المسلم في عمره القصير أكرمه الله بمواسم للخيرات، وأعطاه من شرف الزمان ما يستطيع به أن يسرع في السير إلى مرضاته، وأن يعوض ما فاته من تقصير في حياته، إذا وُفِّق لاستغلال هذه المواسم في الطاعات والعبادات والخيرات، ومن أهم هذه المواسم وأفضلها شهر رمضان.
فرمضان شهر خير وبركة، حباه الله تعالى بفضائل كثيرة، منها : أن الله - عز وجل - أنزل فيه القرآن هدى للناس، ورحمة وشفاء للمؤمنين، قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (البقرة: 185).
وهو شهر العتق من النار، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أول ليلة من رمضان صُفِّدَت الشياطين ومردة الجن، وغُلِّقَت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد كل ليلة يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة) رواه البخاري.
وفيه ليلة هي خير من ألف شهر ..
وهي من فضائل شهر رمضان ومكافآته الجليلة: شموله على ليلة القدر ، ليلة القدر المباركة ، التي ضاعف الله فيها أجر الحسنات للملسمين ، أنزل القرآن في هذه الليلة ، إذ قال سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} وقال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}.
قال ابن عثيمين رحمه الله: (وصفها الله سبحانه بأنها مباركة؛ لكثرة خيرها وبركتها) ومن النعم أن نزل فيها القرآن ، وتحل هذه الليلة في شهر رمضان المبارك ، وليس في غيره من الشهور ، ثم قال تعالى عن ليلة القدر التي أنزل القرآن العظيم فيها: “وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ” إنها طريقة لتكريمها وتأجيل والتشويق لها ثم قال: “لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ” ،القيام بها أفضل من الوقوف لألف شهر من هذا الوقت ، وهو أفضل من العبادة كل هذا الوقت ، ولما قال تعالى: “تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ” وهذا يدل على كثرة الرحمة والبركات فيها ، فإن الملائكة تنزل نزول البركات والرحمة ، كما تنزل عند تلاوة القرآن ، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيمًا له. والمقصود بالروح هنا جبريل عليه السلام.
“سَلَام هِيَ حَتَّى مَطْلَع الْفَجْر” ؛ أي أن السلام في الآية يكمن في عدم ظهور فيها داء، وعدم إرسال الشيطان فيها ، وهي ليلة فيها كل الأمن والبركة والعافية وفي قوله: “حتى مطلع الفجر” أي: تنتهي ليلة القدر بقدوم الفجر ، لأن عمل الليل ينتهي ، إذن: ليلة القدر هي نقطة البداية في حياة المسلم ، وليست نقطة انتقالية ، ويجب أن تكون نقطة تحول في حياته ، وألا تكون مجرد طقوس معينة.
من قراءت سابقة ..
يتبع إن شاء الله.