شيء ما تود أن تقوله ..

[راحيل الأيسر]

ثم ترى وجها يفيض بالنور وكأنه ما مر فوق جمر السيئات يوما ، فتلفح بنارها أو مسه سواد رمادها وسخام حطبها ..
كأن على هدبيه لا تزال قطرات الوضوء لركيعات السحر وصلاة الضحى عالقة ..
كأن عروق جبهته يسري فيه الضياء بدل الدماء
فيشع نورا على نور ..


تلك وجوه لا تخطئها القلوب ..
تلك من قيل فيهم ( سيجعل لهم الرحمن ودا )
أولئك حبهم يتغلغل في أوردتنا دون أن نشعر
أولئك ترى لهم في كل قلب مقعدا من ود وتقدير وإجلال .

[راحيل الأيسر]

ونمشي على جسر اسمه العمر
يمر تارة فوق نهر صاف رقراق
ومرة من فوق جمر السيئات و إذ ذاك تكاد تتخطفنا كلاليب الهوى
يلفح وجوهنا حرها حتى لنراها كلحت قبل أن نغتسل في نهر من الحسنات فيغمرنا الإله بفيض نوره الذي كمشكاة فيها مصباح ..

ونظل في سيرنا نقطع سنوات من العمر خلفنا ثم ننظر
نتأمل ، نكيل بصواع ( أعمار أمتي مابين الستين والسبعين ) لنقدر ما تبقى ..
ننصب كفتي الميزان ، نضع في إحداها ( ما كان ) ، فليس سوى بضاعة مزجاة ما كانت لتوفي لنا أجر العتبة الأولى من الجنان لولا تدارك المنان تقصيرنا برحمته وجبر نقصنا بكمال كرمه ..
ونجاهد أن تكون في الكفة الأخرى ( مما سيكون ) ما يوجب الروح والريحان وجنة نعيم
( تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا ۖ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ )

[راحيل الأيسر]

قد تسير مطمئنا وتبلغ منزلك
تدلف هناك في سكون
كالشمس أضاءت ماكان في وهجها طاقة
وإذ تستهلك نورها سائر النهار
يحتضنها الغروب ، يلفها في سكينته
هناك تنام في حضن الليل وتهجع ..

هناك ستدرك فلسفة الغروب ودفئه العجيب
ثمة قواسم بين الغروب والخريف
كلاهما ذبول ورحلة تأمل
كلاهما انطفاء شغب وسكون ضجيج
كلاهما خفوت ذبالة الشغف والدخول في رحلة تأملٍ حُفَّ جانباها بأشجار الحكمة على مد الطريق ، جنى قطافها دانية ..
درب شاغر لا يعج إلا بك
وبعناقيد فكرك وتفكرك وبقط متاعك سائر الرحلة





للغروب صوره
وخريف العمر إحداها ..

[راحيل الأيسر]

المظاهر غالبا خادعة
قد تصدمنا غوعائية من يدعي النبل
ورقي من أوحى لنا شكله بعكس ذلك ..
قد يصدمنا العمق والحكمة في منطق صبي لم تزهر في غصن عمره سوى بضع زهرات ..
ونرى الطيش في شيخ وهن عظمه واشتعل رأسه شيبا
في رحلة الحياة نصادف وجوها
نحسبها من الأسوياء
وفي طبعها وطباعها الكثير من العلل والأدواء ..
هي البلاء والابتلاء
لا تتخذ شكلا واحدا
بعضها من صنعك
وبعضها من رب رحيم
ليوقظك من غفلتك ..

[راحيل الأيسر]

والبداوة فطرية وهي طبع الانسان غير المتكلف
وأصل الحياة الأولى ..
وأزعم أن النفوس كلما صفت ( تبدونت )
ليس في صفاتها فقط ، بل وفي نمط حياتها
كلما أردنا البساطة ، رأينا أنفسنا استحلنا بدوا ..


ما أجمل المشي حافيا على رمال ناعمة
ما أجمل الامتزاج بالطبيعة
ما أشجى صوت الثغاء وأجراس الأغنام
ما أنقى قلب راع يبث أشجانه لحنا دافئا يخرج من بين ثقوب ناي ..
يمتزج مع آخر أنفاس الشمس إذ تزفرها مع الغروب وتمضي ..
ما أروع روحا كالنسر حرا يحلق في السماوات
لا له من حياة التمدن شيء ولا عليه من التزامات الحضارة ..

ثم تلك هايدي إذ هي في صحاري الشرق
وليست في جبال الألب
تترنم على مقام الصبا فجرا
وتضفر جديلتيها ..
وعلى النهاوند تدندن مساء
تأخذ صحنها بعيدا عن اللائمين
ترمي الملعقة
وتتلذذ بفطرتها
إذ تأكل بأصابعها
كذلك كان أبوها
وإذ رحل اقتبسته كله ..