الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديــات الأدبيــة > منتدى القصة القصيرة

منتدى القصة القصيرة أحداث صاخبة ومفاجآت متعددة في كل مادة تفرد جناحيها في فضاء هذا المنتدى..فهيا لنحلق معا..

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع التقييم: تقييم الموضوع: 3 تصويتات, المعدل 2.67. انواع عرض الموضوع
قديم 16-01-2007, 04:24 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
محمود ابو اسعد
أقلامي
 
الصورة الرمزية محمود ابو اسعد
 

 

 
إحصائية العضو







محمود ابو اسعد غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى محمود ابو اسعد

افتراضي القصة القصيـــرة رؤئ من العالم العربي

القصة القصيرة " تعريف - نشأة - ملامح "



قرأت لكم " دروساً متميزة .. عن القصة القصيـــرة فأحببت أن تشاركوني القراءة .. مع تمنياتي لكم الفائدة والمتعـــــة "

أولا : ماهي القصة القصيـــــرة ؟؟؟

ربما لا يوجد تعريف واضح ومحدد لذلك الفن المراوغ شديد التعقيد، شديد الجمال في آن واحد، ألا وهو القصة القصيرة...

وإذا كان القص في اللغة العربية يعني تتبع الأثر، فإن القصة القصيرة تعني أيمًا اعتناء بتتبع أثر لحظات إنسانية حياتية شديدة الأهمية منتقاة من صميم الذات وتفاعلها مع كل ما هو محيط بها.

والقص في جوهره وجهة نظر ذاتية وموقف من الحياة، والقص كظاهرة إنسانية نشاط ينشأ بالضرورة ويتطور منذ طفولة الإنسان، وهي كظاهرة قد وجدت منذ وجدت المجتمعات الإنسانية المبكرة لتلبي حاجات نفسية واجتماعية، ورغم اختلاف الكتاب والنقاد حول وضع تعريف ما للقصة القصيرة فإنهم تلاقوا على أنها "نص أدبي نثري تناول بالسرد حدثًا وقع أو يمكن أن يقع"، أو هي "حكاية خيالية لها معنى، ممتعة بحيث تجذب انتباه القارئ، وعميقة بحيث تعبر عن الطبيعة البشرية".

لكن طبيعة القصة القصيرة أنها مثل الفن عمومًا، لا تخضع للتعريفات الشاملة المستقرة، حيث إنها ليست مجرد قصة تقع في صفحات قلائل، بل هي لون من ألوان الأدب الحديث الذي نشأ أواخر القرن التاسع عشر -بماهيته المتعارف عليها الآن، دون الالتفات للتجارب البدائية سواء عربيًّا أو غربيًّا- وهذا اللون له خصائص ومميزات شكلية معينة، وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، قال "موباسان": "إن هناك لحظات عابرة منفصلة في الحياة، لا يصلح لها إلا القصة القصيرة لأنها عندما تصور حدثًا معينًا لا يهتم الكاتب بما قبله أو بما بعده"، وربما كان هذا هو أهم اكتشاف أدبي في العصر الحديث؛ لأنه يلائم روح هذا العصر، حيث إنه الوسيلة الطبيعية للتعبير عن الواقعية التي لا تهتم بشيء أكثر من اهتمامها باستكشاف الحقائق من الأمور الصغيرة العادية والمألوفة.

والقصة القصيرة تروي خبرًا، وليس كل خبر قصة قصيرة ما لم تتوافر فيه خصائص معينة.. أولها أن يكون له أثر ومعنى كلي، أي تتصل تفاصيله وأجزاؤه بعضها ببعض، بحيث يكون لمجموعها أثرًا، كما يجب أن يكون للخبر بداية ووسط ونهاية، حتى يكون هناك ما يسمى بالحدث.

ولقد افترض الكاتب الأمريكي إدجار ألان بو محددا للقصة القصيرة عندما قال: "إنها عمل روائي يستدعي لقراءته المتأنية نصف ساعة أو ساعتين"، وربما كان ما يسعى لتعريفه هو "أنها يجب أن تقرأ في جلسة واحدة".

لكن يبدو التعريف الأشمل هو الذي يطرحه د. الطاهر مكي – الناقد الأدبي هو أنها: حكاية أدبية – قصيرة، وبسيطة الخطة- تحكي حدثًا محددًا طبقًا لنظرة رمزية -الشخوص فيها غير نامية- تُوجِز في لحظات أحداثًا جسامًا معتمدة على مبدأ التكثيف فكرًا ولغة وشعورًا مما يمكنها من النجاح في نقل دفعة شعورية فائرة.

وعرفها "كالدويل" و"تشيخوف" و"كاترين آن" وغيرهم تعريفاتٍ أخرى متأنية ومتضادة، وبهذا يتضح أن هناك اختلافًا شديدًا في الوقوف على تعريف للقصة القصيرة، وربما تكون هذه هي طبيعية الفن عمومًا، حيث يسلبه التعريف القسري المقياسي روعته وبهائه.

لكن يمكننا أن نخلص إلى أن القصة القصيرة كانت ولا تزال أقرب الفنون الأدبية إلى روح العصر لأنها انتقلت بمهمة القص الطويلة من التعميم إلى التخصيص، فلم تعد تتناول حياة بأكملها، أو شخصية كاملة بكل ما يحيط بها من حوادث وظروف وملابسات، وإنما اكتفت بتصوير جانب واحد من جوانب حياة الفرد أو زاوية واحدة من زواياه، ورصد خلجة واحدة من خلجاته، أو ربما نزعة صغيرة وتصويرها تصويرًا مكثفًا خاطفًا يعجز العقل الإنساني أحيانًا عن متابعتها، وبهذا يتضح أن القصة القصيرة سيسلب منها الكثير إذا وضع لها تعريف ثابت ومؤطر، حيث إنها تستفيد من كل الأجناس الأدبية وتتفاعل معها، ويبقى شيء هام.. هو أن القاص المبدع –الجاد- هو وحده القادر على شكل وصياغة هذه القيمة الإبداعية الهامة ليعيد بلورة واكتشاف مناطق هامة ربما تكون مهملة في ذواتنا وفي حياتنا الآنية.

ومن المفيد أن نختم بسماع صدى قراءة القصة القصيرة لدى الأدباء والمبدعين والكتاب فأحدهم قال عن شعوره إثر قراءة قصة جيدة: "كأنك تشرب كأس قهوة سوداء مركزة دفعة واحدة وأنت على عجل من أمرك لتترك مفعولها يفعل الأفاعيل في دواخلك الداكنة كذلك هي قراءة قصة قصيرة جيدة".

ثانيا : أين نشأة القصيـــــرة ؟؟؟

على وجه التحديد لا يمكن لباحث أن يقر بالموطن الذي نشأت فيه القصة القصيرة؛ وذلك ببساطة لأن الحكي خصيصة إنسانية فهي "حكاية" أو "حدوتة" أو "قصة" كانت دومًا في وجداننا حتى صارت جنسًا أدبيًّا متميزًا ونظَّر النقاد والأدباء لهذا الفن وأصَّلوه..

ويتعلم الطفل الحكي كما يتعلم النطق والمشي والغناء، فالجدة هي أمهر القُصَّاص في حياتنا إلى اليوم، وهي قصاص ذكي يحكي حسب حالة المتلقي، فتكافئنا بالحكايات الرومانسية الخيِّرة أو ترعبنا بالأسطورة الموحشة.

والقصة القصيرة باعتبارها نشاطا إنسانيا فإننا لا يمكن أن نحدد لها موطنا بدقة، وإن كان أهل كل حضارة يتنازعون بأحقيتهم في القصة باعتبار ولادتها من رحمهم، وإذا تجاوزنا الأساطير باعتبارها تمهيدًا للفن القصصي، فإننا نجد أن عالم الحيوان كمادة للحكي، كان اعتمادًا أساسيًّا في قصص الأمم كلها، فكليلة ودمنة الهندية أو الأمثال العربية أو حتى القصص اليونانية والإغريقية كل ذلك مَثَّل الحيوان فيه دورًا رئيسًا.

هل نشأت في الشرق؟
كثير من الباحثين يرون أن القصص الأوربية في عصر نهضة أوروبا تأثرت كثيرا بالأدب الفارسي ومن هذه الأشكال "الفابولا" أحد الأجناس الأدبية الأولى للقصة، وقد ظهرت في فرنسا منذ منتصف القرن الثاني عشر الميلادي وحتى أوائل القرن الرابع عشر، وهي أقصوصة شعرية تحمل روح ومعنى الهجاء الاجتماعي.

ومن هؤلاء "جاستون بارى" أستاذ الأدب المقارن الذي يقول عن الفابولا: إنها استمدت عناصرها وروحها من كتاب "كليلة ودمنة" الفارسي الأصل، والذي ترجمه ابن المقفع، وكانت فكرته الأساسية هي الحكم والفلسفات التي تقال على ألسنة الحيوان، وتعتبر الترجمة العربية لـ"ابن المقفع" أساسا مباشرا أخذت عنه الفابولا".

ومن أمثلة الفابولا الغربية أقصوصة تسمى "اللص الذي اعتنق ضوء القمر" تحكي عن لص يخدعه أحد الأشخاص بأن للقمر سحرا خاصا في نقل الأشخاص دون صوت من مكان إلى آخر، ويصدق اللص الخدعة، ويقع في يد الشرطة، ونجد هذه الأقصوصة نفسها بالكيفية والفكرة والتفاصيل الدقيقة نفسها في كتاب "كليلة ودمنة" لابن المقفع.

وللقصة العربية تاريخ طويل، فالأمثال العربية هي "قصص" في إطار محكم، وتذكر المصادر بعض القصص العاطفي القديم كمثال علي البداية المبكرة لظهور القصة القصيرة في التراث العربي، مثل قصة زنوبيا، وقصة المُرَقَّش الأكبر مع أسماء بنت عوف، كما كان لهم قصص تاريخي اسْتَقَوه من أيام العرب وبطولاتهم وأعملوا فيه مخيلاتهم.

وإذ نلحظ بوضوح تسلل القصص إلى ثنايا كتب التراث مثل "التِّبْر المَسْبوك" للغزالي أو "سراج الملوك" للطرطوشي إلا أنها لم تكن إلا قصصا وعظية ما أريدت لذاتها إنما أريدت لأثرها التربوي والتعليمي، كما أنها لم يُفْرَد لها مؤلَّف خاص بالقصص القصيرة، قبل كتاب (الفرج بعد الشدة) لأبي بكر ابن يحيى الصولي وفيه قصص محكمة النسج، قوية العقدة، سعيدة الخاتمة، متنوعة الأغراض.

كان ذلك حتى برع أحد كتاب الطولونيين بمصر (ابن الداية) فألَّف (المكافأة) وهو عبارة عن 71 قصة موزَّعة على ثلاثة أقسام: الأول عن حسن الصنيع، والثاني عن مكافأة الشر بمثله، والثالث حول حسن العُقْبى.

ومن أشبه الأجناس بالقصة القصيرة في أدبنا العربي "المقامة" التي تعتمد على المحسنات اللفظية والبديعية في الأساس، وللمقامات بطل واحد في كافة الأحداث وهو دائمًا يعتمد على الحيلة والذكاء للتخلص من مآزق يضعه المؤلف فيها، والبطل مثل أبي زيد السروجي عند الحريري أو أبي الفتح السكندري عند مؤلِّفه أبي البديع الهمذاني شخصية تجمع بين الدهاء وطيبة القلب وحب الأسفار وهي أقرب إلى الفكاهات الاجتماعية.

بدايات القصة الحديثة تأثرت بالقصص الشرقية

أول لون من القصة عرفته أوروبا في العصر الوسيط كان كتاب (التربية الدينية) ليهودي أندلسي يدعى (موسى سفردي) اعتنق الكاثوليكية 1106م وسَمَّى نفسه (بدرو ألفونسو)، وأغلب الظن أنه كتبها بالعربية ثم ترجمها وهي خليط من كليلة ودمنة والسندباد البحري وغيرهما، وكان هذا هو مَعْبَر أوروبا إلى القصة، وهو جسر عربي واضح المعالم باعتراف نقاد الغرب أنفسهم، وباقتصار القَصّ الأسباني على الوعظ والتربية، نما القص الإيطالي في القرن الرابع عشر داخل حجرة فسيحة في الفاتيكان أطلقوا عليها: "مَصْنع الأكاذيب"، اعتاد أن يتردد عليها العاملون في الفاتيكان للَّهو والتسلية وإطلاق القصص المختلفة عن رجال ونساء الفاتيكان حتى دوَّن أحدهم (بوتشيو) هذه القصص وسماها "الفاشيتيا"..

وفي القرن السادس عشر انتشرت في أسبانيا وإيطاليا وفرنسا قصص الرعاة، وهي قصص تمجِّد الحب العذري وأخلاق الفرسان وحياة البداوة متأثرة بوضوح بقصص العرب (محور الحضارة وموضة العالم آنذاك!)، حتى خبا وهج القصة القديمة في القرن 18 الميلادي وكادت تندثر بتأثير إهمال الأدب في العالم كله والاهتمام بما هو مادي ملموس فحسب.

القصة الحديثة أوروبية خالصة

ومع بدايات القرن التاسع عشر بدأ انتشار الصحافة وانتشر معها الفن القصصي، ودخول القصة معترك السياسة أعطاها حيوية ومضيًّا كسلاح لا يُفَلّ، ودخلت في الصراع الاجتماعي والديني حتى أصبحت مناضلة دون مقصدها تتنفس بالشكوى والتمرد، وتصارع مع البسطاء قسوة الحياة وغلظتها، ويكفي أن نذكر أسماء ذات اعتبار لندرك كيف أن هذا القرن هو قرن القصة القصيرة:

موباسان – تشيخوف - إدجار آلان بو – جوجول- أوسكار وايد- دوديه – هوفمان.

وملخص القول في هذه القضية ما يؤكده الناقد الأدبي د. عبد المنعم تليمة (الأستاذ بكلية الآداب – جامعة عين شمس بمصر) أن العرب لم يأخذوا القصة الحديثة عن أوربا، فـ(القَصّ) جذوره ممتدة في التراث العربي.. أما القصة القصيرة بشكلها الحديث الذي وصلت إليه فهي نتاج أوربي بلا مراء، ولكن العرب لم يتخلفوا عن ركب القصة القصيرة؛ لأننا أبدعنا في هذا المجال في عصر موازٍ للإبداع الغربي، ودعوى سبق أوربا لنا لا تقوم؛ لأن الفارق الزمني بيننا وبينهم لا يتعدى عشرات من السنين، وهذا -في رأيه- ليس زمنًا طويلاً ولا عصرًا كاملاً.



ثالثا : ماذا عن القصة العربية في العصر الحديث ؟؟؟

كانت المقامة هي الإرهاصة الأولى لفن القصة القصيرة العربية بشكلها المتعارف عليه الآن. وبعد فترة خفت صوت الحضارة العربية ليتلقف الغرب منجزها الفكري/ العلمي، فأضاف إليه بعد أن عكف على دراسته وتحليله، وكان لهذا الفكر دور مهم في النهضة الغربية الحديثة، وفي منتصف القرن التاسع عشر بدأت موجة من الترجمات عن الغرب -وإن كانت قد بدأت قبل ذلك وتحديدًا في الثلاثينيات، على يد رفاعة الطهطاوي- فحدث تفاعل وتلاقح نتيجة الاطلاع على هذا المنجز الذي أضاف ولا شك للبنية الفكرية العربية التي كانت تعيد تشكيل وعيها بعد فترة طويلة من السكون.

ظهرت القصة كفن أدبي في بداية القرن العشرين، وكان لها ذيوع كبير، وتذهب بعض الآراء إلى أن أول قصة قصيرة عربية بالشكل المتعارف عليه كانت قصة "في القطار" لمحمد تيمور، والتي نشرت في جريدة "السفور" سنة 1917، بينما هناك آراء أخرى تقول بأن أول قصة قصيرة عربية تظهر في العصر الحديث كانت لميخائيل نعيمة، وهي قصة "سنتها الجديدة" التي نشرت في بيروت عام 1914.



مصر نموذجا



كانت ثمة جهود ومحاولات للاقتراب من كتابة القصة القصيرة العربية، واضطلع بالقيام بهذه المحاولات "عبد الله النديم" من خلال مجلته "التنكيت والتبكيت"؛ حيث كان يلجأ إلى الشكل القصصي في انتقاداته اللاذعة التي اشتهر بها، كذلك تجربة لبيبة هاشم ومنصور فهمي وخليل مطران، وإن كانت كلها لم تتعدَّ الإسهام في الشكل الهيكلي للقص، ثم كانت تجربة "محمد المويلحي" في "حديث عيسي بن هشام"، والتي اقتفى فيها أثر المقامة العربية القديمة، وأيضًا كتابات "مصطفى لطفي المنفلوطي" التي كانت وعظية انتقادية في المقام الأول، لكن كان لها دور مهم في هذه المرحلة؛ ما وفر لها فرصة الذيوع والانتشار، وجاءت مرحلة أخرى مهمة وهي مرحلة الرواد الذين ضربوا بحماس وقوة في أرض ذلك الفن الجميل، والذين أنتجوا بالفعل تجارب قصصية لها كيانها الفني والفكري، طبقا لعصرهم وظروفه، وهؤلاء هم: محمد تيمور، عيسى عبيد، شحاتة عبيد، محمود تيمور، محمود طاهر لاشين.

في هذا الوقت كانت ثورة 1919 قد فتحت وعي الكثيرين على ضرورة التجديد والثورة على القديم، وظهر إلى النور ما سمي "المدرسة الحديثة في القصة" والتي قادها "أحمد خيرت سعيد" من خلال مجلة "الفجر" التي كان شعارها الهدم من أجل البناء. ومن أبرز أعضاء هذه المدرسة: حسين فوزي، يحيى حقي، إبراهيم المصري، حسن محمود، سعيد عبده، محمود البدوي.

ولقد قدمت المدرسة الحديثة إنجازات مهمة توازت مع حركة الترجمة التي كانت نشيطة في هذا الوقت، وأصبح للقصة القصيرة مكانة هامة، وصارت محط ترحيب كافة الإصدارات والدوريات.

ثم جاء جيل الخمسينيات كما اصطلح على تسميته. ومن أبرز كتاب هذا الجيل: يوسف الشاروني، يوسف إدريس، أبو المعاطي أبو النجا، عبد الرحمن الخميسي، محمد صدقي…

وكان للحركة التحريرية التي شبت في العالم العربي إبان النصف الثاني من القرن العشرين دورًا هامًا في تبني هذا الجيل لشعارات وتوجهات الأنظمة السياسية، ولم ينجح منهم إلا القليل الذين ظلوا مخلصين للقصة كفن يعبر عن ذواتهم وعن مجتمعاتهم.

تعد حقبة الستينيات من أكثر الفترات غليانا على مستوى المحيطين العربي والعالمي، فقد كانت هناك حرب باردة بين قطبي العالم وقتها: أمريكا الاتحاد السوفيتي.

وكان للعالم العربي وضعيته الخاصة؛ فهو يموج بالكثير من حركات التحرر والتغيير، ومحاولة إيجاد شكل ديمقراطي للحياة السياسية، وبهذا كان جيل الستينيات كالقذيفة التي انفجرت. وبرز في هذا الجيل أسماء عديدة كان لها تواجدها ودورها الهام على الخريطة الإبداعية العربية، فلقد قفز هذا الجيل بكتابة القصة قفزات واسعة، وأصبحت أقلامه مرايا مخلصة لمجتمعها تعري عيوبه، ومن أبرز هذه الأسماء: محمد حافظ رجب، يحيى الطاهر عبد الله، إدوار الخراط، سليمان فياض، محمد البساطي، جمال الغيطاني، يوسف القعيد، إبراهيم أصلان، عبد الحكيم قاسم، مجيد طوبيا، محمد إبراهيم مبروك، بهاء السيد، عز الدين نجيب، محمد جاد الرب، محمد عباس، الدسوقي فهمي، خيري شلبي، محمد مستجاب، محمد جبريل...


السودان نموذجًا *





مؤثرات على نشأة القصة القصيرة السودانية:التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى خلخلة النظام القبلي الموروث، ونمط الحياة المستقرة.

- التأثر الواضح بالموروث من التراث الشعبي والأسطورة.

- حركة الأدب في كل من مصر وسوريا ولبنان وبريطانيا، والكتب المترجمة من الأدب الروسي إلى اللغتين العربية والإنجليزية، والتي كانت في أوج مجدها في تلك الفترة.

دور معاوية محمد نور

شهدت فترة الثلاثينيات نشاطا واسعا للناقد والقاص معاوية محمد نور، من كتابة للقصة، ودراساته في النقد الأدبي، وإسهاماته المتعددة في الصحف والمجلات الإنجليزية والمصرية واللبنانية أثناء دراسته بجامعة بيروت.

ويعتبر معاوية نور أول من كتب القصة القصيرة بمعناها المحدد والمعروف. وساهمت مقالاته في النقد بصحيفة السياسة الأسبوعية في اتجاه الكتّاب نحو الواقعية وتصوير الشخصيات الحية ودعاها إلى تبني القصة النفسية الاجتماعية، وقدم أمثلة حية بكتاباته للقصة القصيرة، وإن اعتمدت على طريقة التحليل النفسي. وأدى ظهور مجلتي "النهضة" و"الفجر" إلى المساهمة في استقطاب وتشجيع الكتّاب ونشر أعمالهم ودراساتهم عن فن القصة. فظهرت في تلك الفترة أسماء: عبد الحليم محمد، السيد الفيل، حسن أحمد ياسين، ومحمد عشري الصديق كأول من اهتموا بالقصة القصيرة ووضع لبناتها الأولى لتسير جنبا إلى جنب مع الحركة الشعرية التي ازدهرت في تلك الفترة. ودارت أغلب قصصهم عن الزواج والحب والنزوح من القرية والسفر. وأخذت الأسطورة والتراث حظهما الجيد من اهتماماتهم التي لم تخرج من نطاق فكر المجتمع آنذاك. ونال الاستعمار أيضا قدرا لا بأس به من الاهتمام لديهم ليعبروا بذلك عن مشاعر الأمة، وليستحقوا لقب جيل الرواد.

فترة الأربعينيات

أما فترة الأربعينيات فقد جاء التأثر فيها واضحا بالمذاهب الفكرية التي ظهرت في السودان، ومن أبرزها ما سمي بالواقعية الاشتراكية. وعرفت القصة تطورا نوعيا في نمط وأشكال القصة إلى التعبير عن قطاعات المجتمع الدنيا، وأصبحت القصة أكثر ديناميكية، واكتسبت صفة الحيوية باستيحائها للشخصيات والحواريات من عمق المجتمع ورصد حالاته وتحليلها. ومن أبرز الأسماء في هذه الفترة: خليل علي، أبو بكر خالد، وعثمان علي نور الذي أصدر مجلة «القصة» كأول مجلة سودانية متخصصة تعنى بالقصة القصيرة. وظهرت أسماء تركت بصماتها الكبيرة في الأدب السوداني الحديث كله أمثال البروفيسور علي المك، د. إبراهيم الشوش، الشاعر صلاح أحمد إبراهيم، الزبير علي وغيرهم.

وتعتبر هذه الفترة من أخصب الفترات وأكثرها تأثرا بحركة الأدب والنقد العالمية، وبانتشار فن القصة على نطاق واسع. وأفاد كتّاب هذه الفترة كثيرا من هجرتهم ودراساتهم بالخارج. وتزامن هذا الثراء في القصة مع حركة الشعر الكبيرة التي انتعشت في تلك الفترة.


الجزائر نموذجا



نشأت القصة الجزائرية على يد رجال الإصلاح ومقاومة المحتل مثل: محمد بن العابد الجلالي، ومحمد سعيد الزهراوي. وكانت تسمى القصة الإصلاحية وتتناول القيم التي يجب أن تسود المجتمع وضرورة التخلص من المحتل، وأهمية الحرية وكان ذلك في حوالي 1924، لكن التطور والنضج الحقيقي كان على يد جيل الثورة الأدبي‏؛ حيث عرفت الحياة الأدبية والثقافية في الجزائر بعد الحرب العالمية الثانية (1944) تطوراً ملحوظاً، فقد كثر عدد الكتاب ورجع بعضهم إلى أرض الوطن، وتخرج بعضهم الآخر في معاهد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كما شهدت هذه المرحلة استمرار إرسال البعثات العلمية إلى البلاد العربية، وخاصة إلى تونس، والمغرب الأقصى، مما نتج عنه ازدهار طرأ على مختلف الأنواع الأدبية إثر تأسيس النوادي والجمعيات الثقافية، وانتشار الصحف اليومية والمجلات الدورية التي تعنى بالإبداع.‏

ويعد قيام حرب التحرير الوطنية الكبرى في أول نوفمبر عام 1954 من أهم عوامل تطور الأدب الجزائري المعاصر سواء على صعيد الشكل أو المضمون، "والتحقت القصة بدورها بالجبل تعايش الثورة وتكتب عنها، ومن القصاص من تفرغ للثورة، وتخصص فيها، ولم يكتب عن أي موضوع سواها مثل عثمان سعدي وعبد الله ركيبي، وفاضل المسعودي ومحمد الصالح الصديق.

لارتباط القصة بالثورة الجزائرية أثران: أحدهما إيجابي: ففي الشكل حاول القصاصون استعارة أشكال فنية مختلفة من الآداب العربية والأجنبية لمواكبة التعبير عن الثورة، وعلى مستوى المضمون أثرت الثورة التحريرية في مضمون القصة، بما لا يقل عن أثرها في الشكل، فقد تقلصت الموضوعات الإصلاحية وخلفتها موضوعات جديدة استلهمت الواقع، فكثر وصف صمود الشعب الجزائري أمام قوى المستعمر وتصوير بطولات المناضلين والتعبير عن الحياة الاجتماعية الجديدة.‏

أما التأثير السلبي:‏ فقد اهتم القاص الجزائري اهتماماً كبيراً بتصوير المعارك، وبدافع وطني يمليه إحساسه بالواجب، والتزام بتصوير كفاح الشعب، وقد أدى هذا الالتزام إلى بروز بعض الكتابات الضعيفة، لغياب التركيز أو عنصر التشويق.

أبرز كتاب جيل الثورة (1954-1962): عبد الحميد بن هدوقة، وأبو العيد دودو، والطاهر وطار.


سوريا نموذجا


الإرهاصات 1931-1947:

نُشر في هذه المرحلة اثنتا عشرة مجموعة قصصية، كان فن القصة القصيرة واضحاً في بعضها، وفي قسم آخر ترجح بين الصورة والمقالة والخاطرة، لكنها في مجملها تحمل بذور نضوج فن القصة القصيرة في تاريخ الأدب السوري. إن الجرأة على نشر المجموعات، وطرق موضوعات لم يعتد طرقها من قبل، والاستفادة من الاحتكاك مع الآخر جديرة بالانتباه، بخاصة أن أماكن النشر كانت متعددة، والكتاب كانوا من مناطق متعددة، وقد أسهمت الصحافة إسهاماً فاعلاً، وراح عدد من أولئك القاصين يتابع الكتابة والنشر لاحقاً، وقد طوّر تجربته وقادها إلى مصاف فنية مقبولة: أديب نحوي- مظفر سلطان...

كانت أمام الكتاب آنئذٍ مهام عديدة تتصل بضرورة ترسيخ جذور الفن القصصي؛ إذ أدرك معظمهم أن مفهوم القصة القصيرة غربي الجذور، وعلى الرغم من بدء نشاط الترجمات من الأدب الفرنسي والروسي، وبدء انتشارها سواء أكانت ترجماتها في سورية أم لبنان أم مصر، فإن الأدباء كانت تتناوشهم ناران: نار الصدمة مع الآخر وضرورة الاستفادة مما تقدمه ثقافته، ونار كونه محتلاً لأرضنا.‏

إن الهم الاجتماعي كان من أبرز الهموم التي شغلت القاصين، وتجلى ذلك عبر نقد ما يقوم به الناس وبعض العادات والتقاليد، وكان الديدن الرئيسي لهذا الهم الإشارة إلى الآثار الاجتماعية المأساوية على العلائق بين الناس.‏

مثلما انصرف عديدون نحو معالجة الهموم الذاتية ذات البعد الإنساني التي تتعلق بمدى مقدرة الذات على الانسجام مع المجتمع، وما تكابده هذه الذات نتيجة بعض العادات والتقاليد. وراح قاصون يتحدثون عن هموم تاريخية، فيما انشغل بعضهم بالصدمة مع الغرب وتأكيد الفروقات، وكذلك تأكيد ضرورة الاحتكاك.

استواء الفن 1959- 1968:

وهذه المرحلة أبرز الحلقات في تاريخ القصة السورية من حيث تقديمها وترسيخها لعدد من الأسماء التي لا تزال تعدّ من أميز الكتاب، مثل: زكريا تامر، وليد إخلاصي، حيدر حيدر، محمد حيدر...

تأثرت القصة السورية بانكسار الحلم القومي إثر انهيار الوحدة المصرية السورية وكذلك الصفعة الكبرى في حرب 67، وقد تجلت آثار هذه الصدمة في نفوس الناس وفي مختلف منتوجاتهم من أدب وفن وفكر.

تميزت القصة القصيرة في تلك الفترة بالمقدرة الواضحة في المزج بين القضايا الاجتماعية والقضايا الوطنية والقومية التي أدرك عديدون أنها لا تنفصل عن بعضها، وربما تكتسب جميعها المزيد من المصداقية في ظل تقاطعها.

فيما انشغل بعضهم في تسجيل تجربته الشخصية التي عايشها، غير حريص كثيراً على المسألة الفنية بقدر حرصه على توثيق ما حدث معه، وربما غير آبه بإعطائها الأبعاد الإنسانية أو تعميقها دون أن يغفل المرء عن الأثر البكائي الانفعالي، واللغة الإنشائية العالية في بعض القصص.

رابعاً
: لمحات في أسلوب كتابة القصة القصيرة

للقصة القصيرة عناصر هامة تتضافر وتتشابك لتخرج في النهاية هذه التركيبة الإبداعية الإنسانية، ولا نزعم أن هناك من يمكنه أن يضع "أسسًا" للفن؛ حيث يميل الفن إلى التنافر مع التأطير ومحاولة الاحتواء، لكننا نحاول مجرد الوقوف على أهم عناصر وتراكيب فن القصة القصيرة، الذي يضفي مزيدًا من الجمال على تكوينها.
انطلق "أدجار ألان بو" في تعريفه القصة القصيرة من وحدة الانطباع، ومن أنها تُقرأ في جلسة واحدة. ورأى "سومرست موم" أنها قطعة من الخيال، وركز "فورستر" على الحكاية، واعتمد "موزلي" على عدد الكلمات.
وقال "هيدسون" بأن ما يجعل عمل الفنان قصة قصيرة هو الوحدة الفنية. ويرى "شكري عياد" أنها تسرد أحداثاً وقعت حسب تتابعها الزمني مع وجود العلية.
بينما يلتقي الناقد الأيرلندي "فرانك أكونور" (Frank acoonor) مع "حسن اليافي" في جعلها أشبه بالقصيدة الشعرية من حيث "التغني بالأفكار والوعي الحاد بالتفرد الإنساني".
وإذا نحن أمعنا النظر قليلاً في كل هذه التعريفات؛ فإننا سنجد كلاً منها يستند إلى واحدة أو أكثر من خصائص القصة القصيرة؛ ليستنتج منها تعريفاً شاملاً.. فوحدة الانطباع أو القصر المعبر عنه بعدد الكلمات أو بالقراءة في جلسةٍ واحدة، أو الحكي أو الشاعرية كلها مميزات لا تخلو منها القصة القصيرة.
فإذا كان لا بد للتعريف من أن يتأسس على الخصائص؛ فالأجدر أن يكون جامعًا؛ لأن وحدة الانطباع في حد ذاتها مسألة نسبية، قد لا تختص بها القصة القصيرة وحدها؛ فهي أثر تتركه النادرة والنكتة والخاطرة والقصيدة الشعرية، ولِم لا تتركه الرواية أيضاً في ذهن قارئ يستوعب النص، ويتمكن من تحريكه في رحابة ذهنية طيعة؟
وعدد الكلمات قضية جزئية بالقياس إلى البنية الفنية، وقد نصادف أعمالاً في حجم القصة القصيرة من حيث عدد الألفاظ، وربما تنسب إلى الرواية أسبق من القصة.
لا شك أن التركيز والتكثيف يمكنان من القبض على لحظة حياتية عابرة، ولا يسمحان بتسرب الجزئيات والتفاصيل، ويحتم هذا الموقف على الكاتب أن يستغني عن كل ما يمكنه الاستغناء عنه من الألفاظ والعبارات، وكل ما من شأنه أن يثقل النسيج القصصي، ويبدو حشوًا يرهل النص، ويضعف أثره الجمالي.

أما كونها قطعة من الخيال؛ فذلك أمر بديهي. إلا أن الأكثر بداهة هو ألا يكون عنصر الخيال خاصية في القصة القصيرة دون غيرها.

إذ الخيال قوام كل عمل أدبي ناجح، وفي غيابه لا معنى للحديث عن أدب.. هكذا يتبين أن الاعتماد على خاصية واحدة لتعريف القصة القصيرة -ولو أن الخاصية أبرز من غيرها- يظل يشوبه النقص ولا يفي بالغرض المنشود. ولعل الباحث المغربي "أحمد المديني "قد شعر بقصور كل واحد من التعريفات السابقة مأخوذة على حدة؛ فقال موفقاً بينها جميعاً:

"وبالإجمال نستطيع القول: إن القصة القصيرة تتناول قطاعا عرضياً من الحياة، تحاول إضاءة جوانبه، أو تعالج لحظة وموقفاً تستشف أغوارهما، تاركة أثراً واحداً وانطباعاً محدداً في نفس القارئ، وهذا بنوع من التركيز والاقتصاد في التعبير وغيرها من الوسائل الفنية التي تعتمدها القصة القصيرة في بنائها العام، والتي تعد فيها الوحدة الفنية شرطاً لا محيد عنه، كما أن الأقصوصة تبلغ درجة من القدرة على الإيحاء والتغلغل في وجدان القارئ، كلما حومت بالقرب من الرؤية الشعرية".

والقصة لغة: "أحدوثة شائقة. مروية أو مكتوبة، يقصد بها الإقناع أو الإفادة"، وبهذا المفهوم الدلالي؛ فإن القصة تروي حدثاً بلغة أدبية راقية عن طريق الرواية، أو الكتابة، ويقصد بها الإفادة، أو خلق متعة ما في نفس القارئ عن طريق أسلوبها، وتضافر أحداثها وأجوائها التخييلية والواقعية.‏ والقصة عند الكاتب الإنجليزي "هـ. تشارلتون" H.B. TCHARLETON إن لم تصور الواقع فإنه لا يمكن أن تعَد من الفن.


عن الحدث


إن القصة القصيرة لا تحتمل غير حدث واحد، وربما تكتفي بتصوير لحظة شعورية واحدة نتجت من حدث تم بالفعل أو متوقع حدوثه، ولا يدهش القارئ إذا انتهى من القصة، ولم يعثر بها على حدث؛ إذ يمكن أن تكون مجرد صورة أو تشخيص لحالة أو رحلة عابرة في أعماق شخصية، لكن لأن القصة القصيرة -على خلاف الرواية- عادة ما تركز على شخصية واحدة تتخذها محورًا ومنطلقًا، لا بد أن يكون هناك شخصيات أخرى تقدم خدمات درامية لهذه الشخصية، كما تتكشف لنا من خلال هذه التفاعلات والاشتباكات. ولهذا تتضح أهمية الحدث وأهمية أن يكون فعلا قويًا شديد التركيز والسلاسة وشديد التعبير أيضًا عن الحالة النفسية لأبطال العمل؛ لأن القارئ إذا لم يجد هناك حدثًا هامًا وفاعلا فسينصرف عن متابعة العمل؛ إذ إنه فقد الحافز المهم وهو الحدث.. إن الحدث هو ما يمكن أن نعبر عنه في أقل عدد من الكلمات..
والحدث ببساطة يمكننا أن نعرفه من خلال محاولتنا التعبير عن فحوى القصة في أقل عدد ممكن من الكلمات؛ ففي قصة الفاركونيت يمكننا أن نقول: إن الحدث هو: اعتقال رب أسرة، والقلق الذي يسود هذه الأسرة الصغيرة.. أما في بيت من لحم فإننا نستطيع القول بأن الحدث بها هو الرغبات المكبوتة المحتدمة داخل النفس البشرية، أو أن نقول: "ظل رجل ولا ظل حائط"، كما يقول المصريون.. ونختم بمقولة آندروسون إمبرت -الناقد الأرجنتيني- حين يتحدث عن: "وحدة نغم قوية وعدد قليل من الشخصيات، وموقف نترقب حل عقدته بنفاد صبر، ويضع القصاص نهايته فجأة في لحظة حاسمة مفاجئة".


التكثيف والاختزال


يبدأ بناء القصة القصيرة مع أول كلمة، ومعها يشرع الكاتب في الاتجاه مباشرة نحو هدفه، فإن هذه البداية تحمل الكثير من رؤية العمل وروحه؛ فيجب أن تكون البداية مشوِّقة محفزة للقارئ أن يواصل القراءة ليرى ما هي حكاية هذه القصة.
يجب أن يكون العمل متماسكًا مكثفًا متخلصًا من السرد غير اللازم الذي يصيب العمل بالترهل، وربما كانت مقولة يوسف إدريس خير دليل، عندما قال: "إن القصة القصيرة مثل الرصاصة تنطلق نحو هدفها مباشرة"، ولهذا يجب أن يكون العمل متماسكًا في وحدة عضوية شديدة، وأن يكون محكم البناء، وأن يمسك الكاتب بعناصر الكتابة جيدًا حتى يستطيع أن يفرغ على الورق كل ما يدور بداخله بدقة وصدق ليضمن وصوله إلى القارئ في سهولة وصدق أيضًا؛ ولهذا يجب أن تكون البداية والنهاية والحدث على درجة عالية من التكثيف والتركيز.
لا مجال في القصة القصيرة لأي كلمة لا تخدم الهدف الأساسي للكاتب، وليس معنى ذلك أن الكاتب يكون قد حدد لنفسه هدفًا واحدًا تصب فيه فكرة قصته.. ولا يسعه الخروج منها أبدا، لكن الأمر يتلخص في وحدة الحالة الشعورية عند الكاتب التي تؤدي إلى أن القارئ بعد انتهائه من القصة يصل إلى أن النهاية التي وصل إليها الكاتب لا يوجد في السياق إلا ما يخدمها فقط؛ فـ"إدجار آلان بو" يصفها قائلاً: "يجب ألا تكتب كلمة واحدة لا تخدم غرض الكاتب". ويمكن أن نلمح هذا التكثيف والاختزال في القصص المعروضة في أروع ما كتب؛ حيث تلاحظ في غالبيتها أنه لا وجود لوصف لا يخدم غرض الكاتب، كما لا توجد شخصيات يمكننا حذفها دون إخلال بالسياق.. وأرقى صور الاختزال والتكثيف هو الاختزال على مستوى اللغة؛ فقدر الإمكان يجرد الكاتب لغته من كل ما لا يخدم غرضه الفني..


الزمان والمكان في القصة القصيرة


في القصة القصيرة يمكن باستخدام أسلوب ودلالة ما أن أوضح كثيرًا من العناصر مثل الزمان والمكان..
فيما يخص الزمان فإن تحديد حقبة تاريخية معينة -بداية القرن التاسع عشر مثلا- كفيلة عند ذكرها في القصة أن تنقل المتلقي إلى عالم آخر، وكفيلة وحدها -إن أراد الكاتب- أن تنتقل بالمتلقي إلى عالم خاص من التعليم الديني والورش والصناعات الصغيرة والهدوء الذي يلف الناس.. والآمال المتواضعة والأحلام البسيطة و…
إذن فالزمان وحده أضاف أبعادًا لا متناهية على القصة، ومثال آخر حينما يتحدث الكاتب عن الثالثة بعد منتصف الليل فإن ذلك ينتقل بالمتلقي إلى الرهبة والخوف والأعمال غير المشروعة، وبائعات الهوى واللصوص، أو المؤمنين وسبحاتهم، أو الأم القلقة على وليدها المريض أو الزوجة القلقة على زوجها الذي تأخر.
أما بخصوص المكان فمن خلال استخدام أدوات القص يمكنني أن أعرف ماهية المكان الذي تدور فيه أحداث القصة؛ فهل هو مكان مغلق، محدود بجدران وسقف، أم مكان مفتوح غير محدود بشيء؟ هل هو على شاطئ البحر أم على ظهر طائرة؟… إلخ؛ ولهذا دور مهم في تهيئة الجو الخاص للتلقي، خاصة إذا كان القاص يمتلك أدوات الوصف بشكل جيد.
والزمان والمكان مرتبطان كثيرا في العمل القصصي؛ ففي المثال الذي أوردناه عن الزمان: الليل، فلا يمكن للمتلقي أن يركز في اتجاه قصة ما لم يعرف أين مكان هذا الزمان: في شارع مظلم، أم في شقة متواضعة، أم في وكر لعصابة؟
وبتطبيق ذلك على قصة الفاركونيت نستطيع أن نقول: إن هذه الجملة الافتتاحية التي تحدد الزمان "هدير السيارة يزعج صمت الليل" استطاعت أن تنقلنا إلى عالم القصة فورا وتدخلنا في أجوائها..


الرمز في القصة القصيرة

يلجأ كاتب القصة لاستخدام الرمز في حالات عديدة، منها مثلا: إذا كانت قصته تدور في فلك الرمزية أو تجنح إلى الفلسفة والغيبيات، لكن الحالات التي يلجأ فيها الكاتب إلى الرمز مضطرًا هي عندما حينما يتصدى الكاتب لنوع من القهر، وخاصة عندما يواجه "بالتابوهات" الثلاثة التي تقف أمام أي كاتب، وهي (السياسية، الدين، الجنس)، وهناك كتاب كثيرون استطاعوا التعامل بذكاء مع مثل هذه "التابوهات"، وربما كان أكبر مثال على ذلك في تاريخنا الأدبي هو كتاب "كليلة ودمنة" للحكيم "بيدبا"، وهو مجموعة من الحكايات -القصص- تحكي على ألسنة الطير والحيوانات، لكنها في الأساس تقدم نقدًا لمجتمع المؤلف وقتها.
ولما كانت القصة القصيرة هي أكثر الأجناس الأدبية تفاعلا وتأثرًا بغيرها من الأجناس فلقد استفادت بالكثير من أدوات المسرح مثلا كالظلال واللعب بالأضواء، وأمثلة أخرى كثيرة لأهمية استخدام الرمز في القصة القصيرة، لكن الأكثر وضوحًا أن اللجوء للرمز بشكل مفرط يضيع الكثير من جماليات العمل الفني، خاصة لمن هم على أول الطريق الإبداعي.
لكن الأمر المؤكد أن الكاتب الذكي اللماح يستطيع أن يثري عمله إذا اعتمد على الرمز، وتحولت كل مفردات العمل إلى "حمالة أوجه" تحمل وجهًا ظاهرًا للجميع، وآخر أعمق لا يدركه إلا المتذوق الجيد، وهو ما يمكن أن نطلق عليه: تعدد مستويات النص..
وعلى سبيل المثال فقصة الفاركونيت تحوي عددا من الرموز التي تثري العمل؛ فالسيارة الفاركونيت رمز للسلطة الغاشمة.. والرجل ذو السيجارة رمز للظالم غير المكترث، والمدرسة التي لا يفتأ الطفل يرددها رمز للبراءة والطفولة والصدق.. والبناية السكنية ككل هي رمز للمجتمع المغلق الذي ينتظر أفراده السَوْق إلى المذبح.. أما في بيت من لحم فيتجلى الرمز في الدبلة التي أصبحت رمزا داخل العمل لعملية اللقاء المادي بين الرجل والمرأة.






 
رد مع اقتباس
قديم 17-01-2007, 01:31 AM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
محمود ابو اسعد
أقلامي
 
الصورة الرمزية محمود ابو اسعد
 

 

 
إحصائية العضو







محمود ابو اسعد غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى محمود ابو اسعد

افتراضي مشاركة: القصة القصيـــرة رؤئ من العالم العربي

أستاذي القدير " محمود أبو سعد "
بما أن الموضوع يخص القصة القصيرة فمن الأفضل أن ننقله الى منتدى القصة فرواد القصة
التعليق للاخت نغم احمد
حفظا للمشاركة







 
رد مع اقتباس
قديم 17-01-2007, 03:50 PM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
محمود ابو اسعد
أقلامي
 
الصورة الرمزية محمود ابو اسعد
 

 

 
إحصائية العضو







محمود ابو اسعد غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى محمود ابو اسعد

افتراضي مشاركة: القصة القصيـــرة رؤئ من العالم العربي

بقلم: شوقى بدر يوسف

يرتبط الأديب الكبير عباس محمود العقاد بفن القصة من خلال جوانب عديدة ضمنها مسيرته الأبداعية شأنه شأن جيله من كبار الأدباء الذين وجدوا فى هذه المنطقة من الإبداع مجالا رحبا وخصبا للمساهمة فى تأصيل ساحته، ومحاولة صياغة حكى وقص عربى جديد يواكب المؤثرات الأوروبية التى كان لها تأثير كبير على هذا الفن فى الساحة العربية آنذاك، وقد كانت الكتابة القصصية والروائية فى الساحة العربية فى ذلك الوقت لا زالت تتأرجح ما بين النضج الفنى ومحاولات اثبات تواجدها كجنس أدبى له خصوصيته ومذاقه وتوجهه، بفضل مساهمات العديد من الكتاب، الشعراء منهم والأدباء الذين ساهموا فى نهضة وتطور القصة والرواية العربية فى بداية بواكيرها الأولى . فقد ابدع كل من أحمد شوقى وحافظ إبراهيم والمويلحى وهيكل والمنفلوطى و طه حسين والمازنى والحكيم والعقاد فى مجال القصة والرواية المصرية إبداعات أثرت هذا الفن بنصوصها وأعمالها التى أصبحت هى الأرهاصات والركيزة الأولى فى هذا المجال للأجيال التى جاءت بعد ذلك .
ولعل رواية " سارة " للعقاد التى صدرت عام 1937 وتزامن صدورها مع صدور العديد من بواكير القصة والرواية العربية فى العالم العربى، والتى أصبحت بعد ذلك علامة هامة فى مسيرة السرد الروائى العربى الحديث، كانت هى بيضة الديك التى احتسبت للعقاد فى هذا المجال . وقد تناولها العديد من النقاد والباحثين بدراسات مستفيضة من جوانب وزوايا مختلفة بإعتبار أن خطوط تماسها السردية تجمع بين الفن الروائى الصاعد آنذاك وبين فن السيرة والترجمة الذاتية حيث تتطابق شخصية " همام " وهى الشخصية المحورية لهذا النص مع شخصية العقاد نفسه بكل ما تحمل من جوانب ذاتية وجسدية ومعرفية .
وعلى الرغم من أن العقاد كان مقلا فى مساهماته فى مجال القصة القصيرة والذى كان يسميها فى كثير من الأحيان " القصة الصغيرة " إلا أنه ساهم فى هذا المجال بمجموعة قصصية وحيدة قام بترجمتها من الأدب الأمريكى تحت عنوان " ألوان من القصة القصيرة فى الأدب الأمريكى " ، تناولت العديد من نصوص بعض كتاب القصة فى الأدب الأمريكى، ويمثل هذا الجانب فى مسيرة العقاد الأدبية نوعا من التواصل المتواضع مع جنس أدبى هام من الأجناس الأدبية وهو فن القصة والذى ساهم فيه عن طريق الترجمة والأنتقاء الخاص بهذه القصص ومعالجتها سرديا .
ولعل أختيار العقاد لبعض النصوص القصصية من الأدب الأمريكى وقيامه بنقلها إلىالعربية كان له مغزى ودلالة خاصة لديه، يظهر ذلك أولا من إنتقائه لهذه المجموعة من القصص المتميزة، لبعض رواد الكتابة القصصية فى الأدب الأمريكى أمثال واشنطن ارفنج، إدجار آن بو، مارك توين، توما بايلى الدريخ، جورج آد، ويلا كاثر، ستيفن فنسنت بنيت، ويعتبر هؤلاء الكتاب من رواد هذا الفن فى الأدب الأمريكى، كما ترجم أيضا لكاتبين من الكتاب المعاصرين هما وليم فوكنر، وجون شتاينبك . كما أن اختيار العقاد لهذه القصص لهؤلاء الكتاب العظام لم يكن اختيارا عشوائيا، بل كان إختيارا موفقا إلى أبعد الحدود يتضح ذلك من اختياره لقصة " ريب فان وينكل " لواشنطن ارفنج، وقصتى " الخطاب المفقود " و " باطية النبيذ الشريشى " لأدجار آلان بو، والضفدعة النطاطة المشهورة " لمارك توين، وهى كنماذج للقصص التى تحمل سمات الموقف والحدث الذى يستغرق الحواس ويغمر النفس بالعاطفة المتقدة، وهى فى نفس الوقت تعبر عن رؤية العقاد تجاه مثل هذا النوع من القص والذى كتب عنه يقول : " فالقصة الصغيرة، أو الحكاية، لا تتسع لرسم شخصية كاملة أو عدة شخصيات كاملة من جميع جوانبها، ولا تتسع كذلك للحوادث الكثيرة ولا للحادثة الواحدة التى لا تتم الا مع التشعب والاستيفاء والاحاطة بأحوال جملة من الناس فى مختلف المواقف والأحوال، ولكنها قد تعطينا لونا من ألوان الشخصية كما تتمثل فى موقف من المواقف، فنفهمها بالايحاء والاستنتاج، وقد تعرض لنا موضعا نفسيا او موضعا اجتماعيا، ينفرد بنظرة عابرة ويؤخذ على حدة، فيدل كما تقدم دلالة الموقف والايحاء
من هنا كانت القصة الصغيرة لونا من الكتابة مناسبا كل المناسبة للادب الأمريكى، منذ استقل هذا الأدب بأقلامه وموضوعاته وعرف له رسالة قائمة بذاتها غير المحاكاة والتقليد .
فالمواقف أكثر ما تكون فى بلاد الاقاليم والاجناس، وبلاد التاريخ المذكور الذى تلتقى فيه الوقائع الحاضرة بالذكريات القريبة، وتصطبغ فيه هذه الذكريات بصبغة الخبر تارة وصبغة الاسطورة تارة أخرى، على حسب النظرة اليها، وعلى حسب " الزاوية " التى ينظر منها المقيم فى هذا الأقليم أو ذلك الاقليم ، ويقول العقاد محللا قصص هذه المجموعة :
وسيرى القراء فى مجموعة القصص التالية مذاهب المؤلفين فى اختيار المواقف خلال القرن الاخير، فقد كان الموقف وحده لا يكفى لكتابة القصة قبل سبعين أو ثمانين سنة، بل كان من الواجب أن يكون الموقف رائعا أو كافيا لاستغراق الحواس وغمر النفوس بالعاطفة، فلم يزل هذا الموقف يتطور مع الزمن حتى أصبح " الموقف " جديرا بالتسجيل كلما كان فيه موضع للملاحظة القريبة، أو للمقارنة العاجلة، أو للتأمل الذى ينبعث فيه القارئ مع نوازعه وأهوائه، غير متقيد بالكاتب فى نزعته أو هواه، وفى العصر الحاضر أصبح الكتاب من طراز فولكنر أو همنجواى أو شتينبك يكتبون القصة لموقف واحد لا ينتهى الى قارعة، ولا يتبعه الكاتب أو القارئ الى نتيجة مقصودة، فمن مواقف اقاصيصهم موقف رجل يدخل الى بيته فتنبئه زوجته أنها عثرت بخادمة موافقة، فاذا بالخادمة " لا توافق " لان الرجل يعلم بعد ان يراها انها كانت زميلته فى الدراسة، ولا تزال هى وهو يتناديان بالاسماء دون الالقاب . ومن مواقفها موقف مصارع يأتمر به منافسوه ليقتلوه، فيتلقى الخبر ولا يتبعه بعمل، لان حكم الموقف يأبى عليه الهرب كما يأبى عليه ابلاغ ولاة الأمور.. ومن مواقفها موقف شيخ من الجيل الماضى يسئم السامعين المحدثين بأخبار الطواف الى الغرب، ثم التمادى فى الطواف، فلا يطيق المحدثون سماع هذه " الاعاجيب " التى كانت فى يوم من الايام تهز المشاعر وتكفى وحدها للتغريب ثم التغريب من غير قصد الى مكان معلوم، وانما هو كشف آخر من جانب البر بعد الكشوف الاولى من جوانب البحر، ولا محل له من السمر او الكلام بعد ان كشف المحدثون كل بقعة من بقاع الغرب، ونسوا أنه كان غبيا مجهولا قبل جيل، هذه القصص تختار لهذه الدلالة، وتفيد فى اختيارها الى جانب القصص التى سبق اليها المؤلفون قبل جيل واحد، فهى القصة الصغيرة فى معرض الاجيال على حسب اختلاف المواقف والاحوال، ولهذا توضع المجاميع المختارة من الوان الفن وضروب الكتابة، ولعل هذه المجموعة ان تكون لها رسالتها الكافية بين المجاميع " (1) . كان هذا رأى العقاد فى القصة القصيرة أو القصة الصغيرة كما اسماها من خلال مجال الترجمة الذى أسهم فيه بترجمة ألوان مختلفة من القصة فى الأدب الامريكى، واعتقد ان العقاد بترجمته لهذه المجموعة قد أضاف إلى حياته الأدبية كتابا هاما من كتب القصة يضاف إلى روايته الوحيدة فى حياته الأدبية وهى رواية " سارة " وبذلك يكون العقاد قد أسهم بسهم ولو ضئيل فى هذا الجنس الأدبى المراوغ والذى كان للعقاد معه رأى آخر، ولاشك أن آراء العقاد عن القصة والتى ذكرها فى بعض مقالاته عنها تعطينا دلالة عن جانب هام من الجوانب الأدبية فى حياة العقاد، وهو وإن كان قد قدم الشعر عنها إلا إنها كانت تراوده فى أحيان كثيرة ومن جوانب مختلفة، وقد سبق للعقاد أن قدم لقراء العربية قبل ذلك الشاعر والروائى الأنجليزى " توماس هاردى " عندما نشر فى جريدة " البلاغ الأسبوعى " مقالة بعنوان " أزياء القدر " فى 8 أبريل عام 1927 علق فيها على مجموعة وصلت إليه من شعر ونثر توماس هاردى بقوله " : المأساة فيها مأساة الصراع بين الناس وبين قدر لا يقسو ولا يستخف ولا يأمرك ولا ينهاك .. وجهد أمرك أن تسأم ثم أن تسأم السآمة فتعمل، ثم أن تعود إلى السآمة من جديد " أما عن منزلة هاردى فى الرواية فقد قال العقاد إنها " فى الذروة العالية "، إلا إنه عاد وقال : " وللشعر فضل فى بلوغه هذه المكانة العالية فى ميدان الرواية " (2) . كما تساءل العقاد فى أحدى مقالته : " لم لم يمنح هاردى جائزة نوبل وهو على هذه المكانة فى الشعر والرواية، وينقل لنا العقاد ما قاله مؤلف القسم الأدبى من كتاب نوبل " الرجل وجوائزه " : الفكرة التى كانت سائدة بين أكثرية أعضاء اللجنة هى أنه " شديد التشاؤم والاستلام للقدر المقدور على نحو لا يلائم روح الجوائز ومنحاها " (3) .
ولعل الجانب الرؤيوى للعقاد فى القصة القصيرة وهو الجانب الذى يعنينا فى هذا المجال ولم يلتفت إليه الباحثين والنقاد على أهميته، وكانت نظرته إلى القصة القصيرة بإعتبارها فنا بدأ يأخذ مكانته بجانب بقية الأجناس الأدبية الاخرى بل، وبدأ يزاحم الشعر والرواية والمسرحية أيضا فى ساحة الأدب نظرة لها أهميتها فى الجانب الفكرى عند العقاد . فقد كان له آراء لها أهميتها الكبيرة سجلها فى العديد من المقالات حول فن القصة تاريخا وتجديدا وتأصيلا . نذكر منها على سبيل المثال هذه المساجلة التى جرت بينه وبين الكاتب الكبير نجيب محفوظ فى منتصف الأربعينيات حول المفاضلة بين الشعر والقصة، وقد كان العقاد قد ذكر فى كتابه " فى بيتى " من خلال حوار دار بينه وبين أحد مريديه، حول ما تحويه مكتبته من دواوين الشعر بالمقارنة بالكتب المرتبطة بفن القصة والرواية، اعقبها بمقالة حول هذا الموضوع بمجلة الرسالة فى عددها الصادر فى 3 سبتمبر عام 1945 تحت عنوان " الشعر والقصة " معلقا على رأى ساقه الأديب محمد قطب فى أحد أعداد المجلة حول رأيه فى فن القصة، يقول العقاد : " ونحن فضلنا الشعر على القصة فى سياق الكلام عليهما فى كتاب " فى بيتى " فكل ما قلناه إذن هو أن الشعر أنفس من القصة، وأن محصول خمسين صفحة من الشعر الرفيع أوفر من محصول هذه الصفحات من القصة الرفيعة .
فلا يقال لنا جوابا على ذلك إن القصة لازمة، وإن الشعر لا يغنى عن القصة، وإن التطويل والتمهيد ضرورتان من ضرورات الشرح الذى لا حيلة فيه للرواة والقصاصين .
ويستطيع الأديب الأستاذ محمد قطب أن يقرر كما قرر فى ( الرسالة ) : " أن القصة دراسة نفسية لا غنى عنها فى فهم سرائر النفوس، وليس الشعر أو النقد أو البيان المنثور بمغن عنها، لأنها فى ذاتها أحد العناصر التى يحتاج إليها قارئ الحياة " . ويستطرد العقاد حول هذا الموضوع فيقول : " إننى لم أكتب ما كتبته عن القصة لأبطلها وأحرم الكتابة فيها، أو لأنفى أنها عمل قيم يحسب للأديب إذا جاد فيه .
ولكننى كتبته لأقول " أولا " إننى استزيد من دواوين الشعر، ولا أستزيد من القصص فى الكتب التى أقتنيها، وأقول " ثانية " إن القصة ليست بالعمل الوحيد الذى يحسب للأديب، وإنها ليست بأفضل الثمرات التى تثمرها القريحة الفنية، وإن اتخاذها معرضا للتحليل النفسى او للاصلاح الاجتماعى لا يفرضها ضربة لازب على كل كاتب، ولا يكون قصارى القول فيه إلا كقصارى القول فى الذهب والحديد : الحديد نافع فى المصانع والبيوت، ولكنه لا يشترى بثمن الذهب فى سوق من الأسواق " (4) . وكأنما كانت مقولة العقاد حول القصة هى النار التى انتشرت فى الهشيم فقد أنبرى لها العديد من الأدباء على رأسهم أديب شاب ضرب بسهم وافر فى مجال القصة والرواية هو الكاتب الكبير نجيب محفوظ، وكان فى هذا الوقت لم تصدر له سوى الثلاثية الفرعونية ورواية خان الخليلى، وعدد لا بئس به من القصص القصيرة نشرت فى أعداد المجلة الجديدة التى كان يصدرها سلامه موسى، ورسالة الزيات، وثقافة أحمد أمين ومجلتى التى كان يصدرها أحمد الصاوى محمد .
وقد رد نجيب محفوظ على مقالة العقاد بمقالة فى نفس العدد تحت عنوان " القصة عند العقاد " فند فيه مزاعم العقاد فى انتصاره للشعر على القصة، قال نجيب محفوظ : انظر الى العقاد وقد لاحظ حواريه " فى بيتى " صغر نصيب القصص من مكتبته فأجابه قائلا : " لا اقرأ قصة حيث يسعنى أن اقرأ كتابا أو ديوان شعر، ولست أحسبها من خيرة ثمار العقول " . فالرجل الذى لا يقرأ قصة حيث يسعه أن يقرأ كتابا أو ديوان شعر ليس بالحكم النزيه الذى يقضى فى قضية القصة . والرجل الذى يلاحظ على مكتبته صغر نصيبها من القصة ينبغى أن تكون القصة آخر ما يرجع إليه فى حكم يتصل بها . بل إنه يفضل النقد – لا الشعر والنثر الفنى وحسب – على القصة . والمعروف أن النقد ميزان لتقويم الفنون، فكيف يفضل على أحدها ؟ ! وهل تنزل القصة هذه المنزلة عند شخص إلا إذا كان لها كارها وعليها حاقدا ؟ ! فحكم العقاد على القصة حكم مزاج وهوى لا حكم نقد وفلسفة . بيد أنى أريد أن أتناسى ذلك . وأريد أن أنظر نقده بعين مجردة ، لأن لكلام العقاد قيمة خاصة عندى، ولو كان مصدره المزاج والهوى " . ويستطرد نجيب محفوظ للدفاع عن فن القصة فيقول : " فالقصة لا ترمى لمغزى يمكن تلخيصه فى بيت من الشعر، ولكنها صوره من الحياة، كل فصل منها يمثل جزءا من الصورة العامة، وكل عبارة تعين على رسم جزء من الجزء، فكل كلمة وكل حركة تشترك فى إحداث نغمة عامة لها دلالتها النفسية والإنسانية، وكل جملة – فى القصة الجيدة – تقرأ وتستعاد قراءتها ولا يغنى عنها شئ من شعر أو نثر، ولا تحسبن التفاصيل فى القصة مجرد ملء فراغ، ولكنها ميزة الرواية حقا على فنون القصة الأخرى وفنون الأدب عامة، وهى لم توجد اعتباطا ولكنها جاءت نتيجة لتطور العصر العلمى العام " . وكما انتصر العقاد للشعر فى مقالته، انتصر نجيب محفوظ للقصة فى رده على هذه المقالة، ويستطرد نجيب محفوظ فى ذلك فيقول " أجل إن القصة لا تزال أعظم انتشارا من الشعر ولكن أكان ذلك لسيئه فيها أم لحسنة ؟ إن الخاصة التى تقرأ الشعر الرفيع وتتذوقه تقرأ القصة الرفيعة وتشغف بها، وإذا كان العقاد لا يقرأ القصة إلا مضطرا فطه حسين والمازنى والحكيم وايزنهاور* يقرءونها بغير اضطرار، ولئن انتشرت القصة فى طبقات أخرى فما ذلك لسيئه بها ولكن لحسنتين معروفتين : سهولة العرض والتشويق . فانتشار القصة الجيدة بين قوم لا يهضمون الشعر الجيد مرده الى أن القصة فى ظاهرها حكاية تروى يستطيع أن يستمتع بها القارئ العادى لسهولتها وتشويقها . وليس بالسهولة من عيب يجرح الذوق السليم، ولا بالتشويق من انحطاط يؤذى الفهم الرفيع وهى بعد ذلك تحوى قيما إنسانية كالشعر الرفيع يتذوق القارئ منها على قدر استعداده . وحسب القصة فخرا أنها يسرت الممتنع من عزيز الفن للافهام جميعا، وأنها جذبت لسماء الجمال قوما لم يستطع الشعر على رسوخ قدمه رفعهم إليها، فهل يكره العقاد ذلك أو أنه يحب كأجداده كهنة طيبة أن يبقى فنه سرا مغلقا إلا على أمثاله من العباقرة !! " (5) .
وعلى الرغم من آراء العقاد التى ساقها نحو القصة والشعر والمفاضلة بينهما، إلا إنه كان يحتفى دائما بنهضة الأدب العربى فى أى مجال من مجالاته شعر أو قصة أو رواية أو نقد وكان يطمح دائما فى أن تتقدم الفنون والآداب وأن تنال نصيبها من الرقى والتسامى والأنتشار، ويرجو لهذه الفنون أن تتجه نحو الأرفع والأنفع للمجتمع ولقراءه من الجنسين حيث أشار إلى : " أن نصيب القصة فى الكتابة المنثورة آخذ فى الازدياد والانتشار، وأن فن القصة بين الآداب العالمية . وفى بعض القصص التى تؤلف فى هذه الفترة نزوع إلى ما يسمى بالأدب المكشوف ترتضيه طائفة من قراء الجنسين، ولا يقابل بالرضى عنه من جمهرة القراء، ثم يلاحظ مع هذا أن الترجمة تنقص فى الربع الثانى وأن التأليف يزداد ويتمكن فى كثير من الأغراض . ولعل مرجع هذا إلى نمو الثقة بالنفس فى الأمم العربية، وإلى ظهور طائفة من الكتاب يستطيعون الكتابة فى موضوعات مختلفة، كانت وقفا على الترجمة قبل ثلاثين أو أربعين سنة " (6) .
وفى مقالاته التى كان يؤصل بها فن القصة، ويؤرخ لجوانبه المختلفة كتب العقاد افتتاحية أحد أعداد القصة التى كانت تصدرها مجلة الهلال فى الأربعينيات، وهو عدد شهر أغسطس عام 1948 تحت عنوان " قصة القصة " يقول العقاد فى هذه الإفتتاحية : " ولدت مع الأسرة، ودرجت مع القبيلة، ونمت فى المجتمع القديم وبلغت أشدها فى المجتمع الحديث، وكان موضوعها أبدا هو أقدم موضوع وأخلد موضوع، شغل به الناس وتشوقوا إلى سماع الحديث فيه .. وهو – أو هى مواضيع – الحب والبطولة وعجائب الأخبار وخفايا الدنيا . ولم يعرف التاريخ قصة أقدم من القصة المصرية، لسبب ظاهر .. هو أن المجتمع المصرى كان أقدم مجتمع عرفه التاريخ، كما كان للشرقيين السبق فى ميدان القصة بعد زوال دولة الفراعنة، فظهرت القصة فى الأسكندرية وسوريا، قبل أن تظهر فى آسيا الصغرى وسائر بلاد الأغريق، وان كان الاغريق عرفوا الملاحم الشعرية قبل ذلك . ولم تزل قصب السبق فى أيدى الشرقيين الى اوائل القرون الوسطى . فاستمع الناس فى مصر وسوريا وفارس إلى الرواية والمحدث، قبل أن تقرأ القصة فى أوربا ببضعة قرون . وبدأت سلسلة ألف ليلة وليلة فى القرن العاشر للميلاد، ولم يؤثر نظير لها فى الغرب قبل القرن الحادى عشر " أحاديث الغرام " للايطالى فرنسسكو بربرينو، ولعله كما يدل عليه أسمه Barbareno من أصل مغربى او من بلاد البربر على الاجمال، وتلاه بوكاشيو باصابيحه العشر " الديكامرون " على نسق الف ليلة، مستبدلا الأصباح بالمساء . ثم انتقلت قصبة السبق فى هذا المضمار من يد الشرق إلى يد الغرب بعد القرن الخامس عشر، ولكنه كان كانتقال الكتاب من يد المعلم إلى يد التلميذ، لأن سرفانتس صاحب دون كيشوت – واكبر قاص فى القرن السادس عشر على الاطلاق – قد عاش زمنا فى افريقيا الشمالية، وردد كثيرا من الامثال العربية فى قصته الكبرى التى نعى بها عهد الفروسية، ولكنه مبتكر من جانب الموضوع أو جانب القدرة على خلق الشخصيات . ويقال أن دانيال ديفو اكبر القصاصين الأنجليز بين القرن السابع عشر والثامن عشر، قد وضع روايته الشائقة عن " روبنسون كروزو " على نسق " حى ابن يقظان " . اما القصة فى طورها الأخير، فهى بحق وليدة المجتمع الاوربى الحديث، ولم يكن من المستطاع ان تظهر قبل ذلك . ففى القرن الثامن عشر ولدت القصة الحديثة، وأصبح القصص فنيا مستقلا عن سائر الفنون، او اصبح موضوعا جديرا بالقراءة لغير التسلية وتزجية الفراغ، لانه اشتمل على الدراسات النفسية والدراسات الاجتماعية والدراسات التاريخية، وتخصص له كتاب مبرزون . وكان للقصة فى نشأتها الاولى من أقدم العصور، كبرياؤها التى تلازم كل شباب، فكانت لا تتنزل إلى الكلام عن أحد من غير زمرة الابطال والامراء، ولا تتنزل الى الحكاية عن حادث غير حوادث العجائب والغرائب، وقلما عنيت بحديث فى الحب إلا أن يكون حبا بين أمير وأميرة، أو بين شموس وأقمار " (7) .
وفى العدد الخاص بالقصة من مجلة الهلال الصادر فى يوليو عام 1949 كتب العقاد مقالة تحت عنوان " القصة والخرافة " يقول فيها : " اسم ( القصة ) عندنا اكرم لهذا الفن من معظم اسمائها فى اللغات الاوربية، ان لم يكن اكرم من جميع اسمائها . فهم يطلقون على الموضوعات القصصية كلمة واحدة هى كلمة " فكشن " أو Fiction باللغة الأنجليزية، مع تصحيف يسير فى نطق الكلمة باللغات الأخرى . ومادة الكلمة فى أصلها لا تدل على شئ غير معنى التلفيق والتزوير، وليس من كاتب فى العصر الحديث يرضى لمؤلفاته ان تنعت بالتلفيق والتزوير، بل لا يرضى لها ان تنعت بمجرد المحاكاة والتقليد، وهما معنى من معانى التزييف فى بعض الاحوال . وعندهم كلمة اخرى تطلق على الرواية وهى كلمة " رومان " Roman منسوبة إلى اللهجات " الرومانية " المستحدثة فى اللغة اللاتينية القديمة فى اقطار اوربا الجنوبية . وقد جرت عادتهم فى تلك الاقطار ان يلفقوا القصص بلهجاتهم المستحدثة، وهى لهجات عامية بالقياس الى اللاتينية الفصحى، ويديرون موضوع القصص فيها على ابطال الفروسية فى عهد اللاتين، وعهد الرومان الأولين، ويملأونها بالغرائب والمبالغات والأمانى الكاذبة التى يطلقون عليها احيانا " بناء القصور فى الهواء " . وقد صنعنا نحن فى العربية مثل ذلك حين الفنا بالعامية أقاصيص الاغراب والاعجاب بابطال العرب الأقدمين، كالزير سالم، وسيف بن ذى يزن، وعنترة العبسى، وغيرهم ممن غبروا قبل ظهور اللهجات العامية . والقصة بهذا الاعتبار طبقة لا تتجاوز فى القيمة الفنية طبقة هذه الملاحم التى يرويها شعراء القهوات البلدية لمن هم فى الغالب أميون لا يكتبون ولا يقرأون . وأصح كلمة عربية لترجمة " الفكشن " و " الرومان " بمعناهما هذا هى كلمة الخرافة " . أما اسم " القصة " بالعربية، فهو على خلاف ما يسبق على الخاطر، يفيد معنى غير معنى التوهم وخلق الحوادث على سبيل المحاكاة، أو الحكاية ! . ومعناه مأخوذ من قص الأثر . لأن الذى يقص الأثر يتتبع اخبار القوم ويعرف مذهبهم فى الأرض ومقامهم فيها . فهى مادة بحث وتحقيق، وليست مادة توهم وتلفيق . ومن ثم كان " القاص " عند العرب هو من يأتى بالقصة على وجهها، كأنه يتتبع معانيها، او كأنه يتتبع " قاص الأثر " انباء القوم فى عالم المكان .
وفى القرآن الكريم عن أم موسى عليه السلام حين فقدته : " وقالت لأخته قصيه " . أى أبحثى عنه . فالقص من هذه المادة هو المعرفة الصحيحة عن بحث وهداية، وليس هو التوهم والتخيل للتلفيق والاختلاق .
وقد شارك العقاد فى العديد من الندوات المرتبطة بالقصة ولعل الندوة التى عقدتها دارالهلال ونشرت بالعدد الخاص بالقصة فى يوليو 1949 وكان موضوعها أثر السينما والأذاعة فى القصة كانت نموذجا حيا لهذه الندوات التى تتناول القصة فى ذلك الوقت، وقد شارك فيها كل من الدكتور محمد حسين هيكل باشا والأستاذ عباس محمود العقاد والاستاذ محمود تيمور بك والأستاذ توفيق الحكيم والأستاذ طاهر الطناحى . وقد تحدث العقاد حول " حديث عيسى بن هشام " وأشار إلى أنها مقامة مطولة نسج فيها المويلحى على منوال مقامات الحريرى والهمذانى، ويبدو أن عنايته فيها كانت موجهة إلى اللغة أكثر منها إلى الاسلوب القصصى . على أن جانب القصة فيها يمكن أن يعد أساسا للمحاولات التى تلت ذلك، كما يمكن أن يعد من هذا القبيل أمثال " أم القرى " و " طبائع الاستبداد " للكواكبى ، وقصة " سابور " لشوقى . كما عرج العقاد للحديث عن الحوار العامى فى القصة حيث قال : " ولعل اقدام هيكل باشا على اجراء الحديث فى قصة " زينب " باللغة العامية كان متابعة للأستاذ لطفى السيد باشا واستجابة لما كان يدعو اليه من ذلك فى " الجريدة " . وأشار العقاد إلى المقالة التى كتبها أحمد لطفى السيد حول الكتابة باللهجة العامية تحت عنوان " اللغة العامية ما لها ؟ إذا كتبناها زى ما هى ، يجرى ايه ؟! " . وقال العقاد أيضا ردا على تعليق لتوفيق الحكيم حول اتجاهات القصة العربية حيث قال : " اعتقد ان القصة يمكن أن تقسم إلى قسمين : اجتماعى، وانسانى، ففى القسم الأول يكون ابطال القصة ممثلين للمجتمع الذى يعيشون فيه . وفى القسم الثانى يكون ابطالها صورا عامة شائعة للمشاعر الانسانية فى كل زمان وكل مكان . وعندى ان القصص الانسانية مثل " هاملت " وغيرها من قصص شاكسبير، وقصة " أهل الكهف " للأستاذ توفيق الحكيم اكبر نفعا وابقى أثرا . وفى الاستطاعة ترجمتها الى جميع اللغات، وان تقبل عليها وتفيد منها مختلف الطبقات . كما علق العقاد على رأى الدكتور حسين هيكل حول رأيه فى أنه لا خوف على القصة من الأذاعة والسينما . يقول العقاد : " إن القصص الفنية التى تقوم على التحليل النفسى وتصور مختلف ألوان التفكير والعواطف البشرية، لن تضيرها السينما والاذاعة شيئا . وانى لأوثر ان اقرأ قصة لكرامازوف او تولستوى على أن اشاهدها فى السينما . اما القصص الشعبية و " الحواديت " الموضوعة للتسلية ففى ميدان تلخيصها والاقتباس منها متسع للسينما والاذاعة والصحافة، كما هو مشاهد الآن . ولعل بعض هذه القصص يزداد الاستمتاع بها اذا شوهدت فى السينما او سمعت فى الاذاعة . كما أشار العقاد ايضا حول كتابنا وكتاب الغرب بقوله : " لعل الفرق بين الشرق والغرب فى انتاج القصة يرجع اكثره الى توافر اسباب النشر والرواج فى الغرب نظرا لتقدم الطباعة وكثرة القراء . ومما يذكر انه ظهرت هناك قصة فى سبعة مجلدات عن أحداث العالم . أما كتاب القصة عندهم وعندنا فليس ثمة فارق كبير بينهم (8) .
وقد اشترك العقاد فى تحكيم العديد من مسابقات القصة ولعل المسابقة التى اقامتها دار الهلال للقصة القصيرة فى نهاية الأربعينيات وظهرت نتيجة المسابقة فى العدد الخاص بالقصة فى أغسطس 1948 تعتبر نموذجا لهذه المسابقات التى كان الغرض منها البحث عن اقلام جديدة ومواهب شابة تدفع بدماء جديدة فى مجال القصة القصيرة، وكانت شروط المسابقة هى أن تكون القصة شرقية عربية تدور حول الوطنية والبسالة ولا يزيد عدد كلماتها عن 1500 كلمة، وقد اشترك فى هذه المسابقة 275 كاتبا، وتكونت لجنة التحكيم من : الأستاذ عباس محمود العقاد والدكتور طه حسين والسيدة أمينة السعيد ومحمود تيمور بك والسيدة بنت الشاطئ والدكتور أحمد زكى بك والاستاذ طاهر الطناحى، وقد فاز بالجائزة الاولى فى هذه المسابقة الأديب محمد عبد الحليم عبد الله عن قصته " ابن العمدة " وكانت قيمة الجائزة خمسون جنيها، وفاز بالجائزة الثانية الأديب سليم اللوزى عن قصته " البطل " وكانت قيمة الجائزة ثلاثون جنيها (9) .
لعلنا فى هذه الأطلال الخاصة بعلاقة العقاد بفن القصة، نكون قد دخلنا إلى منطقة لم يطرقها أحد من الباحثين قبل ذلك من التاريخ الأدبى للعقاد، وهو التاريخ المضئ المتوهج فى كافة مجالات الفكر والإبداع، وإن كانت القصة لم تحظ منه إلا بالقليل، إلا أن هذا القليل كان علامة مضيئة فى الساحة الإبداعية فى تاريخ الأدب العربى الحديث، حيث كانت روايته " سارة " والمجموعة المترجمة من الأدب القصصى الأمريكى وآراؤه حول فن القصة وما قدمه للأدب فى هذا المجال هو خلاصة فكر العقاد وبصماته القوية العملاقة فى النهضة الأدبية التى ظهرت بعد ذلك، ومهدت الطريق إلى أجيال جديدة جاءت من بعده أثرت فن القصة والرواية الحديثة بأعمال توجت بعد ذلك بحصول الرواية العربية متمثلة فى شخص اديبنا الكبير نجيب محفوظ على جائزة نوبل فى الآداب .
الهوامش
(1)القصة الصغيرة ، عباس محمود العقاد ، مجلة الشهر ، القاهرة ، ابريل 1959
(2)هاردى والعقاد ، د . سليمان محمد أحمد ، الآداب الأجنبية ، دمشق ، ع 50/51 ، شتاء/ربيع 1987 ص 118
(3)نفس المصدر ص 119
(4)الشعر والقصة ، عباس محمود العقاد ، الرسالة ، القاهرة ، ع 635 ، 3/9/1945 ص 939
•نشرت هذه المقالة فى سبتمبر عام 1945 أى بعد أنتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة وكان أيزنهاور وقتئذ القائد الأعلى لقوات الحلفاء المنتصرة فى الحرب، لذا كان التمثيل باسمه من السمات التى تعطى للموضوع أهمية خاصة .
(5)القصة عند العقاد ، نجيب محفوظ ، الرسالة ، ع 635 ، 3/9/1945 ص 952
(6)الاتجاهات الحديثة فى الأدب العربى ، عباس محمود العقاد ، الرسالة ، القاهرة ، ع 606 ، 12/2/1945 ص 137
(7)قصة القصة ، عباس محمود العقاد ، الهلال ، القاهرة ، ج 8 المجلد 56 ، أغسطس 1948 ص 3
(8)أثر السينما والاذاعة فى القصة ( ندوة الهلال ) ، اشترك فى الندوة كل من الدكتور محمد حسين هيكل – الأستاذ عباس محمود العقاد – الاستاذ محمود تيمور بك – الاستاذ توفيق الحكيم ، الهلال ، القاهرة ، ج 7 ، المجلد 57 ، يوليو 1949 ص 110
(9)مسابقة القصة ، الهلال ، القاهرة ، ج 7 ، المجلد 57 ، يوليو 1949 ص 122







 
رد مع اقتباس
قديم 17-01-2007, 06:51 PM   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
حنان بيروتي
أقلامي
 
إحصائية العضو







حنان بيروتي غير متصل


افتراضي مشاركة: القصة القصيـــرة رؤئ من العالم العربي

معلومات قيمة ...أعجبني هذا الجزء
"القصة القصيرة سيسلب منها الكثير إذا وضع لها تعريف ثابت ومؤطر، حيث إنها تستفيد من كل الأجناس الأدبية وتتفاعل معها، ويبقى شيء هام.. هو أن القاص المبدع –الجاد- هو وحده القادر على شكل وصياغة هذه القيمة الإبداعية الهامة ليعيد بلورة واكتشاف مناطق هامة ربما تكون مهملة في ذواتنا وفي حياتنا الآنية"
دمت بخير.







 
رد مع اقتباس
قديم 19-01-2007, 06:32 AM   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
محمد صراء
أقلامي
 
الصورة الرمزية محمد صراء
 

 

 
إحصائية العضو







محمد صراء غير متصل


افتراضي مشاركة: القصة القصيـــرة رؤئ من العالم العربي

هذه الزاوية وجدت فيها أجمل ما قرأته عن القصة القصيرة..........

أخي نشكر لك هذا الموضوع , ونقدر جهدك.................

دمت مبدعاً.....


( لكل كاتب قصة قصيرة خلطة سرية لا يعرفها إلا هو فقط)







 
رد مع اقتباس
قديم 20-01-2007, 03:16 PM   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
محمود ابو اسعد
أقلامي
 
الصورة الرمزية محمود ابو اسعد
 

 

 
إحصائية العضو







محمود ابو اسعد غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى محمود ابو اسعد

افتراضي مشاركة: القصة القصيـــرة رؤئ من العالم العربي

العزيزة حنان بيروتي
شكرا لك على الحضور الدائم
دمت مبدعة







 
رد مع اقتباس
قديم 20-01-2007, 03:20 PM   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
محمود ابو اسعد
أقلامي
 
الصورة الرمزية محمود ابو اسعد
 

 

 
إحصائية العضو







محمود ابو اسعد غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى محمود ابو اسعد

افتراضي مشاركة: القصة القصيـــرة رؤئ من العالم العربي

الاخ العزيز محمد
شكرالحضورك
وشكرا لاعجابك
دمت مبدعا







 
رد مع اقتباس
قديم 14-02-2007, 03:43 AM   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
عبدالله العنزي
أقلامي
 
إحصائية العضو







عبدالله العنزي غير متصل


افتراضي مشاركة: القصة القصيـــرة رؤئ من العالم العربي

أعلم باني أتيت حاملاً خلفي التأخر والكسل . . والذي ألتمس منه العذر من صاحب هذا الموضوع الجزل . . قرات فاستفد وتمتعت بما عرفته عن معشوقتي . . ولكن لدي سؤال قبل أن ننثر الكلمات والمواد الدسمة عن القصة القصيرة . . !!



هل لي بأحدكم ان يأتي بتعريف للقصة القصيرة أتفق عليه الأدباء ؟


( نعم يوجد تعاريف مقنعة ولكنها ليست متشابهه )


هنا أربط ناقتي <<


البعض يا أحبة لا يعي معنى القصة القصيرة وماهي أهميتها بالحياهــ


لا يعي بان القصة متواجد بيننا وبشكل أساس ودعائم ليومياتنا التي نعاصرها


أتمنى ان يتفق أهل الأدب ان تصل معنى القصة القصيرة إلى أذهن بني البشر بصيغة سهلة ومختصرة ومن ثم نسرد عليهم هذه الكلمات والجمل الضخمة التي يتكاسل العقل أن يستوعبها بسرعة . . ,



تقبلوا تحيتي أساتذتي ولي عودة هنا .







 
رد مع اقتباس
قديم 15-02-2007, 07:29 PM   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
محمود العريان
أقلامي
 
الصورة الرمزية محمود العريان
 

 

 
إحصائية العضو







محمود العريان غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى محمود العريان إرسال رسالة عبر Yahoo إلى محمود العريان

افتراضي مشاركة: القصة القصيـــرة رؤئ من العالم العربي

حقاً قد سعدت جداً بتلك البوابة الرحبة التي استفدت منها كثيراً وقد عرضت لتاريخ القصة القصيرة ومحاولات التنظير والتعريف لها.
ولكن لي سؤال
هل يمكن أن يوضع تعريف للقصة القصيرة اليوم ؟
أظنه أمراً بات بالغ الصعوبة فقد تشعبت القصة القصيرة وتنوعت سبل التعبير فيها فلم تعد تلك القصة القصيرة التي كتبها الأولون وأصبحت هناك مدارس مختلفة ومناهج متعددة في كتابتها وأصبح لكل قاص رؤية مختلفة فيها فبات صعباً ايجاد تعريف موحد فيما أري ولست ناقداً ولا خبيراً فربما كنت مخطئاً.
علي كل حال الشكر موصول للأستاذ محمود أبو أسعد







 
رد مع اقتباس
قديم 20-02-2007, 12:38 AM   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
محمود ابو اسعد
أقلامي
 
الصورة الرمزية محمود ابو اسعد
 

 

 
إحصائية العضو







محمود ابو اسعد غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى محمود ابو اسعد

افتراضي مشاركة: القصة القصيـــرة رؤئ من العالم العربي

اخي العزيز
عبدالله
شكرا لتوجدك هنا اولا
وثانيا اجمل ما في الكتابة
هو التجرؤ على النص
وكسر القوالب الفنية للكتابة
ولكن ليس التفكيك فقط
اي بعثرة النص
بل الاتيان بما هو جديد
وفني يمثل اضافة
دمت مبدعا







 
رد مع اقتباس
قديم 20-02-2007, 12:44 AM   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
محمود ابو اسعد
أقلامي
 
الصورة الرمزية محمود ابو اسعد
 

 

 
إحصائية العضو







محمود ابو اسعد غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى محمود ابو اسعد

افتراضي مشاركة: القصة القصيـــرة رؤئ من العالم العربي

الكاتب المبدع
محمود العريان
اجتهد الكثير في باب التعريف
وهذا لما حظي به
هذا الجنس الادبي من اهتمام
وحضور في الساهة الادبية
وفي المشهد الثقافي العام
ويبقى الباب مشرعا امام الجميع
وهذا سر الابداع
دمت بخير







 
رد مع اقتباس
قديم 16-03-2007, 04:01 AM   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
الحسين النوحي
أقلامي
 
إحصائية العضو







الحسين النوحي غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى الحسين النوحي إرسال رسالة عبر Yahoo إلى الحسين النوحي

افتراضي مشاركة: القصة القصيـــرة رؤئ من العالم العربي

أستاذي محمد مساء الخير أولا أسعدتني قراءة موضوعك المفيد الذي أشرت فيه إلى العديد من الأشياء المفيدة و التي لا بد لكل قاص أن يلم بها و يجعلها قاعدة ينطلق منها دون أن يكون لذلك تأثيرا على ملكة التجريب و الإبتكار,نبدة تاريخية عن ظهور القصة و أنواع من القصص القطرية و الجذور التي انطلت منها كالمقامة و الأشكال التي مرت منها كالصورة القصصية إلى أن تمخضت عنها هذه التجارب الناضجة التي نعاينها الآن.أخي محمد شكر الله لك مجهودك و دمت لنا مبدعا و أستاذا







 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
القصة القصيـــرة رؤئ من العالم العربي محمود ابو اسعد منتدى القصة القصيرة 3 12-10-2010 11:43 AM
التقنيات الفنية و الجمالية المتطورة فى القصة القصيرة حسن غريب أحمد منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي 4 16-08-2009 03:44 PM
بشار العيسى (فنان تشكيلي سوري عالمي يكتب لوحاته بالشعر واطياب شقائق النعمان ؟) عبود سلمان منتدى الفنون والتصميم والتصوير الفوتوجرافي 9 15-07-2009 01:54 PM
حجم القصة القصيرة ( قمة الجبل العائم ) خالد جوده منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي 3 24-04-2008 05:24 PM

الساعة الآن 11:16 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط