في اليوم الأول تسلمت الأرملة الشابة وردة حمراء، مرسلة من شخص مجهول، لم تكن تحمل أي بطاقة تشير إلى مرسلها أو مناسبة إرسالها، حاولت التخمين من قد يكون المرسل، لكنها لم تستطع الجزم، لم تعر الأمر اهتماما كبيرا، المهم لديها أن هناك شخصا ما في هذا الكون يتذكر وجود أرملة وحيدة، ويخفف عنها بوردة حمراء، وضعت الوردة في الزهرية وسط البيت، تأملتها قليلا ثم انصرفت لتتابع أشغالها اليومية، في اليوم الثاني، في نفس الموعد، رن جرس الباب، فتحت بتأن، بدت متألقة كعادتها، نظرتها الخجولة و ابتسامتها الشقراء تزيدانها حسنا وإعجابا عند كل من يقابلها، كان الطارق ساعي البريد نفسه، ذلك الشاب المؤدب، وقف بلباقة إلى جانب الباب مفسحا لها المجال للخروج دون حرج، سلمها وردة صفراء، أيضا من مجهول، بدأ الأمر يدغدغ مشاعرها الخامدة منذ وفاة زوجها، ويشغل بالها أكثر، وضعت الوردة الصفراء إلى جانب الحمراء، جلست لتستعيد شريط ذكرياتها، ترى من يرسل الورود، هل يعقل أن يكون ابن الجيران الذي صارحها بإعجابه ذات يوم، أم أستاذ الرياضيات الذي وصفها بمعادلة الجمال الصعبة، ربما تكون صديقة الطفولة هي التي تحاول جرها إلى مقلب جديد، اختلطت عليها الأوراق، فقررت الانتظار حتى يعرف عن نفسه، في اليوم التالي رن الجرس المعتاد تلقت وردة زهرية من نفس الساعي مجهولة المرسل، أصبح الأمر أكثر إثارة، فكرت مليا وجديا في من يهدي الورود بلا مناسبة إلى أرملة منعزلة عن العالم، تذكرت فجأة أن الأرملة هي أيضا "أنثى"، تهدى إليها الورود و أشياء أخرى، تغيرت ملامح وجهها الشاحب وتورد خداها، قامت من فورها إلى الدولاب، أخرجت تشكيلة من الفساتين المختلفة الألوان وضعتها بهدوء فوق السرير ثم جلست أمام المرآة لتسرح ضفائرها الفضية، قضت ليلها في غزل أحلام بلون الماء على صفحة السماء، في الصباح التالي قبل أن يرن الجرس كانت قد فتحت الباب لتستلم هديتها المعتادة، في حلة تفيض أنوثة وحيوية، لم يستطع الساعي الشاب إخفاء انبهاره بحلتها الجديدة، لم يسلمها الوردة البيضاء التي كانت في يده، بل انصرف وتركها مندهشة، قبل أن تستفيق من دهشتها، عاد إليها ليسلمها باقة كبيرة من الورود الملونة مرسلة من شخص معلوم.