الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديــات الأدبيــة > منتدى القصة القصيرة

منتدى القصة القصيرة أحداث صاخبة ومفاجآت متعددة في كل مادة تفرد جناحيها في فضاء هذا المنتدى..فهيا لنحلق معا..

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-11-2019, 03:15 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ميمون حرش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







ميمون حرش غير متصل


افتراضي الرجل البومة

ما أكثر المفسدين والمرجـفين في بلدته!..
أوغروا صدره ضد بلدته، فتركها غير آسف! ويوم غادرها ذات شتاء، أقسم أن ينضاف إلى لائحة "خرج ولم يعد". ضرب في أرض الناس ،تطوح في بلدانهم مشرداً، طريداً .. بات جائعاً، التحف السماء واشتغل حمّالاً، ينوء تحت ثقل كل من يطلب خدماته. كان كبغل يلبي دون أن يحتج... سمع ممن حمل أثقالهم كلاماً جارحاً، ونابياً، وكان كل مرة يُـسرّي وقاحتهم بتحسس جيوبه، وهو يسمع ما لا يرضيه .. تلك طريقته في الحفاظ على أعصابه باردة. كان يقول : " لا بأس.. تركت أهلي من أجل المال، فلا مندوحة لي عن الصبر إذاً "...
اليوم يعود من سفرته، وفي نفسه بعضٌ من أمل في أن يجد دنيا الأمكنة التي تركها قد تغيرت، وسكنها الأمل، وأن ساكنيها قد تلطفت نفوسهم...
حزّ في قلبه أمر واحد، وهو أنّ أن أخته لم تكن هناك! سأل عنها. قيل له إنها يوم غادر البلدة أصابتها حمى، أقعدتها الفراش أياماً، ظلت تهذي باسمه، ولما توسم الجيران فيها أمارات الشفاء، لم يعثروا لها على أثر. وآخرون زعموا أنهم رأوها في قبة ولي صالح، رافضةً عرض العودة... وقليلون منهم قالوا له بدون فلسفة: "خرجتْ ولم تعد"...
سمع من هؤلاء كل التفاصيل، وازداد اقتناعاً بأن لعنة الرحيل آلة حاصدة لا تني .. اقتلعت من الجذر أباه الذي هجر أمه، وتركها أرملة، دون أن يرى ولديْه التوأم أبداً .. وأمه ماتت (والموت آلة أخرى)، بعد أن شب هو وأخته عن الطوق.. وما من شيء سيوقف هذا الزحف أباً عن جد .. الأهل سيغادرون .. اليوم أو غداً .. لا بد من ذلك .. لا يهم إلى أين. إنما الأساس في ربيدة العائلة هو التيه...
أخته راحلة إذاً، تعقبت القارظيْن (الأب والأم)! كيف تجرؤ وتغيب؟ وأي سبب قوي حملها على مغادرة البلدة؟ كيف تغيب عنها، وهي المؤمنة بأن رائحة الأرض، مثل ما يدفن فيها، محفوظة محفوظة... يا للسخربة!
هو يوم عزم على الرحيل أبت أن تودعه، لكنها غنت له:
"يا الرّايَحْ وِينْ أمْسافَرْ..
ترُوحْ تَعْيا وَتْوَلّي..
أشْحالْ مَنْ عباد الغافْلِينْ ندْمُو قبْلَكْ اٌو قبْلِي.."
البيت خالٍ اليوم إلا من شجرة لبلاب لم تكمل التفافها من محْل وهجران. صارت الدار خربة، وأول ليلة يقضيها داخلها آنسته بومة كانت تأوي إليه كل يوم، يقول الجيران إنهم تعوّدوا، مُجْبَرين، على نعيبها، لكنها، يوم رجع صاحب البيت، نعبت مرة، ثم ارعـوت كأنها تحتج على وجوده .. ومع مرور الأيام، سيألف كلاهما الآخر في النهاية...
في الأول، لم يعرف كيف يتأقلم في بيت ولد فيه دون أخته التوأم، لكن البومة كانت له سكناً، والطقس الذي تغير هو أنهما تبادلا الأدوار .. هو من أصبح "ينعب" ويصرخ بالليل لا البومة، فيما هي تظل الليل ترقبه...
في النهار يظل يسرح ماشياً كمن يكتشف البلدة لأول مرة .. شيء ما ليس عادياً فيها، لكنها لم تتغير مع ذلك ألبتّة إلا من صبية صغار، يتكاثرون يوماً بعد يوم، يملؤون فيها الزوايا، ينطّون، يرتعون. وحين يمر بهم لا يكره براءتهم، وإنما النزق الذي في داخلهم .. يتحولون إلى ما يشبه الفرقعات حين يرونه، يصرخون مشيرين إليه:
"إنه الرجل البومة!"..
في البداية، كره منهم ذلك، لكنه سيألفه منهم لاحقاً، إلا أن ما أمضّه كثيراً هو كيف ينظر إليه الكبار لا صغارهم. وحتى في بيت الله لا يسلم من حبائل نظراتهم، وبسبب البومة قاطعوه، قالوا إنه منحوس .. يجلب الشر والبلية، وكثيراً ما اتفقت "الجماعة" على التفكير في طريقةٍ لنفيه، لعلهم يجتثون اللعنة برحيله عن البلدة؛ لذلك أرصدوه مرات عدة، شَرَكاً لصيد بومته، إلا أنه في كل مرة يعود وفي حبائله الكثير من الأبوام، لا بومة واحدة.. حاول أن يتقرب من كل دار، وِهادها قبل قُننها، لكنْ دون جدوى .. ولم تزل نفسه في خطب وُدِّ أهل بلدته متوددة حتى اهتدى إلى أن يؤلّف قلوبهم عن طريق مصاهرتهم. وليضمن قَبوله عريساً، اختار أن يخطب ابنة إمام البلدة...
ورغم أن عرف البلدة يعتبر أن مَنْ يتقدم للخطبة وحده، دون أهله، لا يعني ما يقول أبداً، ويعدون تصرفه طيشاً .. رغم كل ذلك، طرق باب الفقيه (هذا ما أكدته الجماعة فيما بعد) .. استقبله الفقيه يومها خارج البيت، ولم يدم حديثهما سوى لحظات .. قال له:
- أنت تحفظ كلام الله، وتقي ورع، فهل تقبلني - أنا اليتيم - زوجاً لابنتك المصون..؟
الفقيه، أو آخر، كان سيفرح لخِطب كهذا في زمن كف الناس فيه عن الزواج، لكن رده أذهله:
- "الجماعة" تقول إنك تزوجت البومة! فما حاجتك بالزواج إذاً؟ ثم بالنسبة إليك، في مثل حالك، ويل خير من ويليْن!...
وبسبب البومة ظل بدون زوج .. الأيام من حوله دولاب .. وخط الشيب رأسه، واهتصرت السنون ظهره، كما مالت أغصان شجرة اللبلاب .. وكلما ازداد شيبه، جفت ورقة من الشجرة، وامتلأ البيت بالبوم. ولأنها كثيرة، لم يستطع أن يجاريها في النعيب ليلا .. تغلبت عليه؛ فصَمَتَ مضطراً...
يا له من مسكين!.. ما له بتأليف قلوب أهله يدان؛ لذلك فكر في الرحيل مرة أخرى، دون نية العودة هذه المرة. ولقطع هذا الأمل، عزم على بيع بيته .. لكن هيهات .. لا أحد من المشترين رغب في ابتياع بيته، رغم زهد ثمنه .. لا أحد يفكر أن يهب نفسه للشر بيديه! من يجرؤ على اقتحام النحس؟!...
ليلةَ الرحيل، بدت البوم كما لو تغير شكلها .. رائيها قد يجزم بأنها تشبه أي شيء سوى شكل الطير .. بدت كما لو نفقت .. كفت عن النعيب. وهو، من جهته، وجدها فرصة سانحة لأن يصرخ بكلام أخير كما لو كان بصدد ترْك وصية .. ظل الليل يردد، والدمع يرفض من جفنيه:
"يا أهل الخرافات،
ويا صناع العاهات..
أنحس بومة أفضل من رؤوسكم مجتمعة!..
أضعتموني إذ قرنتم اسمي بنحس،
مع أن أشرفكم مجرد نِكس..."
وفي اليوم الموالي، بعد صلاة العصر، عقد الأهالي العزم على طرد "الرجل البومة" من البلدة، مهما كان الثمن..
كان الرجل قد أغْلَسَ .
قصدوا بيته. في الطريق بدوا كأنهم يشيّعون ميتاً. كانوا يرددون: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"...
تجمهروا حيث يسكن. شكلوا دائرة حول البيت. حاصروه .. ارتفعت أصوات نشاز مصحوبة بمد أذرع طويلةٍ بدت كمعاول تتناطح في الهواء .. الناس يتطاير الشرر من عيونهم، متأهّبون لتغيير المنكر!.. بحّت الحناجر، ونفد صبر الجميع .. ولم يفضل غير اقتحام البيت .. يتقدم كبيرهم محاولاً تكسير الباب، غير أنه يتراجع فجأة .. صمتٌ رهيب أعقب ذلك. انفتح الباب، وإذا بامرأة (على الأرجح هي أخت الرجل المطلوب) متّشِحةً بلباس أبيض تستقبلهم، وتقول لهم:
"كعـادتكم.. لقد تأخـرتم كثـيراً!.."






التوقيع

لم تحولني الريح إلى ورقة في مهب الريح
لقد سقت الريح أمـــامــي..
ناظم حكمــت

 
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 11:54 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط