بعد أن استدار تاركا إياها تنتظره على محطة الباص ، راودته أفكار العودة إليها ، لكنه تغلب عليها و استمر فى طريقه مبتعدا ، كانت واعدته أن تنتظره هذا المساء راجية أن يسامحها على تركه دون سبب و دونما كلمة واحدة ، حينها لم يفهم كيف لها أن تتركه وحيدا بعد هذه السنوات ، أحبها و انتصر لحبها على كل الظروف و الألام ، هجر أهله إليها فلم يعد له رفيق سواها ، و جاهد أن يسعد أيامها و فجأة تركته دون حتي كلمة وداع ، تركته يقتله السؤال و الحيرة ، ملايين الأسئلة تنهال عليه كل ليلة باحثا عن سبب ، لم يستطع رغم كل محاولاته أن ينسي و يمضي فى حياته ، إلي أن هاتفته تطلب منه أن يسامحها و أن يقابلها على محطة الباص كما تعودا دائما ، فاتخذ طريقه إلى حيث اللقاء ، كان يسير فى الشوارع لا يشعر بهذا الضجيج من حوله ، يتخبط بين الناس ، تلمع فى عينيه أضواء السيارات و الحافلات فلا يراها ، لا يري سوي ذكريات ممزقة ملقاة بين طيات قلبه و عقله ، تري لم عادت ؟ لم تركته؟ لماذا استجاب على الفور إلي طلبها حين هاتفته ؟، لم يفكر لحظة بل ارتسمت على شفتيه ابتسامة و هم إليها ، وقف على الرصيف المقابل بالقرب من محطة الباص ينتظرقدومها ، و حين رأها تتهادي قادمة ، لم يدري لماذا لم يشعربقلبه يرقص فرحا كما كل لقاء ، وجدها غريبة عنه ، لا تشبه حبيبته التي قضي سنوات عمره يأمل أن يجتمعا إلي الأبد ، و ألا يفرق بينهما سوي الموت ، و حين وقفت تنتظره ، تتلفت حولها باحثة عنه ، أدرك أن العودة إليها أشد إيلاما من فراق ، أدرك أنه لن يحتمل أن يعود لتتركه مرة أخري فريسة للحيرة و الحزن، فودعها بنظرة أخيرة وألقي بهاتفه فى سلة المهملات التي يقف بجانبها على الرصيف المقابل ، و استدار تاركا إياها تنتظره بلا قدوم.