غمزة الملك

[عبد الرحيم الجزائري]

في بلاد بعيدة تدعى الواق واق، كان هناك بشر سواسية في الشقاء، يعملون طيلة يومين كاملين من أجل شراء كيلوغرام واحد من السمك، يدعى سمكا فقط، سمك عيونه حمر ربما يكون سمكا مسطولا، يفعلون ذلك من أجل أطفالهم طبعا، حتى يعرفون ما هو السمك و يتلذذون بتناوله و لو لمرة واحدة في طفولتهم، أو حياتهم ربما؛

ككل صباح، تنطلق عجلة اليأس في تلك البلاد لتحصد في طريقها كل وميض أمل يلوح في الأفق، أناس بملامح محترقة، يهرولون وراء الخبز، لا يمكنك أن تحدث أي واحد منهم، و إن أخطأت و اعترضت طريق أحدهم، ستنال حقك من الكلام المباح و الغير المباح، ما بالك يا رجل؟ الكل يجري وراء تلك اللقمة، و أنت هنا تعطلنا! تبا لك..

ككل مساء، الأخبار الروتينية من قنوات كئيبة، تتقيئ المزيد من البؤس...

- اليوم...نعم اليوم يا آنساتي سيداتي سادتي، إنه اليوم المنتظر، سوف يصدر الملك قرارات مصيرية و حاسمة و كبيرة و عظيمة و تاريخية و غير مسبوقة بخصوص تحسين قدرتكم الشرائية، لا طالما أحس الملك بما تعانيه رعيته، و ها هو ذا يعلمكم بأنه يمكنكم من اليوم و صاعدا شراء الكيلو الواحد من السمك لقاء يوم عمل كامل!

و بالنسبة لمن يتجرأ و يقول بأن ملكنا المبجل لم يكن صاحب هذا القرار الأبرز و الذي صنع الحدث، بما أنه في غيبوبة و لم تسمعوا صوته منذ أزيد من عقد من الزمن، نقول له: لماذا تريد أن تسمع كلام الملك، روحه لا تزال في الأرض، إنها معنا تساندنا، نحن هنا نبشركم بأنه إستطاع أن يفتح عينه اليسرى قليلا، حوالي ثلاثة مليمترات تقريبا حسب تقرير هيئة المقابر الملكية، و أعطانا على إثر ذلك غمزة الموافقة على كل القرارات، نعم...لقد غمز الملك أخيرا، غمزة موافقة لا غبار عليها..

منذ اليوم يحق لكل واحد فيكم، بل من واجبه كمواطن مسؤول، أن يشتري بأجرته كيلو سمك و يتوجه به إلى أطفاله، الخيار لهم، مقلي أو مشوي، و بذلك يثبت لهم كم أن أبوهم رجل، نعم رجل..إنه يستحقها...فقد تمكن أخيرا من تحقيق حلمهم الكبير!

*بقلم عبد الرزاق مربح (عبد الرحيم الجزائري)