|
|
منتدى الحوار الفكري العام الثقافة ديوان الأقلاميين..فلنتحاور هنا حول المعرفة..ولنفد المنتدى بكل ما هو جديد ومنوع. |
مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان) |
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
16-03-2013, 03:00 PM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
أرُوح لِمين ؟!
أجلسُ فى استراحة الاستديو أرتشف الشاى قبل الدخول على الهواء ، أتابعُ كلمات من سبقونى من رجال أعمال أتراك حولَ آفاق التعاون المصرى التركى ، يأتى الضيف الذى سيشاركنى الحوار " مساعد رئيس تحرير مؤسسة صحفية مرموقة " ، يُبدى امتعاضه وتأففه جالساً على طرف الأريكة ويسأل وظهره لى : " كيف وقد قيلَ لى اننى سأظهر مع فلان ؟! " ابتلعتها مع الشاى وطلبتُ محاورَ اللقاء ورحتُ أدون بعض الأفكار ، كتمتُ ضحكاتى التى تخرج عادة فى صورة قهقهات وأنا أتابعُ مُعدة الفقرة المفتوحة عن ملف " التجربة التركية " وهى تُلاحقُ أستاذاً جامعياً أبْدى امتعاضه وتأففه هو الآخر من الظهور مع صحفى شاب متخصص فى الشأن التركى . بدأَ صاحبى فى التخلى عن كبريائه المُصطنع : " لولا أنك من ( البناء والتنمية – الجماعة الاسلامية ) لما تعاطيتُ معك ، ولو كنتَ اخوانياً لغادرتُ فوراً .. هل زرتَ تركيا ؟! " لطالما تمنيتُ زيارة تركيا ، وقد أفاضَ هو فى وصف رحلاته لتركيا والنظافة والشياكة والجمال وحب الأتراك لوطنهم .. الخ . قلتُ ان لدينا كمصريين عقدة كبيرة مُستعصية على الحل وهى أولاً : الانبهارُ الزائد بالآخر وعدم الوعى بالذات ، وثانياً نأخذ من الآخر ما يتلاءم مع توجهاتنا ويُرضى غرورنا ونترك الباقى . ولذلك ركزتُ فى حديثى على أسبقية النهضة المصرية ؛ فمصرُ متقدمة ورائدة منذ مائتى عام أو يزيد وقد أنشأت بنيتها التحتية فى عهد الخديوى اسماعيل بينما كان الأتراك وزائروهم يسدون أنوفهم بأيديهم بسبب رائحة الصرف الصحى " العطرة " المنبعثة من خليج البوسفور فى أكبر مدن تركيا فى تسعينات القرن الماضى . مصر رائدة وقوية ومتقدمة قبل عقود ، وقبلَ أن تظهر قوة تركيا وغيرها ، وما حدث أننا فقدنا البوصلة وتراجعنا كثيراً عن مكانتنا ، والسرُ يكمنُ فى هذا المشهد الذى أراه فى الكواليس " أننا لا نطيقُ بعضنا البعض ويتأففُ أحدنا من الجلوس مع الآخر " ! رفض الاخوان فى منتصف القرن الماضى التعاون مع الناصريين وحاولوا جعلَ عبد الناصر مجرد ديكور والفوزَ بأكبر عدد من كراسى الوزارة ، ولو قبلوا بالقليل لوثقَ فيهم وأمن جانبهم ولحدث التحالف " الحلم " بين ناصر والاخوان ؛ أى بين الحركة الاسلامية والثورة ولحافظت مصر على نهضتها وتفوقها الصناعى والاقتصادى ، واليومَ يحدث العكس ؛ حيث تتخلى الثورة عن الحركة الاسلامية ! وكما تحالف الاخوان من قبل مع محمد نجيب لافشال عبد الناصر ، يتحالف الناصريون واليسار اليوم مع جميع أعداء الاخوان لافشالهم ! الجميع ينظرُ للسلطة ولعدد الكراسى والحقائب الوزارية ويتوجس من الآخر خيفة ولا يثق فيه ، ولو رضى الاخوان قديماً بالقليل وأبدعوا فى وزارتى التعليم والثقافة ، أو الثقافة والأوقاف لأعطاهم عبد الناصر المزيد ولأصبحت مصر قوة عظمى اقتصادياً وسياسياً بهذا التحالف التاريخى ، ولتجنبت مصر هذا الصراع العنيف وهذا الميراث الثقيل من الأحقاد والكراهية بين التيارات السياسية من جانب وبين المنظومة الأمنية - وفى مقدمتها الجيش – وكل ما هو اسلامى من جانب آخر ، واليوم يتكرر السيناريو مع تبادل الأدوار مع اصرار الناصريين وحلفائهم على افشال الاخوان لاحتلال مكانهم فى السلطة . عرضتُ هذه الفكرة فى البرنامج ؛ فمصر لن تستعيد نهضتها الا بهذا التحالف وبهذه الروح التصالحية ، وربما بجيل آخر لا يعرف هذه الأحقاد وتلك الثارات القديمة ؛ وربما كان هذا سبباً رئيسياً فى نجاح أردوغان ورفاقه من الاسلاميين الأتراك ، الذين أذاقهم أتاتورك الأمريْن وحكمهم بعلمانية متوحشة حتى وهو فى قبره ، ورغم ذلك يعلقون صوره ولا يتنكرون لماضيه ويُظهرون الاحترام لعلمانيته بعد وصولهم للحكم ، ولذلك كانت عشر سنوات من الانجازات الهائلة قفزت بتركيا الى قائمة الكبار اقتصادياً ، ولم تكن عشر سنوات من الكراهية والضغائن والنزاعات وتصفية الحسابات . هذا هو الفارق ؛ فالمصريون انشغلوا بتصفية الحسابات التاريخية ، لذلك يبحثون اليوم فى الاستفادة من التجربة التركية وغيرها ، وهم كانوا أجدر بأن يستلهم العالم تجاربهم قبل عقود طويلة . خرجتُ من ماسبيرو وليسَ فى مُخيلتى غيرُ الثوار وجملة آينشتاين العبقرية ؛ أخذنى الحنين الى ميدان التحرير وأشفقَ على المارة كأننى ذاهب الى حتفى ، مشيتُ بين الوجوه المخيفة فى صرامة واستنشقتُ الغاز وسالتْ الدموع ، ثم أسرعتُ الى تاكسى كأن الله تعالى أرسله بعدَ أن كادَ يُدركنى الخطر ، لكن المُدهش بالفعل أن السائق كان يستمع فى انسجام لأم كلثوم وهى تشدو " أرُوح لمين ؟! " . يا عزيزى .. هذا لم يعد ميدان ثورة ، بل ميْدان ثأر ! هشام النجار |
|||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | تقييم هذا الموضوع |
|
|