الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديــات الأدبيــة > منتدى القصة القصيرة

منتدى القصة القصيرة أحداث صاخبة ومفاجآت متعددة في كل مادة تفرد جناحيها في فضاء هذا المنتدى..فهيا لنحلق معا..

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-05-2006, 11:51 AM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عمر الغريب
أقلامي
 
إحصائية العضو






عمر الغريب غير متصل


افتراضي يوميات مدخن :(سلسلة)..!

يوميات مدخن : مقدمة لا بد منها :

ليست هذه اليوميات محاولة للترويج لعادة "التدخين" , و لا للتنفير منها أو لإظهار أضرارها لمن لا يعرف . هي فقط يوميات إنسان يعبر بالتدخين عن كل ما يعتمل في رأسه و نفسه من أفكار و مشاعر حتى أصبحت السيجارة بالنسبة له كالقلم للكاتب , و أصبح التدخين هو الشيء الذي يُعرف به نفسه للعالم من حوله . قد يكون لهذا الشخص وجود و قد يكون مجرد شخصية خيالية , و قد تدفع هذه اليوميات البعض لاحتقار التدخين و المدخنين و البعض الآخر لاحترامهم , و قد يقلع بعض المدخنين عن عادتهم بسبب هذه المذكرات و قد يفتخر البعض الآخر بها لنفس السبب, و لكن في نهاية الأمر يجب على الجميع أن يعلموا أنهم اتخذوا تلك القرارات بمحض إرادتهم , و صاحب اليوميات ليس مسؤلا ً عنها لأنه لا يوجه رسالة لأحد و لا يتلقى دعما ً حكوميا ً أو أهليا ً لكتابة يومياته , إنما هي مجرد يوميات مدخن , لا أكثر و لا أقل .


1- ألبداية :


لا زلت أذكر أول سيجارة دخنتها , في الواقع أنا لم أدخنها (كما اتضح لي بعد أن احترفت التدخين) إنما كنت أشفط دخانها ثم ألفظه في الهواء تماما ً كما تفعل بعض الممثلات اللواتي يؤدين ادوارا ً تتطلب منهن تدخين السيجارة كما في أفلام الإثارة و الجاسوسية الرديئة حتى البكاء . قد يتوقع البعض انني سألقي باللوم على أصدقاء السوء , أو على أزمة عاطفية كنت امر بها أو على مشاكل عائلية أجبرتني للجوء إلى السيجارة طلبا ً للمواساة . كان بودي ان لا أخيب ظنكم و لكن الحكاية أبسط من ذلك بكثير , فقد نشأت في وسط عائلي عادي جداً و كانت ظروفي عادية حتى الملل و لم اكن في خضم علاقة عاطفية من أي نوع . كل ما في الأمر أنني كنت أسير ذات ليلة وحيدا ً في شوارع المدينة أبحث عن طريقة أقتل بها ما تبقى من ساعات في تلك الليلة (العادية جدا ً), و بينما أنا في سيري العشوائي لمحت كشكا ً لبيع السجائر , و وجدت نفسي أسير إليه بلا أدنى قصد و خلال دقائق قليلة كنت أسير مبتعدا ً عن الكشك و بيدي سيجارة مشتعلة مُشَيعا ً بنظرات البائع الذي لم يكن يعلم أنه في تلك الليلة أضاف عضوا ً جديدا ً لنادي المدخنين , هكذا حدث الأمر و بدون أي ترتيب مسبق أو مقدمات أو أسباب درامية .

هل كان الشعور بالفراغ هو السبب ؟ هل كان الفضول هو السبب ؟ هل كانت رغبة كامنة في تقليد الممثلين أو الكبار عموما ً هو السبب ؟ لا أعرف , و لا يهمني أن أعرف .

في الثلاث سنوات الأولى لم أكن مدخنا ً بالمعنى الدقيق لكلمة مدخن , كنت مبتدئا ً في نادي التدخين أخطو خطواتي الأولى و أتعلم شيئا ً جديدا ً كل يوم . أحيانا ً كان يمر يوم أو حتى شهر دون أن أشعل سيجارة واحدة , و لكن سرعان ما كنت أجد سببا ً لأعود إلى التدخين من جديد . مثلا ً عندما أكون في صحبة بعض الأصدقاء من قدامى أعضاء نادي التدخين أو حتى في صحبة أولئك الأصدقاء الغير مدخنين و الذين باتوا يعرفون بانتمائي مؤخرا ً للنادي و أعياهم نصحي فاستسلموا للأمر الواقع. و طبعا ً لم يكن لدى عائلتي أي علم باهتماماتي الجديدة لأنني كنت في قارة أخرى و بيني و بينهم محيط شاسع , و لم يكن خبر دخولي نادي المدخنين كخبر حصولي على شهادة علمية فآثرت أن لا أزعجهم به .

مشكلتي الوحيدة كانت مع أولئك الأصدقاء الذين يربطني بهم احترام متبادل و لم أكن احب أن يروني و انا أدخن ! حتى أصبحت أتجنب لقائهم و أختلق الأعذار الغريبة لأتنصل من وجودي معهم لأنضم إلى أصدقائي من أعضاء النادي حيث لا أجد حرجا ً في ممارسة عادتي الجديدة .

بدأت أدرك مدى التغييرات التى جدت في حياتي بسبب التدخين.ها أنا الآن و على بعد آلاف الأميال عن أهلى و بعد أن كنت مثال الشاب الملتزم و الذي يحسب ألف حساب لرأي الآخرين (خاصة والده) فيه , ها أنا الآن أسير في شوارع الغربة و سيجارتي العزيزة بين إصبعين من أصابعي أنفث دخانها بكل ثقة .
قد يعطي هذا للبعض انطباعا ً بأنني بدأت التدخين كنوع من التمرد على سلطة الأهل و لأثبت لنفسي أنني مستقل , غير صحيح , فلم أكن من ذلك النوع من الشباب و لم يكن في جسدي عِرق ٌ ثوريٌ واحد . كما قلت من قبل , لا يوجد سبب منطقي أو غير منطقي لدخولي نادي التدخين .

أحد أصدقائي المدخنين و الذي أتى للدراسة مع أخيه الأكبر كان لا يجد أي حرج في أن يدخن في وجود أخيه , و كان أخوه (غير مدخن) يبدو متفهما ً , و لكن بعد ذلك أخبرني هذا الصديق أن السبب يكمن في كونه ذا شخصية مستقلة منذ نعومة أظفاره , و أنه ما دام مقتنعا ً بما يفعل فلا يوجد سبب يدفعه للاختباء من أحد و إلا أصبح متنكرا ً لشخصيته و منافقا ً

. طبعا ًلم يخفَ عليّ ما تضمنته فلسفته من اتهام بضعف الشخصية ( بل و بالنفاق) لأمثالي من المدخنين الذين يجعلون من تدخين سيجارة مغامرة يجب أن يُحسب لها ألف حساب و حدثا ً جللا ً لا يجب أن يستهان به , و إلا (لا قدر الله) رآهم من يعتقد فيهم الصلاح و الاستقامة و سداد الرأي ...الخ , و حينها تقع الطامة الكبرى و ينكشف المستور !

و لا أنكر أنني رأيت بعض المنطق في فلسفة ذلك الصديق , بل و حاولت أن أطبق تلك الفلسفة لأنعم براحة البال التي يتمتع بها صاحبنا الجريء , و لكنني فشلت بامتياز . و الآن و برغم مرور أكثر من خمسة عشر عاما ً على أول سيجارة أشعلتها (في الحقيقة البائع هو من أشعلها لي) لا زال هناك أشخاص لم يعرفوا (برغم قربهم مني) بأنني مدخن . أو هكذا أظن .

يتبع ..







 
رد مع اقتباس
قديم 08-05-2006, 01:48 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
م. وليد كمال الخضري
أقلامي
 
الصورة الرمزية م. وليد كمال الخضري
 

 

 
إحصائية العضو







م. وليد كمال الخضري غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى م. وليد كمال الخضري إرسال رسالة عبر Yahoo إلى م. وليد كمال الخضري

افتراضي

عزيز عمر الغريب
بغض النظر عن موضوع اليوميات ومن ناحية أدبية أرى ان طريقة السرد رائعة جدا تعبر عن حالة من الاستقرار في التفكير وربما التحضير بشكل جيد لكتابة هذه اليوميات ويبدو انك مدخن اخي العزيز لانك تصف طريقة الدخول لدى صاحبنا في اليوميات بشكل ينم ان لديك خبرة او على اقل معلومات حول الاسباب التي تدفع الى التدخين والتي في معظمها كانت صحيحة وبل موجودة على أرض الواقع وبصراحة انا اعرف الكثير من المدخنين وأرى ان التدخين بالفعل لديهم كان تعود وعادة سيئة ترافقت بحياتهم مع حدث قد يكون مؤلما وقد يكون مفرحا لكن الحالة التي فيها صاحبنا هنا تبدو غريبة الاطوار وانا أرجح ان الذي دفعه الى التدخين كان حب الاستطلاع والمغامرة ثم استهوته الفكرة .
هذا مروري الاول على هذه اليوميات والتي سأحرص ان شاء الله على متابعتها .

ملاحظة لو ان هذا الشخص يعرفني او على صلة بي لعرفت انه مدخن من اللقاء الاول لاني امقت التدخين ولدي حساسية مفرطة منه وأقول هذا الكلام عن تجربة .

الى الامام أخي عمر







التوقيع

لام مانع من الانحناء امام الريح وألف ألف لا للانكسار

 
رد مع اقتباس
قديم 08-05-2006, 10:30 PM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عمر الغريب
أقلامي
 
إحصائية العضو






عمر الغريب غير متصل


افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة م. وليد كمال الخضري
عزيز عمر الغريب
بغض النظر عن موضوع اليوميات ومن ناحية أدبية أرى ان طريقة السرد رائعة جدا تعبر عن حالة من الاستقرار في التفكير وربما التحضير بشكل جيد لكتابة هذه اليوميات ويبدو انك مدخن اخي العزيز لانك تصف طريقة الدخول لدى صاحبنا في اليوميات بشكل ينم ان لديك خبرة او على اقل معلومات حول الاسباب التي تدفع الى التدخين والتي في معظمها كانت صحيحة وبل موجودة على أرض الواقع وبصراحة انا اعرف الكثير من المدخنين وأرى ان التدخين بالفعل لديهم كان تعود وعادة سيئة ترافقت بحياتهم مع حدث قد يكون مؤلما وقد يكون مفرحا لكن الحالة التي فيها صاحبنا هنا تبدو غريبة الاطوار وانا أرجح ان الذي دفعه الى التدخين كان حب الاستطلاع والمغامرة ثم استهوته الفكرة .
هذا مروري الاول على هذه اليوميات والتي سأحرص ان شاء الله على متابعتها .

ملاحظة لو ان هذا الشخص يعرفني او على صلة بي لعرفت انه مدخن من اللقاء الاول لاني امقت التدخين ولدي حساسية مفرطة منه وأقول هذا الكلام عن تجربة .

الى الامام أخي عمر

شكرا ً أخي وليد على مرورك و تعليقك ...... أما عن اليوميات فهي ليست يومياتي انا و ليس شرطا ً أن يكتب الكاتب من وحي تجربته أو ان يكون ما يكتبه نابعا ً من تجربة شخصية , و إلا جاز أن نفترض أن نجيب محفوظ كان في يوم من الأيام "فتوة" أو "لصا ً" ... طبعا ً لا أدعي انني نجيب محفوظ آخر و لكن أردت فقط أن أوضح الفكرة ....فالتقمص - أخي وليد - جزء من الإبداع إن لم يكن هو الإبداع نفسه ... و أنا من ذلك النوع من البشر الذي يهوى مراقبة الآخرين و محاولة معرفة ما يدور بخلدهم في مختلف المواقف ... أتمنى ان تتابع اليوميات لتعرف ما أقصد , من يدري , قد أفاجئك .

تحياتي لحضورك.






 
رد مع اقتباس
قديم 09-05-2006, 02:01 PM   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
عمر الغريب
أقلامي
 
إحصائية العضو






عمر الغريب غير متصل


افتراضي يوميات مدخن (2) :


2- صَحَوَاتٌ ..و لكن :


أنا الآن عضو بارز في نادي التدخين , و لو كان هناك فعلا ً ناد ٍ للمدخنين لكنت الآن أحد مستشاريه . صحيح أنني تعرضت لحالات من الصحوة العقلية خلال سنواتي العديدة كمدخن مما جعلني أقلع عن التدخين مرات ٍ عديدة , و لكنها كانت صحوات مؤقتة تعقبها فترة من التوقف ثم عودة إلى التدخين .

أشهر صحواتي عادة ً ما تأتي قبل شهر رمضان بأيام قلائل , حيث أتوقف عن التدخين طوال الشهر الكريم . و حقيقيةً لا أعلم من أين تأتيني تلك العزيمة لدرجة انني لا أفكر في التدخين مُطلقا ً !

و بمجرد أن يحزم الشهر الكريم متاعه و يقفل راحلا ً عنا , أعود إلى مواجهة العالم بلغة الدخان . لغز لا يزال يحيرني .

أحيانا ً كنت أتوقف عن التدخين بدون أي سبب أو مناسبة , و لعلي كنت أحاول أن أثبت للآخرين (أو لنفسي) أنها ليست عادة , و أنني أملك خيار التوقف عنها و تركها وقتما أشاء . و بعد عدة أيام (و احيانا ً عدة أسابيع) أشعر أنني أثبتت بما لا يدع مجالا ً للشك أنني انا من يتحكم بالسيجارة و ليس العكس , ثم أحتفل بنجاحي كما جرت العادة , بتدخين سيجارة .

آخر تلك الصحوات كانت منذ بضعة شهور , فلقد ارتفع سعر علبة السجائر بنسبة تزيد على (30 %) و أغضبني ذلك جدا ً لأني بدأت أشعر و كأن شركات التبغ تستغفلنا نحن المدخنين !! فتحركت بداخلي كبرياء مدفوعة برغبة في التخلص من عادة أصبحت عبئا ً ماليا ً ثقيلا ً على شاب في مقتبل العمر مثلي, فتوقفت عن التدخين فترة .

و ذات يوم اكتشفت عن طريق أحد الزملاء المدخنين أن الشركة قامت بطرح علبة سجائر بنصف الثمن الأصلي للعلبة و تحتوي على نصف عدد السجائر . طبعا ً في البداية لم أهتم بالخبر , فلقد: " تركت التدخين نهائيا ً و إلى الأبد! " و لكن بعد أن لاحظت انتشار العلبة الجديدة (و لأسباب أخرى لا أذكرها) , و بعد أن وعدت نفسي بأن لا أدخن أكثر من علبة (من الحجم الإقتصادي طبعا ً) يوميا ً , عدت للتدخين من جديد . و بعد بضعة أيام وجدت نفسي أدخن علبتين من الحجم الإقتصادي يوميا ً . طبعا ً شعرت بالغباء لأنني الآن أدخن نفس عدد السجائر , و لأن شركة السجائر و "مجموعة الشياطين" التي تديرها تمكنوا من تمرير مخططهم بزيادة سعر العلبة دون أن نشعر نحن المدخنين بشيء , و لكن كبريائي و شعوري بالغباء كانا يتبددان مع دخان كل سيجارة تأخذني إلى هناك , إلى حيث النكهة .

أحيانا ً و أنا نائم , أرى نفسي حاضرا ً في أحد اجتماعات مجلس إدارة شركة التبغ , حيث أكون جالسا ً وسط طاولة اجتماع بيضاوية الشكل و طويلة و حول الطاولة يجلس مجموعة من الرجال الأصحاء على مقاعد وثيرة و يرتدون بدلاً أنيقة و – على ما يبدو - غالية الثمن , و بيد كل واحد منهم سيجارا ً كوبيا ً يظهر كإصبع عملاق بين أصابع أيديهم الناعمة و المزينة بخواتم الذهب, الغريب في الامر أن هؤلاء الرجال لم يكونوا منهمكين بمناقشة أي شيء كما يحدث عادةً في مثل هذه الاجتماعات, بل كانوا يشيرون إلى بأصابعهم و هم يضحكون في سخرية واضحة و كأني مهرج , بينما ظللت أنا جالسا ً في مكاني و على وجهي نظرة استعطاف بلهاء و كأني أقول لهم : "أرجوكم لا تسخروا مني"!!

. لا زلت أبحث عن تفسير لهذا الحلم أو الكابوس , هل من اقتراحات ؟






 
رد مع اقتباس
قديم 10-05-2006, 02:05 PM   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
عمر الغريب
أقلامي
 
إحصائية العضو






عمر الغريب غير متصل


افتراضي

3- لماذا تدخن ؟


لعل هذا السؤال هو أكثر ما يزعج المدخنين أمثالي كلما تبرع شخص من غير المدخنين بطرحه . و ليس عدم وجود إجابة محددة لهذا السؤال هو ما يجعله مزعجا ً , و لكنه الإنطباع الذي يولده السائل لدى المدخن (المسؤول) هو ما يزعج المدخن . فالسائل عندمايسأل مدخنا ً ما هذا السؤال فإنه لا يأمل في سماع إجابة مقنعة لسؤاله أو تفسير منطقي لتدخين المدخن , فلا يوجد منطق على وجه الأرض يمكن أن يدعم عادة كعادة التدخين , و هو (أي السائل) يعلم ذلك كما يعلم أيضا ً أن المدخن يعلم و لا يدفعه ذلك لترك عادته . فما معنى السؤال إذا ً ؟

هنا يشعر المدخن ان غاية السائل من سؤاله هي إحراج المدخن و تعريته أمام نفسه و إغرائه بالدخول في مناقشة خاسرة حتى قبل أن تبدأ , و هذا ما يسبب إزعاجا ً لدى المدخن الذي يجد نفسه مجبرا ً على المراوغة و أحيانا ً السفسطة بغرض الهروب من السؤال . و من أشهر أساليب التهرب من هذا السؤال هي الإجابات الساخرة و التي يرمي المدخن من ورائها إيصال يرقية قصيرة للسائل مفادها : "أنت لا تدخن , مبروك , أتركني لحال سبيلي" .

أول مرة تعرضت فيها لهذا السؤال كنت جالسا ً مع مجموعة من الأصدقاء في أحد المقاهي نتجاذب أطراف الحديث , و كان بيننا صديق تعرفت إليه في تلك الأمسية فقط . و بينما كنا نتحدث في أحد موضوعات الساعة , فجأة و بدون سابق إنذار إذا بالصديق الجديد يسألني (و هو يرمق سيجارتي المشتعلة بين أصابعي) :

" أنت شاب مثقف و ذو عقل ومنطق سليم , فلماذا تدخن ؟"

صمت الجميع و صوبوا أنظارهم باتجاهي و كأني سألقي بقصيدة شعر! تظاهرت بالهدوء و أخفيت شعوري بالامتعاض , و بدأت أبحث في ذهني عن رد (لا عن إجابة) تحفظ لي ماء وجهي و تقضي على النقاش - الذي كنت أراه يلوح في الأفق - في مهده , و بعد ثوان قليلة أجبت :

" لكي يظل الإنسان عاقلا ً و منطقيا ً فلا بد أن يكون في حياته شيء لا علاقة له بمنطق أو عقل , و إلا فكيف سيشعر بقيمة العقل و المنطق, أوَ ليسَ ( الضدُّ يُظهرُ حسنَهُ الضدُّ ) ؟"

علت وجهي ابتسامة راضية بعد هذا الرد, فلقد تفوقت على نفسي , و ساهم ردي السريع في وأد النقاش تماما ً كما توقعت , فلقد ضحك الجميع و اتهموني باللجوء للفلسفة الفارغة لتبرير عادتي الكريهة , و انا بدوري اتفقت معهم .

بعد أن عدت ا إلى لمنزل بقيت مستيقظا ً طوال الليل أفكر في ردود ذكية لذلك السؤال المزعج , حتى لا أؤخذ على حين غرة بعد الليلة. كانت ليلة طويلة قضيت فيها على علبة سجائر كاملة. هذه بعض الردود التي تفتق عنها ذهني :

أنا أدخن لأني :

• في مهمة جاسوسية .

• أحب سماع الآخرين و هم يسألونني : "لماذا تدخن" .

• مشترك في تجربة علمية ستحدث ثورة في عالم الطب .

• أحَصِّن جسدي ضد تلوث الهواء عن طريق تعويده على دخان السيجارة الذي هو أقل
خطرا ً .

• أُهْديتْ إلي "ولاعة" سجائر فاخرة و كان لا بد أن أستخدمها لأن الهدية لا تُرد و لا تُهدى .

• أحب أن أساهم في دفع عجلة الإقتصاد المحلي .

• لي قريب يعمل في مصنع السجائر , و تدخيني نوع من الإحسان لذوي القربى (ناهيك عن
المساكين الذين يعملون معه في نفس المصنع) .

• أكره الذباب و البعوض , و ثبت علميا ً أن دخان السجائر يساعد على إبعادها .

• بدأت أدخن قبل اكتشاف أضرار التدخين .

• إشتريت – مؤخرا ً – أسهما ً في شركة السجائر و أحاول زيادة أرباحي .

و أخيرا ً

• أنا لا أدخن , و لكني اتجمل .

بعد أن انتهيت من تعبئة ترسانتي الفلسفية بتلك الردود , أشعلت السيجارة المتبقية في علبة السجائر و استلقيت على سريري , عيناي تحدقان بسقف الغرفة و كأنهما تفتشان فيه عن شيء ما, بينما دخان السيجارة يحول بينهما و بين السقف في إصرار عجيب . في تلك اللحظات , و بعيدا ً عن فلسفتي الفارغة و ردودي الساخرة تلك ,لاح سؤال واحد في ذهني و مهما حاولت أن أتجاهله أراه يتعرض لي في إصرار شحاذ ٍمر عليه اليوم بطوله دون أن يظفر بشيء و وجد فيّ أمله الأخير , سؤالٌ واحد ظل يطاردني حتى استسلمت أخيرا ً للنوم, لماذا أدخن ؟


يتبع ..






 
رد مع اقتباس
قديم 10-05-2006, 02:40 PM   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
سلام نوري
أقلامي
 
الصورة الرمزية سلام نوري
 

 

 
إحصائية العضو






سلام نوري غير متصل


افتراضي ويطاردني ايضا

, سؤالٌ واحد ظل يطاردني حتى استسلمت أخيرا ً للنوم, لماذا أدخن ؟
السؤال ذاته يطاردني ايضا؟
لماذا ادخن مع انني لا ادخن
شكرا؟







 
رد مع اقتباس
قديم 10-05-2006, 02:59 PM   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
عمر الغريب
أقلامي
 
إحصائية العضو






عمر الغريب غير متصل


افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلام نوري
, سؤالٌ واحد ظل يطاردني حتى استسلمت أخيرا ً للنوم, لماذا أدخن ؟
السؤال ذاته يطاردني ايضا؟
لماذا ادخن مع انني لا ادخن
شكرا؟
العزيز سلام نوري ...

لم أفهم مغزى تعليقك ! و إن لمست فيه "نبرة تهكم" .....

على كل حال شكرا ً لمرورك






 
رد مع اقتباس
قديم 10-05-2006, 03:10 PM   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
سلام نوري
أقلامي
 
الصورة الرمزية سلام نوري
 

 

 
إحصائية العضو






سلام نوري غير متصل


افتراضي عفوا استاذ عمر

ما اعنيه ياصديق
اننا اساسا نجهد اجسادنا في قضايا لاتدر الا الخسارات
ومنها الدخان الذي يغلف حيواتنا بالضجيج
وليس بالضرورة ان يكون دخان سجائر وهذا ماكنت اعنيه
شكرا







 
رد مع اقتباس
قديم 13-05-2006, 12:16 AM   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
عمر الغريب
أقلامي
 
إحصائية العضو






عمر الغريب غير متصل


افتراضي يوميات مدخن -4


4- توعية بلا وعي !


في هذا الوقت من العام تنشط حملات ما يسمى ب "التوعية ضد أضرار التدخين" ! حيث يقوم كل من هب و دب بإلقاء المنشورات على المارة و سائقي السيارات المدخنين منهم و غير المدخنين و كأننا عدنا إلى عهد الإستعمار و توزيع المنشورات السياسية , رغم أن المنشورات السياسية كانت توزع في السر و لمن يعنيهم الأمر فقط . و لا تقتصر الحملة على توزيع المنشورات الفاخرة الطباعة فحسب , بل إن حمى التوعية تصيب التلفاز حيث ينهال على المشاهد سيل من البرامج الوثائقية عن أضرار التدخين , و لقاءات لا أول لها و لا آخر مع أطباء و خبراء جميعهم يجمعون على أن التدخين هو آفة العصر و مصيبة المصائب .

فجأة تتحول السجارة إلى وحش مخيف تُستنفر من أجل القضاء عليه كل السبل و الإمكانات المتاحة و الغير متاحة . مما يجعلني و زملائي المدخنين هدفا ً لحملات النصح و الإرشاد , بل و نظرات العطف و الشفقة أحيانا ً , باعتبارنا الضحايا المباشرين لهذا الوحش المخيف .

و ليس كم النصائح و المنشورات و نظرات الشفقة هي ما يغضبني انا و الزملاء و لا برامج التوعية التي لها فعل المُخدر على المشاهد , و لكنه النفاق الحكومي و الشعبي و الذي يظهر جليا ً في هذا الوقت من العام هو ما يولد لدينا شعورا ً بالغضب و الاشمئزاز أكثر من أي شيء آخر . فالحكومة هي آخر من يحق له أن يتحدث عن توعية من أي نوع بأضرار التدخين. أليست هي من يدعم صناعة التبغ بل و تستورد من الخارج لسد العجز و لإرضاء جميع الأذواق ؟ و ماذا عن الضرائب الفلكية التي تدفعها شركات الدخان للحكومة و التي تساهم في إنعاش الإقتصاد الوطني و يستفيد منها كل المواطنين شاؤا ذلك أم أبوا ؟

ما أنا – و بقية الزملاء – متأكدون منه هو أن هذه الحملات أصبحت بلا جدوى . فلم نسمع أن مدخنا ً واحدا ً ترك النادي بسبب تلك الحملات , بل على العكس تماما ً , فبسبب حالة الضجيج و الملل المصاحبين لتلك الحملات يضطر الكثير منا لتدخين عدد اكبر من السجائر كنوع من الهروب من اجواء الحملة و حتى تنزاح الغمة , أقصد الحملة .

ثم لماذا لا يكون هناك حملة ل(القضاء على الفساد الإداري و البيروقراطية) ؟ ,أو حملة ل(إحياء الأخلاق و الأداب العامة ) ؟ , أو حملة ل (التوعية بأضرار الإنترنت و ألعاب الفيديو)؟ , أو حملة ل (التوعية بأضرار التقليد الأعمى لكل موجة تأتي إلينا من جهة الغرب)؟

و كل تلك الأفات أخطر بكثير من التدخين . ألغريب أن حملات التوعية بأضرار التدخين تأخذ في الغرب شكلا ً مختلفا ً تماما ً عن نظيراتها عندنا . فحملاتهم فعالة و موضوعية و تتضمن إصدار قوانين جديدة و جريئة بحظر التدخين , تارة في وسائل المواصلات و تارة في الدوائر الحكومية و تارة في المطاعم و المقاهي ! تخيلوا معي لو أن قرارا ً صدر عندنا بحظر التدخين في المقاهي , ما الذي سيحدث ؟ ثورة عارمة لا يعلم مداها إلا الخالق . و لأن حكوماتنا الرشيدة لا تحب كلمة (ثورة) أو (مظاهرة) فهي تكتفي بدعم تلك الحملات العقيمة و السخيفة في آن معا ً من باب مواكبة العصر و لكن دون مواكبة , و محاربة التدخين و لكن دون إعلان حرب حقيقية .

قد يسأل سائل : "و ما سر غضبي من الحملات العقيمة – على حد قولي - ؟ هل أرغب في حملات كتلك التي في الدول المتقدمة و انا المدخن؟ "

ألجواب هو , نعم , أتمنى زوال الحملات العقيمة و استبدالها بحملات أكثر جدية و مدعومة بقرارات جريئة ! لا تستغربوا , فهذا شعور العقلاء من زملاء نادي التدخين و كما يقولون: ( إذا عُرف السبب بطل العجب) .

و السبب هو أن الحملات الجادة تضع نهاية للجدل و تأتي بحلول ترضي جميع الأطراف و تحفظ للجميع حقوقهم المادية و المعنوية بشكل خاص . أما حملات الفرقعة الإعلامية و مهرجانات المناشير و برامج النوم المبكر فلا عمل لها إلا تشويه صورة المدخنين و إظهارهم و كأنهم من سكان العالم السفلي و وصفهم بما ليس فيهم من صفات العجز و ضعف الإرادة و عدم المبالاة بسلامة الآخرين . مع أن الكثير من قادة الشعوب الذين تركوا بصمات لا تمحى على وجه التاريخ كانوا مدخنين , ك(تشرشل) و (كاسترو) و (السادات) و غيرهم كثير , و جميعهم كانوا من أصحاب الإرادات القوية و قادوا شعوبهم في أحلك الأزمات .في المعسكر المقابل نجد (هتلر) و (بوش) و (ريا و سكينة) و جميعهم كانوا من "أسوياء البشر" الذين لا يدخنون !!






 
رد مع اقتباس
قديم 13-05-2006, 01:56 AM   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
د. صفاء رفعت
أقلامي
 
الصورة الرمزية د. صفاء رفعت
 

 

 
إحصائية العضو






د. صفاء رفعت غير متصل


افتراضي

عمر الغريب ....

أسلوبك جميل و طرحك للقضية عميق و مختلف ....

و ما تقوله حقيقي تمام ,

و بشكل غريب ,,

نعم كل الكلمات و الاعتراضات و النصائح

تبدو عارية عقيمة ,

بل هزلية بشكل ما ,

و ربما تزيد من الرغبة في الدفاع عن الذات ,

و إثبات أهليتها و حقها في أن تحترم ,

كما هي

سأتابعك هنا ,

فلتخبرني كيف ستخرج بنا من هذه الإشكالية المتاهة .....

فلدي من أريد أن أبعث له بيومياتك هذه ,

فلعل و عسى ....


أعجبتني هذه :




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر الغريب
3- لماذا تدخن ؟



بعد أن عدت ا إلى لمنزل بقيت مستيقظا ً طوال الليل أفكر في ردود ذكية لذلك السؤال المزعج , حتى لا أؤخذ على حين غرة بعد الليلة. كانت ليلة طويلة قضيت فيها على علبة سجائر كاملة. هذه بعض الردود التي تفتق عنها ذهني :

أنا أدخن لأني :

• في مهمة جاسوسية .

• أحب سماع الآخرين و هم يسألونني : "لماذا تدخن" .

• مشترك في تجربة علمية ستحدث ثورة في عالم الطب .

• أحَصِّن جسدي ضد تلوث الهواء عن طريق تعويده على دخان السيجارة الذي هو أقل
خطرا ً .

• أُهْديتْ إلي "ولاعة" سجائر فاخرة و كان لا بد أن أستخدمها لأن الهدية لا تُرد و لا تُهدى .

• أحب أن أساهم في دفع عجلة الإقتصاد المحلي .

• لي قريب يعمل في مصنع السجائر , و تدخيني نوع من الإحسان لذوي القربى (ناهيك عن
المساكين الذين يعملون معه في نفس المصنع) .

• أكره الذباب و البعوض , و ثبت علميا ً أن دخان السجائر يساعد على إبعادها .

• بدأت أدخن قبل اكتشاف أضرار التدخين .

• إشتريت – مؤخرا ً – أسهما ً في شركة السجائر و أحاول زيادة أرباحي .

و أخيرا ً

• أنا لا أدخن , و لكني اتجمل .

بعد أن انتهيت من تعبئة ترسانتي الفلسفية بتلك الردود , أشعلت السيجارة المتبقية في علبة السجائر و استلقيت على سريري , عيناي تحدقان بسقف الغرفة و كأنهما تفتشان فيه عن شيء ما, بينما دخان السيجارة يحول بينهما و بين السقف في إصرار عجيب . في تلك اللحظات , و بعيدا ً عن فلسفتي الفارغة و ردودي الساخرة تلك ,لاح سؤال واحد في ذهني و مهما حاولت أن أتجاهله أراه يتعرض لي في إصرار شحاذ ٍمر عليه اليوم بطوله دون أن يظفر بشيء و وجد فيّ أمله الأخير , سؤالٌ واحد ظل يطاردني حتى استسلمت أخيرا ً للنوم, لماذا أدخن ؟


..


كل التحية ...






التوقيع



سبحـــــان ربـِّـي ...
كلمــا أوتيت علمـــأً ...
زادنــي علمــــاً بجهلـــي ...


 
رد مع اقتباس
قديم 14-05-2006, 02:03 AM   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
عمر الغريب
أقلامي
 
إحصائية العضو






عمر الغريب غير متصل


افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صفاء رفعت
عمر الغريب ....

أسلوبك جميل و طرحك للقضية عميق و مختلف ....

و ما تقوله حقيقي تمام ,

و بشكل غريب ,,

نعم كل الكلمات و الاعتراضات و النصائح

تبدو عارية عقيمة ,

بل هزلية بشكل ما ,

و ربما تزيد من الرغبة في الدفاع عن الذات ,

و إثبات أهليتها و حقها في أن تحترم ,

كما هي

سأتابعك هنا ,

فلتخبرني كيف ستخرج بنا من هذه الإشكالية المتاهة .....

فلدي من أريد أن أبعث له بيومياتك هذه ,

فلعل و عسى ....


أعجبتني هذه :








كل التحية ...

العزيزة صفاء رفعت ......

شكرا ً على الإطراء , و الذي يضاعف من سروري به انه صدر من قلم متمكن كقلمك ....

و سأكون أسعد بمتابعتك لليوميات , واعدا ً إياك ِ بالأفضل إنشاء الله .....

تحياتي






 
رد مع اقتباس
قديم 14-05-2006, 02:12 AM   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
عمر الغريب
أقلامي
 
إحصائية العضو






عمر الغريب غير متصل


افتراضي يوميات مُدَخن (5)

5- تحذير حكومي ..!!!


ألحكومات في في بلداننا العامرة ( فيما يُعرف بالعالم الثالث) تجسيد لكل معاني القوة و السيطرة و التحكم (و لعل مسمى حكومة جاء من الصفة الأخيرة) , و لذلك فعندما تصدر هذه الحكومات فرمانا ً أو تحذيرا ً فالويل كل الويل لمن لا يمتثل للأمر و ينصاع لإرادة الحكومة الموقرة !

فإذا أصدرت الحكومة فرمانا ً ينظم آلية عمل فئة معينة (كالتجار أو رجال الأعمال أو حتى الجزارين و الراقصات) فلا يملك هؤلاء جميعا ً إلا الإنصياع التام للأمر الحكومي و إلا وقعوا في (سين) و (جيم) و ربما أيضا ً (نون) و ذاقوا وبال أمرهم .

و لكن هذا الأمر لا ينطبق علينا نحن معشر المدخنين , فنحن نكسر كلام الحكومة و نضرب بتحذيراتها و فرماناتها عرض الحائط يوميا ً و بلا أدنى خوف , و الحكومة لا تجرؤ على محاسبتنا أو حتى على مسائلتنا !

تسارعت هذه الأفكار في رأسي ذات صباح و انا في طريقي إلى كشك السجائر القريب من شقتي . وصلت إلى الكشك و ألقيت تحية الصباح على (العم زكي) صاحب الكشك و هو كهلٌ جاوز الستين .

رد العم زكي التحية بمثلها و هو يناولني علبة السجائر و التي بدا و كأنه كان يحملها في يده حتى قبل وصولي , رغم أنني لم أطلبها منه بعد , ربما لأني لم أبتع منه شيئا ً سواها منذ أن أتيت إلى هذا الحي .

- تفضل يا ولدي , تاب الله عليك منها !

- و عليك أنت أيضا ً يا عم زكي , أم أنك نسيت نفسك ؟

تبسم الرجل من ردي و قال و هو يأخذ مني ثمن العلبة :

- أنا يا ولدي زمني خلفي , أما أنت فالمستقبل أمامك , فلماذا تحرقه قبل أن يأتي ؟

- إطمئن أيها الرجل العجوز , سأطلق السيجارة يوما ً ما !

- و لماذا لا تطلقها اليوم ؟

- لأن العصمة بيدها هي !

ضحك العم زكي حتى ظهرت أسنانه ( أو ما تبقى منها ) كحجارة سوداء عليها بياضٌ قديم , و لم يقطع ضحكه سوى نوبة السعال التي تلازمه على الدوام .

نظرت إليه و أنا أفكر :

- هل هذا أنا بعد ثلاثين أو أربعين عاما ً من الآن ؟


تركت العم زكي و سعاله المؤلم و قفلت راجعا ً إلى بيتي و انا أقلب علبة السجائر بيدي بحثا ً عن "التحذير الحكومي" الذي لم أقرأه منذ سنوات !

آه , ها هو ذا , كان التحذير عبارة عن عبارة كتبت على استحياء في أحد جوانب العلبة :

(تحذير حكومي : التدخين يسبب السرطان و أمراض القلب و الشرايين ......الخ .. و ننصحك بالامتناع عنه !) ......

قطع شريط أفكاري صوت أغنية (شبابية على ما يبدو) لمطرب لم أسمعه من قبل , إلتفت و رائي ناحية الشارع و صدق حدسي , فقد كان الصوت قادما ً من عربة لبيع شرائط الكاسيت يقوم بدفعها شاب يافع يسير متلفتا ً حوله و كأنه ذئب يبحث عن ضحية .

فجأة و قعت عيناه علي و أنا أنظر إليه , و يبدو أنه فسر نظري إليه على أنه نداء مني و دعوة صامتة لكي يأتي و يبيعني شريطا ً. و حدث ما كنت أخشاه , و كسمك القرش حين يَشْتَم رائحة الدماء , إذا بالبائع يدير دفة عربته المضحكة و يقودها باتجاهي , و في لحظات تمنيت فيها لو كنت أصما ً كان يقف بعربته على بعد خطوات مني,

- صباح الخير , يبدو أن الأغنية أعجبتك ؟

- ألأغنية ؟ آه , تقصد الصوت القادم من العربة ؟

تبسم البائع و قال ( بعد أن خفض صوت الجهاز اللعين .........أخيرا ً ) :

- لماذا , ألا تحب الأغاني الشبابية و أنت شاب؟

- أنا شاب نعم , هذه أغاني , لا !

- و لكن هذه أغنية للمطرب الجديد .... ( و أشار بإصبعه إلى صورة تتوسط واجهة العربة) و هي أغنية مشهورة جدا ً بين الشباب هذه الأيام !

أجبته - و أنا أتمعن في صورة المطرب الشاب ذي الإبتسامة الساحرة و الذي يبدو كطفل جميل في السادسة عشر من عمره -:

- فعلا ً ؟ و كم دفع لك هذا المطرب لتفسد عليّ صباحي بهذه الطريقة الوحشية ؟

ضحك البائع رغم الضيق الذي بدا على وجهه , ثم قال :

- و أي نوع من الأغاني تفضل إذا ً ؟

- أنا ؟ لا أظن أن لديك نوعيتي من الأغاني !

- جربني و سترى , أستطيع أن أحضر لك أي أغنية تشاء حتى لو كانت هندية !

- حسنا ً , هل عندك أي أغنية للمطرب زرياب ؟

أطرق البائع لثوان و كأنه يحاول أن يتذكر أين وضع شرائط زرياب , ثم نظر إلى نظرة استسلام و هو يقول :

- أنا آسف , لم أحضر شرائط (زرياب) معي اليوم , و لكن أمهلني إلى الغد و سأحضرها لك بكل تأكيد !

- قل إنشاء الله يا رجل !


- إنشاء الله طبعا ً ! مع السلامة !

- مع ألف سلامة , لا تنس أغاني زرياب !

- لن أنسى ! أقصد إنشاء الله لن أنسى !

وقفت أنظر إلى البائع و هو يغادر بعربته بأسرع مما أتى . ثم صعدت إلى شقتي و أنا أتخيله و هو يبحث لدى باعة الأشرطة عن ألبوم للمطرب زرياب .

جلست داخل شقتي على أقرب كرسي قابلني , عدت بأفكاري إلى التحذير الحكومي على علبة السجائر , قرأته من جديد ثم أخذت أتسائل , لماذا لا تقوم الحكومة بكتابة تحذير مماثل على شرائط الأغاني المعروفة ب(الأغاني الشبابية)؟

أليست أضرارها النفسية و الأخلاقية أخطر من أضرار التدخين الصحية ؟ على الأقل , أضرار التدخين و مضاعفاته (إن كانت صحيحة) فلها علاج و عمليات جراحية متطورة و هي أضرار تقتصر على المدخن لا على المجتمع .

و بدأت أضع تصورا ً للتحذير الحكومي الذي يجب أن يكون على شرائط تلك الأغاني الضوضائية .

(تحذير حكومي : هذا الشريط يحتوي على كلمات و ألحان قد تسبب لمن يسمعها العاهات الآتية : فساد مزمن في الذوق العام, تصلب في شرايين الفكر و الإبداع, سطحية و تفاهة , ضيق في الأفق , و موت تدريجي للإحساس بأي قضية جادة , لهذا ننصحك بالإمتناع عن سماعه فورا ً . وزارة الثقافة و المصنفات الفنية و نقابة الموسيقيين و الاتحاد العام لجراحي المخ و الأعصاب و جمعية محبي أغاني الطرب الأصيل ).


و ماذا عن أغاني ما يسمى ب "الفيديو كليب" ؟ أليس من واجب الحكومة أن تحذر المواطنين من مشاهدتها ؟ و لو من باب حماية المستهلك من التدليس المتعمد الذي تمارسه مطربات الفيديو كليب اللواتي يخضعن لعشرات عمليات التجميل فيخدعن المشاهد المسكين الذي يعتقد أن جمال المطربة "رباني مئة في المئة" ؟

أقترح على حكوماتنا " الرشيدة " وضع هذا التحذير على أغاني الفيديو كليب (بالإضافة إلى التحذير أعلاه طبعا ً) :


(تحذير حكومي : ألمطربة و أغلب الراقصات في هذه الأغنية خضعن لعمليات زرع سيليكون و مركبات كيميائية أخرى في الأماكن الآتية (....) , كما أجريت لهن عمليات "تجميل" في الوجه و شفط للدهون من الأجزاء الآتية (.....) , و تم استهلاك (...) كيلوجرام من مواد التجميل , و عليه ننصحك بعدم التركيزعلى أجساد المطربة و الراقصات و لو للحظة . مركز حماية المستهلك ) .



أشعلت سيجارة بعد أن ضغطت على زر التشغيل في جهاز الكاسيت , ثم تمددت على أريكتي أتنهد دخانا ً و أنا أستمع لصوت فيروز و هي تصدح :

(لأجلك يا مدينة الصلاة ..نصلي ...............) .






 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
يوميات امرأة أفاقت متأخرة ..!!! صابرين الصباغ منتـــدى الخـواطــر و النثـــــر 19 15-10-2012 11:08 AM
سلسلة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم....شاركونا !! د. صفاء رفعت المنتدى الإسلامي 12 07-05-2006 09:42 PM
يوميات القبائل/ نصوص تشكيلية ل سعاد شهاب عبود سلمان منتـدى الشعـر المنثور 0 20-02-2006 09:08 PM
يوميات انتخابية من غزة م. وليد كمال الخضري منتدى الحوار الفكري العام 0 04-01-2006 07:19 PM
يوميات رمضانية (أرجو المشاركة ) م. وليد كمال الخضري منتدى الحوار الفكري العام 8 04-11-2005 12:17 AM

الساعة الآن 09:51 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط