حرب جولدستون تشتعل وجبروت أوباما يطغى

[احمد العتيبي]

حرب جولدستون تشتعل وجبروت أوباما يطغى

محيط - جهان مصطفى

القاضي جولدستون

ما أن بدأ مجلس حقوق الإنسان جلسته الاستثنائية حول تقرير جولدستون، إلا وكشفت تقارير صحفية أن جنيف بدت وكأنها في حالة حرب ولكن ليس من الناحية العسكرية وإنما دبلوماسيا، حيث دخلت المجموعتان العربية والإسلامية من ناحية وإسرائيل وأمريكا من ناحية أخرى في سباق مع الزمن لحشد التأييد لوجهة نظر كل منهما.

وما يثير المخاوف بشدة في هذا الصدد أن إدارة أوباما دخلت بكل ثقلها لمنع التصويت لصالح إحالة تقرير جولدستون لمجلس الأمن الدولي، حيث كشفت مصادر دبلوماسية مطلعة في جنيف أن البرازيل التي صوتت في جلسة 2 أكتوبر لصالح التقرير تراجعت عن موقفها وأعلنت أنها لن تصوت لصالحه، الأمر الذي يؤكد أنها رضخت للضغوط الأمريكية.

فالتراجع السابق جاء بعد دقائق من تأكيد مندوب أمريكا في مجلس حقوق الإنسان أن بلاده لن تسمح بإحالة الموضوع لمجلس الأمن ، كما جاء بعد ساعات بعد إعلان مندوبة إسرائيل بالأمم المتحدة جابرييلا شاليف أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تعهدت باستخدام الولايات المتحدة "الفيتو" في حال قرر مجلس الأمن الدولي المصادقة على تقرير القاضي ريتشارد جولدستون حول الحرب على غزة.

وبجانب الضغوط الأمريكية غير العادية، فإن إسرائيل لم تتوان لحظة عن شن حرب نفسية شرسة ضد السلطة الفلسطينية، حيث أكد مسئول أمني إسرائيلي أن تل أبيب ستعاقب السلطة الفلسطينية في حال قامت بالعمل على تمرير تقرير جولدستون في مجلس حقوق الإنسان في جلسة 15 أكتوبر الاستثنائية.

ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن هذا المسئول قوله إن السلطة الفلسطينية تراجعت عن موقفها السابق بفعل الضغوط الشعبية وضغوط من وصفهم بالمتطرفين، مؤكدا أن إسرائيل لن تمر مرور الكرام على أي إدانة قد تحصل ضدها في جنيف رغم الجهود الكبيرة التي بذلت على كافة المستويات الان لضمان عدم تمرير التقرير.

وأضاف أن رسالة بهذا المعنى وصلت إلى قيادة السلطة تفيد بأن على هذه القيادة أن تدرك أن مصلحتها ومصيرها ومستقبلها السياسي والاقتصادي مرتبط بالتعاون مع إسرائيل في محاربة ما أسماه الإرهاب الفلسطيني.

وفي السياق ذاته، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال كلمة له أمام الكنيست الإسرائيلي في 12 أكتوبر أنه سوف يحشد ما يكفي من الأصوات لإسقاط تقرير القاضي جولدستون أمام مجلس حقوق الإنسان والذي يتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب خلال حربها على قطاع غزة.

كما أجرى نتنياهو اتصالا هاتفيا في 14 أكتوبر مع رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون وطلب منه العمل على منع إحالة التقرير إلى مجلس الأمن الدولي، زاعما أن إحالة التقرير إلى المجلس سيحد من القدرات الإسرائيلية على دفع عملية التسوية، ويبدو أن الحرب الدعائية من جانب إسرائيل بدأت تجد آذانا صاغية، حيث أعلنت فرنسا وبريطانيا عدم التصويت لصالح التقرير.

وهنا يقفز تساؤل جوهري: لماذا القلق الإسرائيلي من إحالة التقرير لمجلس الأمن إذا كان الفيتو الأمريكي بالانتظار؟.

احتجاجات فلسطينية تستنكر قرار التأجيل

والإجابة أن ما يقلق إسرائيل بشدة ليس إحالة التقرير لمجلس الأمن وإنما ما سيتبع استخدام الفيتو الأمريكي، حيث أنه سيكون من حق المجموعة العربية بالأمم المتحدة إحالة الموضوع للجمعية العامة للأمم المتحدة والتي يتوقع أن تحيل التقرير لمحكمة الجنايات الدولية، هذا بالإضافة إلى أنه فور التصويت لصالح التقرير في مجلس حقوق الإنسان، فإن منظمات حقوق الإنسان الدولية قد تأخذه على الفور وتذهب به للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس أوكامبو لتحريك دعاوى بارتكاب جرائم حرب ضد قادة إسرائيل.

ويبقى التساؤل الذي يشغل الفلسطينيين والعرب: هل سيتم تمرير التقرير في الجلسة الاستثنائية لمجلس حقوق الإنسان؟.

والإجابة ليست صعبة فقط وإنما تحمل أيضا كثيرا من المرارة، فخلال عرض التقرير للمرة الأولى على مجلس حقوق الإنسان في 2 أكتوبر كان هناك زخما دوليا حوله لأن مجازر إسرائيل هذه المرة جاءت بالصوت والصورة ومدعومة بشهادات موثوق بها وبفريق تحقيق معروف عنه الكفاءة حتى وإن كان القاضي جولدستون يهودي الديانة، هذا بالإضافة إلى أن إسرائيل لم تكن حينها تعلم علم اليقين بنوايا تصويت كل دولة لإجراء المساومات اللازمة.

أما الآن فالوضع مختلف، فحملة أمريكا وإسرائيل الشرسة بدأت تحدث ثغرات في حجم التأييد للتقرير، هذا بالإضافة للحقيقة الهامة وهى أن طلب السلطة الفلسطينية تأجيل مناقشة التقرير في جلسة 2 أكتوبر بعث برسالة سيئة للجميع بأن الموضوع لا يحظى باهتمام ذوي الشأن، الأمر الذي دفع المؤيدين للتفكير في حسابات المكسب والخسارة وهنا ظهر أن إغضاب أمريكا لن يعوضه أي مكسب من أناس غير مهتمين ومنقسمين على أنفسهم، خاصة وأنه بدا هناك تشرذما وعدم تنسيق بين مندوب فلسطين والمجموعتين العربية والإسلامية فيما يتعلق بقرار التأجيل.

والخلاصة أنه كان هناك فرصة ذهبية في جلسة 2 أكتوبر بعد أن حصل التقرير على تأييد أغلبية 35 صوتا من أصل 47 صوتا بمجلس حقوق الإنسان، أما في جلسة 15 أكتوبر، فإنه تردد أن التقرير لم يحصل سوى على تأييد 22 صوتا فقط، أي أن الأمر يبدو وكأنه في حاجة إلى معجزة.

وفي حال أخفق المجلس في التصويت لصالح التقرير، فإن التاريخ لن يرحم السلطة الفلسطينية لأنها أضاعت أول فرصة حقيقية منذ بدء الصراع العربي- الإسرائيلي لمحاكمة مجرمي الحرب في الكيان الصهيوني.

فضيحة التأجيل

عباس في ورطة

وكان العالم بأكمله فوجىء في 2 أكتوبر وبناء على طلب من السلطة الفلسطينية بتصويت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لصالح قرار يقضي بتأجيل تحويل تقرير لجنة تقصي الحقائق الدولية برئاسة القاضي اليهودي ريتشارد جولدستون بشأن ارتكاب إسرائيل لـ"جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية" في غزة للمحكمة الجنائية الدولية إلى مارس 2010.

وكشفت مصادر غربية أن البعثة الفلسطينية في المجلس وافقت على التأجيل نتيجة ضغوط من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، موضحة أن اتفاقا فلسطينيا إسرائيليا برعاية أمريكية طالب بتأجيل النظر في مشروع قرار يدين إسرائيل بارتكاب جرائم الحرب، رغم أن القرار كان سيحصل على أغلبية 35 صوتا من أصل 47.

ورجحت تلك المصادر أن الاتفاق على إحباط تقرير جولدستون تمت صياغته خلال زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لواشنطن في سبتمبر الماضي حيث التقى ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي باراك أوباما.

ومن جانبه، قال أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان إن تأجيل القرار جاء بناء على رغبة السلطة الفلسطينية بعد ضغوط مارستها الولايات المتحدة.

وفي المقابل، تناقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية قراراً صادراً عن السلطة الفلسطينية يقضي بعدم تبني توصيات تقرير الأمم المتحدة بإدانة إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة ، كما أكد السفير الإسرائيلي في جنيف روني لشنو صحة هذه الأنباء، وقال إن نظيره الفلسطيني ابراهيم خريشة أبلغه بذلك، واصفا القرار الفلسطيني بأنه يدعم ما أسماها استراتيجية السلام وأنه خطوة في الطريق الصحيح.

التصريحات السابقة أججت الغضب في الشارعين الفلسطيني والعربي تجاه موقف السلطة الفلسطينية التي سارعت للمطالبة بعقد جلسة استثنائية لمجلس حقوق الإنسان لمناقشة تقرير جولدستون مجددا وذلك في محاولة لحفظ ماء وجهها أمام الجميع.

ووافق مجلس حقوق الإنسان بالفعل على عقد جلسة استثنائية في 15 و 16 أكتوبر بعد نجاح الجانب الفلسطينى فى حشد تأييد 18 دولة عضوا فى المجلس لطلبه في هذا الخصوص، حيث كان يكفيه تأييد 16 صوتا فقط.