الجدار

[م. وليد كمال الخضري]

يمشي في شوارع برلين بمعطفه الثقيل وبخطوات ٍهادئة تنم عن شخصية غريبة الأطوار.كان معروفا بين أصدقائه بالمايسترو لا يعرف لماذا أطلقوا عليه هذا اللقب؟ ربما بسبب حبه المفرط لموسيقا بيتهوفن... أو ربما بسبب شخصيته الريادية بينهم ...
يمشي في شوارعٍ حفظها عن ظهر قلب منذ خروجه من فلسطين وبعد جولة من الشقاء والتعب في أرجاء الوطن العربي الحاضر الغائب حفظ هذه الشوارع بتفرعاتها وأرصفتها بل وعدد أعمدة الانارة بها وذلك بحكم عشقه لممارسة المشي كل صباح.
أثناء سيره في هذه الشوارع لا يعرف ما الذي أحيا في ذاكرته ذكرى تحطيم جدار برلين الشهير. هذا الجدار الذي تم تحطيمه بعزيمة الشعب الألماني وقد توحدت ألمانيا بعدها .
كان معجبا بإصرار الألمان وبانتمائهم ورغم حصوله على الجنسية الألمانية الا ان جذوره العربية ما زالت محفورة بداخله.ودار حوار جاد بين الرجلين بداخله، الألماني الذي يعيش الحرية بكل أشكالها متمثلةً بحرية الرأي وذلك العربي الهارب من واقعه المر الذي عاشه في أرجاء وطنه العربي حيث لا يستطيع أن يعبر عن رأيه أو أن يمارس حريته كما يشاء فهناك خطوط حمراء لكل شيء وهناك مقص الرقيب في كل زاوية ومجال.
بدأ الألماني قائلا ها نحن قد وحدنا ألمانيا وحطمنا الجدار اللعين لنعيش معا وسويا ماذا فعلتم أيها العرب ؟
يجيب العربي بحرقة وخجل لقد بنينا مزيدا من الجدران ووضعنا مزيدا من الأسلاك الشائكة على الحدود بيننا ولكننا نحتفظ بجامعة الدول العربية
حينها تدخل الألماني تقصد اتحاداً يشبه الاتحاد الاروبي.
جاء صوت العربي من داخله هذه المرة بضحكةٍ مرةٍ كالعلقم وقال ما بالك تهذي ؟؟.
فأروبا التي لا تجمعها لغة ولا تجمعها حضارة ولا ثقافة واحدة توحدت أما نحن أصحاب الحضارة واللغة الواحدة لم نفعل شيئاً سوى أننا عززنا فرقتنا وفرضنا مزيداً من التأشيرات المرورية على حدودنا من خليجنا الى مغربنا
*أين أنت يا مايسترو؟؟
أفاقه هذا الصوت من الدوامة التي كان بها بل أنقذه من ذلك الحوار الصعب الذي كاد أن يقتله.
أجاب بسرعةٍ بعد غياب عنصر المفاجأة أنا هنا في برلين.
*أعرف يا مايسترو أننا في برلين منذ عشرين عاما....
اقترب منه صديقه ورفيق عمره معانقاُ وقائلاً:
*كما أنت يا مايسترو لن تتغير منذ أتيت إلى هنا وأنت تقيس الشوارع كل يوم يجب على بلدية برلين ان تمنحك جائزة الصديق الوفي.




*ابتسم قائلا وأنت كما أنت تسمعني هذه الكلمات كل يوم .
بعد هذه المحادثة اللطيفة جلسا يحتسيان القهوة في مقهى صغير على قارعة الطريق

*أتعرف دار حوار بداخلي قبل قليل كاد أن يقتلني حوار بين ذلك الألماني الذي أشعر أنه قد غزى عروبتي وبين ذلك العربي الذي ما زال متشبثا بي ولم يتركني.
*نظر اليه وسأله بطريقة مذيعي الأخبار ما فحوى ذلك الحوار؟
حوار قارن بين الوحدة الألمانية والوحدة الاروبية وبين الوحدة العربية التي نحلم بها والجدران التي تفصل بين العرب وتحول دون وحدتهم
. *ومن انتصر في الحوار؟
*لا أعرف فقد باغتني صوتك قبل أن انهي الحوار
*ابتسم صديقه قائلا:
أنصحك أن تذهب إلى طبيب أشعر أن لديك اضطراباً في الشخصية
*أطلق ضحكة عالية كسرت حاجز الهدوء الذي في المكان قائلا:
ما رأيك أن نذهب معا .
أطلقا ضحكة قوية هذه المرة أزعجت رواد المقهى فأرتشف كل منهما ما تبقى من قهوته وانطلق كل منهما الى عمله وما زال ذلك الصراع بداخل كل واحد يزداد ويزداد ودون معرفة متى سيكسرون ذلك الجدار الذي يفصل بين عروبتهم وألمانيتهم . متى ؟؟

[ريمه الخاني]

مررت ولك التحية والاحترام وبالتوفيق ان شاء الله اول مرة اقرا لك

[م. وليد كمال الخضري]

ريما الخاني سعدت بمرورك الجميل وارجو انا لا تكون اخر مرة