الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديـات الثقافيـة > منتدى العلوم الإنسانية والصحة > مكتبة أقلام

مكتبة أقلام قسم وليد يهتم بنقاشات الكتب وأخبار المؤلفين والأصدرات ودور النشر

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع التقييم: تقييم الموضوع: 1 تصويتات, المعدل 5.00. انواع عرض الموضوع
قديم 28-12-2017, 03:24 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


جديد كتاب (الجامع لأحكام الصّلاة )

[b]
الجامع لأحكام الصّلاة
للعالم الجليل أبو إياس
محمود بن عبد اللطيف بن محمود (عويضة)
"مجتهد مطلق"

كتابٌ في أحكام الصلاة سميته الجامع لأحكام الصلاة لأنني دونت فيه جميع مسائل الصلاة التي تناولتها النصوص دون تلك الأبحاث التي دونها الفقهاء مستدلين عليها بالقياس أو بالاستحسان وما إلى ذلك مما لا يصح الاعتماد عليه في العبادات ذلك أن العبادات توقيفية تُؤخذ من النصوص فحسب: الكتاب والسنة ولا يصح أخذها من سواهما ولهذا جاءت الأحكام في هذا الكتاب بمثابة فقه النصوص ليس غير وقد راعيت عند أخذ النصوص أخذها من مصادرها من كتب الحديث وليس من كتب الفقه.

الجزء الأول
أحكام الطّهارة


روابط التنزيل


http://adel-ebooks.sheekh-3arb.info/...=4883#post4883
الطبعة الأولى 2001م
الطبعة الثانية 2002م
الطبعة الثالثة 2003م
الطبعـة الأخـيرة
مزيدة ومنقحة

رقم الإيداع لدى دائرة المكتبة الوطنية (2680/12/2003)

262,2
عويضة، محمود عبداللطيف
الجامع لأحكام الصلاة/ محمود عبداللطيف عويضة.-
ط 3.- عمان: المؤلف، 2004 .
880ص.
[/b






 
رد مع اقتباس
قديم 28-12-2017, 03:27 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي رد: كتاب (الجامع لأحكام الصّلاة )

-






-






 
رد مع اقتباس
قديم 28-12-2017, 03:34 PM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


Ss7004 رد: كتاب (الجامع لأحكام الصّلاة )

ألسادة المشرفين المحترمين
ألرجاء تثبيت الموضوع
وسلفاً أشكركم






 
رد مع اقتباس
قديم 28-12-2017, 07:17 PM   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي رد: كتاب (الجامع لأحكام الصّلاة )

مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين ، والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة للعالمين ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلَّم تسليماً كثيراً .

أما بعد، فهذا كتابٌ في أحكام الصلاة سميته [الجامع لأحكام الصلاة] لأنني دونت فيه جميع مسائل الصلاة التي تناولتها النصوص دون تلك الأبحاث التي دونها الفقهاء مستدلين عليها بالقياس أو بالاستحسان وما إلى ذلك مما لا يصح الاعتماد عليه في العبادات ، ذلك أن العبادات توقيفية تُؤخذ من النصوص فحسب: الكتاب والسنة ولا يصح أخذها من سواهما، ولهذا جاءت الأحكام في هذا الكتاب بمثابة فقه النصوص ليس غير .

وقد راعيت عند أخذ النصوص أخذها من مصادرها من كتب الحديث وليس من كتب الفقه، إذ أن هناك تفاوتاً في الألفاظ بين الأحاديث في كتب الفقه وبين الأحاديث في كتب الحديث بشكل عام. وقد التزمت عند الاستدلال بالحديث بوضع صاحب اللفظ المثبَت في الكتاب - عند تعدد الرواة - في مقدمة الرواة، فإذا قلت رواه مسلم وأحمد والترمذي مثلاً ، فإن اللفظ المُثْبَت في الكتاب هو لفظ مسلم ، وإذا قلت رواه الترمذي ومسلم وأبو داود ، فإن اللفظ المُثْبَت هو لفظ الترمذي، وهكذا، وإذا وجدتم في سياق الحديث فراغاً مملوءاً بالنقط، فإن ذلك يدل على جزءٍ محذوفٍ من الحديث لا يلزم إثباته عند الاستدلال، خاصةً إذا كان الحديث طويلاً .

أما الأحاديث التي رواها الإمام أحمد فقد أخذتها إمَّا من مُسنده مباشرة، وإمَّا من كتاب [الفتح الرَّبَّاني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني] لمؤلفه أحمد عبد الرحمن البنَّا، وقد نوَّهت بهذا الأمر لأن [ الفتح الرَّبَّاني] ربما أورد أحاديث المسند بطريق الاقتباس أو اقتطاع أجزاء من الأحاديث، سيما عند تكرار وضعها في الكتاب حسب أبواب الفقه فيه .

وإذا قلتُ روى هذا الحديث مسلم مثلاً فإن ذلك لا يعني أن الحديث انفرد مسلم بروايته وأن أحداً غيره لم يروه، وكذلك إذا قلت إن الحديث رواه البخاري والنَّسائي مثلاً، فإن ذلك لا يعني أن الراويَيْن قد انفردا بروايته وأن غيرهما لم يرووه، ففي هذا الأمر لم ألتزم بقاعدة ثابتة، فربما ذكرت راوي الحديث صاحب اللفظ فقط، وربما ذكرت صاحب اللفظ ورواةً آخرين شاركوه في الرواية، وإذا حصل ذلك فإنما هو من أجل زيادة المعلومات لدى القاريء، وإلا فكما قلت لا يكون اللفظ إلا لصاحبه الأول فحسب، وأما الرواة الآخرون فإن ألفاظهم ربما تطابقت مع لفظ الراوي الأول وربما اختلفت عنه قليلاً ، فالمعتمد في الاستدلال هو لفظ الراوي الأول فحسب، راجياً أن يكون هذا الأمر واضحاً تماماً .

وقد التزمت في الاستدلال بأخذ الأحاديث الصحيحة والحسنة التي صحَّت وحسُنت عند جمهرة المُحَدِّثين أو بعضهم، ولم أستدلَّ بأي حديثٍ علمت أنه ضعيف عند جميع المُحَدِّثين، أما الحديث المختلَفُ عليه من حيث الصحة والضعف فربما أخذته وربما تركته، والأخذ والترك متعلقان بموافقة الحديث أو مخالفته للأحاديث الصحيحة والحسنة .

وهذه الأحكام المدوَّنة كلها قد توصلَّتُ إليها باجتهادٍ شخصي فلم آخذها من اجتهادات المجتهدين، وإنما هي أحكام مستقلة عن اجتهاداتهم، ربما تطابقت معها وربما اختلفت قليلاً أو كثيراً . فعلى المتَّبعين في مسائل الصلاة للأئمة الأربعة أو لغيرهم أن يبقوا متَّبعين لأئمتهم إن هم اتبعوهم بعد معرفة أدلتهم، واعتبروهم أصحَّ اجتهاداً ، أما إن هم قلَّدوهم تقليداً - بمعنى أنهم أخذوا الأحكام منهم ، وعملوا بها دون الاطِّلاع على أدلَّتها - فهؤلاء يمكنهم الانتقالُ إلى هذه الأحكام المقترنة بالأدلةِ ووجوهِ استنباطها، واتِّباعُها، وأما غير هؤلاء وأولئك فشأنهم في الأخذ بهذه الأحكام أو تركها ، شرط أن لا يراعوا في ذلك الأسهل والأوفق لهواهم ومصالحهم ، فإن ذلك حرام لا يجوز .

إن الغاية من وضع هذا الكتاب، وخاصة الجزء الأول منه هي أنني أردت أن أضع نموذجاً لكتابة الفقه، رأيت أنه الأنسب والأصح ، يبرز فيه استعراض النصوص كلها في المسألة الواحدة ، واستحضار الأحكام التي استنبطها الفقهاء لمحاكمتها، ومن ثَمَّ التوصُّل إلى الحكم الصحيح وبيان الحكم الخطأ، حتى يأخذ المسلم الحكم بقناعةٍ واطمئنان نفسٍ، وينأى بذلك عن التقليد الأعمى لهذا الفقيه أو ذاك، فالتقليد الأعمى آفة أصابت المسلمين في عهودهم الأخيرة، فسببت لهم الهبوط ولا أقول الانحطاط، ولم أقصد من وضع هذا الكتاب أن أضع مجرد كتابٍ في الفقه، وذلك لأن كتب الفقه المطبوعة دون المخطوطة تزيد كثيراً عن حاجة المسلمين، فهذا الكتاب ليس سوى محاولة مني لوضع النموذج الصحيح الذي أراه لكتابة الفقه ، راجياً من الله سبحانه أن أكون قد وُفِّقتُ فيما سعيت إليه.

كما أنني بوضع هذا الكتاب إنما أشارك عدداً من العلماء الذين ثاروا على واقع هذه الأمة الإسلامية الكريمة، ورفضوا الإذعان لغلق باب الاجتهاد الذي أدى إلى هبوط الأمة فكرياً ومن ثَمَّ سياسياً، أُشارك هؤلاء المجتهدين بفتح باب الاجتهاد على مصراعيه للعلماء المخلصين المالكين لأدوات الاجتهاد وهم بأعداد لا بأس بها، ولا تنقص معظمهم إلا الجرأة والإقدام على طَرْق هذا الباب والولوج فيه .

وليعلم هؤلاء أن المجتهد غير عالم أصول الفقه ، فكما أن الأديب غير عالم النحو والصَّرف، إذ يستطيع أن يكتب القطع الأدبية دون إتقانٍ منه لعلوم اللغة كإتقان عالم النحو والصرف، فكذلك المجتهد يستطيع أن يستنبط الأحكام من أدلتها دون إتقانٍ منه لعلم أُصول الفقه كإتقان عالم أصول الفقه ، فهذا وذاك يحتاجان من هذه العلوم إلى قدر معقول ومناسب دون الإتقان التام والإحاطة الكاملة لهذه العلوم، فربما اجتهد مجتهد في عشر مسائل وعشرين مسألة دون أن يحتاج من علم أصول الفقه إلا للقدر اليسير منه .

لقد وضعت هذا الكتاب ابتداءً في عام 1407 من الهجرة و1987 للميلاد، وقد حالت ظروفٌ دون نشر الكتاب من قبل، وفي هذا العام وقد تيسَّر لي نشره قمت بمراجعته وإدخال إضافاتٍ كثيرة نافعة عليه، راجياً أن يلقى من القراء جميعاً الرضى والقبول.

واللهَ أسأل أن يتقبَّل مني مـا بذلت ومـا نويت ومـا إليه هـدفت، والحمد لله أولاً وآخــراً.






 
رد مع اقتباس
قديم 29-12-2017, 12:41 PM   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي رد: كتاب (الجامع لأحكام الصّلاة )

تمهيد
.الطهارة في اللغة النقاوة والتنزُّه من الأدناس. وفي الشرع رفعُ ما يمنع الصلاة والطواف ومسَّ المصحف من حَدَثٍ بالماء، أو رفع حكمه بالتراب، وإزالة النجاسة بهما أو بغيرهما. فأغسال الجنابة والحيض والنفاس تدخل تحت رفع الحدث الأكبر ، والوضوء يكون لرفع الحدث الأصغر، وكلاهما يدخل تحت مدلول الطهارة ، فالمسلم يكون طاهراً طهارة كاملة بالغسل والوضوء إضافةً إلى إزالة النجاسة.
والطهارة عبادة وعمل من الأعمال، فتفارق المعاملات التي هي تصرفات قولية، ولذلك احتاجت إلى النية لقوله عليه الصلاة والسلام «إنما الأعمال بالنِّيَّة، وإنما لامريءٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه» رواه مسلم والبخاري من طريق عمر بن الخطاب.
وقد جاءت النصوص تعيِّن الماء لرفع هذين الحدثين دون سواه ، خلافاً لرأي أبي حنيفة الذي يجيز الوضوء بالنبيذ، فإن عدم الماء قام التراب في التيمُّم مقامه مؤقتاً في جميع الأغسال والوضوء ريثما يوجد الماء .
أما إزالة النجاسة فلا تفتقر إلى النية، خلافاً لمالك وأحمد، وأن المطلوب فقط هو زوال النجاسة بأي شكل أو أداة أو مادة، خلافاً لمالك والشافعي وأحمد الذين أوجبوا إزالة النجاسة بالماء فحسب . فالجسم نجس ما حمل نجاسة، وطاهر ما خلا منها، والحكم إنما يكون في الحال لا في المآل ولا في سابق الوقت، فإذا كان جسم لا يحمل نجاسة حكمنا بطهارته دونما حاجة لمعرفة ما إذا كان من قبلُ نجساً أو لا، ولا كيف زالت نجاسته إن علمنا أنه كان من قبلُ نجساً، كما أننا نعُدُّه طاهراً ما دام لم يتنجس .
والنجاسات تسع: أربعٌ من الإنسان هي البول والغائط والمذي والودي، وثلاث من الحيوان هي الكلب والخنزير والميتة ، وواحدة مشتركة بينهما هي الدم المسفوح ، وواحدة من غيرهما هي الخمر. والنجاسات هذه لا تُطَهَّر، وإذا خالطت جسماً طاهراً نجَّسته، فصار هذا الجسم الطاهر متنجِّساً، وعلى المتنجِّس مدار البحث في إزالة النجاسة . هذا هو مجمل الكتاب، وإليكم البيان والتفصيل .
تابعوا معنا >>>>>>>






 
رد مع اقتباس
قديم 31-12-2017, 04:05 PM   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي رد: كتاب (الجامع لأحكام الصّلاة ) 09 - 12

الفصل الأول
أحكام المياه
خلق الله سبحانه الأرض وغطى ثلثيها بالماء، وخلق الحيوان والنبات - وهما طعام الإنسان - خلقهما من الماء، وتوَّج مخلوقاته بالإنسان، وجعل ثلاثة أرباع بدنه ماء، وصدق الله إذ يقول وجَعَلْنا من الماءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ الآية 30 من سورة الأنبياء. فالله سبحانه قد كرَّم الماء إذ جعل مدار الحياة في الأرض عليه، وجعله طَهوراً ، وعلَّق به وبوجوده العديد من العبادات، فبالماء يزيل المسلم جنابته، وبه يتوضأ لتكتمل بذلك طهارته من الحدثين كي يتسنى له الوقوف أمام ربه في أجلِّ عبادة هي الصلاة، ويطوف في حجِّه حول الكعبة مبتدئاً بالحجر الأسود يمينِ اللهِ في الأرض ، ويلمس المصحف المجيد، وبالماء يزيل معظم ما يصيبه من النجاسات ، وبالماء ينظف بدنه وثيابه وأشياءه.

ولما كان مدار الطهارة عليه فقد جعله الله سبحانه وتعالى كلَّه طَهوراً، فماء المطر طَهور لقوله تعالى ويُنزِّل عليكم من السَّماءِ ماءً ليُطهِّرَكم به الآية 11 من سورة الأنفال. ولقوله سبحانه وأنزلنا مـن السَّماءِ ماءً طَهوراً الآية 48 من سورة الفرقان.

وماء البحر طَهور لما رُوي عن أبي هريرة أنه قال «سأل رجلٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر؟ قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو الطَّهور ماؤُه الحِلُّ ميتتُه» رواه أحمد ومالك وأبو داود والنَّسائي والترمذي. وصححه البخاري والترمذي وغيرهما.

وماء الآبار والينابيع طَهور لما رُوي عن أبي سعيد أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم «أنتوضأ من بئر بُضاعة - وهي بئر يُطرح فيها الحِيَض ولحم الكلاب والنتن - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الماء طَهور لا ينجِّسه شيء» رواه أبو داود والترمذي وحسَّنه. وصحَّحه أحمد ويحيى بن معين.

والطَّهور هو الطاهر في نفسه المطهِّر لغيره ، فقول الرسول عليه الصلاة والسلام «الماء طَهور لا ينجِّسه شيء» عام في كل ماء، سواء نزل نقياً من السماء أو خالطته ملوحة في البحار، أو علِقت به طحالبُ وأتربةٌ في مجاري الينابيع والأنهار، ما دام يحمل اسم الماء، ولذا فإن الأصل في الماء كلِّ الماء الطُّهوريةُ وعدمُ إخراج أي ماء من الطُّهورية . فهذا هو حكم الماء، وذلك لأنه لم يرد في النصوص أي وصف آخر له من حيث الطُّهورية.

وتتخرج من ذلك حالتان، الأولى : ما إذا خالطه شيءٌ أو أشياء بحيث يفقد اسمه بتغيُّر أحد أوصافه ، بحيث لا يعود يطلق على المزيج الجديد اسم الماء، بل يصبح شيئاً آخر غير الماء، وآنذاك لا يكون ماء طَهوراً، لأنه لم يَعُد ماءً لا في اسمه ولا في وصفه، والثانية أنه قد ورد نصٌّ شرعي يستثني حالة واحدة فحسب من حالات الماء - مع بقائه ماء - من الطُّهورية، هو ما رُوي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان الماء قُلَّتين لم يحمل الخَبَثَ» رواه الترمذي وأبو داود وأحمد . وصححه ابن خُزَيمة وابن حِبَّان والحاكم. ولأحمد « لم ينجِّسه شيء». ولأبي داود «فإنه لا ينجُس» . فاستثنى من حالات الماء حالة واحدة هي كون الماء دون قُلَّتين وقد أصابته نجاسة ، ففي هذه الحالة فحسب يفقد الماء طُهوريته ويصبح نجساً، أي ينتقل مباشرة من الطُّهورية إلى النجاسة. فالماء ليست له سوى حالتين اثنتين فقط هما حالة الطهورية، وحالة النجاسة المستثناة.

هذه ببساطة أحكام المياه، فالماء طَهور ما دام يحمل اسم الماء، ولا يفقد طهوريته إلا في حالة وحيدة هي ما إذا كان دون القُلَّتين وأصابته نجاسة ، ففي هذه الحالة يفقد طهوريته ويفقد طهارته لأنه يصير نجساً، وما سوى هذه الحالة يظل طَهوراً صالحاً للغسل من الجنابة، وللوضوء، ولإزالة النجاسات.

ولقد تشعَّبت آراء الفقهاء وتعدَّدت كثيراً في هذه المسألة، ونحن سنستعرض هذه الآراء كلها بإذن الله، ونناقشها حتى نقف على الصحيح منها ونطرح ما سواه.

قالوا : الماء أقسام عديدة منه الطَّهور ومنه الطاهر، ومنه النجس، ومنه المستعمَل الطَّهور، ومنه المستعمَل الطاهر ، ومنه المستعمَل النجس، فجعلوا الماء ستة أقسام، وكان حقه أن يكون قسمين اثنين فقط.

الماء الطَّهور

قالوا إن الماء الطهور إذا خالطته مواد طاهرة فغيرت أوصافه، كأن صار لونه أحمر أو أصفر ، أو صارت له رائحة، أو تغير طعمه، أو تغير قِوامه ، صار هذا الماء طاهراً وفقد طُهوريته، ولم يعد يصلح للاغتسال به من الجنابة أو الحيض أو النفاس، أو للوضوء ، ولم يكتفوا بذلك بل فصَّلوه على النحو التالي:

أ- ما يوافق الماء في الطُّهورية كالتراب والملح.
ب- وما لا يختلط بالماء كالدهن.
جـ- وما لا يمكن التحرُّز منه كالطُّحلب.
د- وما سوى هذه الأنواع كالزعفران.

دون أن يذكروا إن كان الماء دون قلتين أو أكثر ، وأعطَوْا لكل حالة حكماً ، ودخلوا في تفريعات لا حاجة بنا لذكرها، فنرد عليهم بما يلي:

أما ما ذكروه في أول البند فصحيح من وجه وخطأ من وجه آخر ، والحالات الأربع داخلة في الصحيح والخطأ دون حاجة لهذه التبويبات. أما أنَّ الماء إذا تغير بمخالطته لمواد طاهرة فَقَدَ طُهوريته فقولٌ صحيح ، ولكن أن يقولوا إنه صار ماءً طاهراً فخطأ، لأن الماء هو تلك المادة ذات الصفات والخصائص المعروفة ، فإذا اختلفت هذه الصفات والخصائص بشكل بيِّن لا يبقى الماء ماء ، ولا يصح إطلاق اسم الماء عليه ، وسمِّه آنئذ بما شئتَ من أسماء حسب المادة التي اختلطت به. فقولهم يكون الماء طاهراً ـ هكذا بذكر كلمة (الماء) ـ خطأ ، فالنبيذ وهو ماء نُقِع فيه تمر لا يصح أن يقال عنه إنه ماء طاهر غير طَهور، لأنه لم يعد ماء لا في اسمه ولا في واقعه، والشاي المشروب الأحمر لا يسمى ماء، والسوس لا يسمى ماء، والماء إذا غُلي فيه الحمص حتى صار أصفر ذا طعم خاص لا يصح أن يقال إنه ماء ، لا ماء طاهر ولا ماء طَهور، فما دامت هذه الأشربة والمحاليل لا تتصف بصفات الماء ولا تحمل خصائصه فيجب إخراجها من هذا البحث، وعدم إدراجها في باب المياه وأقسامها.

والقاعدة الواجب اعتمادها هي أن الماء ما دام ماء - أي اسمه ماء وحقيقته أنه ماء - إن خالطته شوائب طاهرة فلم تسلُبْه اسمَه ، ولم تغيِّر أوصافه وخصائصه ظل ماء طَهوراً يصلح لكل حالات التطهير، لا فرق بين الحالة والأخرى من الحالات الأربع. فإذا أُذيب في الماء قَدر كبير من الملح أو خالطته كمية كبيرة من التراب والطين أو الكبريت أو الزعفران بحيث لم يعد يسمى ماء أُخرج من بحث أقسام المياه ودخل في بحث المواد الأخرى التي سلبته اسمه وحقيقته . فشراب الزعفران طاهر، وشراب السوس طاهر ، والشاي طاهر ، والنبيذ - أي منقوع التَّمر - طاهر، ومحلول الكبريت طاهر ، ولكن هذه لا تُبحث في باب المياه ولا تأخذ أحكامها، وبالتالي لا يقال لهذه الأشربة والمحاليل إنها مياه طاهرة غير طَهورة ، ولا فرق في ذلك بين ما كان فوق القُلَّتين أو دونهما.

وهذا الموضوع كله ليس موضوع نصوص، وإنما هو موضوع تحقيق مناط الماء، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول «الماء طَهور» ونحن نبحث في مناط الماء وعلى ماذا ينطبق هذا اللفظ ، ولم يقل عليه الصلاة والسلام شراب الزعفران طاهر أو طَهور حتى يدخل في هذا الباب. وعليه فإن قولهم إن الماء طاهر إن خالطه ما غيَّر أوصافه أو سلبه اسمه صحيح من وجه وخطأ من وجه ، وقد بان الوجهان تماماً. وقل مثل ذلك على إدام الطعام وأدوية الصيدليات السائلة والمحاليل الكيماوية والعُصارات والعطور ، فكلها لا علاقة لها بأحكام المياه من حيث الطُّهورية والطهارة لا من قريب ولا من بعيد ، فلا تصلح للوضوء ولا للأغسال من نفاس وحيض وجنابة.

قد يقال إن عكرمة والحسن والأوزاعي وأبا حنيفة أجازوا الوضوء بالنبيذ مستدلين بما رُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي  قال له ليلة الجن «ما في إداوتك؟ قال: نبيذ، قال : تَمْرةٌ طيبةٌ وماءٌ طَهور» رواه أبو داود وأحمد والترمذي وابن ماجة. فنردُّ عليهم من ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه يعارض الآية الكريمة ... فلم تجدوا ماءً فتيمَّموا... سورة النساء 43، وسورة المائدة 6. ذلك أن الآية قد أوجبت الانتقال إلى التراب عند فقد الماء ولم تجعل بينهما شيئاً آخر .

وثانيها: هذا الحديث ضعيف، لأن في إسناده أبا زيد ، وأبو زيد هذا قال عنه الترمذي (مجهول عند أهل الحديث) وقال ابن حِبَّان (ليس يُدرَى مَن هو ولا أبوه ولا بلده، ومن كان بهذا النعت ثم لم يروِ إلا خبراً واحداً خالف فيه الكتاب والسنة والإجماع والقياس استحق مجانبة ما رواه) .

وثالثها: إن مسلماً روى أن ابن مسعود نفسه قال «لم أكن ليلة الجنِّ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووددت أني كنت معه ». وروى أبو داود أن ابن مسعود قد سُئل «من كان منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال: ما كان معه منا أحد» . وبذلك يسقط الاحتجاج بالحديث على جواز الوضوء بالنبيذ . قال ابن قُدامة في المغني (فأما غير النبيذ من المائعات غير الماء كالخل والدهن والمرق واللبن فلا خلاف بين أهل العلم فيما نعلم أنه لا يجوز بها وضوء ولا غسل، لأن الله سبحانه أثبت الطُّهورية للماء بقوله ويُنَزلُ عليكم من السماءِ ماءً ليُطهِّرَكم به وهذا لا يقع عليه اسم الماء ) وهو تلخيص جيد وصحيح.

إلا أن الشرع الحنيف قد خفف عن المسلمين في ماء البحر وماء السواقي، فجعل ماء البحر طَهوراً رغم أنه يفقد صفة من صفات الماء لكونه مالحاً، وجعل ماء السواقي طَهوراً رغم ما يعلق به من طين أو شوائب تغيِّر لونه ، فهذان الماء إن حالة استثنائية فيُقْتَصَرُ عليهما ولا يقاس عليهما، ويبقى ما سواهما يعامَل كما سبق بحثه، ولذلك قال الفقهاء والأئمة إن الماء إذا خالطه ما يختلط به عادة يظل طَهوراً كالملح والتراب، وما سوى ذلك إذا خالط الماء فسلبه صفة من صفاته بطل عدُّه ماء، ولا يجري تصنيفه في أقسام المياه الطَّهورة.
من كل ما سبق يتبين لنا أنه لا يوجد شيءٌ اسمه الماء الطاهر غير الطَّهور، وبذلك يسقط القسم الثاني من أقسام الماء.








 
رد مع اقتباس
قديم 02-01-2018, 09:27 PM   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي رد: كتاب (الجامع لأحكام الصّلاة )



ألعالم الجليل أبو إياس
محمود بن عبد اللطيف بن محمود (عويضة)
"مجتهد "






 
رد مع اقتباس
قديم 02-01-2018, 09:33 PM   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي الاماء النجس (1)

الماءُ النَّجِس(1)
أما القسم الثالث من تقسيماتهم وهو الماء النجس فهو صحيح جُملةً ، أي أنه موجود في الواقع، ولكن فيه تفصيل لا بد من الوقوف عليه.
لقد افترق الفقهاء في هذه المسألة ثلاث فرق : فرقتين كبيرتين وفرقة ثالثة هي أبو حنيفة وأصحابه. فذهب ابن عباس وأبو هريرة وحذيفة والحسن البصري وسعيد بن المسيِّب وعطاء وعكرمة وجابر بن زيد وابن أبي ليلى والثوري وداود وإبراهيم النخعي ويحيى القطان والأوزاعي وعبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن المنذر ومالك بن أنس وأحمد بن حنبل في رواية عنه والشافعي في رواية عنه إلى أن الماء إذا خالطته نجاسة فغلبت عليه وسلبته اسمه وغيَّرت أوصافه صار نجساً، وإذا خالطته نجاسة فلم تغيِّر أوصافه ولم تسلبه اسمه ظل طَهوراً، سواء كان الماء قليلاً أو كثيراً .
وذهب عبد الله بن عمر وسعيد بن جبير ومجاهد وإسحق وأبو عبيد، والشافعي وأحمد في المشهور عنهما إلى أن الماء إذا كان قُلَّتين فأكثر وخالطته نجاسة فغلبت عليه وسلبته اسمه وغيَّرت أوصافه صار نجساً، وإذا كان دون القُلَّتين تنجَّس بحلول النجاسة فيه، سواء غيرت اسمه وأوصافه أو لم تغيِّر ، قليلةً كانت أو كثيرة. وسنعرض لرأي كلٍّ من هذين الفريقين ونناقشهما، ثم نعرض لرأي أبي حنيفة وأصحابه.
استدل الفريق الأول على رأيهم بالأحاديث الآتية:
1 - عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال «قيل : يا رسول الله أنتوضأ من بئر بُضاعة؟ - وهي بئر يُلقى فيها الحِيَض ولحومُ الكلاب والنتنُ - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الماء طَهور لا يُنجِّسه شيء» رواه الترمذي وحسَّنه. ورواه أبو داود ، وصححه أحمد ويحيى بن معين وابن حزم.
2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال « سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحياض التي تكون فيما بين مكة والمدينـة، فقيل لــه : إن الكلاب أو السباع تَرِدُ عليها؟ فقال : لها ما أخذت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطَهور» رواه الدار قطني . ورواه الطبراني من طريق سهل. ورواه البيهقي من طريق أبي سعيد الخدري وقال : إسناده حسن. إلا أن الهيثمي والحاكم وابن الجوزي قد ضعَّفوه.
3- عن أبي أُمامة الباهلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الماء لا يُنجِّسه شيء إلا ما غَلَب على ريحِه وطعمِه ولونِه» رواه ابن ماجة والبيهقي. ورواه الدار قطني أيضاً من طريق ثوبان دون قوله «ولونه». وجميع طرق هذا الحديث ضعيفة. فقالوا إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يفرِّق بين القليل والكثير ، ولأنه لم تظهر على الماء إحدى صفات النجاسة، فلم ينجس بها كالزائد عن القُلَّتين، وردُّوا حديث القُلَّتين لأنه ضعيف.
واستدل الفريق الثاني بالأحاديث التالية:
1- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال «سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهو يُسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:: إذا كان الماء قُلَّتين لم يحمل الخَبَث» رواه الترمذي وأحمد وأبو داود. وفي رواية ثانية لأبي داود «فإنَّه لا ينجس» ورواية ثالثة للحاكم وأحمد «لم يُنجِّسه شيءٌ » وسنعرض بعد قليل لدرجة هذا الحديث.
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال « إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً ، فإنه لا يدري أين باتت يده» رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنَّسائي والترمذي. ورواه البخاري ولم يذكر العدد ثلاثاً.
3 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال « إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فلْيغسله سبع مرات» رواه مسلم والبخاري وأحمد . وفي روايةٍ لمسلم «طُهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهنَّ بالتراب ».
فقالوا: تحديد الحديث الأول بالقُلَّتين يدل على أن ما دونهما ينجس، إذ لو استوى حُكم القُلَّتين وما دونهما لم يكن التحديد مفيداً. وقالوا عن الحديث الثاني إنه لولا أنه يفيد منعاً لم ينه عنه. وعن الحديث الثالث قالوا : أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بغسل الإناء من ولوغ الكلب وإِراقةِ سُؤْرِه، ولم يفرِّق بين ما تغير وما لم يتغير ، مع أن الظاهر عدم التغيُّر ، وردُّوا حديث أبي أُمامة الذي رواه ابن ماجة وغيره لأنه ضعيف. واستشهد الفريقان بأشياءَ أخرى ، وقالوا كلاماً آخر دون الكلام الأول سنعرض له في المناقشة بإذن الله.
من استعراض أدلة الفريقين وما استنبطوه من أحكام يتبين أن الخلاف بينهما ليس واسعاً فالماء قسمان - ما دون القُلَّتين ، وقُلَّتان فأكثر - أما ما كان قُلَّتين فأكثر فقد اتفق الفريقان على أنه لا ينجس بوقوع النجاسة فيه، إلا إذا غيَّرت النجاسة أوصافه وسلبته اسمه ، أما إذا وقعت فيه فلم تسلبه اسمه ولم تغير أوصافه بقي طَهوراً - أما أبو حنيفة وأصحابه فإن لهم رأياً مختلفاً سنعرض له فيما بعد كما قلنا - أما ما كان دون القُلَّتين فقد اتفقوا أيضاً على أنه إذا وقعت فيه نجاسة فغيَّرته وسلبته اسمه صار نجساً، وهذا قول صحيح أيضاً. قال محمد بن المنذر (أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيَّرت له طعماً أو لوناً أو ريحاً فهو نجس) . بقي الماء دون القُلَّتين وأصابته نجاسة قليلة لم تغير وصفه ولا سلبته اسمه، هذا الماء فقط هو مدار الخلاف بين الفريقين هذين، ونناقش هذه المسألة فنقول :
إن الماء إذا بلغ قُلَّتين فأكثر وخالطته نجاسة يسيرة فلم تغيِّر وصفه ولم تسلبه اسمه بقي طَهوراً ، وإذا كثرت النجاسة بحيث سلبته اسمه وغيَّرت وصفه صار نجساً ، وهذا الأخير واضح فيه خروجه من أقسام المياه ، وأنه بالتالي لا يصح إدراجه في أقسام المياه ، لأنه خرج عن كونه ماء، فيكون مثل الماء الذي خالطته أشياء طاهرة فغيَّرت أوصافه وسلبته اسمه، والذي أخرجناه من قبلُ من أقسام المياه. وما قلتُه عن هذا الماء أقوله عن الماء الذي دون القُلَّتين وخالطته نجاسة فغيَّرت وصفه وسلبته اسمه، فإنه يخرج هو الآخر عن كونه ماء، وبالتالي لا يصح إِدراجه في أقسام المياه.
أما الماء النجس المتبقي والذي يُدْرَج في أقسام المياه فهو ما كان دون قُلَّتين وخالطته نجاسة يسيرة لم تغيِّر وصفه ولم تسلبه اسمه، فهذا يُدرج في أقسام المياه ، وهذا الماء هو المختَلَف فيه بين الفريقين : فريق يقولون بنجاسته ، والآخرون يقولون بطُهوريته.
وبالنظر في أدلة الفريقين يتبين أن الفريق الأول أخذوا بعمومات الأدلة ، بينما استشهد الفريق الثاني بالأدلة المخصِّصة، ولذا بقي الخلاف بينهما، وكان يمكن لهذا الخلاف أن ينتهي لو وافق الفريق الأول الفريق الثاني على أدلة التخصيص هذه، ولكنهم رفضوا منها ما رفضوا وتأوَّلوا منها ما تأوَّلوا ، ولهذا السبب استمر الخلاف ولم ينته. ونحن سنعمل على استعراض هذه الأحاديث من حيث السند والمتن، ثم ننظر في دلالاتها منطوقاً ومفهوماً كي نصل في هذه المسألة إلى الرأي الراجح بإذن الله.
1- حديث أبي سعيد «إن الماء طَهور لا يُنجِّسه شيء» يصلح للاحتجاج، لأن أحمد وابن معين وابن حزم قد صحَّحوه. هذا الحديث منطوقه يفيد العموم ، لأن كلمة (الماء) المعرَّفة بأل الجنس عامة تشمل كل ماء ، فالحديث عام ليس فيه تخصيص، وحديث الحياض الذي فيه «لها ما أخذت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطَهور» مطلق في الماء من حيث الكمية، لأن كلمة «لنا ما بقي» مطلقة دون تقييدٍ بحجم أو كيل فتظل على إطلاقها، فليس في الحديثين تخصيص وإنما هما يفيدان العموم والإطلاق.
على أن حديث الحياض ليس سوى إسنادٍ للحديث الأول، فليس فيه جديد، ولذا فلو طعن فيه المُحدِّثون وأسقطوه لما تأثر حكم القائلين بعدم التخصيص، فالأمر سيَّان العملُ به أو ردُّه . أما الحديث الثالث فنصفه الأول «إن الماء لا ينجِّسه شيء» يماثل في لفظِهِ الحديثَ الأول، وأما الاستثناء في آخره «إلا ما غَلَب على ريحه وطعمه ولونه» فأقول : حيثما ورد الاستثناء في روايات هذا الحديث فهو ضعيف ، فقد رواه ابن ماجة والدار قطني من طريق أبي أُمامة وفي سنده رشدين بن سعد وهو متروك، ورواه الدار قطني أيضاً من طريق ثوبان بلفظ «الماء طَهور إلا ما غَلَب على ريحه أو على طعمه» وفي سنده أيضاً رشدين بن سعد، وهو متروك كما ذكرنا . وروى البيهقي هذا الحديث عن أبي أُمامة عن النبي  قال «إن الماء طاهر إلا إنْ تغيَّر ريحُه أو طعمُه أو لونُه بنجاسةٍ تَحدُث فيه» وفيه أيضاً رشدين. قال الشافعي: وما قلت من أنه إذا تغيَّر طعم الماء ولونه وريحه كان نجساً يُروى عن النبي من وجه لا يُثبِت أهل الحديث مثلَه. وقال الدار قطني (لا يَثبُت هذا الحديث) وقال النووي (اتفق المُحدِّثون على تضعيفه) . فيسقط الاحتجاج بالحديث. ومع ذلك يبقى الحكم قائماً ودليله الحديث الأول.
وأود أن أشير هنا إلى أن هذا الحديث وإن كان ضعيفاً، أو كان الاستثناء الذي فيه ضعيفاً إلا أن معناه صحيح، وهو ما حققناه من قبل في بحث تحقيق مناط الماء. قال الشافعي والبيهقي وغيرهما : الإجماع على أن التغيُّر بالنجاسة ريحاً أو لوناً أو طعماً نجس. وهم يعنون بالإجماع هنا إجماع العلماء، وقد سقنا من قبل قول ابن المنذر بهذا الخصوص فلا نعيد، وأثبتنا هناك أن هذا الأمر لا يحتاج إلى نصوص.
2- رد الفريق الأول حديث القُلَّتين وقالوا إنه ضعيف لأنه مضطرب سنداً ومتناً، فلا ينتهض عندهم لتخصيص الحديث الأول، فيظل الحكم على عمومه ، وقالوا إن مدارَه على الوليد بن كثير عنه عن محمد بن جعفر بن الزبير ، وقيل عنه عن محمد بن عباد بن جعفر، وقيل عنه عن عبيد الله بن عمر ، وقيل عنه عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، وهذا اضطراب في السند. وقالوا إنه قد رُوي أيضاً بلفظ « إذا كان الماء قدر قُلَّتين أو ثلاث لم ينجِّسه شيء» كما في روايةٍ لأحمد والدار قطني . وبلفظ « إذا بلغ الماء أربعين قُلَّة فإنه لا يحمل الخَبَث» كما في روايةٍ للدارقطني من طريق جابر بن عبد الله. وهذا اضطراب في المتن.






 
رد مع اقتباس
قديم 04-01-2018, 07:41 PM   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي الماء لنجس -2- (الجامع لأحكام الصّلاة )

الماءُ النَّجِس(2)
فنجيبهم على دعوى الاضطراب في الإسناد بأن هذا لا يُعدُّ اضطراباً لأنه انتقالٌ من ثقة إلى ثقة. قال ابن حجر (وعند التحقيق أنه عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عمر المكبر ، وعن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر المصغر وما سوى ذلك وهْمٌ) وهؤلاء كلهم ثِقات. وللحديث طريق ثالثة عند الحاكم جوَّد إسنادها يحيى بن معين ، وقال الحاكم (صحيح على شرطهما وقد احتجَّا بجميع رواته) وقال ابن منده : إسناد حديث القُلَّتين على شرط مسلم . وبذلك يتضح أن سنده صحيح .
أما دعوى الاضطراب في المتن فهي ساقطة أيضاً ، فإن رواية «و ثلاث» شاذة، ورواية «أربعين قُلَّة» ضعيفة ضعَّفها الدار قطني بالقاسم بن عبد الله العُمَري فلا يُحتج بها، وهذا لا يهمُّ ما دامت رواية القُلَّتين ذات إسناد جيد.
3- ولكنهم لم يتوقفوا عن الطعن في هذا الحديث، فقالوا إن القِلال غير معلومة المقدار ، وإنَّ تقييد من أخذوا بالحديث للقِلال بقِلال هَجَر غير مقبول ، وردوا الرواية التي قيدتها بقِلال هَجَر بأنها من رواية المغيرة بن صقلاب وهو منكر الحديث. هذه حجتهم في الرد أيضاً، وهي حجة واهية لأن الرسول عليه الصلاة والسلام حينما يذكر كيلاً أو وزناً يُفسَّر ويُحدَّد بمعرفة ما كان الناس عليه زمنه عليه الصلاة و السلام، ولا يلزم أن يقع ذلك في حديثه عليه الصلاة والسلام. فبالرجوع إلى ما كان عليه المسلمون زمن الرسول عليه الصلاة والسلام نجد أن قِلال هَجَر هي التي كانت شائعة فيهم ، فلا يُصار إلى غيرها إلا بنص، فقد كثر استعمال العرب لها في أشعارهم كما قال أبو عبيد في كتاب الطهور، وروى البيهقي عن مالك ابن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر حديث المعراج وفيه « ثم رُفِعتُ إلى سِدْرة المُنْتَهى، فحدَّث نبي الله صلى الله عليه وسلم أن ورقها مثل آذان الفيلة وأن نَبقَها مثل قِلال هَجَر» وقال بعد ذلك (مخرَّج في الصحيحين من حديث ابن أبي عروبة)، وهذا يدل على أنها كانت مشهورة فعلاً، ولذا لا يضيرنا ضعف رواية المغيرة بن صقلاب لأنها ليست بلازمة.
إذن حديث القُلَّتين صالح للاحتجاج ولا يضيره أن عدداً من الأئمة ضعَّفوه، لأنه لا يكاد يخلو حديث من تضعيف إمام أو أكثر ، ولو شئنا أن نردَّ عليهم بمثل ردهم لقلنا بضعف حديث أبي سعيد «الماء طَهور لا يُنجِّسه شيء» لأن الدار قطني قال عنه إنه ليس بثابت، وأعلَّه ابن القطان بجهالة راويهِ عن أبي سعيد واختلاف الرواة في اسمه واسم أبيه ولكننا لا نفعل وإلا تعطل العديد من الأحكام . فهذا الحديث صحيح ويُحتج به لأن أحمد قال: حديث بئر بُضاعة صحيح. وصححه أيضاً يحيى بن معين وابن حزم والحاكم، حتى إن ابن القطان قال بعد تضعيف الحديث : له طريق أحسن من هذه. فالمطلوب حين العمل بالأحاديث أن تصح منها رواية واحدة ولو ضُعِّفت سائر رواياتها، وهذا الحديث قد صحت منه أكثر من رواية، فيُعمل به وهو صالح للتخصيص.
قال الشَّوكاني (والحاصل أنه لا معارضة بين حديث القُلَّتين وحديث الماء طَهورٌ لا ينجِّسه شيء ، فما بلغ مقدار القُلَّتين فصاعداً فلا يحمل الخبث ولا ينجس بملاقاة النجاسة، إلا أن يتغير أحد أوصافه فنجس بالإجماع، فيخص به حديث القُلَّتين وحديث لا ينجِّسه شيء، وأما ما دون القُلَّتين فإنْ تغير خرج عن الطهارة بالإجماع وبمفهوم حديث القُلَّتين، فيخص بذلك عموم حديث لا ينجِّسه شيء ، وإنْ لم يتغير بأن وقعت فيه نجاسة لم تغيره، فحديث لا ينجِّسه شيء يدل بعمومه على عدم خروجه عن الطهارة لمجرد ملاقاة النجاسة ، وحديث القُلَّتين يدل بمفهومه على خروجه عن الطُّهورية بملاقاتها).
4- ما قلناه عن الحديث الثاني والحديث الثالث من أدلة الأولين من أنهما غير لازمَيْن لإثبات رأيهم نقوله عن حديثي الاستيقاظ وولوغ الكلب، وذلك بعد ثبوت الحجة بحديث القُلَّتين هذا عدا عن أن حديث الاستيقاظ ليس منطبقاً على المشكلة لأنه ليس بحثـاً في النجاسة ، وإنما هو بحث في الاستقذارِ ، والنجاسةُ فيه مرجوحة.
أما حديث الولوغ فهو في النجاسة وإن كان المالكية صرفوه عنها بادِّعاء الناحية التعبدية فيه حتى تطرَّفوا في الحكم ، فاعتبروا سُؤر الكلب طاهراً يجوز التوضؤ به. وثانياً لو افترضنا أنهما في لبِّ المشكلة فليس فيهما تحديدٌ لكمية الماء التي تتنجس إن أصابتها نجاسة، فإن كلمة (إناء) الواردة في حديث الولوغ وفي حديث الاستيقاظ في رواية له «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يُدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات، فإنَّ أحدكم لا يدري أين باتت يده أو أين كانت تطوف يده » رواه أبو داود من طريق أبي هريرة. ورواه الترمذي وابن ماجة. هذه الكلمة لا تفيد تحديداً كحديث القُلَّتين ، وكل ما تفيده أن الماء قليل، فيقتضي منا بعدئذ البحث عن دليل آخر يحدد هذا القليل، وهكذا نعود أدراجنا إلى حديث القُلَّتين. ولسوف نناقش هذين الحديثين بما يغني في باب الماء المستعمَل وباب النجاسات بإذن الله.
5- حشد الفريق الثاني زيادةً على ما سبق مجموعةَ أدلة لا تغني شيئاً ولا تُثبت حجة أُوردها هنا التزاماً بالنقل فقط، ولن أطيل الوقوف عندها لأنها ظاهرة في عدم انطباقها على موضوع البحث وهاكم الأحاديث:
أ - عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال«لا يبولنَّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه» رواه البخاري ومسلم وأحمد والنَّسائي وأبو داود.
ب - عن وابصة بن مَعْبَد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له «يا وابصة استفتِ قلبك واستفتِ نفسك، ثلاث مرات، البِرُّ ما اطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتَوْك» رواه أحمد والدارمي، وحسنه السيوطي والنووي .
ج - سُئل الحسن بن علي «ما حفظتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم: دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك ...» رواه التِّرمذي وصحَّحه، وصحَّحه أحمد وابن حِبَّان .
ما الحديث الأول فالقول فيه هو القول نفسه في حديثي الاستيقاظ والولوغ ، فهو لا يفيد تحديداً سوى تخصيصه بالماء الراكد فقط ، ويظل عاماً دون تحديد في الماء الراكد، وبذلك لا يصلح للاحتجاج ، لأنه هو يحتاج إلى دليل يحدده، وذلك على اعتبار أن الحديث يفيد تنجيس الماء. وأما إن كان الاغتسال فيه هو المقصود فإنَّا نقول إن الاغتسال المنهي عنه هنا ليست النجاسة علته ، وإنما العلة هي احتمال الاستقذار والتلوُّث، فيسقط الاحتجاج به أيضاً. وسوف نفصِّل هذه الأمور بشكل وافٍ بإذن الله حين بحث الماء المستعمَل.
أما الحديثان الثاني والثالث فليس فيهمـا مــا يصلح للحجــة لأنهمـا عامَّان، ليس فـي الماء فقط بل في سائر الأحكـام الشرعية الظنيـة، وهما فـي أمور تقديرية مدارُهــا على القلب، والمطلوب هنا غير ذلك ، وحتـى لو استشهد بهــا هــؤلاء فــإن الآخَــرين يمكنهــم الاستشهاد بهــا بدورهــم، وكــان الأَحــرى والأَوْلى بهم أن لا يذكــروهمــا هنــا، وأن يكتفوا بحديث القُلَّتين، ولا حاجة بهم وقد صح حديث القُلَّتـين إلى أن ينقِّبوا فـي بطون كتب الحديث عـن مثل هـذه النصوص فالبساطـة والوضوح أساس الفقه، وأساس الشرع كله.
وبالبساطة أقول إن ملخص ما جاء على أَلْسِنة الفريقين إنما هو: هل يُعمل بالحديث العام «إن الماء طَهور لا يُنجِّسه شيء» لأن حديث التخصيص لم يصح، أم أن حديث التخصيص صحيح يصلح لتخصيص الحديث العام؟ والأحاديث التسعة التي أوردوها كان بالإمكان الاقتصار منها على هذين الحديثين فقط . وبالعمل بالحديث المُخصِّص وهو حديث القُلَّتين نخرج بالرأي القائل إن هناك ماءً نجساً وإنه موجود ، وبالتالي يُصنَّف في باب أقسام المياه، ولكنه فقط ما كان دون القُلَّتين وأُصيب بنجاسة يسيرة ، وما سوى ذلك من الماء، إن أصابته نجاسة كثيرة فغيرت اسمه وصفاته صار نجساً، ولكنه صار كسائر النجاسات الأخرى غير الماء، أي ما دام ليس ماء لا في الاسم ولا في الصفات فلا يُصنَّف في باب أقسام المياه، اللهم إلا إن كان للأحناف رأي أقوى في هذه المسألة فلْننظر في أدلتهم ودلالاتها.
6- انفرد أبو حنيفة وأصحابه بالرأي الآتي (الماء الكثير ينجس بالنجاسة إلا أن يبلغ حداً يغلب على الظن أن النجاسة لا تصل إليه) واختلفوا في حدِّه، فقال أبو حنيفة : هو ما إذا حُرِك أحدُ طرفيه لم يتحرك الآخر. وقال أبو يوسف: هو ما بلغ عشرة أذرع في عشرة أذرع، وما دون ذلك ينجس وإن بلغ ألف قلَّة ، لأن النبي ïپ² قال «لا يبولن أحدُكم في الماء الدائم ثم يتوضأ فيه» فنهى عن الوضوء في الماء الراكد بعد البول فيه ولم يفرق بين قليله وكثيره، ولأنه ماء حلَّت فيه نجاسة لا يُؤمن انتشارها إليه فينجس بها كاليسير. أي أن ما دون ما حدَّدوه ينجس بأدنى نجاسة، وما فوق ما حددوه لا ينجس إلا بالتَّغيُّر. والجواب عليه من وجوه:
أ - إن قولهم إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يفرق في الماء بين قليلِه وكثيرِه يُبطل رأيهم بأن حدود الماء الكثير هي عشرة أذرع في عشرة، أو هي ما إذا حُرِّك أحدُ طرفيه لم يتحرك الآخر إذ ما دام الرسول عليه الصلاة والسلام لم يحدِّد كثير الماء باعترافهم فكيف جاز لهم هم تحديده؟.
ب - إنهم هم أنفسهم اختلفوا في تحديد الماء الكثير، فإذا كانوا هم اختلفوا في هذا التحديد فكيف يمكن إقناع الآخرين به أو تقليدهم فيه؟.
ج - إن حديث القُلَّتين نصٌ في تحديد قليل الماء الذي ينجس بمخالطة النجاسة، وكثيره الذي لا ينجس، وما دام الحديث صحيحاً فقد بطل القياس والرأي.
د - حديث بئر بُضاعة صحيح هو الآخَر وهو نصٌّ أيضاً، وبئر بُضاعة لا تبلغ الحد الذي ذكروه قال أبو داود (وسمعت قتيبة بن سعيد قال: سألت قيِّم بئر بُضاعة عن عمقها ، قال: أكثر ما يكون فيها الماء إلى العانة، قلت: فإذا نقص؟ قال: دون العورة، قال أبو داود: وقدَّرت أنا بئر بُضاعة بردائي، مددته عليها ثم ذرَعْتُه ، فإذا عرضها ستة أذرع وسألت الذي فتح لي باب البستان فأدخلني إليه: هل غُيِّر بناؤُها عما كانت عليه؟ قال: لا، ورأيت فيها ماءً متغيِّر اللون) فبئر بُضاعة كانت النجاسات تُلقى فيها، فيتغيَّر لون مائها قليلاً، ومع ذلك تبقى طاهرة الماء كما أفاد الحديث الشريف مع أن هذه البئر دون الحد الذي ذكروه، فهذا الحديث أيضاً ينقض رأيهم في التحديد.
هـ - هذا التحديد للماء الكثير وللماء القليل طريقه التوقيف، فلا يُصار إليه إلا بنصٍّ أو إجماع صحابة، وليس معهم نص ولا إجماع صحابة، فمِن ذلك كله يتضح خطأ هذا الرأي. وإذن فقد ثبت القول السابق وهو أن الماء النجس الذي يُصنَّف في باب أقسام المياه هو فقط ما كان دون القُلَّتين وأصيب بنجاسة ، وما سوى ذلك يظل طَهوراً على أصل حكمه.
وقبل الانتقال إلى الماء المستعمَل بفروعه الثلاثة أود أن أُثْبِت ملاحظة هي أن هذه الأدلة والمناظرات الواقعة بين الفريقين إنما كانت من الفقهاء والأئمة دون صحابة رسول الله ïپ²، بل دون سائر التابعين ، ولكنني قرنت بين الأئمة والتابعين والصحابة لاشتراكهم في الرأي.
يتبع ................... الماء المستعمل






 
رد مع اقتباس
قديم 06-01-2018, 12:49 AM   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي (9)---- الماء المستعمل (1)

الماءُ المستعمَل (1)
اختلف العلماء في الماء المستعمَل كثيراً ، وذهبوا فيه مذاهب شتى، وحتى يسهل علينا أن نناقش آراءهم فقد جمعت هذه الآراء في أصول ثلاثة ، تاركاً التفاصيل والتفريعات إلى نهاية البحث، إلا ما لا بد من ذكره، فأقول : الماء المستعمل قسمان: قسمٌ مستعمَلٌ في رفع الحدث الأكبر والحدث الأصغر، وقسمٌ مستعمَل فيما سوى ذلك، ونحن سنناقش القسم الأول ثم ننتقل لمناقشة القسم الثاني.
1) ذهب الأئمة في هذا القسم مذاهب ثلاثة ، فذهب الليث والأوزاعي ومالك في رواية، وأبو حنيفة في المشهور عنه، والشافعي وأحمد إلى أن الماء المستعمَل في رفع الحدث طاهر ولكنه غير مطهِّر لا يرفع حدثاً ولا يزيل نجاسة، واستدلوا على رأيهم بالأحاديث التالية:
أ- عن الحَكَم بن عمرو - وهو الأقرع – «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طَهور المرأة » رواه أبو داود والترمذي وأحمد. وفي رواية لأحمد وابن ماجة عن الحَكَم بلفظ «وضوء المرأة ». وحسنه الترمذي وصححه ابن ماجة وابن حِبَّان.
ب- عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم قال «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة، ولْيغترفا جميعاً» رواه أبو داود والنَّسائي. وصححه ابن حجر.
ج- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يغتسل أحدُكم في الماء الدائم وهو جُنُب، فقال : كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال : يتناوله تناولاً» رواه مسلم وابن ماجة .
د- عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لا يبولَنَّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه» رواه البخاري وأحمد وأبو داود وابن حِبَّان والنَّسائي.
هـ- عن عبد الله بن زيد المازني «أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض، ثم استنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً ، ويده اليمنى ثلاثاً ، والأخرى ثلاثاً، ومسح برأسه بماء غير فضل يده، وغسل رجليه حتى أنقاهما» رواه مسلم وابن حِبَّان .
و- عن عبد الله بن زيد «أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ لرأسه ماءً جديداً » رواه الترمذي .
ز- عن نمران بن جارية عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خذوا للرأس ماءً جديداً» رواه الطبراني في المعجم الكبير .
عن الحديثين الأول والثاني قالوا إنَّ نهيَ الرسول عليه الصلاة والسلام عن الوضوء بفضل وَضوء المرأة ، ونهيه عن الاغتسال بفضل الرجل وبفضل المرأة إنما هو لعلَّة الاستعمال - والنهي يقتضي فساد المنهيِّ عنه - ولو لم يكن الوضوء والغسل فاسدين هنا لما نهى عنهما، وقالوا عن الحديثين الثالث والرابع: إن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن الاغتسال في الماء الدائم، أي الانغماس فيه ، وهذا النهي يدل على أنه يؤثِّر في الماء تأثيراً يمنع من التوضؤ به، وأن اقتران نهي الاغتسال بالنهي عن البول يقتضي التسوية في أصل الحكم لا في تفصيله ، ومعنى ذلك أن التسوية هنا إنما تكون في المنع من الوضوء بالماء الذي يُبال فيه والذي يُغتسل فيه ، وهذا هو أصل الحكم، ولا يلزم الاقتران هنا التسوية في تفصيل الحكم، وهم يعنون بذلك أنه لو كانت التسوية في تفصيل الحكم لوجب القول بنجاسة الماء الذي يغتسل فيه كنجاسة الماء الذي يُبال فيه، وهم لا يقولون ذلك. وقالوا لولا أن النهي يفيد منعاً لم ينه عنه ، ولأنه أُزيل به مانعٌ من الصلاة فلم يَجُز استعماله في طهارة أخرى كالمستعمل في إزالة النجاسة.
والأحاديث: الخامس والسادس والسابع أخذوا منها أن فعل الرسول عليه الصلاة والسلام في أخذ ماء جديد لرأسه في الوضوء، وأمرَه المسلمين بأخذ ماء جديد لمسح الرؤوس في الوضوء إنما هو لعلَّة الاستعمال، وقالوا هذا يدل على أن غير الجديد لا يصح مسح الرأس به، وغير الجديد يعني المستعمل.
2) وذهب أبو يوسف القاضي وأبو حنيفة في روايةٍ عنه، إلى أن الماء المستعمَل في الوضوء والاغتسال الواجبة نجس، واستدلوا على ذلك بما يلي:
أ - بالحديث الرابع من أحاديث الفريق السابق .
ب- بقولهم إن الماء الذي تُزال به الجنابة أو يُتوضأ به هو ماء يُزال به مانعٌ من الصلاة، فانتقل المنع إليه كغُسالة النجس المتغيرة .
ج - إن الغسل أو الوضوء يسمى طهارة، والطهارة لا تكون إلا عن نجاسة، إذ تطهير الطاهر لا يُعقل. وعن الحديث الأول قالوا إن الرسول عليه الصلاة والسلام قد قرن في هذا الحديث بين النهي عن التبوُّل في الماء الدائم وبين الاغتسال فيه، وحيث أن النهي عن التبوُّل إنما هو لعلَّة التنجيس، فكذلك النهي عن الاغتسال هو أيضاً لعلَّة التنجيس بدلالة الاقتران.
3) وذهب الباقون إلى أن الماء المستعمَل في رفع الحدثين الأكبر والأصغر يظل على طُهوريته، وأصحاب هذا الرأي هم: الحسن البصري وعطاء وسفيان الثَّوْري وأبو ثَوْر وإبراهيم النخعي والزُّهري ومكحول ومالك وأهل الظاهر، والأئمة الثلاثة أبو حنيفة والشافعي وأحمد في روايةٍ عن كلٍ منهم . وأصحاب هذا الرأي استشهدوا بعموم أحاديث طُهورية الماء، وبعددٍ من الأحاديث الصريحة في ذلك، وردوا على استشهادات الفريقين السابقين. وأَدَعُ ردودهم الآن لأنكم سترونها في أثناء مناقشة الرأيين السابقين.
4) نناقش الآن الرأي الأول فنقول: الحديث الأول فيه نهي الرجل عن التوضؤ بفضل وضوء المرأة فقط، والحديث الثاني فيه نهي الرجل عن الاغتسال بفضل المرأة، ونهي المرأة عن الاغتسال بفضل الرجل، وليس في الحديثين ما يفيد نهي الرجل عن الوضوء أو الاغتسال بفضل الرجل، أو المرأة بفضل المرأة، فهذه قرينة صارفة لعلَّة الاستعمال، إذ لو كانت العلَّة هي الاستعمال لما كان لتخصيص النهي برجال مع نساء أو نساء مع رجال فائدة، ولو كان الحكم عموم النهي لقال الحديث مثلاً: نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الوضوء أو الاغتسال بفضول الماء ، أو لقال: أنهاكم عن التوضؤ بفُضول وضوئكم مثلاً، فلما انعطف الحديثان عن صيغة العموم دل ذلك على معنى خاص مقصود وهو هنا يعالج عملاً بيتياً، وخاطب فيه الرجل مع المرأة والمرأة مع الرجل، فكان ذلك قرينة صارفة عن عموم التوضؤ بفضل الوضوء، وعموم الغُسل بفضل الغُسل ، فإذا اقترن ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام «ولْيغترفا جميعاً» في آخر الحديث الثاني بان القصدُ واضحاً، وهو أن هذين الحديثين يعالجان عملاً بيتياً خاصاً بالأزواج، الرجال وزوجاتهم، فهما خاصَّان بهذا الأمر فحسب، وذلك لأنه إذا ذُكر الرجل إلى جانب المرأة في عمل بيتي كان قرينة على العلاقة بين الأزواج ، فإذا كان العمل يصحبه تعرٍّ كاملٌ عند الاغتسال ولا يكون تعري الرجل والمرأة معاً إلا في حالة الزوجية فقط، كان قرينةً قطعية على أن الحديثين يعالجان موضوعاً خاصاً بالأزواج، لأن المرأة لا تستطيع أن تتوضأ مع الرجل من إناء واحد في وقت واحد لما في عملية الوضوء من انكشاف شعرها ويديها ورجليها إلا مع محارمها، ومع زوجها، ولا تستطيع الاغتسال وهي عارية مع الرجل إلا إذا كان زوجها فقط، فطلب الحديث من الرجل والمرأة في الاغتسال أن يغتسلا من إناء واحد في وقت واحدٍ بقوله «ولْيغترفا جميعاً»، وهما عاريان طبعاً، كان ذلك بالقطع دليلاً على أن هذين الحديثين خاصان بالزوج والزوجة فحسب، وهذا ينفي بالجزم عموم الحكم وتنتفي بالتالي علَّة الاستعمال، فلا يصلح الحديثان دليلاً على أن الماء المستعمل لا يصلح للوضوء أو الغسل، ويظل للمسلمين أن يتوضأوا بفضولهم ويغتسلوا بفضولهم من الوضوء والغسل ، فيُردُّ الاستشهاد بالحديثين من هذه الناحية.
ومن ناحية ثانية ورد ما يلي:
أ - عن ابن عباس «أن رسول الله  كان يغتسل بفضل ميمونة» رواه مسلم.
ب - عن ابن عباس عن ميمونة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل غُسلها من الجنابة» رواه أحمد وابن ماجة.
فهذان حديثان يعارضان الحديثين السابقين، وهما مثلهما في القوة أو أعلى ، وإنه وإن أعلَّ بعضهم الحديث الأول إلا أن البخاري ومسلماً رويا عن عبد الله بن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كان يغتسلان من إناء واحد» والحديث الثاني صححه ابن خُزَيمة وغيره كما قال الحافظ ابن حجر ، فهما إذن صالحان للاحتجاج وهذان الحديثان معارِضان للحديث الأول وللحـديث الثاني في النهي عن الوضوء والاغتسال بفضل الماء.
ولا يقال هنا إن الحديثين الأوَّلين قول، وإن الحديثين التاليين فعل ، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام مُقدَّم على فعله، وإذا تعارضا حُمل الفعل على خصوصية الرسول عليه الصلاة والسلام ووجب العمل بالقول، لا يُقال ذلك هنا، لأن عندنا حديثاً ثالثاً يصرف فعل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخصوصية ، هو ما رواه ابن عباس رضي الله عنه قال «اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جَفْنَةٍ ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ منها - أو يغتسل - فقالت له: يا رسول الله إني كنت جُنُباً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الماء لا يُجْنِب» رواه أبو داود وأحمد. ورواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح. فهذا الحديث ينفي الخصوصية، بتعليله الجواز بأن الماء لا يُجْنِب، وهذا التعليل يدل على عدم اختصاص ذلك بالرسول عليه الصلاة والسلام، لأن قوله «إن الماء لا يُجْنِب» عامٌّ في كل فضل وضوء أو فضل غسل، ثم هو قول وليس فعلاً.
ومن ناحية ثالثة هم يقولون إن النهي عن الوضوء وعن الاغتسال من فضول الوضوء والأغسال إنما هو لعلَّة الاستعمال، ويقولون إن فضل الوضوء والغسل هو ما يبقى في الإناء بعد أخذ ماء الوضوء منه، والمعلوم أن معنى ذلك أن المسلم كان يأخذ بيده ماء فيتوضأ به، وتبقى في الإناء بقية ماء بعد الاغتراف، وهو مايطلق عليه فضل الوضوء ، فيقولون إنَّ هذا الماء الفضل صار بالاغتراف مستعمَلاً، وكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى عن الوضوء بالفضول ، فإنه يدل على عدم صلاح الفضول للوضوء أو الغسل، ولا علَّة لهذا النهي إلا لأنه صار مستعمَلاً بالاغتراف منه. فنقول لهم: لو سلَّمنا بما تقولون، لكان قول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الثاني «ولْيغترفا جميعاً» خطأ ، وهو مُنتفٍ عنه عليه الصلاة والسلام ، فيكون هذا القول منه معارِضاً لقولكم وفهمكم، وذلك لأن الاغتراف معاً من إناء واحد يجعل ما في الإناء في أثناء الوضوء أو الغسل من قِبَل اثنين مستعمَلاً أيضاً بالمقياس نفسه، أي ما أن يغمس أحدهما يده مرة أو مرتين في أثناء الوضوء أو الغسل حتى يجعله مستعمَلاً، فإذا جاء الآخر ليأخذ لوضوئه منه أو لغسله يكون ما يأخذه حينئذ ماءً مستعمَلاً، بل إن الشخص الواحد إذا اغترف لوضوئه وحده صار الماء مستعمَلاً من أول غَرفة غرفها من الإناء ، فبطل وضوؤه، وهذا يرد عليكم قولكم.
يتبع /2






 
رد مع اقتباس
قديم 08-01-2018, 11:57 PM   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي (9)- 23/21 / الماءُ المستعمَل2

الماءُ المستعمَل2
ولكن بعضهم يقولون إنه لا يصبح مستعمَلاً إلا بعد أن يفرغ الشخص من الاغتراف لجميع وُضوئه أو لجميع غُسله، ولا يكون مستعمَلاً قبل الفراغ، لأنه لا يُسمى مُزيلاً لحدثه إلا بعد تمام العمل لا قبل ذلك، وأن المنهيَّ عنه هو الماء المتبقي في الإناء بعد إزالة الحدث منه لا قبله ولا في أثنائه فنقول لهؤلاء : كيف تفسرون قول الرسول عليه الصلاة والسلام «ولْيغترفا جميعاً» ؟ والمعلوم أن الاغتراف جميعاً يقتضي من أحد المغترفَيْن أن يفرغ قبل الآخر ، فإذا فرغ الأول وزال حدثه صار ما بقي في الإناء آنذاك فضلاً مستعمَلاً لا يجوز الوضوء منه أو الغسل، فكيف يتسنى للثاني أن يكمل وضوءه أو غسله منه؟ هذا تناقض. ومن هذه الناحية يسقط احتجاجهم أيضاً، وبذلك يسقط الاحتجاج بالحديثين من وجوه ثلاثة.

بقيت نقطة هي: كيف العمل أو التوفيق بين هذه الأحاديث؟ فنقول إن أحاديث النهي تُحمل على التنزُّه عن المستقذَر لأن الغسل والوضوء قد يُقَذِّران الماء والأَوْلى للمسلم أن يستعمل ماء نظيفاً خاصةً في عبادته، فالنهي إنما هو لأجل ذلك أو لأجل أن المرأة إذا فرغت من الماء أو الرجل إذا فرغ منه في بيته قلَّ اهتمامه بنظافته، وربما أدى عدم اهتمامهما إلى إصابته بنجاسة أو قذر ، فكان النهي لأجل ذلك أي لأجل احتمال الاستقذار أو النجاسة ، وليس لعلَّة الاستعمال فنهاهما عن الاغتسال منفردَيْن، وطلب منهما الاغتسال مجتمعَيْن حتى ينتفي احتمال النجاسة واحتمال الاستقذار بعدم الاهتمام، سيما وأن قوله عليه الصلاة والسلام في فضل الغسل «إن الماء لا يُجْنِب»صريح في صلاحه للغسل والوضوء، وبذلك تنتفي علة الاستعمال تماماً. ولسوف نعود لحديث « إن الماء لا يُجْنِب» بعد قليل لنستقرأه في موضوع آخر قريب بإذن الله.

5) أما الحديث الثالث والحديث والرابع، فقد رُويا بستة ألفاظ فيها بعض اختلاف، لا بأس بإيرادها كلها:

رواية البخاري «لا يبولَنَّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ، ثم يغتسل فيه» ورواه النَّسائي إلا أنه قال (منه) بدل (فيه) .

ورواية أحمد وابن حِبَّان والترمذي «لا يبولَنَّ أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه» قال الترمذي: حسن صحيح.

ورواية أبي داود «لا يبولَنَّ أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة».

ورواية مسلم «لايبولَنَّ أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه» ورواها أيضاً أبو داود.

ورواية ثانية لمسلم وأحمد «لا تَبُلْ في الماء الدائم الذي لا يجري ثم تغتسل منه».

ورواية ثالثة لمسلم «لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب، فقال : كيف يفعل يا أبا هريرة ؟ قال: يتناوله تناولاً» ورواها أيضاً ابن ماجة.

فهذا كله حديث واحد روي بألفاظ مختلفة، ويبعُد أن يكون الرسول ïپ² قد لفظ جميع هذه الروايات، لا سيما وأنها جميعها مروية من طريق أبي هريرة وحده، فالحديث فيه اختلاف في المتن، ولا بد من أن متناً منها أقوى من سائر المتون فيُعمل به ويرجَّح على غيره، والمعلوم أن البخاري التزم في رواية جميع الأحاديث باللفظ كما لم يلتزم به غيره، فرواية البخاري تقدَّم على سائر الروايات الأخرى. هذه واحدة.

والثانية هي أن الروايات الخمس الأولى قد قرنت في النهي بين البول في الماء الدائم والاغتسال فيه أو منه ، أو الوضوء منه ، إلا الرواية السادسة فقد انفردت بالنهي عن الاغتسال في الماء الدائم دون أن تذكر النهي عن البول فيه، فهي جزء من الحديث، وليست حديثاً منفصلاً، لا سيما وأن أبا هريرة راوي هذه الرواية هو الراوي نفسه للرواية التي تقرن بين النهيين، ولا يبعد أن تكون الرواية السادسة كلها من لفظ أبي هريرة موقوفة عليه، وأنه قالها في مناسبة وقعت أمامه، يشهد لهذا الاحتمال أن آخر الرواية حوى سؤالاً، وحوى جواباً من أبي هريرة هو قوله «يتناوله تناولاً » فالرواية تقول « لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب، فقال : كيف يفعل يا أبا هريرة ؟ قال يتناوله تناولاً». فصياغة هذه الرواية تجعل المدقق يميل إلى وقفها على أبي هريرة لهذا السبب، ولأنها شذت عن سائر الروايات، فيُعمل بروايات النهيين وتُترك رواية النهي الواحد. هكذا يُفعل عادة حين تقع اختلافات في الأحاديث ويصبح لا بد من ترجيحٍ وردٍّ لا سيما وأن هذه الرواية معناها موجود كله في الروايات الخمس الأخرى وليس فيها معنى جديد زائد عن الروايات الأخرى، ولذا فإني أكتفي بمناقشة روايات النهيين وأترك رواية النهي الواحد.

الحديث ينهى عن البول في الماء الدائم وبعد ذلك يأمر بعدم الاغتسال فيه، وقد ورد في أربع روايات من خمس «لا يبولنَّ ... ثم ...» و «لا تَبُل ... ثم ...» وورد في الثالثة « لا يبولنَّ ... ولا ... » بدون (ثم) فتحمل رواية «ولا» على الروايات الأربع «ثم» وتفسر بها، لأن الأحاديث يفسر بعضها بعضاً، وأربعة أحاديث تكفي لتفسير حديث واحد.

وثانياً لأن الواو في اللغة تفيد الترتيب عند الفرَّاء وثعلب وأبي عبيد والشافعي في رواية عنه ولا تفيد الترتيب عند سائر اللغويين والأئمة، ولكن اللغة تجعل الواو تفيد الترتيب إذا وُجدت قرينة، وقد وُجدت هنا قرينة، وهي الروايات الأربع التي فيها «ثم» فهذه الروايات الأربع قرينة على أن «ولا» هنا تفيد الترتيب والتعقيب، فيكون معنى الحديث إذن: لا تبولوا في الماء، وبعد التبوُّل فيه لا تتوضأوا منه ولا تغتسلوا فيه. فالنهي عن الوضوء أو الاغتسال إنما جاء لوجود البول في الماء وليس لأي سبب آخر.

والماء الدائم إما أن يكون دون قُلَّتين فيتنجس بالبول وإما أن يكون أكثر من قُلَّتين فيتقذَّر، ولا احتمال آخر ، فالحديث إذن ينهى عن الاغتسال من الماء النجس أو الماء القذر، فتكون علَّة النهي النجاسة فيما دون القُلَّتين والقذارة فيما فوق القُلَّتين، ولا يوجد في الحديث أية علَّة أخرى. أما ما يدَّعونه من أن علَّة النهي عن الاغتسال أو الوضوء هي الاستعمال، فهو مرجوح وبعيد ، فاقتران النهيين لم يجيء عبثاً، ولو كان الاستعمال هو العلَّة لما لزم اقتران البول بالاغتسال، فوجود النهي عن البول في الحديث مقترناً بالنهي عن الوضوء أو الاغتسال قرينة صارفة لعلَّة الاستعمال إلى القذارة والتلوث بالنجاسة.

وأُضيف من وجه آخر ما يلي: روى أبو داود وأحمد والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه قال «اغتسل بعض أزواج النبي ïپ² في جَفْنة، فجاء النبي يتوضأ منها، أو يغتسل فقالت له : يا رسول الله إني كنت جُنُباً، فقال رسول ïپ² : إن الماء لا يُجْنِب». وبالتدقيق في نصِّ الحديث يتبين لنا أن زوجة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد اغتسلت في جَفْنة، وخلَّفت فيها فضل غُسل، فلما جاء الرسول ïپ² ليغتسل مما فضل في الجَفْنة من ماء غُسلها، أخبرته أنها اغتسلت من هذا الماء وأن هذا الماء هو فضل غُسلها، فلم ير الرسول ïپ² أن فعلها مانع له من الاغتسال بفضل الماء، وقال لها «إن الماء لا يُجْنِب» أي أن الماء الذي يُغتسل منه لا يُجنب. ولا شك في أن هذا الماء قد غمست فيه يديها حين الاغتراف، وأصابه شيء من رشاش ماء الغسل، ولولا ذلك لما أخبرت رسول الله ïپ² بأنها اغتسلت في الجفنة، فهذا الحديث ينفي علَّة الاستعمال. فقول الرسول عليه الصلاة والسلام حين ذكر الماء المستعمَل «إن الماء لا يُجْنِب» هو قول صارف لعلَّة الاستعمال، وصارف أيضاً لادِّعاء من يقول إن الحديث هذا من خصوصياته.
يتبع /3






 
رد مع اقتباس
قديم 09-01-2018, 02:15 AM   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
حاتم ناصر الشرباتي
أقلامي
 
الصورة الرمزية حاتم ناصر الشرباتي
 

 

 
إحصائية العضو







حاتم ناصر الشرباتي غير متصل


افتراضي (10) 23/25 === الماءُ المستعمَل3

الماءُ المستعمَل3
وأُضيف من وجه ثالث أنهم قالوا إن اقتران النهي عن البول بالنهي عن الاغتسال في الماء يقتضي التسوية في أصل الحكم لا في تفاصيله ، وجعلوا المنع من الوضوء في حالة البول في الماء متساوياً مع المنع من الوضوء في حالة الاغتسال فيه ، أي أنهم قالوا إنه لا يجوز التوضؤ بالماء الذي اغتسل فيه لأنه لا يرفع الحدث، كما أن الماء الذي خالطه البول لا يرفع الحَدَث، ونفَوْا التسوية في التفاصيل.

فنجيبهم بأننا أثبتنا أن الاغتسال في الماء لا يمنع الاغتسال منه ثانية كما في حديث الجَفْنة وهذا يدل على عدم التسوية في هذا الحديث بين الأمرين، فالاغتسال في الماء لا يمنع رفع الحدث به بينما البول في الماء يمنع رفع الحدث، فزالت التسوية من هذا الوجه. ونحتاج إلى إثبات هذه التسوية مع شيء آخر ، فنقول إن هذا الأمر الآخر هو الاستقذار كما أسلفنا، ونبسط الموضوع قليلاً.

قلنا إن الماء إما أن يكون دون قُلَّتين وإما أن يكون قُلَّتين فأكثر ، ولا ثالث لهما، فإن كان الماء دون قُلَّتين، فإن النهي عن البول فيه إنما هو لأجل تحاشي منع رفع الحدث به، لأن نجاسة الماء تمنع رفع الحَدَث به، وفي هذه الحالة فإن النهي عن الاغتسال من هذا الماء إنما هو لبيان أن الماء لا يصلح له لنجاسته. وإذن فإن النهي عن الاغتسال منه إنما هو لنجاسة هذا الماء قبل بدء الاغتسال منه أو فيه، ولا يزيده الاغتسال شيئاً، فالنجس لا ينجس، ولا ينجس إلا الطاهر ، ولذلك جاءت ألفاظ الحديث (منه) و (فيه) أي لا يحل التوضؤ بالماء الذي خالطته نجاسة وكان دون قُلَّتين، يدل على ذلك أن النهي عن الاغتسال منه ولو بالاغتراف قد بقي وهذا التعليل يصرف علَّة الاستعمال.

وإذا كان الماء قُلَّتين فأكثر فإن البول فيه لا ينجِّسه، وبالتالي يجوز التوضؤ منه، فلما نُهينا عن التوضؤ منه أو الاغتسال فيه، وقد أُجيز لنا التوضؤ والاغتسال في الماء المستعمل كما جاء في حديث الجَفْنة، فهمنا من ذلك أن ذلك كان لأن الماء صار قذراً فقط ولم يصِر نجساً، فيكون النهي للاستقذار وليس للنجاسة ، وبالتالي يكون حكم النهي عن الاغتسال فيما دون القُلَّتين للتحريم، ويكون فيما فوق القُلَّتين للتنزيه فحسب. ولولا أن الماء قد خالطه بول لما كان هناك نهي، بدليل حديث الجَفْنة ، فإن الجَفْنة لما لم يكن فيها بول لم يمتنع الرسول ïپ² من الاغتسال منها، وقال «إن الماء لا يُجْنِب» أو قال «إن الماء ليس عليه جنابة » كما ورد في روايةٍ لأحمد. وهذا يعني أن الماء النازل من أعضاء المتوضِّيء أو المغتسِل يبقى على حاله وهو الطُّهورية.

وإن أصرَّ هذا الفريق على الاستشهاد بحديث انفراد النهي عن الاغتسال في الماء، أجبناهم بحملِهِ على النظافة ومنع الاستقذار ، لأن المغتسِل عموماً لا يخلو بدنه من وسخ ودرن يَعْلق بالماء، فاستحبَّ الرسول عليه الصلاة والسلام أن يخلو ماء الوضوء والغسل من القذارة ، ولو بكمية قليلة بقرينة ما جاء في الحديث «يتناوله تناولاً» وبذلك يسقط الاحتجاج بهذا الحديث على اختلاف رواياته على ما ذهبوا إليه من أن المستعمل في رفع الحدث لا يرفع حدثاً. فالحديث ينهى عن الاغتسال في الماء الذي فيه بول وينهى عن التبول في الماء الذي يغتسلون فيه، هذا هو معنى الحديث وهذا هو الفقه فيه.

6) بقي للنقاش من الأحاديث: الخامس والسادس والسابع.

الحديثان الخامس والسادس ، موضوعهما واحد، هو مسح الرأس بماء غير مستعمَل، فالرسول عليه الصلاة والسلام حين أراد مسح رأسه في الوضوء أخذ له ماء جديداً من غير فضل يده، أي أنه بعد أن غسل يده اليسرى في الوضوء، تناول ماء جديداً لمسح الرأس، ولم يمسحه ببقية الماء في يديه ، فقالوا لولا أن الماء المستعمَل في غسل يديه لا يرفع حدثاً، ولا يُستعمل في الوضوء لمسح الرسول عليه الصلاة والسلام رأسه به دون حاجة منه إلى غَرفة ماء جديد لمسح الرأس. هكذا علَّلوا الحديثين، وقالوا إنهما صحيحان يُحتجُّ بهما.

وجوابنا على ذلك هو أن الرسول ïپ² كما فعل هذا الفعل قد فعل عكسه أيضاً، وجاء ذلك بأحاديث صحيحة أيضاً ، فعن ابن عباس رضي الله عنه «أنه توضأ فغسل وجهه، أخذ غَرفة من ماء فمضمض بها واستنشق، ثم أخذ غَرفة من ماء فجعل بها هكذا أضافها إلى يده الأخرى فغسل بهما وجهه، ثم أخذ غَرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غَرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح برأسه، ثم أخذ غَرفة من ماء ، فرشَّ على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غَرفة أخرى فغسل بها رجله - يعني اليسرى - ثم قال: هكذا رأيت رسول الله ïپ² يتوضأ» رواه البخاري. فهذا الحديث يصف فيه ابن عباس فعل الرسول ïپ² في الوضوء، وفيه أنه كان يغرف غَرفة ماء لكل عمل من أعمال الوضوء، فغَرفةٌ للمضمضة والاستنشاق، وغَرفة لغسل الوجه، وغَرفة لغسل اليدين وغَرفة لغسل الرجلين ، ولم يذكر أنه اغترف غَرفة لمسح الرأس، مما يدل على أن الرسول ïپ² مسح برأسه بماءٍ فَضَل في يديه ولم يمسحه بماء جديد.

نعم قد يقال إن هذا ردٌّ على المنطوق بالمفهوم وهو ضعيف ، فنقول : هو ضعيف لو كان المفهوم يعارض المنطوق ولا يمكن الجمع بينهما، وهنا لا تعارض ، فالرسول عليه الصلاة والسلام وقد مسح رأسه بماء جديد، ثم جاء عنه أنه مسح رأسه بماء مستعمَل لا يقال عنه هذا تعارض، وإنما يقال إن الفعلين جائزان لوقوعهما منه عليه الصلاة والسلام فلا يقبل ردهم على هذا القول .

وعلى أية حال فإننا كي نقطع الحُجَّة عليهم نورد لهم حديث الرُبَيِّع بنت مُعَوِّذ بن عفراء الذي يصف كيف كان الرسول ïپ² يتوضأ ، وجاء في الحديث «ومسح - أي الرسول عليه الصلاة والسلام - رأسه بما بقي من وَضوئه في يديه مرتين، بدأ بمُؤَخَّرِه، ثم ردَّ يده إلى ناصيته وغسل رجليه ثلاثاً ... » رواه أحمد. ورواه أبوداود بلفظ «أن النبي ïپ² مسح برأسه من فضل ماء كان في يده» ولم يختلف الأئمة في رُواة سنده إلا في عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، وقد رد عليهم الترمذي فقال (عبد الله ابن محمد بن عقيل صدوق ولكن تكلم فيه بعضهم من قِبَل حفظه ) وقال فيه البخاري (كان أحمد وإسحق والحُمَيدي يحتجُّون بحديثه) وبذلك صلح هذا الحديث للاحتجاج.

فهذا الحديث ردٌّ بالمنطوق على المنطوق، وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد مسح رأسه من فضل ماء كان بيديه، فماذا بقي بعد ذلك من حجة في الاستشهاد بالحديثين على أن الماء المستعمَل في الوضوء لا يصلح للاستعمال؟ فيسقط احتجاجهم بالحديثين، ولم يبق لهم إلا حديث واحد هو السابع، وهو حديث جارية الذي رواه الطبراني، وهو قول من الرسول عليه الصلاة والسلام «خذوا للرأس ماءً جديداً» فهذا هو بقية شُبُهاتهم في منع استعمال المستعمل. هذا الحديث قال عنه الهيثمي: فيه دهثم بن قران ضعفه جماعة، وذكره ابن حِبَّان في الثقات، فهو إذن مختَلَف فيه، حتى إن ابن حِبَّان هذا لم يُثْبته في صحيحه ، ومع ذلك فلآخذه على أنه صالح للاحتجاج. هذا الحديث هو في موضوع الحديثين السابقين نفسه باستثناء أن الحديثين السابقين وردا في فعل الرسول عليه الصلاة والسلام ، وهذا نص في قوله عليه الصلاة والسلام ، فالموضوع واحد . وقد روينا حديثين عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه لم يأخذ لمسح رأسه ماء جديداً، أحدهما جاء فيه «مسح برأسه من فضل ماء كان في يده» وهو منطوق، وجاء في الآخر أنه لم يغْرِف لرأسه غَرفة جديدة كما كان يفعل في كل عمل من أعمال الوضوء وهو مفهوم، وقد تضافر المنطوق والمفهوم على مغايرة حديثي الباب «مسح برأسه بماء غير فضل يده» و «أخذ لرأسه ماء جديداً» وهما منطوقان، وتغايُرُ الأحاديث هنا يدل على نفي علَّة الاستعمال، إذ لو كان المستعمَل لا يُستعمل لما ورد استعمال الرسول صلى الله عليه وسلم فضل الماء في حديثين.

يتبع /4






 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 01:26 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط