"دِمَشْق بكسر الدال وفتح الميم وإسكان الشين، اسم هذه المدينة الجميلة مدينة السحر والشعر قالوا إن أصلها لفظة آرامية مماتة « مشق » تتقدمها دال النسبة. وقد وردت في اللغة الهيروغليفية على هذا النحو تقريبًا، ومعناها الأرض المزهرة أو الحديقة الغناء.
وأطلق الآراميون عليها اسم « درمسق » والسريان « درمسوق » وأهل لغة التلمود « درمسقين » وقالوا إن إرم ذات العماد التي وردت في القرآن الكريم هي دمشق بعينها، وبعض المفسرين يذهبون إلى ذلك، الآية الكريمة ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾.
قال شبيب بن يزيد بن النعمان بن بشير:
لولا التي علقتني من علائقها *** لم تمسِ لي إرم داراً ولا وطنا
قالوا أراد دمشق...
وأطلقوا اسم (جِلِّـق) بكسر أوله وثانيه وتشديده على مدينة دمشق، وقد ورد هذا الاسم في الشعر القديم، ومنه في شعر حسان:
لله درّ عصابة نادمتهم *** يوما بجِـلق في الزمان الأول
تعلو دمشق ٢٢٠٠ قدم أو نحو ٦٩١ مترًا عن سطح البحر المتوسط، وتبعد عنه نحو ٦٠ ميلًا، قامت في نجد من الأرض، ومعدل ما تجود به سماؤها من المطر كل سنة نحو 350 مليمترا..
يطل عليها من الشمال جبل قاسيون، وهو فرع من فروع جبل سنير الذي يُطلق على بعضه اليوم اسم جبل قلمون، ويشرف عليها من الجنوب الجبل الأسود وجبل المانع، ومن الغرب جبل الشيخ المعروف بحرْمون في التوراة وبجبل الثلج عند قدماء العرب، وغربها مفتوح وكذلك شرقها، فهي سهلية جبلية، ومعتدلة الهواء تأخذ الفصول الأربعة فيها حكمها، وقد تنزل درجة الحرارة في الشتاء إلى اثنتي عشرة درجة تحت الصفر، الذي سماه اليونان نهر « بردى » وتصعد فيها أيام الصيف إلى نحو ٣٧ درجة، وهي هبة الذهب، كما أن مصر هبة النيل، وبردى يسقي المدينة بعد تقسيمه ستة أنهار، منها ما وقنوات وبانياس ويزيد وتورا، واللذان يسقيان « النهر الأصلي » يدخل البلد وهي بردى الضاحية فقط الداراني وقناة المزة.
وكانت دمشق لقربها من جزيرة العرب والعراق والجزيرة ومصر مدينة تجارية تصل بين الشرق والغرب، وظلت عامرة على اختلاف العصور نحو أربعة آلاف سنة، فهي أقدم مدينة في العالم باقية على عمرانها، ومما تفخر به أن لها الواديين وادي بردى ووادي العجم، يشق الأول نهر بردى مضافة إليه مياه عين الفيجة، ويشق الثاني نهر الأعوج المعروف عند القدماء باسم فرفر، ومخرجه من سفوح جبل الثلج، ولا يدخل المدينة بل يسقي بعض قراها القريبة..
ومن خصائص دمشق أنها وسط غُوطتها الغَنَّاء تخرج لها بقولها وفاكهتها وأخشابها وأحطابها، هي على مقربة من إقليم حوران تجلب منه حبوبها الجيدة، وعلى أميال يسيرة من إقليم الجولان ترعى فيه ماشيتها، على فراسخ قليلة من مصايفها ومشاتيها. ترى في بعضها الهواء العليل البليل طوال السنة، وفي الوقت عينه تشهد حكم الصيف، فغورها على مقربة من نجدها، وجبالها كسهولها تتعاون على جلب الخيرات
إليها، والثلج لا يخلو من أعالي جبالها صيفًا وشتاءً، وماء الشقة يُجلَب إليها في أنابيب تسقي دورها ومصانعها، وندر في المدن الكبرى مدينة كهذه تُسقى ماءً طاهرًا لذيذًا ماء عين الفيجة، وبهذا قَلَّت الأمراض الوافدة على ما كانت في الأعصار الخالية.
"