الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > منتديات اللغة العربية والآداب الإنسانية > منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي

منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي هنا توضع الإبداعات الأدبية تحت المجهر لاستكناه جمالياته وتسليط الضوء على جودة الأدوات الفنية المستخدمة.

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 31-01-2012, 04:29 AM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
سامى الغباشى
أقلامي
 
الصورة الرمزية سامى الغباشى
 

 

 
إحصائية العضو







سامى الغباشى غير متصل


Article من هزيمه الشوارع إلى رصيف الليل

من هزيمه الشوارع إلى رصيف الليل
___________________________________
دراسة نقدية فى تجربة الشاعر / سامى الغباشى
_________________________

.................................................. ..... د / صلاح فاروق العايدى *



سامى الغباشى شاعر يثق فى نفسه ويؤمن بقدراته ، والأهم أنه يؤمن برسالته الشعرية ، ومن هذا المنطلق قدم أربعة دواوين كان أولها " فوق ذاكرة الرصيف ( 1991 ) وأتبعها بدواوينه : " فضاء لها ومسافه لى " (1995) ثم " هزيمه الشوارع " (1998) الذى أعاد نشره ببعض التغيير تحت عنوان : " وتسميهم أصدقاء " (2002 / 2003) وأخيراً يقدم لنا ديوانه : " رصيف يصلح لقضاء الليل "(2005) ومعنى هذا أن مسيرته الشعرية تمتد فى الزمن بعمق يصل إلى بدايات الموجة الأخيرة من القصيدة العربيه وأنه ينتمى . تحديداً - إلى الجيل الذى درج الاصطلاح على تسميته جيل التسعينيات . وبحكم هذا الانتماء فإن قصيدته - على نحو ما ذكرت فى مناسبة سابقة - تحتفل باليومى المألوف وبتأجيل الدلالة وبالإفراط السردى فيما يشبه الحكى ، وهى السمات التى أزعم أنها تميز أغلب تجارب شعراء هذا الجيل - التسعينيات .غير أن الشاعر يضيف إلى هذه الخصائص سمتاً شخصياً يلون تجربته بلون خاص ، وما أعنيه يتجلى فى أمرين : الأول : إتخاذ موقف من العالم ، يتعاطف مع شخوصه ، لكنه يتجنب الدخول فى دوائرها المتقاربه . الثانى : ربط النص الشعرى بنوع من الرسالة المعرفية الواضحة ، وهو الأمر الذى يظهر على نحو خاص فى اَخر إصدارين للشاعر ، أعنى : " وتسميهم أصدقاء " ثم " رصيف يصلح لقاء الليل " ومن البدهى أن توجيه النص الشعرى إلى لون من المواقف المعرفية الخاصة الواضحه قد يبدو انحرفاً عن أكثر المنتج فى إطار نماذج هذه القصيدة لدى شعراء التسعينيات ، والشائع أن شعراء هذا الجيل يعمدون إلى إخفاء رسائلهم الشعرية اتساقاً مع موقف مبدئى اَخر من الشعر يراه إبداعاً خالصاً ، واتساقاً أيضاً مع مبدأ ثان أكثر عمومية ، هو بحد ذاته موقف أو رسالة معرفية وبالتالى يعد تصوير حياة المهمشين ، أو جوانب من حياتهم - كما هو شائع عن هذه القصيدة كاف للتعبير عن موقف عام لشعرائها ، ويبقى أن اختيار زوايا النظر وطرائق التصوير وغيرها من وسائل التعبير الفنى - هى المحدد لخصائص قصيدة كل شاعر على حدة .

غير أن سامى الغباشى - فيما يبدو - لا يرى بأساً فى إضافه عمق لهذا الموقف المبدئى من حيث
التعبير عن مناسبات خاصة ، وللحق فقد رأينا أن هذا الأسلوب خلق نجاحاً كبيراً لدى شعراء اَخرين
من أجيال أخرى ولا ضير هنا من أن يعتمد الشاعر التسعينى على الأسلوب نفسه فى تشكيل
قصيدته ، وفى عبارة واضحة ، كأثر جانبى - إلى لون من العموم ، يصعب معه الخروج
على الحدود الجمالية الخالصة فى التفاعل مع النص الشعرى ، أما إذا اعتمدت هذه الحدود بتنويعاتها
الجمالية على مرجعيات أخرى - مساندة . فقد تحظى بفرص أفضل من التفاعل وفى تقديرى
أن سامى الغباشى اختار لنفسه هذا السبيل ضماناً لمزيد من توليد الأثر الجمالى للقصيدة .
ومن هنا جعل لقصائده ( موضوعاً) تدور حوله . وهذا الموضوع كان فى ديوان
"وتسميهم أصدقاء " هو الأصدقاء أنفسم ، وموقفهم من العالم ، وموقف الذات الشاعرة
منهم ومن العالم معاً ، ثم جعل ( موضوعه ) فى الديوان الأخير( رصيف يصلح لقضاء الليل )
قضيه أشمل ، هى الحرية بالاتكاء على بعض المناسبات الخاصة ، ومن خلال ذلك يعبر عن ذاته
أو يرسم صورة لذاته ، وبالطبع - كما يمكن أن نتوقع - ثمة تعارض أساسى فى المواقف التى
تصورها هذه النصوص ، أعنى موقف الذات الشاعرة ، وموقف الاَخرين ، وهو - أى تعارض
المسئول عن ( دراما ) النصوص أو توجهها الجمالى الخاص . ومثل هذا التعارض المشار إليه
هو المسئول عن حدة اللحظة الشعرية ، ويمكن أن نلمحه فى أكثر من موضوع من تجربة الشاعر
منها قوله فى ديوانه ( وتسميهم أصدقاء) ص 19 :
(دائماً ../ يبدؤنك بالعداوة ..، / يصرخون فى وجهك كلما ابتسمت / يشيعون فى المدينة إنك
أعمى ، / لأنك قلت لبعضهم يوماً .. ، / معذرة ً .. / لم أسمع بفتوحاتكم / معذرة .. / معارككم
تديرونها / إذا دارت الفودكا الرخيصة برؤوسكم / معذرة .. / لم أر غباراً ولا طحناً ..، / غربلت
رمل المدينة بحثاً عن اَثاركم ، / عن نقش قديم يحكى خوارقكم ..، / فاعذرونى .. / أيها الرقيقون
جداً / لا أرى غير هزائمكم ) . والنص واضح بما لا يحتاج إلى مشقة فى التأويل ، فهو يعبر عن
فجوة بين (أنا) ، الشاعر والاَخرين ، مرجعها إلى عدم توافق مزاجى بين الطرفين ، فالاَخرون ،
كما تزعم الذات مولعون بصناعة تاريخ مزيف عن أصولها الإنسانيه ، وبعبارة أوضح ، هم
مولعون بوضع ذواتهم فى هيئة الأبطال الخارقين ، أو الأبطال الفاتحين ، وربما كان الولع
متصلاً برغبة ممتدة فى إخفاء ضعفنا الإنسانى ، أو اصطناع وقار هش يرهب المنافسين
بينما الذات الشاعرة لا ترى حاجة إلى مثل هذه الادعاءات بالبطولة ، بل ترى أن الاعتراف
بهزائمنا ، واحتضان إخفاقاتنا الصغيرة - أو الكبيرة - أولى منا بالعناية ، لأنها فى وضوح
تجعلنا أقرب إلى إنسانيتنا . على أننا لا نستطيعأن نصدق الذات الشاعرة فى إدعائها المودة
والإقبال على الاَخرين دون أحقاد ، أو يحمل خطابها نبرة سخرية بارزة ، وهى السخرية
التى تبتدى فى تكرار لفظ الاعتذار ، بما يشبه الأداء المسرحى ، متبوعاً أو مشفوعاً بتبرير
منطقى لأسباب النفور ، أو أسباب عدم التواؤم ، وهذه العلاقة الضدية بين الطرفين : الذات
والاَخرين ، تتخذ مغزاها الواذح من ملاحظة طبيعية العلاقة بينهما ، فعلى الرغم من ذلك
النفور الذى يحكم الطرفين المتواجهين ، إلا أنهما شريكان فى مصير واحد ، أو طريق واحد
ومن هنا لا ينفصلان ، ولا يبدى أحدهما رغبة فى الاستقلال بنفسه والمضى بحياته كيفما يشاء ، وعلى الأقل فإن الذات الشاعرة ترى فى ( الاَخرين) مراَة لحياتها وقسيماً لها فى رغبة العابرين :
(وحدك / تعد الأصدقاء العابرين / وتمنح كل ولحد منهم / مداراً فى ملكوتك الليلى / وتقسم أينما
كنت : / إنهم "طيبون" حتى النهاية ..، / ومغتربون جداً مثلك ) " وتسميهم أصدقاء - ص8 "
ولا عجب فى أن حرص الذات على الانتماء إلى هذه الجماعة من المغتربين هو عينه الاغتراب
الذى يتشاركون فى مرارته ، ومن هنا تختلق لهم ولنفسها الأعذار فى قبول إدعاءات البطولة
ومن هنا أيضاً تتخلى سريعاً عن عزمها تسميه الأشياء بأسمائها ، وتكتفى بالضحك أو السخرية
من سذاجتنا ومن إحساسنا الزائف بالقدرة على تحمل مسئوليات الصراحة والجدة ، الأمر الذى
يتبدى حتى فى أكثر لحظاتنا حميمية :(لكنهما ضحكا من كل ذلك / حين انفردا فى ركن المقهى / (بعد أسبوع واحد فقط ) / وسألته ..عن زميل الغرفة / وجارته التى لا تفارق السلم / وتوتره الزائد عن الحد / فى لقائهما الأخير ) " وتسميهم أصدقاء ص12/13 " ولاتفسير لهذا الموقف المتخاذل سوى أننا لم نتيهأ جيداً لتحمل مسئوليات المواجهه أو مسئوليات التخفف من الأقنعة أمام ذواتنا الضعيفة ، ومن ثم لا يبقى إلا أن نكتفى بالمتاح ، وأن نبرر ّّّ- إذا استطعنا - أسباب نكوصنا ، بل أن نحاول وقف حيواتنا على هذه اللحظات الضعيفة وتحويلها إلى مصادر متعة لا تكلف شيئاً ، ولا حتى التأمل :
(وسأواجه حضورك الأنثوى / بكوبين من الشاى المغلى / وسأتعمد أن اذكر شيئاً / عن "جيفارا
ومارسيل خليفة ، وسناء محيدلى " / وكتبى التى صورت فى المطار ../مؤكداً أننى لست تافهاً / كما
قلت لصديقتنا فى خصامنا الأخير / فقط .. / لا أحب ثرثرة المقاهى ../ وأتخلى راضياً / عن أقنعة
التاريخ السياسى / أمام عريك / وأحبك ) / " وتسميهم أصدقاء ص10/11 " وهكذا نرى أن الذات
ترضى بما تأخذ به غيرها ، وتحاول - كغيرها - اصطناع تاريخ وهمى لبطولاتها الشخصية
ونضيف إلى ذلك كله التأكيد على جديتها وقدرتها تحمل مسئوليات الصدق ، على الأقل هى تؤكد
هذا لنفسها ، وتحاول يائسة الاحتفاظ بقدر من الإخلاص فى توجهها الأول نحو البراءة أو الذات
أمام ذاتها ، ومن ثم تستبقى لنفسها - كما تأمل - فرصة التعرف على جوهرها فى لحظات أخرى
لم تتحقق بعد . غير أن الذات الشاعرة - فيما يبدو - لا تتمتع بالمرونة الكافية للحفاظ على انسجامها
الشخصى مع التناقضات الداخلية ، لذا فإنها فى لحظات الصدق المشار إليها ، لا تجد لنفسها سبيلاً
سوى الاعتراف بضعفها ، وتحاول من خلال هذا الاعتراف تلمس ملامح رحلتها الطويلة فى عالم
الانشقاق على النفس : (قدماى تجوسان خلال الذكرى / تقترحان رصيفاً .. / يبدأ من طاولة فى أقصى البستان / إلى الكورنيش المكتظ بمرتاديه / إلى امرأة فى "شبرا" / تهوى القرويين .. / وتصنع قهوتها فى شباك تتشابه منه الأوقات ../ وأنا مزدحم بتقاويم الأرض .. / مدارات الأفلاك / فلأخرج منى / ولأوقف دقات الساعة .....ساعة / قدماى تخطان دوائر المنفى / تفتعلان هروباً / من رب البيت / إلى رب لا يحمل كرباجاً فى يمناه / قدماى ... / هل تختبران فراغ البلدة / "بالمشى لأطول وقت ممكن" على أم تأتمران على جسد / أمهل للغد / كى يرسم للموت / حضوراً أهدأ / وتفاصيل لا تشغل
أحداً)(وتسميهم الأصدقاء-ص72/73) . ومن الجلى فى هذه القصيدة "هذيانات محتملة " أن
الذات تضعها فى مصاف المرءاوات العاكسة اترى من خلالها ما لا تستطيع قوله أو التصريح به
إلى الدرجة التى بموجبها تسمى هذه اللحظة الخاصة من التأمل فى التاريخ الشخصى
"هذيانات محتملة " وأبرز ملامح هذا التاريخ - إذا صح القول - التسكع والتردد بين بيئات
شتى ، وثقافات مختلفة ، والهدف من ذلك أمران قد يحملان شبهة التعارض ، الأول :
تحقيق المجد الشخصى بالانتساب إلى فئة المثقفين ، حتى لو أدى الأمر إلى القبول برعاية غير
المثقفين (امرأة فى شبرا) والثانى : الوصول إلى يقين ما من نوع : ما هى الحياة ؟
وكيف يكون المصير ( رب البيت - رب لايحمل كرباجاً )والتعارض الذى أشرت إليه يأتى
من اختلاف جهتى المقصد ما بين التحرر من كل مسئولية والالتزام بقيم وأعراف المجتمع التقليديه
ومع ذلك فالتعارض يؤول إلى اتفاق إذا أدخلنا فى التقدير المقصد الأسمى وراء التوجهين ، أعنى
تحقيق سلام الروح أو الاطمئنان النفسى فى دنيا صاخبة . أعود إلى أول هذه الكلمة لأذكركم
بما زعمته فى شأن تجربة سامى الغباشى ، لقد زعمت أنه اختار لنفسه أن يدير نصوصه حول
(موضوع) أو قيمة ، تحقيق لمجمل الديوان اتساقاً وتماسكاً ملحوظاً ، ولقد كان هذا الموضوع
فى ديوانه " وتسميهم أصدقاء " هو الأصدقاء أنفسهم ، على نحو ما يشى به عنوان الديوان نفسه
لكننا يمكن أن نضيف إلى ذلك قيمة أعلى وراء موقف الأصدقاء وموقف الذات منهم على وفق
ما حاولت إبرازه ، وما أعنيه يظهر فى كلمه عابرة ، لكنها أساسية فى تقدير قيمة هذه النصوص
ولقد أشرت إلى ذلك فى مناسبة سابقة ، والكلمة المقصودة أو المشار إليها هى (العرى) وهو الموقف أو المفهوم الذى رأيت أن نصوص الديوان كله تدور حوله ، لا بوصفه تعييناً مباشراً لهيئة حسية وإنما بوضفه موقفاً من الحقيقة ، يتغيا الوقوف على جوهرها دونما زيف وبغير تحسين أو تقبيح ولأن هذه الذات - أو الذوات - كما ذكرت - تعانى مشقه حقيقية فى مواجهة عرى الحقيقة أو
الحقيقه العارية ، فإنها تلجأ إلى بديل مؤقت أو بديل محتمل ، هو المراَة أو الأنثى المعشوقة
أو الأصدقاء ، ولقد أثر هذا الموقف فى طبيعة اختيار المفردات وفى طبيعة التركيب ، وسوف
أعود إلى هذا بتفصيل ، لكننى سأكتفى الاَن بالإشارة إلى شيوع مفردات من قبيل العرى والمرأة
والنور والظلام مع الإنسان بالتناوب فى استخدام لفظة أساسية فى الدلاله على الطبيعة المكانية والزمانية لرحلة الذات الشاعرة،هى المقهى أو المقاهى والشوارع والرصيف وهذه الإشارة تدفعنا قدماً إلى تناول ديوانه الأخير (رصيف يصلح لقضاء الليل) ومن البداية نلحظ أن الشوارع بإتساعها انحصرت فى جانب وحيد هو الرصيف ، وأن المقاهى بطبيعتها الثابتة انتقلت إلى لون من الحركة على الرصيف عينه وربما بكون هذا تحقيقاً لنبوءته السابقة أو تساؤله الملح : (قدماى .. / هل تختبران فراغ البلدة /( بالمشى لأطول وقت ممكن ) *وتسميهم أصدقاء صــ37 ، وهنا تجدر الإشارة إلى ديوان سابق له (فضاء لها ومسافة لى ) الذى كان تجسيداً لهذا الإحساس بالفراغ فى بنية المكان والزمان ، وقد تناولته فى مناسبة سابقة بالدراسة كما تجدر الإشارة إلى الصورة الأولى من ديوانه (وتسميهم أصدقاء)الذى كان الشاعر قد نشرقصائد منه سابقاً تحت عنوان (هزيمة الشوارع ) 1998 وهذا كله يدل على إحساس الذات الشاعرة بالخوف من الاتساع ومن التحرر المطلق وربما كان فى هذا تفسير لإحساسها بالغربة ولحرصها على الإنتماء إلى جماعة المهمشين أو المجهولين داخل نطاق هذا الشارع المتسع .ما أريد أن أقوله أن التحول إلى الرصيف ربما كان علامة على أن هذه الذات وجدت لنفسها أخيراً موضوعاً ثابتاً تتكئ عليه وأيضاً ربما أغوانا هذا بالقول : إن قبول الذات بالمساحة الضيقة أو بالجانب المحدد دليل على انحيازها إلى المحدود والواضح وإن عنى هذا تخليها عن الحرية المصطنعة لكنه كما يجب أن نتذكر يعنى فى الوقت نفسه تخلصها من الضغط الناشئ عن ضرورة اصطناع تاريخ شخصى زائف ، إذن ما الذى يميز هذا الرصيف ولماذا قبلت به الذات الشاعرة بديلاً عن الحرية المطلقة أو البحث المطلق ؟ هذا ما سأحاول تبينه .. إن أول ما يلفت النظر فى ديوانه الأخير (رصيف يصلح لقضاء الليل) هو انحياز الذات إلى الوضوح وبعبارة أخرى تحول (العرى) الذى كان رمزاً للميتافيزيقا إلى وجود فيزيقى صريح لا يعنى فيه التعرىسوى نفسه أى النظر إلى أعضاء الإنسان نفسها كأعضاء فقط والبداية كما تقول الذات الشاعرة فى تسمية الأسماء بأسمائها الشعبية الدارجة : (كان يؤرخ للاسم السادس فى اللغة الخجلى / ويسمى الأعضاء كما ينطقها الشعبييون / بحرفين بليغين / لكى يرجع حرف الكاف إليها ) صـ 41 والاسم السادس فى هذا المقطع رمز لما هو مسكوت عنه فى اللغة والتعليم الرسميين ، وكأن الذات ترى فى هذه المحاولة لإحلال الرؤية الشعبية أو العفوية محل الخطاب الرسمى الفرصة الحقيقية لاستعادة ما نعرفه طيلة الوقت ، وإن تعودنا إخفاءه ، والأهم أن فى هذه الإشارة دلالة على التوجهالجديد للذات الشاعرة لكى تتخطى المسافة المصطنعة بينها وبين العالم ، وأول علاقات هذا التخطى التخلى عن التمييز بين الأنا والاَخرين بوصفهم أصحاب تاريخ زائف ، بل إنه يعمل إلى تغيير موقفه من أولئك الأصحاب ويؤكد إنهم (طيبون) فى مقابل (الصامتون) والطيبة التى يعنيها هى قرينة الوعى بالحياة والبحث عن دفء العلاقة الشخصية اليسيرةأما الصمت فهو التوجس والتربص بالطيبين وتأويل كل موقف أو كل ملمة بما يجعله سبيل إدانة للعشاق والثوار (يجيدون الصمت / يصوبون عيونهم إلى البعيد البعيد / وأذانهم / ثعابين الشقوق / تلقف مهموس الكلام / تلحس الأبجدية من فوق الطاولات .. / يد أطلقتهم مرة أخرى / لينبشوا أدمغة الصغار المحبين / رغم أنهم طيبون جداً / وليس فى أدمغتهم / سوى بيت مجازى / وامرأة ليست كالأخريات / وطفل كالعصافير / يمنح البيت خفة .. ) رصيف يصلح لقضاء الليل صـ 52/53 ولعلنا نلحظ هذا الوصف اليسير لسمات كل من الطيب والشرير أو الطيبون والصامتون ، ومنه نفهمأن الصمت قرين الجهل والدهاء والتربص ، بينما تمثل الطيبة ، على ما فيها من سذاجة حسن النوايا الوضوح والإقبال والسعى لصالح المجموع ، وهذا ما يذكرنا من وجوه بالمقولة القديمة لسقراط " تحدث حتى أعرفك " وكأن الرسالة الصامتة لهذا الحديث أن الافضاء بما فى النفس هو السبيل لكسر حوائط العزلة والتحرك من مساحات الشاسعة غير المأمونة إلى مساحات أضيق ، لكنها تتميز بدفء العائلة وما دامت الذات قد وصلت إلى هذه المرحلة من الرضا بالمتاح فمن الطبيعى أن تميل إلى لون من الاستبطان الذاتى المعنى بمصالحة النفس وبمصالحة العالم ، وهو الأمر الذى اتخذ سمة الالماعات الصوفية التناثرة وأوضح هذه الالماعات تأتى فى الارجاع المباشر لأحوال النفس لتلك النزعة الصوفية :(كم يلزمك الاَن من الوقت الصوفى / لكى أتجرد مرات أخرى / معتذراً عن كل حماقتى؟ ) / (رصيف يصلح لقضاء الليل ) صـ31 ) وهنا يجب أن ننتبه إلى اقتران (الشطح الصوفى) بالتجرد أو التخلى عن الوجوه الملونة ، وهو السبيل الذى رأته الذات الشاعرة مناسباً لتحقيق رغبتها فى رؤية الواقع على ما هو عليه ، ومن هنا يصبح العرى أو التجرد موقفاً من الوجود ووسيلة لمعرفة الذات ، بل إن هذا العرى يصبح فى لحظة الصدق إعادة لصناعة العالم العالم : (هنا لك جغرافياً تتخلق من أعضائك / تاريخ باجوسى ينتصب الاَن .. ،/ يزلزلنا ../ يأمرنا أن نصنع من طمى العرى قيامه ..) وإشارة المقطع واضحة فى تحول (العرى) بمستوياته الظاهرة بؤرة لتجمع الأحداث الكبرى بأزمنتها وجهاتها المختلفة (التاريخ والجغرافيا) ومن ثم لم تعد هذه الذات أو الذوات أو الفئة من المهمشين والطيبين فى حاجة إلى النظر فى المرايا أو اصطناع مرايا للنظر ولتلوين طبائع الأشياء بأحكام مسبقة ، ولا يعنى هذا أن هذه الوجوه تخلصت من تشوهات الانسان المعتادة لكنها بالأحرى صارت أكثر صدقاً فى رؤية ذواتها وبالأحرى باتت أكثر يقيناً فى الصدق الذى يقتضى الافضاء بما فى النفس من رغبات : (لم تعد وجوهنا بريئة فى المرايا / لذا علينا أن نتكلم كثيراً / عن الاشتهاء المباغت / والنظرة التى تعرف طريقها جيداً ) / (كل هذا الوقت - صـ15 ) وهذا يعود بنا إلى الوقف الضمنى بمعنى التعرى ، حيث أشرت أن هذا يقتضى تسمية الأشياء بأسمائها ، وأول ما يحتاج إلى تسميته هو ما تخجل منه ، إذاً فقد نستطيع القول : أن الموقف الأساسى لهذه النصوص هو تحرير الذات من الالتفاف والاصطناع ، أو مبدئى التحسين والتقبيح ، فنحن لسنا بحاجة إلى تلوين الحقائق بقدر ما نحن محتاجون إلى تأملها والنظر إليها فى ضوء ما هى عليه ، أو بعبارة ثانية ، نحن بحاجة إلى التخلص من تشوهات الصمت لتتحقق لنا سمات الطيبة والإقبال على الحياة ، وإلى جوار هذا الإخلاص فى الإفضاء بما فى النفس أو التعيين الحسى لطبائع الأشياء ، فلابد أن نستعيين بحواسنا الداخلية فى التواصل مع الواقع أو الوقائع من حولنا و رمز هذا الاتصال هو التلمس والتحسس وأصابع الدهشة ، ومن ثم يصبح الأمر بالنسبة لنا كالنحات الذى يستخلص بأصابعه حقائق المادة الجامدة ، والإشارة إلى هذه العلاقة بين التعرى وتلمس الحقيقة متكررة بما لا يحتاج إلى تأويل : ( فقلت : أدخلنى .. / وفاحت منى رائحة الحرمان / فلم تستأذن يمناه وعابثة .. / دخلت تحت الثوب .. ، / صارت كالإزميل ، / يخربش فى الجسد الأملس / فأذوب كراقصة فى الشارع / أغمض عينى / أمشى /ناعمة خطواتى / لاهسة فوق الأسفلت خطاق / (رصيف يصلح لقضاء الليل - صـ20) والدرس المستفاد من هذه العلاقة بين تحسس الأصابع وصناعة الجسد ذو الحقيقة بارزة فى كونها تحدد شرط الوصول إلى الحقيقة ، أو الوصول إلى الصدق العينى فى تعامل الذات مع نفسها ومع الاَخرين ، أعنى أن الأمر يحتاج إلى خطوتين متعاقبتين متلازمتين الأولى : التخلص من الرؤى الهشة والأحكام الدوجماتيقية المسبقة ، والثانية :إعادة تشكيل الوقائع فى ضوء المعرفة على الوضع الجديد لعلاقة الذات بغيرها ، ولا يعنى هذا أن نصوص الديوان تنحزى للمعرفة المادية الصرفة ، أى المعرفة المترتبة على الاختيار العينى للظواهر المادية ورفض مالا يقبل لتحليل منطقى وفق الحقائق الفيزيائية المعروفة ، والأولى كما أشارت النصوص السابقة أن هذا الموقف يدعو إلى هدم الحواجز الفاصلة بيننا وبين ميتافيزيقا الواقع ، لتصبح هذه الأبعاد الظنية جزءاً من الحقيقة العينية المعروفة ، وليس هذا بعيداً عن موقف التصوف المذكور من قبل ، الأمر الذى يفسر التعارض الظاهرى بين الاتجاه إلى التعرى والاتكاء على فتوحات التصوف النفسية أو التعارض بين تلمس الجسد العينى والاتجاه إلى استبطان الذات .وموقف النصوص هذا يتصق مع الاتجاه العام لقصيدة النثر من حيث اتخاذ المواقف العينية رمزاً لحضور المعرفة الذاتية الصرفة ، وبعبارة أوضح ، يفسر هذا الاتجاه فى تشكيل النصوص الاتكاء على حضور الجسد بوصفه رمزا للمجهول ، والعجيب أن هذا الموقف يثبت أن حداثة القصيدة العربية متصلة بماضيها العريق ، أو تستعيد فى الحضور الجسدى لتجلياتها المعرفية إشرافات النصوص الإسلامية على وجه الخصوص ، وليس ببعيد هنا أن نتذكر أعلام التصوف حين جعلو من الجسد والخمر رمزين أساسيين للتعبير عن التوحد ببواطن النفس البشرية والحديث فى هذا المضمار يدفعنا إلى التوقف عند ملامح التشكيل الفنى لهذه النصوص لنتبين تأثير موقفها الأساسى من المعرفة والتحرر الإنسانى - الموقف الذى سميته بتعبير النصوص نفسها (التعرى وتلمس الأصابع ) - تأثريها على صناعة الفضاء التخييلى لأرصفتها المعرفية المختلفة ، وأول ما نلحظه فى ذلك أن قدراً كبيراً من فتنة هذه النصوص يعود إلى طاقة الوصف ، فالشاعر يصفه أو يحاول أن يدرك بالوصف ما يرى وما يحس. وأوضح ما يتجلى هذا الملمح (الوصفى) فى قصيدته (الميدان مرة أخرى - صـ9) فهو يبنيها على مقاطع مستقلة وكل مقطع منها يتناول جانب من الحدس الأساسى ، دون أن تفصح المقاطع فى أى جزء منها عن (المعنى المباشر) للموصوف ، وهذا يذكره بموقف التلمس والتعرى من حيث استحضار الظاهرة على وجهها المادى الغفل ، ثم تلمس المعنى وراء ما تجسده من وقائع :
(أبتسم حتى العاشرة مساءً / لمحبين التقيا بعد خصام / فى زحمة هذا الميدان / وضعت يدها فى يده دون عتاب / هتفا حتى (بح)الصوت / واتجها صوب محاريب الروح ) واللطيف فى هذا المقطع أنه يشير إلى تأثير العام ، حين يتجرد من التفسيرات الرسمية لمضامينه ، ليصبح مركزاً تذوب فيه الخلافات وتتوحد الرؤى المتصارعة ، والأجمل أنها تؤدى إلى تلمس الطاقة الداخلية للنفس البشرية ، فهذان الحبيبان المتخاصمان وجدا فى مناسبة عامة (التظاهر) من
أجل واقعة مادية وجدوها فرصة لمعاودة الاتصال ، دون أن تنسيهما هذه النتيجة العارضة دورهما فى المشاركة الفعلية
لاتجاه المجموع الإنسانى (الهتاف تعبيراً عن الاعتراض) وبالتالى يتحول الوصف المحايد لوقائع عينية إلى مواقف
إنسانية تصل بين العالم والخاص ، فيها التقاء المحبين وفيها (الولد الى يتخلل زحمة الميدان وينادى : (شاى ..بسكويت)
أى النماذج الإنسانية التى تجد فى مثل هذه المناسبات فرصة لتعويض خساراتها . والمعنى أن هذه المواقف الإنسانية
تقترن - دونما ترتيب - بتحريك المياه الراكدة فى جهات شتى ، وعلى مستويات مختلفة ، قد تبدو عجيبة أو غير مألوفة
وهذا يكشف عن التأمل المحايد أو الوصف أو تلمس عرى الحقائق الإنسانية فى واقعها المادى .
وما يجب أن نلتفت إليه أن هذا الوصف ليس (ميكانيكياً) أو ذهنياً خالصاً ، فهو يضيف لهذه الواقعة العينية لمسة إنسانية
تتبدا فى استعارة أو تشبيه عارض ، لاكنها مشابهة تخلو للتقليدية أو اللف المباشر ، ومن ثم لا تتميز مثل هذه اللمسات
الاستعارية أو التخيلية بالكثافة اللغوية المعهودة ، وبالأحرى ، يمكننا القول إن الشاعر اعتمد فيها على شفافية اللغة لتحقيق
الإفادة القصوى من طاقة الوصف ، ومن ثم يمكننا أن نرى فى هذه الأوصاف رؤى بصرية شفافة ، متدافعة متداخلة
تشير ولا تحدد ، تقف على حدود الشىء ولا تعينه ، وبعبارة ثانية نستطيع التأكيد أن الشاعر فى مسلكه هذا يعبر بالصورة
ولا يهتم بتصحيحها الذهنى أو توثيقها توثيقاً كاملاً ثابتاً :
(أبانا الذى ضيق الجغرافيا / وسمى كل امرأة ليست من أهله(ذبئاً) / وقال : البيت إن (وحّد) ائتلف الصغار / فصار كلما
أشرق من شباكه أفق توعّد / أو زاحمت أبناءه شساعه الدنيا / استغاث / وأهلك الحرث / كى يجاور فى ظلال الرب مبتهلاً
أن يجعل الأبناء أسرى مشيئته / والأرض ضيقة ككف حتى يراهم ) / (رصيف يصلح صـ49 ) ولعلنا نلحظ أن القصيدة من
الناحية اللغوية لم تقدم خبراً للمبتدأ(أبانا) فقد تركه معلقاً اعتماداً على إحالة السياق إلى أخبار مشابهة ، وأقرب هذه الأخبار
إشارته إلى (أبانا الذى فى المباحث) لأمل دنقل ، ولا ريب أن موقف التسلط هو الأقربفى تفسير علاقة الأب بأبنائه . على أن
إشارات النص تتجاوز الموقف الأساسى المباشر لهذه العلاقة ، وبالأحرى تتركز حول موقف المعرفة بين الجديد والقديم
متضمناً فى ذلك تفسيراً أو التماساً للأعذار فى طبيعة الجمود المعرفى للقديم من وجهة نظر الأبناء ، غير أن هذا التبرير المشفق
على الأب لا يعفيه من تحمل تبعات جموده المؤدى إلى إهلاك الحرث ، أو ما يمكن تسميته خنق فرص المستقبل غى التفتح
والإثمار .
ومن ثم فطبيعة هذا الوصف تنحاز إلى الغموض الفنى ، أى القادر على الإمساك بخيوط عدة وإعادة نسجها فى مواقف شتى
تتصارع فى إثبات جدارتها بالأولوية ، ونتيجة لهذا الصراع فقد اعتمد الوصف فى كثير من نواحيه على تكرار المركبات الفنية
وهو الأمر الذى يعبر عن خصائص التلمس العينى لحقائق المادة :
(كمشاهد / يقتل الوقت بالوقت / يتجول بين القنوات الفضائية / وحين تعلن الموسيقى بداية الأخبار / يجلس بجدية / لا تليق
بنشرة الأخبار / ولا بلون الدماء / ولا بذلة الزعماء الأسرى / أو الأسرى الزعماء /(صـ6)
ويتجلى موقف التناقض فى تأكيد الوصف على عدم الموائمة بين جلسة المشاهد وطبيعة الأخبار المعروضة ، غير أن إبراز
ما فى هذا التأكيد يأتى فى ختام الوصف حين تناوش التراكيب بعضها ( الزعماء الأسرى أو الأسرى الزعماء) فهاذا التغيير
فى أساس المركب النحوى لا يمثل فحسب مشابهة المواقف المعلنة لغير المعلن ، بل إنه يضيف بالمشاكلة الصوتية التعبيرعن
التناقض الظاهرى بين المواقف الرسمية ، وإلى ذلك يضيف لمسة إنسانية فى رؤية هذا التناقض الذى يؤول على لون من التراسل
بين الحدود :
(كيف تخففنا من رهبتنا / حين انطفأ المصباح الأوحد فى الشارع / واشتعلت أعمدة الرغبة فينا ..،/ بل كيف استسلم كل منا للآخر
لأغيب بشوق فى ظلمتها وتغيب سويعات فى ظلماتى) / (وحيدة فى الليل - صـ40)
وما أعنيه يتبدى فى تبادل غيبة العاشقين ، وتحول الظلمة إلى بؤرة مكاشفة ، تتجاوز مساحات الفرقة بين الذوات الإنسانية
وهنا نلحظ اقتران مناوشة التراكيب لبعضها البعض بالتساؤل الملح عن معنى التوحد الذى كشف عن التكرار:(كيف تخففنا...؟
بل كيف استسلم .. ؟) والتساؤل فى هذه النصوص تعبير
متكرر عن الدهشة والإقرار أكثر منه تعبيراً عن الحيرة ، وهو يتواءم فى سلكه مع مركب ثان يتكرر فى مواضع أخرى ، أعنى
المشاكلة ( المبنية على التشبيه العينى باستخدام (كأن) ، كقوله (صـ43).
(كأن فتوحات الصوفيين المجهولين / ارتسمت بالدم على شفتيه / أو أن الفانين جميعاً / سيموتون وفى أنفسهم شيئ / من أشياء
أخفاها الله لديه )
والتساؤل والتشبيه كلاهما يتجاوزان الوظيفة الكلاسيكية لطبيعتهما فى تقريب المعانى ، ويدعمان على نحو مباشر وظيفة (التلمس)
والاكتشاف التى تتكئ عليها الذات فى تحقيق تحررها من جمود الأحكام ، وما ينبغى أن أؤكد عليه فى ختام هذه الكلمة أن هذه
النصوص بطاقتها السردية تعتمد على مناوشة التراكيب لبعضها البعض حيث يبدو الوصف مسترسلاً ، يتكئ على الإبراز
الصوتى حيناً ، وعلى التعيين الحسى للمشابهة حيناً ، أو التمثيل المادى للوقائع حيناً (فى اشتحضار لقطات من الحوار بين العاشقين)
لكنها فى كل الأحوال - وإن بنيت على أساس صلاحيتها للقراءة كشأن قصيدة النثر - فإنها تحاول الإفادة من الطاقة الصوتية
للإنشاد ، أى للتحقق العينى عند رفع الصوت بما يشبه الترتيل لنصوصها :
(ونحكى عن رهبتنا الأولى .. / ندخل ظلمتنا ..، / نتعرى .. /: ناعمة أنت ...، / :بل أنت جموح/ : صوتك عال يا بنت ، / وشبابيك
الغرفة مثقلة بالآذان / ... ، .... ، / ياااااااه / أصداؤك قاسية جداً / (ص32 أصداء )
ولا ريب أن نتبادل القول أو استحضار الحكى - كما تقول القصيدة - يكشف عن التوتر الفنى الذى يعبر عنه مضمون القول ، وبعبارة
ثانية ، يكشف القول عن التوهج الإنسانى فى لحظات حميمة مشحونة باقتناص أجزاء من الذات المغلفة بالصمت ، بالإضافة إلى اقتناص
آثار حس التعرى على تلمس وصف الحقائق المادية ، وقد نتذكر هنا - ومرة أخيرة - الطيبين الذين يتسمون بالإفصاح عن ذواتهم
وإن يكن فى صورة قصائد لا يقرؤها أحد ( أنظر الصامتون صـ59) ومن خلال هذا التمثيل الصوتى للمكتوب أو للوصف السردى
فى نصوص الديوان يتخلق الأثر الفاتن لما تقرأ ، وتظل مقاطع أو عبارات أو تخيلات عالقة بنفسك أو بذهنك أو بروحك وهذا
- كما أقدر- أكبر علامات النجاح وأعظمها ، ومن هذه المقاطع التى علقت بنفسى قوله(لأنها لا تشبه الأخريات صـ38) :
كان عليك أن تدرك منذ البداية / إن اختلافكما / هو فراقكما المؤجل ...، / وأنها عكس ما قلت :/ لا تشبه الأخريات ..،.../ لكنك
تماماً كما قالت : / .. عائش فى الوهم ) .
ولن أضيف تعليقاً على هذا المقطع البديع ، وإنما سأدعوك معى إلى تأمل أثره الجمالى فى نفسك وأن تستمتع بما تقرأ ، لأن هذا هو الأولى بفعل القراءة .
__________________________________________________ __________________________________________________ ___________________10_____________________________ ______________
*وتسميهم أصدقاء)2002الهيئة المصرية العامة للكتاب
*رصيف يصلح لقضاء الليل )2005دار سنابل المصرية الاسبانية
*د/ صلاح فاروق .. ناقد وشاعر مصرى






الصور المرفقة
نوع الملف: jpg غلاف 2.jpg‏ (8.5 كيلوبايت, المشاهدات 11)
نوع الملف: jpg غلاف.jpg‏ (7.7 كيلوبايت, المشاهدات 11)
 
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قيام الليل من سمات الأبرار هشام النجار منتدى رمضان شهر الذكر والقرآن 2 05-09-2010 11:00 PM
حداثة التماسات...تماس الحداثات قراءة في رواية " شبابيك منتصف الليل " لابراهيم درغوثي ابراهيم درغوثي منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي 0 29-04-2008 10:26 PM
قيام الليل هانى الشيخ المنتدى الإسلامي 4 04-09-2007 05:58 PM
إعجاز علمي في قيام الليل د.رشا محمد منتدى العلوم الإنسانية والصحة 2 19-11-2006 05:18 AM
الحكمة النبوية من الحث على قيام الليل نورة التونسية المنتدى الإسلامي 2 30-07-2006 01:38 AM

الساعة الآن 09:21 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط