الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديــات الأدبيــة > منتدى القصة القصيرة

منتدى القصة القصيرة أحداث صاخبة ومفاجآت متعددة في كل مادة تفرد جناحيها في فضاء هذا المنتدى..فهيا لنحلق معا..

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-05-2010, 10:43 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عبد الغني حدادي
أقلامي
 
الصورة الرمزية عبد الغني حدادي
 

 

 
إحصائية العضو







عبد الغني حدادي غير متصل


افتراضي همس وبشر...

"أيا مسرعا؛ راكبا حصانه ،انتظر




والتفت وراءك...."






******************************






ما زالت الطريق غير المعبدة تصر على التمدد. كثعبان دون رأس تتلوى فجأة، يمينا أو يسارا؛ فتأبى الشاحنة المكتظة بهائم ، سلعا وبشرا إلا أن تجاريها في إيقاعها المتنافر بحنحنات فجائية من محركها، تتسمر للحظات وكأنها ستقف عاجزة عن صعود هذه المسالك،تنتفض قبل أن تدور عجلاتها ببطء ،لكن بإصرار.






كلما تكرر المشهد ، اهتز قلبه في عنف، كان الوحيد الذي ترعبه هذه الرحلة اللامتناهية وكان الوحيد ربما الذي يدقق في كل شيء؛ غير بعيد عن رجليه يقف بصعوبة العجل المرقط ، التصق بأمه وقد كممت فمه، يرتعد مع كل حركة مفاجئة، دجاجات ، اكفهر بياضها بالغبار المتطاير، معصوبة الأرجل استسلمت ببلاهة لما يحدث؛ تبحث بمناقيرها عن أي شيء تلتقطه كأنما دعيت لوليمة ...صناديق الخضر وضع بعضها فوق بعض في غير انتظام ،صمدت في صبر لضربات قنينات الغاز المتدحرجة كلما اهتزت الشاحنة...






أما الركاب فحز في نفسه أن يكونوا مرتاحين ، غير عابئين بطول و قساوة الرحلة ،ارتفعت أصواتهم في مرح واضح.أيديهم تتلاعب في الفضاء مع كل حرف يتلفظون به؛ كلمات فخمة مصحوبة برذاذ. كانوا يتكلمون في نفس اللحظة وينصتون في وقت واحد في إيقاع غريب. السائق نفسه ،كما بدا له من المرآة العاكسة، كان يدير نصف وجهه للنسوة بجانبه تاركا الأمر ليديه ورجليه تتحركان باعتياد.






حاول أن يوهم نفسه باللامبالاة،تعبت عيناه، كلَ عقله، يداه تتشبثان ـ بقوة مفرطة أتعبت عضلاته ـ بالقضيب الحديدي الصديء الذي يمتد من وإلى طرفي عربة الشاحنة...كان قد منع نفسه من النظر إلى جانب الطريق الأيمن حيث العجلات تعيد بدقة رسم خط رُسم من قبل لا تفصله عن شفا الجرف سوى مسافة قريبة جدا، لم يسمح لنفسه كذلك بالتفكير فيما لو أضاعت العجلات هذا الخط من هذا العلو...






كلما ازدادت ضحكات السائق الذي يبدو أنه استمتع بحديث النسوة وارتفعت أصوات الركاب ، إلا وازداد غيظا؛ كيف لهؤلاء ألا يقلقو ولو نصف قلقه؟ كيف لهم أن يرتاحوا وقد تكدس الغبار الأحمر، الذي يلف الشاحنة ويسبقها عند كل منعطف ، على وجوههم فتحول إلى أقنعة حمراء ، خطوط العرق فقط كانت تكشف عن أجزاء من البشرة الحقيقية المجعدة الكالحة ؟ بل كيف تطيب لهم ثرثرثهم الضاحكة وهم لايملكون ربع ما يضع هو في جيبه؟ فيم هو يقطب في كل شيء باحتقار ووجوم ...






توقفت الشاحنة فجأة،فيما قفز الركاب قاطعين أحاديثهم بشكل مفاجىء وكأنهم اعتادوا على ذلك، ميز من خلال الغبار الكثيف ما يشبه الدكاكين، أدرك أنهم قطعوا نصف الطريق ليصل إلى دوار "......" حيث يعمل ، سينزل الجميع هنا لقضاء ساعة على الأقل للاستراحة، لن تزيد أعصابه إلا احتراقا ...






نزل من الشاحنة ، أدار رأسه في كل الاتجاهات ،البيوت الطينية بدت وكأنها تتشبث بيأس بجنبات الجبال العالية ، الحرارة المفرطة ألزمت الناس بيوتهم، تشتت الركاب ليملأوا الدكاكين الثلاثة ضجيجا وحركة ، موسيقى محلية صدحت بشكل مفاجيء ، أحس معها بدفء غريب أراح عضلات وجهه المتشنجة للحظات.






ولج بشكل متثا قل أحد الدكاكين حيث اتخذ لنفسه مكانا معزولا، أزال بعض الغبار من على وجهه بماء شبه آسن من أحد البراميل الصدئة. دبت الحركة في أرجاء الدكان ، نصفه دكان ونصفه مقهى، تحلق الركاب في جماعات حول براريد الشاي المطهوة على عجل .أغمض عينيه ،تمنى لو فتحهما على منظر آخر في مكان غير هذا، عندما فتحهما، ازداد تهجمه، الركاب أعادوا بدقة ترتيب خيوط أحاديثهم وانغمسوا في لغط و هرج مع ضحك مستمر ...






وضع فتى في العاشرة ،بناء على طلبه،" طاجينا"* وهو يبتسم بحفاوة ، أزال الغطاء، صعدت رائحة حركت أمعاءه الفارغة، مد يديه نصف المغسولتين، لاك قطعة لحم ، لم يكن لها أي طعم وهو يضغط عليها تحت أسنانه، تقزز كأنه يبتلع قطعة عجين...حانت منه التفاتة،كانت كؤوس الشاي قد وزعت على الركاب مع قطع خبز متصلبة، يلوكونها بمرح واضح ، افترش جلهم الأرض فيما راح بعضهم في نوم مريح.






فجأة ، ومض شيء في عقله،تسمرت يده وتجلى له واضحا عمق المفارقة ؛أدرك أن ما يضع أمامه لم يكن حتى ليغتصب منه ضحكة مُرة ،أدرك أن ما يضع في جيبه لم يضع ولوقليلا من فرح في قلبه .






تأمل "الطاجين" أمامه حيث صفحة الزيت عكست وجهه؛ لأول مرة، ارتخت عضلات وجهه ، حانت منه التفاتة حيث الرجال لايزالون مستغرقين في أحاديثهم البسيطة، لأول مرة فرح لهذه البساطة ولأول مرة رآهم رجالا لا ركابا كالسلع أو البهائم، تكسر في نفسه الحاجز الوهمي الذي وضعه لنفسه منذ أن اشتغل مدرسا في هذا المكان العالي ... عرف لأول مرة أنه كما في كل بلاد الدنيا هنا بشر، كلام،سماء وحجر...وهنا شجر ، طيور ومطر... وثلج أبيض ذكره بنقاوة الجوهر ...






دون أن يدع لنفسه فرصة للتفكير أو التراجع، ودون أن يروي ظمأ العيون المتسائلة والدهشة التي علت الوجوه وفغرت أفواه الرجال ؛تناول "طاجينه" ، انجه نحوهم ، افترش الأرض وجلس....






سرت في جسده قشعريرة وهو يستمع للمغني العجوز المحلي صادحا بشعره بصوت دافيء:






أيا مسرعا؛ راكبا حصانه...انتظر






والتفت وراءك ،فنحن لا نركب إلا حميرا






أو بغالا...






وخلَفنا وراءنا رجالا






لن نحتقرهم أبدا






لأنهم لا يركبون إلا سيقانهم






فكلنا بإذن الله واصلون






ولو بعد حين سنصل...






و فيم أنت تنتظر






افرح ، فنحن لاننتظر منك خبزا،






زيتا ،سكرا أو لحما






فقط فك اللحم الذي بين حاجبيك...






وغن ، فلغناك ستفرح سناجب الجبل






وتتراقص حبات أشجار البلوط طربا...






......رفع غطاء" الطاجين"، كسر قطع الخبز، ناولها للرجال بحفاوة، ابتسم قائلا:






ـ يالله ،"إيشات "**(كلوا) ،بسم الله...






وفي قلبه أحس فرحا...






ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ






* الطاجين : أكلة مغربية.






**"إيشات" : كلوا بالأمازيغية.






عبد الغني حدادي . البروج 2010/04/26







 
آخر تعديل خليف محفوظ يوم 14-05-2010 في 08:10 PM.
رد مع اقتباس
قديم 14-05-2010, 08:26 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
خليف محفوظ
أقلامي
 
الصورة الرمزية خليف محفوظ
 

 

 
إحصائية العضو







خليف محفوظ غير متصل


افتراضي رد: همس وبشر...

سرد جميل ، و تصوير بديع يغوص في عميق الحياة الشعبية وروح الجماعة التي ظل البطل ينظر إليها باستعلاء طوال الرحلة إلى أن يقتنع في النهاية بضرورة الاندماج مع الجمع .
روح الجماعة هو الذي أبدع تلك المقطوعة الشعرية الجميلة التي أحسن الكاتب إعادة صياغتها في أسلوب بديع .
تحية للقاص عبد الغني حدادي







 
رد مع اقتباس
قديم 22-05-2010, 09:49 PM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عبد الغني حدادي
أقلامي
 
الصورة الرمزية عبد الغني حدادي
 

 

 
إحصائية العضو







عبد الغني حدادي غير متصل


افتراضي رد: همس وبشر...

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خليف محفوظ مشاهدة المشاركة
سرد جميل ، و تصوير بديع يغوص في عميق الحياة الشعبية وروح الجماعة التي ظل البطل ينظر إليها باستعلاء طوال الرحلة إلى أن يقتنع في النهاية بضرورة الاندماج مع الجمع .
روح الجماعة هو الذي أبدع تلك المقطوعة الشعرية الجميلة التي أحسن الكاتب إعادة صياغتها في أسلوب بديع .
تحية للقاص عبد الغني حدادي
العيش بتوافق مع روح الجماعة ودونما احتقار للآخر هو ما يجعلنا نحس بحلاوة الحياة
وبطعم الرضى مع كل لحظة نعيشها .
أشكرك أستاذ خليف
ودمت بألف خير






 
رد مع اقتباس
قديم 17-01-2024, 09:30 AM   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
راحيل الأيسر
المدير العام
 
الصورة الرمزية راحيل الأيسر
 

 

 
إحصائية العضو







راحيل الأيسر غير متصل


افتراضي رد: همس وبشر...

نفس سردي طويل
تصوير للبيئة المحلية و حياة البسطاء ورحلتهم اليومية ..


سعدت بالقراءة هنا ..

أستاذنا القاص / عبد الغني حدادي ..








التوقيع

لم يبق معيَ من فضيلة العلم ... سوى العلم بأني لست أعلم .
 
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 10:38 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط