الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديـات الثقافيـة > منتدى العلوم الإنسانية والصحة > مكتبة أقلام

مكتبة أقلام قسم وليد يهتم بنقاشات الكتب وأخبار المؤلفين والأصدرات ودور النشر

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع التقييم: تقييم الموضوع: 1 تصويتات, المعدل 5.00. انواع عرض الموضوع
قديم 02-03-2018, 07:59 PM   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


Article رد: قراءة في كتاب "نسب آل الشرباتي" للباحث حاتم الشرباتي (15)


5.أصحاب الكهف والرقيم /تابع

كما أن ممن ثبت على المبدأ أخوة لنا عذبوا حتى الموت فلو يهنوا ولم يضعفوا، لا بل صبروا وصمدوا محتسبين حتى فاضت أرواحهم الطاهرة الزكية إلى بارئها مستبشرة بلقائه، كما حصل مع العلامة "سيد قطب" ومن سبقه من قتلى الثبات على المبدأ الحق ومن لحقهم بعد ذلك من إخوانهم الذين استشهدوا على يد عبد الناصر وخلفائه من حكام مصر. وكما حصل مع قتيل الثبات على المبدأ الحق "عبد الغني الملاح" الذي استشهد عام 1963 في بغداد تحت تعذيب حكام البعث له. وكذلك "ناصر سريس وبديع حسن بدر" ورفاقهم من شهداء الثبات على المبدأ الذين قتلهم وسحلهم في الشوارع طاغية ليبيا معمر القذافي. والمهندس "ماهر الشهبندر" ورفاقه من الشهداء الذين قتلهم طاغية العراق صدام حسين.. كل هؤلاء وغيرهم كثير ممن سبقهم ومن أتى بعدهم، لقوا ربهم وهم على عهدهم لم يتزعزع لهم إيمان، ولم تلن لهم قناة، ولم يحنوا هاماتهم للطغاة، لم يُفتنوا بل اختاروا الثبات على المبدأ والتحدي به. اليست كل نفس ذائقة الموت؟ أليس لكل أجل كتاب؟

كما أنّ اخواناً لنا كانوا ولا يزالوا متعرضين للفتنة والإمتحان، يلاقون كل أصناف الفتن والعذاب في سجون الطغاة في اوزباكستان، وفي سجون رعاة البقر الأمريكان في معتقلات غوانتنامو في كوبا، وفي كل مكان، فمنهم من قضى نحبه شهيداً صابراً محتسباً، ومنهم من ينتظر ثابتاً على المبدأ متحدياً الطغاة. وأخيراً إخواننا الملتجئون للكهوف والمغر في أفغانستان الصابرة، والحرب الصليبية الغاشمة التي تصب عليهم حمم الموت والعذاب والإبادة، صابرين محتسبين غير مفتونين متحدون أصحاب الفيل وحلفائهم من شرار الناس، لم يخضعوا ولم تلن لهم قناة. قال تعالى: (مِنَ المُؤمنونَ رِجالٌ صَدَقوا ما عاهَدوا الله عَليْه فمِنْهُمْ مَن قضى نحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتظِرُ وَما بَدّلوا تبْديلاً)[[1]]

لقد إلتجأ نفر من الصحابة حملة المبدأ رضوان الله عليهم إلى الحبشة فراراً بدينهم وعقيدتهم، وهرباً من ظلم الطغاة وفتنتهم، وحديثا هرب فتية آمنوا بربهم من المسلمين إلى الكهوف في أفغانستان هرباً من ظلم وجبروت الطغاة الصليبيين الكفرة وأحلافهم الشيطانية. وقصة الفتية الذين التجئوا للكهف هي قصة المؤمن صاحب العقيدة الذي فر بدينه وعقيدته من الطغاة ثابتاً على المبدأ، فاراً من الفتنة والظلم والطغيان، قال تعالى: (نَحْنُ نقصُّ عَليْكَ نبَأهُمْ بالحَق إنَّهُمْ فِتيَة آمَنوا برَبهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً ! وَرَبَطنا عَلى قلوبِهِمْ إذ قاموا فقالوا رَبُنا رَبُّ السَمَواتِ وَالأرْضِ لنْ نَدْعوا مِنْ دونِهِ إلهاً لقدْ قلنا إذاً شططاً ! هَؤلآءِ قوْمُنا إتَخذوا مِنْ دونِهِ آلِهَةً لّوْلا يَأتونَ عَليْهِمْ بسُلطانٍ بَيَِنٍ فمَنْ أظلَمُ مِمَنْ إفترى عَلى اللهِ كَذِباً ! وإذ اعْتزَلتُموهُمْ وَما يَعْبُدونَ إلآ اللهَ فأوا إلى الكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَئ لكُمْ مِنْ أمْركُمْ مِرْفقا !)[[2]]

