الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > منتديات اللغة العربية والآداب الإنسانية > منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي

منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي هنا توضع الإبداعات الأدبية تحت المجهر لاستكناه جمالياته وتسليط الضوء على جودة الأدوات الفنية المستخدمة.

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-11-2007, 08:02 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
د. حسين علي محمد
أقلامي
 
إحصائية العضو







د. حسين علي محمد غير متصل


افتراضي قراءة في قصة «أم دغش» لمجدي محمود جعفر

قراءة في قصة «أم دغش» لمجدي محمود جعفر

بقلم: أ. د. حسين علي محمد
...................................

قصة «أم دغش» هي إحدى قصص المجموعة الثانية لمجدي محمود جعفر، وقد صدرت عام (2002م) في سلسلة «إشراقات جديدة» التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويرأس تحريرها القاص الكبير عبد العال الحمامصي.
وفي هذه المجموعة نرى عالماً قصصيا رحباً، يمتد من القرية إلى المدينة، وتتسع آفاقه لرصد تجارب الحب الأول، والاستمتاع بالحياة، والتطلع إلى آفاق المستقبل، وتغص بالنجاحات الصغيرة والهزائم الكبيرة، وترسم دائرة الحلم لجيل يتطلع أن يقدم رؤيته للحياة الأدبية مشاركاً فيها بجسارة وهمة عالية.
وقد اخترنا من هذه المجموعة القصةَ التي تحملُ المجموعةُ عنوانها، وهي تحتل اثنتي عشرة صفحة (ص ص 5-16)، وتدور حول امرأة مصرية زوّجها أهلها من رجل كويتي يكبر أباها سنا، ولم تستطع أن تتوافق مع زوجها أو «مجتمعها» الجديد، أو "تتكيَّف" معه، فبنت لها على سطح منزلها برج حمام، وحاولت أن تقيم معه علاقة بديلة عن علاقتها بالبشر، وأخذت تُرسل رسائل مع الحمام إلى المسؤولين وأولياء الله الصالحين في مصر!
ويقوم بناء قصة «أم دغش» على المُفارقة التصويرية، كما يقوم الوصف بدور لافت فيها، حيثُ يركز القاص على وصف معاناة المرأة المصرية، التي تزوّجت كويتيا يكبرها في السن، ويصور القاص ببراعة أحزانها وأشواق روحها.
ويتسم الوصف في هذه القصة بالمزج بين الواقعية والغرائبية، فمن وصفه الواقعي لأم دغش بعد جلستها اليومية مع الحمام:
«تهدأ نفسها الثائرة و تستكين، يمتص الحمام ثورتها، ويشيع في نفسها البِشر والسرور، وكنا إذا أردنا منها شيئاً أجلناه لبعد قعدتها مع الحمام، ففي هذا الوقت لا ترفض لنا طلباً ولا تؤخر لنا أمراً ولا تبخل علينا بشيء، وتكون طيعة، لينة، هادئة 00».
ومن وصفه الغرائبي ـ الذي لا تحس بابتعاده عن الواقعي في الحدث والتصوير ـ قول القاص عن جناحين تصنعهما «أم دغش» على مهلها لتطير بهما راجعة إلى مصر:
«أقسم أحدنا أنه رأى - أم دغش - تصنع جناحين كبيرين من ريش الحمام، وتقيسهما على ذراعيها - وتحدانا - أن نتسلل إلى البرج في الليل - وسنرى الجناحين معلقين على الحائط، وقال إنه لا أثر لريش أو لزغب في المكان، وأم دغش رأيناها أكثر من مرة تنتف ريشاً و تنزع زغباً ... قلنا: من يدري .. عباس بن فرناس أول من حاول الطيران وفشل وقد تنجح أم دغش !!».
إن «أم دغش» هذه المرأة التي استُلبت: ففقدت كينونتها كامرأة لها حق اختيار الزوج، وتزوجت ـ زواجاً أقرب إلى الصفقة ـ من رجل أكبر من أبيها، وفقدت اسمها فأصبحت لا تعرف إلا بكنيتها «أم دغش» .. هذه المرأة يموت ابنها الذي يربطها بالحياة في الكويت التي لم تكن تهواها أبداً، ولا تريدها لأنها ارتبطت بهذا العذاب الذي تعيشه، ومن ثم نراها وقد شقت جلبابها ولطمت خدَّيْها، وأصبحت ترى الحياة في الكويت بلا معنى!
وقد أخذها المصريون بصعوبة إلى السطح وأدخلوها برج الحمام:
«سمعنا نوح الحمام وبكاءه .. وفى اللحظة آلتي كان يخرج فيها دغش مُحملاً في النعش، كانت أم دغش تقف على قمة البرج، تلبس الجناحين، يغطى الريش والزغب مناطق كثيرة من جسمها العاري، وحولها الحمام يحلق وينوح. وبينما الناس تتأهب للسير بالنعش - صحنا فيها:
ـ ارجعي 00 ارجعي يا مجنونة».
إن هذا الوصف يُكثف ما ساقه القاص حواراً على لسان «أم دغش» المرأة المستلبة حتى من اسمها، فقد صارت أما لدغش، لا تُعرف إلا به، وها هو «دغش» الحبل السري الذي يربطها بالحياة التي تكرهها ـ قد مات، فلماذا لا تهرب من هذا الجو الخانق الذي لا تطيقه، والذي يذكرها بمأساتها، وتعود إلى مصر التي قالت ـ في حوارها مع المصريين ـ عن حبها العظيم لها:
« = 00000000
- "امرأة جاهلة مثلي، إذا خرجت أبعد من ها الشارع تتوه"!
= 0000000
- " كانت رسائلي - عبر الحمام - فلولاه لمت كمداً - ما تركت أحداً في مصر إلا بعثت له رسالة - حتى أولياء الله الصالحين"..
مرة نمت - و دموعي على خدي - حلمت أنى حمامة طايرة - ظللت أطير وأطير، حتى شفت النيل، نزلت فرحانة».
وفي وصفٍ لافت يصف السارد «أم دغش» ليلاً وهي تنظف زوجها وتضربه، وحينما أرادوا إنقاذ الرجل ـ من بين يديها شتمتْهم:
«ما كدنا نضع رؤوسنا على الوسائد حتى نهضنا فزعين على صراخ الولد دغش وطرقاته على الباب:
- الحقوا أمي تضرب أبويا!!
صكت الكلمة آذاننا، وتلاقت أعيننا في استنكار، ونهضنا، حفاة - عدونا وبسرعة البرق وصلنا للدور الأرضي - لنرى أم دغش مُمسكة برجل مُسن، كنا نظنه أباها - كشفت عن مؤخرته، وأطلقت عليها خرطوم الماء، وكانت تقرعه عليها وتشتمه وتلعن الأيام السوداء.
والرجل المسن منكمش كالطفل، وعندما حاولنا أن نتدخل، هبت فينا كالمسعورة، وأطلقت خرطوم الماء في وجوهنا، وراحت تسبنا، ولا ندرى لماذا أخذت تسب المصريين و تجرى وراءنا كالمجنونة..
عرفنا فيما بعد - أن الرجل العجوز - أو الشايب كما يقولون - هو زوجها - وعلى هرمه لا يفيق من سكر ولا يتحكم في عملية الإخراج، ويعملها على نفسه في الشارع أو في الفراش !!».
لقد كانت هذه الفقرات الوصفية لازمة لبناء القصة، لتُرينا كيف تعيش هذه المرأة، وكيف تتعامل مع زوجها، ولتُبرر لنا النهاية التي رأيناها، وهي محاولة لصق جناحين من ريش والطير بهما إلى مصر، ولتُذكرنا بحسرتها القديمة، وهي تقول للمصريين الباحثين عن سكن في الكويت:
«كنت أتمنى أن آكل يوماً و أجوع يوماً في مصر، أرقد في عشة على النيل مع بائــع فجل أو سائق عربة حنطور أو أعيش عمري كله عانساً بدون زواج!».
(2)
رغم صعوبة تصنيف قصة مجدي محمود جعفر إلا أننا نجد أن هذه القصة تنتمي إلى ما يُمكن أن نسميه «تيّار القصة التحليلية» الذي كان من روّاده إبراهيم المصري ويوسف جوهر وأمين يوسف غراب ... وغيرهم، ومن الأجيال التالية (جيل الستينيات): عبد العال الحمامصي، وعنتر مخيمر، وحسني سيد لبيب.
«وأصحاب هذه المدرسة يعنون بالتحليل النفسي لشخصيات قصصهم، وحتى يجيء الفعل المُعاكس أو المتحول عند البطل مبرراً فإنهم يعنون برسم صورة البطل عناية كاملة( ).
وقد اعتنى القاص ـ في المجوعة ـ بالتحليل النفسي لكثير من شخصيات قصصه، ليبرر الصورة التي قدمها لنا. وهو يقدم هذا التحليل من خلال الاستبطان، أو حديث الشخصية عن نفسها، أو عن طريق وصف مجرد، أو سرد حكوي لشخصية أخرى غير شخصية البطل.
وفي قصة «أم دغش» نرى البطلة تقول للمصريين الباحثين عن سكن في الكويت:
«كنت أتمنى أن آكل يوماً و أجوع يوماً في مصر، أرقد في عشة على النيل مع بائع فجل أو سائق عربة حنطور أو أعيش عمري كله عانساً بدون زواج!» ( ).
فهو بهذا القول الذي ساقه على لسان «أم دغش»، كأنه يُلح علينا ويذكرنا بحسرتها القديمة، التي تريد أن تقول إن زواج المرأة المصرية الفقيرة ـ من الغريب الثري الذي قد يُساعد أسرتها على مواجهة أعباء الحياة! ـ زواج فاشل، ومحكوم عليه بالتعاسة!
***
ولقد نجح القاص مجدي محمود جعفر في استخدام عناصر فنية متعددة استخداماً جماليا في هذه القصة، وقد نجح في ذلك نجاحاً فنيا لافتاً.






 
رد مع اقتباس
قديم 26-11-2007, 08:14 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
د. حسين علي محمد
أقلامي
 
إحصائية العضو







د. حسين علي محمد غير متصل


افتراضي رد: قراءة في قصة «أم دغش» لمجدي محمود جعفر

أم دَغْـش

قصة قصيرة، بقلم: مجدي محمود جعفر
.................................................

(1)

بدت لنا على غير عادة النساء العربيات - و البدويات على وجه الخصوص - ممصوصة كعود قصب ، يابسة كعود حطب ، كادت الرياح أن تذروها - لولا أن اتكأت على جدار البيت و راحت تتفحصنا واحداً تلو الآخر بعينيها الضيقتين من خلف " البرقع " !
00 لم تزل آثار السفر على وجوهنا ، و الحقائب أثقلت كواهلنا ، و العرق ينز من جباهنا ، و أنوفنا .. تنظر لنا بعينين حادتين00
- " مصريون " ؟
= نعم
- " و لماذا جئتم " ؟!
= بحثاً عن لقمة العيش يا خالة .
زامت ، و ضيقت ما بين حاجبيها ، و تمتمت بكلمات لم نتبينها ثم قالت :
- " من خرج من داره قل مقداره " !
ألجمتنا عبارتها ، و كدنا ننسحب ، لولا أن تذكرنا أن أصحاب البيوت يرفضون " العزاب " سكاناً ، و كل من سألناه دلنا على " أم دغش " .
قادتنا إلى غرفة فوق السطوح - أقامتها بجوار برج للحمام - ضيقة الغرفة كزنزانة ، ارتفاعها لا يتجاوز المترين ، شباك صغير ينفذ منه الضوء بصعوبة ، نصف معتمة ، رغم قربها من الشمس ، فالشمس تكاد تلامس سقف الغرفة المصنوع من الصاج القديم الصدئ 00
ما كادت أقدامنا تطأ عتبات الغرفة حتى هب هواء ساخن ، راكد ، و رائحة عفنة ، انكوت وجوهنا ، و نفرت أنوفنا 00
قالت :
- " بالماء و الصابون تنظفونها " !
قال أحدنا :
= ولا نهر النيل ينظفها !
نظرت إليه و قالت :
- " النيل " 00 النيل ما عاد يجرى " ! 00
قال ضاحكاً :
= و الله العظيم تركناه - و هو يجرى !!
نظرت إليه ، و شردت قليلاً ، ثم قالت :
- " النيل توقف من عشرين سنة " !!
00 و ما كادت تنصرف ، حتى نزعنا ملابسنا ، و فتحنا صنبور الماء ، و رحنا نغسل أرضية الغرفة و جدرانها و نغنى " مصر 00 مصر 00 مصر هي أمي ، نيلها هو دمى 00 شمسها في سمارى ، شكلها في ملامحى ، حتى لونى قمحي ، لون خيرك يا مصر " !
( 2 )
ما كدنا نفرغ من تنظيف الغرفة ، و صب الماء على أجسادنا ، حتى جاء ولد صغير دون العاشرة أو أزيد قليلاً 00 و قال :
- أمي تقول لكم لا تقربوا الحمام ، و أيش جبتم معاكم من مصر!!
= أنت دغش ؟
- نعم 0
راح كل ينقر على ما معه و نغنى 00
= دغش 00 يا دغش 00 حلو يا دغش 00
أخذ الولد يضحك ، و يغنى معنا ، و لكنا وجمنا ، و سكتنا فجأة ، حينما رأينا أم دغش على بُعد خطوات منا ، فلم نشعر بوقع أقدامها على الأرض ، و أسرعنا إلى حقائبنا نفتحها ، و نخرج مافيها 00
: فطير ، عسل نحل ، جبنة قديمة ، 00
نظرت إلى الفطير و الجبنة القديمة ، و أطالت النظر إلى الفطيرة المستديرة كقرص الشمس وقت الغروب و قالت :
- " من وين أنتم في مصر " ؟
= من الشرقية !
ضحكت ، لأول مرة - نراها تضحك 00 و قالت :
- " أنتم اللي عزمتم القطر " :
ضحكنا و قهقهنا ، و قلنا :
= من قال لك يا أم دغش ؟ !
تناولت الفطيرة ، و بعض العسل و الجبنة القديمة ، و آنستنا بإبتسامة رضا بدت في عينيها ، و ريثما انصرفت رحنا نغنى :
= أنا المصري - كريم العنصرين 00
( 3 )
مع قرآن الفجر تصعد أم دغش إلى السطوح ، تدخل برج الحمام ، و تبقى مع الحمام حتى شروق الشمس ، و لا ندرى إن كانت تنوح أم تهدل ، يأتي صوتها همساً أحياناً ، و زعيقاً أحياناً ، أوقاتاً تبكى و أوقاتاً تضحك ، تناغى الحمام و تلاغيه ، يقف على راحتي يديها *، و فوق رأسها ، و على كتفها ، يحلق حولها ، منظر جميل و بديع يبدو لنا من الشرفة الصغيرة 00
00 أم دغش تلتقط حبات من الحبوب بفمها أو قطرات ماء و تلجه في منقار فرخ الحمام الصغير 00 و قبل غروب الشمس تجلس معه لساعات ، و لا ندرى متى نمت العلاقة بينهم و لا كيف فقهت لغة الطير ؟!
00 فما يكاد الحمام يشعر بقدومها حتى يحلق حولها ، و يتقافز طرباً ، كأطفال صغار - يستقبلون أمهم بعد غياب ، أو كعاشق يقابل محبوبته 00
00 كنا نحترم تلك العلاقة ، و نحاول ألا نزعج أم دغش و حمامها ، ففي حال وجودها لا نصدر أصواتاً - و نلتزم الصمت المهيب ، و أم دغش - كشفت لنا الأيام - عن عصبيتها - و مزاجها الحاد ، تشتمنا أحياناً بلا سبب 00 و لا يجرؤ أحد منا على الاعتراض ، و أم دغش لا تكون في حالة سوية إلا وقت وجودها مع الحمام 00
تهدأ نفسها الثائرة و تستكين ، يمتص الحمام ثورتها ، و يشيع في نفسها البِشر و السرور ، و كنا إذا أردنا منها شيئاً أجلناه لبعد قعدتها مع الحمام ، ففي هذا الوقت لا ترفض لنا طلباً و لا تؤخر لنا أمراً و لا تبخل علينا بشيء ، و تكون طيعة ، لينة ، هادئة 00
00 أقسم أحدنا أنه رأى - أم دغش - تصنع جناحين كبيرين من ريش الحمام ، و تقيسهما على ذراعيها - و تحدانا - أن نتسلل إلى البرج في الليل - و سنرى الجناحين معلقين على الحائط ، و قال أنه لا أثر لريش أو لزغب في المكان ، و أم دغش رأيناها أكثر من مرة تنتف ريشاً و تنزع زغباً ، و قادنا زميلنا إلى صندوق الزبالة بجوار البرج - فلم نر أثراً لريش أو لزغب - هل صدقتم ؟!
قلنا :
= من يدرى 00 عباس بن فرناس أول من حاول الطيران و فشل و قد تنجح أم دغش !!
( 4 )
ما كدنا نضع رؤوسنا على الوسائد حتى نهضنا فزعين على صراخ الولد دغش و طرقاته على الباب
- الحقوا أمي تضرب أبويا !!
صكت الكلمة آذاننا ، و تلاقت أعيننا في استنكار ، و نهضنا ، حفاة - عدونا و بسرعة البرق وصلنا للدور الأرضي - لنرى أم دغش مُمسكة برجل مُسن ، كنا نظنه أباها - كشفت عن مؤخرته ، و أطلقت عليها خرطوم الماء ، و كانت تقرعه عليها و تشتمه و تلعن الأيام السوداء 0
و الرجل المسن منكمش كالطفل ، و عندما حاولنا أن نتدخل ، هبت فينا كالمسعورة ، و أطلقت خرطوم الماء في وجوهنا ، و راحت تسبنا ، و لا ندرى لماذا أخذت تسب المصريين و تجرى وراءنا كالمجنونة 00
عرفنا فيما بعد - أن الرجل العجوز - أو الشايب كما يقولون - هو زوجها - و على هرمه لا يفيق من سكر و لا يتحكم في عملية الإخراج ، و يعملها على نفسه في الشارع أو في الفراش !!
( 5 )
كل يوم يمضى نكتشف فيه شيئاً ، و نعرف عنها جديداً ، و الجديد و المدهش هذه المرة - أن أم دغش مصرية !!
رحنا نضرب كفاً بكف - و ما كنا لنصدق أنها مصرية - لولا أن أكد لنا دغش أنها مصرية مائة بالمائة و أننا أخواله !
00 انتظرنا أم دغش قبل أن تدخل البرج و قلنا لها :
= لماذا تكرهين المصريين و أنت مصرية ؟ !
كان الحمام يحلق حولها ، و يحط على رأسها و كتفيها ، كعادته عندما تهل ، أمسكت بحمامة ، و راحت توشوشها بكلمات لم نتبينها ، ثم أطلقتها ، فانطلقت الحمامة ، و استدارت إلينا و قالت:
- كل يوم - من عشرين سنة - و أنا أحمل حمامة رسالة أبعث بها إلى مصر ، و كل يوم أنتظر ، لا الحمامة تعود و لا الرد يصل !!
و تركتنا أم دغش و دخلت ، و أغلقت الباب ، جلسنا بجوار البرج نحاول أن نصغي لبوح أم دغش للحمام 00
سرب من النمل يحمل كسرة خبز جافة و يتحرك صوب البرج ، سمعنا تحذير النملة لزملائها من سليمان و جنوده في قرآن المغرب الذى يُتلى بالمسجد القريب ، و حديث الهدهد ، و الجان ، و الرجل الذى عنده علم ، و أبداً 00 أبداً لم نتبين حديث أم دغش للحمام !
( 6 )
قالت أم دغش :
-" باعوني أولاد الـ 000 "
=000000000
-" أبويا ، و العمدة ، و المأذون ، ، و طبيب الصحة ، و شاهدا العقد 000000 و 000000000 " !
= 00000000
-" قبضوا الثمن ورموني للقيظ و الحر والصحراء والبداوة والحياة القاسية ، ورجل مزواج، فارغ العينين، يكبر أبى سناً، ويقارب جدي في العمر " !
= 00000000
-" عشرون عاماً عشتها معه ، ما شفت فيها راحة " !
-"كنت أتمنى أن آكل يوماً و أجوع يوماً في مصر، أرقد في عشة على النيل مع بائع فجل أو سائق عربة حنطور أو أعيش عمري كله عانساً بدون زواج" !
= 00000000
-" امرأة جاهلة مثلى ، إذا خرجت أبعد من ها الشارع تتوه " !
= 0000000
- " كانت رسائلي - عبر الحمام - فلولاه لمت كمداً - ما تركت أحداً في مصر إلا بعثت له رسالة - حتى أولياء الله الصالحين " 00
مرة نمت - و دموعي على خدي - حلمت أنى حمامة طايرة - ظللت أطير و أطير ، حتى شفت النيل ، نزلت فرحانة - أبل ريقي ، صحوت - على صوت الولد دغش و هو يبكى حضنته ، و قعدت أبكى ، و خلعت غطاء رأسي و دعوت على اللّي كانوا السبب - و من ذاك اليوم - و أنا عندي أمل أروح مصر و أشرب تاني من النيل !!

( 7 )

على غير عادتنا رجعنا من الشغل مبكرين ، لنسمع و نحن في أول الشارع صراخ أم دغش ، و نحيبها و عويلها ، ارتعدت فرائصنا ، ووجلت قلوبنا لما رأينا الولد دغش ملقى على الأرض يغوص في دمه ، شقت جلبابها ، و لطمت خدها و عفرت وجهها بالتراب 00
قال صبى صغير للعسكري :
- التقطت أرقام السيارة.
قالت امرأة :
-كان السائق هندياً يقود بجنون !
بصعوبة بالغة خلصنا الولد دغش من أمه آلتي احتضنته بهستريا ، و حمله أحدنا إلى الداخل ، و حملنا أم دغش عُنوة ، و صعدنا بها إلى السطوح 00 أدخلناها برج الحمام و أغلقنا عليها 00 سمعنا نوح الحمام و بكاءه 000
وفى اللحظة آلتي كان يخرج فيها دغش مُحملاً في النعش 0 كانت أم دغش تقف على قمة البرج ، تلبس الجناحين ، يغطى الريش و الزغب مناطق كثيرة من جسمها العاري ، و حولها الحمام يحلق و ينوح - و بينما الناس تتأهب للسير بالنعش - صحنا فيها :
= ارجعي 00 ارجعي يا مجنونة!







 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شخصيات مصرية .. أسرت النبوغ محمد جاد الزغبي منتدى الحوار الفكري العام 54 01-04-2007 05:05 AM
اشارات لابد منها في التشكيل العربي السعودي ؟؟وقلمي الناقد التشكيلي ؟ عبود سلمان منتدى الفنون والتصميم والتصوير الفوتوجرافي 2 27-10-2006 12:52 AM
صفحات مضيئة من التاريخ... معركة(سومنات).. فتح الهند الأعظم!! نايف ذوابه المنتدى الإسلامي 1 23-05-2006 02:47 PM
قراءة في ديوان "حبيبتي تفتح بستانها "للشاعر محمود قحطان بقلم :ثريا حمدون عيسى عدوي منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي 15 23-05-2006 03:23 AM
إنتصار الشيطان!!! عمر شاهين منتدى القصة القصيرة 0 15-03-2006 11:27 PM

الساعة الآن 04:31 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط