وبالوالدين إحسانا
دائماً ما نلتقي بعد انتهاء العمل والعودة فهو مثلي تماماً لا يحبذ الجلوس على المقاهي ، جمعتنا بعض الصفات والخصال المحمودة التي
قد نتشابه فيها ، كانت الرابعة عصراً من يوم الجمعة وحرارة الجو لا تود أن تهدأ من حدتها حتى المكيفات والمراوح التي تعج بها البيوت عادة لا تجدي لكثرة انقطاع التيار الكهربي فنخرج البراح نبحث عن الهواء الطلق أو نفحة من النسيم الطبيعي ، فننتعش كما تنتعش الحياة من حولنا وتدب الحركة بين الناس إذا تسللت نسمة باردة لتلطف الجو ، فعادة ما تكون الحرارة فوق الأربعين ، كان اللقاء بيننا معتاداً من حين لأخر فهي عشرة عمر لم تشوبها شائبة ، يفضي بعضنا البعض ما يؤرق الواحد منا فقد كنت أعرفه جيداً وأعرف الكثير عنه لما بيننا وئام وصدق العشرة ، ولقربنا من بعضنا البعض ، كان الواحد منّا يتحسس الأمور على وجه صاحبه وفي ملامحه وفي نظرة في عينيه ، رأيت سلامة منقبض السريرة ليس كعادته حين نظرت ملامحه ووقعت عينيه في عيني ، أحسست أنه جاء ليقول شيئاً ما ، شيء نغص عليه حياته وبدل ملامحه ، رأيت وشمه حزن اعتلت وجهه الباسم وألم مكظوم يعج يدور في جوفه ومخزونه ، لقد كدت أسمع تأوهه في حشاه بداخله ، خشيت أن أسأله الأمر كالمعتاد في تلك اللحظة ، فرحت أتسلق إليه كي أخرجه من صمته ، لقد كان من الصعب أن أسأله بالرغم ما بيننا ألفة وود، حدقت فيه بعيني وأنظره ، استطلعه ...وأنتظره كي يفك مربوط لسانه ويفض القيد وأربطة سجنه ، وودت لو نزع الخيط الذي حاك به شفتيه فأغلقهما ، لقد كان يأتني مهرولاًً كي يقص على ّ ما يؤرقه وما يسعده ، أما الآن فيبدو أنه محجم تماماً كأنه إلتقم حجراً في فمه .. رحت استدرجه كي يقر بما عنده ويفضي إلىّ بما يحزنه .... استدار سلامة وكأنه يداري وجهه عني وقد تغرغرت عيناه بالدمع وهم بالبكاء ، وضعت يدي على كتفه أربت عليه وأهنهه كطفل
وأخفف ما به ألم ، حرك شفتيه وقد أسبل جفنا عينيه وكأنه وراح ينزع خنجراً
مسموما ًغرس في صدره وجاء لينزعه أمامي ، لقد كان الطائر المذبوح الذي يرقص طرباً من سكرة شدة الروح وهو يقول : قتلتني ابنتي وقتلت كرامتي وجاء بزوجها ليضربني في بيتي ..
قالها سلامة : وهو يهدر كالرعد من شدة الألم والبكاء يعقبها سلامة بجملة (هلك الزرع وضاع المحصول )
بقلم : سيد يوسف مرسي