إلتجأ الفتية إلى الكهف ليضرب الله عليهم النعاس، فيستغرقون في نومهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا.

(وَتَرى الشَّمْسَ إذا طلعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ اليَمينِ وَإذا غَرَبَتْ تَقرِضُهُمْ ذاتَ الشِمالِ وَهُمْ في فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فهُوَ المُهْتَدِ وَمَنْ يُضلِلْ فلنْ تَجِدَ لهُ وَلِياً مُرْشِداً ! وَتحْسَبُهًمْ أيْقاظاً وَهُمْ رُقودٌ وَنُقلِبُهُمْ ذاتَ اليَمينِ وذاتَ الشِمالِ وَكَلبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بالوَصيدِ لَوْ إطَلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً !)[[3]]

وهنا معجزة أخرى من معجزات الخلق، الدالة على قدرة الله الخالق، تلك المعجزة التي ساقها النص القرآني لتخاطب العقول التائهة والباحثة عن الحقيقة على حد السواء، إذ فجأة تدب فيهم الحياة بعد ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً من النوم: (وَكَذلِكَ بَعَثناهُمْ لِيَتَسائَلوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثتُمْ قالوا لَبتنا يَوْماً أوْ بَعْضَ يَوْمٍ فابْعَثوا أحَدَكُمْ بوَرِقِكُمْ هذِهِ إلى المَدينَةِ فليَنْظُرْ أيُها أزكى طًعاماً فليَأتِكُمْ برِزقٍ مِنْهُ وَيَتلطَفَ وَلا يُشْعِرَنَّ بكُمْ أحَداً ! إنَهُمْ إنْ يَظهَروا عَلَيْكُمْ يَرْجُموكُمْ أوْ يُعيدوكُمْ في مِلَتِهِمْ وَلَنْ تفلِحوا إذاً أبَداً !)[[4]]

إنّهُم لم يعرفوا كم لبثوا في نومهم هذا فها هم يتناجون فيما بينهم حذرين خائفين على دينهم وعقيدتهم من فتنة وجبروت الطغاة الكفرة، لايدركون أنّ مئات الأعوام قد مرت، وأنَ أجيالاً قد تعاقبت، وأنّ مدينتهم التي شهدت طفولتهم وشبابهم والتي فارقوها ونزحوا عنها فراراً بدينهم وخوفاً من الإمتحان قد تغيرت معالمها، وأنّ الظلمة الطغاة المتسلطين قد دالت دولتهم، وأنّ خبرهم كفتية فروا بدينهم وعقيدتهم في عهد الملك الظالم قد أصبحت تاريخاً يرويه الخلف عن السّلف، وأنّ الأقاويل والروايات قد تباينت حولهم وحول عقيدتهم، وحول الفترة التي مضت منذ هربهم وانقطاع أخبارهم..... ولنا أن نتصور ضخامة المفاجئة التي اعترت الفتية بعد تيقن زميلهم طول الزمن وبعده منذ فارقوا مدينتهم هرباً بدينهم، وتبدل أحوال الدنيا حولهم، حيث لم يعد في مدينتهم شئ من الباطل الذي أنكروه وقاوموه وهجروا مدينتهم فراراً منه، وأنهم بالتالي من جيل مضت عليه السنين والقرون ، وأنهم بالتالي أعجوبة في نظر الناس، وآية من معجزات الله تعالى القائل: (أمْ حَسِبْتَ أنَّ أصْحابَ الكَهْفِ والرَّقيم كانوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ! إذ أوَى الفِتْيَةُ إلَى الكَهْفِ فقالوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَئ لنا مِنْ أمْرِنا رَشَداً ! فَضَرَبْنا عَلّى آذانِهِمْ في الكَهْفِ سِنينَ عَدَداً ! ثُمَّ بَعَثناهُمْ لِنَعْلَمَ أيُّ الحِزبَينِ أحْصى لِما لَبثوا أمَداً ! نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأهُمْ إنَّهُمْ فِتيَةٌ آمَنوا برَبِّهِمْ وَزِدْناهُم هُدى !)[[5]]

والكهف: هو الغار الواسع في الجبل. أما الرَّقيم: فقد قال أبن عباس: هي قرية خرجوا منها. وقال مجاهد: الرّقيم واد. وقال السّدي: الصخرة التي كانت على الكهف. وقال ابن زيد: كتاب. وقال آخرون: كتاب في لوح من نحاس. وقال ابن عباس: بل من رصاص. ولإبن عباس أيضاً: الرّقيم كتاب مرقوم عندهم فيه الشرع الذي تمسكوا به.

لقد إختلف المؤرخون في مكان الكهف، فقال كثيرون بأرض ايلة، وقال آخرون: نينوى . وقيل في البلقاء، وقيل في بلاد الشام، وقيل في بلاد الروم.

ويذهب "عطية زاهده" إلى أنّ الكهف هو في خربة (قمران) بجانب البحر الميت إلى الشمال من الفشخة في فلسطين، حيث يقول: (وعلى أيَة حال فإنَّ أحداً من الناس لم يسبق له أن أشار إلى علاقة أهل الكهف بمخطوطات البحر الميت، وكان مؤلف الكتاب هو من أول من بَيَّنَ أنَّ أصحاب الكهف والرّقيم كانوا في قمران قرب البحر الميت، والوثائق الرّسمية التي في حوزته، علاوة على على المصادر العلمية تثبت ذلك...)[[6]]

إنّ قصة أصحاب الكهف والرقيم هي آيـة أُخرى من آيات الله، آيات الخلق الشاهدة على قدرة الله تعالى، لذا رأيت أن يفـرد لها هذا الجزء لرؤيتي علاقتها الأكيدة بالخلق وقدرة الله تعالى على الخلق والبعث، استئناسأ بقوله تعالى: (وَضَـرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خلقَهُ قالَ مَنْ يُحْي العِظامَ وَهِيَ رَميـمٌ ! قُلْ يُحْييهـا الذي أنشَـأها أوَلَ مَرَةٍ وَهُوَ بكُلِّ خلقٍ عَليمُ ! الذي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخضَرِ ناراً فَإذا أنْتُمْ مِئْهُ توقدونَ ! أوَ لَيْسَ الذي خَلَقَ السَّمَواتِ وَالأرْضَ بِقادِرٍ على أنْ يَخلُقَ مِثلَهُمْ بَلى وَهُوَ الخَلآقُ العَظيمُ ! فَسُبْحنَ الذي بِيَدِهِ مَلّكوتُ كُلِ شّئٍ وَإلَيْهِ تُرْجَعونَ !)[[7]]
_____________________

[1] الأحزاب: ( 23 ).

[1] الكهف: ( 13 – 16 ).

[2] الكهف: ( 17 – 18 ).

[3] الكهف: ( 19 – 20 ).

[1] الكهف: ( 9 – 13 ).

[1] زاهدة - عطية عبد المعطي، أصحاب الكهف والرّقيم، صفحه ( 1 ).

[2] يس: ( 78 – 83 ).







 
رد مع اقتباس
قديم 08-03-2018, 08:05 PM   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي رد: قراءة في كتاب "نسب آل الشرباتي" للباحث حاتم الشرباتي (16)


6. إعــادة الحيــاه
إنَّ الروح هي سِرُّ الحياة، كما أنَّ لها مظاهر وآثاراً تدل عليها، ومن مظاهر الروح: الفقه والعقل والإستماع والإبصار والحركة الإرادية، فلا توجد إلآ بوجود الروح، فإذا نزعت الروح فقدت كل تلك الآثار والمظاهر وانعدمت الحياة، وفي النَّوم يتوفى الله الأنفس ويقبض الأرواح، لذلك فالنائم يفقد مظاهر الروح من الفهم والإدراك والإبصار والإستماع والحركة الإرادية، قال تعالى : (اللهُ يَتَوَفَى الأنْفُسَ حينَ مَوْتِها وَالتي لَمْ تَمُتْ في نَوْمِها فيمسِكُ التي قضى عَليها المَوْت وَيُرْسِل الأخرى إلى أجَلٍ مُسَمى)[ 1]

وحادثة "أصحاب الكهف والرَّقيم" هي من الشّواهد الدّالة على قدرته تعالى، حين أوقف حياة هؤلاء الفتية وقبض أرواحهم ـ إلى أجل مُسَمى ـ فأستغرقوا في سّبات عميق لمدة قرون عدة، ثُمَّ أعاد إليهم الحياة ليكونوا آية دالة على عظمته وقدرته تعالى.

وليست تلك الحادثة هي فريدة نوعها، إذ يورد لنا النَّص القرآني حادثة مشابهة جرى فيها إعادة الحياة، تلك الحادثة يسوقها النص القرآني في "سورة البقرة" في معرض الحديث عن سرّ الحياة والموت والخلق والبعث، ومن ضمن الآيات العديدة التي يركز فيها القرآن على الجانب العقائدي لإنشاء التصورالصحيح لحقائق هذا الوجود، ليدرك المسلم حقائق عقيدته من خلال رؤية واعية عميقة ومستنيرة، تلك الرؤية القائمة على الأدلة والشواهد المؤدية إلى الجذم واليقين الثابت المطمئن، ليؤدي للتصور الشامل لحقيقة هذا الوجود وارتباطه بخالقه، ومن ثم إلى إدراك الإنسان لصلته بالله الخالق إدراكاً يقينياً ثابتاً، بحيث يوجد لدى الإنسان ايماناً أي تصديقاً جاذماً مطابقاً لهذا الواقع الذي أحسه وأدركه عن دليل عقلي ثابت، يبعد عن الظّن والوهم والشك ونظريات الإحتمال. فإلى النّص القرآني: (أوْ كَالذي مَرَّ على قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَة على عُروشِها قالَ أنى يُحْيِ هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأماتَهُ اللهُ مائَةَ عامٍٍ ثُمَّ بَعّثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أوْ بَعْضُ يَوْمٍ ٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَهْ وَانْظُرْ إلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلناسِ وَانْظُرْ إلى العِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسوها لَحْمًا فَلَما تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أعْلَمُ أنَّ اللهُ عَلى كُلِ شَئٍ قّديرٌ)[ 2]

لم يعلمنا النّص القرآني من هوالرجل المارعلى القرية، كما لم يعلمنا من تلك القرية الخاوية على عروشها، ولو شاء لأعلمنا، ولو كانت حكمة النّص لا تتحقق إلآ بهذا الإفصاح ما أهمل القرآن ذكره. والذي يعنينا من ذكر تلك القصة هو عظمة الحدث وجلاله، والعِبَر التي نستخلصها من الحدث، والدلائل التي يدل عليها، بغض النظر عن اسم الشخص الذي حدثت معه، وبغض النظر عن اسم القرية.

ولأنَّ النَص القرآني لم يذكر الأسماء وتجاهلها، فقد إختُلِفَ فيها، إذ قال عكرمة وقتادة والربيع بن أنس والضحاك والسّدي: أنّ المار هو "عزير بن شرحيا". وقال وهب بن منبه وآخرون: هو "أرمياء بن خلفياء"[3 ]. أمّا القرية التي مرّ عليها، فقال عكرمة ووهب وقتاده: هي "بيت المقدس". وقال الضحاك: هي "الأرض المقدسة". وقال السدي: هي "سلماباد". وقال الكلبي: هي "دير ساير". وقيل: هي "دير هرقل". وقيل: هي "قرية العنب"[4 ] على بعد فرسخين من بيت المقدس.

لقد ذهب أغلب المؤرخين إلى أنّ المار بالقرية هو "العزير"، واشتهرت القصة بينهم بإسمه، وهي كما يرويها إبن كثير عن إسحق بن بشر بإسناده: [إنَّ عُزيراً كان عبدٌ صالحاً حكيماً في بني إسرائيل ممن تعلم التوراة وحفظها، خرج ذات يوم إلى ضيعة له يتعاهدها، فلما انصرف أتى إلى قرية خالية خاوية على عروشها حين قامت الظهيرة وأصابه الحر، فدخل القرية الخربة وهو على حماره، ونزل عن حماره ومعه سلّة تين وأخرى فيها عنب، فنزل في ظلِّ تلك الخربة وأخرج قصعة معه فاعتصر من العنب الذي كان معه في القصعة، ثم أخرج خبزاً يابساً معه فألقاه في القصعة ليبتل في العصير ليأكله، ثم اسـتلقى على قفاه، وأسند رجليه إلى الحائط، فنظر سقف تلك البيوت ورأى ما فيها وهي قائمة على عروشها، وقد باد أهلها، ورأى عظاماً بالية نخرة، فقال: "أنى يحي هذه الله بعد موتها". والقول هنا ليس قول المتشكك المنكر للبعث والإحياء، بل هو قول ينطوي على التعجب. فبعث الله ملك الموت فقبض روحه، وأماته مائة عام.
فلما أتت عليه مائة عام، وكان فيما بين ذلك في بني إسرائيل أمور وأحداث. قال: فبعث الله إلى عزير ملكاً فخلق قلبه ليعقل، وعينيه لينظر بهما فيعقل كيف يحي الله الموتى، ثم ركّب حَلقَهُ وهو ينظر، ثم كسى عظامه باللحم والشعر والجلد، ثم نفخ فيه الروح، كل ذلك وهو يرى ويعقل فاستوى جالسأ. فقال له المَلَك: كم لبثتَ؟. قال: لبثتُ يوماً أو بعض يوم، وذلك أنه كان لبث صدر النهار عند الظهيرة، وبعث في آخر النهار والشمس لم تغب، فقال أو بعض يوم ولم يتم لي يوم. فقال له المَلَك: بل لبثتَ مائة عام، فانظر إلى طعامك وشرابك، يعني بالطعام الخبز اليابس، وشرابه العصير الذي اعتصره في القصعة، فإذا بهما لم يتغير حالهما، فذلك قوله تعالى "لم يتسنه" يعني لم يتغير، وكذلك التين والعنب غض لم يتغير شئ من حالهما. فكأنّه أنكر في نفسه في قلبه فقال له المَلَكَ: أنكرت ما قلت لك؟ أُنظر إلى حمارك، فنظر إلى حماره قد بليت عظامه وصارت نخرة، فنادى المَلَكُ عظام الحمار فأجابت وأقبلت من كل ناحية حتى رَكَبَّهُ المَلَكَ وعزير ينظر إليه، ثم ألبسها العروق والعصب، ثم كساها اللحم، ثم أنبت الجلد والشعر، ثم نفخ فيه الروح، فقام الحمار رافعاً رأسه وأُذنيه إلى السَّماء ناهقاً. فذلك قوله تعالى: (وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية ، وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً) يعني: وانظر إلى عظام حمارك كيف يركب بعضها بعضاً في أوصالها حتى إذا صارت عظاماً مصوراً بلا لحم، ثم انظر كيف نكسوها لحماً. (فلما تبين له قال أعلم أنّ الله على كل شئ قدير ) أي من إحياء الموتى.][ 5]

ولرب سائل يتساءل: هل هذا الرجل المار على تلك القرية الخربة المحطمة على قواعدها كان ملحد كافر بالخلق والبعث بعد موت فألقى جملته "أنى يحي هذه الله بعد موتها "إنكارأ وجحوداً؟. وعلى هذا التساؤل يجيب صاحب الظلال:
[إنَّ القائل ليعرف أنّ الله هناك، ولكن مشهد البلى والخواء ووقعه العنيف في حسه يجعله يحار: كيف يحي هذه الله بعد موتها؟ وهذا أقصى ما يبلغه مشهد من العنف والعمق في الإيحاء... وهكذا يلقي التعبير القرآني ظلاله وايحاءاته، فيرسم المشهد كأنّما هو اللحظة شاخص تجاه الأبصار والمشاعر. "أنى يحي الله هذه بعد موتها!! كيف تدبُّ الحياة في هذا الموات؟ "فأماته الله مائة عام، ثُمَّ بعثه. لم يقل له كيف، إنَّما أراه في عالم الواقع كيف!!! فالمشاعر والتأثرات تكون أحياناً من العنف والعمق بحيث لا تُعالَجُ بالبرهان العقلي، وحتى بالمنطق الوجداني، ولا تعالج كذلك بالواقع العام الذي يراه العيان... إنّما يكون بالتّجربة الشخصية الذاتية المباشرة، التي يمتلئ فيها الحس، ويطمئن بها القلب، دون كلام!.. (قال كم لبِثْتَ قال لبثتُ يوماً أو بعض يوم). وما يُدريه كم لبثَ، والإحساس بالزمن لا يكون إلآ مع الحياة والوعي؟ على أنَّ الحس الإنساني ليس المقياس الوحيد للحقيقة، فهو يُخدَعُ وَيَضِل فيرى الزمن المديد قصيراً لملابسة طارئة، كما يرى اللحظة الصغيرة دهراً طويلاً لملابسة طارئة كذلك!: (قالَ لبثتُ مائة عام).

وتبعاً لطبيعة التجربة، وكونها تجربة حسّية واقعية، نتصور أنَّهُ لا بُدَّ كانت هُناك آثار محسوسة تصور فعل مائة عام... وهذه الآثار المحسوسة لم تكن في طعامه وشرابه، فلم يكونا آسنين متعفنين: (فأنظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه) وإذأ فلا بد أنّ هذه الآثار المحسوسة كانت ممثلة في شخصه أو في حماره: (وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً)... أية عظام؟ عظامه هوَ؟. لو كان الأمر كذلك ـ كما يقول بعض المفسّرين أنّ عظامه هي التي تعرت من اللحم ـ للفتَ هذا نظره عندما استيقظ، ووخز حسه كذلك، وَلمَا كانت إجابته: (لَبِثتُ يوماً أو بعض يوم).

لذك نُرَجِحُ أنَّ الحمار هو الذي تعَرَّت عظامه وتفسّخت، ثمَّ كانت الآية هي ضَمُ هذه العظام بعضها إلى بعض وكُسْوَتها باللحم وردها إلى الحَياة، على مرأى من صاحبه الذي لم يمسه البلى، ولم يصب طعامه ولا شرابه العفن، ليكون هذا التباين في المصائر والجميع في مكان واحد، مُعَرَّضونَ لِمُؤثرات جوية وبيئية واحده، آية أُخرى على القدرة التي لا يُعْجِزها شئ، والتي تتصرف مطلقة من كل قيد، وليدرك الرجل كيف يحي هذه الله بعد موتها!!!][ 6]

نعــــم، إنَّ ظلال النَّص القرآني توحي إلينا بخطأ ما ذهب إليه إبن كثير وغيره من رواية "بشر بن إسحق" السابقة من تعري عظام صاحب العظام وإعادة كسوتها باللحم، فالآية كانت فيه (ولِنجعلك آية للناس)، وذلك يعني أنّه لم تُبلى عظامه في حين بليت عظام حماره.

كانت تلك قصّة من القصص العديدة، التي أتى بها القرآن الكريم لِلَفت إنتباه الإنسان إلى قدرة الله المطلقة في الخلق والإنشاء والإماتة وإعادة البَعْث، لتكون برهانأ آخر يُضاف إلى البراهين العديدة في طريق الإيمان، وهكذا قالَ الرَّجُل الذي مرّت به التجربة شخصياً ولم تُنْقَلُ إليه نقلاً أو روايَةً، بل شاهدها بعينيه وأحسها ولمسها بنفسه: (أعْلَمُ أنّ الله على كل شئ قدير)... قدير على الخلق من عَدَم... وقدير على قبض الروح ونزع الحياة متى شاء... وقدير على إعادة الحياة وبعث الإنسان من جديد.
_____________________

[1] الزمر: ( 42 ).
[2] البقرة: ( 259 ).
[3] قالوا أن " آرمياء بن خلفياء " هو الخضر عليه السلام.
[4] أي مدينة " الخليل " من أعمال فلسطين.
[5] ابن كثير، قصص القرآن، الصفحات ( 631 – 634 ).
- إبن كثير، البداية والنهاية، مجلد ( 1 )، الصفحات ( 43 – 46 ).
[6] قطب – سيد قطب، في ظلال القرآن، مجلد (1)، جزء ( 3 )، الصفحات ( 229 – 300 ).








 
رد مع اقتباس
قديم 30-03-2018, 12:52 PM   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي رد: قراءة في كتاب "نسب آل الشرباتي" للباحث حاتم الشرباتي(17)- 24/27

[font="traditional arabic"]

7. ألْنَسَب
اقتضت الحكمة الإلهية أن تكون المرأة محل الحمـل والولادة، ولذلك وجب أن تقتصر في التـزوج برجل واحد ومُنعت من التزوج بأكثر من زوج [ الجمع بين الأزواج ]، وقد حُرّم ذلك حتى لا يختلط النّسـب بحيث يًمَكّن كل شخص أن يعرف من انتسب إليه وَحَتّى لا يُنْسَبَ مولودٌ لِغَيْر والِدِهِ؛ لذا فقد عني الشرع بثبوت النّسب وبيّن حكمه أتم بيان[[1]] والله تعالى حين نهى عن العصبية الجاهلية إنما نهى عن جعل العصبية القبليـة أن تكون الرابطة بين أبناء الأمة الإسلاميـة ونهى نهياً جازماً عن تحكيمها في العلاقات بين النّاس، إلا أنه في نفس الوقت أمر بصلة الأقارب وبرّهم.

روي أنّ رجلاً سـأل النبي صلى الله عليه وسـلم: من أبر؟ فقال: أُمك وأباك وأختك وأخاك[[2]]، وفي لفظ: ومولاك الذي هو أدناك حقاً واجباً ورحماً موصولاً، وعن أسماء بنت أبو بكر قالت: أتتني أمي وهي مشركة في عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا الرسول مع أبنها؛ فاستفتيت الرسول صلى الله عليه وسلم فقلت: إنَّ أُمي قدمت وهي راغبة. فقال: صلي أمك.[[3]]

والأقارب رتبوا حسب الأحكام الشرعية إلي قسمين:
[1] أصحاب الفروض والعصبات: وهم الذين يمكن أن يرثوا الشخص حال وفاته.
[2] أولــوا الأرحــام : وهم من لا سَهْم لهم في الميراث وليسوا عصبة، وهم عشرة: الخال والخالة، الجدة لأم، ولد البنت وولد الأخت، بنت الأخ، بنت العم، العمة، العم لأم، أبن الأخ لأم. ومن أدلى بأحد منهم، وهؤلاء لم يجعل الله لهم نصيباً في ميراث الشخص مطلقاً ولا تجب نفقة أي منهم على الشخص.

إن الله قد أمر بصلة الأقارب جميعاً، وصلة الرّحم المأمور بها تشمل كل واحد من الأرحام سواء أكان رحماً محرّماً أم رحماً غير مُحرّم، من العصبة أو ذوي الأرحام، فإنّهم كلهم يصدق عليهم أنهم ذوو أرحام[[4]] وقد وردت عدّة أحاديث تحث على صلة الرّحم وتبين أحكامها، فقد قال صلى الله عليه وسلم:

[ لا يدخل الجنّة قاطع رحم ][[5]] وعن أنس بن مالك أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [من أحبّ أن يُبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه][[6]] وقال عليه السلام: [ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها ][[7]].

لــذا فقد تقيد المسلمون بصفاء أنسابهم وحالوا دون اختلاطها، كما اهتم المسلمون بعلـم الأنسـاب، وكـان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أشهر من عني بتسلسله من السّلف، ودوّن السابقون العديـد مـن المؤلفـات في علـم الأنسـاب شارحة تسلسله من آدم أبو البشر عليه السّلام إلى أيامهم، وتبعهم من تبعهم إلى يومنا هذا، لــذا فقد اهتم المسلمون بهذا العلم، وتسابقت القبائل والعائلات للاحتفاظ بأنسابهم ومصـادرها، كما اهتمت المحاكم الشرعية بتدوين الأنساب في سجلاتها وبالأخص ما يتم بواسطتـه تنظيم توزيع الإرث على أصحـاب الفروض.

ولا خفاء أنّ المعرفة بعلم الأنساب هي من الأمور المطلوبة والمعارف المندوبة لما يترتب عليها من تنفيذ بعض الأحكام الشرعية، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: [ تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ][[8]] وقد ورد الحث على العلم بها واعتبارها في عدة مواضع منهــا:

1. العلم بنسب النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأنه النبي القرشي المولود بمكة من نسب شريف؛ فلا بدّ لصحة الإيمان من معرفة ذلك ولا يُعذر مسلم في الجهل بنسبه الشريف، وقد ورد في السيرة قوله: [ أنا النّبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب ].

2. العلم بنسب الأنبياء السابقين ومعرفة قرابتهم بعضهم لبعض.

3. معرفة الأقارب بعضهم بعضاً ومعرفة درجة القرابة حتى يتم بذلك صلة الرّحم.

4. التّعارف بين النّاس حتى لا يُعزى أحد إلى غير آبائه، ولا ينتسب إلى غير أجداده لقوله تعالى: [ وما جَعَلَ أدْعِياءَكُمْ أبناءَكُم؛ ذلِكُمْ قولُكُمْ بِأفواهِكُمْ؛ واللهُ يَقولُ الحَقَّ؛ وَهُوَ يهدي السّبيل أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ][[9]] وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ من انتسب إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ][[10]] وعن أبي عثمان ألنهدي عن سعد وأبي بكرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [ من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنّة عليه حرام ][[11]] وعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية الملاعنة: [ أيما امرأة أدخلت على قوم نسباً ليس منهم فليست من الله في شيء؛ ولن يدخلها الله الجنّة؛ وأيما رجل جحد ابنه وهو ينظرا ليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين ][[12]] ولقوله تعالى: [يا أيها النّاس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله اتقاكم][[13]].

5. على هذه المعرفة تترتب أحكام الوراثة فيحجب بعضهم بعضاً، وأحكام الأولياء في النكاح فيقدّم بعضهم على بعض، وأحكام الوقف الذري إذا حصر الواقف بعض الأقارب أو الطبقات دون الآخر وأحكام العاقلة في الدية حتى تُضرب العاقلة على بعض العصبات دون الآخر، فلولا معرفة الأنساب لفات إدراك تلك الأمور وتعذّر الوصول إليها.

6. اعتبار النّسب في كفاءة الزوج والزوجة في النكاح على مذهب الشافعي وغيره.

7. مراعاة النسب الشريف في المرأة المنكوحة لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: [تنكح المرأة لأربع: لدينها وحَسَبِها ومالها وجمالها ][[14]].

8. التفريق بين جريان الرّق على العجم دون العرب على مذهب من يرى ذلك وهو أحد القولين للشافعي.
_____________________

[[1]] النبهاني– تقي الدين: النظام الاجتماعي في الإسلام. صفحه [183].

[[2]] رواه البخاري والترمذي وابن ماجه وأحمد بن حنبل.

[3] رواه الإمام مسلم في صحيحه.

[4] النبهاني: المصدر السابق.

[[5]] رواه مسلم في صحيحه ، وأحمد بن حنبل في مسنده

[[6]] رواه البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل .

[[7]] رواه البخاري والترمذي .

[[8]] رواه الترمذي .

[[9]] سورة الأحزاب: الآيات [4-5]

[[10]] رواه ابن ماجه.

[[11]] رواه ابن ماجه.

[[12]] رواه الدار مي.

[[13]] سورة الحجرات: الآية [13].

[[14]] رواه البخاري وأبو داوود والنسائي وأحمد بن حنبل و الإمام مالك في الموطأ .


[/font






 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 03:38 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط