زمن الهوان فى عمارة يعقوبيان !

[أشرف عمر]

شدنى الفيلم ... صدمنى ... هل أقول أحبطنى ؟ نعم ... لا !

حاولت أن أتعرف سريعا على شخصية الكاتب من خلال كلماته ... تكفى بعض الملامح ولا يهم الباقى ...

( الفن هو الجمال والدين مع الجمال والسلوك الراقي و النبل ... الفن يجعلنا أكثر إنسانية و أكثر نبلا ... يجعلنا بشر ... نحن نشترك مع الحيوان في الغرائز و نختلف معه في التذوق الفني و الخيال ... ) ... هذه هى كلماته ... تلبيس ابليس وكلمات حق أريد بها باطل ... فما هو الباطل فى طرحه اذن ؟ . انه على الأقل النتيجة التى قد يخرج بها القارئ أو المشاهد ... اليأس والاحباط ...

هل كل هذا الكم من الشر والقذارة والعفن موجود فى مجتمعاتنا ؟ أو بصراحة أكثر يهيمن على واقعنا ؟ انه فى الحقيقة غيض من فيض فلماذا كل هذا الغضب الذى يتملكنى اذن ؟ لأن الصورة قاتمة تماما لا نرى فيها الا سوادا يعلوه سواد ... ( ظلمات بعضها فوق بعض ) .. ظلام ليل دامس طويل لا يبدو له فجر ... ظلم باغ لا يلوح فى أفقه قبس من عدل ... فساد طاغ لا يرى فيه منفذ لاصلاح ... عيون وقحة لا تغسلها دموع ... قلوب ذئاب لا تعرف للرحمة معنى ... انها أوضاع اجتماعية تأبى أن تكون لها مرجعية علوية نقية ... فشرع الله كلمة يستهزأ بها ولا تخشع القلوب لذكرها ... والقانون الوضعى يخضع للتغيير والتبديل فى أى وقت ... ربما ينصف بعض المظلومين على الورق لكنه فى واقع الأمر كالكرة تتلاعب به عصابات الأشرار المنظمة تحت قبة مجلس استعباد الشعب واذلاله واحتقاره باسم نوابه المنتخبين بارادته ... شح مطاع وهوى متبع واعجاب كل ذى رأى برأيه ... متناقضات صارخة يبذرها الشر وينبتها الهوى ويجمعها الضلال وينشرها الظلم ... فهل فى كل هذا ما يمكن أن نشعر معه بذرة من وطنية أو انتماء أو نراجع معه تاريخا أو جغرافيا أو أدبا أو قيما نعتز بها ؟!!!

لن نكون مجتمعا ملائكيا ولكن هل ينبغى علينا أن نستسلم للشيطنة المفروضة بسياسة القهر وتطبيع العهر وبسياط التركيع والتجويع وكأنها الأمر الواقع الذى لا مفر منه والقدر المقدور الذى سبق به القلم ؟! لقد سدوا باب الاصلاح وفتحوا أبواب الفساد وعلقوا عليها لوحة المدينة الفاضلة ... وتعاونوا على كتم أنفاس البر والتقوى وأبقوا على صورة جثته متبسمة ... واعتقلوا الدعوة الى الله وألبسوا النفاق العمائم ... وصدوا عن سبيل الله وساقوا الناس الى سبل الغى وفتنوا المؤمنين والمؤمنات ووضعوا الحجاب وراء قضبان وسائل الاعلام وسحروا أعين الناس بألبسة الخلاعة والرقاعة ... فلمن نوجه أصابع الاتهام ؟ لأنفسنا أم لطبقة أصحاب السلطة ؟
هل يمكن أن نحصر المتهمين ونعدد التهم أم أنه ليس أمامنا الا الاستسلام للأمر الواقع بعد أن اتسع الخرق على الراقع ؟!

هل هناك فتنة أكبر من أن يكون القرار بيد الأشرار وأن يوسد الأمر للأراذل والشواذ والفجار ... وأن يسوقنا عامل الوقت الى هاوية ليس لها قرار ؟! هل هناك هوان أشد من ضعف التقى وجلد الفاجر ؟! هل هناك ضلال واستغفال أكبر من أن يقوم أبو جهل وأبو لهب الذين رضعا الثقافة والحضارة من أثداء فرنسا وأمريكا ليفسروا لنا معالم وأحكام الدين الذى أكمله الله لنا وأتم به نعمته علينا ورضيه لنا ؟! وهل هناك عمى أكبر من رؤية المعروف منكرا والمنكر معروفا ؟! وهل هناك تضييع للدين والدنيا أكثر من أن تخضع أحكامه للرأى ووجهات النظر بينما هرطقات الشواذ يرونها وكأنها حكمة بالغة ؟! ... فما تغنى النذر ...

ولكن مع كل هذا الاحباط الذى يغذيه الواقع المر ويبرزه ذلك التصوير البشع فى عمارة يعقوبيان هل يمكن أن نفقد الأمل فى رحمة الله ... لا .. بل ألف لا .. ( انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون ) ...
كم من مجتمع تعرض للتدمير والتسميم لكنه بدأ رحلة اعادة البناء والتماثل للشفاء ؟ كم من شعب نخر الاحتلال فى عظامه وساقه الأذيال بسياط التسلط لكنه استجمع اراداته واسترد عافيته وشنق جلاديه بالسياط التى أدمت ظهره ؟ ... كم من قبيلة سادها أراذلها لكنها تخلصت من سطوتهم وجعلتهم عبرة لمن يعتبر ؟ ...

هل تعملقت الصين الا بعد أن تخلصت من وباء الأفيون ؟! وهل نهضت ألمانيا الا بعد أن دمرت معالمها وتهاوت مبانيها ؟! وهل تحررت فيتنام الا بعد أن قدمت الضحايا بغير حساب ؟! وهل تقدمت اليابان الا على أنقاض هيروشيما ونجازاكى ؟! ... وهل عرف العرب بين الأمم الا بعد أن بعث الله فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون ... هل جاعت شعوبنا الا بعد أن استبدلت الذى هو أدنى بالذى هو خير ؟!
وهل ضاعت أرضنا الا بعد أن عظم أبناؤها الدنيا فنزعت منهم هيبة الاسلام ... وتركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فحرموا بركة الوحى ... وتسابوا فسقطوا من عين الله ؟!

انها زفرات ألم ولفحات غضب ينبع من أعماق القلب لقمع النفس عن غيها لتتوب وتؤوب ... فلو أنها أبصرت ما فرطت ولو أنها ألجمت ما سيقت ... انها معاناة شخصية وصرخات ألم مكتومة تأثرت بما رأته من مشاهد تبعث على الاشمئزاز أو الغثيان وشخصيات يقودها الهوى فى معية الشيطان ورسالة خبيثة مفادها أن استسلموا للذل والهوان ... انها غضبة من النفس نقمة على العجز ثورة على الضعف فالغفلة لا تتغير الا بيقظة والرضا عن النفس مرعى الهوى والغضب من النفس أول طريق الصلح مع الله ... ( حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ...
انه زمن الهوان الذى تجسد معالمه عمارة يعقوبيان وهو الأمر الواقع الذى ينبغى علينا أن نهدم صرحه قبل أن ينهار علينا ان وقع الزلزال ... وهو ظلمات بحر لجى يغشاه موج من فوقه موج لن تنجلى الا باعمار بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والاصال رجال ...

بقى أن نتساءل : لماذا لا تكون الجوائز الكبرى من أعداء الله الا لهذه النوعية من الروايات وتلك الشاكلة من الكتاب ؟؟؟







مقابلة دكتور علاء الاسوانى
http://tohamy345.blogspot.com/2006/12/blog-post_14.html

علاء الاسواني والجائزة الكبرى للرواية
http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphA.../11/192408.htm