تحـــقــيــق بدون صراخ

[الفرحان بوعزة]

على مكتب فاخر ، شرع يدوّن في الأوراق البيضاء سيرة هجينة، الملف يتنقل بين المكاتب... والسلم الإداري محترم .. وخربشات الأقلام تختلف باختلاف الأشخاص.
صدأ قاتل يسيل على الأسطر، مداد أسود يعصر الكلمات، قلت في هسهسة ميتة: غداً تباع سيرتي الجديدة في الأكشاك.. الناس الغفلة يلتهمون الخبر دون روية، والأذكياء يطرحون الإشكالية..!
جاءني وهو يتماوت في مشيته، بين الحين والآخر يرسم على شفتيه ابتسامة حمقاء فقال:
ــ ملفك ستنظره عقول مختصة بعد غد...
ــ ما سر تلك الفراغات المبثوثة في جسد النص..؟
ــ ويلك ، أما تعلم أن النص يتنفس منها أثناء نومه فوق الرفوف؟ فهو قد يحيا من جديد وفي كل زمان ومكان ..!
ــ كلمة الهامش كادت تقتلني .. تجردني من هويتي، تسرق حبي لوطني .."سري للغاية" ماذا يعني ذلك ؟
نظر إليّ في خبث، واستدار فجأة كمن مسّه سعار..
انكمشت البسمة على وجهي ..وتمخضت الأمعاء.. وانحبست شهقة جارحة في للبلعوم.. وكاد القيء أن يكون دافـقاً..
ثوان مرت ، سمعت هدير سيارة يقاتل الزمـن، بابها يوحي باحتمال فتحه المفاجئ .. قعدت والظلمة تهمس في أذني كلمات. ركد الهواء، عجزت الحنجرة عن تفريغ شحنة الألم.. والضمادة السوداء تعكر صفو الرؤية، وتخدش حياء العينين.. والقيد اللعين يأكل من يدي.. !
لا أدري من أنـا...؟ ملف..؟ وثيقة..! رقم ضائع ..!؟ لست أدري.. !

[أحمد فؤاد صوفي]

الأديب الكريم/ الفرحان بو عزة المحترم
قصتكم “تحقيق بدون صراخ” هي قصة كتبت بعناية، لتعكس التحديات النفسية والاجتماعية التي يواجهها الأفراد في مواقف صعبة، بل ومخيفة، وفي عالم معقد حولنا، تظهر فيه هيمنة فريق على فريق آخر، والقصة تطرح تساؤلات مهمة حول الهوية والمعنى في زمن تسيطر فيه الأنظمة بكل قساوتها وبدون رحمة على حياة الناس.
الأسلوب الأدبي مميز وأكثر من جيد، واختيار المفردات موفق تماماً.
انصب لومي على العنوان من جهة، فأريده أن يكون لصيقاً مع القصة ومع قفلة النهاية أكثر، هذا إلا إذا كان القصد منه أن يعكس حالة من الكوميديا السوداء المفزعة للقصة ككل، أما قفلة النهاية فجاءت بدون إدهاش وبدون مفاجأة للقارئ، وأرى أن المفاجأة هنا لازمة ومطلوبة بقوة في هذا النوع من القصص.

عزيزي، تقبل مني كامل المنى والاحترام.