الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > منتديات اللغة العربية والآداب الإنسانية > منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي

منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي هنا توضع الإبداعات الأدبية تحت المجهر لاستكناه جمالياته وتسليط الضوء على جودة الأدوات الفنية المستخدمة.

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-07-2009, 10:12 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عبد الله لالي
أقلامي
 
الصورة الرمزية عبد الله لالي
 

 

 
إحصائية العضو







عبد الله لالي غير متصل


افتراضي قراءة نقديّة في رواية: بيت من جماجم

قراءة نقديّة في رواية:
بيت من جماجم
لشهرزاد زاغز.01
مدخل:
" ها هو القلم إذن...الأكثر بوحا والأكثر جرحا، ها هو الذي لا يتقن المراوغة، ولا يعرف كيف توضع الظلال على الأشياء. ولا كيف ترش الألوان على الجرح المعروض للفرجة... "

أحلام مستغانمي
توطئــــة:
وأنا أطوي الصفحة الأخيرة من رواية " بيت من جماجم "02 لم أتمالك نفسي أن قلت :
" أكل هذا مخبأ في صدرك يا شهرزاد ؟ ".
إنها رواية معبأة بزخم من الأفكار والصور والأسئلة والفجائع، أكاد أجزم أنه لم يحدث أن مررت – وأنا أقرأها- بصفحة لم تثرني فيها عبارة أو تسحرني صورة فنية أو يهزني سؤال محير أو يربكني تناقض عاصف، هل أكون مسرفا في المدح إذا قلت أن هناك" غادة سمان" الجزائر بدأت تتشكل ملامحها من خلال هذه الرواية "المميزة "أم هي أحلام مستغانمي ثانية جاءت لتضيف حلقة ثانية إلى سلسلة ذهبية شكلت " ذاكرة الجسد"أولى حلقاتها؟
رواية ثرية بالفن، ثرية بالمشاعر الإنسانية، تشكل الأسئلة الهاطلة مفتاح الدخول إلى عالمها المربك.
ولقد آسفني كثيرا أن لا أحد قدم لهذه الرواية، لكن هذا الأسف زال شيئا فشيئا عندما أيقنت – وأنا أبحر في أعماقها – أنها رواية تقدم نفسها بنفسها، فهي رواية مغامرة تداخل فيها الرمز بالدلالة المباشرة، الواقع بالخيال، المعقول باللامعقول.
لا أحد من متذوقي الأدب يخطيء وهو يقرأها أن يلحظ مكوناتها الأساسية؛ أسلوب شاعري، سرد فجائعي "شهرزاد زاغز تتقمص شهرزاد ألف ليلة وليلة ".. أسئلة فلسفية تغوص في أعمق أعماق تلافيف الذهن ..
بداية:
بدءا سأعمل على إيجاز أحداث الرواية حتى أضع القاريء في الإطار المناسب لهذه الدراسة..
بطلة الرواية صحفية متعاونة تعمل في صحيفة " الرأي "مع زميلتها حميدة التي تسكن معها في غرفة واحدة بأحد الأحياء الجامعية . تصاب البطلة " سميرة " بصراع نفسي حاد بين أدائها الفلكلوري في تغطية المهرجانات والزيارات الرسمية، وتسليط الأضواء على من يسكنون هناك في" الأعالي" وبين رغبتها في تغطية الحدث الحقيقي الذي يعيشه الناس البسطاء المقهورون الذين يعيشون في الحضيض، أين يقبع " جسد التعب "كما تسميه الكاتبة في كل زاوية وفي كل شارع وعلى كل رصيف ، وتستجيب ليقظة الضمير فتسخر " السبر كونيكا" مصورتها لنقل صور الحقيقة كما هي لا كما يبهرجها المزيفون ممن يتغذون على بؤس الآخرين وشقائهم ، وتصطدم بعدة عقبات منها:
شخصية رئيس التحرير المتوجس واليقظ أكثر مما ينبغي، والتهديدات مجهولة المصدر التي تتلقاها بين حين وآخر، وتلتقي وجها لوجه بجمجمة"الأمير"حيث تلج بنا إلى عالم اللا معقول وتحول الجمجمة إلى أحد شخوص الرواية المهمة، بل تصير محورها الجوهري فيما تبقى من أحداث، وتنجح سميرة في آخر المطاف بمساعدة رفيقتها حميدة في إيصال رسالتها عبر عديد من الصحف والمجلات التي أودعتها استطلاعها المصور عن عالم "الجمجمة وجسد التعب " لكنها في النهاية تلقى مصيرها المحتوم في مثل هذه الحالات، عندما يصارع البطل مثل " دونكيشوت" طواحين الهواء في غبش الفجر الكذوب، فتختطف من غرفتها رفقة زميلتها حميدة ، وتنشر نعيهما صحيفة "الرأي "التي كانتا تعملان بها، بعد عثور قوات الأمن على جثتيهما، وذلك المصير هو المآل الطبيعي لرؤية الكاتبة وموقفها كما تقول في صفحة 27: "إننا ندفع ثمن الحلم المبالغ فيه".
الحدث والشخوص:
أحداث الرواية الخارجية قليلة ومحدودة ونقصد بالحدث الخارجي هنا هو حركة الأشخاص الجسدية وتفاعلاتهم مع بعضهم بعضا ماديا في إطارهم الزماني والمكاني..
البعد المكاني :
ومن خلال المنظور السابق يمكن تلخيص هذه الأحداث في بضعة أسطر كما فعلنا آنفا، وهذا يقودنا إلى دراسة الرواية والنبش في بعديها الزماني والمكاني.
فالبنسبة للمكان فإنه لم يخص من الكاتبة بمساحة هامة في الرواية فإذا أخذنا غرفة إقامة البطلة مثلا فإننا لا نكاد نعثر على وصف دقيق ومفصل عنها، إذ تعمد الكاتبة إلى التعميم والإشارة السريعة الخاطفة كلما استلزم السياق ذلك، وذلك هو نهجها في الحديث عن بقية الأمكنة، فالأمكنة الثلاثة الرئيسة التي تدور فيها الأحداث، تصفها الكاتبة باقتضاب شديد، تقول عن غرفة سكنها صفحة 10:
"في بيتي كل شيء يعوم في الفوضى... "
وتقول عنه أيضا في صفحة 12:
" أليس مضحكا أننا نسكن هذا البيت الملحق بالحي الجامعي للبنات ؟.. "
وغرفة بهذه المواصفات غير المحددة بعناية يمكن أن تكون في أية مدينة أو أي حي، فلا خصوصية هناك ولا تميز.
أما مقر الجريدة حيث تعمل البطلة فيحظى بنعت أقل، ففي صفحة 36 مثلا:
" وجدت الطريق المؤدي إلى مقر الجريدة قريبا جدا، فهرولت مذعورة، وكأن هناك من يترصد حركاتي.. دخلت.. الضوء الأحمر يشير إلى اجتماع طارىء السكرتيرة تبادرني في إلحاح :
"إنهم ينتظرونك ".
فهو مجرد مكان وحسب.
أما المكان الثالث فهو المدينة وشوارعها حيث تمارس البطلة عملها الميداني ففي صفحة 6 تحاول إعطاءنا-بعبارات متقطعة – صورة باهتة عنها:La battoire
" لون الحيطان يتكشفني، يأخذ لون ثياب لامرأة عجوز تسند ظهرها التعب.. كان جسد التعب واحدا فوق هذه الأرصفة الباردة يرفع عينيه المنطفئتين ويمضي السائرون أبدا إلى الصقيع ... أراهم يصطفون بالآلاف أمام باب الهلال الأحمر ... على طول الشارع المؤدي إلى" المجزرة "
وتستمر هكذا في تجاهل المكان بمعناه المادي ولا تذكر من تفاصيله إلا ما كان ضروريا جدا، إنها طريقة الشعراء في الكلام.
الفضاء الزماني :
فإذا جئنا إلى الفضاء الزماني للرواية فإننا نجده فضاء مهلهلا غير محدد بدقة لا يأخذ الأهمية الكاملة من طرف الكاتبة فبالإضافة إلى عدم تأريخ زمن كتابة الرواية فإن الحيز الزماني لتفاعلات الأحداث؛ متروك أيضا للقاريء يستشفه من خلال الإشارات والدلالات غير المباشرة، فليس هناك سنة أو شهر يمكن أن نحصر فيه متن الرواية، لكننا من خلال الاستقراء نعرف أنه لا يتجاوز ما سمي بالعشرية الحمراء، عشرية الدم والنار التي مرت بها الجزائر، وربما استطعنا تحديد الزمن على وجه التقريب بين عامي 1992و1995م، أي أواسط التسعينات ومن الإشارات الدالة على ذلك يمكن أن نستأنس بالعبارات التالية، تقول الكاتبة في صفحة 4:"رمقني بإشارات باردة ثم ببرود أكبر ركب السيارة من نوع إكسبرس بيضاء اللون، كان يضغط المكبح بشدة مخلفا وراءه غبارا كثيفا...لماذا فعل هذا معي ؟ هل أنا خطرة إلى درجة أن كفني يعد سلفا ؟؟".
وبطبيعة الحال فإن ظاهرة تهديد الصحفيين وإرسال الأكفان إليهم في طرود أو بطرق أخرى عرفت منذ التسعينات، فهذه دلالة أولى، أما الثانية فهي قول الكاتبة:
" لقد تركوا فزعين أحدا مقتولا بمسدس كاتم للصوت..." التسعينات هي أيضا عشرية الاغتيالات الكثيرة التي زرعت الرعب في نفوس الناس وصارت الجثث تطالعهم في الشوارع وعلى الأرصفة صباح مساء.
والدلالة الثالثة ما ذكرته الكاتبة من عناوين لمجموعة من الجرائد بعضها لم يظهر إلا في هذه الفترة مما يضعنا في الفضاء الزماني للرواية بشكل أدق وذلك مثل جريدة"الحقيقة" و"الصباح ".
فالكاتبة أضربت عن تحديد الزمن بشكل مباشر ومن ثمة نعود إلى ما قررناه سابقا أن الفكرة المجردة قد طغت على المتن الروائي وزحزحت الفضاء ين المكاني والزماني وطغت حتى على الشخوص المادية ، وكان التركيز الأكبر على الحدث الداخلي ،أي الهاجس النفسي الذي يمور في أعماق الذات القلقة .. ومن ثم فإننا نجد الحدث يأخذ الحيز الأوفر من حجم الرواية وذلك هو السبب الثاني في تقليص الفضاء الزماني والمكاني بمفهومه المادي داخل المتن الروائي .
حتى شخوص الرواية فإنها ضامرة جدا إذا لحظناها من الخارج أو أردنا عدها كميا ، فأبطال الرواية الأساسيون لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة وهم (حميدة،سميرة ، رئيس التحرير ..) وهناك أبطال ثانويون تشير إليهم الكاتبة بإشارات سريعة وخاطفة وهي بذلك متناسقة جدا مع طريقتها في تجاهل الماديات والالتفات إلى الرموز والدلالات البعيدة .
فإذا أهملنا رئيس التحرير الذي لا تعيره أي اهتمام وصفي جاد ، فإننا نجد ملامح البطلة الثانية " حميدة " باهتة وشخصيتها غامضة إلى حد ما، لم تتطور داخل النص بشكل تراكمي ، بل تفاجئنا هذه الشخصية بموقفها الجريء في نهاية الرواية الذي كانت كل الدلالات السابقة تشير إلى ضده " هروبها من المواجهة والاعتكاف في بيت أهلها"ولاسيما أن البطلة تقول عنها في صفحة 39:
" .. إنها كانت أكثر تفهما مني للوضع لهذا ربما قررت أن تطلق الصحافة وهروبها ليس أبدا جبنا "، أما بطلة الرواية "سميرة "فإن الكاتبة تصفها خارجيا أيضا بإشارات خاطفة كقولها في صفحة 3 ":
وجهي في المرآة وجدته صباحا شاحبا عييا يقطر أرقا " فصورة البطلة نفسها مغبشة غير متضحة الملامح الخارجية، إنه بطبيعة الحال الحدث الداخلي والبركان العاصف الذي يتململ في صدر البطلة ويقرض ذهنها المكدود ،إنها الأسئلة وعلامات الاستفهام الكبيرة التي تقف حائرة عاجزة داخل ذاتها ، ضامئة إلى الأجوبة القطعية ،الأجوبة الشافية .
ولذلك فلا نعجب إذا رأينا أن أسلوب المونولوج يغلب على أسلوب الرواية ويحتل أكبر حيز فيها، والمنولوج أو مناجاة الذات والأشياء الجامدة أسلوب جيد للغاية عندما يحاول الكاتب حل عقد نفسية أو قضايا فلسفية تهز وجدانه وتعصف بكيانه..
وهذا ما دفع بالكاتبة إلى ابتداع شخصيات أخرى خارج الشخصيات النمطية ، ومن هذه الشخصيات يمكن أن نشير إلى :
1 – السبركونيكا .
2 – الجمجمة .
3 – جسد التعب .
إنها شخصيات وهمية لكنها شخصيات أكثر حضورا وأكثر صدقا من كثير من شخصيات الواقع المزيف. فالسبركونيكا " المصورة "يبدأ ذكرها في الرواية من السطر الثالث ثم تبقى حاضرة مع الأحداث إلى أن تحل محلها الجمجمة وربما كانت السبركونيكا هي البطل الرديف للبطلة الأساسية ، يوازي زميلتها حميدة وربما يفوقها حضورا وتأثيرا في أحداث الرواية ".
فمثلما أن حضن حميدة دافيء تلجأ إليه البطلة وتغوص في أعماقه فرارا من بشاعة الواقع : " فتحت ذراعيها واسعا كما كانت تفعل من قبل وطرت أنا إلى أحضانها كطفلة في الخامسة " فكذلك فإن" السبر كونيكا "الحمراء تشعرها بالدفيء كما تقول في موقع آخر " ..هي معي أعتني بها بشكل أهملت معه وجهي .. ".
وتقول مرة أخرى : " لم أستطع إلا أن تكون رفيقتي الدائمة منذ خمس سنوات " .
ونجدها في كثير من الفقرات تتحدث عنها وكأنها كائن حي من لحم ودم ،تقول في موضع آخر :
" السبركونيكا هي الأخرى عاجزة عن احتواء كل هذا البؤس ..سأبدو ساذجة لو أرغمتها على هذا .. "
وفي صفحة 8: "أجد السبر السبر كونيكا تتململ من جديد تضج بأصوات مخيفة تشبه حشرجة تنبعث من بعيد ... "
وفي صفحة 25 تقول :" ليشهد الجميع كم هي متعبة وصبورة هذه الآلة ... تعب وصبر قادران على مسح تعب آلاف العمال وصبر مئات الأمهات ..." . غير أنها في لحظة يأس في لحظة تناقض مثير أو لحظة مواجهة للواقع بغير أحلام مزركشة ، لحظة اليقظة الفجائعية، تقول : " وأنا تحت زخات الماء المثلج وعيت كم يكون العالم موحشا بلا رفيق لا " السبر كمونيكا " ولا الجمجمة ، ولا حتى أنفاسي الملتهبة تشعرني بالمؤانسة ... "
إنها لحظة المكاشفة والتجلي حيث يزول الغبش ويصير البصر من حديد .
والشخصية الثانية من عالم المادة والتي تكسوها الكاتبة حياة وحركة هي شخصية الجمجمة، جمجمة الأمير، ولا تحدد لنا الكاتبة بدقة هذا الأمير ،لكن التفكير سيتجه مباشرة إلى الأمير عبد القادر الجزائري ، فهو الشخصية التاريخية الوحيدة في الجزائر التي إذا أطلقت كلمة الأمير فإنه لا يقصد غيرها ،ثم إن هناك دلالات داخل النص تساعدنا على التأكد من شخصية الأمير المقصود ، وذلك مثل قولها في صفحة 35:
" لقد ضاعت جمجمة الأمير ... لقد نبش مجهولون قبر الأمير وسرقوا جمجمته " .
وقولها كذلك في صفحة 35 :
"وجدت صدري يتسع لكبرياء الأمير ولتطاوله ولشموخه ولفرسه الجموح ... "
فجمجمة الأمير غدت بطلا رديفا آخر يؤثر في مسار أحداث الرواية ، وإذا كانت " السبر كونيكا " هي أداة البحث عن الحقيقة فإن الجمجمة هي الحقيقة ذاتها ، التي تنبعث من بين طيات تربة الوطن مثل طائر الرماد الذي يحيا من جديد ، وعندما نرجع إلى المتن الروائي فإننا نخلص إلى جملة من الحقائق أرادت الكاتبة إشراكنا في تحمل جزء من عبئها الثقيل الذي ينوء به صدرها:
الوطن ضائع ومشتت وناسه الذين يمثلون عمقه وبعده الحضاري واقعون بين ألف مطرقة وسندان وتلخص الكاتبة صورة تلك المأساة في عبارة واحدة " كان جسد التعب واحدا على الأرصفة ..."
ولم يعد هؤلاء الناس يتقنون شيئا سوى الانتظار " الانتظار في هذا الزمن أصبح عملة صعبة ... وهم لا يحسون بوجودهم إلا وهم يقومون بفعل الانتظار..." وأمام فداحة الخطب تطرح الكاتبة حلا هو مزيج من نضال الحاضر والماضي ، نضال سيرة الصحفية التي تريد كشف الحقائق وتعرية الواقع البشع ، ونضال الماضي المتجسد في جمجمة الأمير ،رمز التاريخ المجيد والجهاد الطويل دفاعا عن الوطن المغتال ،لكن هذا التاريخ – الذي هو مركز الانطلاق نحو الخلاص – يراد طمسه أو اغتياله هو الآخر بشكل من الأشكال ، والمؤامرة على هذا التاريخ تحاك من جهتين متناقضتين ،جهة تزعم أنها وحدها تملك التاريخ وأنها صاحبة الحق المطلق في إرثه التليد ولها أن تتصرف فيه كما يحلو لها، وفئة أخرى تقول :
" التاريخ للمزبلة " إنها تكفر برموز الماضي التي اتخذها أرباب الحاضر مطية لبلوغ مآربهم وتحقيق أطماعهم الخبيثة ، فتقول في شبه حيرة وارتباك " لست أفهم هل هو أميرنا أو أميرهم ؟".
ويمكننا طرح السؤال بطريقة أخرى : " لمن حق امتلاك التاريخ ؟؟ "والجواب الذي لا تفضي به الكاتبة وتتركه للقاريء يتصوره كما يريد هو أن التاريخ ليس بضاعة مزجاة ... التاريخ أسمى من أن يباع ويشترى ولكن الناس لا يدركون .
وبما أن الجمجمة هي رمز التاريخ صارت إحدى شخوص الرواية المهمة ولم تعد مجرد عظم مهتريء فإن الكاتبة تضفي عليها وصفا دقيقا ومركزا بخلاف شخوصها الأخرى ،إذ الوصف هنا لا يحيل على المادة بقدر ما يحيل على الدلالة الرمزية :
" جمجمة تتبدى لي نظيفة ومضيئة ،تقدمت نحوها مفتونة ،مسيرة بإحساس غامض ومثير رأيت بريقا محتدما في محجري الجمجمة ،كانت تفاحة القلب تنوس في شبه خوف ... "، كانت الجمجمة تحتفل تحت غمازات الكاميرا وكأنها تعيد تفاصيل الاندماغ في جذور الأشجار ... ".
وتصفها أيضا في صفحة 33:
" أنظر إلى الجمجمة شزرا ... أجدها الآن أكثر إثارة ،أكثر إضاءة ، وأكثر بريقا وكأنها تعي هذا الذي يتناقله الرأي العام والخاص بمزيد من الاهتمام "
الأسلوب السردي :
المناجاة :
اتكأت الكاتبة على تقنية " المناجاة "أو المونولج اتكاء شبه كلي في معالجة تطورات الأحداث وبما أن أسلوب المناجاة أسلوب ذهني فكري على المستوى الأول فإن هذا الأسلوب هو أقرب إلى الموضوع وأجدى في طريقة السرد ، فالإنسان يحاور نفسه .. - درى ذلك أو لم يدر- أكثر مما يحاور الآخرين وتتصارع الأفكار في ذاته قبل أن يصارع بها الآخرين أو يناقضهم الرأي . وربما كان الإنسان في الوقت الذي يحاول فيه دحض حجة الخصم ، يدحض حجة نفسه دون أن يشعر وقد يغير المرء أفكاره في العمر مرات ومرات ، فلا عجب أن تكون المناجاة هي أكثر التقنيات السردية كشفا لخبايا الذات وغوصا في أغوار النفس ، وبطبيعة الحال ضمير المتكلم هو السيد في هذا المقام : (فعلت + أفعل ).
صراع الكاتبة مع الواقع البشع يبدأ في نفسها أولا قبل أن تنقله إلى رئيس التحرير أو إلى صديقتها حميدة :" قضيت ذلك اليوم أمشي، وأمشي ما أن أدخل حيا من الأحياء حتى تجدني أحصي من جديد هزائمي ...لم أكن كما توهمت امرأة اللحظات الصعبة "صفحة 16.
وتقول قبل ذلك في صفحة 15:
"هم هؤلاء يبيتون الليالي الطوال دون شيء يسد رمقهم ،وهناك في الأعالي في المرتفعات من يقتله البطر ...أي زمن لقيط يجمعنا بهؤلاء ... وأطبقت الباب على هذه الرغبة الطافحة .. "السبر كونيكا "عاجزة هي الأخرى على أن ترقص بأضوائها على هذا الوجه العاري في سكون مغيظ ... تركته وأنا أحصي هزائمي".
وتضيف أيضا : "الغرفة السوداء باتت فارغة إلا من الوجوه المتلصصة لا بد من المشي طويلا لأتعثر بالوجوه التي صهدتها شمس أوت الحارقة .. سعال صدور ممتلئة بغبار الإسمنت وحبيبات الرمل العطنة". وهي لا تلجأ إلى الحوار إلا في حالات قليلة باقتضاب وإذا طال الحوار نسبيا تخللته تقطعات من المناجاة الداخلية.
ففي حوارها مع حميدة صفحة 40 يستمر هذا الحوار إلى صفحة 41 ثم تتخلله مناجاة :
" آه سميرة ... اللحظة فقط تأكدت أنك تحملين أخبارا مهمة ... هيا حدثيني بهدوء واحدة واحدة .
هل يمكنني أن أخبرها عن هذا الذي يحدث ؟هل هي قادرة على تصديقي ؟.. "
أما الوصف فهو يكاد يكون منعدما .. إلا ما كان تحليلا للأفكار والمشاعر وكيفية اضطرابها بالذات.
النبض الشعري:
إن من أهم مميزات الرواية الحديثة والتي لقيت رواجا كبيرا وصدى واسعا هو سمتها الشعري إذ تستعير من الشعر نبضه وحرارته وتحليقه في الآفاق السامقة.
ورواية" بيت من جماجم " تكاد تكون نصا شعريا مطولا لولا بعض الصفحات القليلة التي تضطر الكاتبة فيها إلى الأسلوب التسجيلي، بل إننا في بعض الصفحات نوشك أن نجد قصائد " حرة " يكاد ينسى معها القاريء أنه يقرأ رواية تسرد حدثا متسلسلا ومتطورا ومما يساعد الكاتبة على ذلك تركيزها على الفكرة أكثر من تركيزها على الحيز الذي تدور في إطاره تفاعلاتها.
ففي صفحة 6 وما بعدها يمكن أن نجد قصيدة متقطعة المقاطع يسهل علينا تسميتها قصيدة " جسد التعب " وإذا حاولنا لملمة شتاتها كانت كما يلي على وجه التقريب:
" لا لون لوجه التعب...
كان جسد التعب واحدا،
فوق هذه الأرصفة الباردة...
يرفع عينيه المنطفئتين...
ويمضي السائرون أبدا...
إلى الصقيع...
مازال متسع من الشهوة العابرة.
جسد التعب واحدا.
الأيام الصعبة تركب وجوه الواقفين...
مازالت أصوات الراكضين،
تملأ رأسي.
كان جسد التعب واحدا،
فوق الأرصفة ".
إن هذا المقطع الروائي "الشعري" يشبه القصيدة المترجمة ويذكرني بأسلوب الرافعي في قصة اليمامتان" وفي معظم صفحات الرواية يهزنا هذا الأسلوب الرائع ويمتعنا. ومن ذلك يمكننا أن نستمتع بهذا المقطع المثير في صفحة 41:
"هل أخبرها بذاك الحبيب الذي يختبئ في بيتي.. يختبيء في صدري، في كل أجزائي.. لقد تماهى في.. أشعر أننا واحد هو أنا و أنا هو.. الفرق الوحيد بيننا أنه كان يحمل سيفا، وأنا أحمل السبركونيكا، وأنه كان يركب حصانا، وأنا أركب الحافلة.. إنه يعود إلي من الأقاصي، من أقاصي مقبرة، يطلب اللجوء، فكيف أرده ؟؟ ... "
ومع ذلك فإن هذا النبض الشعري تخللته أحيانا عبارات بسيطة وربما ساذجة شوشت عليه تدفقه وجريانه السلس، ومن ذلك ما ورد في صفحة 46:
"... لا أعرف بالضبط لماذا اختلطت الشؤون هكذا. شؤون الزمان والمكان... "
كلمة الشؤون في هذه العبارة ثقيلة وتخلو من النغم الموسيقي المحبب في السرد الشاعري .

....يتبـــــع .........






 
رد مع اقتباس
قديم 17-07-2009, 10:22 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عبد الله لالي
أقلامي
 
الصورة الرمزية عبد الله لالي
 

 

 
إحصائية العضو







عبد الله لالي غير متصل


افتراضي رد: قراءة نقديّة في رواية: بيت من جماجم

الأسئلة الفلسفية:
الأسئلة هي ملح الرواية ومفتاح مغاليقها العصية، وتقنية الأسئلة تجعل القاريء في يقظة دائمة وحوار مستمر مع الكاتب أو بطل الرواية وشخوصها وإني لا أتخيل رواية جيدة بغير أسئلة ترصع فصولها وتكون علامات دالة تهدي القاريء في منعرجات السرد المتصل، ورواية شهرزاد زاغز معبئة بدفق من الأسئلة المتلاحقة ولا تكاد تخلو صفحة من صفحاتها من سؤال مثير أو مقلق،وأسئلة هذه الرواية ليست بسذاجة الأسئلة التافهة التي ربما أثقلت كاهل الرواية والقاريء أيضا وتجعله يلقي بها بعيدا ، إنها عكس ذلك تماما ،إنها أسئلة محكمة تجعل شعر القاريء يقف ونبضه يتسارع وأنفاسه تتلاحق من ثقل ما يقع على ذهنه وإدراكه ، وقد صاغتها الكاتبة بعناية مدهشة ،بحيث تجعل من السؤال ذاته صورة فنية قائمة على حدة ، ويكفي أن أمثل على ما أقول بالمثالين التاليين :
" هل تدركين معنى أن تكون لك القدرة على إعادة الألق إلى العيون؟"
" هل بإمكاني الخروج من ثقوبها؟هل بإمكانها الخروج من ثقوبي؟ هل بإمكانها تمزيق لوح الذاكرة ؟"
ويمكن أن نقسم أسئلة الرواية إلى نوعين رئيسيين:
1- أسئلة لا تحتاج إلى أجوبة:
لأنها تحمل أجوبتها في ذاتها، وربما كانت تحتمل عدة أجوبة.
2- أسئلة تجد أجوبتها في تتابع السرد الحكائي.
ومن أمثلة النوع الأول:
وهو أهم النوعين وأعلقها بالصورة الإبداعية، يمكن أن نذكر مايلي:
تقول الكاتبة في صفحة 5 :
" إني أتعثر الآن بالوجوه القديمة... لعشرات الشخصيات التي مرت من هذا الثقب، في هذه الغرفة السوداء كم مرة دام تمططها كم دام استعراضها الكرنفالي ؟
هل يمكن اختصار المسافة بين هذا التباهي الكرنفالي وهذا الكدح المرير لأجل لقمة ناشفة ؟؟"
هي أسئلة لطالما طرحها الإنسان منذ تمايز الناس وعلا بعضهم على بعض ، إنها أسئلة الوجود وأسئلة الكون العالقة ، لم يعيش أناس في القمة وينعمون بأرفه عيش ، ويحيا آخرون في الحضيض ولا يجدون كفافا من عيش ؟ لماذا تسخر الصحفية سميرة موهبتها لإبراز الزيف والاستعراض الكاذب، وتغض الطرف عن بؤس أناس " الكدح "المرير، هؤلاء المبعثرين في الشوارع الرطبة والباردة القاسية، إنها معادلة صعبة ومعقدة أن يحاول صحفي يقظ الضمير اختصار المسافة بين العالمين، عالم "الأعالي "وعالم "الحضيض" .
ومن هذه الأسئلة أيضا ما جاء على لسان بطلة الرواية "سميرة "صفحة 33-34:
"ما الذي يحدث ؟؟.. آخر خبر..حديث الساعة، الجهات العليا في غليان.. استقالة الحكومة.. ما الذي يحدث؟؟
يا إلهي هل من الممكن أن تكون هي ؟ هي من تفعل بهؤلاء كل هذا ؟هي التي تستفز الآن شهامتهم ؟تكسر بهذا العنف جدار الثلج الذي بات يزداد طولا يوما بعد يوم ؟؟...هل من الممكن أن يكون الأمير معي؟ يسكن بيتي يقاسمني هذا الخواء وهذا الطعم المرير للوحدة ؟
يشرف على أحلامي ؟...هل من الممكن...؟"
وتطرح الكاتبة دفقا آخر من الأسئلة الفلسفية مستفهمة بها عن بعض نواميس الكون المحيرة، تقول في صفحة12:
"... يا رفيقة المتاعب دعينا نحتسي معا فنجان القهوة المر بصحة التعب، والفوضى والنظام.. حميدة من يحتوي الآخر الفوضى أم النظام ؟؟ القهوة أم الفنجان ؟؟..."
بالإضافة للأسئلة الفلسفية التي أججت أحداث الرواية وصهرتها في بوتقة الاستفهامات القلقة، هناك أيضا في الرواية حيز معتبر لأفكار فلسفية شغلت ذهن البطلة وألحت عليها في جميع مراحل أحداث الرواية.
وأول هذه القضايا والتي تقف حاجزا أمام كشف الحقيقة، هو عقدة الخوف الرعيب الذي سكن سميرة منذ طفولتها ونما معها وتطور مثل أي عضو آخر من أعضاء جسدها الذي لا يمكنها التخلص منه بيسر وسهولة ، تقول في صفحة 3:
" لحظة الخوف تغير نظرتنا للأشياء... "
الخوف غريزة طبيعية في الإنسان تماما مثل غريزة الشجاعة والجبن، الجرأة والحذر، البخل والسخاء وغيرها، وهي كلها تجتمع في العمق التكويني للإنسان دون أن يكون هناك أي تناقض بينها أو تضاد لأن لكل غريزة دورها المنوط بها، لكن إذا طغت غريزة على أخرى وحدث التفاوت اختل الميزان، ولعل هذا الميزان الذي يعبر عن غرائز الإنسان المختلفة – وليس الخوف والشجاعة وحدهما – دائم التأرجح وقلما يستقر على هيئة واحدة وذلك راجع إلى عوامل كثيرة يضيق المقام عن تناولها هنا.
وعندما تقرر الكاتبة بما يشبه صيغة القطع أن لحظة الخوف تغير نظرتنا للأشياء، فإنها بذلك تفضح حقيقة كامنة في نفس الإنسان ولا تظهر على السطح إلا في لحظة محك التجربة.
وكثير من الناس قد يدعون الشجاعة والجرأة.. وقد يتبنون أفكارا مثالية، ويعتنقون قيما عليا ولكن عندما يصطدمون بأدنى عائق، تبدأ التنازلات ويتنكر كثيرون لما ادعوه وتشدقوا به طويلا .. ولا يصمد إلا ذووا العزائم الجبارة وأصحاب الإرادات الحديدية..
إن لحظة الخوف هي الأتون الذي ينفي الخبث عن المعدن الصافي.. ولهذا الخوف في نفس البطلة مستويات أو أطوار عدة، تقول الكاتبة في صفحة 22:
مصابيح الأمان داخلي مكسرة منذ الآلف السنين، أنا أتعاطى عصير الخوف منذ أن شجني حجر في الرأس".
وينمو هذا الخوف في نفس البطلة شيئا فشيئا تقول في صفحة36:
"لقد كان يتسلقني لبلاب الخوف ".
إذا الخوف هو مثل شجرة اللبلاب التي تنو متسلقة داخل كيان البطلة إلى أن يتحول بفعل الأحداث المروعة وتقلبات الحياة القاسية إلى شجرة عملاقة تكاد تشل كيانها وتجمد تفكيرها:
"ترتعش في أعماقي شجرة الخوف العملاقة"ص 21.
غير أن ا الخوف ليس شرا كله بل فيه جانب إيجابي هام، تقول لكاتبة في صفحة 3:
"لحظة الخوف تغير نظرتنا للأشياء "
فهو يجعلنا ننظر للحياة برؤية مختلفة ربما أكثر تمرسا وخبرة.
ختاما:
" بيت من جماجم صورة حية وصادقة عن مرحلة من مراحل تاريخ الجزائر الحديث، تشكل صفحة سوداء منه بما تضمنته من مآس وأحزان وأهوال يشيب لها الولدان.
ولقد تمكنت شهرزاد زاغز بما تملكه من أسلوب شاعري مرهف، وتقنيات سردية متنوعة من أن تمنحنا نصا روائيا وإن كان قصيرا نسبيا إلا أنه يحتوي على منجم من الخبايا الفنية التي تستأهل أكثر من قراءة لتجليتها.

هامش:
01 -شهرزاد زاغز كاتبة ومبدعة وأستاذة جامعية جزائرية.
02- صدرت الرواية عن جمعية الجاحظية .







 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 10:13 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط