الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديات الحوارية العامة > منتدى الحوار الفكري العام

منتدى الحوار الفكري العام الثقافة ديوان الأقلاميين..فلنتحاور هنا حول المعرفة..ولنفد المنتدى بكل ما هو جديد ومنوع.

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-01-2012, 08:38 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عمر المختار ونوس
أقلامي
 
الصورة الرمزية عمر المختار ونوس
 

 

 
إحصائية العضو







عمر المختار ونوس غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى عمر المختار ونوس إرسال رسالة عبر Yahoo إلى عمر المختار ونوس

افتراضي طائفية النظام السوري

طائفية النظام السوري



عمر المختار ونوس


تغنت سوريا عبر تاريخها الطويل و معها السوريون على اختلاف مشاربهم و انتماءاتهم بنبذهم لمفهوم الطائفية , هذا المفهوم الذي جعل من لبنان مجموعة دويلات تحكمها عصابات متصارعة على الدوام بحجة الانتماء الطائفي الذي أودى بلبنان و شعبه نحو حرب طاحنة فاق عمرها أكثر من مئة وخمسين عام و لم تنته بعد .


إن نبذ السوريين لهذا المفهوم كان نتيجة طبيعية للوعي الذي يحمله كل سوري بداخله و الذي يتجلى بالتلاحم و التآخي فيما بينهم خلال الحياة اليومية بشكل بديهي , يظهر بأرقى صوره في المناسبات الدينية , و نتيجة لقناعة بأن الوحدة قوة و التشتت ضعف .


لكن مع تفجر الأزمة السورية بتاريخ 15 آذار 2011 بدا واضحاً للجميع أن هناك ميلاً طائفياً عند شريحة واسعة من مجتمعنا السوري , هذا الميل الذي أدى لاصطفافات عديدة و منقسمة فيما بينها حيال الوضع الراهن , هذه الاصطفافات أخذت أشكالاً عدة , فمنها من اعتبرت أن الثورة واجب ديني تحتمه شريعة الله ضد نظام طائفي يميل لطائفةٍ دون أخرى , و منها أيضاً من اعتبرت أنه من الواجب الديني و الذي تحتمه شريعة الله أيضاً الوقوف بجانب النظام القائم لأنه يشكل عامل حماية لها من خطر الطوائف الأخرى , في المحصلة حدث اصطفاف طائفي لدى الجميع دون استثناء سواء من المؤيدين للنظام أم من المعارضين له .


إن هذا الشكل من الاصطفافات أو التحالفات يعكس بالضرورة مدى و عمق الأزمة التي نعيشها من حيث لا ندري , أزمة تأخذ أبعاداً عدة , و تأخذنا معها باتجاهات عدة أيضاً , حيث أننا كنا نتبجح و نتباهى على الدوام برفضنا للطائفية و نكرانها فيما بيننا , لنجد أنفسنا فجأة نتحدث بمصطلحاتها دون وعي منا .


هنا تتمظهر أمامنا عدة أسئلة يجب علينا البحث عن أجوبة لها و العمل على تلافيها في المرحلة المقبلة , فمثلاً ما هي أسباب وجود ميول طائفية , دوافعها , حواملها , و تجلياتها ؟؟؟ .


فإذا أردنا البحث عن أسباب الميل الطائفي في مجتمعنا لوجدنا أننا جزء لا يتجزأ من مجتمع عربي للدين فيه دور رئيسي في الحياة اليومية , من خلال تدخله بأبسط الأمور التي يعيشها و يمارسها المواطن العادي , إضافة إلى ذلك فإن دخول الدين معترك السياسة و تداخله معها أدى لوجود أنظمة سياسية ترتدي عباءة الدين و تحكم باسمه فتحلل ما يوافق أهوائها و تحرم ما يخالفها , حتى و إن تعارض تحليلها و تحريمها لأي شيء مع الدين الذي تحكم باسمه , فلكل نظام سياسي مخارجه التي يسيطر من خلالها , و للأنظمة السيادينية رجال دين منتفعون من سلطة سياسية يبررون لها تصرفاتها على الدوام .


فإذا عكسنا هذا الواقع على سوريا لوجدنا أن نظامها السياسي على الرغم من تبنيه شكلياً لفكرة العلمانية التي تقضي بفصل الدين عن الدولة , إلاّ أنه في الحقيقة لم يستطع إلاّ أن يكون كبقية الأنظمة المحيطة به إقليمياً , نظاماً يعتمد المنطق السياديني بالمطلق حتى و إن لم يمارس بالعلن ممارسات دينية .


لنعد للتاريخ قليلاً , سوريا منذ الاستقلال و حتى ما قبل 1963 لم يكن فيها هذا المدّ الديني الجارف و ذلك نتيجة وجود حركات سياسية و اجتماعية لم تعتمد على الدين وسيلة للوصول إلى الناس , و إنما كان العمل على الأرض و بين كافة الشرائح هو مقياس لنجاحها أو فشلها , و على الرغم من وجود حركات دينية سواء كانت سياسية أو اجتماعية إلاّ أن الدين لم يفرض سلطته كما هو الواقع اليوم , ساهم بذلك أن المد الديني على صعيد العالم أجمع لم يأخذ دوره تاريخياً كما في الفترة الحالية الممتدة منذ ستينات القرن الماضي , بنفس الوقت حتى النظام أو مجموعة الأنظمة التي حكمت في تلك الفترة لم تعتمد على الولاء الديني في سلطتها و إنما كان الولاء بالدرجة الأولى للوطن و من ثم للانتماء السياسي , لذلك نرى أن الاصطفافات التي وجدت حينها هي اصطفافات سياسية بالمطلق و الدليل على ذلك أنه لم يكن ثمة مشكلة عند زعماء طائفيين حينها بتكليف فارس الخوري المسيحي تشكيل الحكومة أربع مرات متلاحقة , أضف إلى ذلك أن النضال الوطني الذي طرد المستعمر من بلادنا عام 1946 قد خلق لدى الجماهير بشكل عام قواسم وطنية تتعارض مع مفاهيم الطائفية و بالتالي فإن الدخول في معركة وطنية من أجل صون هذا الاستقلال قد خلق مفاهيم وطنية توحيدية ساهمت هي الأخرى بإضعاف نفوذ القوى التقليدية الداعية للطائفية و التقسيم المذهبي , و من هنا نرى أن تعزيز القيم الأخلاقية الموحدة للمجتمع حينها هي نفسها التي قادت سوريا نحو إنجاز وحدتها التاريخية مع مصر عام 1958 متجاوزة بذلك كل أشكال الطائفية و المذهبية .


لكن و منذ نهاية خمسينات القرن الماضي و بداية الستينات , و مع صعود مجموعة الأنظمة الشمولية في العالم , هذا الصعود الذي ترافق مع انحدار فكري في الأنظمة الشيوعية التي كانت قائمة و التي تبنت بالفعل مبدأ الفصل بين الدين و السياسة , و الذي أدى لتراجع دور الحركات العلمانية و الوطنية في منطقتنا العربية , بدأ نجم الحركات السيادينية بالظهور على الساحة السياسية و الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية لمجتمعاتنا , مستفيدة من ميل الأنظمة الشمولية تلك نحوها كحركات سياسية اجتماعية و كقوة اقتصادية بهدف الاستفادة منها لكسب ودها , و أيضاً لتأبيد سيطرة هذه الأنظمة على مفاصل الحياة اليومية .


ففي سوريا أخذ الصراع على السلطة ما بعد حقبة الوحدة السورية المصرية و خصوصاً بعد انقلاب 8 آذار 1963 شكلاً سياسياً مدعوماً من العسكر , لكنه في الحقيقة صراع بين أقليات طائفية متغلغلة في مفاصل الجيش و مستفيدة من مواقعها لتبسط سيطرتها خارج إطار الجيش , أي على المستويين السياسي و الاجتماعي .


و على الرغم من أن هذه الأقليات لا تمتلك وعياً سياسياً يؤهلها لقيادة الدولة و المجتمع , إلاّ أن تبنيها لمقولات الاشتراكية و القومية و شعارات الوحدة و الحرية , أدى لوجود قوى سياسية قومية و شيوعية كانت لفترة قريبة مؤثرة في الواقع السياسي و الاجتماعي داعمة لها و لتوجهاتها , و بنفس الوقت ظهرت هذه الأقليات على أنها قوى ثورية تتحدث عن إمكانية إعادة التجربة الكوبية و تضع الأسس الكفيلة لتحقيق ذلك ( 1 ) .


إن هذا الحديث و هذا التبني لمقولات ماركسية من قبل عناصر في حزب البعث العربي الاشتراكي , قد أوضح الانقسام الذي يعانيه الحزب بين تيارين يميني و يساري , مدني و عسكري (( سني و علوي فيما بعد )) , و إن هذا الانقسام قد غطى على عملية ترييّف الجيش ** و قدم لها الأيديولوجيا الماركسية الثورية و التي رأت في الترييّف تقدماً حاسماً في بنية السلطة و طابعها (( قوى ديمقراطية ثورية تحل محل قوى ديمقراطية برجوازية )) , و قد انتهى هذا الصراع إلى انقلاب 23 شباط 1966 و الذي نفذه تحالف من أقليات طائفية علوية و درزية و إسماعيلية بالتعاون مع ضباط من أصول بدوية فتم بذلك القضاء على التيار القومي ضمن الحزب ( 2 ) .


في المرحلة بين عامي 1966 حتى 1970 تم التخلص النهائي من التيارين الناصري و البعثي القومي و خاصة بعد أن حسمت مسألة بقاء الكيان السوري أو زواله لصالح ما كان يسمى بالإقليم السوري أو القطر العربي السوري, و في هذه الفترة نفسها 1968 – 1969 قامت القوى الأمنية المنضوية تحت لواء التحالف الطائفي آنف الذكر بحملة تخويف ضد الشيوعيين لمنع وقوفهم بجانب صلاح جديد الذي يمثل القيادة المدنية لحزب البعث بينما كان حافظ الأسد يمثل القيادة العسكرية .


في آب 1968 نشب الخلاف الحاسم بين جديد و الأسد , هذا الخلاف الذي أدى إلى الإطاحة بصلاح جديد في 16 تشرين الثاني 1970 , فقد قال الأسد بضرورة تعريب الموقف السوري و الاختباء وراء حلف سعودي مصري يعود على النظام بفوائد اقتصادية و حماية عسكرية يتيحان له تسريع عملية الانتقال إلى سلطة مخابراتية و عسكرية , بينما قال جديد بتغطية السلطة بغطاء شعبي يضعها في مواجهة العالم العربي الرسمي بحجة أن الجيوش قد فشلت و أن الإعداد الطويل الأمد للحروب الشعبية هو من واجب الأنظمة التقدمية ( 3 ) .


و قد رأى الأسد في خسارته للصراع إضراراً بالجيش و إضعافاً له فبدأ بتحريض الجيش و الطائفة العلوية على جديد بحجة أن سياسة هذا الأخير ستطيح بالسلطة و تعيدها إلى السُنّة و خصوم البعث .


بينما رأى جديد و بعد أن ترك الجيش و تفرغ للقيادة عام 1966 أن سياسة الأسد ستلحق بالجيش أضراراً جسيمة لأنها ستضعه في مواجهة مع المجتمع و مع الأنظمة العربية و العالمية لاسيما و أن الأسد هو المسؤول عن هزيمة حزيران و ضياع الجولان ( 4 ) .


حُسم الصراع بين جديد و الأسد لصالح الأسد لأن الأخير كان مسيطراً بشكل فعلي على القوة العسكرية و الأمنية حينها و حدث الانقلاب المسمى بالحركة التصحيحية يوم 16 / 10 / 1970 , و تمت السيطرة الفعلية للأسد على زمام الحكم في سوريا لتبدأ بعدها مرحلة بناء النسق الطائفي للنظام و الذي يهدف بالدرجة الأولى إلى حصر المهام الأساسية و المفصلية في الحكم في يد فئة قليلة مقربة من رأس الهرم و موالية له بالمطلق , بحيث نشأت علاقة نفعية متبادلة بين رأس الهرم و هذه الفئة , فكان لرأس الهرم أو النظام حرية التصرف بالأمور العامة الداخلية شريطةألاّ تتعارض هذه الحرية مع حرية تصرف هذه الفئة ضمن حدودها المتفق عليها بين الجهتين , و أيضاً هذه الفئة لها حرية تصرفها التي يجب أن لا تتعارض مع الخط العام الذي يحدده رأس النظام .


من خلال هذا يتبين لنا أن العمل في السنوات الأولى من عمر النظام كان منصباً على إضعاف و تحييد المؤسسات القانونية و الدستورية القائمة كرئاسة الحكومة و الحكومة و البرلمان و القضاء و كل ما يتبع لها , بحيث تصبح مؤسسات شكلية يراها المواطن العادي في الظاهر أنها مؤسسات لها استقلاليتها بينما هي في حقيقة الأمر لا حول لها و لا قوة , و بالتالي نجد أن السلطة في سوريا كانت مقسومة إلى قسمين : سلطة ظاهرية متمثلة بالمؤسسات الدستورية , و سلطة مخفية متمثلة بتلك الفئة التي هي بالأساس من كان يدير البلاد و يحكمها ( 5 ).


من هنا كان العمل على إضعاف نفوذ و سلطة تلك المؤسسات الدستورية , لأن إضعافها و شلّها سيزيد بالضرورة من قوة تلك الفئة الطائفية التي كانت و لا زالت هي الآمر الناهي في سوريا .


كان لا بدَّ لتلك الفئة القليلة لكي تسيطر بشكل كامل على كافة مناحي الحياة في سوريا أن تقوم بأمرين :


أولاً : حصر كل السلطات الشكلية الدستورية و الشرعية التي تمثل الدولة برجل واحد يعمل على إلغائها تدريجياً و يخضعها لسلطة تلك الفئة و يسخرها لخدمة أغراضها اللاقانونية و اللاشرعية , و بالتالي يصبح هذا الرجل هو الدولة كلها بقوانينها و أجهزتها و شعبها , و تصبح تلك الفئة بحكم صلتها الوثيقة طائفياً و أسروياً بهذا الرجل هي السلطة الحقيقية التي تصدر المراسيم و تسنّ القوانين التي تناسب طموحاتها و تغذي أهدافها ( 6 ) .


ثانياً : خلق و إنشاء تنظيمات تسلطية الهدف منها خلط ما تبقى من الدولة بالأجهزة القمعية من خلال إحياء البنى ما قبل المجتمعية كالطوائف و العشائر و الأسر و العصابات المسلحة و الفئات الجهوية , لتجهز هذه البنى بدورها على آخر بقايا السلطة العامة في مناطقها و تنسف بقايا اللّحمة الاجتماعية في أماكن و جودها و نشاطها ( 7 ) .


إن التمزيق العنيف الذي شهده المجتمع و بناه الاجتماعية أدى لتحويل المجتمع إلى مجموعة متناثرة من أقليات طائفية و عشائرية و أسرية و شرائح اجتماعية متعادية و متصارعة على الدوام , كان الهدف منها شل و إفشال كل الجهود التي كان يمكن أن تبذل من أجل النهوض بالمجتمع و الرقي به , و بالتالي فإن هذا التمزيق سيجعل من هذه البنى القائمة حديثاً بنى رافضة لأي مشروع وطني يهدد وجود السلطة القائمة و يرسم للبلاد طريقاً نحو النهوض و التقدم , لأن هذا الطريق لا يمكن له أن ينجز إلا بتجاوز تلك الانقسامات الطائفية و العشائرية و الأسروية .


من خلال ما سبق أصبح بإمكاننا القول أن تمزيق المجتمع السوري لم يكن له أن ينجح إلا من خلال إيجاد منظمات طائفية بالمطلق خاضعة لنفوذ تلك الفئة , تعمل هذه المنظمات على إذكاء و تغذية المشاعر الطائفية عند كل فرد من أفراد المجتمع السوري بهدف خلق بنية مجتمعية متسلطة على الشارع السوري تقوم بفعل ما يمكن للسلطة الحقيقية بفعله , فلا تتيح للشعب السوري مجالاً لتنظيم نفسه في مواجهة النظام القائم الذي تحكمه فئة طائفية بالمطلق , و بالتالي يصبح النظام القائم هو الحكم و الفصل بين الفئات المتصارعة طائفياً , بحيث ينشأ تصور عند المواطن العادي (( ابن تلك البنى ما قبل المجتمعية )) أن النظام القائم بشخوصه و رموزه هو الذي يحميه طائفياً و عشائرياً من كل خطر يهدده من الطوائف و العشائر الأخرى .


و لعل أبرز تلك المنظمات و أخطرها هي جمعية المرتضى و التي أسسها جميل الأسد شقيق الرئيس الراحل و أشرف عليها ابنه فواز , حيث كانت هذه الجمعية طائفية بامتياز غرضها تعبئة الأقلية العلوية على أسس طائفية ضد الأغلبية السنية و إعادة علونة قطاعات واسعة من مسلمي الجزيرة و بادية حمص و حماه بحجة أن هؤلاء كانوا علويين أجبرتهم السلطنة العثمانية على اعتناق المذهب السني , و قامت هذه الجمعية بتسليح سكان بعض المناطق الحساسة من مستودعات سرايا الدفاع التي كان يقودها رفعت الأسد الشقيق الثاني للرئيس الراحل ( 8 ) .


إذاً فقد بدأ النظام الجديد حينها بخلق واقع جديد جاء هو نفسه كنظام حكم لإقامته , فأخذ يعمل على الاقتسام الطائفي للدولة بحيث يكون للطائفة العلوية المؤسسة العسكرية بشقيها : الجيش و الأمن , و بشكل خاص الأمن الذي يتداخل عمله بين الجيش من جهة و المجتمع من جهة أخرى , أضف إلى ذلك ما نص عليه ميثاق الجبهة بأن الجيش محيد عن العمل السياسي بينما هو مسيس على نطاقين بعثي وعلوي , على أن يترك للطوائف الأخرى القسم الأكبر من الحصص الشكلية المتبقية في إدارة الدولة , و لتظهر الحكومات المشكّلة فيما بعد على أنها حكومات توافق وطني تضم كل أطياف المجتمع السوري ذو الصبغة المتعددة و التي يغلب عليها الطابع السنّي , فكان كل من رئيس الحكومة و نائب الرئيس و وزير الدفاع و الخارجية سنياً مما أوحى بأن الحكم الحقيقي هو بيد السنّة و ليس العلويين , لكن تلك الفئة الطائفية الحاكمة بالفعل ما كانت لتترك لبقية الطوائف الأخرى كأشخاص نصيباً في الإدارة لولا معرفتها و ثقتها بأنهم يتموضعون ضمنها نتيجة انتقائيتها لهم بالاسم , حتى أنها استخدمتهم لصالحها في فترات متعددة , و قد خدموها بدورهم بشكل واضح و صريح .


هذا على صعيد بنية النظام الحقيقي و الشكلي , أما على الصعيد السياسي فقد بدأ النظام منذ لحظة ولادته الرسمية الأولى و ما قبلها بمحاربة خصومه السياسيين بكل الطرق المتاحه بدءاً من التخوين و حتى التخويف و التصفية , بالإضافة إلى اعتماده مبدأ ضرب أعدائه ببعضهم بحيث يضعفهم من دون أن يتكبد عناء محاربتهم إلاّ عندما يضيق ذرعاً بهم أو تقوى شوكتهم , و هذا ما حصل بالفعل , ففي السنوات العشر الأولى من عمر النظام كان الخطر الوحيد الذي يتهدده هو ذاك المدّ اليساري الثوري في العالم ككل و في سوريا بشكل خاص , هذا المدّ كان يمثله على الأرض كل من الشيوعيين ضمن الجبهة و خارجها و القوى القومية اليسارية , فما كان من هذا النظام إلاّ أن بدأ حملة شعواء ضدهم بدءاً من العام 1968 كما ذكرنا و حتى بداية التمرد المسلح مع التيار الديني عام 1978 , بحيث بدأت تلك الحملة على الشيوعيين مستفيداً من عداء المتدينين لهم و مغذياً ذلك الاتهام القديم لهم بأنهم ضد الدين و المتدينين و أنهم إباحيون على المستوى الأخلاقي و الاجتماعي , و بالتالي فقد اعتقد هذا النظام أن تفعيل العامل و الشعور الديني سيحميه مؤقتاً من خطر هذه القوى , و بنفس الوقت فإن تفعيل هذا العامل هو نفسه سيقود النظام إلى الصدام المباشر مع القوى الدينية بين عامي 78 – 82 .


إن الإستقواء بتلك القوى الدينية لضرب الشيوعيين و اليساريين جعل النظام يعطي لهذه القوى و على رأسها الأخوان المسلمون كل الإمكانيات التي تسهل من عملهم على الأرض و في المجتمع , هذا العطاء السخي يندرج ضمن خطة النظام لقولبة المجتمع و جعله عبارة عن مجتمع طائفي مشتت تسهل السيطرة عليه , لكن و نتيجة لهذا العطاء غير المحدود لتلك القوى المتدينة نشب صراع مسلح بين النظام و هذه القوى التي قويت شوكتها من النظام نفسه فأرادت الإطاحة بالنظام لذلك كان لا بدَّ من مواجهتها بالعنف فكانت مجزرة حماه التي ذهب ضحيتها أكثر من 45 ألف مواطن سوري بين مدني و عسكري , في الوقت الذي تحدث فيه النظام نفسه عبر صحافته (( أن من نظموا التمرد حينها هم عصابة لا يتجاوز عددها 150 شقياً , و أن أهالي المدينة وقفوا ضدهم و سلموهم للسلطات المختصة )) ( 9 ) .


يتبين لنا إذاً أن سياسة النظام الطائفية قد دفعت به لتبني و تغذية فئات دينية طائفية متطرفة يحارب بها أعداءه الداخليين و يعزز من خلالها تشتت هذا المجتمع بين قوى طائفية متحاربة تعتمد على مدى قربها و بعدها من النظام , و يعتمد عليها النظام نفسه في إحكام سيطرته , ففي الفترة التي كان يحارب فيها المتطرفين عام 1982 نشطت الحركات الدينية المدعومة من النظام و نشطت حركة بناء الجوامع و الكنائس و دور العبادة الأخرى و المدارس الدينية في كل مكان , و ذلك بهدف استمالة كل الأطراف الطائفية في سوريا و زجها في مواجهات مجتمعية هي بغنى عنها , فأضحى الدين و أضحت معه الطائفية ضرورة اجتماعية في الحياة اليومية .


لكن لم يكن من مصلحة النظام أن تتعمق الهوة الطائفية لتظهر على السطح الاجتماعي مشكلة الوجود أو عدمه تلك التي تعانيها الطوائف في لبنان , و ذلك لأن ظهور هذه المشكلة إلى العلن و تبلورها بشكلها الواضح و الصريح سيؤدي بالضرورة لإسقاط هذا النظام الذي يعتمد الأقلية الطائفية السياسية في مجتمع تسوده أكثرية طائفية و سياسية أيضاً , و بالتالي فقد كان همّ هذا النظام هو تغذية الميل الطائفي عند الجميع بحيث لا يشكل خطراً عليه , و بحيث لا يشعر المواطن العادي أن هناك توجهاً طائفياً بشكله الصريح في المجتمع , و بالتالي فقد أنشأ هذا النظام ثقافة مجتمعية طائفية في جوهرها و وطنية في شكلها العام , فمثلاً سوريا مقسمة مجتمعياً إلى طوائف عدة و كل طائفة لها مواقعها الجغرافية المعروفة عند كل سوري , لذلك لم يكن السؤال المطروح على كل السوريين هو من أي طائفة أنت ؟؟ , و إنما كان السؤال هو من أي منطقة أنت ؟؟ فعندما يعرف السائل المنطقة يعرف بالضرورة ما هي الطائفة التي يتبعها هذا الشخص أو ذاك , و على أساس الجواب يعتمد السائل طريقة للتعامل , فإن كان الشخص من منطقة طائفتها من طائفة السائل أو قريبة منها كان التعامل موثوقاً , و إن لم يكن فالتعامل سيكون حتماً بحذر .


من خلال كل ما ذكرناه سابقاً أصبح بالإمكان القول أن التطييف المدروس للدولة و المجتمع قد وضع أبناء الطائفة العلوية في مواجهة خطيرة مع مجتمعهم دون دراية منهم , هذه المواجهة جاءت من خلال خطة مدروسة وضعتها تلك الفئة الحاكمة المتمثلة برأس الهرم هدفت إلى خلق قناعة بين العلويين أنفسهم بأنه لا يوجد أية روابط تاريخية أو اجتماعية تشدهم إلى مجتمعهم و وطنهم , متناسين الدور التاريخي لهم على مر الزمن وفي المعارك الوطنية , هذا الدور الذي تجلى برفض قائد ثورة الساحل الشيخ صالح العلي مشروع الدولة العلوية المستقلة الذي تقدمت به فرنسا عام 1920 , و بنفس الوقت تم ربط أبناء هذه الطائفة بالسلطة القائمة دون إرادة منهم , هذا الربط الذي ألغى بالضرورة كل أشكال الشعور بالمواطنة و الانتماء إلى المجتمع السوري , بحيث خرج العلويون بغير إرادتهم من أي صراع سيخوضه المجتمع السوري ككل في سبيل حريته و كرامته , و بالتالي أصبحوا مكرهين قوة بيد النظام يستخدمها لضرب المجتمع المنتفض ضده , و بالتالي سينظر إليهم كطائفة (( و هنا تكمن جريمة النظام بحق إخوتنا العلويين )) على أنهم قوة احتلال داخلي لا يوجد بينها و بين المجتمع إلاّ لغة العنف , لأنها رفضت مطالب هذا المجتمع و اعتبرتها موجهة ضدها , و بالتالي وقع المجتمع السوري و معه العلويون ضحية خيارين فإما القبول بالنظام القائم مما يعني القبول بحالة الرضوخ و القمع , أو الحرب الأهلية في حال الرفض .


و لكي لا يفهم من كلامنا السابق أننا نزاوج ما بين السلطة و الطائفة العلوية يجب أن نقول أن النظام القائم حالياً لم يكن في يوم من الأيام نظاماً علوياً أو سلطة علوية إذ أنه لم يمنح أبناء هذه الطائفة من فرص التطور الاجتماعي و الإنساني إلا بقدر ما تقتضيه مصلحته الخاصة , و إنما هو نظام شمولي قمعي استبدادي ذو طابع لصوصي خاضع لمصالح فئته الصغيرة و التي تتعارض مع مصالح المجتمع ككل , فكان لا بدّ لوجوده من غطاء شعبي أو طبقي يشرعن هذا الوجود , و بنفس الوقت نتيجة لتفكيك المجتمع و تحويله لعناصر طائفية و عشائرية و أسرية , و لكي تضمن لنفسها التفوق و السيطرة على المجتمع ككل , لجأت تلك الفئة إلى طائفتها العلوية ليس حباً بها أو إخلاصاً لها و إنما لجأت لها بعد أن وجدت نفسها في مجتمع داخلي يرفضها و في واقع عربي و إقليمي يهددها و يؤثر في أوضاعها الداخلية , فكانت الطائفة العلوية مثلها مثل بقية شرائح المجتمع السوري ضحية قمع و لصوصية هذا النظام , بحيث لم يترك لها النظام خياراً آخر سوى الانخراط فيه و الاستفادة منه , مستغلاً بذلك الوضع الاقتصادي المزري الذي يعيشه أبناء الطائفة العلوية , وبذلك لا نستطيع أن نجزم أو نقول أن للعلويين خطاً سياسياً واحداً و أن ليس فيهم خصوماً للسلطة و النظام القائم , بل على العكس إن فيهم من معارضي النظام مثل ما في غيرهم من باقي شرائح المجتمع السوري , و إن هؤلاء يعرفون حق المعرفة أن النظام قد أدخلهم في معركة لا قبل لهم بها , و هم يعرفون أيضاً أن الطائفية هي التعبير الوحيد الأكثر انحطاطاً عن أزمة النظام نفسه لأنها تبعدهم عن السبب الحقيق لمواجهتهم للنظام و لأنها تثير طائفية الآخرين ضدهم مما يضمن لهذا النظام البقاء , و ذلك لأن حرف الصراع السياسي نحو الطائفية يكفل لهذا النظام النصر بحيث يظهر هو بمظهر النظام الوطني الذي يعمل على حفظ الاستقرار و حفظ اللحمة الوطنية بين الشعب .


لذلك فإن طائفية النظام ليست طائفية مرتبطة بأقلية ما , و إنما هي طائفية اعتمدت على اقتتال كل الطوائف فيما بينها و من ضمنها الطائفة العلوية المحسوبة خطأً على النظام .





الهوامش :



** عملية ترييّف الجيش كان الهدف منها إضفاء طابع ريفي بزج أبناء الريف في الجيش و الذين غالبيتهم من الطائفة العلوية ليصبحوا أكثرية في هذه المؤسسة العسكرية التي تشكل عموداً مهماً من أعمدة الحياة السياسية في سوريا .



المراجع :



( 1 ) - كتاب حوار حول سوريا للكاتب محمود صادق الصفحة 7 .


( 2 ) - نفس المرجع السابق الصفحة 7 – 8 .


( 3 ) - نفس المرجع السابق الصفحة 17 – 18 .


( 4 ) - نفس المرجع السابق الصفحة 18 .


( 5 ) - نفس المرجع السابق الصفحة 71 .


( 6 ) - نفس المرجع السابق الصفحة 76 .


( 7 ) - نفس المرجع السابق الصفحة 76 – 77 .


( 8 ) - نفس المرجع السابق الصفحة 77 .


( 9 ) - نفس المرجع السابق الصفحة 87 .






 
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وقفة مع النظام السوري وتاريخه المقاوم وعلاقته مع الشعب الفلسطيني عزالدين الفارس منتدى نصرة فلسطين والقدس وقضايا أمتنا العربية 0 24-12-2011 09:52 PM
المجلس الوطني الانتقالي لإسقاط النظام السوري ..الرسالة الخطيرة نايف ذوابه منتدى الحوار الفكري العام 4 06-10-2011 12:24 AM
الشورى الإسلامية والديمقراطية الغربية - د. محمد عمارة مصطفى الكومي المنتدى الإسلامي 0 07-12-2009 11:43 PM
وأخيراً سقط برقع الحياء عن وجه النظام السوري عبدالله شاكر منتدى الحوار الفكري العام 1 10-06-2008 03:05 AM
النظام الأبوي والتعددية د. تيسير الناشف منتدى الحوار الفكري العام 1 14-01-2007 02:30 AM

الساعة الآن 02:04 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط