ملاحظات لبرنامج سياسي في المرحلة الحالية على الساحة الفلسطينية
من قراءات رابطة العائدون الفلسطينيون
إن فلسطين من بحرها إلى نهرها مازالت خاضعة للاحتلال الصهيوني، ومازالت تعيش في مرحلة التحرر الوطني. وبالتالي فإن على حركة «حماس» أن تبادر إلى طرح مبادرة للعمل المشترك مع بقية الطيف السياسي، والاجتماعي، والثقافي الفلسطيني. وهذا يستدعي ان تبذل «حماس» جهداً كبيراً لبناء علاقات تعاون وتكامل مع أبناء «فتح»، المتمسكين بمشروع المقاومة ولم تفسدهم المغريات، ويجب أن تكون تلك العلاقة مع قيادات مشهود لها، ولدورها وتحظى بالاحترام في الساحة الفلسطينية وخصوصاً في أوساط كوادر«فتح» وقواعدها (أحمد حلس ورفاقه)، وليس من المصلحة الوطنية بشيء الإساءة لتلك العلاقة باستقطاب هذا أو ذاك، والإعلان عن «فتح» كذا وكذا، على أن يكون هدف كل ذلك واضحاً ومحدداً لبناء المجتمع الفلسطيني المقاوم. فقدر شعب فلسطين وطريقه الإجباري هو: إدامة المقاومة وتطويرها، لتعيد الصراع إلى حقيقته كصراع وجود لا يمكن التعايش بين طرفيه.
أما العمل السياسي، فيجب أن يهدف إلى مواجهة الحصار، الذي تفرضه قوى الغرب الاستعماري على شعبنا لإخضاعه وإجباره على التكيف مع حاجات المشروع الصهيوني، يزيد من الحاحية بذل المزيد من الجهد والاهتمام لنغّير العمل السياسي القائم على الفهلوة والعمل الفردي، إلى عمل علمي تنتجه وتتابع تنفيذه مؤسسات مؤهلة. عمل سياسي تراكمي، لا يتناقض مع المشروع الاستراتيجي لتحرير فلسطين، قائم على أساس الاستفادة من قرارات الشرعية الدولية كافة التي تخدم المصلحة الوطنية. ورغم ما تلحقه تلك القرارات بالشعب الفلسطيني من ظلم، ورغم ان من اتخذ معظم تلك القرارات هو مجلس الأمن، حيث الهيمنة الأميركية الغربية، إلا أن العمل الجادّ والمتابعة الحثيثة والدعوة الدائمة لالزام الكيان الصهيوني بتنفيذ تلك القرارات (بعيداً عن الأوهام)، سيكشف طبيعته العدوانية العنصرية التي لا تتيح له تنفيذ قرارات الشرعية الدولية.
فتنفيذ القرار 181 الذي يعطي الشعب الفلسطيني الحقّ في بناء دولته على نحو نصف فلسطين، وكذلك القرار رقم 194 المتعلق بحقّ العودة، يعني انجاز خطوات مهمة على طريق تصفية المشروع العنصري الصهيوني.وتفعيل توصية قرار محكمة العدل الدولية، القاضي بهدم جدار الضمّ والعزل العنصري، والتي تتحدث عن بطلان وعدم قانونية الإجراءات كافة التي اتخذتها قوات الاحتلال الصهيوني منذ عام 1967، ستساعد في حشد التأييد العالمي إلى جانب الهدف، الذي حددته القوى الفلسطينية لانتفاضة الأقصى منذ انطلاقتها، وهو دحر الاحتلال، وتفكيك المستوطنات، وإقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين.
ذلك كله يساعد على طرح رؤية للحل النهائي للقضية الفلسطينية قائمة على فكرة - دولة فلسطين الواحدة - لكل ابنائها من مسلمين ومسيحيين ويهود، كما كانت عليه قبل المشروع العنصري الصهيوني. تلك الرؤية ستجد قبولا ودعما واسعا من تيارات عالمية معادية للعنصرية، ومؤيدة لحقوق الإنسان ورافضة للهيمنة الأميركية المتوحشة.
إن القضية الفلسطينية تمرّ في هذه المرحلة التاريخية في وضع حساس ومعقد ومتشابك، وعلى القوى والفصائل والهيئات الأهلية كافة أن تصيغ برامجها انطلاقا من هذه الحقيقة، وخصوصاً حركة «حماس» التي تتحمل مسؤولية قيادية مميزة وكبرى في هذه المرحلة، التي تتيح فرصة ذهبية لقوى المقاومة وللمخلصين كافة من أجل صياغة برنامج ثوري لقيادة المرحلة المقبلة. برنامج يشتمل على إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، كصيغة جبهوية تحررية تكون حاضنة لمشروع وطني فلسطيني جامع تصب فيه كل طاقات الشعب الفلسطيني وامكاناته، ويعيد فلسطين كقضية مركزية للعرب والمسلمين، وذات عمق إنساني شامل.
من مقال السيد وليد محمد علي
مدير مركز باحث للدراسات في بيروت