{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ } [البقرة : 19] ..
الكاف هنا كاف التشبيه، وهنا الله شبه القرآن الكريم بصيب السماء وهو السحاب الممطر، فالقرآن صيب محكم من السماء يصيب صدور الناس على مختلف أشكالهم، وفيه للمنافقين ظلمات، لأن آياته تحجبه عن مصالحهم وملذاتهم الشخصية وشهواتهم النفسية، وتذكرهم بالموت الذي هم منه يفرون منه ويستنكروه ويتجاهلوا وجوده، والرعد هي آيات الوعيد بالنار والعذاب للمنافق والكافر، والبرق آيات الترغيب بالجنة ورغد عيشها ودوام نعيمها، وكما نجد المؤمن مقبل مصدق مؤمن بآيات الترغيب، نجد المنافق معرض ناكر مكذب وكذلك الكافر عن آيات الوعيد ممتنع أن سماعها لما فيها من صواعق قد تعطل مصالحة وشهواته فتموت، وهم لا يأملون بالآخرة شيء ولا يصدقون بوجودها حتى: { وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [الإسراء : 10]؛ وأولئك في ضلال لا هداية فيه، أعمى الله قلوبهم عن الحق: { إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ } [النمل : 4]، وهو فيهم وبكفرهم ونفاقهم محيط ..
{ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة : 20]
يبين لنا الله تعالى حال المنافقين الذين حجبتهم شهواتهم وأمانيهم الدنيوية عن الحق، إن للبيان لسحر إذا ضرب وتر الفطرة الإنسانية الباحثة عن السعادة، بتبيان لذائذ الإيمان ونعيم الآخرة، فإن هذه البوارق المعرفية الإيمانية تجذب لباب المنافقين، وتكاد تجتذب قلوبهم للإيمان، فإذا ما أضاء لهم مشوا فيه، وإذا ما أظلم عليهم قاموا وذلك بآيات العذاب والوعيد والموت، وترك الدنيا فيكون سمعهم للحق وانجذابهم له، حجة من الله عليهم: { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } [التوبة : 77]، والله قادر على ذهاب سمع المنافق وبصره الإيماني، لكن لا يمنعه الله أمل النجاة بالإيمان والتقوى، ما دام في قلبه بصيص حياة للإيمان بالله، والسير سيرة المؤمن، وذلك من شدة رحمة الله بكل عباده، وحتى تسقط جميع الحجج عند المنافق يوم الحساب والجزاء ..