غالباً ما تكون مشكلتنا النفسية الناجمة عن علاقتنا الفاشلة مع الآخر هي سوء فهم العلاقة نفسها بحيث أننا نصنفها في غير موضعها الحقيقي ..وهكذا تظهر الإشكالات النفسية من تعاملنا مع العلاقة بوصفها شيئاً آخر غير ما هي عليه ....وما يساعد على نشوء هذه المشكلة هو أننا نتلبس أفكارنا ومعتقداتنا لتثبيت الحالة التي ترضينا بسبب بحثنا عن التوازن السريع الذي يؤمن هدوءنا النفسي .
إن أول ما نفعله حيال علاقة معينة مع شخص جديد لم يسبق لنا التعامل معه هو الإسراع في تصنيف هذه العلاقة ، وذلك بتسميتها باسم أقرب حالة نفسية إليها في جدول عواطفنا ، ومن سوء الحظ أن الأسماء التي تمثل العناوين الكبيرة في هذا الجدول محدودة فعلاً , فعدد أنواع العواطف الإنسانية محدود من حيث العناوين ..فهناك عاطفة الحب كعنوان عريض ويندرج تحتها أصناف وأشكال من علاقات التجاذب والتقارب بما لا حدود له من التمايز والتنوع ، كالارتياح والإعجاب والصداقة والحنو والشفقة والود والعشق ...إلخ ومع ذلك فإن العنوان الرئيسي لكل تلك الأشكال والأصناف من العلاقات إنما هو عنوان واحد ( الحب ).
وهناك عاطفة البغض وتحتها العديد جدا من أنواع العواطف كالحسد والغيرة والاشمئزاز والاحتقار والكره وغير ذلك ، وكلها أشكال مختلفة من علاقات التنافر والتباعد ، غير أن العنوان واحد (البغض ).
وغالباً ما تختلط المشاعر في البدء عند التعرض لعلاقة جديدة من نوع ما بحيث نحتار في تصنيفها هل هي إعجاب أم حب ، حب أم شفقة ، إنجذاب جنسي أم ارتياح نفسي ، صداقة أم عشق ..إلخ ، ومنذ اللحظات الأولى يكون للانطباع الشخصي دورالقيادة في توجيه الشعور . فيختلط في الانطباع الشخصي التقييم الحدسي مع التقييم الواقعي لمعطيات العلاقة ، ونعتمد في ذلك بشكل كبير على ما نتمتع به من الفراسة وهي القدرة على ملاحظة صفات الشخص الآخر وتفسير أبعاد شخصيته من خلال أفعاله وأقواله للتحقق من أهدافه حيالنا ،وللتحقق من مدى موافقته لمتطلباتنا النفسية والعاطفية ...لذلك فإن معظم الناس الذين ينجحون في جذب الآخرين يتمتعون بذلك الإيحاء بأنهم يمثلون الوعد أو الأمل المرجو عاطفيا ً .وعلى الرغم من أن الإيحاء قد يكون انعكاسا ً لحقيقة أولئك الأشخاص إلا أنها حقيقة عامة وليست موجهة نحونا بشكل خاص.
وبسبب ميلنا للتركيز على صفات دون أخرى أثناء بحثنا عن الطرائق المناسبة لإشباع حاجاتنا فسوف نجعل من تلك الصفات التي نحن نميل للتركيز عليها والتي تخدم دوافعنا سمات عامة لموضوع العلاقة الجديدة قدر الإمكان ..وقد تكون تلك الصفات موجودة فعلاً غير أنها ليست سوى صفات هامشية كما قد يتبين لنا فيما بعد ..غير أن بحثنا عنها جعلنا تلفت نظرنا لنراها أكثر مما قد نرى الصفات الأخرى .
إن سوء فهم العلاقة ووضعها في المكان غير المناسب لها في نفوسنا سيجعل من تلك العلاقة مصدراً للقلق والاضطراب ..ولأنها ليست حقيقة كما نحن نسميها ونصفها فسوف نبدأ بملاحظة ما ينافي ذلك التصنيف ويناقضه ومن هنا سيتولد لدينا شيئا فشيئا ً شعور بخيبة الأمل ..أو بالخديعة أو بالخيانة ، أو بالبرود والتجاهل ...إلخ ، وكل ذلك سيجعلنا نلوم الطرف الآخر على عدم وفائه ونلوم أنفسنا على تسامحنا مع من لا يستحق التسامح ...
لكن لو حلّلنا مجريات الأمور ببطء سنكتشف أننا قد فعلنا ذلك بأنفسنا لأننا اعتقدنا ما نحتاج اعتقاده وتلبسنا ما اعتقدناه ، نحن نتلبس ما نعتقد ...
ثناء حاج صالح