|
|
منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي هنا توضع الإبداعات الأدبية تحت المجهر لاستكناه جمالياته وتسليط الضوء على جودة الأدوات الفنية المستخدمة. |
مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان) |
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
28-08-2017, 09:16 AM | رقم المشاركة : 1 | |||||
|
من كتاب أسرار البلاغة ..
فصل [فن آخر من القول يجمع التشبيه والتمثيل جميعا] هذا فن آخر من القول يجمع التشبيه والتمثيل جميع؛ اعلم أن معرفة الشيء من طريق الجملة، غيرُ معرفته من طريق التفصيل، فنحن وإن كنّا لا يُشكل علينا الفَرْقُ بين التشبيه الغريب وغير الغريب إذا سمعنا بهما، فإنّ لوضع القوانين وبيانِ التَّقسيم في كل شيء، وتهيئةِ العبارة في الفروق، فائدةً لا يُنكرها المميز، ولا يخفَى أن ذلك أتَمُّ للغرض وأشفى للنفس، والمعنى الجامع في سبب الغرابة أن يكون الشَّبَهُ المقصودُ من الشيء مما لا يتسرّّع إليه الخاطر، ولا يقع في الوهم عند بديهة النظر إلى نظيره الذي يُشبَّه به، بل بعد تثبُّتٍ وتذكر وفَلِْي للنفس عن الصور التي تعرفها، وتحريكٍ للوهم في استعراض ذلك واستحضار ما غاب منه، بيان ذلك أنك كما تَرى الشمس ويجري في خاطرك استداراتُها ونورُها، تقع في قلبك المرآة المجلّوة، ويتراءَى لك الشَّبه منها فيها، وكذلك إذا نظرتَ إلى الوشي منشوراً وتطلّبتَ لحسنه ونَقْشه واختلاف الأصباغ فيه شبهاً، حَضَرَك ذكرُ الرَّوض ممطوراً مُفْترّاً عن أزهاره، متبسّماً عن أنواره، وكذلك إذا نظرت إلى السيف الصَّقيل عند سَلّه وبريق مَتْنِهِ، لم يتباعد عنك أن تذكر انعقاق البرق، وإن كان هذا أقلَّ ظهوراً من الأوّل، وعلى هذا القياس، ولكنَّك تعلمُ أن خاطرَك لا يُسْرعُ إلى تشبيه الشَّمس بالمرآة في كفّ الأشلّ، كقوله والشَّمس كالمرآة في كفّ الأشلْ؛ هذا الإسراعَ ولا قريباً منه، ولا إلى تشبيه البرق بإصْبع السّارق، كقول كشاجِم: أَرِقْتَ أم نِمْت لضَوءِ بارقِ *** مُؤْتِلقَاً مِثلَ الفُؤَادِ الخَافقِ كَأنَّه إصْبعُ كف السَّارقِ وكقول ابن بابك: ونَضْنَضَ في حِضْنَي سَمَائِكَ بارقٌ *** له جِذْوةٌ من زِبْرج اللاَّذِ لامِعَـهْ تَعوَّجُ في أعلى السحابِ كأنَّـهـا *** بَنَانُ يدٍ من كِلَّة اللاَّذِ ضَـارِعَـهْ ولا إلى تشبيه البرق في انبساطه وانقباضه والتماعه وائتلافه، بانفتاح المُصْحف وانطباقه، فيما مضى من قول ابن المعتز: وكأنَّ البرقَ مُصحَف قارٍ *** فانطباقاً مرَّةً وانفتاحَ ولا إلى تشبيه سطور الكتاب بأغصان الشوك في قوله: بشَكْلٍ يأخُذُ الحَرْفَ المحَلَّى *** كأن سُطورَهُ أغصانُ شَوكِ ولا إلى تشبيه الشَّقيق بأعلام يَاقوت على رِماح زَبَرجِد، كقول الصَّنَوبريّ: وكأنّ مُحمرَّ الـشـقـي *** قِ إذا تصوَّب وتصعَّـدْ أعـلامُ ياقـوتٍ نُـشِـرْ *** نَ على رماحٍ من زَبَرْجَدْ ولا إلى تشبيه النجوم طالعات في السماء مفترقات مؤتلفات في أديمها، وقد مازجت زُرقةُ لونها بياضَ نورها، بدُرٍّ منثورٍ على بساطٍ أزرق، كقول أبي طالب الرَّقّي: وكأنّ أجرامَ النُّجومِ لَوامعَـاً *** دُرَرٌ نُثِرْنَ على بِساطٍ أزرقِ ولا ما جرى في هذا السبيل، وكان من هذا القبيل، بل تعلم أن الذي سبَقَك إلى أشباهِ هذه التشبيهات لم يَسْبِق إلى مَدًى قريب، بل أحرز غايةً لا ينالها غير الجواد، وقَرْطَسَ في هدفِ لا يُصابُ إلاّ بعد الاحتفال والاجتهاد. واعلم أنك إنْ أردت أن تبحث بحثاً ثانياً حتى تعلم لم وَجَبَ أن يكون بعضُ الشَّبه على الذكر أبداً، وبعضه كالغائب عنه، وبعضُه كالبعيد عن الحضرةِ لا يُنال إلا بعد قطع مسافةٍ إليه، وفَضْل تعطُّفٍ بالفكر عليه فإنّ ها هنا ضربين من العِبرة يجب أن تضبطهما أوّلاً، ثم ترجع في أمر التشبيه، فإنّك حينئذ تعلم السَّبب في سرعة بعضه إلى الفكر، وإباءِ بعض أن يكون له ذلك الإسراع. فإحدَى العِبْرَتين أنّا نعلم أن الجملة أبداً أسبق إلى النفوس من التفصيل، وأنت تجد الرؤية نفسها لا تصل بالبديهة إلى التفصيل، لكنك ترى بالنَّظَر الأوَّل الوصفَ على الجملة، ثم ترى التفصيل عند إعادة النظر، ولذلك قالوا: النظرة الأولى حمقاء، وقالوا لم يُنعِم النَّظَر ولم يَسْتَقْصِ التأمّل، وهكذا الحكم في السمع وغيره، من الحواس، فإنك تتبيّن من تفاصيل الصَّوت بأن يعاد عليك حتى يسمعه مرّةً ثانيةً، ما لم تتبيّنه بالسماع الأول، وتُدرك من تَفْصيل طعم المَذُوق بأن تعيده إلى اللِّسان ما لم تعرفه في الذَّوْقَةِ الأولى، وبإدراك التَّفصيل يقع التفاضُل بين راءٍ وراءٍ، وسامع وسامع، وهكذا، فأمَّا الجُمَل فتستوي فيها الأقدام، ثُمَّ تَعلم أنّك في إدراك تفصيل مَا تراه وتسمعه وتذوقه، كمن ينتَقي الشيء من بين جُمْلة، وكمن يميِّز الشيء مما قد اختلط به، فإنك حين لا يهمُّك التفصيل، كمن يأخذ الشيء جُزَافاً وجَرْفاً. وإذا كانت هذه العبرة ثابتةً في المشاهدة وما يجري مجراها مما تناله الحاسّة، فالأمرُ في القلب كذلك تجدُ الجُمل أبداً هي التي تسبق إلى الأوهام وتقع في الخاطر أوّلاً، وتجد التفاصيل مغمُورة فيما بينها، وتراها لا تحضر إلا بعد إعمال للرؤية وإستعانةٍ بالتذكّر. ويتفاوت الحال في الحاجة إلى الفكر بحسب مكان الوصف ومرتبته من حدّ الجملة وحدّ التفصيل، وكلّماكان أوغل في التفصيل، كانت الحاجةُ إلى التوقُّف والتذكُّر أكثر، والفقرُ إلى التأمّل والتمهُّل أشدّ، وإذْ قد عرفتَ هذه العِبرة، فالاشتراك في الصفة إذا كان من جهة الجملة على الإطلاق، بحيث لا يشوبه شيء من التفصيل نحو أن كِلا الشيئين أسود وأحمر فهو يقلّ عن أن تحتاج فيه إلى قياس وتشبيهٍ، فإن دخل في التفصيل شيئاً نحو أن هذا السوادَ صَافٍ برَّاقٌ، والحمرةَ رقيقةٌ ناصعةٌ احتجتَ بقدر ذلك إلى إدارة الفكر، وذلك مثل تشبيه حمرة الخدِّ بحمرة التُفّاح والوَرْد، فإن زاد تفصيلُه بخصوصٍ تَدِقُّ العبارة عنه، ويُتعرَّف بفضل تأمُّل، ازداد الأمر قوّةً في اقتضاء الفكر، وذلك نَحْو تشبيه سِقْط النار بعين الديك في قوله: وسِقْطٍ كَعَيْن الدِّيكِ عَاوَرْتُ صُحْبَتِي..
|
|||||
28-08-2017, 09:59 AM | رقم المشاركة : 2 | |||||
|
رد: من كتاب أسرار البلاغة ..
وذلك أنّ ما في لون عينه من تفصيل وخصوصٍ، يزيد على كون الحمرةِ رقيقةً ناصعةً والسوادِ صافيّاً برَّاقاً، وعلى هذا تجد هذا الحدَّ من المرتبة التي لا يستوي فيها البليد والذكيُّ، والمهمِل نفسَه والمتيقّظ المستعدّ للفكر والتصوّر، فقوله:
|
|||||
28-08-2017, 10:00 AM | رقم المشاركة : 3 | |||||
|
رد: من كتاب أسرار البلاغة ..
قَصَدَ الشبه الحاصل لك إذا نظرت إلى الصبح والليل
|
|||||
28-08-2017, 10:02 AM | رقم المشاركة : 4 | |||||
|
رد: من كتاب أسرار البلاغة ..
التفصيُل في الأبيات الثلاثة كأنه شيء واحدٌ، لأن كل واحد منهم يُشبّه لمعان السيوف في الغُبار بالكواكب في الليل، إلاّ أنك تجد لبيت بشّار من الفَضل، ومن كَرَمْ الموقع ولُطْف التأثير في النفس، ما لا يَقِلُّ مقداره، ولا يمكن إنكاره، وذلك لأنه راعَى ما لم يُراعه غيره، وهو أنْ جعل الكواكب تهاوَى، فأتمَّ الشَّبه، وعبّر عن هيئة السيوف وقد سُلَّت من الأغماد وهي تعلو وترسُب، وتجيء وتذهب، ولم يقتصر على أن يُريك لَمَعانها في أثناء العجاجة كما فعل الآخران، وكان لهذه الزيادة التي زداها حظٌّ من الدقة تجعلُها في حكم تفصيل بعد تفصيل، وذلك أنّا وإن قلنا إن هذه الزيادة وهي إفادة هيئة السيوف في حركاتها إنما أتت في جملةٍ لا تفصيلَ فيها، فإنّ حقيقةَ تلك الهيئة لا تقوم في النَّفْس إلا بالنظر إلى أكثر من جهة واحدة، وذلك أن تعلم أنّ لها في حال احتدام الحرب، واختلاف الأيدي بها في الضرب، اضطراباً شديداً، وحركاتٍ بسرعة، ثم إن لتلك الحركات جهاتٍ مختلفة، وأحوالاً تنقسم بين الاعوجاج والاستقامة والارتفاع والانخفاض، وأنّ السيوف باختلاف هذه الأمور تتلاقى وتتداخل، ويقع بعضها في بعضٍ ويصدِم بعضها بعضاً، ثم أن أشكال السيوف مستطيلة، فقد نَظَم هذه الدَّقائق كلها في نفسه، ثم أحضرك صُوَرَها بلفظةٍ واحدة، ونبّه عليها بأحسن التنبيه وأكملِه بكلمة، وهي قوله: تَهَاوَى، لأن الكواكب إذا تهاوت اختلفت جهات حركاتها، وكان لها في تهاويها تواقُعٌ وتداخلٌ، ثم إنها بالتهاوي تستطيل أشكالها، فأمّا إذا لم تَزُلْ عن أماكنها فهي على صورة الاستدارة. ويشبه هذا الموضعَ في زيادة أحد التشبيهين مع أن جنسهما جنس واحد، وتركيبهما على حقيقة واحدةٍ بأنّ في أحدهما فضلَ استقصاءٍ ليس في الآخر، قولُ ابن المعتزّ في الآذرْيُون:
|
|||||
28-08-2017, 10:03 AM | رقم المشاركة : 5 | |||||
|
رد: من كتاب أسرار البلاغة ..
التفصيُل في الأبيات الثلاثة كأنه شيء واحدٌ، لأن كل واحد منهم يُشبّه لمعان السيوف في الغُبار بالكواكب في الليل، إلاّ أنك تجد لبيت بشّار من الفَضل، ومن كَرَمْ الموقع ولُطْف التأثير في النفس، ما لا يَقِلُّ مقداره، ولا يمكن إنكاره، وذلك لأنه راعَى ما لم يُراعه غيره، وهو أنْ جعل الكواكب تهاوَى، فأتمَّ الشَّبه، وعبّر عن هيئة السيوف وقد سُلَّت من الأغماد وهي تعلو وترسُب، وتجيء وتذهب، ولم يقتصر على أن يُريك لَمَعانها في أثناء العجاجة كما فعل الآخران، وكان لهذه الزيادة التي زداها حظٌّ من الدقة تجعلُها في حكم تفصيل بعد تفصيل، وذلك أنّا وإن قلنا إن هذه الزيادة وهي إفادة هيئة السيوف في حركاتها إنما أتت في جملةٍ لا تفصيلَ فيها، فإنّ حقيقةَ تلك الهيئة لا تقوم في النَّفْس إلا بالنظر إلى أكثر من جهة واحدة، وذلك أن تعلم أنّ لها في حال احتدام الحرب، واختلاف الأيدي بها في الضرب، اضطراباً شديداً، وحركاتٍ بسرعة، ثم إن لتلك الحركات جهاتٍ مختلفة، وأحوالاً تنقسم بين الاعوجاج والاستقامة والارتفاع والانخفاض، وأنّ السيوف باختلاف هذه الأمور تتلاقى وتتداخل، ويقع بعضها في بعضٍ ويصدِم بعضها بعضاً، ثم أن أشكال السيوف مستطيلة، فقد نَظَم هذه الدَّقائق كلها في نفسه، ثم أحضرك صُوَرَها بلفظةٍ واحدة، ونبّه عليها بأحسن التنبيه وأكملِه بكلمة، وهي قوله: تَهَاوَى، لأن الكواكب إذا تهاوت اختلفت جهات حركاتها، وكان لها في تهاويها تواقُعٌ وتداخلٌ، ثم إنها بالتهاوي تستطيل أشكالها، فأمّا إذا لم تَزُلْ عن أماكنها فهي على صورة الاستدارة. ويشبه هذا الموضعَ في زيادة أحد التشبيهين مع أن جنسهما جنس واحد، وتركيبهما على حقيقة واحدةٍ بأنّ في أحدهما فضلَ استقصاءٍ ليس في الآخر، قولُ ابن المعتزّ في الآذرْيُون:
|
|||||
28-08-2017, 10:04 AM | رقم المشاركة : 6 | |||||
|
رد: من كتاب أسرار البلاغة ..
فصل[في دقة التشبيه]
|
|||||
28-08-2017, 10:04 AM | رقم المشاركة : 7 | |||||
|
رد: من كتاب أسرار البلاغة ..
فصل[في دقة التشبيه]
|
|||||
28-08-2017, 10:07 AM | رقم المشاركة : 8 | |||||
|
رد: من كتاب أسرار البلاغة ..
ولم يلطف إلا لكثرة ما فيه من التفصيل، ولو قال كأنه متمطٍّ من نعاس واقتصر عليه، كان قريب المتناول، لأن الشَّبه إلى هذا القدر يقع في نفس الرائي المصلوبَ، لكونه من حَدِّ الجملة، فأمَّا بهذا الشرط وعلى هذا التقييد الذي يفيد به استدامَةَ تلك الهيئة، فلا يحضر إلا مع سَفَرٍ من الخاطر، وقُوّةٍ من التأمل، وذلك لحاجته أن ينظر إلى غير جهة فيقول هو كالمتمطّي، ثم يقول المتمطِّي يمدّ ظهره ويديه مدّةً، ثم يعود إلى حالته، فيزيد فيه أنه مُواصلٌ لذلك، ثم إذا أراد ذلك طلب عِلّته، وهي قيام اللُّوثة والكَسل في القائم من النعاس، وهذا أصلٌ فيما يزيد به التفصيل، وهو أن يُثَبت في الوصف أمرٌ زائدٌ على المعلوم المتعارَف، ثم يُطْلب له علّةٌ وسببٌ. ويُشبه التشبيهَ في البيت قولُ الآخر، وهو مذكور معه في الكتب:
|
|||||
23-09-2017, 11:12 AM | رقم المشاركة : 9 | |||||
|
رد: من كتاب أسرار البلاغة ..
فصل في التشبيه المتعدِّد والفرق بينه وبين المركّب :
|
|||||
23-09-2017, 11:14 AM | رقم المشاركة : 10 | |||||
|
رد: من كتاب أسرار البلاغة ..
لا يريد به تشبيه بياض الحُجول على الانفراد بالبَرْق، بل المقصودُ الهيئةُ الخاصّة الحاصلةُ من مخالطة أحد اللونين الآخر، كذلك المقصود في بيت بشّار بتشبيه النَّقع والسيوف فيه، بالليل المتهاوي كواكبه، لا تشبيهَ الليلِ بالنَّقْع من جانب، والسيوف بالكواكب من جانب، ولذلك وجب الحكم، كما كنت ذكرت في موضع، بأنّ الكلام إلى قوله: وأسيافنا في حكم الصلة للمصدر، وجارٍ مجرى الاسم الواحد، لئلا يقع في التشبيه تفريق ويُتوهَّم أنه كقولنا كأن مثار النقع ليل وكأن السيوف كواكب، ونصبُ الأسياف لا يمنع من تقدير الاتصال، ولا يوجب أن يكون في تقدير الاستئناف، لأن الواو فيها معنى مع، كقوله: فإنِّي وقَىّاراً بهَا لَغَرِيب وقوله كُلُّ رجلٍ وَضَيْعَتُهُ، وهي إذا كانت بمعنى مع، لم يكن في معطوفها الانقطاع، وأن يكون الكلام في حكم جملتين، ألا ترى أن قولهم: لو تُرِكت النَّاقَةُ وفصيلَها لَرَضِعَها، لا يكون بمنزلة أن تقول لو تُركت الناقة ولو تُرك فصيلها، فتجعل الكلام جملتين وكذا لا يمكنك أن تقول كل رجل كذا وضيعَتُهُ كذا، فتفرَّق الخبر عنهما كما يجوز في قولك زيد وعمرو كريمان، أن تقول: زيد كريم وعمرو كريم، وهذا موضع غامض، وللكلام فيه موضع آخر، وإن أردت أن تزداد تبييناً، لأن التشبيه إذا كان معقوداً على الجمع دون التفريق، كان حالُ أحد الشيئين مع الآخر حالَ الشَّيء في صلة الشيء وتابعاً له ومبنيّاً عليه، حتى لا يُتصوَّر إفراده بالذكر، فالذي يُفضي بك إلى معرفة ذلك أنك تجد في هذا الباب ما إذا فُرّق لم يَصْلُح للتشبيه بوجْهٍ، كقوله:
|
|||||
23-09-2017, 11:16 AM | رقم المشاركة : 11 | |||||
|
رد: من كتاب أسرار البلاغة ..
هو على الجملة جمعٌ بين شيئين في عَقْد تشبيه، إلاّ أن التشبيه في الحقيقة لأحدهما، ألا ترى أن المعنى على أنَّ فِعْلَهُ في التزيين بالمدح، كفِعل الآخر في محاولته أن يزّين الخنزير بتعليق الدُرّ عليه? ووجه الجمع أنّ كل واحد منهما يضع الزينة حيث لا يظهر لها أثرٌ، لأن الشيء غير قابل للتحسين، ومتى كان المشبَّه به كمعلّق في البيت، فلا شكّ أن التشبيه لا يرجع إلى ذات الشيء، بل المعنى المشتقّ منه الصفة، وإذا رجع إليه مقروناً بصلته على ما مضى في نحو مَا زَالَ يَفْتِل في الذِّروة والغارب، فقد شبّه تزيينَه بالمدح مَن ليس من أهله، بتعليق الدُّر على الخنزير هكذا بجملته، لا بالتعليق غير معدًّى إلى الدُّرّ والخنزير، فالشبهُ مأخوذ من مجموع المَصْدَر وما في صلته، ولا بُدّ للواو في هذا النحو أن تكون بمعنى مع، وأمرها فيه أبين، إذ لا يمكن أن يقال إنّي كذا وإنّ تزييني كذا، لأنه ليس معنا شيئان يكون أحدُهما خبراً عن ضمير المتكلم في إني الذي هو المعطوف عليه، والآخرُ عن تزييني المعطوف، كما يكون نحو بيت بشّارٍ شَيئان يمكن في ظاهر اللفظ أن يُجعل أحدهما خبراً عن النَّقع، والآخر عن الأسياف، إلى أن تجيء إلى فساده من جهة المعنى، فأنت في نحو إني وتزييني مُلْجَأٌ إلى جعل الواو بمعنى مع من كل وجه، حتى لا تقدر على إخراج الكلام إلى صورةٍ تكون فيها الواو عارية من معنى مع، ويكون تشبيهاً بعد تشبيه. فإن قلتَ إنّ في مُعلِّقٍ معنى الذات والصفةِ معاً، فيمكن أن يكون أراد أن يشبّه نفسه بذات الفاعل وتزيينه بالفعل نفسه، أقول لو أُريد إنّي كمعلّق دُرّاً على خنزير، وإن تزييني بمدحي معشراً كتعليق دُرّ على خنزير، كان قولاً ظاهر السقوط، لما ذكرتُ من أنه لا يُتصوَّر أن يشبّه المتكلم نفسَه، من حيث هو زيدٌ مثلاً، بمعلّق الدُرّ على الخنزير من حيث هو عَمْرٌو، وإنما يشبّه الفعل بالفِعْلِ فاعرفه. فإن قلت فما تقول في قوله:
|
|||||
23-09-2017, 11:18 AM | رقم المشاركة : 12 | |||||
|
رد: من كتاب أسرار البلاغة ..
فصل[في الموازنة بين التشبيه والتمثيل]
|
|||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | تقييم هذا الموضوع |
|
|