... ويمضي قطار الحياة ونتيه في فظاءاته الشاسعة و يطير خيالنا في غاباته الواسعة و نضل لساعات، أيام، شهور بل وسنين تائهين فيه لا يعرف بعضنا بعضا، رغم أننا إخوة، لكن الظلمة غطت على الوجوه وضجيج السكة شوه الأصوات، بعض العيون تتراءى في الظلام لامعة وبعضها دامعة، و الأذان سامعة، يهتز القطار فيتخبط بعضنا ببعض، فيصرخ البعض ويضحك البعض ويسقط البعض فيدوسه الآخرون، نتحسس كرسيا فارغا في الظلام فنتسارع للجلوس عليه، لكن احد المسافرين يرمي درهما إلى الجهة الأخرى، فنتناسى أمر الكرسي ويجلس عليه صاحب الدرهم، بينما نحن مازلنا نتزاحم و نتحسس في الظلام مكان سقوط الدرهم، فنتدافع بالمناكب فتعلوا الأصوات ويشتد الصراخ لكن الأذان صارت صماء، و أخيرا يجد احدنا الدرهم الذي ما يكاد يلمع في يده حتى يخطفه منه شخص آخر فنتخاطفه بالأيدي حتى يصل إلى امرأة تخفي الدرهم في حجرها فيدخل احدهم يده ليأخذه فيلدغه عقرب، ينتهي مشكل الدرهم فنطارد العقرب الذي لا نكاد نقتله حتى يظهر آخر أو آخرون فتلدغ الكثيرين، لكن عقارب القطار سمها لا يقتل لكنه يعدي فما إن تلدغ أحدا حتى يحس الآخر باللام فتنتشر العدوى، كانت شباك العناكب قد انتشرت في كل أرجاء القطار فلا تكاد تمد يدك أو رجلك أو حتى لسانك للحديث أو ترفع حاجبيك عاليا حتى تعلق في إحداها، وقد اصطادت معظم الركاب، فجأة يعم الصمت والسكون، لا اثر لأي حركة أو صوت، فيفتح الباب و يشرع المسافرون في النزول فليس للقطار نوافذ أو منافذ ليس له إلا باب واحد، يجد المسافرون أنفسهم في المحطة و أية محطة، إنها المحطة التي انطلق منها القطار، تتجهم الوجوه ويبدأ التساؤل، هل سار بنا القطار ذهابا و إيابا؟ أم دار بنا حول الأرض ثم عاد إلى منطلقه؟ و الحقيقة أن القطار لم ينطلق بل ظل في المحطة إن لم يتراجع إلى الخلف، أما الضجيج و الاهتزاز الذي سمعناه إنما هو صادر عن القطارات الأخرى التي كانت تمر علينا طوال الوقت و ربما اصطدم بنا أو داسنا بعضها حين وجدنا في طريقه، تسود خيبة الأمل وتكتشف المرأة أن الدرهم مزيف وصاحب الكرسي يجد انه ليس إلا كرسي مرحاض، أما العقارب فكانت مروضة وكانت تلقى علينا من القطارات الأخرى كي ترعبنا و تربكنا وتشغلنا عن القطار فنبقى دائما في المؤخرة.