الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديـات الثقافيـة > المنتدى الإسلامي

المنتدى الإسلامي هنا نناقش قضايا العصر في منظور الشرع ونحاول تكوين مرجع ديني للمهتمين..

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-09-2021, 11:34 AM   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله

التساؤل الرابع: ما المانع من العيش المشترك بين اليهود والفلسطينيين؟

الجواب: إن فكرة التعايش بين اليهود والفلسطينيين لا يمكن أن تصير واقعاً إلا بإرادة وقناعة الشعبين. وهذه الرغبة ـ ببساطة ـ ليست متوفرة حالياً، ولا يبدو أنها ممكنة حسب الظروف الحالية. إن التجربة العربية منذ قرون مع التواجد اليهودي تشير إلى الامتزاج في مجتمع واحد، علا فيه نجم بعض اليهود وأسهموا في النهضة العربية إسهاماً واضحاً، وكانوا جزءاً منتجاً مرحباً به في الثقافة العربية خلال الدولتين الاموية والعباسية أو في الاندلس وعلى عهد الممالك العربية القديمة، سواء في اليمن أو في الشام أو مصر أو العراق. وكان لهم الفضل في جوانب متعددة من تاريخ العرب، كما لعبوا دوراً بارزاً في الترجمة، فشكلوا وسيطاً بين العرب وثقافة اليونان بالتحديد. ولم يعرف في تاريخ العرب قبل احتلال فلسطين أي شكل من أشكال التناقض أو التناحر بين اليهود والعرب كقوميتين مختلفتين. واستمر الحال على هذا المنوال حتى قبيل احتلال فلسطين. ولعل من الأخطاء التي ارتكبتها السلطات العربية عقب اغتصاب فلسطين أن أجبرت الكثيرين من مواطنيها اليهود على الرحيل إلى إسرائيل.

في المقابل كانت الحركة الصهيونية على أشدها، فمنذ منتصف القرن التاسع عشر والنية مبيتة لاحتلال فلسطين، وكان من تولى كبرها يهود أوروبا ـ أو الأشكناز ـ وهم ـ كما تدل الدراسات ـ وصلوا إلى مملكة الخزر من البلقان ومنطقة البوسفور، حيث وجدوا مناخاً من الأمن والحرية في أراضي مملكة الخزر. ثم بعد مشاركتهم في إسقاط الدولة العثمانية، مهدت لهم بريطانيا الطريق لاغتصاب فلسطين. وعلى أكتاف هؤلاء قامت الفكرة الصهيونية الاستيطانية، وهم الذين سلخوا الفلسطينيين من ديارهم وأراضيهم ومصالحهم بالقتل والتشريد، حتى يخلوا البلاد لهم، ولمن جلبوهم من أصقاع الأرض. وإلى هؤلاء انضم اليهود الذين كانوا قبل النكبة يشاركون الفلسطينيين اللقمة وشربة الماء.

ومنذئذ، بدأ الشحن لجعل الفكرة الصهيونية التي نشأت كحركة سياسية، عقيدة دينية، وصار الصهاينة يجيشون مشاعر العالم ضد العرب الذين يريدون إلقاءهم في البحر، ويشحنون مواطنيهم بالعداء لكل ما هو عربي، ويصورون اليهودي على أنه مغلوب على أمره، وهو مضطر لقتال من يرفضونه، وأن له حق البقاء، مثله مثل سائر الشعوب. ومما زاد من نجاح الصهاينة عنتريات بعض العرب، وبعض القادة الذين يحققون الشعبية بشعارات جوفاء ضد العدو الإسرائيلي. بينما كان القادة الإسرائيليين يعملون بخطط مدروسة طويلة الأمد، فيشاركون في حرب 56 مع بريطانيا وفرنسا ضد مصر، ويخرجون من حرب لم تدم أكثر من أيام بغنيمة أسموها إيلات، لتكون متنفساً لهم على البحر الأحمر، ويخرجون من حرب الأيام الستة بنصر سهل على دول الجوار، يغنمون فيه سيناء وغزة والضفة الغربية ومرتفعات الجولان ومزارع شبعا، ثم بعد العاشر من رمضان 73 يربحون سـلاماً دائماً مع مصر والأردن. هذه الدولة التي استمدت وجودها من دماء العرب وأراضيهم، وما زالت تحتل مع فلسطين بقعاً من دول الجوار، تتحدث اليوم عن عيش مشترك!.

ومن المعلوم أن التعايش يكون بين متماثلين. أما إذا كانت أسباب النزاع قائمة، فلا مجال لعيش مشترك. حلوا أولاً القضايا العالقة، وهي أكثر وأكبر من أن تحل، ثم تعالوا نتصالح:
1) إن ملايين الفلسطينيين في الشتات يعانون من ضياع الهوية، وصعوبة قبولهم كبشر لهم حقوق المساكنة في بلاد العرب.
2) وإن ما يسمونه بالدولة الفلسطينية في رام الله، كيان دون سيادة،
3) وقطاع غزة محاصر منذ سنوات، تحده سلطة إسرائيل الخانقة من كل جانب، حتى من البحر،
4) وفلسطينيو الداخل (عرب 48) تتعامل معهم الدولة على أنّهم مشكلة كيانية"، مما دفع بعض المنظّرين الصهاينة إلى الدعوة لاصطناع ظروف تسمح بإطلاق آليات ترحيلهم.
5) ومقدسات المسلمين تتعرض في القدس والخليل وغيرهما من المدن الفلسطينية للتدنيس والخراب والنهب.
لكل هذا وأكثر لا يبدو أن الصهيوني مستعد للتعايش مع الفلسطيني، وقد رأينا على الشاشات ذلك المستوطن الذي يبرر سرقة بيت الفلسطينية قائلاً لها: لو لم آخذ بيتك أنا، سيأخذه غيري.

وفي استطلاع للرأي اجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية يتناول العلاقات الحساسة بين المواطنين اليهود والمواطنين العرب في إسرائيل خلال العام الجاري 2017، خرجت النتائج لتشير إلى شرخ واضح بين العرب واليهود في إسرائيل. ومن نتائج الاستطلاع الذي أجري على 500 مواطن يهودي، و 500 مواطن من فلسطينيي الداخل:

1) 58% من اليهود يعتقدون أنه يتوجب سلب حق الانتخاب ممن لا يعترف بأن إسرائيل هي دولة قومية للشعب اليهودي.
2) ويرى 68% من اليهود أنه من غير الممكن أن يعتبر المواطن العربي في إسرائيل نفسه فلسطينياً وأن يكون في ذات الوقت مواطناً وفياً.
3) في المقابل يبدي 81% من المواطنين العرب رغبتهم بأن يكون وزراء عرب حول طاولة الحكومة الإسرائيلية بينما يعارض 66% من اليهود فكرة تعيين وزراء من الأحزاب العربية الى الحكومة.
4) 40% من المواطنين اليهود يرون أن في إسرائيل يجب منح اليهود افضلية في الحقوق.
5) يعتقد 25% من اليهود في إسرائيل أنه لا يجب السماح للمواطنين العرب شراء أراض من الدولة.
6) يرى 41% من اليهود أنهيمكن السماح للعرب بشراء أراض داخل البلدات العربية فقط.
7) ويعتقد 51.5% من المواطنين اليهود في إسرائيل أنه وبغية الحفاظ على الطابع اليهودي لدولة إسرائيل من المفضل أن يعيش كل من اليهود والعرب على حدة منفصلين عن بعضهما البعض، بينما يتبنى هذا الطرح 22% من المواطنين العرب فقط.
8) ويرى 51% من المواطنين اليهود أن المواطنين العرب عنيفون بينما يرى 50% من المواطنين العرب أن المواطنين اليهود عنيفون.
دراسة: شرخ واسع في التعايش بين العرب واليهود في إسرائيل.

بل إن أبياهو سوفير وهو أستاذ العلوم السياسية بجامعة حيفا نشر مقالاً في صحيفة معاريف أكد فيه أن الاختلافات والفوارق الاجتماعية والعرقية والسياسية بين اليهود في إسرائيل تشكل تحدياً أمام العيش المشترك فيما بينهم. وهو ـ كرئيس لرابطة وحدة الشعب اليهودي في الكنيست ـ يرى أن تحدي عيش اليهود المشترك مردّه وجود يهود من أصول جغرافية وتاريخية مختلفة، حيث هناك اليهود القدامى والقادمون الجدد، وهناك من يعيشون بالمركز وفي هوامش الدولة، وهناك العلمانيون والمتدينون، واليمين واليسار، والأشكناز والسفارديم. وهو يعتقد أن إزالة الفوارق والاختلافات فيما بين اليهود من خلال تشخيص الهوية الحقيقية المشتركة لجميع اليهود داخل الدولة، وترميم العلاقات بين اليهود أنفسهم داخل المجتمع الإسرائيلي ذاته، هي المهمة الأكبر، وهذا ما سوف يستغرق منهم زمناً طويلا.

إن الدعوة للتعايش بين الفلسطيني والإسرائيلي مَثَلُها مَثَلُ مطالبة أسير لدى سارق اقتحم عليه بيته، فقتل والديه، وكبله بالأغلال، ويوسعه جلداً صباح مساء، بالسجود له، ليحمده لأنه يبقيه على قيد الحياة.






 
رد مع اقتباس
قديم 30-09-2021, 12:41 PM   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله

كنا ذكرنا قبل الحديث عن نبوءات زوال دولة الاحتلال في فلسطين أنا سنقدم أمثلة مما نراه إخفاقاً في رؤية المفسر. وقلنا أننا سنستبعد النماذج المنحرفة التي يمثلها الدخلاء ممن افتقروا إلى الموضوعية، أو جهلوا أصول البحث في هذا العلم الشريف. ورأينا أن كشفهم هين، بحيث يستطيع المتابع، حتى لو لم يكن متخصصاً أن يرفع عنهم اللثام، ليرى حقيقتهم. ووضعنا لهم بعض العلامات، وهي أن أكثرهم:
1. لا يحسن تلاوة القرآن، ولا نتكلم هنا عن قواعد التجويد، بل إنهم يخطؤون في اللفظ والتشكيل.
2. يقتطع الآية أو بعض الآية من السياق، ليبني عليه رأياً مخالفاً لمضمون الآيات.
3. يجهل اللغة العربية، التي جاء بها كتاب الله، فيفهم الألفاظ على غير معناها.
4. لا يرجع لأي مصدر معتبر في التفسير.
5. يحشو أذهان الناس بآراء شخصية على أنها من المسلمات في العلم، فإذا بحثت عنها لم تجد لها أصلاً.

أما الأمثلة التي سـنذكرها فهي لمجتهدين مؤهلين، ومنهم علماء، بحثوا فأصابوا وأخطأوا، نشد على أيديهم فيما أصابوا فيه، ونراجعهم فيما أخطأوا فيه. ونؤكد أننا نقدم رأينا المجرد في الأفكار، ولا نفرض رأينا على أحد. ولكننا نرجو وجه الله فيما نعرضه، أو نعارضه. ونحن في منهجنا نزاوج بين الموروث والمستحدث، ونؤمن أن كل مفسر عبر التاريخ إنما يعتمد في فهمه لكتاب الله على ثقافته ومعارف عصره. ولا شك أننا في عصرنا هذا نتمتع بحجم معرفي ضخم لا يقارن به أي عصر سابق. وكتاب الله الصالح لكل زمان ومكان، تتفتح لنا فيه نوافذ لم تكن متوفرة لمن قبلنا. لذلك، فإن الاكتفاء بعلوم القرن الأول في تفسير الكتاب هو تحجر، إن يكن تخلفاً، نبرأ إلى الله منه. لكن هذا لا يعني أن نلقي التراث العلمي جانباً، ونعتمد على علوم العصر وحدها في التفسير. إن الاسترشاد بالقديم من ضرورات البحث في التفسير، وخاصة في مجالات العربية والبلاغة، فالقرآن الكريم في الأساس هو إعجاز بياني، يستمد ألفاظه من اللسان العربي المبين. أما ما عدا ذلك، فنأخذ منه بالقدر الذي لا يعارض العلوم الحديثة، فليس من الحكمة أن نعتمد تفسير الطبري لآية الحج: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ 5﴾ ، ونهمل دراسات علم الأجنة حول تطور حياة الجنين في الرحم. أو أن نأخذ بتفسير ابن كثير لآية النحل: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ 15﴾ ولا نراجع علماء الجيولوجيا في المضمون العلمي للآية. أو أن نسلم للقرطبي بتفسيره لآية النحل: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ 66﴾ دون أن نستفيد من أبحاث علماء تشريح الأنسجة.

وحسبنا لتبيين المفارقات في التفسير أن نقدم نموذجاً لما قاله المفسرون قديماً وحديثاً حول آية واحدة، هي الآية من سورة الرحمن: ﴿یَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ 22﴾. وإذا استعرضنا المفارقات في التفسير، وجدنا:

1) أول مفارقة هي في الخلط بين الصنفين، فاختلف أهل التأويل في صفة اللؤلؤ والمرجان، فقال بعضهم:

- اللؤلؤ: ما عظم من الدر، والمرجان: ما صغُر منه، أو:
- المرجان: جيد اللؤلؤ، أو:
- المرجان حجر.
- نقل عن ابن عباس قوله: إن السماء إذا أمطرت تفتحت لها الأصداف، فما وقع فيها من مطر فهو لؤلؤ.
- وعن عكرمة: ما نزلت قطرة من السماء في البحر إلا كانت بها لؤلؤة أو نبتت بها عنبرة.

2) أما عن أماكن تواجدهما، فقالوا:

- المعلوم أن اللؤلؤ والمرجان لا يتواجدان إلا في الماء المالح، وعليه فالضمير يعود على الماء المالح المذكور في الآية: ﴿مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَیۡنِ یَلۡتَقِیَانِ 19﴾، وجاءت التثنية من باب التغليب، والتغليب أن يغلب أحد الجانبين على الآخر، مثلما يقال: العمران، لأبي بكر وعمر، ويقال: القمران، للشمس والقمر، فهذا من باب التغليب، فـ {منهما} المراد واحد منهما، مع تخريجات باستشهادات من القرآن والشعر.
- وقال بعضهم: بل هذا على حذف مضاف، والتقدير: يخرج: من أحدهما.
- وهناك قول ثالث: أن تبقى الآية على ظاهرها لا تغليب ولا حذف، ويقول {منهما} أي: منهما جميعاً يخرج اللؤلؤ والمرجان، وإن امتاز المالح بأنه أكثر وأطيب.

3) وإذا استعرضنا بعض نماذج التأويل بعد القرون الأولى:

- يقول الماوردي (450 هـ) في تفسيره "النكت والعيون":
وفي المَرْجانِ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ:
أحَدُها: عِظامُ اللُّؤْلُؤِ وكِبارُهُ، وقالَهُ عَلِيٌّ وابْنُ عَبّاسٍ، ومِنهُ قَوْلُ الأعْشى:
مِن كُلِّ مَرْجانَةٍ في البَحْرِ أُخْرِجُها ..... تَيّارَها ووَقاها طِينَةَ الصَّدَفِ
الثّانِي: أنَّهُ صِغارُ اللُّؤْلُؤِ، قالَهُ الضَّحّاكُ وأبُو رَزِينٍ.
الثّالِثُ: أنَّهُ الخَرَزُ الأحْمَرُ كالقُضْبانِ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ.
الرّابِعُ: أنَّهُ الجَوْهَرُ المُخْتَلِطُ، مَأْخُوذٌ مِن مَرَجْتُ الشَّيْءَ إذا خَلَطْتُهُ وفي قَوْلِهِ ﴿يَخْرُجُ مِنهُما﴾ وجْهانِ:
1) أنَّ المُرادَ أحَدُهُما وإنْ عَطَفَ بِالكَلامِ عَلَيْهِما.
2) أنَّهُ خارِجٌ مِنهُما عَلى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُما بَحْرُ السَّماءِ وبَحْرُ الأرْضِ، لِأنَّ ماءَ السَّماءِ إذا وقَعَ عَلى صَدَفِ البَحْرِ انْعَقَدَ لُؤْلُؤًا، فَصارَ خَرْجًا مِنهُما.
وَفِيهِ وجْهٌ ثالِثٌ: أنَّ العَذْبَ والمالِحَ قَدْ يَلْتَقِيانِ فَيَكُونُ العَذْبُ كاللِّقاحِ لِلْمالِحِ فَنُسِبَ إلَيْهِما كَما نُسِبَ الوَلَدُ إلى الذَّكَرِ والأُنْثى وإنْ ولَدَتْهُ الأُنْثى، ولِذَلِكَ قِيلَ إنَّهُ لا يَخْرُجُ اللُّؤْلُؤُ إلّا مِن مَوْضِعٍ يَلْتَقِي فِيهِ العَذْبُ والمالِحُ.

- ويقول الشوكاني (1250 هـ) في تفسيره "فتح القدير":
قَرَأ الجُمْهُورُ "يَخْرُجُ" بِفَتْحِ الياءِ وضَمِّ الرّاءِ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، وقَرَأ نافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ الرّاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، واللُّؤْلُؤُ: الدُّرُّ، والمَرْجانُ: الخَرَزُ الأحْمَرُ المَعْرُوفُ.
وقالَ الفَرّاءُ: اللُّؤْلُؤُ العِظامُ، والمَرْجانُ ما صَغُرَ.
وقالَ مُقاتِلٌ، والسُّدِّيُّ، ومُجاهِدٌ: اللُّؤْلُؤُ صِغارُهُ، والمَرْجانُ كِبارُهُ، وقالَ: يَخْرُجُ مِنهُما وإنَّما يَخْرُجُ ذَلِكَ مِنَ المالِحِ لا مِنَ العَذْبِ لِأنَّهُ إذا خَرَجَ مِن أحَدِهِما فَقَدْ خَرَجَ مِنهُما، كَذا قالَ الزَّجّاجُ وغَيْرُهُ.

- ويقول ابن عاشور (1393 هـ) في تفسيره "التحرير والتنوير":
وإنْ كانَ المُرادُ بِالبَحْرَيْنِ: البَحْرُ المِلْحُ، والبَحْرُ العَذْبُ كانَتْ مِن في قَوْلِهِ مِنهُما لِلسَّبَبِيَّةِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى في سُورَةِ النِّساءِ: ﴿فَمِن نَفْسِكَ﴾، أيْ يَخْرُجُ اللُّؤْلُؤُ والمَرْجانُ بِسَبَبِهِما، أيْ بِسَبَبِ مَجْمُوعِهِما، أمّا اللُّؤْلُؤُ فَأجْوَدُهُ ما كانَ في مَصَبِّ الفُراتِ عَلى خَلِيجِ فارِسَ، قالَ الرُّمّانِيُّ: لَمّا كانَ الماءُ العَذْبُ كاللِّقاحِ لِلْماءِ المِلْحِ في إخْراجِ اللُّؤْلُؤِ، قِيلَ: ﴿يَخْرُجُ مِنهُما﴾ كَما يُقالُ: يَتَخَلَّقُ الوَلَدُ مِنَ الذَّكَرِ والأُنْثى، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ تَكَوُّنِ اللُّؤْلُؤِ في البِحارِ في سُورَةِ الحَجِّ.
وقالَ الزُّجاجُ: قَدْ ذَكَرَهُما اللَّهُ فَإذا خَرَجَ مِن أحَدِهِما شَيْءٌ فَقَدْ خَرَجَ مِنهُما وهو كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿ألَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقًا﴾ نوح ١٥﴿وجَعَلَ القَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا﴾ نوح ١٦، و (القَمَرَ) في السَّماءِ الدُّنْيا. وقالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: هو مِن بابِ حَذْفِ المُضافِ، أيْ مِن أحَدِهِما كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ الزخرف ٣١ أيْ مِن إحْداهُما.
والمَرْجانُ: حَيَوانٌ بَحَرِيٌّ ذُو أصابِعَ دَقِيقَةٍ يَنْشَأُ لَيِّنًا ثُمَّ يَتَحَجَّرُ ويَتَلَوَّنُ بِلَوْنِ الحُمْرَةِ ويَتَصَلَّبُ كُلَّما طالَ مُكْثُهُ في البَحْرِ فَيُسْتَخْرَجُ مِنهُ كالعُرُوقِ تُتَّخَذُ مِنهُ حِلْيَةٌ ويُسَمّى بِالفارِسِيَّةِ (بِسَذْ). وقَدْ تَتَفاوَتُ البِحارُ في الجَيِّدِ مِن مَرْجانِها. ويُوجَدُ بِبَحْرِ طَبَرْقَةَ عَلى البَحْرِ المُتَوَسِّطِ في شَمالِ البِلادِ التُّونِسِيَّةِ.
وقِيلَ: المَرْجانُ اسْمٌ لِصِغارِ الدُّرِّ، واللُّؤْلُؤُ كِبارُهُ فَلا إشْكالَ في قَوْلِهِ مِنهُما.





يتبع...






 
رد مع اقتباس
قديم 08-10-2021, 11:11 AM   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله

ينبغي أن نلتفت لحقيقة مبهرة، وهي أن القرآن أنزل على قوم لا صلة لهم بالحياة البحرية، ومكة والمدينة في ذلك سواء. وهذه الآية: ﴿یَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ 22الرحمن، ذكرت معلومة تخالف معارف العصور الأولى، بل إننا اقتبسنا نماذج تفسيرية من عصرنا الحالي جهلت المعلومة الصحيحة، وتخبطت في تفاسير القدماء. والقرآن الكريم جاء للرسول صلى الله عليه وسلم وقومه بآيات من الكون ما كان لهم أن يعرفوها إذا لم تتنزل عليهم بالوحي. وهذه الآية من سورة الرحمن تدعمها آية أخرى من سورة فاطر تؤكد على توفر الغذاء والزينة في كل من المياه المالحة والمياه العذبة. يقول تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ۖ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ۖ وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 12﴾، فدللت الآية على خصوصية كل من الماءين بطبيعة تميزه عن الآخر: ﴿هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ۖ﴾، واشتراكهما في المنافع بقدر متساوي. وإن هذه الحقيقة على وضوحها لم يكشف عنها الستار إلا في السنوات الأخيرة، لتؤكد المشاهدة أن اللؤلؤ والمرجان متواجدان في الماء العذب، كما أنهما في الماء المالح. ولنعرف كلاً منهما قبل أن نخوض في تفاصيل المعلومة:

أما اللؤلؤ: فصار من المعروف أنه ذلك الحجر الكريم المتكون داخل صدفة من الرخويات والمحار، نتيجة إفراز وقائي من الحيوان حول جسم طفيلي دخل إلى جسم الصدفة أو المحارة. وقد كان صيد اللؤلؤ مهنة احترفها أقوام في مناطق متعددة في العالم، منها الخليج الإسلامي على ضفتيه: الفارسية والعربية. وكان استخراج اللؤلؤ الطبيعي من بعض المحارات، حتى قيل أنه توجد حبة لؤلؤ في كل 10,000 صدفة محار برية، وهذا ما يفسر غلاء اللؤلؤ الطبيعي وندرته. لذلك طرأت فكرة استنبات اللؤلؤ بإلقاء حبات من التراب داخل المحارات، ليغلفها الحيوان الرخوي بمادتي الأراغونيت والـ كونكيولين، وهما المادتان اللتان تفرزهما يبني بهما الحيوان صدفته. ومن هنا نشأت فكرة مزارع اللآليء المستنبتة، والناتج أقل في الجودة والقيمة من اللؤلؤ الطبيعي.

وأما المرجان: فهو من الأحجار شبه الكريمة، ومنشأه من مستعمرات المرجان، وهي شويكات دقيقة لونها بين الأبيض والوردي والأحمر الداكن من مادة كربونات الكالسيوم ذوات عروق وأغصان متشعبة قائمة يفرزها حيوان المرجان، وهي مادة مرنة تشبه النبات، تتماسك وتتصلب بعد خروجها من الماء وتعرضها للهواء. وأندر أنواعه هو الأحمر الدموي. أما المرجان الأسود، فيسمونه: اليُسْر، وأشهر استعمالاته في السبح.

على أننا لنكون منصفين، فإن الحيرة في تفسير الآية لم تكن حكراً على المفسرين المسلمين، فإن من المستشرقين من لوى عنق الآية، لتوافق فكرة خلو الأنهار من اللؤلؤ والمرجان. إلا أن تحديث المعلومة جاء في Encyclopaedia Britannica (الطبعة الرابعة عشرة) في مادة "Pearls"، وفيها ما ترجمته:

"اللؤلؤ، يتم تشكيله بتصلب الكائن الرخوي الذي يتألف من ذات المادة (تدعى الصدف أو عرق اللؤلؤ) التي تكون غلافاً للكائن الرخوي وهي جوهرة عالية القيمة. تتصف اللآلئ بقوامها نصف الشفاف وببريقها وبتخلخل رقيق للون على سطحها يدعى "الأورينت". وكلما كان شكلها ينزع للكمال أكثر (كروي أو droplike) ، وكلما كان بريقها أكثر إشباعاً وأقل إضاءة (أي يعكس ضوءاً أقل) كانت ثمينة أكثر. إن
اللآلئ التي يتم إنتاجها بالرخويات التي يصطف غلافها توازياً مع عرق اللؤلؤ، هي وحدها من النوعيات الممتازة، ومثالها في فصائل معينة من كلي محار المياه المالحة ومحار المياه العذبة. أما اللآلئ من الرخويات الأخرى فتكون ضاربة إلى الحمرة أو البياض أو ذات لون بورسلاني أو تفتقد لمعان اللآلئ المميز. ومتخصصو الجواهر يسمون لآلئ المياه المالحة باللآلئ الأورينتية بينما يسمون اللآلئ التي تنتجها رخويات المياه العذبة بلآلئ المياه العذبة.

ثم إن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر أصدر كتاب: "المنتخَب في تفسير القرآن الكريم"، ذكر في هامش تفسير آية سورة الرحمن تعليقاً علمياً جاء فيه: "قد يستبعد بعض الناس أن تكون المياه العذبة مصدرًا للحلي، ولكن العلم والواقع أثبتا غير ذلك: أما اللؤلؤ فإنه، كما يُسْتَخْرَج من أنواع معينة من البحر، يُسْتَخْرَج أيضا من أنواع معينة أخرى من الأنهار، فتوجَد اللآلئ في المياه العذبة في إنجلترا واسكتلندا وويلز وتشيكوسلوفاكيا واليابان...إلخ، بالإضافة إلى مصايد اللؤلؤ البحرية المشهورة. ويدخل في ذلك ما تحمله المياه العذبة من المعادن العالية الصلادة كالماس، الذي يُسْتَخْرَج من رواسب الأنهار الجافة المعروفة باليرقة. ويوجد الياقوت كذلك في الرواسب النهرية في موجوك بالقرب من بانالاس في بورما العليا. أما في سيام وفي سيلان فيوجد الياقوت غالبا في الرواسب النهرية. ومن الأحجار شبه الكريمة التي تُسْتَعْمَل في الزينة حجرُ التوباز، ويوجد في الرواسب النهرية في مواقعَ كثيرةٍ ومنتشرةٍ في البرازيل وروسيا (الأورال وسيبريا)، وهو فلورسيليكات الألمونيوم، ويغلب أن يكون أصفرَ أو بُنّيًّا. والزيركون (circon) حَجَرٌ كريمٌ جذابٌ تتقارب خواصه من خواص الماس، ومعظم أنواعه الكريمة تُسْتَخْرَج من الرواسب النهرية".*
* https://vb.tafsir.net/forum تحت عنوان: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان.

أما المرجان فقد نشر خبر علمي في "الجارديان" بتاريخ 22 ابريل لسنة 2016 تحت عنوان: Huge coral reef discovered at Amazon river mouth مفاده أن العلماء في صدمة كبيرة من اكتشاف مساحات ضخمة من المرجان في قاع نهر الأمازون. والمعروف ان المرجان يتواجد في المياه المالحة فقط، ولكن أن تكتشف مساحات واسعة من الشعب المرجانية بقاع نهر ماء عذب به حياة عامرة ومتنوعة فهذا شيء جديد كلية على العلم."
* https://www.facebook.com/Miracles.in.the.Quran1/posts/1360253950692185/






 
رد مع اقتباس
قديم 24-10-2021, 11:35 AM   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله



إن الاختلاف في تفسير القرآن بين القديم والحديث لا يقتصر على الآيات العلمية التي فسرها الأقدمون وفق معارفهم، ولا نعيب عليهم ما فعلوه، فهذا ما كان متوفراً لديهم، لكننا نعيب على من يدعون للالتزام في تفسير آيات الله بالموروث وحده. إن الموروث غني بثروة لسانية وبلاغية، لا غنى للمفسر الحديث الواعي عن الاستفادة منها، فالقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، وليس ثمة أفضل من علمائنا المتبحرين في العربية لإرشادنا لسبر أغوار الألفاظ، والغوص في أعماق البيان. أما تفاصيل ذكر الأمم الغابرة من عهد آدم، أو تاريخ الرسالات السماوية، وخاصة أنبياء بني إسرائيل فلا يصلح أن نعتمد على روايات من يأخذون من العهد القديم. والعهد القديم ـ لمن لا يعرف ـ ليس هو التوراة التي أنزلت على موسى (ع)، فشتان ما بين كلام الله، وأباطيل الأحبار. والقرآن الكريم يدلنا على فعل هؤلاء، فيذكر في آيات عديدة أنهم حرفوا كتابهم بالحذف والإضافة والتغيير والتغييب. يقول تعالى:
- ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ البقرة 75.
- ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ﴾ البقرة 79.
- ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ آل عمران 78.
- ﴿قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ الأنعام 91.
- ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ﴾ المائدة 13.
بل إن في كتابهم المحرف مقولة منسوبة إلى الله تظهر أن الكتبة الموكلين بالكتب المقدسة زوروها وزيفوها: «٨ كَيْفَ تَقُولُونَ: نَحْنُ حُكَمَاءُ وَشَرِيعَةُ ٱلرَّبِّ مَعَنَا؟ حَقًّا إِنَّهُ إِلَى ٱلْكَذِبِ حَوَّلَهَا قَلَمُ ٱلْكَتَبَةِ ٱلْكَاذِبُ .٩ خَزِيَ ٱلْحُكَمَاءُ. ٱرْتَاعُوا وَأُخِذُوا. هَا قَدْ رَفَضُوا كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ، فَأَيَّةُ حِكْمَةٍ لَهُمْ؟ ١٠ لِذَلِكَ أُعْطِي نِسَاءَهُمْ لِآخَرِينَ، وَحُقُولَهُمْ لِمَالِكِينَ، لِأَنَّهُمْ مِنَ ٱلصَّغِيرِ إِلَى ٱلْكَبِيرِ، كُلُّ وَاحِدٍ مُولَعٌ بِٱلرِّبْحِ . مِنَ ٱلنَّبِيِّ إِلَى ٱلْكَاهِنِ، كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ بِٱلْكَذِبِ» (إرميا 8).

ورغم أن العهد القديم كتاب لا يصمد أمام نقود التزييف والتناقض، وهي أكثر من أن تعد، يلتزم علماؤنا برواياته، ويستقون منه شروحهم لآيات القرآن الكريم، بل إن من المفسرين من يزينون الروايات المفتراة في كتب بني إسرائيل بإضافات، لا تراعي المنطق، ولا تحترم العقول. ومما أفسح المجال للتوسع في روايات أهل الكتاب خاصية أسلوب القرآن، فهو كتاب معجز، ألفاظه موجزة، بعيدة عن استغراق التفاصيل، بينما كتب أهل الكتاب فيها إطناب، وتوسع، وتفريع. فكان المفسرون يلجأون لتفسير الموجز بالمطـول، ولا يلتفتون إلى الاختلاف بين نص إلهي، ونص مصنوع بأيدي كهنـة يتناوبـون عليه جيـلاً بعد جيل. وقد رأى المحققون القدامى كـ إبن كثير أن يضعوا ضوابط لقبول الإسرائيليات، فقالوا:
1) إذا توافقت مع القصة المروية فى القرآن كانت صحيحة مقبولة للتدوين لامتلائها بالتفاصيل مما أجمل وأوجز فيه القرآن.
2) وما هو مسكوت عنه فى القرآن من قصص جاز أخذها من الإسرائيليات فهذا يدخل ضمن ما لا يكذب ولا يصدق ولكن تجوز حكايته وتدوينه للاعتبار والحكمة.
3) أما إذا خالفت الإسرائيليات النص القرآني والسنة الصحيحة مخالفة صريحة فهذا لا يصح قبوله ولا روايته.
وهذه الضوابط لا تصح من وجوه:
1) إنه إذا توافقت الإسرائيليات مع القرآن فى القصة المروية ولكنها امتازت بالتفاصيل التى أجمل فيها القرآن وأوجز، لم تكن فيها حاجة، لأن الله أغنانا بالقرآن عنها. ولو كان للتفاصيل ضرورة لذكرها الله في القصة القرآنية. لماذا إذن نخالف مقصود الله وإرادته في الإيجاز؟
2) أما إجازة رواية ما سكت عنه القرآن، والمعلوم عقلاً وشرعاً أن المسكوت عنه فى القرآن مسكوت عنه لحكمة لله علمناها أو جهلناها. ولا معنى لمخالفة مراد الله فى إمساكه عن ترهات وخرافات بنى إسرائيل. ولكن مخالفة مراد الله نتج عنها إسهاب فاحش، وكذب قبيح ملأ صفحات التفسير.
3) وأما رفض ما خالف النص الثابت، فهذا ضابط صحيح، لكنه لم يلتزم به، واقتحمت الإسرائيليات كتب التفسير والسنة بآلاف النصوص المخالفة للتنزيل والسنة الصحيحة.

ولا يكاد أيٌ من مفسري القرآن بالمأثور، يسلم من سرد الرواية الإسرائيلية لقصص القرآن، وقد تنوقلت على ألسنة كبار الصحابة، حتى أنك لتجد لابن عباس عدة أقوال متناقضة في كثير من آيات الكتاب الحكيم، والعيب ـ بلا أدنى شك ـ ليس على ابن عباس، بل على الذين كذبوا على لسانه.

والأمثلة على ذلك كثيرة، نورد طرفاً منها:






 
رد مع اقتباس
قديم 30-10-2021, 01:38 PM   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله



ولا يكاد أيٌ من مفسري القرآن بالمأثور، يسلم من سرد الرواية الإسرائيلية لقصص القرآن، وقد تنوقلت على ألسنة كبار الصحابة، حتى أنك لتجد لابن عباس عدة أقوال متناقضة في كثير من آيات الكتاب الحكيم، والعيب ـ بلا أدنى شك ـ ليس على ابن عباس، بل على الذين كذبوا على لسانه.
والأمثلة على ذلك كثيرة، نورد طرفاً منها:


أورد الطبري فى تفسيره لآية: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ البقرة 36 ما ملخصه:

"فلما أراد إبليس أن يستزلهما دخل فى جوف الحية، فلما دخلت الحية الجنة، خرج من جوفها إبليس، فأخذ من الشجرة التى نهى الله عنها آدم وزوجته، فجاء بها إلى حواء، فقال: انظري إلى هذه الشجرة، ما أطيب طعمها، وأحسن لونها! فأخذت حواء فأكلت منها، ثم ذهبت بها إلى آدم، فقالت: انظر إلى هذه الشجرة، ما أطيب طعمها، وأحسن لونها! فأكل منها آدم، فبدت لهما سوءاتهما... قال الرب: ملعونة الأرض التى خلقت منها لعنة يتحول ثمرها شوكاً. ثم قال: يا حواء أنت التى غررت عبدى، فإنك لا تحملين حملاً إلا حملته كرهاً، فإذا أردت أن تضعي ما فى بطنك أشرفت على الموت مراراً».

ثم يردف بعدها قائلا عن حواء: "فقال الله: فإن لها عليَّ أن أدميها فى كل شهر مرة كما أدميت هذه الشجرة، وأن أجعلها سفيهة، فقد كنت خلقتها حليمة".

وإن لم يكن هذا كذباً فكيف يكون الكذب؟ وكأننا نقرأ في كتاب من كتب اليهود، فها هي روحهم تطل من بين الحروف بتحقير المرأة وتصوير الله ـ حاشاه ـ بالرجوع عن حكمه، وتغيير قدره كرد فعل لتصرف عبيده. ومن المخالفات لنصوص القرآن حول قصة خلافة آدم:


1) أراد أن يخرج من إشكالية دخول إبليس الجنة باعتبار أنها جنة الخلد، فقبل بفرية دخول إبليس إلى جوف الحية، وهي رواية إسرائيلية، استقوها من الأساطير التي تقول أن ليليث ربة العواصف كانت الزوج الأولى لآدم، خلقت معه من تراب، ثم خانته وتركته لتلتحق بعشيقها الشيطان، وتنجب منه في اليوم مائة جني. ولما اشتكى آدم لربه وأراد استرجاع زوجه، أرسل ربه إليها ثلاثة ملائكة لإقناعها بالعودة، فرفضت، فحكم عليها بقتل أولادها من الشيطان، فتتوعد ذرية حواء بقتلهم فور الولادة، ولذلك كان القدماء يضعون التعاويذ في الأركان الاربعة لمخدع المرأة الحامل، وكان الاعتقاد أن الطفل إذا ضحك أثناء النوم كان هذا دليلاً على أن ليليث موجودة وعلى هذا يسارع احدهم بضرب الطفل على شفتيه بأصبع واحد لترحل ليليث. ولهذا خلقت حواء من ضلع آدم لتبقى تابعة له.

2) موافقة التفسير لفرية أن حواء هي التي أكلت أولاً، وأغرت آدم بالأكل من الشجرة، لتثبيت أن الغواية أصلها امرأة، وفي هذا مخالفة صريحة لنص القرآن الكريم الذي أرجع مسئولية الأكل من الشجرة لكليهما معاً. يقول تعالى: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُالأعراف 20، والمولى جل وعلا يخاطبهما سوياً: ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌالأعراف 22، وهما يتوبان عما اقترفاه من مخالفة لأمر الله سوياً: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَالأعراف 23. هذا أمر جلي في كتاب الله، وكان حرياً بالمفسرين ألا يسلموا عقولهم للإسرائيليات على حساب الثابت في التنزيل.

3) الرب ـ عند بني إسرائيل ـ إله إنفعالي هوائي، لا يعلم ما هو كائن، ويصدمه فعل عبيده، فيصب لعناته عليهم، كأنه غافل عن أنه أوجد بني آدم ليعمروا الأرض، فالمصير معلوم عنده، وهو علام الغيوب. لكن الإسرائيليين ومن لف لفهم يرون فيه رباً عصبياً يحول الحية من مخلوق ذي أقدام كسائر المخلوقات، لكائن يزحف على بطنه جزاء حملها للشيطان في جوفها لتدخله الجنة، ويلعن الأرض التي حملت شجرة الإثم ويحول ثمرها شوكاً، ويحكم على حواء بآلام الحيض والنفاس، وجعلها سفيهة بعد أن خلقها حليمة، لأنها أغوت آدم بالأكل من الشجرة.

وهذا ـ لعمري ـ بسبب انسياق مفسرينا وراء روايات بني إسرائيل دون تمحيص، أو رجوع واعٍ للكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وما يضيرهم لو أمسكوا عن روايات تخالف صريح القرآن وروحه؟!







 
رد مع اقتباس
قديم 08-11-2021, 12:37 PM   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله


وقصة أخرى تثبت أن المفسرين خالفوا ما علم من الدين، انتصاراً لرواية إسرائيلية، ما جاء في تفسير: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِيوسف 24، وهو على قسمين فيهما تفصيلات كثيرة، لكن قبل أن نمثل لها من كتب المفسرين، نعرض الرواية الإسرائيلية من سفر التكوين، إصحاح 39:

٧ وَحَدَثَ بَعْدَ هَذِهِ ٱلْأُمُورِ أَنَّ ٱمْرَأَةَ سَيِّدِهِ رَفَعَتْ عَيْنَيْهَا إِلَى يُوسُفَ وَقَالَتِ: "ٱضْطَجِعْ مَعِي". ٨ فَأَبَى وَقَالَ لِٱمْرَأَةِ سَيِّدِهِ: "هُوَ ذَا سَيِّدِي لَا يَعْرِفُ مَعِي مَا فِي ٱلْبَيْتِ، وَكُلُّ مَا لَهُ قَدْ دَفَعَهُ إِلَى يَدِي. ٩ لَيْسَ هُوَ فِي هَذَا ٱلْبَيْتِ أَعْظَمَ مِنِّي. وَلَمْ يُمْسِكْ عَنِّي شَيْئًا غَيْرَكِ، لِأَنَّكِ ٱمْرَأَتُهُ. فَكَيْفَ أَصْنَعُ هَذَا ٱلشَّرَّ ٱلْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى ٱللهِ؟." ١٠ وَكَانَ إِذْ كَلَّمَتْ يُوسُفَ يَوْمًا فَيَوْمًا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ لَهَا أَنْ يَضْطَجِعَ بِجَانِبِهَا لِيَكُونَ مَعَهَا. ١١ ثُمَّ حَدَثَ نَحْوَ هَذَا ٱلْوَقْتِ أَنَّهُ دَخَلَ ٱلْبَيْتَ لِيَعْمَلَ عَمَلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ إِنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ ٱلْبَيْتِ هُنَاكَ فِي ٱلْبَيْتِ. ١٢ فَأَمْسَكَتْهُ بِثَوْبِهِ قَائِلَةً: "ٱضْطَجِعْ مَعِي!". فَتَرَكَ ثَوْبَهُ فِي يَدِهَا وَهَرَبَ وَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ. ١٣ وَكَانَ لَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ تَرَكَ ثَوْبَهُ فِي يَدِهَا وَهَرَبَ إِلَى خَارِجٍ، ١٤ أَنَّهَا نَادَتْ أَهْلَ بَيْتِهَا، وَكَلَّمَتهُمْ قَائِلةً: "ٱنْظُرُوا! قَدْ جَاءَ إِلَيْنَا بِرَجُلٍ عِبْرَانِيٍّ لِيُدَاعِبَنَا! دَخَلَ إِلَيَّ لِيَضْطَجِعَ مَعِي، فَصَرَخْتُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ. ١٥ وَكَانَ لَمَّا سَمِعَ أَنِّي رَفَعْتُ صَوْتِي وَصَرَخْتُ، أَنَّهُ تَرَكَ ثَوْبَهُ بِجَانِبِي وَهَرَبَ وَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ.
١٦فَوَضَعَتْ ثَوْبَهُ بِجَانِبِهَا حَتَّى جَاءَ سَيِّدُهُ إِلَى بَيْتِهِ. ١٧ فَكَلَّمَتْهُ بِمِثْلِ هَذَا ٱلْكَلَامِ قَائِلَةً: "دَخَلَ إِلَيَّ ٱلْعَبْدُ ٱلْعِبْرَانِيُّ ٱلَّذِي جِئْتَ بِهِ إِلَيْنَا لِيُدَاعِبَنِي.١٨ وَكَانَ لَمَّا رَفَعْتُ صَوْتِي وَصَرَخْتُ، أَنَّهُ تَرَكَ ثَوْبَهُ بِجَانِبِي وَهَرَبَ إِلَى خَارِجٍ."

لكن القرآن الكريم يقدم لنا الواقعة في مشهد درامي معجز، فيقول تعالى:
﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ 23 وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ 24
إلا أن قرائح المفسرين أضافت لنص العهد القديم تفصيلات وتأويلات وتخيلات متطرفة فيها من الفحش ما يبرأ القرآن، ذِكْرُ الله الحكيم منه.


أولاً: واقعة الهم:

الطبري:
ذُكر أن امرأة العزيز لما همّت بيوسف وأرادت مراودته، جعلت تذكر له مـحاسن نفسه، وتشوّقه إلـى نفسها. كما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن مـحمد، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بهِ وَهَمَّ بِها قال: قالت له: يا يوسف ما أحسن شعرك قال: هو أوّل ما ينتثر من جسدي. قالت: يا يوسف ما أحسن وجهك قال: هو للتراب يأكله. فلـم تزل حتـى أطمعته، فهمت به وهمّ بها. فدخلا البـيت، وغلقت الأبواب، وذهب لـيحلّ سراويـله...
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: أكبت علـيه يعنـي الـمرأة تطمعه مرّة وتـخيفه أخرى، وتدعوه إلـى لذّة من حاجة الرجال فـي جمالها وحسنها ومُلكها، وهو شاب مستقبل يجد من شبق الرجال ما يجد الرجل حتـى رقّ لها مـما يرى من كلفها به، ولـم يتـخوّف منها حتـى همّ بها وهمت به، حتـى خَـلَوَا فـي بعض بـيوته. ومعنى الهمّ بـالشيء فـي كلام العرب: حديث الـمرء نفسه بـمواقعته، ما لـم يواقع. فأما ما كان من همّ يوسف بـالـمرأة وهمها به، فإن أهل العلـم قالوا فـي ذلك ما أنا ذاكره، وذلك ما: حدثنا أبو كريب وسفـيان بن وكيع، وسهل بن موسى الرازي، قالوا: ثنا ابن عيـينة، عن عثمان بن أبـي سلـيـمان، عن ابن أبـي ملـيكة، عن ابن عبـاس، سئل عن همّ يوسف ما بلغ؟ قال: حلّ الهِمْيان، وجلس منها مـجلس الـخاتن. لفظ الـحديث لأبـي كُريب. حدثنا أبو كريب، وابن وكيع، قالا: ثنا ابن عيـينة، قال: سمع عبـيد الله بن أبـي يزيد ابن عبـاس فـي: ﴿وَلَقَدْ همَّتْ بِه وَهَمَّ بِهَا قال: جلس منها مـجلس الـخاتن، وحلّ الهِمْيان. حدثنا زياد بن عبد الله الـحسانـي، وعمرو بن علـيّ، والـحسن بن مـحمد، قالوا: ثنا سفـيان بن عيـينة، عن عبد الله بن أبـي يزيد، قال: سمعت ابن عبـاس سئل: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: حلّ الهميان، وجلس منها مـجلس الـخاتن. حدثنـي زياد بن عبد الله، قال: ثنا مـحمد بن أبـي عديّ، عن ابن جريج، عن ابن أبـي ملـيكة، قال: سألت ابن عبـاس: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت له، وجلس بـين رجلـيها.

القرطبي:
قال ٱبن عباس: حلّ الهِمْيان وجلس منها مجلس الخاتن، وعنه: ٱستلقت على قفاها وقعد بين رجليها ينزع ثيابه. وقال سعيد بن جُبير: أطلق تِكَّة سراويله. وقال مجاهد: حلّ السراويل حتى بلغ الأليتين، وجلس منها مجلس الرجل من ٱمرأته. قال ٱبن عباس: ولما قال: ﴿ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِيوسف
52 قال له جبريل: ولا حين هممت بها يا يوسف؟ٰ فقال عند ذلك: ﴿وَمَآ أُبَرِّيءُ نَفْسِيۤ يوسف 53 قالوا: والانكفاف في مثل هذه الحالة دالٌّ على الإخلاص، وأعظم للثواب.

إبن كثير:
اختلفت أقوال الناس وعباراتهم في هذا المقام، وقد روي عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وطائفة من السلف في ذلك ما رواه ابن جرير وغيره، والله أعلم. وقيل المراد بهمه بها خطرات حديث النفس، حكاه البغوي عن بعض أهل التحقيق، ثم أورد البغوي ههنا حديث عبد الرزاق عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها، وإن هم بسيئة فلم يعملها، فاكتبوها حسنة، فإنما تركها من جرائي، فإن عملها فاكتبوها بمثلها"، وهذا الحديث مخرج في الصحيحين، وله ألفاظ كثيرة، هذا منها. وقيل هم بضربها. وقيل تمناها زوجة. وقيل هم بها لولا أن رأى برهان ربه، أي فلم يهم بها، وفي هذا القول نظر من حيث العربية، حكاه ابن جرير وغيره.

الماوردي:
قوله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ أما همها به ففيه قولان:
أحدهما: أنه كان هَمَّ شهوة.
الثاني: أنها استلقت له وتهيأت لمواقعته.
وأما همّه بها ففيه ستة أقاويل:
أحدها: أنه همّ بها أن يضربها حين راودته عن نفسه ولم يهم بمواقعتها قاله بعض المتأخرين.
الثاني: أن قوله ولقد همت به كلام تام قد انتهى، ثم ابتدأ الخبر عن يوسف فقال: ﴿وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ ومعنى الكلام لولا أن رأى برهان ربه لهمَّ بها، قاله قطرب.
الثالث: أن همها كان شهوة، وهمه كان عفة.
الرابع: أن همه بها لم يكن عزماً وإرادة وإنما كان تمثيلاً بين الفعل والترك، ولا حرج في حديث النفس إذا لم يقترن به عزم ولا فعل، وأصل الهم حديث النفس حتى يظهر فيصير فعلاً، ومنه قول جميل:
هممت بهمِّ من بثينة لو بدا ..... شفيت غليلات الهوى من فؤاديا
الخامس: أنه همه كان حركة الطباع التي في قلوب الرجال من شهوة النساء وإن كان قاهراً له وهو معنى قول الحسن.
السادس: أنه هم بمواقعتها وعزم عليه. قال ابن عباس: وحل الهميان يعني السراويل وجلس بين رجليها مجلس الرجل من المرأة، وهو قول جمهور المفسرين.
فإن قيل: فكيف يجوز أن يوصف يوسف بمثل هذا الفعل وهو نبي الله عز وجل؟
قيل: هي منه معصية، وفي معاصي الأنبياء ثلاثة أوجه:
أحدها: أن كل نبي ابتلاه الله بخطيئة إنما ابتلاء ليكون من الله تعالى على وجل إذا ذكرها فيجدّ في طاعته إشفاقاً منها ولا يتكل على سعة عفوه ورحمته.
الثاني: أن الله تعالى ابتلاهم بذلك ليعرفهم موقع نعمته عليهم بصفحه عنهم وترك عقوبتهم في الآخرة على معصيتهم.
الثالث: أنه ابتلاهم بذلك ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رجاء رحمة الله وترك الإياس في عفوه عنهم إذا تابوا.

البغوي:
﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا والهمُّ هو: المقاربة من الفعل من غير دخول فيه، فهمُّها: عزمُها على المعصية والزنا. وأمّا همُّه: فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: حلّ الهميان وجلس منها مجلس الخائن. وعن مجاهد قال: حلّ سراويله وجعل يعالج ثيابه. وهذا قول أكثر المتقدمين مثل سعيد ابن جبير والحسن. وقال الضحاك: جرى الشيطان فيما بينهما فضرب بإحدى يديه إلى جيد يوسف وباليد الأخرى إلى جيد المرأة حتى جمع بينهما. قال أبو عبيد القاسم بن سلام: قد أنكر قوم هذا القول، والقول ما قال متقدمو هذه الأمة، وهم كانوا أعلم بالله أن يقولوا في الأنبياء عليهم السلام من غير علم. وقال السدي وابن إسحاق: لما أرادت امرأة العزيز مراودة يوسف عليه السلام عن نفسه جعلت تذكر له محاسن نفسه وتشوِّقه إلى نفسها، فقالت: يا يوسف ما أحسن شعرك! قال: هو أول ما ينتثر من جسدي. قالت: ما أحسن عينيك! قال: هي أول ما تسيل على وجهي في قبري. قالت: ما أحسن وجهك! قال: هو للتراب يأكله. وقيل: إنها قالت: إن فراش الحرير مبسوط، فقم فاقض حاجتي. قال: إذاً يذهب نصيبي من الجنة. فلم تزل تطمعه وتدعوه إلى اللذة، وهو شاب يجد من شبق الشباب ما يجده الرجل، وهي امرأة حسناء جميلة، حتى لان لها ممَّا يرى من كلفها، وهمَّ بها، ثم إن الله تعالى تدارك عبده ونبيه بالبرهان الذي ذكره.

ثانياً: برهان ربه:

الطبري:
فإذا هو بصورة يعقوب قائماً فـي البـيت قد عضّ علـى أصبعه يقول: يا يوسف تواقعها فإنـما مَثَلُكَ ما لـم تواقعها مثل الطير فـي جوّ السماء لا يطاق، ومثلك إذا واقعتها مثلَه إذا مات ووقع إلـى الأرض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ومثلك ما لـم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يُعمل علـيه، ومثلك إن واقعتها مثل الثور حين يـموت فـيدخـل النـمل فـي أصل قرنـيه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه. فربط سراويـله، وذهب لـيخرج يشتدّ، فأدركْته، فأخذت بـمؤخر قميصه من خـلفه، فخرقته حتـى أخرجته منه، وسقط، وطرحه يوسف، واشتدّ نـحو البـاب.

القرطبي:
قوله تعالى: ﴿لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ... وهذا البرهان غير مذكور في القرآن فرُوي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أن زليخاء قامت إلى صنم مكلّل بالدرّ والياقوت في زاوية البيت فسترته بثوب، فقال: ما تصنعين؟ قالت: أستحي من إلهي هذا أن يراني في هذه الصورة، فقال يوسف: أنا أولى أن أستحي من الله وهذا أحسن ما قيل فيه، لأن فيه إقامة الدليل. وقيل:رأى مكتوباً في سقف البيت:﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاًالإسراء 32. وقال ابن عباس: بدت كفّ مكتوب عليها :﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ الانفطار 10 وقال قوم: تذكر عهد الله وميثاقه. وقيل: نودي يا يوسف أنت مكتوب في ديوان الأنبياء وتعمل عمل السفهاء؟! وقيل: رأى صورة يعقوب على الجدران عاضاً على أنملته يتوعده فسكن، وخرجت شهوته من أنامله، قاله قَتادة ومجاهد والحسن والضّحاك وأبو صالح وسعيد بن جُبير. وروى الأعمش عن مجاهد قال: حلّ سـراويله فتمثل له يعقوب، وقال له: يا يوسف! فولّى هارباً. وروى سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جُبير قال: مثل له يعقوب فضرب صدره فخرجت شهوته من أنامله قال مجاهد: فولد لكل واحد من أولاد يعقوب ٱثنا عشر ذكراً إلا يوسف لم يولد له إلا غلامان، ونقص بتلك الشهوة ولده وقيل غير هذا. وبالجملة: فذلك البرهان آية من آيات الله أراها الله يوسف حتى قوي إيمانه، وٱمتنع عن المعصية.

إبن كثير:
وأما البرهان الذي رآه، ففيه أقوال أيضاً، فعن ابن عباس وسعيد ومجاهد وسعيد بن جبير ومحمد بن سيرين والحسن وقتادة وأبي صالح والضحاك ومحمد بن إسحاق وغيرهم رأى صورة أبيه يعقوب عليه السلام عاضاً على أصبعه بفمه. وقيل عنه في رواية فضرب في صدر يوسف. وقال العوفي عن ابن عباس رأى خيال الملك، يعني سيده، وكذا قال محمد بن إسحاق فيما حكاه عن بعضهم إنما هو خيال قطفير سيده حين دنا من الباب. وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب، حدثنا وكيع عن أبي مودود، سمعت من محمد بن كعب القرظي قال رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت، فإذا كتاب في حائط البيت ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاًالإسراء 32، وكذا رواه أبو معشر المدني عن محمد بن كعب. وقال عبد الله بن وهب أخبرني نافع ابن يزيد، عن أبي صخر، قال سمعت القرظي يقول في البرهان الذي رآه يوسف ثلاث آيات من كتاب الله: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـٰفِظِينَالانفطار 10، وقوله: ﴿وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍ يونس
61 ، وقوله: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ الرعد 33. قال نافع سمعت أبا هلال يقول مثل قول القرظي، وزاد آية رابعة: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰالإسراء 32. وقال الأوزاعي: رأى آية من كتاب الله في الجدار تنهاه عن ذلك. قال ابن جرير: والصواب أن يقال إنه رأى آية من آيات الله تزجره عما كان هم به، وجائز أن يكون صورة يعقوب، وجائز أن يكون صورة الملك، وجائز أن يكون ما رآه مكتوباً من الزجر عن ذلك، ولا حجة قاطعة على تعيين شيء من ذلك، فالصواب أن يطلق كما قال الله تعالى.

الماوردي:
وفي قوله تعالى: ﴿لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ ستة أقاويل:
أحدها: أن برهان ربه الذي رآه أن نودي بالنهي عن مواقعة الخطيئة، قال ابن عباس:نودي اي ابن يعقوب تزني فيكون مثلك مثل طائر سقط ريشه فذهب يطير فلم يستطع.
الثاني: أنه رأى صورة يعقوب وهو يقول: يا يوسف أتهمُّ بفعل السفهاء وأنت مكتوب في الأنبياء؟ فخرجت شهوته من أنامله، قاله قتادة ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير.
قال مجاهد: فولد لكل واحد من أولاد يعقوب اثنا عشر ذكراً إلا يوسف فلم يولد له إلا غلامان ونقص بتلك الشهوة ولده.
الثالث: أن البرهان الذي رآه ما أوعد الله تعالى على الزنى، قال محمد بن كعب القرظي: رأى كتاباً على الحائط: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاًالإسراء 32.
الرابع: أن البرهان الذي رآه. الملك إظفير سيده، قاله ابن إسحاق.
الخامس: أن البرهان الذي رآه هو ما آتاه الله تعالى من آداب آبائه في العفاف والصيانة وتجنب الفساد والخيانة، قاله ابن بحر.
السادس: أن البرهان الذي رآه أنه لما همت به وهم بها رأى ستراً فقال لها: ما وراء هذه الستر؟ فقالت: صنمي الذي أعبده أستره استحياء منه. فقال: إذا استحيت مما لا يسمع ولا يبصر فأنا أحق أن أستحي من إلهي وأتوقاه، قاله الضحاك.

البغوي:
قوله عزّ وجلّ: ﴿لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ، اختلفوا في ذلك البرهان: قال قتادة وأكثر المفسرين: إنه رأى صورة يعقوب، وهو يقول له: يا يوسف تعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب في الأنبياء! وقال الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك: انفرج له سقف البيت فرأى يعقوب عليه السلام عاضَّاً على أصبعه. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: مُثِّل له يعقوب عليه السلام فضرب بيده في صدره فخرجت شهوته من أنامله. وقال السدي: نُودي يا يوسف تواقعها! وإنما مثلك مالم تواقعها مثل الطير في جوف السماء لا يطاق، ومثلك إن تواقعها مثله إذا مات ووقع على الأرض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه، ومثلك مالم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يطاق، ومثلك إن واقعتها مثل الثور يموت فيدخل النمل في أصل قرنيه لا يستطيع أن يدفعه عن نفسه. عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ﴿وَهَمَّ بِهَا، قال: حلّ سراويله وقعد منها مقعد الرجل من امرأته، فإذا بكفٍّ قد بدت بينهما بلا معصم ولا عضد مكتوب عليها: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَالانفطار 11، فقام هارباً وقامت، فلما ذهب عنهما الرعب عادت وعاد فظهرت تلك الكف مكتوباً عليها: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاًالاسراء 32 فقام هارباً وقامت، فلما ذهب عنهما الرعب عادت وعاد، فظهر، ورأى تلك الكف مكتوباً عليها: ﴿وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ البقرة 281 فقام هارباً وقامت، فلما ذهب عنهما الرعب عادت وعاد، فقال الله عز وجل لجبريل عليه السلام: أَدْرِكْ عبدي قبل أن يصيب الخطيئة، فانحطَّ جبريل عليه السلام عاضَّاً على أصبعه، يقول: يا يوسف تعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب عند الله في الأنبياء.
ورُوي أنه مسحه بجناحه فخرجت شهوته من أنامله. وقال محمد بن كعب القرظي: رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت حين همّ بها فرأى كتاباً في حائط البيت: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً. وروى عطية عن ابن عباس: في البرهان أنه رأى مثال الملك. وقال جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما: البرهان النبوة التي أودعها الله في صدره حالت بينه وبين ما يسخط الله عزّ وجلّ. وعن علي بن الحسين قال: كان في البيت صنم فقامت المرأة وسترته بثوب، فقال لها يوسف: لِمَ فعلتِ هذا؟. فقالت: استحييتُ منه أن يراني على المعصية. فقال يوسف: أتستحين مما لا يسمع ولا يبصر ولا يفقه؟ فأنا أحق أن أستحي من ربّي، وهرب.







 
رد مع اقتباس
قديم 16-11-2021, 01:17 PM   رقم المشاركة : 31
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله





وإذا أردنا المقارنة بين رواية العهد القديم للواقعة، وروايات أكثر كتب التفسير، هالنا التناقض. إن القصة في النص الإسرائيلي الذي كتبه الأحبار فيها من العفة والتمنع ما ليس نجده في كتب أسلاف المسلمين. كتبهم فيها من الفجور ما تعف عنه الألسن، وتجل عن الخوض فيه الضمائر الحية. أما عن مصدر قصصهم، فهو مختلط بين مصدرين لا ثالث لهما:

1) خرافات إسرائيلية بثها يهود أسلموا، ولم يحسن إسلامهم، بل كانوا أداة هدم في ديننا، وكعب الأحبار أحدهم. وهؤلاء أدخلوا في السُنّة والأخبار روايات كثيرة نسبوها للرسول عليه السلام والصحابة. ومن يدرس كتب التفسير بالموروث، يجد لابن عباس - على سبيل المثال - كثيراً من الأقوال المتضاربة في تفسيره لآيات الله، فله قول بمعنى، وقول آخر بمعنى آخر للآية نفسها بسند مختلف. ونحن لا نتهم حبر الأمة، بل إن الجناية جناية من افترى عليه ونقل عنه ما ليس له. وهذا كثير في التفسير والحديث.
2) خيالات المفسرين. وهذا عنصر آخر مهم يبين أن من المفسرين من حمله خياله على أن يفترض افتراضات لم يرد فيها نص، ثم يأتي بعده من ينقل عنه دون تثبت أو مراجعة لعقل أو منطق. من ذلك ما رواه القرطبي من آيات قرآنية تراءت ليوسف على السقف تزجره عن إتيان الفاحشة.

ولو اكتفى المفسرون بنص القرآن، وحللوا الواقعة ضمن دلالات الألفاظ، دون رجوع لأساطير أهل الكتاب، لأصابوا. بل إنهم لو اكتفوا بأن نقلوا من رواية العهد القديم ما لم يتعارض مع نص التنزيل الحكيم، لما وقعوا في الخطأ والخلط والتجني على نبي الله. رواية العهد القديم تبريء يوسف (ع) من الوقوع في الهم بالفاحشة، وتصف فراره من امرأة العزيز فور طلبها له. وهو ما يوافق نص القرآن الكريم في هذه الجزئية، وإن خالفت القرآن فيما تلى من مناداتها لأهل البيت ليشهدوا اتهامها ليوسف بمحاولة النيل من عفتها. نص العهد القديم يخلو من جلوسه منها مجلس الراغب في المعاشرة أو انزجاره لدى رؤيته لها تستر وثنها حياءاً منه، أو تمثل خيال أبيه يعقوب له، أو رؤية آيات من القرآن على الجدار.

بل إن البغوي في معالم التنزيل يرد رفض بعض المفسرين لمثل هذه الروايات الفاضحة بزعم أن ما فعله يوسف بالميل لمقارفة الفاحشة من الصغائر، والصغائر معفي عنها لدى الأنبياء. يقول:

وقيل: همت بيوسف أن يفترشها، وهمّ بها يوسف أي: تمنى أن تكون له زوجة. وهذا التأويل وأمثاله غير مرضية لمخالفتها أقاويل القدماء من العلماء الذين يؤخذ عنهم الدين والعلم. وقال بعضهم: إن القدر الذي فعله يوسف عليه السلام كان من الصغائر، والصغائر تجوز على الأنبياء عليهم السلام. روي أن يوسف عليه السلام لما دخل على الملك حين خرج من السجن وأقرَّتِ المرأة، قال يوسف: ﴿ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّى لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ قال له جبريل: ولا حين هممتَ بها يا يوسف؟ فقال يوسف عند ذلك: ﴿وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ الآية. وقال الحسن البصري: إن الله تعالى لم يذكر ذنوب الأنبياء عليهم السلام في القرآن ليعيَّرهم، ولكن ذكرها ليبيّن موضع النعمة عليهم، ولئلا ييأس أحد من رحمته.

فيثبت على نبي الله الهم بالزنا، ويضع فوق ذلك فرية أخرى يُذَكّرُ فيها جبريل يوسف عليهما السلام بفعلته، كأنه يلومه، وهو حتى لم يتثبت من نسبة قوله تعالى: ﴿ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّى لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ﴾ وقوله: ﴿وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤوهو من كلام امرأة العزيز.

على أن من المفسرين من تجاوز هذه السقطات، وترفع عنها، وقدم تحليلاً منطقياً لواقعة ذكرها القرآن الكريم بألفاظ راقية معجزة، عرضت الغواية والتمنع بسمو وترفع دون أن يشوبها إسفاف أو تقصير.







 
رد مع اقتباس
قديم 23-11-2021, 12:26 PM   رقم المشاركة : 32
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله



في معنى الهم يقول الزمخشري:

"همّ بالأمر إذا قصده وعزم عليه، قال الشاعر:
همَمْتُ وَلَمْ أفعل وَكِدْتُ وَلَيْتَنِي .... تَرَكْتُ عَلَى عُثْمانَ تَبْكي حَلاَئِلُهْ
ومنه قولك: لا أفعل ذلك ولا كيداً ولا هماً. أي ولا أكاد أن أفعله كيداً، ولا أهم بفعله هماً، حكاه سيبويه، ومنه الهمام وهو الذي إذا همّ بأمر أمضاه ولم ينكل عنه. وقوله: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾ معناه. ولقد همت بمخالطته ﴿وَهَمَّ بِهَا وهمّ﴾ بمخالطتها ﴿لَوْلا أَن رأى بُرْهَانَ رَبّهِ﴾ جوابه محذوف، تقديره لولا أن رأى برهان ربه لخالطها، فحذف لأنّ قوله وَهَمَّ بِهَا يدل عليه، كقولك هممت بقتله لولا أني خفت الله، معناه لولا أني خفت الله لقتلته. فإن قلت كيف جاز على نبيّ الله أن يكون منه هم بالمعصية وقصدٌ إليها؟ قلت المراد أنّ نفسه مالت إلى المخالطة ونازعت إليها عن شـهوة الشباب وقرمه ميلاً يشبه الهم به والقصد إليه، وكما تقتضيه صورة تلك الحال التي تكاد تذهب بالعقول والعزائم. وهو يكسـر ما به ويردّه بالنظر في برهان الله المأخوذ على المكلفين من وجوب اجتناب المحارم، ولو لم يكن ذلك الميل الشـديد المسمى هماً لشدّته لما كان صاحبه ممدوحاً عند الله بالامتناع لأن اسـتعظام الصبر على الابتلاء، على حسب عظم الابتلاء وشدته. ولو كان همه كهمها عن عزيمة، لما مدحه الله بأنه من عباده المخلصين".

وينعى على المفسرين المتجاوزين في حق نبي الله، ويرد عليهم افتراءاتهم بمنطق سليم، ليثبت له العصمة شأن ذلك الصنف من البشر الذين اصطفاهم الله لحمل دينه:

"وقد فسـر همّ يوسف بأنه حل الهميان وجلس منها مجلس المجامع، وبأنه حل تكة سراويله وقعد بين شعبها الأربع وهي مستلقية على قفاها، وفسر البرهان بأنه سمع صوتاً إياك وإياها، فلم يكترث له، فسمعه ثانياً فلم يعمل به، فسمع ثالثاً أعرض عنها فلم ينجع فيه حتى مثل له يعقوب عاضاً على أنملته.
وقيل ضرب بيده في صدره فخرجت شهوته من أنامله. وقيل كل ولد يعقوب له اثنا عشر ولداً إلا يوسف، فإنه ولد له أحد عشر ولداً من أجل ما نقص من شهوته حين همّ،
وقيل صيح به يا يوسف، لا تكن كالطائر كان له ريش، فلما زنى قعد لا ريش له.
وقيل بدت كف فيما بينهما ليس لها عضد ولا معصم، مكتوب فيها آيات من القرآن فلم ينته، فقال الله لجبريل عليه السلام أدرك عبدي قبل أن يصيب الخطيئة، فانحط جبريل وهو يقول يا يوسف، أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب في ديوان الأنبياء؟
وقيل رأى تمثال العزيز.
وقيل قامت المرأة إلى صنم كان هناك فسترته وقالت أستحي منه أن يرانا. فقال يوسف استحييت ممن لا يسمع ولا يبصر، ولا أستحي من السميع البصير، العليم بذوات الصدور.
وهذا ونحوه، مما يورده أهل الحشو والجبر الذين دينهم بهت الله تعالى وأنبيائه، وأهل العدل والتوحيد ليسوا من مقالاتهم ورواياتهم بحمد الله بسبيل، ولو وُجِدَت من يوسف عليه السلام أدنى زلة لنُعِيت عليه وذُكِرَت توبته واستغفاره، كما نُعِيَت على آدم زلته، وعلى داود، وعلى نوح، وعلى أيوب، وعلى ذي النون، وذُكِرت توبتهم واستغفارهم، كيف وقد أثنى عليه وسمي مخلصاً، فعلم بالقطع أنه ثبت في ذلك المقام الدحض، وأنه جاهد نفسه مجاهدة أُولي القوّة والعزم، ناظراً في دليل التحريم ووجه القبح، حتى اسـتحق من الله الثناء فيما أَنزل من كتب الأولين، ثم في القرآن الذي هو حجة على سـائر كتبه ومصداق لها، ولم يقتصر إلا على استيفاء قصته وضرب صورة كاملة عليها، ليجعل له لسان صدق في الآخرين، كما جعله لجدّه الخليل إبراهيم عليه السلام، وليقتدي به الصالحون إلى آخر الدهر في العفة وطيب الإزار والتثبت في مواقف العثار،"

وقد ذهب أبو حيان الغرناطي في البحر المحيط لنحو ما ذهب إليه الزمخشري من تأويل هم المرأة بمقارفة الفعل، وهم يوسف بالتمنع لعلة "لولا"، وأنكر أن يتهم نبي الله بما لا يجوز نسبته لآحاد الفساق. وأما البرهان الذي رآه فيقول أبو حيان عنه:

"والبرهان الذي رآه يوسف هو ما آتاه الله تعالى من العلم الدال على تحريم ما حرمه الله، والله لا يمكن الهم به فضلاً عن الوقوع فيه. كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء."

ويقول الطنطاوي في "الوسيط":

"وقد أجمع العلماء على أن همَّ امرأة العزيز بيوسف كان هماً بمعصية، وكان مقروناً بالعزم والجزم والقصد، بدليل المراودة وتغليق الأبواب، وقولها "هيْت لك". كما أجمعوا على أن يوسف - عليه السلام - لم يأت بفاحشة، وأن همه كان مجرد خاطرة قلب بمقتضى الطبيعة البشرية من غير جزم وعزم. وهذا اللون من الهم لا يدخل تحت التكليف، ولا يخل بمقام النبوّة، كالصائم يرى الماء البارد فى اليوم الشديد الحرارة، فتميل نفسه إليه، ولكن دينه يمنعه من الشرب منه، فلا يؤاخذ بهذا الميل. والمراد ببرهان ربه هو ما غرسه الله - تعالى - فى قلبه من العلم المصحوب بالعمل، بأن هذا الفعل الذى دعته إليه امرأة العزيز قبيح، ولا يليق به."

وقول الطنطاوي وهو من العلماء المحدثين، فيه صحة من ناحية تفسير الهم من الطرفين، ومن ناحية تأويل البرهان. ولكنه ادعى إجماع العلماء على ما يقوله، وهذا مخالف لكتب الكثيرين منهم، وقد أوردنا صنفاً منها، وكأنه لم يطلع على عشرات التفاسير التي حوت غير ما قاله، وأثبتت على نبي الله الهم بالفاحشة، ورؤية البرهان على الجدار والسقف، وتمثل أبيه له، أو لوم جبريل له ليرده عن إتيان الفاحشة.
وليس من العلم أن تنتصر لرأيك بدعوى الإجماع، كأن الناس لا تقرأ، وكأن العلماء لا يختلفون، واختلافهم ـ بلا شك ـ يثري العلم، ويُعْمِلُ العقول. إضافة إلى أننا نرى القول بالإجماع تجاوزاً، فالإجماع في أي مسألة قريب من الاستحالة.






 
رد مع اقتباس
قديم 01-12-2021, 12:43 PM   رقم المشاركة : 33
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله



أليس في روايات أكثر المفسرين لهم نبي بارتكاب الفاحشة مخالفة لعصمة الأنبياء؟ أليس مخالفاً لآداب القرآن وروحه؟

من مثل ذلك امتلأت كتب الحديث والتفسير بالكثير من الروايات، فرأينا شجرة التفاح والتين والتوت والأفعى تحوم حول آدم وحواء لتغويهما، وغيرة ابن آدم من أخيه لأنه ظفر بزوج أرادها لنفسه، فقتله، وقس على ذلك سائر قصص الأحبار التي نقلها علماؤنا لكتبهم، ورووها على أنها الحق. بل إن منهم من جَوَّد وزاد، فبنو إسرائيل ابتلوا بعبادة العجل عقوبة لهم على الاستيلاء على ذهب المصريين، وعصا موسى وهبها له شعيب عليهما السلام، وشعيب ورثها جيلاً عن جيل من صاحبها الأول آدم الذي نزل بها من الجنة، وآدم أهبط من الجنة للهند، بينما أهبطت حواء على بعد آلاف الكيلومترات منه، .....

ولم يقف الاغتراف من الإسرائيليات عند حد قصص الأنبياء، بل تعداه للرجوع إلى أحبار بني إسرائيل في أخص ما يتميز به العرب الأقحاح: اللسان العربي. أورد الطبري فى معرض تفسيره لآية: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا﴾ الكهف 86 ما نصه مختصرا: «قال: سمعت عبد الله بن عباس يقول: قرأ معاوية هذه الآية، فقال: «عين حامية» فقال ابن عباس: إنها عين حمئة، قال: فجعلا كعباً بينهما، قال: فأرسلا إلى كعب الأحبار، فسألاه، فقال كعب: أما الشمس فإنها تغيب فى ثأط (أي: طين)، فكانت على ما قال ابن عباس». ثم يورد بعدها بسطور رواية أخرى: «قال: وأخبرني عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبى رباح، عن ابن عباس، قال: قرأت ﴿فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ وقرأ عمرو بن العاص {فى عين حامية} فأرسلنا إلى كعب، فقال: إنها تغرب فى حمأة طينة سوداء».

هذه الرواية الفاحشة تفيد أن أعلام الصحابة بعد أن تتلمذوا على يد سيد الأنبياء ونهلوا من علومه، وهم أعلام في العربية، يتحولون للتعلم على يد أستاذ جديد يكشف لهم أغوار ما يستشكل عليهم، أو يختلفون حوله من دلالات لآيات التنزيل الحكيم. هذا التسليم لبني إسرائيل، جعل الإسرائيليين يتحكمون في ديننا، ولولا أن كتب الله حفظ القرآن الكريم لرأيناه مسخاً ككتبهم. لكننا ـ وكما نكرر دائماً ـ لا نتهم الصحابي الجليل عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بل إن الذنب يقع على عاتق من كذبوا على لسانه، وادعوا النقل عنه، وما كان لمثل هذا الصحابي أن ينجرف لهذه السقطات التي ألصقوها به. وقد قلنا قبلُ إن ما نقل عن ابن عباس أكثره مكذوب؛ لأنهم يأتون له بروايات متعددة لكل آية يفسرها، وأكثر الروايات يناقض بعضها بعضاً. الجرأة القبيحة جرأة القوم من المفسرين الذين ملأوا كتبهم بروايات كاذبة، وقصص خيالية، وتأويلات فاضحة، ولم يتورعوا عن إلصاق التهم بالله ـ جل وعلا ـ وبأنبيائه.

هذه الآثار الكارثية للروح الإسرائيلية التى اصطبغ بها التراث الإسلامي لم تقبع فقط فى جنبات الكتب الصفراء، بل انسحبت وتعدت لتعدي من جاء بعد القدماء من أجيال من العلماء، أخذوا هذا الهراء من المسلمات، بل واتهموا من يعارضه أو يناقشهم فيه بالجهل أو التمذهب أو الكفر. وصارت المعاهد العلمية الشرعية تلقن أبناءها به، فيشبون مقلدين لا يفكرون ولا يبحثون، وكلما ازدادت حصيلة حافظة أي منهم، ارتفعت درجته وبزغ نجمه بين العلماء. هذا النهج أحدث مع الوقت ضموراً في العقل المسلم، واستعداداً طبيعياً لتصديق الخرافة؛ والاستسلام لـ "الشيخ" والتسليم بكل ما يأتي به مهما خالف الفطرة، أو ناقض المنطق. لذلك لم يكن غريباً أن يصدر العلماء في العصر العثماني فتوى بقفل باب الاجتهاد، ليكون هذا دليلاً صريحاً على نضوب العقل المسلم، وجفاف منابعه.

إن المخرج من كل هذا لا يكون إلا بإحياء دور العقل، وتفنيد النقول لتنقيتها من هذا الكم الهائل من النصوص المكذوبة، والروايات الغثة، حتى نرفع الغشاوة عن عيوننا، ونستعيد الوعي الحر، ليعود الدين كما كان على عهد خاتم الأنبياء والمرسلين: غضاً نقياً.







 
رد مع اقتباس
قديم 03-12-2021, 04:06 PM   رقم المشاركة : 34
معلومات العضو
راحيل الأيسر
المدير العام
 
الصورة الرمزية راحيل الأيسر
 

 

 
إحصائية العضو







راحيل الأيسر غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله

الأستاذ الموقر شيخنا المفكر / عوني القرمة


لقد تم وضع أيقونة رؤية كما طلبت ..
مع اعتذاري الشديد أني لم أنتبه لطلبك طوال هذه المدة ..


أعتذر منك وأثمن جهودك ..

قرأت المشاركتين الأوليين ..

وسأعود للاستفادة من منهل علمكم بارك الله فيكم .







التوقيع

لم يبق معيَ من فضيلة العلم ... سوى العلم بأني لست أعلم .
 
رد مع اقتباس
قديم 05-12-2021, 12:23 PM   رقم المشاركة : 35
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة راحيل الأيسر مشاهدة المشاركة
الأستاذ الموقر شيخنا المفكر / عوني القرمة


لقد تم وضع أيقونة رؤية كما طلبت ..
مع اعتذاري الشديد أني لم أنتبه لطلبك طوال هذه المدة ..


أعتذر منك وأثمن جهودك ..

قرأت المشاركتين الأوليين ..

وسأعود للاستفادة من منهل علمكم بارك الله فيكم .
شكراً لك،
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والثبات.







 
رد مع اقتباس
قديم 13-12-2021, 01:56 PM   رقم المشاركة : 36
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله


ليس من الدقة اتهام الإسرائيليات وحدها بإفساد الدين، وإن كان لها الأثر الأكبر في إدخال الخرافات والزيف والكذب على التفسير والحديث. وقد تعاملوا مع تفسير القرآن بقواعد مشابهة لأصول الحديث؛ ففي تعدد الأقوال في تفسير الآية يرجح القول الموافق لحديث ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو الإجماع أو أن يكون قاله من هو أعلم بالتفسير من غيره كابن عباس ترجمان القرآن من الصحابة أو مجاهد بن جبر من التابعين. أما ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم في التفسير فلا يكاد يذكر، قال السيوطي: "الذي صح من ذلك قليل جدا، بل أصل المرفوع منه في غاية القلة"*.
* ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (4/ 207).

ولذلك يجب التأكد من صحة ما يذكره المصنفون في التفسير من الأحاديث النبوية التي تتعلق بالتفسير من قريب أو بعيد أو فضائل القرآن والسور أو أسباب النزول، فليس كل المصنفين في التفسير من علماء الحديث المميزين بين الصحيح والضعيف، فما أكثر الأحاديث الضعيفة والموضوعة في كتب التفسير!!
قال الإمام أحمد بن حنبل: "ثلاثة كتب ليس لها أصول: المغازي، والملاحم، والتّفسير"*.
* رواه ابن عديّ في ((الكامل)) (1/ 212)، والخطيب البغدادي في ((الجامع لأخلاق الرّاوي وآداب السامع)) (1493) بإسناد صحيح كما قال الشيخ عبد الله الجديع في ((المقدمات الأساسية في علوم القرآن)) (ص: 296).
قال الخطيب البغدادي (المتوفى سنة 463 هـ): "وهذا الكلام محمول على وجه، وهو أن المراد به كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمد عليها ولا موثوق بصحتها لسوء أحوال مصنفيها، وعدم عدالة ناقليها، وزيادات القصاص فيها، ... ولا أعلم في التفسير كتابا مصنفا سلم من علة فيه أو عري من مطعن عليه"*.
* ((الجامع لأخلاق الراوي)) للخطيب البغدادي (2/ 162، 163).
وقال الزركشي - رحمه الله تعالى -: "لطالب التفسير مآخذ كثيرة أمهاتها أربعة:
الأول: النقل عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهذا هو الطراز الأول، لكن يجب الحذر من الضعيف فيه والموضوع؛ فإنه كثير ..."*.
* ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (2/ 156).

وقد قدمنا إشكالية تعدد المنقول عن أمثال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في مواضع كثيرة. لكنهم لم يقدروا أن تفسير القرآن يختلف عن الحديث؛ فالحديث نص منقول، أما تفسير القرآن فرأي في نص. ولأن القرآن صالح لكل زمان ومكان؛ فإن تأويله ـ لذلك ـ يجب أن يتطور ويختلف وفق تطور الناس في معارفهم وخبراتهم. ومن إعجاز القرآن أنه يؤول في كل عصر تأويلات جديدة، بإضافة معانٍ جديدة لم تعرف من قبل، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تعد. لذلك كان تفسير القرآن بالمأثور وفق قواعد الترجيح المعمول بها في الحديث، من أسباب جموده وتفشي الكثير من الأخبار والآثار الضعيفة والموضوعة فيه. أضف إلى ذلك ادعاء بعض المفسرين عند ترجيحهم لقول دون آخر للإجماع. والإجماع في أغلبه ـ حتى في أصول الفقه ـ ضرب من ضروب الخيال؛ فما اجتمعت الأمة على رأي، وهذا من علامات الصحة فيها، فلكل عالم مجتهد عقل مختلف عن غيره، وخبرات ومعارف مختلفة عن غيره. وقد رأينا من المذاهب المختلفة والفرق المتعددة ما يؤكد ما نذهب إليه. ومن الخطر أن يدعي عالمٌ الإجماعَ في رأي قد يكون شاذاً أو ضعيفاً، لينتصر لاختياره، ويسكت المختلفين عنه.

يضاف إلى خطأ المفسرين بالترجيح الخطأ في نسبة الأقوال. وقد قيل: "من شروط المفسر: الدّقّة في النّقل، واعتماد القويّ الثّابت، وذلك في نقل اللّغة، وفي كلّ ما يعتمد على الإسناد من الحديث في القراءات والتّفسير وأسباب النّزول والنّاسخ والمنسوخ، والآثار عن الصّحابة ومن بعدهم، وفي الكلام المعزوّ للعلماء، خاصّة علماء السّلف، فإنّ الحكايات الواهية وما لا أصل له كثير في ذلك، وإلى هذا يشير الإمام أحمد بن حنبل في عبارة جامعة، قال: ثلاثة كتب ليس لها أصول: المغازي، والملاحم، والتّفسير)، يشير إلى أغلب ما يُذكر فيها، فهو إمّا ضعيف أو موضوع لا أصل له، وعن الإمام عبد الرّحمن بن مهديّ قال: لا يجوز أن يكون الرّجل إماما حتّى يعلم ما يصحّ ممّا لا يصحّ، وحتّى لا يحتجّ بكلّ شيء، وحتّى يعلم مخارج العلم)"*.
* ((المقدمات الأساسية في علوم القرآن)) لعبد الله بن يوسف الجديع (ص: 296، 297).
وقيل: "ألَّف في التفسير طائفة من المتأخرين فاختصروا الأسانيد، ونقلوا الأقوال بتراء، فدخل من هنا الدخيل، والتبس الصحيح بالعليل، ثم صار كل من سنح له قول يورده، ومن خطر بباله شيء يعتمده، ثم ينقل ذلك خلف عن سلف ظاناً أن له أصلاً، غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح، ومن هم القدوة في هذا الباب"*.
* ((فتح البيان في مقاصد القرآن)) لأبي الطيب محمد صديق خان القنوجي (1/ 14).







 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 12:07 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط