المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مأسدة الأنصار
بعد مضي 10 سنوات على أحداث سبتمبر في نيويورك و واشنطن و التي كسر فيها أنف أمريكا ومرغت هيبتها في الأوحال وبددت أوهام سيطرتها في العالم و ضمانها لأمنها الداخلي وتباهيها باستخباراتها وقوتها العسكرية , وقد سال في ذلك من الحبر الكثير وتعددت المواقف من العمليات بين مؤيد لها ورافض ومتشكك في خلفيتها وخلفية القائمين بها ولم يدم ذلك طويلا لتتكشف حقيقة الـأحداث ويماط اللثام عن الكوكبة المشرقة التي خطت بدمائها تلك الأحداث .
و مما لا شك فيه أن تلك الأحداث كانت نقطة مفصلية في التاريخ , فلقد قلبت كل الموازين الإستراتيجية على المستوى الدولي , فكانت تلك الأحداث باكورة لعصر جديد من الحروب لم يعهدها العالم من قبل , حرب بين تحالف أكثر من 50 دولة في العالم ضد شخص واحد هو أسامة بت لادن وتنظيمه ( تنظيم القاعدة ) , فخلدت هذه الأحداث تنظيم القاعدة في نفوس و وجدان ووعي العالم أجمع , فإن كانت قد رسمته في وجدان الغرب عامة وأمريكا خاصة أنه الشبح الذي يتهدد أمنهم و تتجسد فيه معاني الإرهاب ومعالم القضاء على حضارتهم فإنه على النقيض في وجدان المسلمين رسمت له في النفوس صورة جميلة ورائعة ملأت قلوب المسلمين عزا وفخرا بعد قرون من المذلة والهوان , وأصبح الشيخ أسامة بن لادن يمثل للمسلمين لا بل لكل المستضعفين في العالم رمزا للعزة ورمزا لإغاظة أمريكا وإذلالها والتشفي فيها .
فلم يكتب التاريخ من قبل أن قامت حرب كونية تتحالف فيها كل القوى العالمية وتتضافر فيها جهود الغرب الصليبي و من في ركبهم من حكام العمالة من أجل الوصول لرجل واحد ( أسامة بن لادن ) وعجزوا عن ذلك لعشر سنوات خلت , بل تورطت دول الغرب بسبب تلك الحرب المعلنة في أقسى أزمة اقتصادية عالمية بعد الأزمة العالمية في بدايات القرن الماضي , كما منيت دول الغرب بهزائم لجيوشها وتكنولوجياتها وعدتها وعتادها في كل من أفغانستان والعراق وهم الآن يستجدون خروجا من المستنقع الذي غرقوا فيه , وجروا على أنفسهم وعلى شعوبهم حروبا جعلتهم يفقدون ما استلذوه طويلا ألا وهو الأمن الداخلي لشعوبهم , فأصبح اليوم أمنهم مفقودا في ديارهم والرعب يطاردهم في أحلامهم والخوف يترصدهم مما هو قادم لهم وهم يشتمون رائحة الموت في كل مكان وأنهارت صورة ديمقراطيتهم وعدالتهم واحترامهم لحقوق الإنسان وظهر الوجه الكالح لحضارتهم المزعومة حضارة القتل والاغتصاب وسلب الحقوق .
هذه المعاني والمعالم التي سطرت المشهد الدولي لما بعد أحداث سبتمبر جعلت تنظيم القاعدة والشيخ أسامة بن لادن هم طليعة الأمة المسلمة بل هم أمل المستضعفين في الأرض لمواجهة قوى الطغيان والظلم والتجبر على رأسها أمريكا , وأصبح الشيخ أسامة بن لادن أسطورة في نفوس محبيه ومبغضيه على السواء وهو الرجل الذي قلب العالم وأذل أمريكا وأرق أجهزت استخبارات العالم وأذهل الإستراتيجيين والخبراء بفن إدارته للصراع ليس مع دولة بحجم أمريكا فحسب بل مع تحالف كل قوى الأرض في مواجهته وحرب الثلة المرابطة معه .
في هذا المشهد تقف إيران التي سعت منذ ثورتها أوائل الثمانينات لأن تكون القوة المركزية في العالم الإسلامي سواء عبر نظريتها الأولى القائمة على تصدير الثورة أو نظريتها الثانية القائمة على المتاجرة بقضايا المسلمين وخصوصا قضية فلسطين في ضل تخاذل لا بل عمالة الأنظمة العربية الخائنة وتعاجز النخب العربية والحركات الإسلامية طوال تلك السنوات على إيجاد بديل يقود الأمة لما فيه عزها ورفعتها وعودتها لمكانها الطبيعي بين الأمم .
وقد كان لظهور حزب الله خصوصا في سنة 2000 مع الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان وما واكبه من متابعة إعلامية كبيرة للحزب وأدائه فتبوء الحزب وقتها مكانة عند عامة المسلمين ممن تعاطفوا معه ومع إنجازاته وخطابات قائده حسن نصر الله في تلك الفترة , وكذا التفاف بعض من الرموز الإسلامية السنة حول الحزب وقيادته فشكل نصر الله وحزبه في تلك المرحلة أعلى ذروة الالتفاف والتأييد له في المنطقة , إلى أن جاءت أحداث سبتمبر التي رفعت سقف المواجهة إلى مستوى لا يستطيع الحزب ولا إيران أن يبلغوه في حدة المواجهة مع أمريكا ومن في حلفها , فبزغ نجم القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن في سماء الأمة لا يضاهيه في ذلك أي تنظيم أو شخص آخر .
ثم كان الغزو الأمريكي للعراق وما صاحبه من عمالة مكشوفة من الشيعة كطائفة ومرجعيات بل وحتى كدولة فقد أنفضح الدور القذر لإيران في غزو العراق منذ اللحظة الأولى , فانكشفت للأمة حقيقة الشيعة وحقيقة مذهبهم وحقيقة أحقادهم على الأمة حين يستحكم لهم الأمر و تتوفر لهم القوة سواء بشكل ذاتي أو بعمالتهم لأي محتل أجنبي , فزادت صورة الشيعة قتامه عند المسلمين وأنفض ذاك الركب الذي كان يهتف لإيران وحزب الله , وبعدها توالت الأحداث التي أدت بشكل أكبر للتبرؤ من الشيعة والتراجع عن مناصرة زعمائهم ورموزهم وعلى رأسهم حزب الله بعد مقتل الحريري في لبنان وما واكب تلك المرحلة من إرهاصات ثم قضي الأمر بشكل كامل بعد أحداث 7 أيام 2007 فتكشف حينها الوجه الحقيقي للحزب وطائفته وتبين أنه لا يختلف عن باقي التنظيمات الشيعية في الحقد على أهل السنة واستهداف رموزهم ومقدساتهم ودمائهم وأعراضهم فسقط الحزب سقوطا نهائيا من حسابات الأمة وإن بقي من يؤيده من منطلق طائفي أو مصلحي فلم يعد الحزب وزعيمه يحض بذاك الإجماع أو ذاك الاحترام الذي كان له عند العامة من المسلمين في كل مكان فخرج الحزب وزعيمه من الصورة الرمزية للأمة في مواجهة الغرب الاستعماري وبقي في حدود صورته الطائفية عند أنصاره وأتباعه فقط , ولم تختفي إيران من الصورة بل كانت حقائقها وجرائمها تتكشف عبر تلك المراحل إن في إجرامها الداخلي في حق أهل السنة أو في عمالتها التي كشفت بشكل جلي وتعاونها مع الأمريكان لغزو أفغانستان والعراق ودعمها للمليشيات الشيعية العميلة المجرمة التي سفكت دماء أهل السنة في العراق .
فتحول التأييد والإعجاب العام الذي حضيت به إيران وحزب الله في مرحلة من المراحل إلى تبرأ تام منهم بل وعداء لهم ولمشروعهم بعد أن تكشفت حقيقتهم التي كانت مخفية تحت أوهام شعارات براقة رفعوها في الأمة زمنا طويلا .
وفي المقابل كانت القاعدة طوال تلك السنوات تسطر ملاحم من البطولة والثبات وترسم بريشة الدماء صورة من التضحيات في مواجهة التحالف الاستعماري العالمي الذي تقوده أمريكا ولم تحني القاعدة جبينها وسط هذه الحرب المستعرة ولم يلن عزمها بل أثخنت في أعدائها وأوصلتهم لحافة الانهيار والإفلاس الاقتصادي والتردي الأمني , فنالت القاعدة بحق مكانة المدافع عن حياض الأمة وعن أعراضها ودمائها وديارها في مشارق الأرض ومغاربها .
و في ظل هذا الواقع المزري و الصورة الكالحة التي وصلتها إيران وتوابعها في المنطقة و التشوه المريع الذي لازمهم جراء أفعالهم لم يكن أمامهم من سبيل لتحسين صورتهم وإبراز زعاماتهم من جديد إلا بإعداد حبكة إعلامية وحربا دعائية لتجميل صورتهم وترميمها لإعادة تسويقها من جديد معتمدين في ذلك على التزييف الإعلامي و الدجل السياسي مراهنين على طابور واسع من التابعين لهم من أبناء طائفتهم أو مناصريهم الطامعين في شئ من مكاسبهم .
ومن أبرز صور الخداع الإعلامي لتسويق صورة إيران كند يواجه أمريكا والغرب هي مسرحية النووي الإيراني وما واكبها من سنوات من شد وجذب لحبال الأكاذيب الإعلامية والحروب الطواحين الكلامية بين إيران والغرب في العلن بينما تنسق إيران في السر مع الغرب وأمريكا في حربهم الاستعمارية في أفغانستان والعراق , ومع كل ذلك لم تفلح إيران ورئيسها نجاد في أن تتبوأ منزلة في الأمة تفوق منزلة القاعدة وأميرها أسامة بن لادن خصوصا مع استمرار الحرب الحقيقة بين القاعدة وأمريكا وحلفائها في كل أصقاع الأرض وثبات القاعدة في هذه الحرب بل وتسجيلها لنقاط كثيرة ضد أعدائها وتحقيقها لانتصارات إستراتيجية في هذه الحرب المتعددة الأوجه , بينما بقيت إيران في مربع السجال الكلامي مع الغرب بلا اشتباك حقيقي يثبت فعلا إدعاءات إيران بعداء الغرب , بل تتكشف في كل مرحلة حقيقة عمالة إيران وتواطئها مع أمريكا في العراق وأفغانستان .
فلم تجد إيران و زعمائها وحلفائها وأتباعها من حل لهذه المعضلة سوى بفتحهم لملف أحداث سبتمبر و ترويج الشبهات فيه وتعميم الشكوك حول علاقة القاعدة بالأحداث , والتركيز على أن أحداث سبتمبر هي صناعة أمريكية في محاولة لرفع الغطاء عن القاعدة وإسقاط نجوميتها وسحب البساط الجماهيري من تحت أقدامها فيسهل على إيران بعدها تسويق نجوميتها وصناعة رمزيتها ورمزية رئيسها نجاد كنجم للأمة في غياب منافس على المستوى العالمي بعد التشكيك في القاعدة و رمزها أسامة بن لادن وتضحياتهم وعملياتهم .
ومن هذا المنطلق كان التبني الإيراني لحملة التشكيك في أحداث سبتمبر بل وربطها بشكل مباشر بأمريكا والأشد من ذلك ربط الشيخ أسامة بن لادن بأمريكا على لسان الرئيس الإيراني نجاد نفسه في خطاباته الرسمية الداخلية في إيران أو الدولية حتى في منبر الأمم المتحدة .
فالرئيس الإيراني نجاد في خطابه في الأمم المتحدة بنيويورك خصصه للحديث عن القاعدة وأسامة بن لادن وأحداث سبتمبر رغم أنها لم تكن ضمن اختصاصات المؤتمر فأشار إلى أن أحداث سبتمبر صناعة أمريكية وأن القاعدة صناعة أمريكية بل وصل به الإدعاء إلى أن أسامة بن لادن موجود في أمريكا , وكرر نجاد نفس الترهات في خطابه أثناء زيارته للبنان في مشهد استعراضي كمحاولة لتسويقه كزعيم للمنطقة على الطريقة التي كان يسوق بها جمال عبد الناصر للأمة كزعيم ومخلص لها .
وقد أبدعت من بعده الآلة الإعلامية لأتباع إيران لترويج هذه الإدعاءات لعلها تحض بشئ من المصداقية فتحقق لهم ما يرمون إليه من إسقاط لرمزية القاعدة والنيل من شعبية زعيمها مقابل رفع شعبية و رمزية إيران ورئيسها نجاد .
وفي كل هذا المشهد الدرامي الذي تؤديه إيران وتوابعها وأذنابها على خشبة المسرح الهزلي نسي أو تناسى هؤلاء أن أحداث سبتمبر التي تفطنوا الآن للحديث عنها وفتح ملفاتها إلى درجة مطالبة نجاد بلجنة تحقيق دولية في أحداث 11سبتمبر2001 , نسي هؤلاء أن الأحداث مر عليها الآن 10 سنوات وتكشفت حولها من الحقائق والوقائع ما يغني المتلقي العادي فضلا عن الباحث المتعمق عن فتح ملفاتها من جديد بعد أن توضحت صورتها وتفاصيلها , فإن كان التشكيك فيها في السنة الأولى أو الثانية من تنفيذها أمر مستصاغ نوعا ما فإن فتح ملف التشكيك بها و بمسؤولية القاعدة عنها بعد 10 سنوات نوعا من العبث المثير للضحك وقد تبين في هذه الفترة من الدلائل والقرائن ما جعل أكثر المتشككين في العمليات وفي نسبتها للقاعدة أصبحوا يتكلمون فقط في جانب احتمال التواطؤ الأمريكي في العمليات , فأصبح أولائك المتشككون بالأمس القريب مقتنعون بمسؤولية القاعدة على عمليات 11 سبتمبر ولكنهم يشيرون إلى احتمال كون الإدارة الأمريكية سهلت تنفيذ عمليات القاعدة مع علمها بها من أجل أن تستفيد من نتائجها .
فالحملة إذا في مجملها لا تغدوا كونها سلسلة من حلقات مسلسل ( خوش أمديد نجاد ) من أجل صناعة النجم الإيراني نجاد وتسويقه للأمة كرمز وزعيم بعد تشويه رمزية القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن و التشكيك فيه وفي تنظيمه وتضحياتهم , ولن يسع إيران وأتباعها أن يسوقوا سلعتهم الكاسدة ولا رمزهم الفاشل ولا حبكتهم القصصية المملة و لا السيناريو المتناقض لأوهامهم , فإيران كنظام وكطائفة مكشوفة الآن عند الأمة وجرائمها مفضوحة و عمالتها لأمريكا و تواطئها في غزو أفغانستان والعراق معلن على لسان قادتها قبل خصومها, فليست إيران وقادتها من تقود الأمة أو تنال ثقتها , ولن تنفعها الفبركات الغبية خصوصا إن كانت ترتكز على فتح ملفات معلومة النتائج واضحة المعالم كملف مسؤولية القاعدة على عمليات 11 سبتمبر وتصديها للحملة الصليبية بزعامة أمريكا وإثخانها في التحالف الاستعماري العالمي وإفشالها لمشاريعه وخططه وتقديمها لتضحيات كبيرة في سبيل حفظ الأمة والدفاع عنها وعن ديارها ودماء أبنائها وثرواتها واستعادة عزها وهيبتها .
لأجل هذا السيناريو وهذه الحبكة لصناعة نجومية نجاد تسعى إيران وتوابعها وأذناب مشروعها أن تشكك في مسؤولية القاعدة عن أحداث سبتمبر ولأجل تشويه الصورة الرمزية للشيخ أسامة بن لادن عند الأمة تسعى إيران ولفيفها لأن تروج بأن القاعدة وزعيمها أسامة صناعة أمريكية ولكن الفيلم الإيراني المحروق جاء في الوقت بدل الضائع , فالأحداث مضى عليها 10 سنوات تكشف فيها ما تكشف وأنطبع في أذهان العرب والعجم أن من قهر أمريكا في عقر دارها هو أسامة بن لادن وأشباله وهم من يذيقونها الويلات من 10 سنوات في مشارق الأرض ومغاربها .
مأسدة الأنصار .
نقلا عن موقع الجزيرة تووك