زيارة مفاجئة

[محمد نديم]

زيارة مفاجئة
قصة بقلمي

كانت أفكاره الإدارية مختلفة كل الاختلاف عن غيره ممن سبقوه في ذلك المنصب. ذلك الرجل الذي كان في منتصف الكهولة، اشتهر بين زملائه بالصرامة ، والحرص على مصلحة العمل، غير آبه بمشاعر مرؤوسيه.كما كان دائما سيء الظن بهم.
فمنذ أن نقلوه إلى منصبه الجديد كرئيس لفرع من تلك المؤسسة ،في مدينة نائية لا يعرفه فيها أحد، وهو يهيئ نفسه لمغامرة غير مسبوقة، ويرتب أفكاره لخطوة مبتكرة ، ويعد عدته لتصرف جديد،يفوق به من سبقوه ، ويحقق به ضربة معلم ، يدشن بها فترة تسلمه المسؤلية الأولى في ذلك الفرع من تلك المؤسسة الكبيرة.

كان يعلم من خبراته العملية، ومن طول معاملاته مع مرؤوسيه، مدى ما يعانيه المواطنون المراجعون والمتعاملون مع أولئك الموظفين.
الآن ، هو بين مكانين ، غادر أحدهما، ولم يصل إلى الثاني بعد.
ولم يكتشفه أحد في مكانه الجديد . ولم يحدث أن رآه أي من موظفي ذاك الفرع من تلك المؤسسة. الذين كانوا بالقطع ، في انتظار مدير جديد لهم بعد إحالة سابقه إلى التقاعد، أما الجديد المرتقب ، فقد سمعوا بتعيينه من خلال إشاعات ،وتصورات ،وتوقعات قد تناقلها الجميع ، لكن أحدا لم يلتق به، ولا يعرفه، لاسيما وأنه ليس من أبناء أو سكان هذه المحافظة.

$$$$
كان صاحبنا معبأ بكل هموم رجل مسئول مخلص لوظيفته حد الذوبان في مسئولياته. مشحونا بكل تصوراته الحقيقية والغريبة أيضا ، منها ما هو واقعي ملموس، ومنها ما هو هواجس مسئول ضد كل انحراف ، وإهمال في العمل.

ملكت تلك الهواجس عليه عقله ونفسه. وقادته إلى عمل مبتكر غير مألوف، يريد به كشف كل مستور، وتعرية كل فاسد، وفضح كل مهمل، لاسيما وهو في فاتحة جديدة لمرحلة جديدة.

أعد المسئول عدته ، وعزم أن يداهم مركز عمله الجديد متنكرا ، بزيارة مفاجئة، ستكون ، من وجهة نظره ، حدثا غير مسبوق، سيكون له الأثر الإيجابي في بسط سيطرته، وإحكام قبضته.ناهيك عن عنصر المفاجأة الذي هو عصب المبادرة التي يعتزم القيام بها، لكشف المساويء وفضح العيوب.

$$$$
في زمن الفترات الانتقالية بين عهدين، تجري الأمور في أي مؤسسة بين هدوء مشوب بالقلق، أو تحسب وانتظار ، حد الحذر.
لكن إذا طالت تلك الفترة الوسيطة بين مديرين ، ربما تحول وضع الموظفين إلى استرخاء ، قد يودي بهم إلى كسل، وإهمال، وتسيب.
خاصة في ذلك الفرع من الهيئة المعروفة بأن معظم موظفيها مشهورين بسوء معاملة المواطنين، ووضع العراقيل أمام سير طلباتهم، وتأخير انجازمستنداتهم ؛ إذن فقد جاءهم من يوقفهم عند حدود مسئولياتهم، ويلزمهم باتباع اللوائح وعدم إساءة استخدامها، إزاء أولئك المساكين من المراجعين المرتعبين.

$$$
ذات ضحى؛عندما تسلل ذلك الفلاح البسيط ، بزيه المتواضع عبر درج المبنى الحكومي، لم يكن أحد هناك من رجال أمن البناية.فكان من السهل عليه أن يكون بين غرف ومكاتب الموظفين بسهولة. غير أنه لم يجد أيا منهم فوق مكتبه إلا العدد القليل، فقد تجمع الكثير منهم في مجموعات حول المكاتب، يتناولون طعام إفطارهم، في جو من الجلبة والضوضاء والضحكات والنكات.
فأي موظف يمكنه أن يلتفت إلى فلاح بسيط . ممسكا بلفافة ورقية ، يريد انهاء معاملته ، ولا يعرف من أين يبدأ، ولا إلى من يذهب.

فتبادله الجميع ككرة طائشة، وتناوبوا عليه تقريعا وسخرية، وزجرا. وأمروه هازئين بالانتظار، وألا يقطع عليهم لذة إفطارهم.

&&&&
بعد أن أصروا على استدعاء الشرطة له، جلس بين الموظفين، مقهورا، وقد بذل من أنفه كثيرا من الدماء.
وكان الرجل المسكين يقسم، في هذيانه، بأنه المدير الجديد.
واحتار الضابط الصغير في تحديد على من تقع مسؤولية ما حدث!! وقد أقسم الجميع أن ذلك الرجل الفلاح اللئيم، قد انتحل شخصية غير حقيقته ،و احتجوا بأنهم لا يعرفون هويته،كما شهد جميع الموظفين بأنه قد تجاوز القانون ،إذ قام بالاعتداء على زميل لهم أثناء تأدية واجبه الرسمي، قبل أن ينهالوا عليه سبا، وضربا وركلا.

[راحيل الأيسر]

ماتع جدا هذا القص
فيه الكثير من متعة السرد ومن الكوميديا السوداء
تناول سلبيات المجتمع بروح ساخرة بضحك كالبكاء
وبابتسامة حتى حدود القهر الذي ينهش القلب
فتعلق في طرف العين دمعة تشكلت من سؤال حائر ونفس غارقة في دروب أسئلة شائكة
إلى متى ؟
وهل لهذا المجتمع من مصلح فينصلح ؟
أم أننا باتجاه الطريق المنحدرة ..
من حيث اللامسؤولية
من حيث انعدام الحس والضمير ..
من حيث أمور كثيرة تجاوزت الحصر..

لغة ناصعة فصيحة ، تسلسل جيد
أحداث وشخصيات ، زمان وتعدد أمكنة ..

كان نصا حيويا ناطقا
مفعما بالحركة ، وتطرق إلى ظاهرة وحاول وضع الحل وختم كل ذلك بخاتمة لافتة ساخرة ..


جميل ما كان هنا أستاذنا المكرم/ محمد نديم

مرحبا بك بعد غياب ..
أرجو ألا تكون زيارتك أيضا زيارة مفاجئة ثم انقطاع وغوص في بحر الغياب مجددا ..

لك التقدير والاحترام..

[راحيل الأيسر]

ترحيبا بالكاتب ولجمال النص

يثبت ..

[محمد نديم]

السلام عليكم
أ. راحيل
تحياتي وودي.
كم سعدت بتواجدكم هنا بين حروفي المتواصعة. وكم سعدت بتعليقكم ، ورؤيتكم الناقدة، وترحيبكم الحار بي .نعم لقد عدت بعد غياب طويل . لكنها ظروف وأسباب صحية ، أحمد الله أنها قد مرت على خير. وإن شاء الله أكون معكم على تواصل.
وكل عام وأنتم بخير.

[أحمد فؤاد صوفي]

الأخ الأديب/ محمد نديم .. المحترم
قرأت قصتك وأعجبتني (وأنا من هواة القصة القصيرة أو القصيرة جداً) وقد رغبت أن أسجل رأيي المتواضع بها:
*الفكرة جيدة ، حتى لو كانت متماثلة مع مسلسل "يوميات مدير عام" لبطله أيمن زيدان الذي عرض على التلفاز منذ زمن.
*السرد جيد واللغة جيدة لا غبار عليها ، والقصة تبين كثيراً من سلبيات المراكز الإدارية المختلفة.
*يوجد في القصة "تطويل" ، ونطلق كلمة التطويل على أي جزء أو جملة أو كلمة مما يمكن حذفه بدون أن يؤثر ذلك الحذف على بنيان القصة.
*قفلة النهاية: لو نظرنا إلى قفلة النهاية نظرة كوميدية لوجدناها مضحكة ومسلية للقارىء ، أما من ناحية أدبية "منطقية" فنجد أن أحداث هذه النهاية غير ممكن حدوثها ، فكان يكفي المدير المتنكر أن يبرز هوية العمل أو كتاب النقل ، ومن غير المنطقي أن يظل ساكتاً لحين أن ضرب ثم إلى أن جاءت الشرطة وقبضت عليه.
*عنوان القصة "أقل من عادي" ، وهذه القصة تحتاج عنواناً أقوى ، وأن يكون ارتباط هذا العنوان بقفلة النهاية أقوى أيضاً.
هكذا قرأت قصتك بذائقتي ، وأرجو ألا أكون مخطئاً.

تحياتي لك واحترامي.