إنها الحرب وليست لعبة الحرب...

[زياد هواش]

إنها الحرب وليست لعبة الحرب...

العراق لم يكن هدفا أمريكيا استراتيجيا بل تكتيكيا لأن الهدف الاستراتيجي الأمريكي هو إيران والعودة الى طهران والى حوض بحر قزوين
وأفغانستان لم تكن هدفا أمريكيا استراتيجيا بل تكتيكيا لأن الهدف الاستراتيجي الأمريكي هو الصين وروسيا الشريكان اللدودان

الغزو الأمريكي للعراق العام 2003 كان المقدمة الطبيعية لغزو إيران ولتمويل الغزو الأمريكي لأفغانستان
في حين كان تحرير الكويت العام 1991 هو التمهيد الطبيعي لغزو العراق بعد 11 عاما من التجويع والانهاك والحصار عبر برنامج (النفط مقابل الحياة)

هذا السيناريو الأمريكي الفعال قد يتكرر مع إيران الحرس الثوري التي هي اليوم في وضع التفاوض عبر الاوربيين على برنامج (النفط مقابل السلطة) ولكن الحصار العسكري الذي يطبق على إيران بحرا سيصل الى وضع (النفط مقابل الحياة) قريبا وعبر ضربة محدودة على الأقل تسمح للحرس الثوري بتقديم تنازلات

يعتقد الإيرانيون ان وجودهم في العراق هو ورقة تفاهم وتفاوض مع الامريكان ووجودهم في سوريا ولبنان وفلسطين مع الأمريكان والإسرائيليين وفي اليمن مع الامريكان والسعودية
ولكن هذا الانتشار والنزف البشري والاقتصادي قد يكون أيضا شكلا من اشكال إنهاك الثور المصارع قبل القضاء عليه

ولكن الأهم في الرؤية الأمريكية للمنطقة والاقليم ثم العالم عبر مشروعها الأولغارشي الدائر "الفوضى الخلاقة" أنها كانت تعتمد على إيران وتركيا لإطلاق مشروعها الرهيب باعتباره مشروعا دينيا إسلامويا مذهبيا يحتاج الى قطبين متفاهمين ومتجانسين وأبناء عم تاريخيين (شيعي إيراني وتركي سنّي)

قد تكون الورقة الرئيسية في التفاهمات الخطرة بين أمريكا وإيران وروسيا والباكستان هي أفغانستان ولكن هذه الورقة لا تحتمل أبعادا تتجاوز الشراكة بين الحرس الثوري ووكالة الاستخبارات المركزية الامريكية والعسكريتاريا الباكستانية والمافيات الروسية وحركة طالبان في تجارة المخدرات عبر العالم

لم تعد تحتمل المنطقة العربية صراعا مشبوها سنّيا شيعيا ولم تعد تحتمل الفوضى التي تتدحرج كرتها النارية من اليمن والعراق صوب طهران ومن سوريا وفلسطين صوب تركيا ويبقى لبنان صمام أمان طنجرة الضغط التي تحتضن طبخة البحص التاريخية والذي سيظل يرقص فوق بخار ساخن الى ما شاء الله

انتهى الدور الإيراني الشيعي التخريبي والدور التركي السنّي الإرهابي في المنطقة العربية ومشهدية ادلب في سوريا اليوم تكشف ابعاد وحقيقة دور طهران وأنقرة في المأساة العربية العبثية والربيع الإقليمي المُخادع الذي سينقلب على ركيزتيه المُفلستين والذاهبتين الى الحرب الاهلية والتقسيم سريعا

هل سيمر 11 عاما بين الضربة الامريكية المتوقعة هذا الصيف او هذا العام لإيران وبين دخول الدبابات الامريكية الى طهران !
ربما ولكن الدبابات الامريكية ستدخل الى طهران بقيادة الجيش الإيراني لتصفية الحرس الثوري بدون أدني شك في موعد يمتد من بداية العام القادم والى سنوات تحددها بالفعل واشنطن

في الوقت الذي بدأت ملامح الإرهاق على الحوثي تظهر بوضوح في اليمن والقلق على حزب الله في لبنان مع تحدي البقاء تنظيما متماسكا بعد غياب أمينه العام لأي سبب كان والتحجيم المستمر للوجود العسكري الإيراني في سوريا على يد الروس والتطويق للحشد الشعبي في العراق على يد الشيعة العرب الامريكان

تبدو الظروف مواتيه بالفعل لضربة أمريكية إسرائيلية محدودة الى حد ما لإيران في العمق الإيراني ومن البحار (المتوسط والاحمر وبحر العرب)
واي حماقة يمكن ان يرتكبها الحرس الثوري او أحد الحلفاء حتى لو كانت إعلامية ستشكل ذريعة لازمة وكافية لرد قد يتدحرج وقد يخرج عن أي سيناريو او تصور مسبق

لقد انفقت تركيا الاخوان المسلمين الكثير من ثروتها القومية وأمنها الاجتماعي لبناء نمر ورقي اقتصادي داخلي لم يقنع أحدا وشكل طفرة اقتصادية سرعان ما آلت الى الإفلاس
ولقد انفقت إيران الحرس الثوري الكثير من ثروتها القومية وأمنها الاجتماعي لبناء نمر ورقي عسكري خارجي لم يقنع أحدا وقاد الى افلاس مرير ومديد

نظامين اقليميين اسلامويين بغطاء ديمقراطي مذهبي ميليشياوي عنيف ودموي لا أمل لهما بالاستمرار الا من خلال طفرة المال العابرة والسياسات الاقتصادية العبثية والفاسدة والبروباغاندا النازية البائسة والتعيسة
ولا فرصة أمامهما بالبقاء بدون الانفاق الا عبر حرب أهلية او خارجية مدمرة

إذا كانت إدارة ترامب ترغب في ضرب إيران فان قيادة الحرس الثوري الإيراني تريد ان تخوض صراعا مع امريكا ترى فيه الأمل الوحيد الباقي للاستمرار في السلطة في طهران ولذلك هذه الضربة وهذه الحرب المتدحرجة هي قادمة وهي حتمية لأنها استكملت بالفعل كل نواقصها وكل مبرراتها وكل سيناريوهاتها

مجرد رهان حلفاء إيران في المنطقة العربية وجمهور الحرس الثوري الإيراني على ان الرد الإيراني على أي ضربة أمريكية إسرائيلية سيكون استهداف مدن الخليج وشعوبها ومحطات الكهرباء وتحلية المياه لإبادة عرب الخليج عمليا
سبب كاف ليكون الهدف العربي والخليجي اسقاط نظام إيران الدموي والعدائي بكل الوسائل

الرد الانتقامي بضرب العواصم العربية (القاهرة ودمشق وبغداد والرياض) بالقنابل النووية هو منطق إسرائيل وعقيدتها القتالية في المنطقة والاقليم
يبدو أن إيران تعتمد نفس المنطق النازي الصهيوني وعقيدة التهديد بقتل المدنيين والابادة الجماعية "الهولوكوست" وتمتلك نفس الكراهية المزمنة للعرب

ويبدو ان منطق الإبادة الجماعية نفسه وقتل المدنيين والعقيدة نفسها هي التي يعتنقها الجيش التركي وميليشيات أردوغان في مواجهة الاكراد والعرب في تركيا وسوريا والعراق
لذلك جاءت مشاهد الحرب الاهلية في سوريا والعراق متوحشة لهذه الدرجة لأنها تستند الى دعم وعقيدة ذلك الثالوث الشيطاني

ومن الطبيعي ان تحمل مشاهد الفوضى الخلاقة القادمة بثبات الى الداخل الإيراني والتركي عنفا دمويا جماعيا وابادة غير مسبوقة في التاريخ الإنساني بعد تكريس تاريخهما الهمجي في حاضرهما السود ثقافة وهوية ومذهبا وعقيدة قتالية وهو أمر يدعو العرب الى إعادة كتابة التاريخ الحقيقي للجوار المتربص بنا

السلام هو اللعبة المُعاصرة والعبثية واما الحرب فهي الحقيقة التاريخية الوحيدة ولم ولن تكون يوما لعبة والحرب هوية الحضارات النهائية وخصوصا في شرق الشياطين وإقليم الغزاة والحرب حتمية التاريخ والقوة الدافعة له في كل زمان ومكان لأنها طبيعة الجماعات والمجتمعات الإنسانية.
12/5/2019

صافيتا/زياد هواش

..