|
|
مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان) |
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
07-05-2017, 06:18 AM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
سلال الزيتون
سلال الزيتون مسرحية من فصل واحد بقلم محمود جمعة سوق بالبلدة القديمة على جانبيه المنازل فى طرازها الأقرب إلى العمارة الفاطمية ، و سطح الحارة مكسو بقباب زجاجية ، تتسلل منها أشعة الشمس إلي السوق و الحارة . مريم .. أمرأة فلسطينية تفترش أرضية السوق فى البلدة القديمة، و أمامها بضع سلال من زيتون ، تنظر للمارة فى حذر ، و ترتب سلالها فى روية . مجموعة من الجنود الاسرائيلين يمرون فى الشارع مدججون بالسلاح ، يتناوبون توجيه فوهات أسلحتهم يمينا و يسارا ، و هم سائرون في هذه الحارة الأثرية القديمة ، التى يعبرونها جيئة و ذهابا و عيونهم تحملق فى كل شيء ، الباعة ، و المارة ، و واجهات الحوانيت. جندية إسرائيلية تضحك هي و زميلها الذى يتأبطها وهي تلف يدها على خصره ، ويدها الأخري تمسك بالسلاح ، و على الجانب الأخر يجلس "أيوب" رجل كهل ، يستند بظهره إلى الحائط و أمامه بضاعته من قنينات عطور و زيوت ، يجلس فى مواجهة مريم بائعة الزيتون ، التى ترص سلالها الواحدة تلو الأخري على الرصيف المقابل .. - أيوب: أسعَدَ اللهُ صباحَكِ يا مَريَم .. يا أُمَ الزّيتون - مريم: أسعَدَ اللهُ صباحَك يا أيّوب ، كيفَ كانت ليلَتك؟ - أيوب: (يضحك منها( تسألينَ و كأنّنى آَتً من فوقِ سَريرٍ وثيرٍفى غُرفةِ نومٍ مَلَكية و أنتِ تعلَمينَ أنّى مثلك ، أنامُ هُنا فوقَ الرّصيفِ بجوارِ بضاعتى، كما تنامينَ فى أحضَانِ زيتُونِك - مريم: أنا أريدُ أن أسمعَ صوتَك كُلَّ صباح ، و أطمئنُ على أنّكَ لازلتَ حياً ؟ - أيوب: لا تخافي .. أمثالى لا يموتون أثناءَ النومِ، - مريم: و ما أدراكَ؟ أتأمنْ ألّا تأتيكَ المنيّةَ ليلاً و أنتَ نائم؟ - أيوب: حاشا لله .. و لكنّى أُؤمنُ أنّى سوفَ أموتُ بيدِ أعدائى.. - مريم: أطَالَ اللهُ فى عُمرِك يا أيّوب - أيوب: ( ينظر إلي سلال الزيتون أمام مريم( قولي ليِ يا مريم ، لماذا لا يشيخُ زيتونَكِ ؟ كُلّما نظرتُ إليهِ ، أراهُ شاباً ، ناضجاً ،لا يذبُل أبداً هل تمارسينَ السحرَ على الزيتون ( يضحك( مريم وهى تنظر إلى زيتونها فى فخر و تباهي - مريم: زيتونى... بلادى... و لأن بلادى باقيةُ مادامت السمواتُ و الأرضُ فهكَذا زيتونى .. لا يموتُ و لا يذبُل ) تضحك ( غنىَ عيتابا و غنى ميجانا زيتونِ بلادى جنّة و جِنانا زيّن رصيفى و زيّن غنانا لتعُود بلادى عهد و أمانة زيتون بلادى حَبِى و خليلى لا اتهوّد ولا هجر الخليلِ يا قدس ع الله قصدِ السبيلِ و زيتون بلادى باقى ف حمانا السوق يمتلأ بالمارة رويدا رويدا، بعضهم يتفحص بضاعة أحد التجار من ملابس و أقمشة ، و بعضهم يقلب فى الخضروات ، و أخرون يتجولون فى السوق يتلفتون كلما مروا بحانوت أو بائع على الرصيف .. و مريم تتحدث للمشترين و هي ترتب سلالها ، فتتدحرج زيتونة من سلتها تجري على الأرض إلى وسط الحارة ، و مريم تتبعها بعينها إلي أن تصل إلي منتصف الطريق ، حيث تتلقفها أرجل الجنود فتسحقها و هم ينظرون إلى مريم و يضحكون فى سخرية . مريم : ( تمشي على مهل حيث الزيتونة المدهوسة ، تتناول بذرتها ، تنفخ فيها ، ثم تضعها فى صدرها و هي تبتسم ، و تستدير عائدة إلى حيث تقبع بضاعتها) - أيوب: مالكِ تبتَسِمينَ فى راحةٍ ؟ ألا يُحزَنْكِ ما فعلوا ؟ - مريم: (باقتضاب)... لِما الحُزنُ ، و هل هذا بجديد؟ - أيوب: أوتضَعينَ بذورَ الزيتونِ فى صدرِ جلبابَكِ؟ - مريم: هي أشجارُ زيتونٍ تُولدُ غداً .. ) تلتفت إليه و هي تسير) الزيتونُ لا يموت ، و غداً يُولدُ من هذهِ البذورِ شُجيراتٍ تملأُ رائِحتَها حاراتِ البلدةِ ، و تملأُ ثِمارها سلةً أُخرى ، أضعُها فوق رصيفِ السوقِ ، لتحتلَ مكانها بالجوار - أيوب: (بتهكم) الزيتونُ لا يموت ؟! و إن داستهُ أقدامُ الجنود! (يصمتان و يعود كل منهما لبضاعته يرتبها و كأن شيئا لم يكن) السوق يعج بالمارة و مريم تتفحص كل واحد منهم. يجلس أحد الرجال إلى سلتها ، تزن له الزيتون و تناوله إياه فيهم بمناولتها عملة ورقية وهو يسألها : - كم تُريدين ؟ - مريم: خمسْ - الشاري: خمسُ ماذا ؟ - مريم: خمسُ شواكِل يناولها إياها و يمضي حيث تتناولها منه بلا اهتمام و تضعها فى كيسها.. عابر أخر بملابس بدوية يسير مختالا و من خلفه اثنين من الهنود ، يتبعانه كظله ، و كلما أشار إلى شيء سارعوا بحمله ، و الشيخ يشترى بنهم و كأنما يريد أن يشترى السوق كله... يمر على أيوب فيبتسم له أيوب و هو يجلس أمام بضاعنه مستندا إلى الحائط ، فيتجه الشيخ نحوه و ينظر إلى زجاجات العطر أمامه ، ثم يشير إلى زجاجات العطر فيسارع أحد الهنديين بوضع أثقاله على الأرض و يخطف الزجاجات الواحدة تلو الأخري ليناولها للشيخ ، و ينتظر إشارة الشيخ ليحملها ضمن ما يحمل أو يعيدها إلى مكانها وسط بضاعة أيوب.. - أيوب: مرحباً... يبتسم له الرجل و هو يتشمم العطر من أحد الزجاجات - أيوب: من أينَ أتيتَ؟ - الشيخ: من المسجدِ الأقصي... - أيوب: و ما أتيَ بِك إلي البلدةِ القديمةِ ؟ - الشيخ: جئتُ فى زيارةٍ بعدَ أن صليتُ ركعتينِ فى الأقصى ، أوليَ القبلَتينِ و ثانيّ الحَرَمينِ - أيوب: و هل أكتفيتْ؟ - الشيخ: (فى دهشة) لا يكتفيِ المرءُ من الصلاةِ مادامَ حياً يا أخي - أيوب: لم أقصدْ الصلاة ؟ - الشيخ: ماذا تقصدُ إذن! - أيوب: هل أكتفيتَ بحرمِ واحد ؟ أم أنَ أحدَهُما أصبحَ للصلاةِ و الأخرُ للزيارةِ ؟ - الشيخ: لا أفهمْ! ماذا تقصدُ بالضبطِ يا أخَ الخيرِ ؟ - أيوب: لا عليك... كيف كانت زيارَتُكَ للمسجدِ؟ - الشيخ: مباركةُ بإذنِ الله ، ( يناول الهنديين زجاجات العطر الواحدة تلو الأخرى) - أيوب: و من هؤلاء؟ ( مشيرا إلى الهنديين) الشيخ: (ينظر إليهما فى كبرياء) إنهما الخدم - أيوب: هم يصحُبَانِكَ فى الزيارة؟ الشيخ: بل فى كلِ مكان أينما ذهبتُ تجدَهم يسيرون خلفى ، فأنا لا أتسوقُ إلا و هُم معى ، يحملونَ ما ابتاعُهُ ، و يمتثلونَ لأوامرىِ و إشاراتى -أيوب: يا لحظِهِما... ( فى سخرية) - أيوب: و من أي بابٍ دخلتَ إلى المسجد الأقصى ؟ - الشيخ: لا أدري ما اسمَهُ... لكن الجنودَ بعدما تعرفوا على هويتى اصطحبوني إلى أحدِ الأبوابِ ، فدخلتُ منهُ إلى المسجدِ... - أيوب: أىَ جنود؟ - الشيخ: الجنودُ المرابِطُون حولَ المسجدِ و على بواباتِه - أيوب: جنودُ الاحتلالِ.. - الشيخ: نعم ... أيوب: و هل ضايقَكَ أحدُ منهُم ؟ الشيخ: لا و اللهِ .. كانوا يبتسمونَ فى وجهى، و يفسحون ليّ الطريقَ إلى أن دخلتُ إلى المسجدِ من باب ... ( يحاول أن يتذكر اسم الباب) ( أيوب يبتسم فى سخرية) - الشيخ: (و هو يلتفت إلى مريم تنظر إليه فى هدوء و كأنه يفكر في الاسم) لا أدرى ما اسمه ... لا أدرى أيوب: بابُ الناظرِ أم بابُ الحديدِ أم بابُ السلسلة أم بابُ الغوانِمِةِ ، أم بابُ ... الشيخ: (و كأنه تذكر فجأة) تذكرتُ ، بابُ المغاربةِ - أيوب: بابُ المغاربةِ ؟ .. بابُ اليهودِ الصهاينة - مريم: (تجحظ عيناها و هى تنظر إلى أيوب و كأنها تنهره) أيّـــوُب - أيوب: مابكِ ؟ أنا أتحدثُ معَهُ فحسب ، - مريم: كفي... ألا تكُفَ عن الثرثرةِ ؟ ( الشيخ ينظر إليهما فى دهشة، و الهنديان يقفان مطأطى الرأس لا تظهر عليهما أى ردود أفعال) - أيوب (يشير إليها): هذهِ مَريَم - الشيخ: يا هلا بكِ... (مخاطبا أيوب) و أنتَ .. ما اسمُك؟ - أيوب: أيّوب - الشيخ: أنتم فلسطينون؟ أليسَ كذلك ؟ - أيوب: يمكنكَ قولُ ذلكِ - الشيخ: ماذا تقصد؟ - أيوب: تقول أوراقُ هويتي أنني أردُني. - الشيخ: و هل أنتَ أردني ؟ - أيوب: يا سيدي تقولُ الهويةُ أني أردني .. ( بغضب( ألا تفهم - مريم: ( مخاطبة الرجل) لا عليك .. أترُكْهُ فى حالِهِ ، و احملْ ما تريد أو انصرفْ - الشيخ: (يتعجب) هل أغضَبَكُم سؤالي؟ - مريم: ( تسحبه من ذراعه بعيداً عن أيوب) يا أخي كلُ ما في البلدةِ أوقافُ أُردُنية .. - الشيخ: و مالهُ هو و الأوقاف؟ - مريم: حتي البشر... أوقافُ أُردُنية ، دعْكَ من هذا .. انتقيِ ما تريد ، ثم أرحلْ من هنا فى سلام جندية تقترب منهما تنظر إلى مريم بحزم ، ثم تلتفت و تبتسم للشيخ الجندية: هل يُضَايقُكَ أحد؟ الشيخ: لا .. لا أحدَ يُضايقُنى (الجندية تنظر إلى مريم فى استنفار ثم تبتسم للشيخ و تنصرف ببطء و الشيخ يسير متجها إلى حيث أيوب و يتناول قنينة زيت أخرى من بضاعة أيوب ثم يناول أيوب مئة دينار) الشيخ: خذْ يا هذا - أيوب: ما هذا ؟ - الشيخ: هذهِ مئةُ دينار... ألا تكفي مئةُ دينارٍ؟ - أيوب: و ماذا اأفعلُ بها ؟ دنانيركُ لا تصلُحَ هنا للبيعِ و لا للشراء، أحملْها معك و ادفع لي ثمن ما اشتريت.. - الشيخ: يا أخي ها أنا ذا أدفعُ لك ، و انت ترفضُ المال - أيوب: مالكَ لا يُغني و لا يزر .. نتعاملُ هُنا بالشيكِل - الشيخ: ما معي شيكل هذا! - أيوب: أذن خذ العطرَ و الزيتَ و ارحلْ - الشيخ: لابدَ أن أدفعَ ثمنَه ( يخرج من جيبه رزمة ورقية و يهم بدفعها لأيوب) - أيوب: الدراهمُ مراهمُ يا مريم .. ( يجلس أمام بضاعته و هو ينظر للشيخ بغيظ) - مريم: (تناديه)... تعالي - الشيخ: ماذا تريدين ؟ - مريم: وفرْعليكَ مالك... الشيخ: ما أكثر المال .. إن شئتُم أغدقتُ عليكم ما يكفيكُم عمراً .. (مريم تبتسم فى هدوء و تبدأ فى جمع حفنة من الزيتون و تضعه فى كيس ورقي ثم تناوله أياه، بينما نفر من الجنود يتلصصون على الحديث ، و مريم تنظر إليهم فى ترقب ( - مريم: خذْ هذا الزيتون ، و اكمل طريقك ، - الشيخ: شكراً لك... ما نبغى زيتون - مريم: هو هديةُ منى .. فلا ترفضه - مريم: و عندما تُردُ إلى أهلك ، أعطهم هذا الزيتون و لاتنسي أن تخبرَهم ، أن مريم بائعة الزيتون تبلغهم السلام ) تدفعه لينصرف ، فيهتز الشيخ فى وقفته من أثر الدفعة ، بينما الجنود يهرعون إليه و يقفون بينه و بين مريم)... الشيخ: ( إلى مريم و أيوب) ما بالَكُم ؟ - مريم: لا شيء أيُها السائح ، أذهبْ فى طريقِك تصحُبكَ السلامة (يتركهم الشيخ فى حراسة الجنود و هو فى حيرة مما يفعلون ، لكنه يشير إلى الهنديين أن يتبعانه ثم يكمل طريقه ، بينما الجنود يحوطونه فى مشيته و هم فى حالة من الاستنفار) فى هذه الأثناء تدخل مجموعة أخري من الجنود إلى السوق ، ثم يتجهون إلى أحد الحوانيت ، حيث يجرون صاحب الحانوت و يرمونه خارجا ثم يغلقوا الحانوت ، و الرجل يتوسل إليهم .. صاحب الحانوت: ما بالكُم ؟ أنا لم أفعلْ شيئاً ) الجنود لا يعيرونه اهتماما و هم منشغلون بإغلاق الحانوت ، و أيوب يهم بالوقوف) - مريم: (تنهره) اجلسْ مكانَك يا أيوب ( أيوب يتململ و يجلس فى مكانه) صاحب الحانوت: ماذا فعلتُ لكم؟ لا .. ليس ثانيةً .. أنا ما أعدتُ فتحَ الحانوتِ إلا من يومين .. أنا لم أرتكب أي مخالفة ) يصطحبه الجنود بعد أن يكبلوا يديه وراء ظهره و هو يصرخ فيهم ( - صاحب الحانوت: تباً لكُم يضربه أحد الجنود بكعب البندقية ويجرونه على الأرض مبتعدين ، و هم يمرون على مريم ، يقاومهم صاحب الحانوت حتى يتمكن من مد يديه إلى أحد السلال ، و يمسك بحفنة من الزيتون و يغلق عليها كفه ، فيضربه الجنود و يعاودون جره ، و المارة يهرولون فى مشيتهم مطأطي الرؤوس غير عابئين سوي بالابتعاد عن المكان. - أيوب: ( و هو يستشيط غضبا مما يحدث ) كلاب - مريم: اللهُ حسبُنا و نعمَ الوكيل ، لم يكدْ الرجلُ يفتحَ حانوتَه إلّا من يومينِ ، كيف يقتاتُ أبناءَهُ و هو على هذا الحال ؟ ( تهدأ الحركة فى السوق بعد انصراف الجنود ، و تواصل مريم غناءها للزيتون ، و فى هذه الأثناء من حيث خرج الجنود يدخل شابان يتلفتان حولهما إلى أن يقع نظرهما على أيوب فيقتربان منه فى هرولة ( - الشابان: السلام عليكم - أيوب: ،(يهم واقفا ويحتضنهما ) و عليكمُ السلام .. كيف حالَكُما؟ - الشابان: الحمد لله... كيفُ حالُك يا أبي؟ - أيوب: بخير حالٍ ، أجلسا - شاب 1: (إلي مريم) كيف حالك يا خالة؟ - مريم: بخير... كيف حالكم و كيف حالُ الأهلِ ؟ - شاب 1: بخير ) يجلسان إلى جوار أيوب ( - أيوب: أشتقتُ إليكم كثيراً - شاب 2: ما مرَ يومُ إلا و الشوقُ يعتَصُرُنا للقُياك يا أبى، ولا صلينا إلا و دعينا الله أن يجمعنا بك على خير - شاب 1: (يناوله شال) خاطت لك زوجتي هذا الشال - أيوب: (يتناوله فى سعادة) سلمتْ يداها - شاب 2: و الصغارُ يسألونَ عنك كل يوم و يبلغوك السلام - أيوب: أشتقتُ إليهم كثيراً .. كيف هم؟ - شاب 2: بخير يا أبي شاب 1: (ينظر حوله) أيوب: ما بالك تتلفت حولك يا بنى؟ شاب 1: اتفحصُ الحارةَ و السوقَ يا أبى لم يزلْ كل شيء كما هو منذ أخرِ زيارةٍ لنا لم يتغيرْ شيء ، لا الحوانيت ، و لا السقيفة ، و لا ... يقاطعه أيوب: و لن يتغير... منذ ولدتُ و هذا المكان لا يتغير أبداً ، أشمُ فى ربوعِه رائحةَ القهوةِ و الزيتون ، و نورُ الشمسِ يخترقُ زجاجَ السقيفةِ ، ليسلم على جبينى كل صباح و هذه الحمائمُ التى تعششُ فى الأركانِ سالمةً - شاب 2: نعم يا أبى ... هو كما تقول لم يتغيرْ .. و كم اشتقنا إلي العودةِ إليه قاتلَ اللهُ من كانوا السبب فى فُرقتنا أيوب: اللهُ يدافعُ عن الذين أمنوا - شاب 2: يا أبت... إلى متي ستظل ها هنا وحدك ؟ ألا تشعر بالوحدةِ ؟ لقد أعددنا بيتاً فسيحاً، فلِما لا تأتي للعيش معنا ؟ - أيوب: ما تزال تحدثني فى هذا الأمرِ كلما زُرتَني - شاب 1: و سنظلُ نرجوكَ أن تفعل... و لقد جئنا هذه المرةَ و قد عقدنا العزمَ على أن نأخذكَ معنا - أيوب: (فى حزم) لقد أغلقنا هذا الموضوع من زمن ، و كما قلتُها من قبل ، أنا لن أبرحَ مكانى حياً أو ميتاَ - شاب 2: لماذا تفعل بنا و بنفسك ذلك ؟ هل تظنك على صواب ؟ ، لقد بلغَ مِنك الشيبُ مأمنَهُ ، و لم تعد تقوي على تحمل عبء العيشِ وحدك .. - أيوب: بل أستطيع ... - شاب 1: و إلى متي ستصمد على هذه الحال؟ - أيوب: أيُ حال؟ - شاب 1: وحدك تفترش أرضَ السوقِ ، لا دار تأوي إليه ، بعيداً عن أبنائِك و أهلَك ، وحيداً لا يرعاكً أحد - أيوب: أهلي هم من أثروا الرحيلَ .. أما أنا فباقً ها هنا - شاب 2: و لماذا رحلنا ؟ هل من سبيلٍ غيرَ ذلك ؟ تهدمت دورنا و مزارعُنا ، و ما عُدنا نقوي على العيش ، لم يعدْ في مقدورنا أن نتعايشَ مع كلِ هذا الخوفِ و القمع ، رحلنا لنعدُ العدةُ ، و نكن قادرين على المقاومةِ و العودة - شاب 1: صه... اخفضْ صوتك - شاب 2: (يشير إلى ألأخر) هذا ما أجبرنا على الرحيل... انظر كيف نخاف أن تعلوا أصواتنا و العيونُ و الأذانُ من حولِنا تتلقف كل شهيق؟ - أيوب: هلا تأملتُم أنفسَكم قليلاً ؟ هل يستطيع أحدكم أن يخبرني عن أناس حرروا أوطانَهم و هم خارجها ؟ عن وطنِ مغتصبٍ حررهُ هروبِ أبنائِه منهُ إلى العيشِ الرغيد؟ اخبروني إن كُنتم تعلمون ؟ انظروا.. أنا ها هنا و لن أبرح مكاني .. لن أدع أحداً يجوبُ هذهِ البقعةَ التى تأويني، و هو يضحكُ مني لأنني تركتُها له صيداً سهلاً ) يهم أحدهم بالكلام فيقاطعه ( - أيوب: أنا شوكةُ فى ظهرِ كلِ محتلِ ، لايقوي على نزعِها - شاب 1: نخشي أن تموتَ وحيداً فلا تجد من يكفّنك ، و يواري جسدَكَ التراب ، و نحن بعيدين عنك - أيوب: في الموتِ الراحةُ الكُبرى أيوب: أنا هنا حىُ و أنتم ميتون .. حرُ تحت وطأةِ الاحتلالِ ، و أنتم هناك عبيدُ رغباتِكم و حبِكم للحياةِ السهلةِ ( يعتدل فى جلسته مواجها الشابان بحسم) أنتم تركتُم بيوتَكم للغاصبين ، و ذهبتُم تبحثونَ عن فراشٍ وثير شاب 2: ما أدراكَ كيف نعيشُ بعيداً عن وطننا و بعيداً عنك؟ كلَ ليلةٍ يعتَصِرُنا الألمُ و الحزنُ على فراقِ دارنا .. و حقلنا و بيارتنا و .. يقاطعه أيوب: اصمت... لقد اكتفيتُ من هذا الجدال ( يشغل نفسه بترتيب القوارير أمامه و كأنهم غير موجودين ومريم تحمل لهم فناجين القهوة ، و تضعها أمامهما ( - مريم: كيف حالَكم؟ - الشابان: بخيرٍ يا خالة - مريم: لا تجادلوا أباكم ، هو يعي ما يقول و ما يفعل ، اخبروني .. كيف مررتُم من البوابات و الأسوار ؟ - شاب 2: تعبنا كثيراً إلى أن واقفت السلطات على منحِنا تصريحاً بالزيارة - مريم: و هل يحتاجُ أبوكم تصريحاً لزيارةِ أرضِه ؟! - شاب 1: أُُدركُ ما ترمي إليهِ يا خالة... و لكننا نشفقُ عليّه - مريم: بل اشفقوا على أنفسكم... و دعوهُ... فهو يحيا لأنه هنا... يُصلي فى الأقصي كلما رُفع آذان ، أو دقتْ أجراسُ كنيسة ، يري أعداءَهُ كُلَ يومٍ فلا ينسي ، يشربُ قهوتَهُ فيتذكرُ رائحةَ الدار ، و طعمَ أغنياتِ السمرِ فى المساء ، يدركُ أن يوماً سيأتي .. يعودُ فيهِ كلُ شيءِ إلى ما كان عليه ( أيوب يناولهم فنجانين القهوة ، ثم يرشف رشفة من فنجانه ) - أيوب: أصبحتُم سائحين .. أجانبَ .. غرباء - شاب 2: و أنت ؟ ماذا أصبحت ؟ عجوزُ يتلمسُ رِضَاءَ من اغتصبوا أرضَه ، و بيتَه ، و حقولَ زيتونِه، يتوسلُ إليهم أن يتركوهُ كأي كومةِ قشٍ فوق الرصيف - أيوب: ألا تحنُ إلى هذا الرصيف؟ أتذكرُ انتفاضَتَنا .. من أين أتت الحجارة؟ ، من هذا الرصيف، من أرضِ البلدةِ القديمة ، حجرُ مباركُ لا يخشي البنادق ، حجرُ يُغنى فى الساحاتِ أغنيةً للصمود .. - شاب 1: يا أبتِ... و ماذا بعد ؟ لقد كنا هنا و كُنا كلما هدمّنا حاجزاً .. بنوا سوراً ، و كلما تسلقنا سوراً أقاموا قلعة ، إلا أن تفرقنا و تفرقت بنا السُبل ، - أيوب: إذن لا تقاوم و ارضَ بحياتِك خارجَ أسوارِ البلدةِ القديمة، تزوجْ ... و ارتمي فى أحضانِ زوجتِك فى بردِ الشتاء ، و إن كنتَ تستطيع أن تُصدقها القول ، فانظر فى عينيها و قُل لها أنك لا تستطيعَ أن تحمي مخدعَها إلا بالهرب ، و قُل لأولادِك فى حكاياتِ المساء ، خلفَ هذهِ الأسوار.. كان لنا وطنُ و بيتُ و سماء ، غنى و ارقص على أنغامِ الحنينِ و الذكريات ، و كلما نظرتَ إلى الأسوارِ من حولِك ، قُل فى نفسِكَ .. لم تعُدْ بلادي - شاب1: يا أبتِ - أيوب: لقد انتهينا .. احملوا سلامي إلى كُلِ طفلٍ فى مهجرِكُم ، و إن سألوكم عني .. قولوا لهم .. يمكثُ هُناك فى انتظارِكُم ) يستدير و يعطيهم ظهره يقابل الحائط بوجهه ( الشابان معا : يا أبتِ .. مريم: لا عليكم .. اتركوهُ الآنَ و انطلقوا إلى شئونِكم ، ولا تنسوا أن تُبلِغوا الأهلَ السلام - شاب 2: ألا يُحزنّكَ أن ترُدَنا خائبين ؟، ألا تستريحَ إلا أن تخذلِنا كُلَ مرة ) ينصرفون و هم ينظرون إلي أبيهم خلفهم ، بينماالجنود يراقبون المشهد) ( مريم تجلس إلى جوار أيوب ، تربت على كتفه) مريم: لا عليك... هون عليكَ و عليهِم ، انظر إليهم يا أيوب .. ابتسمْ لهُم و ودّعهم ، لا تُحمِلَهُم كل الخزّي ، و لا ترُدَهم مقهورين - أيوب: ( يلتفت بوجهه ينظر إليهم و يلوح لهم) أيوب: تصحَبُكُم السلامة احملوا سلامي إلى كُلِ طفلٍ فى مهجرِكُم ، و إن سألوكم عني .. قولوا لهم .. يمكثُ هُناك فى انتظارِكُم ( ..................................) ) تدخل مجموعة من السواح الأجانب يسيرون فى حراسة الجنود... يلتقطون الصور و يضحكون ( أيوب: أجانب.. أجانبُ يا مريم ) يميل أحدهم على سلال الزيون أمام مريم و يلتقط زيتونة فيتذوقها فتقوم مريم من جانب أيوب و تسرع إليه تهم بتوبيخه، فينطلق إليها أثنان من الجنود يقفان بينها و بينه) - مريم: مالَكُم ؟ أريد أن أسألهُ ثمنَ الزيتون؟ ) جندي يركل سلة الزيتون فتتناثر على أرض السوق، تجري هنا وهناك ، حتى كأن الأرض اكتست بالزيتون ( ) بينما أيوب يحمل عصا ، يستند عليها لينهض متجها إليهم ، فيبادره أحد الجنود بظهر البندقية ، و يقتاده أخران بعيدا ، بينما يهدم الباقون مكانه و يقذفون ببضاعته فى الهواء ، و السائحون ينظرون فى دهشة ( - أحد السائحين (للجندي): لماذا تفعل ذلك ؟ لم يتعرض لأحدٍ منّا؟ - أحد الجنود: إنهم لصوص و مُرتَزقة... كلابُ لا تأمنْ شرَهُم - مريم: صحيح... نحن لصوص... سرقنا ما سرقنا ، ثم افترشنا الرصيف ، و التحفنا السماء .. مرتزقة! .. قتلنا من قتلنا ، ثم أصبحنا نجمعُ الزيتونَ و نبيعَهُ بثمنٍ بخسٍ للعابرين .. لصوصُ و كلاب! .. نهبنا و هدمنا ، يتمنا و نبحنا كالكلاب على كلِ طفلٍ و كلِ أمرأةٍ و كلِ كهل - أحد الجنود: اصمتي - مريم: سأصمت... و لكن صمتي سوف يُؤرقُ نومَكم... سوف يصلُ صمتي إلى مخادعكم فيوقظكم فى الليل ترتعدون. ) يدفعها أحد الجنود... فتقع جالسة على الرصيف أمام سلالها... ثم يتركوها و يصحبوا السواح بعيدا ( (تعتدل و تبدأ فى جمع زيتونها من الأرض فلا يتحرك أحد لمساعدتها .. كلهم ينظرون إليها بلا حراك ، بينما يقوم البعض بإعادة ترتيب بضاعة أيوب فى مكانها) - مريم: "الذي باركنا حوله"... مباركَةُ أرضُكِ يا بلادى.. مباركَةُ حبوبُ زيتونَك .. (يقدم أحد المارة على مساعدتها فى جمع زيتونها ، فتسرع لتسبقه كلما هم بالتقاط الزيتون) - المار: أصبري - مريم: تعلمتهُ منذُ زمنٍ يا بني... الصبرُ أصبحَ مائي وزادي - المار: غداً يأتي الفرجُ بإذنِ الله - مريم: و أنا أنتظره لا عليك ، تعودتُ ذلِكَ يا بُني، ( تنظر إليه فى مودة ) هل تعلم أنّي أفرحُ من ذلك ؟ - المار: كيف يتأتَي أن تفرحِي و قد بعثروا بضاعَتِك ؟ - مريم: كُلّما مرّوا و وجدوني هنا ، امتلأت قلوبهم خوفاً و غيظاً ، و تحيّنوا أي فرصةٍ لينفّثوا عن غضبهم ، فيفعلوا مثلما فعلوا ) تقف) حينَها... أوقنُ أني أقوي منهم جميعاً ، و أنّي لا زلتُ هنا ، و أنهم زائلون لا مَحالة - المار: غريبُ ما تقولين! - مريم: (و قد اكتمل جمع الزيتون المبعثر ( لا عليك .. شكراً لكَ على كُلَّ حال (تجلس و تعيد ترتيب سلالها فوق الرصيف بينما ينصرف الجمع من حولها إلى شئونهم. ، و فى هذه الأثناء يدخل فريق تصوير تليفزيوني إلى الحارة، يتجولون بكاميرا التصوير هنا و هناك ، إلى أن يصلوا إلى مريم و هي تنظر لهم مبتمسة ، و تنفخ فى زيتونها لتزيل عنه ما علق به من أترية) - المذيعة: (تشير إلى المصور الذي يهرول إليها مسلطا الكاميراعليها هي و مريم) المذيعة:السلامُ عليّكم - مريم: و عليّكم السلام - المذيعة: مرحبا بك... نبثُ بَرنامِجاً يعرضُ حالةَ البلدةِ القديمة ، و كيف يعيشُ الناسُ فيها - مريم: أيُ ناس؟ - المذيعة: الفلسطينيون - مريم: (فى سخرية (و كيف وجدتيهم؟ - المذيعة: نحاولُ أن نتحدثَ إلى الجميع للتعرُفِ على ذلك ، وليري المشاهدُ كيف هم؟ - مريم: من أين أنتم ؟ - المذيعة: من أقطارٍ عربيةٍ متفرقة - مريم: عربية! أهلاً بكُم .. تفضلي يا ابنتي - المذيعة: شكراً يا سيدتي... أنتِ فلسطينية أليسَ كذلك؟ - مريم: و هل أبدو لكِ غيرَ ذلك؟ - المذيعة: كيف حالُك ؟ و كيف تعيشين فى ظلِ الاحتلال؟ - مريم: أخبريني يا ابنتي ، كيف وصلتِ إلى هنا؟ - المذيعة: بشق الأنفُسِ و اللهِ يا عمة... لقد أوقفونا على البواباتِ ليومينِ كاملينِ ، قبل أن يسمحوا لنا بالدخول ، ناهيكي عن التفتيشِ ، و النظراتِ الجاحظةِ ، والتعسُفِ فى التعامل - مريم: حمداً للهِ على سلامتِك - المذيعة: أنت تبيعين الزيتون كما أري... فهل تجدي معوّقات فى البيع و الشراء؟ - مريم تضحك فى تهكم) معوّقات! يا ابنتي أنّنا نعيشُ فى بلدٍ مُحتل .. هل صادفتِ مُحتلاً يربِتُ على كتفِ المُحتل ، يبتسمُ لهُ ، ثم يناولُهُ خبزاً و ثريد؟ - المذيعة: أعرفُ يا عمة، و لكنّي أرغبُ فى أن تصفي بنفسكِ ما يجري؟ - مريم: بلادُنا داخلنا يا ابنتي ، نسيرُ فى حاراتِها فنري ما نري ، و لانري سوي أيامَنا فيها قبلَ الاحتلال ، ) تنظر إلى سقف الحارة) نعيشُ فى ذكرياتِنا السعيدةِ، هذا ما يُبقينا أحياء ، نبيعُ و نشتري لا لنكسبَ الأموال، بل ليرانا الأخرون كُلّ يوم ، يشعرون بنا ، يخافون منا ، يعلمون أنّنا هاهنا قاعدون - المذيعة: ما أطيبَ زيتونَك (و هي تتناول حبة زيتون تتفحصها ( - مريم: زيتوني بنكهةِ الحياةِ و المقاومة... - المذيعة: المقاومة؟ - مريم: نعم المقاومة... كُلَّ زيتونَةٍ رصاصة ، تقتلُ فيهم الطمأنينة ، تُشعرَهُم أنّ هذه الأرضَ ليست لهم ، تنبئهم أنهم مغتصبون - المذيعة: وأين تقيمين ؟ - مريم: هنا داري و مُقامي - المذيعة: ألا يُرهقُكِ المكوثُ في الحارةِ ليلَ نهار - مريم: يرهقُهُم هُم... ( تقف على قدميها فى بهاء( و يرهقُهُم ظلّي الوارفِ فى وسطِ الحارةِ ، و ظهري المتكأِ على حائِطِها ، و زيتوني الذى يفترشُ الرصيفَ يُغني، و صوتي و أنا أنادي على المارةِ، أدعوهم لزيتونِ بلادي - المذيعة: أشفقُ عليكِ يا عمةَ من هذهِ الحياة - مريم: أنتم من تستحقون الشفقة... أما أنا .. فسعيدةُ بكونّي هنا .. فوقُ رصيفِ السوق - المذيعة: أشكُرك يا عمة ، و أدعو الله أن يخلصَكم من هذا الاحتلال الغاشم - مريم: أضعفُ الإيمان... شكرا لك على كل حال المذيعة: و هكذا أعزائي المشاهدين عرضنا لكم أحوالَ الناسِ فى البلدةِ القديمةِ ، عسي أن تنهضَ نفوسكم و أوراحكم لنُصرة هذا الشعب طاقم التصوير و المذيعة ينسحبون، بينما يدخل أيوب يستند إلى رجلين و تظهر على وجهه علامات الضرب و التعذيب ، فتهرع إليه مريم تتناوله من أيديهم - مريم: (تجلسه فى مكانه) ألا تتعلم ؟ لم تعد تقوي على ذلك يا أيّوب - أيوب: لا و اللهِ .. أنا لها .. - مريم: يالكَ من رجلٍ عنيد! - أيوب: (يبتسم) إنهم جُبناء ..جُبناءُ يا مريم كانوا يضربونني ضربَ الخائفِ ، كأنهم حملان تلتفُ حولَ أسدٍ أسير، كلما ضربني أحدُهُم نظرتُ له فيرتعد و يتراجع ليأتي غيرُه، و حين أراهُم هكذا أضحك ، فيزدادوا غيظاً و خوفاً - مريم: لن ترجعَ حتي تموتَ فى إيديهم - أيوب: و هل أجملُ من ذلكَ موت - مريم: لا فائدة تتركه و تتجه إلى سلال الزيتون ، تمسك بحبيات زيتون ، تضعها فى فمها ، تمضغها ، ثم تخرج المهروس و تضعه على جراح أيوب - مريم:سوف يداوى الزيتونُ جراحكَ كما كُلَّ مرة - أيوب: (ينظر إليها نظرة عرفان) لم أكنْ وحدي يا مريم - مريم: ماذا؟ - أيوب: كانوا يحتجزون الكثير منّا، يمارسون علينا كُلَّ أنواعِ التعذيب ، ثم يتركونا بعد أن يتعبوا من ضربنا ، - مريم: شُلَّت أيديهم - أيوب: قتلوا ثلاثةً من السجناءِ بدمٍ باردٍ قتلوهم و هم يضحكون ... - مريم: آه .. يا وجع فؤادى عليهم .. نحسبُهُم شهداءَ عند ربِهم يا أيوب . - أيوب: شيّعناهم من وراءِ قضبانِ الزنانين ، و كُلُنا يتمنى أن يكونَ مكانَهم كُلُ منا كان يصرخُ بأعلى صوتِهِ ، خذونى أنا من ورا قضبان السجن لالى يا سجن و احفظ اسم الرجالى باتمنى على الله أكون التالى و بدمى أفدى ترابك يا الغالى قولوا لوليدى و لأهل الحارة كل اللى راحوا ماراحوا خسارة النعش طاير كما الطيارة ع الجنة رايح و الله وعقبالى - مريم: حمداً للهِ على سلامَتِكَ يا أيوب فانا أحتاجُ إليكَ هنا بجانبى تشدُ من أزري - أيوب: و ها أنا ذا عُدتُ إلى مُقامي لم ينقصْ منّي شيء ، - مريم: أخافُ أن يأخذُوكَ ذات مرةٍ ، وتموتَ فى إيديهم - أيوب: و اللهِ ما أخشاهم ، و لا أخشى الموت و مايزيدَنِي تعذيبُهم إلا إيماناً بآنّا نحنُ الغالبون... و أن النصر آت لا محالة - مريم: بإيدينا يا أيوب ... سيأتى بأيدينا بإذن لله - أيوب: كل ما أخشاهُ يا مريم أن أموتَ بلا مقاومة ، و أدعو الله أن أموتَ على أيديهم ، فإذا ما قُتلتُ... - مريم: (مقاطعة) أطال اللهُ فى عمرك - أيوب: انصتى يا مريم ... لو قتلونى يوماُ ، أوصيكي أن تدفنيني مكاني هاهنا ، ضعى فوقَ قبرى غطاءَ رأسي هذا و اكتبي فوق قبري .. مقامُ أيوب ، ( مريم تربت على كتفه فى حنان ) نعم .. لا تدعي أحداً يأخذَ هذهِ الرقعةَ من الرصيف ، و ازرعى فوق قبرى ىشجرةَ زيتونٍ ، و لاتقطفي ثمارها أبدا مريم: أعزّك الله و أبقاك أيوب: كنتُ أسألك من قبل .. لماذا لا يموت زيتونك يا مريم؟ و كنتِ تقولين زيتونى لا يموت و لا يذبل .. لم أكن أفهم كلامك هذا إلا أننى كُلّما سُجنت و عُذبت و نظرتُ إلى الرجال من حولى ، وهم ممددون على أرضية السجن يبتسمون ، متناسين جراحهم و ألامهم ، يهبوا واقفين مرفوعة هاماتهم فى وجه الحراس والمحققين و كأنهم لم يمسسهم شيء كلما نظرت فى عيونهم يا مريم .. تذكرتك ، و تذكرت زيتونك الذى لايذبل مريم: إنهم يهزمون الموت كل يوم يا أيوب .. هم كشجر الزيتون ، كلما قطعوا منه شجرة ، نبتت مكانها غابة أيوب : نعم يا مريم ، كما دوما تقولين الزيتون لا يموت - مريم: نعم... الزيتونُ لا يموت فى البلدةِ القديمة فانا أضع بذوره فى صدرى ، أرضعها الهوية و الكرامة و أوصيها أن تكون مثلك يا أيوب أيوب: و أنا أحبه يا مريم ، أحب زيتونك و سأموت دونه (مريم تهب واقفة بجوار سلال زيتونها ، رافعة رأسها، بينما ينحصر الضوء عليها و سلالها ( مريم: أما أنا .. ففى انتظار النصر باقية و لن أموتَ قبلها يا أيوب ، لا أنا و لا زيتوني ، لن أموت ، و سأبقي حيةً أبداً، إلي أن أبيعَ زيتوني بنقودٍ فلسطينية. إظلام تدريجي ستار |
|||
21-09-2017, 01:07 AM | رقم المشاركة : 2 | |||
|
رد: سلال الزيتون
نص جميل ياعم محمود |
|||
25-09-2017, 07:17 PM | رقم المشاركة : 3 | ||||
|
رد: سلال الزيتون
اقتباس:
اعترف بالاخطاء الواردة فى الكتابة الاولى و انظرنى فى العمل المنشور باذن الله دمت مقاوما يا صديقي |
||||
12-02-2024, 02:06 AM | رقم المشاركة : 4 | |||
|
رد: سلال الزيتون
مسرحيَّة فائقة الجمال، تتناغم مع الاحساس الصَّادق. |
|||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | تقييم هذا الموضوع |
|
|