقى والصلاح!!! كيف تأتي بذلك الفعل الشنيع الفاحش المستهجن المستقبح وهي سليلة الصالحين الأتقياء العباد القانتين المخلصين!!!. إنّ معلوماتهم الموثقة أنه لا يمكن أن يأتي مولود إلى هذه الدنيا مطلقاً إلآ بإتصال جنسي بين ذكر وأنثى "مشروع أو غير مشروع"، فلا يمكن أن يكون حمل وولادة إلا بطريقة الزوجية المشروعة، أو بالسِفاح غير المشروع. وكلاهما تزاوج واتصال جنسي بين ذكر وأنثى يُنتج تلقيح وحمل وولادة، والسِّفاح هو تزاوج غير مشروع، لـــذا فهو مستقبح ومستهجن، خاصة إن أتى من مريم إبنة عمران، التي هي كما هوعلمهم ومعرفتهم العذراء التقية المنقطعة للعبادة، إبنة كرام الناس الأعلام الأبرار. وبما أنّها أتتهم تحمل مولوداً بلا زواج، فالقاعدة أنها ما دامت عذراء لم تتزوج بعد، فمنطقهم يقول بأنها قد حملت بمولودها سفاحاً ولا بد.

وجواباً لتساؤلاتهم وشكوكهم فقد أشارت للمولود أن يسألوه ليأخذوا الرد منه وقد نذرت الصوم عن الكلام عبادة لله وامتثالاً، مما أثار استنكارهم لذلك قائلين "كيف نكلم من كان في المهد صبياً؟". فكانت المعجزة الأخرى الخارقة العجيبة، إذ تكلم المولود في مهده على غير المألوف المعهود، معجزة أخرى من معجزات الله تعالى، فتكلم المولود في المهد على غير المعهود المألوف آية أخرى من آيات الله الدالة على قدرته، ونفي لأي إرتياب أو شك قد يعلق في الأذهان بشأن طهارة أمه الوالدة، وهو بالتأكيد دليل دامغ على أنّ في ولادة المولود سرٌ جديدٌ من أسرار الخلق. هذا الخلق المعجزة. والمعجزات هي أمور خارقة للعادة للتدليل على نبوة نبي أو رسالة رسول. إذاً فإنّ خلق عيسى عليه السلام بهذه الصورة الخارقة للعادة هي أيضاً من علائم النّبوة التي تنبئنا به النّصوص القرآنية به.

)[ 8] إنَّ اللهَ رَبي وربُّكمْ فَاعْبُدوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقيمٌ  وَمُصَدِّقا لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوْراةِ وَلأُحِلَّ لكمْ بَعْضَ الذي حُرِّمَ عَليكمْ وَجِئْتُكمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبكمْ فاتقوا اللهَ وأطيعونِ  وَرَسولاً إلى بَني إسْرائيلَ إني جِئْتُكمْ بآيَةٍ مِنْ رَبكمْ أنّي أخلقُ لكمْ مِنْ الطينِ كهَيْئةِ الطير فَأنفخ فيهِ فَيَكونُ طيْراً بإذنِ اللهِ وَأبْرئُ الأكمَة والأبْرَصَ وَأحي المَوتى بِإذْنِ اللهِ وَأُنْبِئُكمْ بِما تَأكلونَ وَما تَدَّخِرونَ في بُيوتِكمْ إنَّ في ذلِكَ لكمْ إنْ كنْتمْ مؤمِنينَ  وَيُعلِمُهٌ الكِتابَ وَالحِكمَةَ والتَّوْراةّ وَالإنْجيلَ  قالتْ رَبِّ أنَّى يَكونُ لي وَلدٌ وَلم يَمْسَسْني بَشَرٌ قالَ كذلِكِ اللهُ يَخلُقُ ما يَشاءُ إذا قضى أمْراً فَإنَما يَقولُ لهُ كنْ فيَكونُ  وَيُكلِمُ الناسَ في المَهْدِ وَكهْلاً وَمِنَ الصالِحينَ  إذ قالتِ المَلائِكةُ يا مَرْيَمُ إنَّ اللهَ يُبَشِرُكِ بِكلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ المَسيحُ عيسى ابْنُ مَرْيَمَ وَجيهاً في الدُّنيا والآخِرَةِ وَمِنَ المُقرَّبينَ  ذلكَ مِنْ أنْباءِ الغَيْبِ نوحيهِ إليْكَ وما كنتَ لدَيْهِم إذْ يُلقونَ أقْلامَهُمْ أيُهُمْ يَكفلُ مَرْيَمَ وما كنْتَ لدَيْهِمْ إذ هُمْ يَختصِمونَ  يا مَرْيَمُ اقنُتي لِرَبِكِ واسجُدي واركعي مَعَ الراكعينَ (وإذ قالتِ المَلائِكةُ يا مَرْيَمُ إنّ اللهَ إصْطفاكِ وَطهرَكِ وَاصْطفاكِ عَلى نِساءِ العالمينَ

)[ 10] ولم يكن له كفواً أحد  لم يلد ولم يولد  الله الصمد إنَّ ولادة عيسى بن مريم عليه السّلام، بكل ما رافقها من خرق للقوانين والنواميس المعروفة لدى الناس، كانت آية من آيات الله، تُعلن قدرة الله تعالى وأنّه سبحانه وتعالى لا يتقيد ولا يلتزم ـمتى شاءـ في خلقه للأشياء بقانون الأسباب والمسببات الذي يَسيرُ العالم عليها مُجْبَراً بِأمر الله. وقد إتخذ البعض من ولادة عيسى عليه السلام بدون أب حجة على ألوهيته، كما اتخذ البعض الآخر ذلك منفذاً للطعن في أُمه أو للتشكيك في وجود المسيح، وهؤلاء جميعاً يخاطبهم الله تعالى في القرآن الكريم: (إنَّ مثل عيسى كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين.)[ 9] فتعالى الله الأحد الصمد عما يدعون (قل هو الله أحد

حملت مريم بالمسيح عليهما السلام بمجرد نفخ الرّوح، وطبيعي أنها مرَّت بجميع أدوار الحمل إلى أن وضعت حملها وأتت بمولودها، والنّص القرآني لم يذكر لنا شيئاً عن تلك الأدوار. يقول البيضاوي في تفسيره: (وكانت مدة حملها سبعة أشهر، وقيل ستة، وقيل ثمانية، ولم يعش مولود وضع لثمانية غيره، وقيل ساعة). ولما أذن الله تعالى أن يكون وضع وميلاد، ألجأها المخاض إلى جذع نخلة في موضع في مدينة "بيت لحم" من أعمال فلسطين. يقول البيضاوي: (إنَّ الزَّمن كان شتاء والنخلة يابسة، وإنّما كان مجيئها لتستتر أو لتعتمد عليها). أما إبن كثير فيقول: (ثم الظاهر أنها حملت به تسعة أشهر كما تحمل النساء ويضعن لميقات أجلهن ووضعهن، إذ لو كان خلاف لذكر)[ 11]

وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شهد أن لا إله إلآ الله وحده لآ شريك له، وأنَّ محمداً عبده ورسوله، وأنّ عيسى عبده ورسوله، وكلمة ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)[12 ]

إنَّ مدة الحمل التي ذكرنا من روايات المفسرين ليس لها سند من دليل قطعي، فالنّص القرآني لم يتعرض له، كما لم يرد في الحديث الشريف أي ذكر لذلك الحمل الشريف كيف تمَّ وكم كانت مدته، ولم يذكر لنا هل كان حملاً عادياً كحمل بقية النساء أم غير ذلك، إذ إقتصر الإخبار بنفخ الروح والحمل والميلاد فقط. قال تعالى:

(والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين)[13 ]
(ومريم إبنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين)[14 ]

)[15 ] فأجاءَها المَخاضُ إلى جذع النخلةِ قالتْ يا ليتني مِتُّ قبلَ هذا وَكنتُ نَسْياً مَنسِياً نعم يعلمنا الله تعالى في محكم التنزيل بنفخ الروح، ثم يعرج ليقص لنا كيف تم الميلاد : (فَحَمَلتْهُ فإنْتبَذتْ بِهِ مَكاناً قصِياً
إنَّ الحمل المعهود يتم بتلقيح بويضة المرأة من نطفة الرجل، فتبدأ النطفة الأمشاج "الملقحة" في النشاط والنمو في أطوار معروفة، إذ تكون علقة فمضغة، ثم تكسى العظام باللحم بعد أن ينشز اللحم، إلى أن يستكمل الجنين أيامه المعهودة.[16 ]

ونعود إلى حمل مريم بعيسى عليهما السلام، فهل تمت مراحل هذا الحمل بعد نفخ الروح؟ أم هل تولد الجنين بعد نفخ الروح مختصراً المراحل المعهودة فأتى الوضع والميلاد بعد نفخ الروح مختصراً المراحل المعهودة فأتى الوضع والميلاد رأساً بعد نفخ الروح، فكان حملاً خفيفاً في مدة مختصرة؟. إنَّ أياً من تلك الإحتمالات لم نجد له جواباً شافياً لها، بل لم يتعرض له النص القرآني. وبما أنّ الموضوع من متعلقات العقيدة، والعقيدة لا تُأخذ إعتقاداً إلآ بالنص القطعي من قرآن أو حديث متواتر، لــــــذا فنقتصر في ذلك على ما ورد به النص، وليس لنا الإجتهاد أو التخمين في ذلك، والله تعالى أعلم.

يعلمنا النص القرآني أنَّ مريم بعد أن حملت حملها انتبذت من أهلها مكاناً نائياَ قصياً بعيداَ عن الأنظار، لتواجه المخاض الذي ألجأها إلى جذع النخلة، لتضع حملها الطاهر، ولتواجه المجتمع والناس كافة بالآية المعجزة.

هذه هي قصة ميلاد رسول الله عيسى بن مريم عليه السَلام، كما أتت في محكم التنزيل، مكذبة كل الإدعاءأت والروايات المختلقة الملفقة، عبد الله ورسوله، بشر كباقي البشر، أتى بحمل وميلاد من أنثى حاضرة شاهدة معروفة، تعيش بينهم، تأكل مما يأكلون وتشرب مما يشربون، فهو ليس ابن الله ولا ثالث ثلاثة، إنسان بشر ليس إله ولا رب ولا أبن رب، ولا ملاك، استعرضناها في بحثنا كصورة فريدة ومميزة من صورخلق وميلاد الإنسان.

)[17 ] ما كانّ لِله أن يَتّخِذَ وَلداً سُبْحانهُ إذا قضى أمْراً فَإنَّما يَقولُ لهُ كنْ فيَكونَ (ذلِكَ عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترونَ

إنّه عيسى بن مريم الإنسان، عبد الله ورسوله. الشريف الطاهر المبارك، المرسل رحمة إلى بني إسرائيل العصاة المكابرين، ليعيد الضالين منهم إلى عقيدة التوحيد، مصدقاً للتوراة كتاب الله المنزل على نبي الله موسى، ومرسلاً بكتاب الله "الإنجيل" المتضمن رسالته إليهم بشرائع وأحكام جديدة، بعضها مثبتاً لما أتت به التوراة، والبعض الآخر مبدلاً ومخالفاً لما أتت به التوراة، أتاهم بشواهد ومعجزات تدلل على رسالته، معجزة في مولده، ومعجزة في تكلمه في مهده، ومعجزة إحياءه الموتى وشفاءه للمرضى، ومبشراً برسول يأتي من بعده أسمه أحمد.

إن عيسى عليه السلام الوليد الناطق في المهد، عبد الله ورسوله، ليس ابن الله وليس رباً ولا إلهاً ولا ثالث ثلاثة، كما يلحد إليه المشركون الكافرون... هذه هي حقيقته في مولده وفي نشأته، لقد أنكر المولود كل تلك الإتهامات إذ تكلم في المهد على غير عادة المواليد، خارقاً النواميس في مهده تماماً كما خرقها في ميلاده.

)[ 18] وَالسَّلامُ عَليَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أموتُ وَيَوْمَ أبْعَثُ حَياً  وَبَراً بِوالِدَتي وَلمْ يَجعَلني جَباراً شقِياً  وَجَعَلني مُباركاً أيْنَ ما كنْتُ وَأوْصاني بِالصَلاةِ والزَكاةِ ما دُمْتُ حَيا (قالَ إني عَبْدُ اللهِ آتاني الكِتابَ وَجَعَلني نَبِياً
_____________________

[1] العذراء: هي التي لم تلد، ولم يسبق لها الزواج أو الوطء، ولم تفضَّ بكارتها.
[2] البتول: هي العذراء المنقطعة عن الزواج إلى العبادة.
[3] آل عمران: ( 59 ).
[4] مريم: ( 16 – 24 ).
[5] "يا أخت هارون" عبارة درج يهود في ذلك الوقت إطلاقها على الفتيات المشهود لهم بمنتهى العفة والطهارة والتقى والصفاء والنقاء، وإحصان الفرج وغض الطرف. – مما يعني شهادة من قومها في معرض التعجب والاستهجان على فعلها الظانين به إثماً.
[6] التحريم : ( 12 ) .
[7] مريم: ( 27 – 35 ).
[8] آل عمران: ( 42 – 51 ).
[9] آل عمران: ( 59 ).
[10] الإخلاص: ( 1 – 4 ).
[11] ابن كثير، البداية والنهاية، جزء ( 2 )، صفحه ( 65 ).
[12] رواه الشيخان.
[13] الأنبياء: ( 91 ).
[14] التحريم: ( 12 ).
[15] مريم: ( 22 – 23 ).
[16] وذلك ما سنتعرض له بالتفصيل في " الباب الرابع " من هذا الكتاب، إن شاء الله.
[17] مريم: ( 34 – 34 ).
[18] مريم: ( 30 – 33 ).








 
رد مع اقتباس
قديم 23-02-2018, 11:26 AM   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


Article (14)-


5.أصحاب الكهف والرقيم
قال تعالى: (اللهُ يَتَوَفى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالتي لمْ تَمُتْ في مَنامِها فَيُمْسِكُ التي قضى عَليْها المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخرى إلى أجَلٍ مُسَمىً إنَّ في ذلِكَ لآياتٍ لِقوْمٍ يَتفكرونَ)[[1]]
إنَّ قصة الفتية الذين فروا بدينهم من بطش وجبروت الطغاة، هي قصة تتكرر كل يوم وفي كل مكان، وفي كل الأمم والشعوب والأقوام. (إنَ أصحاب المبادئ والمعتقدات الصحيحة في كرب وشدّة وبلاء دائم، منذ أن خلقَ اللهُ الخلقَ إلى يومنا هذا، وذلك أنّه ما من أمة أو شعب أو قوم إلآ ولهم عقائد يعتنقونها، وأفكار يحملونها، وأحكام ينظمون بها أمورهم، إرتضوا لأنفسهم هذه العقائد والأفكار والأحكام وألفوها على مرور الزمن، واستعدوا للدفاع عنها، وذلك أنها غدت جزءاً من حياتهم، وهذه سنة الله في خلقه لم تتخلف في الأمم والشعوب والأقوام، لــــذا فإنّه ما من نبي أو رسول جاء لقومه بعقائد وأفكار وأحكام جديدة مغايرة لما هم عليه إلا ورفضوه وما يدعوهم إليه، وكذبوه وآذوه، فنال كل نبي أو رسول من صنوف الأذى وألوان العذاب ما نجده في كتاب الله تعالى: (وَلقدْ كذِبَتْ رُسُلٌ مِنْ قبْلِكَ فصَبَروا عَلى ما كذِبوا وأوذوا حَتى أتاهُمْ نصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكلِماتِ اللهِ وَلقدْ جاءَكَ مِنْ نبَإى المُرْسَلينَ)[[2]] وحيث أنَّ أتباع الأنبياء والرُّسُل يحملون الدعوات من بعدهم، فهم كذلك يتعرضون للأذى والتعذيب)[[3]] قال تعالى: (وَالسَمآءِ ذاتِ البُروجِ ! وَاليَوْمِ المَوْعودِ ! وَشاهِدٍ وَمَشْهودٍ ! قتِلَ أصْحابُ الأُخدودِ ! النّارِ ذاتِ الوُقودِ ! إذ هُمْ عَليْها قعودٌ ! وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلونَ بالمؤمنينَ شُهودٌ ! وَما نقموا مِنْهُمْ إلآ أنْ يُؤمِنوا بِاللهِ العَزيزِ الحَميدِ ! الذي لَهُ مُلكُ السَمَواتِ والأرْضِ واللهُ على كُلِ شَئٍ شَهيدٌ ! إنَّ الذينَ فتنوا المؤمِنينَ والمُؤمِناتِ ثمَّ لمْ يَتوبوا فلهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلهُمْ عَذابَ الحَريقَ !)[[4]] (ولما جاء في الحديث الشريف عن خباب بن الأرت : (... قال: كان الرجل قبلكم يُحفر له في الأرض، ويجعل فيه فيُجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق بإثنتين، وما يصدّه ذلك عن دينه، ويمشّط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه... )[[5]] فحامل المبدأ الصحيح مشعل هداية للناس من رسل وأنبياء أو من أتباعهم ومن إهتدى بهديهم وسار على نهجهم، فإنه لا يهادن ولا ينافق، ولا يخضع لضغوط الإمتحان والفتنة.)[[6]]

(وقد نال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونال أصحابه من أذى قريش وقبائل العرب ماهو معروف ومشهور، لكنّ الأنبياء والرُّسُل وكذلك أتباعهم من بعدهم ما كانوا ليتركوا حمل الدّعوة وتليغ الشَّرائع والأحكام خضوعاَ للعذاب والأذى، بل كانوا يصبرون ويصبرون على ما يلاقونه حتى يحكم الله بينهم وبين أقوامهم، وما عُرفَ أنّ نبياً أو رسولاً أو أتباع نبي أو رسول تركوا حمل الدّعوة وتخلوا عن حمل الأمانة خضوعاً للإمتحان والتعذيب، فالصبر على العذاب والأذى سنة لا تتخلف في كل من يحمل الدّعوة الحق من أنبياء ورسل واتباعٌ على مر العصور والدّهور).[[7]]

(إنَّ حمل الدّعوة يعني بالتأكيد ضرب العقائد والأفكار والأحكام المألوفة لدى الناس، واستبدال عقائد وأفكار وأحكام أخرى بها، كما يعني التعرض للأذى والعقاب والإمتحان والفتنة، وما يجب حياله من التحلي بالصبر وتحمل المكاره، وانتظار الفرج من رب العالمين. فالبلاء والعذاب أمران لا بد من حصولهما أثناء حمل الدّعوة، كما أنّ الصبر والتحمل أمران لا بد من وجودهما لدى حامل الدّعوة، وعندما تعرض الرسول صلى الله عليه وسلم للتعذيب من أهل الطائف توجه إلى ربه داعياً مبتهلاً، كما روى محمد بن كعب القرظي):[[8]]

(اللهم إليك أشكوا ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين: أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى قريب يتهجمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل علي غضبك..)[[9]]

(إنّ الفتنة والإمتحان التي يتعرض لها حملة الدّعوة كانت وتكررت وستكون وتتكرر، فما دام تعاقب الليل والنهار فسيكون هناك جلادون ومن يجلدون، وحامل الدّعوة يتحدى ولا بد الجلادين العُتاه، يتحدى المجتمع "وقادته والناس كافة" بعقائده وأفكاره ومفاهيمه وأحكامه وأعرافه وتقاليده، كما يتحدى الحكام والجلادين، ثابتاً على المبدأ، مسفهاً العقائد والأفكار والأحكام والمفاهيم والعادات والأعراف، صابراً على الأذى والعذاب والبلاء الذي سيتعرض له نتيجة ثباته على المبدأ. لذا فقد صنفه الرسول صلى الله عليه وسلم في صف واحد مع سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، مصداقاً لقوله تعالى: (كُلُ نَفسٍ ذائِقةُ المَوْتِ وَإنّما توَفونَ أُجورَكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ فمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وَاُدْخِلَ الجَنَّةَ فقدْ فازَ وَما الحَياةُ الدنيا إلآ مَتاعُ الغُرورِ)[[10]]

وحتى يتم أمر الله تعالى فإنّ الأعداء يفتحون السجون والمعتقلات، ويشهرون العصي والسياط، ويحاربون حملة الدعوة بقطع الأرزاق وحتى بقطع الأعناق، يعلنون الحرب على حملة الدعوة في كل المجالات، ليحولوا بينهم وبين حمل الدعوة والثبات عليه والإستمرار فيه ، فَمَنْ فتِنَ ومن ترك حمل الدعوة استجابة للضغوط فقد سقط، وحقق المفتون والساقط لأعداء الدعوة وأعداء الله ما يصبون إليه ويطمحون فيه.)[[11]]

(وكما ثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدعوة وعلى حملها، فقد ثبت صحابته رضوان الله عليهم ثباتاً لا نظير له، والأمثلة على ذلك كثيرةً ومعروفة ومشهورة، وما قصة تعذيب بلال في بطحاء مكة وثباته على الحق، وما قصة آل ياسر وتعذيبهم برمضاء مكة وصبرهم بخافية على أحد، وكتب السيرة تقص علينا قصص ثباتهم على حمل الدعوة، كما تقص علينا أساليب التعذيب التي استعملها طغاة مكة مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومع صحابته من بعده.)[[12]]

وكما ثبت الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته على المبدأ فلم يهنوا ولم يضعفوا، فكان منهم بلال وآل ياسر وسمية وخبيب وغيرهم صابرين محتسبين، فقد ثبت قبلهم فتية الأخدود كما أعلمنا الله في سورة البروج، الذين صبروا على العذاب وثبتوا على المبدأ حتى فاضت أرواحهم الطاهرة إلى بارئها مستبشرة بلقائه، وقد أعطانا الرسول صلى الله عليه وسلم نماذج صادقة من الثبات على الحق، وهم أصحاب عيسى بن مريم عليه وعليهم السلام الذين نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب، فلم يهنوا ولم يُفتنوا، بل صبروا وثبتوا.
_____________________

[1] الزمر: ( 42 ).
[2] الأنعام: ( 34 ).
[3] عويضه – محمود عبد اللطيف، حمل الدعوة – واجبات وصفات -، الصفحات (100-101)، بتصرف.
[4] البروج: ( 1 – 10 ).
[5] رواه البخاري وأحمد و النسائي و أبو داوود.
[6] المصدر السابق، بتصرف.
[7] المصدر السابق، الصفحات ( 102 – 106 )، بتصرف.
[8] عويضه – محمود عبد اللطيف، حمل الدعوة – واجبات وصفات -، الصفحات (102-106)، بتصرف.
[9] رواه أبن هشام في السيرة، ورواه البغوي في التفسير، ورواه الطبراني في المعجم الكبير عن طريق عبد الله بن جعفر.
[10] آل عمران: ( 185 ).
[11] المصدر السابق، صفحه ( 109 )، بتصرف.
[12] المصدر السابق، صفحه ( 113 )، بتصرف.







 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 12:57 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط