عندما كانت بداية عملي مع فئة المعاقين.. هؤلاء الفئة الذين أفقدهم الله ما أنعم به على سواهم وأنعم بهم ما أفقده سواهم كنت أظنهم ولا يزال البعض يظنهم أنهم عاجزون ،غير قادرون على فعل ما يفعله الأسوياء فقد كانت الإعاقة في الماضي بالنسبة لي هي مجرد كلمة تحوي في مضمونها العجز بكل معانيه .
واليوم وبعد أن انخرطت أكثر بالعمل معهم .. استشفيت هويتهم وتفحصت وجوههم وأفكارهم ، معتقداتهم وآمالهم وجدت أن التعامل معهم رائع في حيثياته وفي غاية الصعوبة إذا أردنا أن نضع نصب أعيننا أن العطاء لهم ليس مجرد كلمة وان تقديم الحب إليهم لا يجب أن يكون كبندول الساعة يتحرك بأمر من عقاربها دون أن يشير إلى وقت أو زمن معين !!
إن التعامل معهم يتطلب منا الوقت والجهد بحجم ما يشعرون به من مآسي وبحجم الألم الذي قد نشعر به وقد لا يشعروننا به فهو يسكنهم ويئنون بصمت ولكن كرامتهم هي الحدود السياسية التي يناضلون من أجلها فيكتمون شهقة الأسى من أفواههم ويُبدلونها بابتسامة تعلمنا معنى الإرداة.
لقد نجحت هذه الفئة في أن يكونوا للإرادة عنواناً وللكرامة تاريخاً ، ولقد سبقوني بمهمة غرس شتلات الأمل في نفسي قبل أن أزرعه أنا في أنفسهم ، نجحوا في عزف سيمفونية التحدي بعجلات كراسيهم المتحركة وأدركت الفرق أخيرا في المعنى بين كراسيهم وتلك الكراسي الأخرى التي يتصارع لأجلها الأفراد والدول بالجلوس عليها !!.
جعلوني أرى عزيمتهم كالقنبلة الموقوتة تتلاحق دقاتها في إيقاع حتمي حتى يُطربنا دوي انفجارهم ونسعد بإنجازاتهم.
آه أيتها الثورة المنسوجة من أجسام هزيلة في ظاهرها والمشتعلة في داخلها كيف استطعتم اجترار الربيع من عمق الخريف وإرسال دفقات من الحرارة في غمرة برد الشتاء .
إن العطاء لكم في صعوبته يبلغ المدى ولكن مجرد الدفاع عن حقوقكم المسلوبة في وطن يملأه الوجع ويروي أرضه دم نازف و تزداد فيه قوافل المعاقين يوماً بعد يوم قد يكون جزء بسيط من المهمة الملقاة على عاتقنا.
إن استمراركم باختراق المستقبل هو جزء من عزيمتكم ، وكرهكم للهزيمة هو جزء من انتصاركم وفي تحملكم لنظرة المجتمع الذي لا يرحم هو جزء من صبركم الذي أمر به الله سبحانه وتعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) .
ولست وحدكم عاجزون فكثير من الأحيان نشعر بالعجز في تقديم شئ ما وقد لا نملك إلا ثورة من كلمة وشئ من قلم !!
رشا محمد .