دفاتر بلا أوراق/ عبد السلام وراحيل ..

[عبد السلام الكردي]

الموج يتلاطم في بحر الضوء وسط عينيها المبحلقتين نحو آخر الزقاق ..
تقع إحدى أصابعها فريسة شقيقاتها القابضات على اللاشيء في انتظار الموكب.
يحملونه في صندوقه الخشبي ويتساقط عن أطرافه حكايات اثني وعشرين ربيعا مضت ..فتضيء اللحظة انحناء جميع الشوامخ وتوحيد جميع الاتجاهات
أمه ذات البحر ملء العينين والمعزيات يضربن الأكف بالأكف والمشيعون ينحنون تحت وطأة الألم
رحلة الشهيد القصيرة إلى أمه..تلقي عليه نظرة الوداع تجعلني وأنا الواقف على الطرف الآخر من الزقاق العريق
أعصر عيني لأستخرج حبرا بلون الدم
وأكتب ..
أكتب ولعنة الكتابة تجتاحني فأرى في عيني أمه الممتلئتين بالضوء ، مرآة تعكس كل ما تراه في جسد ولدها المتمدد على فراشه الخشبي
أرى في عينيها نارنجة شامية نمت على كتفه الخصب
وتفاحة رنكوس تزين خديه المحمرتين
وفي عينيها بقعة تعج بالياسمين المنعكس على شفتيه الفيروزيتين
أرى صخبا يصارع كل هذا السكون..يهدر من الداخل كالبركان ، وأرض تكاد تشققها على خديها المتورمتين ،شهيد الشام في ربيعه الثاني والعشرين
ينبت كالزنبق على أسوارها القديمة.،وأمه القابعة على عرش الألم
تطلق لسانها ذات اليمين وذات الشمال في زغرودة ممزوجة بالوجع يبلغ صداها الأرض والسماء ،أن زغردوا للشهيد..

[راحيل الأيسر]

قبل البدء. في النص 👇
قصدت أرواق وليس أوراق ..
أرواق بكل معانيها المعجمية ...








تزغردين ..؟!!
أم تكسرين أغلال دمعك الواجم
بآهة ذاهلة
وصوت أُفٰرِغ من بنات أبجد ..

رقصة المذبوح فوق جمر وجع باذخ هذا الذي يتحرك ذات اليمين وذات الشمال يا أماه ..!

مواكب الدمع تتخلى عن طقس الحضور .. فلا تعشب صحراء اللحظة بأي انفعال ..
هذا مقام تنأى فيه أرواق الحزن لتفسح لأهازيج الشهيد بأبجديات الضوء يبدأ خافتا ثم ما يلبث أن يسطع ؛ تشل شهوة البكاء من لوعة الفقد ..


برغم ذلك وجهك الشمس يا أماه مطفأ الضياء .. كنهار شاحب يتسكع على غير هدى في أزقة اليوم حتى أعتاب الرحيل ..
وفي طريقه أسئلة سغبى افترشت رصيف اليتم والتشرد ..



( يلللا تنام يلللا تنام
لادبحلا طير الحمام ..)

لكن يطير طير الحمام

وعلى شفير الحرية يذبحك الإباء قربانا لفجر يصطبغ أفقه بمسكك ، مسك أترابك ..
يلفعك الياسمين بشمائله فائحة الطيب ..
تتضمخ أنفاس الصبح ..
تشتمها شمس أرادت أن تتمطى كسابق عهدها دلا وتيها حين كانت تغسل وجهها مآذن هادئة لقلوب ما سكنها الوجل تصدح ( حي الصلاة حي الفلاح ) ..

.....................



( يا بياع العنب والعنيبة قولوا لأمي وقولوا لبيي
خطفوني الغجر من تحت خيمة مجدلية )

ومن تحت خيام جفني الساهر عليك
وقلبي الذي اعتاد التأوه قبل شوكة تشاك بها إصبع قدمك
تخطفك جيف ضمائر هجرتها النخوة منذ عقود ..

( تقبرني ) وكأنك سمعتها وأولتها على غير وجهها ..
هأنا أشق الأرض لأبذرك فتورق شجرة نارنج مخضرة تهدي العطر للعابرين ..

أنا لم أخبرك الحقيقة كاملة عندما كنت أهدهدك طفلا
أحكي لك قصة نجمة ينبئ سقوطها بموت أحدهم ..

لم أخبرك أن قد تشرق في حقل السماء شموس تتزاحم مع أمها الكبرى ما أن يسقط في الأرض شهيد ..

( وعلى رمشي والله بتمشي )
وبرضاي حتى مدارج النعيم الأعلى .. يا بني ..!

[فاطِمة أحمد]

أحسنتما
أعجبني تناغم الأسلوب وسمو الهدف
كل التوفيق أتمناه لكما

[عبد السلام الكردي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطِمة أحمد

أحسنتما
أعجبني تناغم الأسلوب وسمو الهدف
كل التوفيق أتمناه لكما

هلا أستاذة فاطمة
مرورك كريم جدا فنحن بانتظار المزيد من هذا الكرم..شكرا حزيلا لك.

[راحيل الأيسر]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطِمة أحمد

أحسنتما
أعجبني تناغم الأسلوب وسمو الهدف
كل التوفيق أتمناه لكما

أشكرك الغالية / فاطمة أحمد
على مرورك ودعمك الراقي..

سلمت ودمت أستاذتي وأختي الفاضلة ..

[عبد السلام الكردي]

في الطرف الآخر من الحي،هناك حيث يمتد الأفق وتتسع المساحات وتضيق الرؤى.
والد الشهيد يدق مسامير الصبر على وجهه،ويصنع له تابوتا في الهواء،يبتسم بلامناسبة ويحاول أن يراقب جميع حركاته ليتأكد من أنها طبيعية ..
يتصنع الحياة لنفسه وهو يعلم علم اليقين بأن روحه سوف تنطلق مع زغاريد النساء .

يضرب كفا بأخرى ويشيح بوجهه جهة الغرب تارة ثم جهة الشرق تارة أخرى ،
ثم يبتسم وهو يعتقد بأنه يبدو طبيعيا حتى الآن على الأقل.
والقوم يتمتمون بصوت خافت لا يتجاوز حدود شفاههم،
أحدهم يرفع كفيه إلى السماءيطلب أمنية ما ، وآخر يسجد على حين غرة وثالث يبتلع ريقه بصعوبة بالغة ،وأنا الواقف بين مساحات الحزن المترامية على أطراف الوجوه وفي أعماق قلوبهم
أحاول الكتابة مجددا ويخونني التعبير
أرمق الوالد بنظرة أسبر فيها قلبه لأكتب ،ثم أجدني لا أفرغ من تثبيت نفسي كي لا أنفجر بالبكاء
أحاول التظاهر بالفرحة للشهيد لكن ملامح والده الشامخ كقاسيون، تنحدر من سفحه صخور الضجر ،تضيع جميع فرص التركيز وتذهبني كالسنابل المتجففة أدراج الرياح.
يتحرك يمنة ثم لايلبث أن يتجه يسرة ويصعد إلى قمة يرمق منها دمشق المغطاة بالضباب يرسمها على كف الريح ولاينسى صورة ولده الممدد في الصندوق الخشبي ثم يستدير ويبتسم ويرفع ذراعيه إلى السماء ،يطلق روحه بتنهيدة تكاد تترجم بكل لغات الأرض أن رحماك ربي ويسجد ليختلط التراب بالدمع.


رحماك ربي.

[راحيل الأيسر]

أسجد ، يختلط وجعي الهادر بالتراب ..
أتمتم الحمد بشفاه مرتعشة ..

وإذ يتوافد القوم علي جموعا ..

يرتجف الرمش
لا يبوح بسر دمع يمور في المقلتين ..
جاثٍ أنا على ركبتيّ وإن بدوت منتصبا ..



أواه يا ولدي ..!

كبرت كثيرا في زمن الصغار
كبرت حتى لم تستوعبك إلا رحابة الموت ..
أيا شهيدا أغلق الباب الأخير على أصابع تشبثي برائحته ..
ابتلعت أنت آخر شهقاتك ؛ ليزفر الوجود إياي ظلا مفرغا من أبجديات الحياة ..
يرتطم بحائط الفجيعة ، لا يتوجع ..
يطأ شوك الرحيل ولا يبكي
يلتصق برمضاء الفقد ملء التبلد لا يلسعه اللهيب ..
لا تضيء إشراقة الشمس ظلمته
ولا يعشوشب وإن بلله المطر ..

أواه يا وجعي الكتيم في كبرياء الرجولة ..

تركت ضحكاتك أصداءً على أطراف المدى ووليت وجهك صوب الغروب ..
هٓأنا الشامخ شموخ تيبُّس ٍ قد تكسره إنصاتة خاشعة لهديل مرثيتك ..
أستر عورة جرحي بلحاف ذكرى باردة النسمات ..
أدعك بقعة الحزن الجاثم كي أرى بياض جناحيك وأنت ترتقي حتى أعتاب الفردوس ..

يا طفلي الذي أعددته ليحمل نعشي إذا ما استوفى العمر كيله..
لكأن صواعي كان أكثر نهما حين اغترف من نهر الأجل ..

نم يا طفلي الذي كبر كثيرا في زمن الصغار
نم قرير العين ..

وأنام أنا ظلا حبيسا تحت جذع عتيق ..

[يافا احمد]

الأستاذ الكريم عبد السلام ،
عندما يكون التناغم بين الحزن والشجن وبين وصف جميل لما يحدث في اوطاننا المسلوبة من حريتها يأتي الإبداع بهذه الصورة ، مفردات أو طاننا تفوق حد الوصف والصبر ، ويتحامل الاباء على جراحهم ليبدو عرس الشهادة يليق بجلال الحدث .
وصف واستخدام لمفردات جميلة عشناه كابناء اوطان شهدت مثل تلك الأحداث وامتدت لتلف هذا الكون بما فيه من تناقضات من جهة ووحدة الفقد من جهة أخرى .
دمت مبدعا ودام مداد قلمك معطاء .
باقات من الورد .

[يافا احمد]

الأخت العزيزة راحيل ،
الإنسانية التي تعدت الحدود اتقنت مفرداتها يا راحيل وانتقيت جميل العبارات التي تتماهى مع الأحداث الجسام التي يعيشها أحرار هذه الأمة ، وما اكثرهم وما اجملهم عندما يخرجون من أسوار الحدود إلى فضاء السماء .
النثر هنا تخفف من المفردات المبالغ فيها ليلامس شغاف القلوب النقية ،والأرض في عيدها تتزين وتحث الخطى للقدوم إليها .
جميلة ومبدعة كأنت أختي راحيل وحفظ الله الأوطان وشعوبها .
باقة من ورد لقلبك .

[راحيل الأيسر]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يافا احمد

الأخت العزيزة راحيل ،
الإنسانية التي تعدت الحدود اتقنت مفرداتها يا راحيل وانتقيت جميل العبارات التي تتماهى مع الأحداث الجسام التي يعيشها أحرار هذه الأمة ، وما اكثرهم وما اجملهم عندما يخرجون من أسوار الحدود إلى فضاء السماء .
النثر هنا تخفف من المفردات المبالغ فيها ليلامس شغاف القلوب النقية ،والأرض في عيدها تتزين وتحث الخطى للقدوم إليها .
جميلة ومبدعة كأنت أختي راحيل وحفظ الله الأوطان وشعوبها .
باقة من ورد لقلبك .

يافا الكريمة 🌹
جميل أن نرى عينا وروحا شفافة ( كأنت ) حين تقرأ وتغوص في أعماق الحرف حتى لتنفذ إلى نفس الكاتب ..
تحلل الحرف والظل الراقد خلفه ..


ممتنة لك أيتها العزيزة ❤️


لعناية القراء عدلت في النص الثاني وغيرت ماسبق وكتبته بهذا السطر :

تركت ضحكاتك أصداءً على أطراف المدى ووليت وجهك صوب الغروب ..


أرجو أنها أقرب للذائقة وأكثر تقبلا من سابقتها التي رأيتها بدوري بعد قراءات متكررة تميل إلى الحداثة التي قد لا تروق لبعض ..


مع امتناني للجميع..

[عبد السلام الكردي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يافا احمد

الأستاذ الكريم عبد السلام ،
عندما يكون التناغم بين الحزن والشجن وبين وصف جميل لما يحدث في اوطاننا المسلوبة من حريتها يأتي الإبداع بهذه الصورة ، مفردات أو طاننا تفوق حد الوصف والصبر ، ويتحامل الاباء على جراحهم ليبدو عرس الشهادة يليق بجلال الحدث .
وصف واستخدام لمفردات جميلة عشناه كابناء اوطان شهدت مثل تلك الأحداث وامتدت لتلف هذا الكون بما فيه من تناقضات من جهة ووحدة الفقد من جهة أخرى .
دمت مبدعا ودام مداد قلمك معطاء .
باقات من الورد .

أهلا أستاذة يافا
أسعدني أن كان لك رأيا في هذا النص
فإن عين القارئ الجاد تسبر أغوار المعنى وتبحر في تفقد ما بين السطور
هءا على الرغم من أن قضية هذا النص باتت قضية رأي عام..وليست بجديدة على الاطلاق إلا أن التركيز على مثل هذه القضايا والكتابة فيها رغم أنها صارت مستهلكة،أعتبره سخصياواجبا أخلاقيا في مناحيه اللمختلفة بين المنحى الديني والانساني والمجتمعي والوطني ووو
لذلك اعتبر نفسي مكلفا بالتركيز على تلك الفكرة وأرجو من الله أن أكون قد وفقت.
لك التحية والاحترام.

[عبد السلام الكردي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يافا احمد

الأستاذ الكريم عبد السلام ،
عندما يكون التناغم بين الحزن والشجن وبين وصف جميل لما يحدث في اوطاننا المسلوبة من حريتها يأتي الإبداع بهذه الصورة ، مفردات أو طاننا تفوق حد الوصف والصبر ، ويتحامل الاباء على جراحهم ليبدو عرس الشهادة يليق بجلال الحدث .
وصف واستخدام لمفردات جميلة عشناه كابناء اوطان شهدت مثل تلك الأحداث وامتدت لتلف هذا الكون بما فيه من تناقضات من جهة ووحدة الفقد من جهة أخرى .
دمت مبدعا ودام مداد قلمك معطاء .
باقات من الورد .

أهلا أختنا المواطنة الصالحة يافا أحمد
لايسعني إلا أن أعبر عن امتناني وشكري الكبيرين لحضرتك
أن مررت من هنا وتركت بصمة جميلة
شكرا جزيلا لك واعذري تاخري بالرد والتفاعل فقد الم بنا كورونا مفاجئ عطلنا عن كل شيء والحمدلله
شكرا مجددا