الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديـات الثقافيـة > المنتدى الإسلامي

المنتدى الإسلامي هنا نناقش قضايا العصر في منظور الشرع ونحاول تكوين مرجع ديني للمهتمين..

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-07-2008, 02:10 AM   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
محمد جاد الزغبي
أقلامي
 
الصورة الرمزية محمد جاد الزغبي
 

 

 
إحصائية العضو






محمد جاد الزغبي غير متصل


افتراضي مشاركة: يوميات فى ضيافة الإمام الشعراوى

مرحبا بك مرة أخرى صديقنا نايف ذوابة ,,

اقتباس:
الأخ العزيز محمد
إن كلامي بعدم شخصنة الحوار هو خطاب عام للجميع وأنت منهم ولست مقصودا بالتحديد ..
ربما كان حديثي منفعلا ,, لكن هذا لا يعنى مطلقا أننا لسنا أصدقاء
والإنفعال بسبب الموضوع ذاته
ولا زال خطابي للإدارة قائما لأن تعليقكم يحتاج نقطة فصل للإيضاح فى الواقع
اقتباس:
وفي الوقت الذي تقف فيه الإدارة محايدة من هذا الحوار لكنها حريصة ألا يخرج عن أصول الحوار لمعرفة ما لدى الآخرين والرد عليهم بموضوعية تكشف عن نزاهة وصدق وعلم وبعيدا عن سب الآخر وشتمه مع الحفاظ على احترام العلماء وتقديرهم ولكن ليس تقديسهم .. فكل يؤخذ من كلامه ويرد عليه من البشر ..
كلام لا غبار عليه ,,
لكنه لا يمكن إنزاله على مثل هذا الحوار الدائر هنا أو الموضوع الدائر هناك
لعدة أسباب
الأول :
أنه لم يحدث هنا سب أو شتم كما قلت بل كان ـ من ناحيتى ـ بيان واقع بالوصف ومن ناحية الأخ الفاضل لم يأت منه اعتداء شخصي مطلقا أو لفظة واحدة خارجة عن خطابة لى ..
والموضوع برمته كما ترى بكل ما فيه من انعال هو عام ولا يوجد به شيئ شخصي
ويا ليته كان اعتداء لفظيا أو شخصيا فوالله ساعتها ما كنت لأنفعل مقدار خردلة
ولذا سنفترض أن تنويه الإدارة هو عمل بالحذر حتى لا يتطرق الموضوع لذلك

الثانى فى قولك
اقتباس:
مع الحفاظ على احترام العلماء وتقديرهم ولكن ليس تقديسهم .. فكل يؤخذ من كلامه ويرد عليه من البشر
دعنا من الطرف الآخر ولتتفضل أنت ببيان واضح لى ـ ليس كلاما عاما أو مرسلا ـ فتقول لى أين هو النقد الجارى فى إطار الموضوعية أو النزاهة من أقوال الأخ عن الشيخ الراحل
أين هى نقطة الإعتراض التى تستحق حتى مسمى نقطة اعتراض
ترى ..
ألم يظهر لك أن الموضوع الآخر الذى أنشأه الكاتب داعيا أهل الشرق والغرب للبحث والتفتيش خلف الشعراوى هو نداء يبدو كما لو أنه عداء شخصيا غريبا .. فضلا على سذاجة الإتهامات والإنتقادات الموجهة لدرجة أستغرب منها كيف كتبها صاحبها وكيف تقبلها القراء
هل اتهام الشعراوى أنه قال بالتثليث أى كفر بشكل صريح هو نقد علمى أو موضوعى
هل اتهام الشعراوى أنه اباح للأمريكان أراضي العراق بحرب الكويت أمر له صلة بالواقع أصلا ؟!

وأين نفس الكاتب الغيور من الفتوى المعلنة الشهيرة الرسمية الصادرة بجواز استقدام الأمريكان للجزيرة العربية وأنه أمر شرعي وهى تلك الفتوى التى اعترض عليها الألبانى رحمه الله اعتراضا شهيرا أيضا ..
أين غيرة الكاتب هنا ؟!
وأين غيرته على دينه من سائر الملل والنحل التى تضرب فى أساسيات الإعتقاد والتى لم يجد فيها الكاتب شيئا واحدا يثير حميته ليكتب عنها وركز على انتقاد عالم ألقم كل مغرض بالإسلام حجرا وشرح فى كتاب الله ما لم يتح لعالم قبله فى تاريخنا المعاصر

فضلا على أن رحلة سريعة فى كتاباته تكشف لنا أن يعيش لينتقد أكابر العلماء
وأخيرا
هل قدم الكاتب دليلا واحدا يمكن أن يعتد به فى مواجهة طفل صغير فضلا على موقع ثقافي ؟!

والآن أخى الكريم ,,
أين يا ترى هو احترام العلماء الذى تحدثت عنه من أن الإدارة تضمنه ؟!!
وهل يدخل فى باب التقديس المكروه رفضنا لسابق الإتهامات المذكورة
؟!!

ثالثا ..
اقتباس:
لا أريد أن أنحاز لأي طرف وأرجو التقيد بضبط النفس لإتاحة الفرصة لكل منكما أن يفصح عن وجهة نظره دون أن يفقده الغضب جادة الصواب أو يخرج به عن حلم المؤمنين المتقين المخلصين لدينهم ..
يقول الإمام الشافعى أخى الكريم
" من استغضب فلم يغضب فهو حمار "
فأى عيب فى الغضب لله ورسوله ودينه وعلماء شريعته ؟!
تخيل معى
لو أن الإدارة تتخذ الحيادية المطلقة سياسة لها ,, هل يمكنها تحت زعم الحيادية أن تترك مثلا كاتبا يزعم أن اليهود هم أصحاب الحق فى الأقصي والمسلمون هم المعتدون ؟!
هل يمكن قبول الحيادية الهدوء والمطالبة بالحجة دون غضب أمام مثل هذا الكلام ؟!
كلا بالطبع ,,
هذا الموقف هو ما واجته منذ أسابيع فى إحدى المنتديات تركت كاتبا يكتبه تحت زعم الحيادية واستنكرت هذا الموقف طبعا ـ وحتى لا نترك لهم عذرا ـ قمت بالرد التفصيلي على تلك الإفتراءات مع فاصل مناسب من التوصيف الحقيقي لموقف هذا الكاتب وموقف تلك الإدارة ,,
وغادرت الموقع ثم اكتشفت أن أحد مسئوليه قد اعتذر لهذا الكاتب على ما لاقاه منى من اعتداء ؟!
ويمكنك مطالعة التفاصيل هنا
http://www.aklaam.net/forum/showthre...074#post158074

ولكن لأنى أثق فى كوادر أقلام ,,
لا أشك أنك لا تتفق مع هذا اللون من الحيادية التى تحيد عن الحق
فكيف يمكن أخى الفاضل ونحن فى زمن رفع العلم بموت العلماء وأشد ما نكون حاجة للذين ردوا على الشبهات لنحافظ على تراثهم فنحافظ على ما بقي لنا من إيمان خالص من الشكوك
كيف يمكن أن نقبل ما يكفر ويفسق ويزدرى أجل العلماء بكلام ليس من المنطق مقدار حبة خردل ؟!

لو أن هذا الموقف حدث فى إسرائيل نفسها ووقف أحد مواطنيها يلعن مؤسسي اسرائيل ويتهمهم بالعنصرية لضربوه فى ميدان عام ؟!

وأخيرا أخى الكريم
اقتباس:
حلم المؤمنين المتقين المخلصين لدينهم ..
الحلم له وقته ومكانه ,, كما للغضب وقته وضرورته
والغضب إن كان منهيا عنه كقاعدة فكل قاعدة لها استثناء ,,
ولنا فى رسول الله عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة
عندما غضب ـ وهو أحلم الناس ـ يوم أن قال له رجل سفيه " اعدل يا محمد "
وغضب يوم جاءه أسامة بن زيد يشفع فى إمرأة بنى مخزوم
وغضب يوم حنين , وغضب يوم جاءه أحد الصحابة بصحيفة من التوراة يحاول تأولها
فهل غضبه هنا يا ترى كان خارجا عن الحلم والقواعد ؟!
كما فعلها أبو بكر وهب ثائرا آخذات بلحية عمر بن الخطاب رضي الله عنهم
وقال له قولا غليظا يوم حاول عمر أن يثنيه عن قتال الردة فى مراحلها الأولى التى بدأت بمنع الزكاة فقال له
" أجبارا فى الجاهلية خوارا فى الإسلام يا عمر ؟! "
والقول اعتداء انفعالى واضح كما ترى ,,
فهل تجاوز أبو بكر برأيك ساعتها حدود الأدب .. بهذا الغضب ؟!

ولو أن أحدا نشر موضوعا هنا يتناولك فيه أخى نايف بما لا يليق من الإفتراءات
فقمنا بالرد عليه تحت تأثير الإنفعال ؟!
هل ستعيبنا ن غضبنا لافتراء واضح وضوح الشمس بحقك ؟!
هل ستمنعنا من وصف قائله بالجهل طالما أنه أتى بجهالة فعلا ؟!

فأى إعتداء أكبر من اتهام التكفير بأبشع قول ؟!
وأى جهل أكبر من تعسيف الكلمات ولى عنق المعانى ليا لتنفيذ أغراض هى من قبيل الهوس ؟!
وكيف يمكن فى موقف غضب .. يعتبر الهدوء فيه نقيصة أن نتذرع بأدب الحوار والهدوء
لو أن هذا واقعا لفتحنا الباب لأن نسمع الكفر البواح ودعاة التطبيع وكل أصحاب الأهواء يلقون بأهوائهم فى وجوهنا ..
ونكتفي نحن بابتسامة مشجعة ,, حتى لا يتهمنا أحد بالخروج عن آداب الحوار !!
وكيف ننادى بالهدوء
وكما ترى ـ أزمة أمتنا كلها فى عصرنا الحالى أنها لا تغضب ؟!!

اعذرنى شقيقنا الفاضل ,,
فتقديري للإدارة لا يمنعنى مناقشتها طالما لدى دليل ووجهة نظر
والأمر بالغ البساطة لو رأيت بحديثي هذا مشكلة أو مخالفة ,,
احذفه أو انقله كما يتراءى لكم لأنه حق أصيل للإدارة ..
وبالمقابل ,, حق الإعتراض مكفول لى بترك المكان .. وليس فى ذلك ما يضر أو يخل بعلاقات الأخوة

الأخ الشقيق أستاذ جمال الشرباتى

اقتباس:
أخي الفاضل محمد جاد الزغبي--

أشكر لك دفاعك عن إمامنا الشّعراوي --وأحب أن أسألك سؤالا علميا--

هل يمكنك شرح الفرق بين كونه عزّ وجل واحدا وبين كونه أحدا--؟؟

ما الفرق بين قولنا هو واحد ؟؟

وبين قولنا "هو الله أحد " ؟؟

بالانتظار
بارك الله فيك
الفارق بسيط أخى الحبيب
فقولنا " واحد " معناه أن هناك ثان وثالث ورابع و .....
أما قولنا " أحد " فمعناه الواحد المنفرد لا سبيل ولا إمكانية لتصور وجود مثيل أو شبيه
وأرجو التركيز على كلمة مثيل أو شبيه
لأنهما مدلولان مختلفان يوضحان الفارق بين كفر الملحدين وكفر المشركين
فالله عز وجل قال عن نفسه فى كتابه
" ليس كمثله شيئ "
ولم يقل " ليس مثله شيئ "
فهذا معناه أن حتى المثيل منعدم الوجود مع الله
فالمطلوب فى الإيمان أن تؤمن يقينا أنه عز وجل منفرد بذاته لا يعاونه أحد ولا يطلب عونا من أحد

الملحدون
أنكروا وجود الخالق أصلا وقالوا أن الكون مخلوق بذاته أى أنهم أنكروا التوحيد بنوعيه توحيد الإنفراد وتوحيد الذات عن معاونين أو شركاء
أما المشركون
فقد جعلوا لله معاونون أربابا أقل لامن الله فى درجة السيطرة ـ والعياذ بالله ـ
أى أنهم جعلوا له الإنفراد بالوحدانية كإله ليس له نظير على مستواه
لكنهم أنكروا أن يكون وحده المتصرف فقالوا أن هناك أربابا معه تتولى التصريف عنه ويتبقي له هو العلو بذاته فقط
فالمشركون أنكروا توحيد الربوبية لكنهم آمنوا بتوحيد الألوهية ,,

وتفرقت شُعب المشركين
فمنهم من قال أن ولد ومن من قال أن له صاحبة ومنهم من قال أن هناك أربابا وأصناما معه
فهؤلاء جميعا لو سألتهم هل الله موجود وخالق ورازق ؟
سيقولون نعم
أما لو سألتهم هل الله هو المنفرد بهذا الكون منزه عن معاون أو شبيه أو نظير ؟
سيقولون لا
له معانون أقل منه
وهذا هو الشرك والعياذ بالله
ولهذا شرح الشعراوى وعلماء الأمة جميعا من قبله أن النصاري واليهود مؤمنون بوجود الله الواحد دون شك .
لكن مشكلة كفرهم أنهم أشركوا به آخرين فقالوا بأن الله واحد لكنه ليس أحدا حيث يأتى بعده فى المرتبة المسيح والروح القدس فى المسيحية وعزير فى اليهودية ,, والأصنام عند كفار قريش

هذا هو ما حاول استغلاله الأخ ناقد الشيخ وكأنه أتى بما لم يأت به الأولون !!!

ويمكنك الرجوع إلى كتاب ممتع للإمام بن عبد الوهاب رحمه الله إسمه " التوحيد "
وهو كتاب صغير الحجم عظيم الفائدة ,, كما شرحه تفصيلا عدد من الأئمة مثل بن عثيمين فى كتابه الجميل " القول المفيد على كتاب التوحيد "
كمات يمكنك الرجوع لأصل هذا فى الإعتقاد بقراءة المرجع الذاخر " العقيدة الطحاوية " للإمام الطحاوى ,, وأيضا الفتاوى الكبري لبن تيمية ,,


جزيتم خيرا






التوقيع

الإيميل الجديد
 
رد مع اقتباس
قديم 26-07-2008, 03:03 AM   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
جمال الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية جمال الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







جمال الشرباتي غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى جمال الشرباتي إرسال رسالة عبر Yahoo إلى جمال الشرباتي

افتراضي مشاركة: يوميات فى ضيافة الإمام الشعراوى

أخي الفاضل محمد جاد الزغبي--

هل يمكنك شرح الأحدية بالمفهوم الذي قاله الشعراوي مستشهدا بكلامه --لا بتصوراتك أنت عن المفهوم ؟؟







 
رد مع اقتباس
قديم 26-07-2008, 03:34 AM   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
محمد جاد الزغبي
أقلامي
 
الصورة الرمزية محمد جاد الزغبي
 

 

 
إحصائية العضو






محمد جاد الزغبي غير متصل


افتراضي مشاركة: يوميات فى ضيافة الإمام الشعراوى

اقتباس:
هل يمكنك شرح الأحدية بالمفهوم الذي قاله الشعراوي مستشهدا بكلامه --لا بتصوراتك أنت عن المفهوم ؟؟
ولماذا لا تستمع اليها مباشرة من الشيخ يا أستاذ جمال
الروابط موجودة بالموضوع
فضلا على أن المفهوم الذى شرحت به
هو نفس المفهوم الذى تعلمناه من الشيخ وسابق العلماء






التوقيع

الإيميل الجديد
 
رد مع اقتباس
قديم 26-07-2008, 08:14 AM   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
جمال الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية جمال الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







جمال الشرباتي غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى جمال الشرباتي إرسال رسالة عبر Yahoo إلى جمال الشرباتي

افتراضي مشاركة: يوميات فى ضيافة الإمام الشعراوى

طيّب--

تابع أخي موضوعك --

وسوف أشرح كلام الشعراوي رحمه الله في موضوع خاص







 
رد مع اقتباس
قديم 26-07-2008, 08:32 AM   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
عطية زاهدة
أقلامي
 
إحصائية العضو






عطية زاهدة غير متصل


افتراضي مشاركة: يوميات فى ضيافة الإمام الشعراوى

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نايف ذوابه مشاهدة المشاركة
نرجو أن يتحلى المتحاورون بروح الأخوة وتجنب السباب والمهاترات ..

ليس هناك عداء شخصي بيننا وإنما هي الأفكار تقف في مواجهة الأفكار ونبقى إخوة وإن اختلفنا...

الأخ العزيز نايف ذوابة المحترم،
بارك الله فيك.
لقد قام هذا الشخص 0000ff بالاعتداء عليَّ مبادئاً وقد كرر ذلك مراتٍ، والغريب في الأمرِ أنك قمت بحذف ردٍّ لي عليه، وأبقيتَ على تهجماته و... وكل ما فاض به ....

اقتباس:
قمت بالتعديل (نايف ذوابه) تجنبا للحذف...






 
رد مع اقتباس
قديم 26-07-2008, 10:43 AM   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
نايف ذوابه
أقلامي
 
إحصائية العضو







نايف ذوابه غير متصل


إرسال رسالة عبر MSN إلى نايف ذوابه

افتراضي مشاركة: يوميات فى ضيافة الإمام الشعراوى

أرجو منكما أيها الأخوان الكريمان ألا تفقداني صوابي وحلمي ..

لا أدري لما لا يحتسب كل منكما عند الله فيما يقدمه وفيما يصيبه ...

كلامك يا شيخ عطية أشد قسوة فظاظة... وحجارتك تدق في رأسي ... ,, حسبي الله ونعم الوكيل

قمت بتعديل مشاركة الشيخ عطية تجنبا للحذف وتجنبا لمزيد من القصف والقصف المضاد غير المسؤول ..







التوقيع

اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين
وأصلح لي شأني كله
لا إله إلا أنت
 
رد مع اقتباس
قديم 04-01-2009, 08:55 AM   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
محمد جاد الزغبي
أقلامي
 
الصورة الرمزية محمد جاد الزغبي
 

 

 
إحصائية العضو






محمد جاد الزغبي غير متصل


افتراضي مشاركة: يوميات فى ضيافة الإمام الشعراوى


اليومية الرابعة ..
لا يأمر الله بغير الخير

يحلو للكثيرين تحت تأثير الزحم والمعارك التى تنتشر فى شتى ربوع الأرض ضد الإسلام أن يقولوا باليأس والإنهيار وهو فهم خاطئ وهمة ساقطة ..
وهم يظنون أن كتابات المفكرين والأئمة حول الانهيار الذى أصبح والمجد الذى كان أمرا يزيد المرء يأسا بينما القصد الرئيسي من تلك الكاتبات هو تحفيز الهمم لا تثبيطها ..
فالأمة الإسلامية أمة لا تموت بفضل الحق الذى جبلت عليه من خالق السموات والأرض
واليأس الذى يدفع بالمسلم لترك أدواته والانخراط فى التحسر دون إيجابية .. مسلم لم يفقه شيئا من دروس التاريخ وعبره
فلا زال فى الأمة رجال وسيظلون كما أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام فى الحديث الصحيح " لا تزال طائفة من أمتى ظاهرة على الحق لا يضرهم من خذلهم ".
وإن كنا نحن الآن نتحسر على كبار رجالنا من الأئمة المتقدمين ومن الأئمة المتأخرين الذين توفاهم الله فى القرن الماضي فليس معنى هذا أن الأماكن ظلت خاوية على عروشها بل ما زالت فى شتى أقطار الأرض أئمة لا يقلون أثرا عن السابقين وما غيبهم عنا إلا ظهور الجيل السابق لهم ظهورا كبيرا طغى عليهم
ففي مصر مثلا
التى فقدت الشعراوى والغزالى وعبد الحليم محمود والذهبي ومحمود شلتوت وأحمد شاكر ومحمد عمرو عبد اللطيف .. لا زال فيها كبار علماء الأزهر تلك الجامعة التى لا تخبو جذوتها قط إلا لفترة مؤقتة عند فساد قيادتها ولكن تعود بأكثر مما كانت عليه من التألق بعد ذلك وتاريخ الأزهر موجود وشاهد على هذا
فعندما خبت جذوة الأزهر فى عهد الملك فؤاد بسبب تواطؤ شيخه مع السلطة تمكن المراغي رحمه الله من إعادة الأمور إلى نصابها .. وكذلك عندما تولى الشيخ عبد الرحمن تاج الأزهر فى عهد الثورة خبت الجذوة أيضا حتى أعادها الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود بمواقفه التى كانت تهز العالم الإسلامى هزا لا سيما فى فضح الأسلوب الكنسي فى التنصير بمصر
وفى العصر الحالى
وبالرغم من سيطرة الدولة بعد وفاة شيخ الأزهر السابق الإمام جاد الحق على جاد الحق على مقدرات الجامعة ووجود شيخ الجامع الأزهر الحالى فى موقعه بغير استحقاق من وجهة نظر غالبية علماء الأزهر ..
إلا أن هذا لم يعنى خبو الجذوة .. فجبهة علماء الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية لا زالوا قائمين على أمور التوجيه والتوعية وبياناتهم المناوئة للمواقف السلبية فى الدولة لا تتوقف قط حتى مع الضغط الإعلامى لتغييبها ولم تستطع الدولة أن تفعل فعل الأنظمة السابقة فى التكتم الإعلامى نظرا لوجود السموات المفتوحة التى أخرجت بيانات العلماء واعتراضاتهم والأمور على شفا الإنقلاب بعد أن كسبت جبهة علماء الأزهر أسماع الناس بالإضافة لكوادر الشباب من تلاميذ عمالقة الأزهر والذين يمثلون بحق ذخيرة إستراتيجية تنبئ بأن دور الأزهر يزيد ولا يخبو
فلا زال هناك الدكتور محمد المسير والدكتور محمد عبد المقصود والشيخ محمود عاشور والدكتور عبد الله سمك والدكتور عمر عبد العزيز والدكتور عبد المهدى عبد القادر والدكتور صبري عبد الرءوف والدكتور محمد عمارة
بالإضافة لصف طويل من كبار العلماء والدعاة من خارج الأزهر
منهم الإمام أبو إسحق الحوينى محدث العصر والدكتور محمد سعيد عبد العظيم والدكتور المراكبي والدكتور وجدى غنيم والشيخ محمد حسان والشيخ محمد عبد الملك الزغبي والشيخ الشاب صاحب الحضور الطاغى والثقافة اللامعة أحمد النقيب
وكل واحد من هؤلاء له شعبيته وحضوره وتأثيره الذى يمتد للملايين ولا يقف واحد منهم ساكنا أبدا تجاه أى قضية تستلزم حضوره ويحفرون فى الإعلام أبوابا بعيدة عن سيطرة أنظمة الحكم فيدكون الشبهات دكا
وبالطبع هؤلاء أمثلة لعلماء لا يمكن حصر عددهم ولهم طلبتهم ومستمعيهم على نحو يجعل الصورة على غير ما هى واضحة تماما نظرا لأن إعلام الدولة أو الإعلام المأجور فضائيا لا يؤثر بذات القدر الذى تؤثر به كلمات هؤلاء الأعلام
والناظر لتاريخ الإسلامية يتوصل إلى حقيقة غائبة لابد أن تعود
وهى أن عصرنا الحالى بكل كبواته لا يعد العصر الأكثر صعوبة على الإسلام والمسلمين فكم من حادثات الدهر مرت بتلك الأمة وقامت بعد طول الزمن .. وحسبنا كارثة التتار الذين أسقطوا الخلافة وأسقطوا سائر أقطار العرب حتى وصلوا إلى مصر فردتهم وشاء الله أن يبعث الحضارة من جديد ..
وكذلك عندما استمرت الحروب الصليبية ستة قرون .. وانتهت على يد المسلمين بعد كل هذه المدة العميقة
والذى يراجع تاريخ الكبوة الإسلامية الحالية لن يجدها اضمحلت وزادت إلا فى النصف الثانى من القرن العشرين وهذا لا يعنى أنها طرقت زمنا طويلا فى عمر الحضارات لا سيما إن وضعنا بأذهاننا الصحوة الغير تقليدية التى بدأت مع بدايات القرن الحادى والعشرين
كل ما يجب علينا الإنتباه له هو أن طريقنا الفاصل نحو النهوض لا يكون إلا بالعلم ورعاية العلماء وطلبة العلم وتحفيزهم كما ينادى المفكرون الآن لأن العلماء وأهل العلم هم على حد قول الإمام الحوينى كحرس الحدود والمرابطين على ثغور الإسلام يجب أن يكفل المجتمع تفرغهم لدورهم خاصة فى ظل الحرب المستعرة تجاه الوعى ورسالة التوعية
وهذا ما يشدد عليه الفقهاء والعلماء والمفكرون الربانيون لأنهم أدركوا تماما مدى التغييب الذى عانت منه الجماهير والشباب بصفة خاصة فدفعتهم لمهاوى التردى المتعددة خلف مختلف الطوائف والاتجاهات من الشيعية إلى العلمانية
ولأن العلم تراكمى ويلزم له الإدراك المسبق لعظمة التاريخ فى حياة الأمة الإسلامية ويلزم له أيضا التبصر بعظمة اللغة العربية ومدى ما أفرزته من معجزات تركها لنا أباطرتها القدامى .. لذا فقد أصبح لازما أن نعرف شيئا عن علم وتاريخ السابقين كيف اكتسبوه وكيف أتاحوه للأجيال التالية
فالناظر إلى أسلوب التعليم الأزهرى القديم الذى أخرج النوابغ يجد عجبا من القدرات التى تميز بها طلبته ويجد إجابة منطقية لهذا النبوغ الذى تميز به خريجوه حتى أن جيلا واحدا من الأزهر ضم الشعراوى ومحمود شلتوت والباقورى وغيرهم
فقد كان الأزهر قبل اعتماده جامعة على النظم الحديثة فى الستينيات يعتمد على أن الطالب يأتى للأزهر بعد إتمامه لحفظ القرآن الكريم فليلتحق حرا بشتى حلقات الدروس التى تدرس الفقه بمختلف مذاهبه مع الحديث بمختلف علومه وكانت المدة المتاحة لأنبغ الطلاب كى يحصل على شهادة العالمية هى عشرين عاما قابلة للزيادة ومنهم من ظل يدرس ولا يشبع من الدراسة أربعين عاما كاملة
وهذا يفسر لنا بالطبع ما نراه من علماء الأزهر من حافظة حاضرة ودراية واسعة بمختلف علوم الشريعة لا يتلعثم منهم واحد فى إجابة أو شرح أو تخفي عنه مقولة لإمام سابق أو متقدم بعد أن أصبحت المراجع الكبري فى الفقه ذات اللغة بالغة الصعوبة أشبه بالجريدة العادية بالنسبة له
وكان نبوغهم فى العربية أمر لا مجال للتجاوز عنه .. والنبوغ المطلق فى مجال اللغة والذى قد يقضي المرء عمره دون أن يبلغه كان فى الأزهر ـ ولا زال ـ أحد الشروط الرئيسية ليكتسب العالم الأزهرى صفته واعتباره
ورحم الله الإمام السيوطى حيث كان يتتلمذ على يد شيخه الكافياجى فى اللغة فجاءه ذات مرة فإذا بشيخه يسأله عن إعراب جملة بسيطة وهى " زيدٌ قائم "
فقال السيوطى وقد أخذته عزته كعالم له وزنه " يا شيخنا هذا أمر تركناه لصغار طلبة اعلم "
فقال شيخه مبتسما " فى زيد قائم مائة وعشرة وجه للإعراب "
فتزلزل كيان الإمام السيوطى الذى كان قد بلغ قدره فى ذلك الوقت كعالم ذو شأن ومع ذلك فهو يجهل هذه الوجوه الإعرابية التى يتحدث عنها شيخه بشأن جملة من كلمتين لا تحتوى إلا على مبتدأ وخبر فلم يترك شيخه حتى أملاها عليه جميعا
واستمر علماء الأزهر على هذا التبحر فى العلوم بالذات علوم اللغة وكان لهذا أبلغ الأثر فيما بعد عندما تعرضت البلاد للإحتلال الفرنسي ثم البريطانى
فقد جعل الأزهر همه الرئيسي الاستمرار فى تغذية طلبته لأسرار علوم الفقه واللغة ضاربين عرض الحائط بالنداءات التى ظهرت تنتقد هذا الإتجاه من علماء الأزهر وتدعوهم للتركيز على المقاومة المسلحة فحسب ودعوة الشباب لذلك
وأثبتت الأحداث أن علماء الأزهر على حق عندما استمروا فى رسالتهم التنويرية فلم يتغير اللسان المصري مقدار خردلة للفرنسية أو الإنجليزية فى تلك العصور بالرغم من أن سائر البلاد التى وقعت تحت الإحتلال الأوربي تمرست فيها اللغات الأوربية حتى خرجت بعض أجيالهم تنطق الفرنسية والإنجليزية كأنها لغتها الأم ونسيت العربية تماما

وهذا الأمر هو الذى تحدث عنه إمام العصر الإمام محمد متولى الشعراوى رحمه الله عندما شرح دور الأزهر فى تعميق العلم والحضارة فى عهود الإحتلال وما بعدها
وهذا يؤكد على المعنى الذى تحدثنا عنه سابقا من أن بداية الحرية والإصلاح تكون بالعلم والتبصير لا بالسلاح

لا يأمر الله إلا بالخير

وعودة إلى الإمام الشعراوى مع تفسير جديد بديع لإحدى كلمات القرآن الكريم تمر عليها العيون مستخرجة فهما خاطئ الدلالة لمراد الآية فى قوله تعالى
[وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا] {الإسراء:16}
حيث درج القراء على أن مدلول أمرنا مترفيها يحمل أمرا من الله تعالى لمترفي القرى الظالمة بالفساد فى الأرض وهو تفسير بينه الشعراوى على أنه تفسير متجنى قاصر عن إدراك المعنى الأصلي
فالله عز وجل لو أنه بالفعل أمر المترفين بالفساد والإفساد فعلام يكون العقاب ؟!
هذا بالإضافة إلى أن الله تعالى لا يأمر إلا بخير فكيف يتصور معه أن يأمر بأشر الشر
وبين الشيخ رحمه الله أن هناك فصلا واجبا بين كلمة أمرنا وبين الفسق ..
فالله عز وجل أمر مترفي القرية بالتقوى وهذا هو معنى الآية فخالفوا أمر الله تعالى ففسقوا فحق عليهم العذاب .. ولذلك أتت الآية بالنص البديع أمرنا مترفيها ثم تلتها بتعبير ففسقوا .. ولو كان الأمر أمرا من الله تعالى بالفسق لما جاء التعبير بقوله ففسقوا لأن السياق يقتضي أن يبين الأمر عندئذ فتجئ الآية أمرنا مترفيها بالفسق ففسقوا ..
وهو ما لم يحدث دلالة على أن أمر الله عز وجل جاء للمترفين على شاكلة أوامر الله تعالى فى القرآن الكريم دائما بالخير وكانت النتيجة هى مخالفة الأمر فجاء العقاب باستحقاق العذاب
فرحم الله شيخنا الجليل وجزاه عنا خيرا






التوقيع

الإيميل الجديد
 
رد مع اقتباس
قديم 04-01-2009, 09:00 AM   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
محمد جاد الزغبي
أقلامي
 
الصورة الرمزية محمد جاد الزغبي
 

 

 
إحصائية العضو






محمد جاد الزغبي غير متصل


افتراضي مشاركة: يوميات فى ضيافة الإمام الشعراوى


اليومية الخامسة
ضربة البداية مع شبهات المستشرقين


من الصعوبة بمكان أن يقتنع عامة الناس بحقيقة دور ومكانة الكتب عند العلماء والمفكرين ..
لأن الثقافة الساحقة المنتشرة عن مكانتها تقول بأن الكتب هى الأساس فى العلم والفكر والثقافة بينما موقعها الحقيقي أنها عامل مساعد فقط أى أنها لم تبلغ حتى درجة العامل الرئيسي !
وليس معنى أنها عامل مساعد أنها غير لازمة وغير ضرورية ..
بل هى كذلك ولكن عند مقارنتها بالأكثر لزوما تنسحب إلى المرتبة الثالثة أو الرابعة من مستوى الأهمية ..
ومناط أهمية الكتب والقراءة تتلخص فى كونها أداة الحفظ للعلم والفكر لكنها لا تمثل قيمة العلم والفكر التى تتركز بحذافيرها فى عقول وقلوب العلماء .. ومن هنا جاءت المكانة الحقيقية للعلماء تلك المكانة التى رفعتهم إلى ما قبل درجة الأنبياء عند الله عز وجل

ومن أطرف ما صادفنى مقولة أن الثقافة والعلم فى الكتب وأن العلم والفكر لا يقف عند أحد !

وبالرغم من إيمانى التام بأن العلم مجال مفتوح لا يقف بموت عالم أو نكوصه إلا أن هذا ليس معناه أن العلم لا يتعثر عند أحد بل يتعثر وأحيانا يقف أيضا ولأجل عالم واحد مات أو حُجب علمه أو ابتعد حفاظا على نفسه
وإلا ما سمعنا السلف الصالح يقول ما مات عالم إلا وضاع نصف علمه ولو حرص الناس ..
فلو أن العلم لا يضيع بضياع العلماء لما كان لفقدانهم معنى أو إخلال
والغريب أن القائلون بمثل هذا القول يغيب عن عقولهم عدة حقائق كالشمس وضوحا وبيانا
أولها ..
أن رسالة الإسلام بكل ما فيها قيض الله لها رجالا ذوى أعراق ولم يقيض لها الأوراق
بل نشأت الرسالة وتأسس العلم كله وانتشر الإسلام عقيدة وفكرا ودولة قبل أن يظهر التدوين أصلا .. فقد ظهر فى القرن الثالث وقبله كان العلم رهنا بالرجال
وثانيها ..
أن عصور الإسلام الأولى وحضارته حتى إنهيار الخلافة العباسية على يد المغول تمت بناءً واكتملت بالعلماء والفقهاء والمفكرين ولم تتم بالتدوين والكتب التى ظلت عاملا مساعدا وحسب
ولو أن الأمر بالكتب لكان موعدنا اليوم كأمة إسلامية مع أعظم حضارة عرفها الإسلام فى تاريخه .. وكيف لا والطباعة وأدوات الكتابة والمراجع تملأ الآفاق شرقا وغربا .. فهل حالنا اليوم يمت للحضارة بصلة ؟!
وثالثها ..
إذا تأملنا دور الكتب والعلم المدون فى مكانة العلماء ودورهم سنكتشف ببساط أن مناط التفوق ونعمة الله عز وجل كان للعقول الجبارة التى غزلت العلم فكرا وأضافت إليه جسرا ..
ولو أن الأمر مرهون بالكتب وحدها لجاز لنا أن نسأل من أى كتاب قد استقي الشعراوى تفاسيره التى لم يقل بها عالم قبله ومن أين أتى الكبيسي باستنباطات القصص والمعانى القرآنية ومن أين استقي السامرائي بديع تفسيره للغويات القرآن ؟!
ومن أين أتى المفكرون بالردود على الشبهات الجديدة التى تظهر بكل عصر وتضرب حيث لم يعالج السابقون ؟!
وكيف استنبط فقهاء كل عصر أحكام عصرهم التى لم تظهر بسابق الزمن فلجئوا للقياس ومختلف أدوات الإستنباط وأتوا بأحكام جديدة مبنية على أصول الفقه فأين كانت تلك الأحكام وفى أى كتاب ؟!
رابعها
غفلة القائلين بهذا عن أمر نعجب لعدم انتباههم له وهم يدعون أنهم من أهله فقد بلغت دقة تحريهم للسنة حد عدم ترك الهنات البسيطة فهل تاهوا عن باب كامل فى الصحيحين حمل اسم كتاب الفتن وأشراط الساعة .. كيف غاب عنهم أن الله لا يقبض العلم انتزاعا من الناس بل يقبضه بقبض العلماء
فلماذا لم يشر الحديث إلى قبض العلم بقبض الكتب يا ترى ؟!
وكيف غاب عنهم حديث الشح المطاع والهوى المتبع ..
هذا الهوى الذى يدفع لمثل تلك المقولات التى لا يراد بها إلا التهوين من شأن كل عالم لمجرد الإختلاف معه والنزول بكل مفكر لمجرد الغرض الشخصي وهو الأمر الذى أصبح مذهبا عانى منه كبار العلماء منذ أكثر من قرن كامل ولا زال مستمرا
وفى نفس الحديث الذى أباح للعالم المهون من رأيه وشأنه أن يعتزل أمر العوام غفل القائلون بهذا عن أنه حديث يبسط بمنتهى الوضوح حالهم اليوم .. فتضج الفضائيات ببرامج تتناول سير العلماء بالتهوين والتلوين وتمتلئ المجالس باتهامات الغرور وآفات تزكية النفس بغير حق ينسبونها لمن هم أولى الناس بمحاربتها
وغاب عنهم ـ وهم المدافعون عن الكتب ـ عشرات الآثار التى بينت الفارق الضخم بين الغرور والإعتزاز الواجب فرضا على كل عالم أن يلتمسه لمكانة علمه .. وبين تزكية النفس وبين رفض الإنكار والتجنى
فالشيخ الألبانى رحمه الله كان وقته ثمينا لدرجة غير عادية على نحو دفعه لرفض تبنى تعليم أحد طلبته وضن عليه بخمس دقائق يأخذها من وقته فلم يقبل .. وبالرغم من ذلك لم يتهم الطالب أستاذه بالغرور ولم يسبه قائلا له أن العلم فى الكتب وأنك بلا قيمة بل تحمل وكرر طلبه عشرات المرات حتى رق قلب أستاذه له فقبل
فنعم الأستاذ المعلم الإمام الألبانى ونعم الطالب المدرك أبو اسحق الحوينى
والأعمش رحمه الله كان يضج بإلحاح تلاميذه وتذللهم له حتى سلط عليهم كلبا يطردهم عنه ليتفرغ لعلمه قليلا ومع ذلك ما تركه تلميذ واحد
وأحد التلامذة العلماء كان يحرص أشد الحرص على كتابة كل ما يقوله شيخه وكان شيخه يضيق بملاصقة طالبه النابغ فقال له على مسمع من الجلوس حوله { تنح عنى يا لكع } ففوجئ الحضور بالطالب النابغ يكتبها فى أوراقه فسألوه ماذا تفعل يا مجنون فقال أكتب كل ما يرد على لسان شيخى ففيه حتما من العلم سهما
لأن المتعلم العارف لفضل العلم هو الذى يقول كما قال الشاعر
ومن لم يذق ذل التعليم ساعة ×× تذوق ذل الجهل طول حياته
وكان العقاد هذا المفكر الأسطورة الذى بلغ المدى فى التعلم والتفكر دائما ما يقول
{ إنى لا أزعم أنى مفرط التواضع لكنى أجزم أننى لم أعامل إنسانا بدونية إلا عقابا له على سوء أدب }
والمعنى واضح بالطبع أن إظهار العزة يعد فضيلة إذا جاء فى مواجهة صاحب رذيلة
ورفض الإمام مالك رحمه الله أن يأتى بغداد لتعليم أولاد الرشيد وطلب منه أن يأتى بهم إليه فى مكانه فلم ينكرها عليه الرشيد وهو الخليفة صاحب الولاية بل استجاب واعتذر لأن العلم عزيز ويزار ولا يزور
والإمام الشافعى رحمه الله مؤسس أصول الفقه وناصر السنة صاحب المذهب المعروف والذى قال عنه العلماء أنه صاحب منة على سائر من أتى بعده من العلماء فكيف بالعامة إذا ؟!
وبالرغم من هذا الفضل فقد قال العلماء عنه وعن تلميذه البيهقي { ما من شافعى إلا وللشافعى عليه فضل إلا البيهقي فله على الشافعى منة وفضل }
وذلك لأن البيهقي هو من حفظ مذهب الشافعى وأفرد فيه المصنفات وجعل له الأبواب وأضاف إليه الأفكار فلم يتفوق البيهقي على فضل الشافعى إلا بمثل فضله من العلم وحده بالرغم من أن البيهقي لم يأت بجديد يماثل جديد الشافعى بل تكفل بإظهاره فى الغالبية العظمى وهو عمل لا يقل فضلا عن العلم الأصلي بالرغم من كونه إعتمادا على النقل
والإمام الشعراوى كما رأينا فى قصته أتيحت له الفرصة من والده أن يقرأ ويطالع أمهات الكتب مما يصعب إدراك فحواها على بعض شيوخه من الأزهر ومع ذلك صابر وثابر عليها ثم أطلق لفكره العنان لتطبيق علومها واستنباط لجديد على نفس نهجها فظهر نبوغه مبكرا جدا وهو لم يتعد بعد ربع قرن من الزمان عمرا
ورغم صغر سنه أفسح له أستاذه المراغي المكان أمام زملائه ليفيض عليهم بما توصل إليه فى شأن جنة آدم عليه السلام وهل هى الجنة المقصودة بالحياة الآخرة أم لا .. فقال الشعراوى التلميذ وسمع الأستاذ الواعى المدرك وسيـّـده على زملائهوعندما كان الشعراوى يعود لقريته وهى يومئذ مليئة بالشيوخ الدارسين العارفين كان مجلسه دوما معهم وليس مع أقرانه وكان يجلس فيهم للدرس بالرغم من أن بعضهم كان يفوقه عمره بثلاثة أمثاله ويسبقه فى العلم بضعف عمره
ولم ير أحدهم أن هذا الشاب الصغير لا يليق به أن يعتز بما عنده أو لا يجوز له مجالسة الكبار فضلا على الحديث وهم صامتون ولا نهره أحدهم أو انتقصه زاعما أن العلم فى الكتب كما يقال اليوم
غاية القول أن العلماء والمفكرين والسائرين على دربهم شرفهم الله تعالى بأنهم أحق الناس بخشيتة وأفرد لهم مكانة لم يفردها لسواهم ..
فياللعجب ممن ينكرها وباسم الأخلاق أو محاربة الغرور والنداء بالمساواة
وكيف يساوى البشر بين من يعلم ومن لا يعلم وقد فرق الله بينهم وقال بأنهم ليسوا سواء .. وهل يعرفون عن العدل أكثر مما قرره العدل الحكم ؟!
وكيف يزعمون أنهم يعطون الناس أكثر من حقها بالرغم من أن حقها مبعثه ما لهم من فضل الإفادة
وهو الفضل الذى لا يرده إستثناء أو تكريم ولا تكفيه شهادة أو تعظيم لأن المكرم لهم هو خالق السموات والأرض فكل تكريم بعد تكريمه قاصر
وقد هوجم الشعراوى من الفئات المعروفة بعدائها له ووصل بهم الأمر للسب والتجريح الشخصي فسكت عنهم لأنه لا يرد غثاء القول بل يرد الشبهات ولكن ما أن مسوا بأقوالهم فضل العلم والعلماء حتى خرج من عرينه أسدا هصورا وتحد بمكانته علانية دون حرج ولم يلتفت لأقوالهم من أن هذا القول مبعثه الغرور
وهذا أمر طبيعى فشبهة واحدة من تلك الشبهات التى لبست على المسلمين دينهم وقام الشيخ بردها إلى نحور قائليها تساوى فى فضلها رقاب منتقديه ولو كانوا بالآلاف المؤلفة ..
والعلم لا يقاس بمقدر الحفظ أو القدرة على النقل بل يقاس بالدور الذى يلعبه صاحب العلم فى مواجهة الفتن القوارع وما يأتى به فى مواجهتها ولو أن الأمر بالقياس الأول فلماذا تحفل الجامعات بعشرات الأساتذة حاملى أعلى الشهادات لم يتألق أحد منهم فى وجود الشعرواى

ضربة البداية


وعودة إلى حقبة الصراع التى شهدت بداية الشيخ وما تلاها من عصور المناجزة الفكرية بعد تلك الإطلالة السريعة ..
ففي تلك الفترة ظهرت الدعاوى المشككة فى العقيدة بتساؤلات تحمل معها ما تصوره المتسائلون تناقضا فى العقيدة ما بينها وبين المنطق أو بينها وبين العلم وغير ذلك من تساؤلات أعجزت من أمامها وكادت تؤدى إلى كارثة ..
مثال تلك الأسئلة .. هل الإنسان مخير أم مسير .. ؟!
ما دام الله يعلم السابق والآتى ويقدر كل شيئ بمشيئته .. فلم يعذب العصاة مع أن قدرهم طرق العصيان ؟
وصول الإنسان للقمر دليل على طرقه أبواب علم الله التى قال باختصاصها له وحده ؟
كما توجه المستشرقون إلى القرءان الكريم باحثين فيه عن ما يزعمون من أوجه التناقض .. فمثلا .
قول الله تعالى فى وصف شجرة الزقوم " طلعها كأنه رؤوس الشياطين "
هنا تناقض واضح لأن الله تعالى شبه غير معلوم بغير معلوم فشجرة الزقوم مجهولة وكذلك رؤوس الشياطين ؟
تلك الأسئلة المغالطة وضعت الأئمة والشباب الغيور على دينه فى موقف لا يحسدون عليه .. فهم مدركون بوجود التفسير لكنهم يعجزون عن إبدائه والتصدى لمثل تلك السفسطة ..
هنا .. كان الظهور الأول للإمام الشعراوى على المستوى العام .. حيث استطاع الاعلامى الفذ أحمد فراج استضافة الإمام الشعراوى فى حلقات متابعه ببرنامجه العملاق " نور على نور "

وفى قلب الحلقة الأولى ألقي أحمد فراج بتلك المغالطات ليستمع الشيخ إليها مبتسما ..
ثم تنفرج شفتاه إيذانا بقلب المائدة على رؤوس المستشرقين ومن والاهم طيلة أربعه عقود من الزمان خسروا فيها كل منطق أمام فتاوى الشعراوى حتى هتفوا من أعماقهم بصيحة مشهورة أتت دليلا لهزيمتهم " أسكتوا هذا الرجل "
خاصة بعد أن انفرد الشعراوى بحديث متسلسل يشرح به خواطره عن القرءان والتى امتدت حتى نهاية عمره رحمه الله ومات وقد أتمها لتصبح مرجعا عملاقا فى التفسير والتاريخ والعقيدة ..
فلم تكن تفسيرا قاصرا على أسباب النزول وأحكامها أو شرح للعقائد بل كانت فى شطرها الأهم مناجزة فكرية عملاقة لكل مهاجم للعقيدة
بدأ الشعراوى بحمد الله تعالى والثناء عليه وإنكار الطباع البشرية التى تتبغض إلى رب يتفضل بالنعم ورغم ذلك لا يمنعها طيب الرزق ولا يقف أمام توفيقها بعقاب
ثم تناول السؤال الأول هل الإنسان مسير أم مخير .. ؟!
وعلى منضدة المنطق قام بتشريح السؤال ليكشف أمام الجميع أن السؤال لا يحتاج إلى إجابة بل إلى تصحيح !!
فالإنسان فى جزء فيه مسير وهو جزء الجوارح التى لا تعمل بإرادته كالتنفس ونبض القلب وغيرها
ومخير فى جزء آخر فى الأفعال والطباع والعقل القادر على تفنيد الأمور واختيار طريقه .. وهو الجزء الذى منح الله فيه لعباده حرية التصرف والجزاء فيما بعد أمام حكم عدل ..
وفى مسألة أن الله قدر للعاصي عصيانه فعلام عقابه .. فمردود هذا أن الله ترك لكل إنسان حرية اختياره لكن تلك الإرادة لا تتأثر بعلم الله بما سيكون من أثر لها فيما بعد بعصيان أو طاعة
ودلل على ذلك بأن المدرس فى أى فصل يكون عالما بما أتاه الله من علم ومشاهدة أى تلاميذه سيتفوق وينجح وأيهم سيفشل .. فهل نزعم أن علم المدرس بهذا ينفي مرجعية فشل التلميذ إلى إهماله ؟!! كلا بالطبع
وفى شأن وصول الإنسان للقمر كدليل على بزوغ فجر سلطان العلم ..
ضحك الشيخ ساخرا وهو يقول
" إن القمر يا سادة يعد ضاحية من ضواحى الأرض .. فأين أنتم من تلك السماوات المتناهية العظمة وكل ما فى مجرتنا ومجموعتنا الشمسية لا يتجاوز فى رحاب الكون إلا عقال بعير "

وفى شأن آية شجرة الزقوم ..
فسر الشيخ فى بساطة سبب إرجاع غير معلوم إلى غير معلوم .. بعكس مألوف اللغة
فالحكمة الإلهية فى ذلك النص اقتضت أن تخوف الناس بسوء العاقبة المتمثلة فى شجرة الزقوم نعوذ بالله منها ومن منبتها وكيف أنها تنبت فى أصل الجحيم .. وليس هناك إعجاز فى التخويف قدر إعجاز التخويف بالمجهول .. فالناس أعداء ما يجهلون .. فعندما يقول الله تعالى طلعها كأنه رؤوس الشياطين سيطير خيال كل قارئ إلى الصورة البشعة التى يتخيلها للشيطان .. وتلك التصورات تختلف من عقل لآخر لأن كل عقل سيصور مشهدا مخيفا ومرعبا كما يتصور صاحبه .. وتلك مسألة نسبية بين البشر ومن ثم جاء الإسناد مجهولا
وتتابع أحاديث الشيخ الإمام على نحو يخرس الألسنة بعد أن عجزت أمام منطقه الحاسم وحجته التى لم تعتمد على دلائل العقيدة وهى تواجه غير المؤمنين بها بل اعتمدت أكثر على اللغة التى يفهمها هؤلاء وهى لغة المنطق والتفنيد وتلك هى حقيقة قدرة الإمام
ومما هو جدير بالذكر ..
أن الإمام لم يأت بالجديد فى مجمل ردوده السابقة .. فقد أتى بالجديد فى نقطة التشبيه بغير المعلوم وفى نقطة اعتبار الوصول للقمر إختراق للسموات بسلطان العلم ..
أما النقطة الأولى وهى مسألة الإنسان بين التخيير والجبر فتلك شبهة بالغة القدم أثيرت مع مطلع علم الكلام والجدل بعد القرن الثالث الهجرى وظهرت الفرق المسماه بالجبرية والقدرية ورد على شبهاتها أساطين العلماء مثل بن تيمية وبن القيم وبن حزم وبن قتيبة وامتلأت بها كتبهم
وبالرغم من أن الحائرين المعاصرين أمام تلك القضية حاروا بنفس الشبهة القديمة إلا أنهم لم يصلوا إلى حلها بالرغم من وجوده ساطعا فى عشرات الكتب ولم يستسغ فهمهم لها لولا أن جاء الشعراوى فأبرزها وأظهرها بلغة بسيطة وأضاف إليها ما تحتاجه من أمثلة معاصرة لتصل إلى عقول الناس وهو ما عجز عنه غيره ..
وما فعله الشعراوى مع أمثلة تلك الحلول القديمة للشبهات العتيقة هو أنه أخذ الماسات التى صنعها السابقون عليه فجمّلها ونفض عنها التراب وقدمها بأجمل صورة
وهذا يعطينا مثالا بسيطا على دور العالم الذى لا يمكن أن تقوم به الكتب .. ويعطينا أيضا مثالا على أن العلم ليس هو الإبتكار وحده بل هو الإبتكار فى أشياء و القياس والإظهار فى أشياء أخرى خفيت عن الناس من كنوز العلوم المحفوظة فى أوراق المؤلفات وشرحها والإضافة إليها ما يبرزها
رحم الله الإمام وجزاه عنا خيرا






التوقيع

الإيميل الجديد
 
رد مع اقتباس
قديم 04-01-2009, 09:03 AM   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
محمد جاد الزغبي
أقلامي
 
الصورة الرمزية محمد جاد الزغبي
 

 

 
إحصائية العضو






محمد جاد الزغبي غير متصل


افتراضي مشاركة: يوميات فى ضيافة الإمام الشعراوى


اليومية السادسة
ثعبان خلف كل قلب


لو أننا بكل مسلم وعرضناه لعملية جراحية على سبيل المثال تكون قادرة على فصل الفهم عن قلبه والإدراك عن عقله لما نجحت تلك العمليات الجراحية فى وظيفتها لتعطيل الفهم والإدراك كما نجحت ألوان التنطع والتغييب من مختلف الفرق التى خرجت كل منها تضرب وتخرب وتدمر حتى تركت عامة المسلمين كالأخشاب الطافية فوق الماء يقلبها حيث يشاء
وخرج كل من هب ودب ليتكلم فى الدين تفريطا وإفراطا فى مختلف وسائل الإعلام التى انتشرت بصورة سرطانية لتسلب عقول الناس وقلوبهم أدنى قدرة على التمييز بين الحق والباطل .. والسقيم من الصحيح
فرأينا من اتخذ علوم الشريعة والدعوة مصدرا للكسب باللعب على عواطف العامة وإدعاء التقوى
ورأينا العلمانيين أخذوا منابرهم متحدثين بالتزييف والاختلاق بل وبالغش عقب جلب الشبهات القديمة التى مضي على زمانها عشرة قرون ليبثوا بها مرة أخرى كما لو كانت شبهات حديثة ومبتكرة وأغفلوا ذكر مصدرها لأن نفس المصدر من تراث الأمة يحمل ردود العلماء الربانيين الذين بينوا ونقدوا وردوا على مختلف الشبهات بل وبلغ من قوتهم رضي الله عنهم أنهم ابتكروا بأنفسهم شبهات وضعوا لها الحلول عقب انتهاء المعركة بينهم وبين المذاهب الفاسدة بهزيمة تلك الأخيرة هزيمة ساحقة


ومع نجاح الإستعمار السابق فى منهجه الجديد عبر الإحتلال الإعلامى فى غسل العقول والخبرات نجح كل صاحب هوىفى ما يبتغيه من الإفساد بعد أن فقدت الأمة مكانة العلماء وإحترامها لهم وفتح الباب عن آخره لدعاة الإفساد باسم التطور ولفقهاء السلطان وما شاكلهم من أدعياء العلم لينصبوا أنفسهم رعاة وعلماء العصر طاعنين لاعنين فى العلماء الحقيقيين الذين يسبحون ضد تيار عارم الأمواج ويفتقدون كل نصرة ـ عدا نصرة الله بالحق ـ من مال أو جاه أو نفوذ وفوق ذلك كله يفتقدون إدراك العامة وتمييزهم بين العالم الحقيقي والعالم الفضائي الذى يهبط بالباراشوت ويفتى فى شتى المسائل بما لم ينزل الله به سلطانا
بل ولا يتوقف لحظة أو يتردد وهو يفتى بالتحريم والتحليل ولا تجده يقول فى فتوى واحدة أيا كانت بقول لا أعلم ..
مع أن علماء السلف الأكابر كان الواحد منهم يتصبب عرقا فى أثناء طرح الفتوى ومنهم من كانت تـُعرض عليه المسائل العديدة فى اليوم فيفتى بلا أعلم فى معظمها كما حدث مع الإمام مالك بن أنس الذى أفتى فى ثلاثين مسألة من أربعة وثلاثين فتوى بلا أعلم ..
وكان أحمد بن حنبل رضي الله عنه لا يفتى بقول { حرام } مطلقا فى مسألة لم يرد فيها نص بالتحريم القطعى بل كان يفتى بقوله { لا يجوز ـ لا يعجبنى } وعندما سؤل فى ذلك قال لسائله
[وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ] {النحل:116}

فأين هذا من من يفتى بالتحريم والتحليل فى خفة عقل لا مثيل لها ونرى أمثلتهم على وجهين شهيرين
الأول : أمثلة المدعين الذين يفتون بالتحريم فى تسعة وتسعين بالمائة فى ما يعرض عليهم من مسائل ولو كانت المسألة سؤالا واضح التنطع منهى عن الإستجابة لصاحبه لكى لا يهون أمر الدين بأسئلة من عينة هل القبعة حرام أم حلال ! وما حكم الإسلام فى ركوب الطائرة !
ولهم من الأتباع والأشياع من لا يقلون غوغائية عن الفتاوى نفسها ويكون اتباعهم لهم مبنيا على شرط واحد هو القول بحرام .. أيا ما كانت الفتوى وأيا ما كان السؤال

الثانى : فقهاء السلطان المستعدين براية التحليل ولو للكبائر فور ورود إشارة من ذوى الأمر والنهى .. ولا يخجلون من ذلك حتى لو كانت فتاواهم السابقة المسجلة عليهم تحمل رأيا مخالفا لما قالوا به عند طلب أهل السلطة !
ولو سؤل الواحد منهم سؤالا أو حاوره علمانى صريح العلمانية لوجدته هاشا باشا لكى لا يحصد غضب التوجه الرسمى ولو طلب منه معارضة أمر معلوم من الدين بالضرورة لما تردد تحت ذريعة الضرورة أن ينفيه كما رأينا مع واقعة الختان وتحريمها وواقعة فتح بلاد المسلمين للقوات الغازية بفتوى رسمية شهيرة عارضها الإمام الألبانى فى حياته فى مناظرة شهيرة
وبين هؤلاء وأولئك ضاعت قيمة العلم وقيمة العلماء الربانيين الذين لا يخلو منهم عصر .. لكنهم فقدوا المنابر لمسموعة بالقهر والتغييب والإهمال ..

ومن فشلت معه كل هذه الحلول نجح معه حل آخر ألا هو تعريضه للطعن من المدعين بالعلم ويتبعهم فى ذلك جماهير عريضة من شباب مغيب لا يفقه يمينه من شماله .. وأيضا يضاف إلى ذلك أقوال العلماء فى بعضهم البعض والتى تكون ناجمة عن غيرة أو غبطة أو حسد فتجد من ينقلها عبر شبكة الإنترنت ويروج لها باعتبارها حكما فقهيا غير قابل للنقض .. وينصب نفسه حكما على عالم .. إصبعه برقاب ملئ الأرض من هؤلاء
مع أن القاعدة الراسية فى العلم والتى بينها الإمام الحوينى تقول بأن جماهير طلبة العلم والعلماء من السلف لا تقبل شهادة الأقران منهم فى بعضهم البعض لأنها أقوال نجمت عن التنافس وطالت الطعن فى الشخصيات ولم تقتصر على طعن الآراء فرأينا ـ والكلام للحوينى ـ من أقران مالك والشافعى وأبي حنيفة من قال بكفرهم ووجوب استتابتهم !

وعليه فاستغلال هذه الأقوال لإسقاط العلماء ببعضهم البعض والترويج لتلك الأقوال المنثورة التى قيلت فى حالات نفسية معينة يفتح الباب عن آخره للتعصب المرفوض جملة ومضمونا وحذر منه العلماء الأكابر فى كل عصر .. كبن تيمية فى فتاواه الكبري ومنهم من كاد يدفع حياته ثمنا لهذا الجهل مثل الإمام الشافعى
وفى عصرنا الحالى ومع اتساع مجالات التعصب باتساع وسائل الإعلام قامت المعارك المذهبية بين جماهير المستمعين لا سيما الشباب وأصبح العلم يعالج معالجة كرة القدم ..
وإذا كانت جماهير كرة القدم تقذف بعضها بعضا بالحجارة .. فجماهير المتنطعين تقذف بعضها البعض بالتكفير والإتهامات التى لا تخرج من فم أعلم العلماء إلا بشروط وضوابط تكاد تكون مستحيلة التحقيق لصعوبتها

وفى ظل هذا الجهل العرمرم يتسلل التشكيك فى العقائد تسلل الثعبان فى قلب كل قلب .. لا سيما من الشباب الذى يدرس فى جامعات حالها لا يقل تغييبا عن حال الشارع
وعلى سبيل المثال ففي كليات الآداب وأقسام الفلسفة يتسلل العلمانيون والإلحاديون وغيرهم ممن استقوا ثقافتهم من معين الغرب إلى قلوب طلبتهم ويجبرونهم على دراسة كتبهم فى غياب رقابي تام من الإدارات أو من أولياء الأمور
وقديما فى مصر ـ على سبيل المثال ـ لم يكن هذا التسلل لينجح ولذلك فشل دائما لسببين هامين للغاية غاب كلاهما الآن
الأول : وجود الرقابة اليقظة من المؤسسة الدينية الممثلة فى الأزهر الشريف والذى يعد طلبته ونظم دراسته أشبه بالحصن الحصين الذى يتخرج فيه الطالب عالما قديرا محيطا بكم من علوم الشريعة يجعله مؤهلا تماما لمواجهة أى شبهة
وكانت مصر في عهد ما قبل الثورة تحديدا لم تستطع أن تخفف وطأة التأثير المتمثل فى الجامع الأزهر وطلبته وشيوخه نظرا لالتفاف الجماهير من حولهم لستة قرون فشلت فيها الحملات العسكرية والحملات الفكرية أيضا
وعندما قام أحد أساتذة آداب القاهرة بالإشراف على مسرحية تعتدى على الإسلام وقام بإعدادها للتمثيل على مسرح الجامعة قام الإمام محمد مصطفي المراغي شيخ الجامع الأزهر وقتها بقيادة ثورة الطلاب حتى أوقفوا العرض قبل تنفيذه واحتج عميد كلية الآداب وقتها طه حسين فضربوا باعتراضه عرض الحائط فاستقال لذلك
لتتلقفه دعاوى العلمانية فيطلقوا عليه عميد الأدب العربي فيستميلوه لتوجهاتهم فترة من الزمن
وقد تراجع طه حسين فى آخر عمره عما كتبه تحت هذا المجال واستماله به العلمانيون فنسأل الله له المغفرة


الثانى : وجود العلماء الربانيين المتخصصين فى اصطياد الشبهات وتفنيدها بأسلوب عصري مبسط ومتاح للعامة مثل الشيخ محمود شاكر والعلامة الألبانى والشيخ الشعراوى الذى يعد فريد عصره فى هذا المجال
فقد كانت الشبهات الماثلة ـ كما سبق القول ـ كلها شبهات بالغة القدم تحنطت بحلولها فى كتب التراث وجاء العلمانيون بها مجددين لها وعارضين لها بأسلوب معاصر يتناسب وعقلية العامة اليوم فضللوا وحيروا الكثيرين نظرا لأن رد تلك الشبهات ـ ولو أنه كان قائما وموجودا فى كتب التراث ـ إلا أن هذا المجال التراثي مغيب تماما عن الحياة الثقافية
وكان أبرز كتب رد الشبهات القديمة الجديدة فتاوى بن تيمية وردود الإمام الغزالى ـ التى ضاع معظمها فى مؤلفاته المفقودة ـ وكتاب الملل والنحل للشهرستانى وكتاب { تأويل مختلف الحديث } لبن قتيبة وكتاب بن حزم الشهير فى رد الشبهات والفرق وتناولها والمنشور باسم { الفصل .. فى الملل والأهواء والنحل }
وغيرها كثير
واحتوت تلك الكتب على نفس أقوال العلمانيين المعاصرين وإن اختلفوا فى التسميات فقد كان فى الفرق القديمة المشهورة بأسماء الجهمية والقدرية والمشبهة والخوارج والماتردية نفس حجج وشبهات العلمانية والشيوعية والقرآنيين والمذاهب الفلسفية الجدلية القائمة على إنكار وجود الخالق أو التشكيك فى العلاقة بين المخلوق وخالقه وشبهات القدر وهل الإنسان مسير أم مخير وكيف يكون الكون كمخلوق ظاهرا ويكون خالقه مخفيا .. ولماذا ندعو الله ما دام كل شيئ مقدرا ومكتوبا وحتما هو آت بلا دعاء

وحاول بالفعل بعض العلماء توضيح ذلك إلا أنهم فشلوا فشلا ذريعا فى المواجهة لأنهم كانوا يتكلمون بنفس لغة عصر الغزالى والشافعى وبن تيمية وبن حزم فانقطع التواصل بينهم وبين العامة التى تجهل معظم هذه المصطلحات ويندر أن يوجد فيهم من يفقه ما هية تلك الفرق وأسمائها الغريبة ومصطلحات أصحاب الكلام التى كانت تتميز بمنطوق فلسفي بالغ الصعوبة فى الإدراك ..
هذا بالإضافة أن فن المناظرة وبديهة الرد وحسن الوصول للمستمع هو فن قائم بذاته ليس من الضرورى أن يتوافر فى كل عالم .. فليس كل عالم مناظر .. بينما كل مناظر يجب أن يكون على درجة من العلم تتساوى جنبا إلى جنب مع قدرة التشبيه والتمثيل وضرب نقاط الخصم فى مقتل بسرعة البديهة

فيسر الله العلماء من أمثال الشعراوى إلى مواجهة العلمانية بسلاحها .. ألا وهو إلباس الردود لباسا معاصرا ومكافئا للشبهات التى اتخذت الطابع المعاصر وتميزت ردوده كلها بسهولة العبارة مع فصاحتها وجزالتها ومضافا إليها سخرية محببة من حماقة تلك الأفكار وجهالتها .. فكانت الهزيمة ساحقة لسائر الشبهات ..
غير أنه وبما أننا فى عصر يتم رفع العلم فيه بقبض العلماء ..
ولأننا فى عصر لا ينظر المرء فيه إلى أحداث أمسه فضلا على أن ينظر إلى التاريخ .. فقد عادت نفس الشبهات وبأشكال جديدة وبنفس المضمون تضرب حيث لا يفقه العامة والشباب منهم بالذات أين الحق فى ذلك كله

ولعل المثال الأكثر وضوحا يكمن فى كليات الآداب وبالتحديد فى أقسام الفلسفة حيث تناثرت على الطلبة أقوال من عينة ما هو المبرر للدعاء ما دام الله تعالى قدر الأشياء وحتما ما سيأتينى بالدعاء لا شك فى قدومه بالقدر !

وهى شبهة ملوية العنق ومستنسخه من نفس الشبهة العتيقة القائلة إذا كان الله قدر لى الذنب فلماذا يعاقبنى به والتى رد عليها علماء القرون السالفة وجاء الشعراوى رحمه الله فردها عليهم فى نسختها الجديدة وأوضحها بتشبيه بسيط من الحياة العامة وهو أن الله تعالى يعرف ذنب العبد قبل وقوعه لكنه لم يفرضه عليه بل جاء باختياره الحر بناء على وجود العقل الذى يحمل التكليف .. وعلم الله سبحانه وتعالى علم محيط ولا تقدح معرفته المسبقة لعصيان عبده فى اختيار هذا العبد وأن الخيار كان أمامه ولو شاء الإلتزام لامتثل
تماما كما يعرف المدرس أحوال طلبته ويعجمهم واحدا واحدا فيعرف حال كل منهم ومن فيهم الملتزم المتفوق ومن فيهم المهمل .. ولكنه لا يفرق فى تدريسه للعلم بينهم فيعطيهم الشرح بشكل متكافئ ، فمن اجتهد منهم ينجح ومن أهمل يرسب .. ويستطيع المدرس قبل دخول الطلبة للإختبار النهائي أن يعرف ويرصد حال كل منهم وبمنتهى الدقة وتصدق توقعاته فى تحديد الناجحين والراسبين
فهل عِلم المدرس برسوب الطلبة الفاشلين هنا كان له دور فى رسوب هؤلاء ؟!.
كلا بالطبع .. فما بالنا إن أخذنا القياس على الله عز وجل والذى لا يعلم أحوال عباده فقط بل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور
هكذا كان رد إمامنا الجليل وبشكل مبسط مفهوم ودارج على الشبهة القديمة الموجودة فى كتب التراث بلغة ثقيلة لا يقوى عليها العامة فبينها بإجادة وبراعة لا مزيد عليها

ولو كان أولياء الأمور وأهل الرأى على علم ودراية بمدى خطورة تطور الشبهات ووجودها خلف كل قلب فى أبنائهم عبر دور التعليم من المدارس حتى الجامعات لتمسكوا بتراث هذا الإمام الجليل ودربوا أبنائهم عليه ..
ولو أن واحدا من الطلبة المتسائلين عن حل قضية مبرر الدعاء مع حتمية حدوث محتواه بسواه .. طالع أو تعلم أو فقه شيئا من تراث الإمام لما استعصت عليه تلك الشبهة ولتمكن ببساطة من القياس عليها وحل القضية بأكملها بجملة واحدة
فالسؤال ذاته خاطئ ومغلوط كما هى العادة مع سائر شبهات العلمانية والفرق المختلفة ..
إذ أن المقولة تربط ربطا خاطئا بين الدعاء وبين وقوع الحدث ..
ولو أن هذا الربط موجودا فى الأساس لكان كل دعاء يدعو به العبد لله عز وجل هو حتما متحقق وإلا فما هو مبرر الربط بين أهمية الدعاء ووقوع محتواه
وهذا بالطبع ما لا يحدث فليس بالضرورة مطلقا أن يستجيب الله للدعاء بل إن القدر يأتى بمسيرته بغض النظر عن دعاء العبد من عدمه فإن تحقق الدعاء كان مستجابا وإن لم يتحقق كان غير مستجاب ومثاب عليه فى الآخرة
فالقدر كما هو قدر محتوم مسبق ويسير بسيرته بدون تغيير .. أما الدعاء وإلزاميته فليست هذه الإلزامية مطلوبة ليحقق الله للعبد ما يطلبه بل هى عبادة أصلية فى الإسلام ليثاب الإنسان عليها ومبرر الثواب هنا أنها دلالة التوحيد والعبودية ومظهر التسليم بأن الله مالك كل شيئ
فالإنسان عندما يلجأ إلى الله عز وجل وحده داعيا وراجيا يكون قد أدى فريضة من فرائض التوحيد الذى يقوم على أنه لا إله إلا الله .. وبالتالى فالدعاء طاعة مستقلة وعبادة مطلوبة دونما أن يكون لها علاقة بتحقيق الأمانى فى الحياة الدنيا
فإن دعوت الله أثابك الله وإن لم تدع الله أثمت دون أن يكون لهذا علاقة بما يتحقق لك من رغبات وأمان
والعطاء من الله للعباد فى الحياة الدنيا ليس دليل رضا فى كل حالاته بل هو دليل رضا فى بعضها ودليل غضب فى بعضها الآخر عندما يمد الله حبل العطاء للعبد الضال لزيادته ضلالة مصداقا لقوله عز وجل
[اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ] {البقرة:15}
فليتنا نحسن التوجيه والتفتيش خلف ما تبثه الجامعات والمدارس لتبيانه قبل أن يفتن الشباب الغر وليتنا نحسن الحفاظ على تراث علمائنا الذى يكفل لنا الأمن العلمى والتدريب المستمر على تحريك العقل بدلا من تحجيره بهوى الرأى

وإلى اللقاء فى يومية أخرى






التوقيع

الإيميل الجديد
 
رد مع اقتباس
قديم 04-01-2009, 09:09 AM   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
محمد جاد الزغبي
أقلامي
 
الصورة الرمزية محمد جاد الزغبي
 

 

 
إحصائية العضو






محمد جاد الزغبي غير متصل


افتراضي مشاركة: يوميات فى ضيافة الإمام الشعراوى


اليومية السابعة
قضية الإعجاز العلمى


أتى يحيي بن معين لصاحبه أحمد بن حنبل رضي الله عنهما وقد جلس هذا الأخير فى حلقة الإمام محمد بن إدريس الشافعى رضي الله عنه وترك مؤقتا حلقة شيخهما الجليل إسحق بن راهويه حافظ عصره ،
فقال يحيي بن معين لبن حنبل
{ أتترك حلقة شيخنا لحلقة هذا الفتى .. هلم قبل يفوتنا أكثر مما فات }
فقال له أحمد بن حنبل
{ اجلس يا بن معين .. لو فاتك من العلم اليوم شيئ فستدركه آنفا ، أما لو فاتك عقل هذا الفتى فلن تستطيع تعويضه }

ذلك أن إسحق بن راهويه كان عالما حافظا جليلا عنده معين العلم لا ينضب أمام تلامذته ، ولكن العلم لم يتفرد فيه أحد بذاته كما أنه موروث الشيوخ عن الشيوخ ،
أما الشافعى فكان له إلى جانب العلم عقل جبار وقلب فقيه ، ما إن ينظر فى العلوم حتى يستنبط منها ما لم يأت به من قبله من العلماء ـ على جلالتهم وعظم فقههم ـ والفارق هنا موهبة الإستنباط التى يؤتيها الله من يشاء من عباده
فتنساب من هذه النوعية علوم وحلول للقضايا المستعصية فى علوم الشريعة وييسروا على من بعدهم تيسيرا عظيما فى الإدراك ويعد أبو حنيفة النعمان ومن بعده الشافعى على قمة هؤلاء النوابغ ولا زال فضل علمه يجتبى منه الناس إلى اليوم بعد أن أرسي وأسس لأصول الفقه وحفظ السنة وملك زمام الدين فى عصره عن أصحاب الشبهات وبهر أساتذته قبل أن يبهر تلامذته وهو بعد فى سن الفتوة وشرخ الشباب رحمه الله
وقد جمعه مجلس ببن راهويه ولم يكن هذا الأخير يعرفه فصدر منه قول يدل على استهانته به فاعتدل الشافعى فى هدوء وطلب منه المناظرة ، فناظره الشافعى فظهر عليه ظهورا بليغا رغم أن فارق العلم ـ آنذاك ـ بين بن راهويه والشافعى كان فارقا عظيما لأن بن راهويه كان إمام عصره وقت أن كان نجم الشافعى يبدأ فى الظهور .. وهذا لا يقدح فى أيهما بالطبع
نستنبط من ذلك أن العلماء الربانيين من أصحاب العقول النيرات الذين اتقوا الله فعلمهم الله وجددوا للأمة دينها فى كل عصر هم فئة من النوابغ التى ينبغي الوقوف عند تراثها وإتباع رشيد علمها

وقد كان الإمام الشعراوى رحمه الله منهم ففتح الله عليه بالقدرة العالية فى استباط دلالات وتفسير القرآن الكريم ووهبه الله فضل الجهاد فى سبيله حيث لم يترك شبهة أيا كان مصدرها داخليا أو خارجيا إلا وفندها وردها على أهلها
وهو الأمر الذى أثار عليه الغرب كله وتوالت الإعتراضات بأشكالها من المظاهرات حتى الإعتراضات الدبلوماسية تهدف لإيقاف هذا الرجل أو على الأقل الحد من أثر ما يقوله ويدعو به ويفسد عليهم عالمهم
ذلك أن المتأمل فى القرآن الكريم يتعجب من كيفية استنباط الشعراوى لحلول القضايا من خلال آياته الكريمات بأسلوبه السهل الممتنع ،
وتميزه الجارف فى إنهاء الجدل الفارغ عن طريق جمل مختصرة وعبارات جامعة مانعة تهدم الشبهة من أساسها أو تبين القضية من قاعها ولذلك لم يكن يستغرق وقتا فى الدفاع عن الإسلام أو تبيان علل أحكامه ضد دعاوى العلمانية والمذاهب الفلسفية والإنسانية بل كان يمد نافذ بصيرته مباشرة إلى لب القضية فينهيها مباشرة موفرا على نفسه وغيره الجهد الطويل والجدال الأطول بلا نتيجة أو فائدة

وظهر هذا جليا فى موقفه من البنوك الربوية والتى حازت جدلا استمر شهورا بين محرم ومحلل فلا المحرم يعرف كيف يدلل ويدفع شبهة التحليل ولا المحلل أحسن تبرير فتواه
وجاء الشعراوى فى ضيافة المذيع اللبق فوزى ناصف
وسأله سؤالا مباشرا : هل قامت بعض البنوك الربوية بافتتاح فروع للبنوك الإسلامية ضمن نشاطها أم لا ؟!
فقال المذيع : نعم قامت بعض البنوك الكبري بذلك ..
فقال الشيخ فى بساطة :
وهذا اعتراف ضمنى يا سيدى الفاضل بأن هناك فارقا بين بنك ربوى وبنك إسلامى فنعت الإسلامى هنا يثبت أنه نشاط خال من الإئتمان الذى يجر الفوائد الربوية والمحرمة بشكل قطعى ثابت بالنص ، ونحن عندما نفتى بحرمة هذا النشاط لا نأتى به من عند أنفسنا لأننا لا نعلل لتحريم الله عللا فالعلة تكون فى وقوع التحريم وليس لى أن أسأل الله عز وجل عن سبب التحريم
وضرب مثالا بسيطا فى ذلك حيث قال رحمه الله :
أنت مثلا عندما تشعر بتعب معين تذهب للطبيب المختص ويقوم بتوقيع الكشف عليك وعندما يمسك بقلمه لتحرير روشتة الدواء تقف أنت أمامه منتظرا إياها دون كلمة واحدة لأنك سلمت له بالإختصاص ، وتصرف لدواء ذاته دون أن تسأل عن كنه هذا الدواء أو ذاته أو لزوميته
فإن كان هذا فعلك مع الطبيب وهو بشر لمجرد أنك تثق فى مؤهلاته العلمية فكيف يكون الحال مع الله عز وجل وأنت مسلم له بالوحدانية فطالما جاء التسليم انتهى مبرر طلب المبرر
..

وهكذا أيضا تصدى لقضية الإعجاز العلمى بالقرآن
والتى دار بسببها جدل عظيم بين مؤيد ومعارض وسالت فيها أحبار تكفي لصنع مكتبة كاملة ، ودار السجال بين فريق العلماء المؤمنين بوجود الإعجاز القرآنى الجامع وبين أولئك الرافضين وهم على فئتين وليسوا فئة واحدة ، فهم مجموعة من علماء الفقه واجتمعوا مع العلمانيين فى خندق إنكار قضية الإعجاز العلمى بالقرآن وكلٌ له غرضه ونيته
فالعلمانى ـ على حد قول الإمام ـ يهون عليه فقأ عينه ولا يبصر به مؤمنا ،
بينما الرافض حشر نفسه فى خندق لا يريد الخروج منه فاستحال إقناعه ، وتساءل الشيخ عن دلائل الذاهبين لرفض الإعجاز العلمى بالقرآن فكانت فى النقاط التالية
* أن القرآن الكريم ليس كتاب طب أو كيمياء بل هو كتاب شرع وعبادات
* أن تفسير القرآن الكريم بالعلم الكسبي هو رهن للمتغير بالثابت
* أن تفسير القرآن الكريم بهذا الشكل تفسير للقرآن بالرأى وهو محرم شرعا وقد أكثر المنكرون من الإستدلال بفقيه وحيد هو الإمام الشاطبي والذى يعد هو الوحيد الذى تصدى لتلك القضية ومنكرا لها بأى وجه من الوجوه فى كتابه الموافقات


وتناول الشيخ الشعراوى النقاط واحدة تلو الأخرى بمنتهى البراعة فقال
{ بداية يجب علينا أن نعرف أن التطرف على أى وجه من الوجوه منتقد ، وما سبب لنا البلبلة أن الناس لم تدرك معنى قضية العلم وكيف أن كل علم له أهله فلا يفتأت أصحاب تخصص على آخر ، فعالم الشريعة والأحكام له الإفتاء بالتحريم والتحليل الوارد قطعيا أو اجتهادا فى القضايا المتعلقة بالشريعة ، والعالم أو المفكر الإنسانى ليس له أن يتصدى للإفتاء بشأن الشرع فيغضب لحكم الله على لسان علمائه ،
لكن الخلط أتى عندما افتأت كل أهل مجال على مجال غيرهم
فرأينا بعض علماء الشريعة يتصدون لمجمل قضايا الحياة بالتحريم وهذا ليس لهم لأن الأصل فى الأشياء الإباحة فسمعنا فتاوى من عينة تحريم التليفزيون والراديو وغيرها وهو تحريم فى ذات الأشياء لو انسقنا خلفه لكان علينا من باب أولى أن نحرم الخناجر والسلاح لكونها تستخدم فى حرام وهو القتل !
والعلاقة بين العلم والقرآن علاقة ثابتة
إذ أن الله تعالى لم ينزل كتابه منهجا تشريعيا وحسب وإلا لما قال فيه { تبيان لكل شيئ } وعلماء العلم الكسبي ليسوا خصوما لعلماء الشريعة بل الأمر أمر تكامل بينهما مع لحفاظ على الإستقلال
فلو أن القرآن الكريم محصور فى الأحكام لكان لنا أن نتساءل عن الأحكام التى تقررها الآيات الكونية والتى تعدت ألف آية فى كتاب الله مقرونة بأمر واضح وصريح بالتدبر والتفكر ،
فهل استخرجنا منها أحكاما شرعية ؟!
فالقضية يمكن تلخيصها أن الإحتجاج بأن العلم متغير والقرآن ثابت فهنا نقول أنه ليس كل العلم متغيرا وإلا ما كان علما فهناك ثبوت مطلق للحقائق العلمية التى رأيناها مشاهدة ولمسناها ، فما الذى يمكن أن يتغير فى حقيقة كروية الأرض أو دورانها حول الشمس أو فى قضية الخلق ومراحل تكون الجنين

فاصطناع التضارب مدا بين علماء العلم الكسبي وعلماء التفسير هو أمر هوى رأى ومنهج معين له غرضه لا يلزمنا بشيئ لأنه لا تضارب بين نوعى العلماء فعلماء العلم الكسبي هم أنفسهم الذين يعطون علماء التفسير حقائق وأدلة وجود الله عبر إبراز قدرته فى الكون ، فليس لعالم التفسير أو الشريعة أن يتدخل فى قضية معملية لأن المعمل لا يجامل ،
ولم يقل أحد أن القرآن كتاب نظريات لأننا لم نطالب باستخراج ودراسة النظريات منه بل طالبنا بتحرى الدقة القرآنية
وللتدليل على وجود العلاقة بين علماء العلم الكسبي وبين إثبات قدرة الله ومعجزة كتابه يتضح لنا لو تأملنا قوله تعالى
[أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ(27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ(28) ]

فالآية الكريمة هنا تحدثت عن صنوف الخلق من ماء ودواب وسماء وجبال وأناس وأنعام ثم جاءت مذيلة بقوله تعالى
{ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ }

فأى علم تقصده الآية هنا باقران الخشية ، هل تحدثت مقدمة الآية عن علم الشريعة أو أننا استخرجنا منها حكما شرعيا أم أنها تحدثت عن علم الكونيات ثم أتبعتها بنعت العلم والخشية
فهذا معناه أن علماء الكونيات هم الذين يدركون بالتجربة عظمة قدرة الله فى خلقه ويبينوها للناس ويأتى دور علماء الشريعة والتفسير فى بيان إحكام آيات الله تعالى عندما يتوصل العلم لحقيقة سبق تقريرها فى القرآن الكريم }
انتهى كلام الشيخ رحمه الله

ونكمل التدليل على ثبات قضية الإعجاز العلمى ورد شبهة إنكاره فنقول :
أنه من الملاحظ أن كل منكر لها تحت زعم عدم وجود العلاقة بين العلم والقرآن يتحدث بشكل عام فإذا جاء أوان التفصيل وضرب الأمثلة صمت عن الرد ، لأن الأمثلة تبين بما لا يدع مجالا للشك بتقرير القرآن لحقائق علمية ثبتت معمليا مثل قوله تعالى
[وَأَنْزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ] {الحديد:25}

وجاء العلم الحديث ـ كما بين د. زغلول النجار ـ وأثبت أن الحديد هو العنصر الوحيد الذى أتى من خارج المجموعة الشمسية ووجد على الأرض وحدها عبر سقوطه فى نيازك غريبة عن مجموعتنا كلها ، ويستحيل أن يتكون فى الشمس بطاقتها الحالية ذرة حديد واحدة لأن تكوين ذرة الحديد يحتاج طاقة شمسية تعادل أضعاف طاقة شمسنا الأرضية التى تتوقف طاقتها عند تكوين ذرة الهيليوم وحدها

وفى قوله تعالى أيضا
[ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ] {المؤمنون:14}

وكان العلم حتى منتصف القرن العشرين يتصور أن تكوين اللحم سابق على تكوين العظم حتى تمكنت أجهزة الكشف الحديثة من تصوير مراحل تكون الجنين { فيديو لايف } وأثبتت أن تكوين العظم سابق على تكوين اللحم
وطابقت الحقيقة العلمية القرآن الكريم
والسؤال هنا فى ظل هذه الآيات الكريمة والتى تتعدد أمثلتها بالقرآن الكريم ،
كيف يمكننا تجاهل الربط بينها وبين حقائق العلم الكسبي وهى تقررها صراحة وبمنتهى الوضوح ؟
وإذا أراد الله لكتابه العزيز أن يكون كتاب أحكام فقط فلماذا تعرض أصلا لتلك القضايا وما هو مبرر وجودها بالقرآن ؟!
وإذا كان القرآن الكريم كتاب أحكام وفقط فأين هو تفسير تلك الآيات وما هى علاقتها بالعبادات والمعاملات ؟!

وأى غرابة تلك التى تجعل القرآن الكريم محتويا على إعجاز علمى وهو كلام الله تعالى ، وهو بذاته عز وجل خالق الكون والخلق ، فأى عجب فى احتواء كتابه الكريم وهو أعظم كتب الرسالات على إشارات معجزة لخلقه
وإذا كانت التوراة والإنجيل احتوت آيات إعجاز تاريخية وعلمية اتضحت من علم اليهود بالمدينة عندما كانوا يختبرون رسول الله عليه الصلاة والسلام عن حقائق يستحيل معرفتها بغير الوحى وأتوا بها من التوراة ، وكذلك الإنجيل الذى بشر بمحمد عليه الصلاة والسلام قبل مجيئه بخمسمائة عام
فلماذا نستنكر على القرآن ذلك ونقرر أنه فقط لاستنباط علوم الشريعة كما لو أن عشرات الآيات الداعية للتفكر فى خلق اله تعالى هى لاستنباط الأحكام فقط وكأنما خاطب القرآن الكريم علماء الشريعة وحدهم ولم ينزل للناس كافة
وإذا كان فهمنا للقرآن الكريم يجب أن يقتصر على فهم السلف الصالح وحده فمعنى هذا أن التفسير قد اكتمل ولم يعد هناك ما يصلح لإستنباط العلماء من كل عصر وهذا يناقض آيات القرآن نفسها الداعية للتفكر فى مطلق الزمن كما أنه يناقض دعوة رسول الله عليه الصلاة والسلام لالتماس عجائب القرآن وكيف أنه لا تنفذ معجزاته ولا يشبع منه العلماء
وإذا كان قول رسول الله عليه الصلاة والسلام { إقرئوا القرآن والتمسوا غرائبه }
ينطبق على المفهوم الضيق لكتاب الله باعتباره كتاب أحكام فقط فأين هى الغرائب التى دعا الرسول عليه الصلاة والسلام لاستنباطها ؟!
وهل يمكن أن نتصور وجود غريب فى أحكام الفقه وهى آيات محكمات نزلت تنظم حياة البشر ؟!

وتتبقي آخر نقطتين فى الإعتراضات التى ساقها البعض للتدليل على عدم وجود الإعجاز العلمى وهما
* القول بأن التفسير العلمى لآيات الكونيات هو تفسير بالرأى ،
وهذا يرد عليه بأن الرأى معناه القول بلا دليل أو حجة فيقال رأى فلان أى قناعة فلان التى بناها عقله مجردا ،
فهل تفسير آيات الكونيات بعلوم كسبية وحقائق ثبتت عن بحوث يعد تفسيرا بالرأى أم هو تفسير مبنى على علم محض ؟!
* الإحتجاج المتكرر برأى الإمام الشاطبي رحمه الله وهو أحد أئمة الأصول الذين أدوا رسالتهم الفقهية على أكمل وجه ،
ولكن هذا لا يعنى مطلقا ترجيح قوله على قول سائر علماء عصره الذين خالفوه الرأى ، لأن أى عالم مهما بلغ قدره ومقدراه لا يمكن احتكار الحق فى كل شيئ ، وقد أورد الشاطبي رحمه الله فى كتابه { الموافقات فى أصول الشريعة } نقده للتفاسير المبنية على حقائق علمية ،

لكن الذين تمسكوا برأيه وقوله لم ينتبهوا لحقيقيتين تبطل هذا الإحتجاج شكلا ومضمونا
الأولى : أن عصر الشاطبي لم يكن فيه العلم الكسبي على درجة التقدم التى تتيح انتشار استنباط آيات الكونيات وحقائقها كما أن نقد الشاطبي لم يحدد خصيصا ما يكتشفه العلم الكسبي من حقائق ثابتة بل إنه تعرض بالنقد بشكل عام لكل تفسير وتأويل مبنى على هوى الرأى أو الخزعبلات المبينة على معتقدات فاسدة
الثانى : أن رأى الشاطبي تم نقده من أكابر علماء عصره فضلا على نقد علماء الأمة المعاصرين وبينوا وفندوا مدى التضارب الذى وقع فيه لرفض التفسيرات التى تخص الآيات الكونية وآيات المتشابه رفضا مطلقا ،
وقد بين تلك الإنتقادات فقيه معروف هو أشهر من شرح كتاب الموافقات وهو الشيخ عبد الله درار والذى تم نشر شرحه فى هوامش كتاب الموافقات فى طبعة دار الكتب العلمية بلبنان ،
ولم يقتصر بيان الشيخ عبد الله درار على نقد وجهة نظر الشاطبي فى الإعجاز العلمى وحسب بل شملت سائر النقاط التى تفرد بها الشاطبي فى تقريره لأحكام الإجتهاد وخالفه فيها بقية علماء عصره مثل نظريته حول أن الإجتهاد فى استنباط الأحكام الشرعية هو علم مستقل بذاته لا مجال ملحق بعلوم الشريعة

وربما كان تفرد الشاطبي بهذا الرأى الرافض لتفسير الآيات الكونية هو السبب وراء إلحاح زمرة المنكرين فى الإستشهاد به وحده وهو الرأى الذى نقده معاصروه ومن سبقوه أيضا من القلة الذين أثاروا تلك القضية نظرا لندرة العلوم الكسبية فى عصرهم ،
ويتجاهل المنكرون فى نفس الوقت آراء عدد من أكابر العلماء الأصوليين المعروفين فى محاربة البدع مثل الإمام بن تيمية ومع ذلك فقد جاء رأيهم موافقا للإقرار واستنباط الإعجاز العقلي ومطابقته للنقلي
وألف فى ذك كتابا شهيرا أسماه ( درء تعارض النقل والعقل) أو (موافقة صحيح المعقول لصريح المنقول).
وقد قرر ابن تيمية في الكتاب السابق أنه لابد من توافق الصحيح من كل علوم العقل مع الصريح من كل أقوال النقل، وإذا حدث تعارض فهذا يعني أحد أمرين: إما أن العلم العقلي غير صحيح فهو ليس علمًا، وإما أن القول المنقول ليس ثابتًا فهو ليس من الإسلام..
وهى نفس مقولة الإمام الشعراوى والتى عبر عنها بقوله
{ إذا وجد تعارض بين آية صريحة فى القرآن الكريم وبين حقيقة علمية ، فإما أن يكون فهمنا نحن لتفسير الآية خاطئا أو أن تكون النظرية العلمية ذاتها ليست من العلم فى شيئ }

وقد حدث كثيرا جدا أن تعارضت اكتشافات علمية مبنية على نظريات لم تثبت مع آيات القرآن الكريم وأصر علماء المسلمين على صحة آيات القرآن الكريم وثبت بالفعل بعد ذلك أن النظرية لم تكن دقيقة
مثال ذلك ما عرضناه سابقا عندما قال العلماء ـ نظريا ـ أن اللحم سابق على تكوين العظام ، فجاء العلم ـ معمليا ـ وأثبت خطأ النظرية وقرر أن العظام سابقة على تكوين اللحم فى الجنين
بل إن هناك مثال من السلف أيضا
تصدى له المفسرون القدامى وأصروا فيه على مخالفة اعتقاد أطباء اليونان عندما رفضوا شكلا ومضمونا أن يسلموا بقولهم بأن الجنين يتكون بكاملة فى بطن أمه ثم يكبر على هيئته تلك
وذلك لأن القرآن الكريم يقرر تكون الجنين على مراحل شتى ولا يصبح كائنا على صورة البشر إلا بعد اكتمال مراحل النمو وكان هذا التجادل فى عصر الإمام السيوطى قبل اكتشاف مراحل الجنين بعدة قرون

وهذا يبين لنا الخلط الذى وقع فيه منكرو الإعجاز العلمى عندما بنوا إنكارهم على النظريات العلمية
بينما نتحدث نحن عن الحقائق العلمية الثابتة عيانا لا احتمالا

وآخر القول فى شأن الإعتراضات
أن الإعجاز العلمى وتبيانه أمر له ضوابطه تماما كما للتفسير الفقهى ضوابطه وشروطه وتعمل هيئات الإعجاز العلمى على اعتماد أو رفض البحوث التى يقوم بها علماء متخصصون فى مجالاتهم ويراقبوا أعمالهم البحثية تلك قبل إعلانها ،
وليس خافيا إسلام عشرات الألوف من العلماء والفلكيين والأطباء والفيزيائيين الغربيين على إثر بيان القرآن الكريم لأوجه الإعجاز فى نظرياتهم وذلك فى المؤتمرات التى تنعقد سنويا فى مصر والحجاز وباكستان
والخطأ فى القول بنقطة إعجاز علمى فى القرآن ـ إن وقع فيه عالم ـ فليس فى ذلك بأس ،
إذ أنه من الغرابة الشديدة أن نطلب من علماء التفسير العلمى أن تكون كل تفسيراتهم على الحق المطلق دون خطأ ،
فى حين أن أقرانهم من مفسري آيات المحكم منذ عهد الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم قد اختلفوا ف تفسير الكثير من الآيات الكريمة وكان الإختلاف يصل لدرجة التناقض فى بعض الأحيان .. أى أنه حتما هناك منهم واحد أو أكثر أخطأ التفسير
فلماذا لم يحتج عليهم المنكرون لقضية الإعجاز بأنهم أخطئوا التفسير فى آيات القرآن عندئذ ؟!

هذا هو ملخص قضية الإعجاز أو قضية التغريب الذى يحاول البعض ـ بعدم إدراك أو بهوى ـ أن يفصلوا بها بين آيات القرآن الكريم وتدبرها وبين المسلمين






التوقيع

الإيميل الجديد
 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 10:57 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط