الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديات الحوارية العامة > منتدى الحوار الفكري العام

منتدى الحوار الفكري العام الثقافة ديوان الأقلاميين..فلنتحاور هنا حول المعرفة..ولنفد المنتدى بكل ما هو جديد ومنوع.

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع التقييم: تقييم الموضوع: 1 تصويتات, المعدل 5.00. انواع عرض الموضوع
قديم 12-12-2011, 01:44 PM   رقم المشاركة : 37
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: التاريخ يُقرأ من الأحدث ..

.
.

نظام الملة
تقوم الدولة العثمانية على ثنائية مزدوجة : من جهة ، الثنائية الاجتماعية ، طبقة عسكرية _ رعية ، من جهة ثانية ، الثنائية إسلام سني _ مسيحية أرثوذكسية .
الطبقة الحاكمة (العثمانيون) كانت مؤلفة من الطبقة العسكرية والإدارية والتي كانت تضم رؤساء الملل الروحيين . الرعية كانت تتألف من جموع الشعوب الخاضعة للإمبراطورية وإلى أي ديانة انتمت .
هذه الثنائية التي اصطبغت بها الإمبراطورية في بداياتها انبثق عنها تلقائيا نظام الملل (الأوطان الدينية) ، حيث نجد أربع ملل : اليونانية ، والأرمنية ، واليهودية ، والملة التركية للمسلمين السنة .
كان شعوب الإمبراطورية ، بغالبيتهم العظمى ، موزعين على ملتين كبيرتين : المسيحية الأرثوذكسية والإسلامية السني .
حتى تاريخ ضم البلاد العربية ، في بداية القرن السادس عشر ، (كانت الملة اليونانية هي الغالبة عدديا) ، بعد هذا التاريخ أصبحت الملة الإسلامية هي الغالبة .
الملة المسيحية الأرثوذكسية تضم : السلاف ، والرومان ، واليونان ، وقسم من الألبان والأتراك .
نحو القرن السادس عشر وفي قمة العصر الذهبي للإمبراطورية ، من أصل "تسعة" رؤساء وزراء لسليمان القانوني ، (نجد ثمانية منهم مسيحيي المولد) .
أما الديانات والمذاهب الأخرى التي لا تنتمي إلى هذه الملل فقد اعتبرت جماعات مخالفة أو معارضة للنظام العام ومدعومة من قبل قوى أجنبية .
وقد بيّن جورج قرم في كتابه "تعدد الأديان وأنظمة الحكم" ، الصادر قبل عقدين ، التشابه القائم بين الحاضرة الإسلامية والحاضرة المسيحية فيما يتعلق بمضمون التدابير الرامية إلى تقليص نطاق العلاقات ما بين الطوائف .
فقد لاحظ أن تشدد التوحيد البنيوي يؤدي في الحالتين إلى الضغط على أولئك الذين ينكرون "الدين الحق" ويُشعرهم بعزلتهم عن حياة الحاضرة .
وبهذا الصدد يقول عوني فرسخ في كتابه "الأقليات في التاريخ العربي" : "تأثر الموقف من الشيعة بالصراع مع الصفويين ، واعترف بالدروز كطائفة مستقلة ، وحدهم العلويون واليزيديون الذين لم يعترف لهم بشرعية المذهب ، وإن كان للجماعتين مؤسساتهما الدينية . . . . ويمكن القول إن الشيعة والدروز والإسماعيلية عوملوا بقدر من التسامح ، وإن يكن أقل من ذلك الذي حظي به النصارى واليهود ، إذ لم يكونوا يحظون بدفاع رجالات الهيئة الإسلامية لكونهم لا يضمهم مصطلح أهل الذمة" .
بكل الأحوال ، عرفت التعددية في الإمبراطورية العثمانية نوعا من التراتبية فيما يخص العلاقات ما بين الطوائف .
وهذا يسري على الجماعات الإسلامية كما يسري على الجماعات المسيحية .
هذه التراتبية بدأت ، في القرن التاسع عشر ، تنزع نحو قدر أكبر من التساوي ، أو بعبارة أدق بدأت تنزع نحو قدر أقل من عدم المساواة .
ومع ذلك فقد لاحظ البروفسور رودنسون أن هذه الطوائف لم تتخل عن صفتها الفوق وظيفية (الطائفة _ الوطن) ، ولا عن استقلاليتها تجاه الدولة ، ولا عن احتكارها ولاء وانتماء أبنائها . بل أكثر من ذلك ، فقد لاحظ أنه رغم الجهود الجبارة التي قامت بها الإمبراطورية ، خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، من أجل تسوية أوضاع الطوائف الأقلية وإدخالها في النظام ، فان هذه الطوائف المسيحية كانت تشعر بانجذاب قوي تجاه إخوتهم في الدين في أوروبا ، المنضوين في أوطان قوية ، غنية ، متقدمة وحرة . هذا الانجذاب قد تحكّم أيضا بعلاقة شيعة الإمبراطورية العثمانية بإيران الصفوية وما بعد الصفوية .
هذه الطوائف لم يكن لها في البدء حق التجمع في ملل مستقلة . تلك كانت حال المسلمين الشيعة المدعومين من إيران ، وحال الكاثوليك في هنغاريا ، وكرواتيا ، وشمالي ألبانيا ، وجزر بحر إيجه ، وصقلية ، وفلسطين ، وكذلك موارنة جبل لبنان .
وجميع هذه الطوائف الكاثوليكية التي تخضع لبابا روما ، أي لرئيس ديني مقيم خارج حدود الإمبراطورية ، كانت تتبع تنظيميا (ملة الأرمن الغريغورية الأرثوذكسية) .
أجبر تدخل القوى العظمى في الإمبراطورية الحكومة العثمانية على الإعتراف بملل جديدة :
الكاثوليك تحت حماية فرنسا ، البروتستانت تحت حماية القوى البروتستانتية مثل إنكلترا وهولندا . دون أن ننسى محاولة روسيا الحصول على حق حماية الأرثوذكس ، بادعائها وراثة الإمبراطورية البيزنطية .
إن نظام الامتيازات الأجنبية هو الذي سوف ينظم الأوضاع القانونية لهذه الطوائف . فبموجب هذا النظام ، كانت الدول الأوربية تمنح بسخاء جنسيتها لغير المسلمين . مما أتاح لأبناء الأقليات أن يتملصوا من التبعية للقضاء المحلي ليغدو مرجعهم القضائي الوحيد ، في حال التنازع مع مسلم ، المحكمة القنصلية .
ومن المفيد الإشارة إلى أن التنظيم الإداري الناجم عن مرسوم التنظيمات قد ألحق هذه الملل بوزارة الخارجية المستحدثة لأول مرة في تاريخ الإمبراطورية . وكان ذلك عام 1836 .
إن نظام الملة يتطابق تماما مع فلسفة الحكم العثماني برمته ، حيث تكتفي السلطة المركزية بالحماية العسكرية لحدود الإمبراطورية ، بينما كل السلطات موزعة :
السلطة السياسية لحكام المقاطعات أو الولايات الذين ينبغي عليهم تأمين الأمن والنظام العام في ولاياتهم ومقاطعاتهم عن طريق تجنيد الفرق المحلية ، بينما السلطة المدنية والشؤون الاجتماعية ، الدينية والثقافية هي بيد الهيئة الدينية . وهو ما أسماه جورج قرم (نظاما لامركزيا مركبا) حيث المجال الإقليمي في بعض المجالات والاختصاص المدني مطعّم بنظام لامركزية الاختصاص الديني بالنظر إلى أن صلاحية سائر الشؤون التي لا تدخل في المجال السياسي _ العسكري يتقلدها العلماء بالنسبة للرعايا المسلمين ، والبطاركة والحاخامون بالنسبة للرعايا غير المسلمين .
أما الطوائف الإسلامية غير السنية ، فهي وإن كانت لا تتمتع بالشرعية نفسها ، فإنها تملك مؤسساتها الطائفية الخاصة بها ولا تشارك في المؤسسة الدينية السنية .
هناك العديد من الدراسات والأبحاث التي تتناول نظام الملة ، والذي هو مختلف عن نظام الطوائف ، رغم أن هذا الأخير منبثق عنه . وأغلب المفكرين والدارسين الذين عالجوا الموضوع اعتبروه مسؤولا عن مجمل المشاكل التي يعاني منها اليوم المجتمع الإسلامي بشكل خاص . ابتداء من انتشار العصبيات المذهبية والطائفية وفتكها بالمجتمعات العربية ، مرورا بالصعوبات التي تواجهها فكرة القومية العربية ، وانتهاء بأزمة الفكر الإسلامي السياسي المعاصر .
إلا أنه وبالرغم من كل شيء ، فإننا نستطيع القول بأن الإمبراطورية العثمانية قد ساعدت ، وبفضل هذا النظام بالذات ، مختلف المناطق والجماعات ، وعلى مدى قرون ، على الاحتفاظ بخصوصيتها وأصالتها الفكرية والثقافية واللغوية ، هذه الخصوصية والأصالة اللتان ستصبحان فيما بعد أساس القوميات الناشئة .

الطبقة الحاكمة العثمانية
لقد احتل (الشعب التركي) الموقع الأهم في الإمبراطورية العثمانية ، ولكن شاركه في هذا الموقع ، وإن بنسب متفاوتة ، شعب آخر هو (الشعب اليوناني) ، أي الأرثوذكس الناطقون باللغة اليونانية . أما بقية الشعوب فقد خضعت تدريجيا لهيمنة هذين الشعبين .
إن كلمة عثمانيين لا تعني عامة الشعب . ما يقصد بكلمة عثمانيين هم أفراد الطبقة الحاكمة التي تخدم السلالة الحاكمة وأهدافها بمعزل عن الأصل العرقي أو الديني . إن افتراض وجود طبقة حاكمة إسلامية خالصة تستغل جموع الرعية غير المسلمة هو افتراض جد خاطئ . فقد دعي المسيحيون ، وخصوصا اليونانيين ، لخدمة الدولة في مختلف المراتب الإدارية والوظائف الحكومية . وكان الأسلوب المتبع والأكثر شيوعا هو إقطاع أراض واسعة لوجهاء النظام الجديد.
حوالي بداية القرن السابع عشر ، تكوّنت في العاصمة ، حول البطريركية ، إرستوقراطية يونانية جديدة ، بدأت تحتل مواقع هامة في الإدارة العثمانية . من بين هذه الأرستقراطية كان يوجد مجموعة يسمى "الفناريين" .
خلقت هذه المجموعة لنفسها ، وتحت إشراف البطريرك ، غيتو ، شكل نقطة التقاء للمسيحيين الأرثوذكس الناطقين باللغة اليونانية . وما لبثت هذه الأقلية أن برعت في مجالين أساسيين ، هما التجارة والإدارة . وأصبحوا حاجة لا غنى عنها لاستمرار النظام . مما جعل العثمانيين يتخلون عن المبدأ القائل بضرورة أن يعتنق الإسلام كل مرشح غير مسلم لأي منصب في الإدارة . ويقول المؤرخ الكبير توينبي : "إن الحكومة العثمانية سارت على هذا النحو قبل أن تجبرها هزيمة 1673 على القيام بذلك . فبين العام 1669 والعام 1716 احتكر الفناريون المناصب الإدارية الأربعة الكبرى في الإدارة . ونحو نهاية القرن الثامن عشر ، سار الفناريون في الاتجاه الذي سيجعلهم حتما شركاء أساسيين في التزام المزرعة العثمانية " .
إن السمة الأبرز لهذه الشراكة تتجسد في السلطات الممنوحة للبطريرك الأرثوذكسي التي جعلته يتمتع بصلاحيات لم يمارسها بطاركة الدولة البيزنطية . هذه الصلاحيات (جعلت من الكنيسة الأرثوذكسية كنيسة وطنية) .
فالبطريرك هو الوسيط الرسمي بين السلطان وكل تابعيه من المسيحيين الأرثوذكس . وهو الرئيس الروحي ليس فقط لتابعي كنيسته وإنما أيضا لتابعي كل الكنائس الأرثوذكسية المستقلة ، كالكنيسة القبطية والكنيسة الأرمينية . وعليه أن يحمي ويدافع عن الدين المسيحي . إن وضعه القانوني شبيه بوضع وال منتخب . فهو إضافة إلى الصلاحيات التي يتمتع بها الوالي ، يتمتع باستقلالية تامة ، ولا يحكم إقليميا معين بل يحكم رعايا السلطان في أي بقعة من بقاع الإمبراطورية المديدة ، وقراراته نافذة باسم القانون (براءة التثبيت) .

خصائص الإمبراطورية العثمانية
يقول ديمتري كيسيس في كتاب مبتكر عنوانه "الإمبراطورية العثمانية" ، الصادر في باريس عام 1985 . إن القارة الأوروآسيوية ، بفعل آلاف السنين من التاريخ ، تنقسم إلى ثلاث مناخات حضارية كبرى :
أولا : الغرب ، الذي يضم اليوم ، إضافة إلى أوروبا الغربية ، أميركا الشمالية والجنوبية ، وأستراليا ونيوزيلندا .
ثانيا : الشرق أو الشرق الأقصى ، الذي يضم : الهند ، جنوب _ شرق آسيا ، اندونيسيا ، الهند ، كوريا واليابان .
ثالثا : المنطقة الوسيطة التي تنتسب في آن واحد إلى الشرق وإلى الغرب .
ويلاحظ المؤلف في كتابه هذا ، أن عادة تقسيم القارة الأورو آسيوية إلى قارتين جغرافيتين : أوروبا مسيحية من جهة في مواجهة آسيا مسلمة من جهة أخرى ، قد حجب الرؤيا تماما عن هذه المنطقة الوسيطة .
ويرى أن النتائج الفلسفية والسياسية الناجمة عن ذلك كانت خطيرة جدا .
إذ نتيجة لذلك فإن أي تركي ليس له مكان شرعي في أوروبا بصفته آسيوي ومسلم ، وبالمقابل ، فإن أي يوناني ليس له مكان شرعي في آسيا بصفته أوروبي ومسيحي .
ويخلص الكاتب طبعا إلى أن الإمبراطورية العثمانية كانت بامتياز واحدة من الإمبراطوريات التي حكمت هذه المنطقة الوسيطة .
بكل الأحوال تتصف الإمبراطورية العثمانية بالصفات الثلاث الأساسية التالية :
أولا التعددية القومية والدينية ، ثانيا التوحيدية ، وثالثا التسامح .

أولا : التعددية القومية والدينية
إن أي إمبراطورية هي ، بطبيعتها وتعريفها ، كيان سياسي متعدد القوميات ، بل سابق لظهور الفكرة القومية . فالحديث عن (إمبراطورية وطنية هو كلام عبثي أو هرطقة فكرية) .
فالفكرة القومية كانت قطعا غير معروفة في القرن الرابع عشر . وكان النظام السياسي قائما على تأمين ولاء وطاعة السكان _ الرعايا للسلطة المركزية الإمبراطورية . وكتاب الأمير لميكيافيللي هو أكبر معبر عن ذلك .
إن الجديد في الإمبراطورية العثمانية أنها ليست فقط إمبراطورية متعددة القوميات ، وإنما أيضا متعددة الديانات .
صحيح إن الإمبراطوريات العربية _ الإسلامية ، وبفضل التسامح الذي جاء به الإسلام ، كانت تضم شعوبا تعتنق ديانات أخرى غير الدين الإسلامي ، إلا أن القانون كان محصورا بالتشريع الإسلامي . أما في ظل الإمبراطورية العثمانية فيرى أحمد عبد الرحيم مصطفى في كتابه ، "أصول التاريخ العثماني" ، أن الشريعة الإسلامية لم تكن مصدر التشريع الوحيد أو الأساس القانوني لنظام الحكم العثماني . بل يرى أن النظام المعتمد من قبلهم كان مزيجا من (النظام البيزنطي والنظام الفارسي) _ المأخوذ عن السلاجقة _ والنظام الإسلامي .
ويضيف بأنه لم تكن للقاضي الشرعي سلطة على السلاطين وعبيده أفراد الهيئة الحاكمة الذين كانت لهم محاكم خاصة .
ويلاحظ بأن النظام الضريبي يؤدي في نهاية الأمر إلى أن يشارك في جباية الضرائب من الأهلين بمختلف عقائدهم جباة من المسيحيين واليهود .
في الواقع كان الدين الإسلامي موجودا في قلب الإمبراطورية العثمانية ولكنه كان تابعا لها سياسيا .
إن السمة الأكثر تعبيرا عن هذه التبعية هو الوضع القانوني والإداري والقيادي لرجال الدين بشكل عام ورجال الدين المسلمين بشكل خاص .
والذين كانوا ، وبكافة مراتبهم موظفين لدى السلطان بمن فيهم شيخ الإسلام . "فعلى الرغم من أنه لا كهنة في الإسلام إلا أن السلطة العثمانية تميزت بوجود ما يمكن اعتباره الهيئة الإسلامية . . . . . التي لم تخرج عن كونها مجرد أداة السلطنة في التعبير عن سياستها الدينية" .
أما رودنسون فقد تحدث عن وجود دين إسلامي رسمي ، سني ، حنفي ، يشكل أساس القانون العثماني _ مجلة الأحكام العدلية فيما بعد _ ، وديانات شعبية أو جماهيرية أخرى تمارسها جموع إسلامية منضوية في طوائف عدة تتمتع بمؤسستها الدينية الخاصة .
نستطيع أن نستنتج أنه إذا كان رجال الكهنوت المسيحيين يتمتعون باستقلال ذاتي قوي ، فإن رجال الدين ، العلماء المسلمين ، أصبحوا بالنتيجة"مثقفين نظاميين" أو "مثقفين عضويين" مرتبطين بإيديولوجية الدولة العثمانية وإدارتها . إنها مرحلة العصر المدرسي _ الأكاديمي للفكر الإسلامي المشغول من قبل علماء وفقهاء أكاديميين (رسميين) يتم من خلالهم سيطرة الدولة غير المباشرة على المجتمع .
فيتحولون مع ثبات واستقرار الدولة ، إضافة إلى رجال الدين في الديانات الأخرى ، إلى جزء أساسي من الطبقة الحاكمة التي ستعمل على تحصين الدولة حيث الإيديولوجيا السائدة هي داعي المصلحة العليا .
وهذا ما سيجعل من أي حركة اجتماعية _ سياسية "هراطقة" تهدد أمن وكيان الدولة .

ثانيا : مسكونية الدولة العثمانية Occumenisme
الصفة الثانية التي تتمتع بها الإمبراطورية العثمانية هي "المسكونية" وانطلاقا من المبدأ والتعريف ، إن أي إمبراطورية مسكونية هي مثل كوكب في الفضاء ، تتمتع بالاكتفاء الذاتي . وليست بحاجة إطلاقا للدخول في علاقات مع بقية الكواكب . وهي لذلك لا تملك وزارة للشؤون الخارجية مثلها في ذلك مثل الإمبراطورية الصينية المعاصرة لها .
هذه النزعة المسكونية لها ما يبررها . ذلك أن البنى السياسية ، الاجتماعية والدينية التي بناها العرب في الأقاليم المنزوعة من البيزنطيين والفرس شبيهة بتلك التي كانت قائمة في الإمبراطوريتين السابقتين .
وعندما جاء الأتراك في القرن الحادي عشر تكاملوا مع هذا العالم ذي الحضارة المشتركة والمختلفة تماما عن مفاهيم الحضارة الغربية .
وبمقدار ما لاقى مسيحيو الشرق صعوبة في استيعاب وفهم سلوك الغربيين ، لدى احتكاكهم بهم زمن الحروب الصليبية ، فإن المسلمين قد فهموا تماما الفرق ما بين المسيحيين الشرقيين والمسيحيين الغربيين .
وهذا ما يساعدنا على الاقتناع بالمقولة التي تفيد بأن (غالبية الفتوحات العثمانية كانت تتم بالتواطؤ ما بين الفاتحين وسكان المناطق المحتلة) .
هذا التواطؤ الناجم عن مشاعر الود التي يكنها للعثمانيين رعايا القوى المعادية .
"كانت الإمبراطورية العثمانية في بداياتها ، تبدو كمستعمرة نباتية ، رابطة أو جمعية تنمو بشكل مطرد ، أكثر مما هي إمبراطورية بالمعنى التقليدي للكلمة حيث قوم من الغرباء يسيطرون على الأهالي الخاضعين المغلوبين على أمرهم" .

ثالثا : التسامح
عن التسامح هو قضية حياة او موت بالنسبة لدولة إمبراطورية ، بغض النظر عن صفات العاهل أو الشعب المسيطر داخلها . إن خرق هذه القاعدة حتما إلى موت هذه الإمبراطورية مهما عظمت صفات قادتها .
إن خصوصية الدولة العثمانية الكوزموبوليتية أنها متعددة الثقافات . شرعية الدولة واستمرارها بالنسبة لرعاياها نابعة من الضمانات التي تؤمنها لحماية استقلالية هذا التنوع الثقافي ، سواء أكان ذلك على صعيد علاقة الجماعات فيما بينها ، أو على صعيد علاقة كل جماعة على حدة مع السلطات العليا أي الباب العالي .
هذا الأخير لكي يؤمن التوازن المسكوني اكتفى بمراقبة المجتمع عن بعد ، دون أن يؤكد ذاته كممثل لخصوصية محلية ، إثنية أو دينية .
لذلك نلاحظ أنه بعيد زوال الدولة العثمانية بدا العالم كما كان قبل أن تتكوّن الإمبراطورية :
فسيفساء من التجمعات الدينية ، المذهبية ، الإثنية والقومية . والمثال الأبرز لعدم تأصل سلطة السلالة العثمانية في الداخل وفي الخارج يعطينا إياه التاريخ الحديث .
فبعد هروب آخر السلاطين العثمانيين عام 1922 ، إلى أوروبا ، لم تستطع السلالة العثمانية أن تتواصل كما فعلت بقية العائلات الملكية المخلوعة في أوروبا وفي روسيا .

الخلاصة
خلال القرن التاسع عشر ، أصبحت الفكرة القائلة بوجود حضارات مختلفة ، تتفاعل كل على حدة (في نطاق جغرافي محدد) ، مقبولة من الجميع .
وتحولت إلى (نظرية فلسفية مكمّلة لنظرية الدولة القومية) .
بموجب هذه النظرية كل حضرة تمتلك روحا وذاتا وتطورا خاصا .
إن البحث عن هذه الروح أو الخصوصية دفعت الباحثين إلى التخلي عن دراسة العصور الحديثة للتعمق في دراسة الأنظمة الكلاسيكية .
هذا التوجه يعتبر أن الذاتية أو النواة الأساسية بكل حضارة تقع في ( دائرة الدين ) حيث كل شيء ينطلق من هناك .
ويعطي أيضا للغة أهمية كبرى ، فلكل لغة دور مركزي ، ويفترض بكل شعب أن يتماثل مع لغته .
الأعراق أيضا اعتبرت من العناصر البالغة الأهمية في تكوين الخصائص المميزة لكل شعب .
إن القرن التاسع عشر غيّر العالم أكثر مما غيرته كل العصور السابقة مجتمعة .
ظهر العالم وكأنه يسير نحو حال أفضل وأكثر حضارة .
ولقد لعب الغرب دورا رائدا في هذا المجال .
لا شك أنه سيطر على العالم بفضل سياسته واحتكاره للقوة المادية التي أمنتها له الصناعة .
ولقد اجتاحت المفاهيم السياسية والاقتصادية للغرب ، كفكرة الدولة القومية ومفهوم الحرية والديمقراطية ونظرية قيام المؤسسات الدستورية الضامنة لهما والفصل بين السلطات ، وثورات سائر الشعوب الطامحة والتي كانت ترزح تحت نير أنظمة الحكم الإمبراطوري .

انتهى ...

..






 
رد مع اقتباس
قديم 20-12-2011, 04:52 PM   رقم المشاركة : 38
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: التاريخ يُقرأ من الأحدث ..

التيارات الإسلامية وقضية الديمقراطية

مقدمة تاريخية ..
اقتباس من :
الدولة العثمانية والحاضرة العثمانية
شفيق محسن

بحث منشور في مجلة الاجتهاد اللبنانية , متخصصة تعنى بقضايا الدين والمجتمع والتجديد العربي الإسلامي ..
العددان الأول والأربعون والثاني والأربعون / السنة الحادية عشر / صيف العام 1999 / 1420 هـ .

رئيسا التحرير : الفضل شلق ورضوان السيد

إن الجديد في الإمبراطورية العثمانية أنها ليست فقط إمبراطورية متعددة القوميات ، وإنما أيضا متعددة الديانات .
صحيح إن الإمبراطوريات العربية _ الإسلامية ، وبفضل التسامح الذي جاء به الإسلام ، كانت تضم شعوبا تعتنق ديانات أخرى غير الدين الإسلامي ، إلا أن القانون كان محصورا بالتشريع الإسلامي .
أما في ظل الإمبراطورية العثمانية فيرى أحمد عبد الرحيم مصطفى في كتابه ، "أصول التاريخ العثماني" ، أن الشريعة الإسلامية لم تكن مصدر التشريع الوحيد أو الأساس القانوني لنظام الحكم العثماني .
بل يرى أن النظام المعتمد من قبلهم كان مزيجا من (النظام البيزنطي والنظام الفارسي) _ المأخوذ عن السلاجقة _ والنظام الإسلامي .
ويضيف بأنه لم تكن للقاضي الشرعي سلطة على السلاطين وعبيده أفراد الهيئة الحاكمة الذين كانت لهم محاكم خاصة .
ويلاحظ بأن النظام الضريبي يؤدي في نهاية الأمر إلى أن يشارك في جباية الضرائب من الأهلين بمختلف عقائدهم جباة من المسيحيين واليهود .
في الواقع كان الدين الإسلامي موجودا في قلب الإمبراطورية العثمانية ولكنه كان تابعا لها سياسيا .
إن السمة الأكثر تعبيرا عن هذه التبعية هو الوضع القانوني والإداري والقيادي لرجال الدين بشكل عام ورجال الدين المسلمين بشكل خاص .
والذين كانوا ، وبكافة مراتبهم موظفين لدى السلطان بمن فيهم شيخ الإسلام .
"فعلى الرغم من أنه لا كهنة في الإسلام إلا أن السلطة العثمانية تميزت بوجود ما يمكن اعتباره الهيئة الإسلامية . . . . . التي لم تخرج عن كونها مجرد أداة السلطنة في التعبير عن سياستها الدينية" .
أما رودنسون فقد تحدث عن وجود دين إسلامي رسمي ، سني ، حنفي ، يشكل أساس القانون العثماني _ مجلة الأحكام العدلية فيما بعد _ ، وديانات شعبية أو جماهيرية أخرى تمارسها جموع إسلامية منضوية في طوائف عدة تتمتع بمؤسستها الدينية الخاصة .
نستطيع أن نستنتج أنه إذا كان رجال الكهنوت المسيحيين يتمتعون باستقلال ذاتي قوي ، فإن رجال الدين ، العلماء المسلمين ، أصبحوا بالنتيجة"مثقفين نظاميين" أو "مثقفين عضويين" مرتبطين بإيديولوجية الدولة العثمانية وإدارتها .
إنها مرحلة العصر المدرسي _ الأكاديمي للفكر الإسلامي المشغول من قبل علماء وفقهاء أكاديميين (رسميين) يتم من خلالهم سيطرة الدولة غير المباشرة على المجتمع .
فيتحولون مع ثبات واستقرار الدولة ، إضافة إلى رجال الدين في الديانات الأخرى ، إلى جزء أساسي من الطبقة الحاكمة التي ستعمل على تحصين الدولة حيث الإيديولوجيا السائدة هي (داعي المصلحة العليا) .
وهذا ما سيجعل من أي حركة اجتماعية _ سياسية "هراطقة" تهدد أمن وكيان الدولة .

انتهى الاقتباس .

.
.

اقتباس ..
المصدر أعلاه
الحدث العثماني
مقدمة تاريخية في سياسات القوة
شمس الدين الكيلاني

إن أردنا تتبع المسبقات التاريخية قليلا ، فإننا نجد ، ومنذ عصر (المأمون) على الخصوص ، بروز نوع من التقليد الاجتماعي _ التاريخي واضح المعالم ، عندما فشل (المأمون) ، اعتمادا على قوة (الدولة _ الخلافة) التي يترأسها ، في تحويل مبدأ (المعتزلة) ، الذي جعله (مذهبا للدولة _ الخلافة) إلى دين للجماعة .
انتهى الصراع بانتصار الجماعة _ السنة .
تلك النتيجة "كانت برهانا قاطعا على استقلال النظام الديني الإسلامي عن الخلافة ، وغيرها من المؤسسات السياسية ، وعلى أن الحكام السياسيين لا يستطيعون الإشراف على مصادر سلطان الدين ، لأنها ملك الجماعة ، ولا علاقة لأحد بها . وإن الخلافة ذاتها نابعة من ذلك السلطان وإنها رمز سياسي له" .

سيظهر الانقسام بين النظام الديني والنظام السياسي ، حيث تُرك النظام الثاني حرا في تطوره دون أن يكون للنظام الديني سوى سيطرة ضئيلة نسبيا عليه .
وإن هذه الحقيقة ستجعل التطور التلقائي النسبي يحكم الحياة الثقافية بجوانبها الدينية والأدبية والفكرية .

بنى (نور الدين) مدارس للشافعية والحنفية في دمشق وحلب ، وغيرها .
ثم عني (صلاح الدين) عناية خاصة ببناء المدارس الأيوبية مثل الناصرية ، والقمحية ، والسيفية . . .
الحالة الثقافية نفسها سيُعايشها المغرب العربي ، حيث شكلت هذه الحقبة بالنسبة للمغرب "ذروة ثقافية" ، ذلك أن جميع أجزائه شاركت فيها لأول مرة .. فبفعل الدعاية السنية المضادة التي عكست نفسها ضد الفاطميين .. تمت بادئ ذي بدء في بلد السلاجقة ثم تبناها المرينيون فكانت لفاس وتلمسان وتونس مدارسها العظيمة ، وما زال بعضها موجودا حتى الآن ... ستتوّج في القرن الثالث عشر والرابع عشر بتفتح ثقافي" على الرغم من الضعف السياسي .

ستترافق ظاهرة الانبعاث الثقافي ، التي بدأت بشكل لافت منذ القرن الحادي عشر ، مع اندماج القبائل البدوية في الاتجاهات المختلفة .
القبائل التركية غمرت شرق فارس وامتدت إلى العراق والشام (شمال سوريا) ، وقبائل عربية اجتازت الشام ومصر وشمال إفريقيا ، يصاحبها تدهور سياسي واقتصادي ، وانحسار تدريجي للحياة المدنية وحياة الحضر ، مما يهدد منابع الثقافة "هكذا ففي الوقت الذي نجح فيه النظام السني في تنسيق ثقافة الإسلام المدينية تحت لوائه ، كانت هذه الثقافة تنكمش بسبب توسع البدو في هذه الأثناء بدأ زعماء السنة يدركون ما لدعوة الانبعاث الديني ، التي يتزعمها الصوفية ، من قيمة بين عامة أهل المدن وفي الأرياف" .

الظروف القاهرة أدت إلى التساهل ، (والإمام الغزالي سيوفق بين الشريعة والتصوف) ، بتركه حيّزا مشروعا للتجربة الصوفية المنضبطة بأحكام الشريعة .
والمدارس الصوفية ستتكاثر ، تخرج المريدين ، وستصبح مراكز جديدة للفقه ، وللتأثير الروحي على العامة .
وأخذ شيوخهم يجوبون العالم الإسلامي يحملون بذور التبادل الثقافي والديني . الطرق الصوفية الكبرى : السهروردية والقادرية ، والشاذلية ستسهم في الحفاظ على الوحدة الثقافية للمسلمين ، أثناء مصائبهم الكبرى السياسية والمدينية .

استطاع المسلمون التوفيق ، أو التعايش بين (الانحطاط السياسي ، واستمرار حيويتهم الثقافية) ، بين عملية التشظي السياسي ، وحالة الازدهار الثقافي بعد أن هدأ ضجيج الخراب المغولي _ الصليبي ، في القرن الثالث عشر ، وهي الفترة التي تشهد تمزق ديار الإسلام والعرب ، وإفقارهم المدني ، "لم تحافظ هذه الحضارة على تماسكها الداخلي فحسب ، بل حققت تقدما أيضا على نطاق عالمي ، على نحو أكثر إثارة حتى من الفتوحات العربية التي تمت في القرنين السابع والثامن الميلادي ..
العلماء والأولياء والقديسون والمتصوفون الذين طوروا بدءا من القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) مجموعة كاملة من الشعائر والتعاليم ، والنظم القانونية ، والأعراف الاجتماعية ، والتقاليد الروحية ، وأشكال الطاعة ، والحساسية الجمالية ، وأساليب الدراسة ، ومدارس الفلسفة ، التي ركزت وبنت لبّ وجوهر الحضارة الإسلامية .

ونظرا لأهمية وحيوية هذا الجوهر كانت الحضارة الإسلامية قادرة على البقاء ، وحتى التوسع وسط مختلف التقادير السياسية .
وكانت علاقة العلماء (القضاة ، المفسرين ، رواة الحديث ، أئمة المساجد ، الوعاظ . . . ) والصوفية بالجماعة وجمهور العامة ، أقوى من علاقة الحكام بهم ، وكان من أهم تطورات القرن الثالث عشر انتشار العديد من الطرق الصوفية كتعبير عن الإسلام والهوية الاجتماعية ، كما يقول لابيدوس .

ومن الملفت للنظر ، كما يقول ريتشارد ايتون :"إن المذاهب والنماذج الصوفية الشهيرة ظهرت في القرن الثالث عشر والرابع عشر ، أي في الفترة التي كانت قد تحطمت فيها الوحدة السياسية للمجتمع" .

غدت (ديار الإسلام) بحق ، نظاما عالميا يرتوي من ثقافة واحدة ، يتكلم مثقفوها بلغة واحدة : لغة القرآن ، فابن بطوطة المغربي رجل العالمية الإسلامية ، الذي قضى في رحلاته ثلاثين عاما في النصف الثاني للقرن الرابع عشر ، عبر قارتي آسيا وأفريقيا : "في كل مكان يرحل إليه كان يجد تجارا مثقفين ، علماء ، وصوفية ، وأمراء ، يتحدث إليهم بالعربية في موضوعات تمتد من التصوف إلى الفقه . . وتغص فصول كتابه كله بتقارير بلهجة واثقة ، (تشي بالوحدة الثقافية لدار الإسلام من إسبانيا إلى الصين) ، ويستطيع التوقع في أن يجد منصبا ضمن الجماعة الإسلامية" .

في فارس والأناضول ، بعد انهيار الحكم المغولي ، وانهيار السلطات الحاكمة واجتياح البدو ، كان من الطبيعي أن يكون (التصوف قاعدة التضامن لمواجهة ظلم الطغاة) ، وتحولت تلك التضامنات في ظروف الخطر الخارجي إلى عصبة مجاهدة في "سبيل الله" . . فكنت تجد أهل الحرف في مدن الأناضول ينتظمون في نقابات من النوع "الآخي" ، ومعظم الإمارات الصغيرة بمثابة "دول مجاهدة" نذرت نفسها لمحاربة "ديار الكفر" .
في هذه الحال ، يصبح من الطبيعي ومن غير المستغرب ، أن نجد "أن واحدة من الإمبراطوريتين اللتين ظلتا تقتسمان غرب آسيا فيما بينهما حتى القرن العشرين ، أعني الإمبراطورية العثمانية كانت في الابتداء "دولة مجاهدين" ، وإن شيوخا من فروع الطريقة السهروردية هم الذين أوجدوا الإمبراطورية الأخرى المنافسة للعثمانية وهي الدولة الصفوية في فارس" .
هاتان الدولتان ستلعبان دوري اللاعب الأول ، مع اختلاف مضمون دور كل منهما ، في "مغامرة الإسلام الكبرى" في القرون اللاحقة .

انتهى الاقتباس ..

.
.

قراءة متأنية ..
التيارات الإسلامية وقضية الديمقراطية
د. حيدر إبراهيم علي
مركز دراسات الوحدة العربية

الطبعة الأولى / بيروت , تشرين الأول / اكتوبر 1996

القسم الأول
التيارات الإسلامية : المعنى والتاريخ

مقدمة الباحث ..
في مقدمته يتحدث الباحث عن اهتمامه (بدور الدين في دولة نامية مثل السودان) , وفي حالة السودان يزداد الاهتمام عند الباحثين بالطرق الصوفية أو الطائفية الطرقية ..
اندمجت الحركة الإسلامية السودانية في الحركة السياسية والحزبية السودانية وقبلت بقوانين اللعبة الديمقراطية ..
كان المرء يعتقد _بحسب التجربة السودانية_ أن الحركة الإسلامية قد نجحت في التوفيق بين مبادئها الإسلامية والعمل ضمن نظم غربية حديثة مهما كانت شكليتها , أي بمعنى أدق , قد وفقت بين دعوتها الدينية وعلى رأس جدول أعمالها المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية , وبين قيام الأحزاب , وتعددية الأفكار , وسيادة القانون , وفصل السلطات , واحترام حقوق الإنسان , والاحتكام إلى الأغلبية , وحرية الصحافة والرأي والعقيدة والتنظيم ... الخ .
يبدو أن سودانية الحركة الإسلامية , وليس إسلامية الحركة السودانية , جعلتها تحاول التكيف مع الظرف التاريخي الذي نشأت وتطورت فيه .
ولكن وفي الوقت نفسه لم تتشبع تماما بقيم الديمقراطية من تسامح وقبول الاختلاف , وذلك بسبب كلية واطلاقية مبادئ الحركة ذات الأصول الإلهية أو غير الوضعية .
مع ذلك حاولت الحركة السودانية مسايرة وضع السودان لفترة , ولم يمتد الزمن طويلا , فقط انقلبت الحركة الإسلامية على النظام الديمقراطي الذي كانت تمثل فيه القوة السياسية الثالثة وشاركت في عدد من حكوماته الائتلافية .
لقد هندست انقلاب 30 حزيران / يونيو 1989 وشغلت كوادرها المناصب القيادية في حكومة الانقلاب .
وهنا برز السؤال :
هل تؤمن الحركة الإسلامية بالديمقراطية الحقيقية أم تعتبرها مجرد تكتيك ووسيلة لاكتساب الشرعية حتى تبلغ الحركة درجة "التمكن" ثم تنقلب عليها ؟
صارت مصداقية الحركة الإسلامية بصورة عامة , وليس فقط في السودان , عرضة للتساؤل والشك والاختبار الدقيق .
فالحركة الإسلامية السودانية تعتبر نموذجا وقدوة لأغلب الحركات الإسلامية الأخرى , بسبب نجاحاتها السياسية وتأثيرها واجتهاداتها .
لذلك وجد موقفها الانقلابي تبريرات عديدة , ولم تُدن أية حركة الانقلاب العسكري , بل اعتبره الكثيرون ضرورة لإنقاذ السودان من التفتت والانهيار .
فقد مثل التمرد والصهيونية والامبريالية خطرا على وحدة السودان ووجوده , بحسب رأي الحركات الإسلامية .
وهي تضع بالتالي مقابلة تبيّن أهمية الدولة القوية تجاه الدولة الديمقراطية , لأن الأخيرة قد تترك ثغرات تتسلل منها أخطار عظمى .
لذلك يمكن التضحية بالديمقراطية ولو مؤقتا .

يشير الباحث إلى عدة عوامل موضوعية وراء الاهتمام بقضية علاقة التيارات والحركات الإسلامية بالديمقراطية .
صارت الحركات الإسلامية أكثر حضورا ونشاطا في المجال السياسي، مما أجبرها على مناقشة قضايا جديدة عليها، أهمها الموقف من الديمقراطية.
فالحركات الإسلامية تحتاج إلى آليات ووسائل الديمقراطية ، ولكنها ترفض الفلسفة التي ترتكز عليها .
من الملاحظ أن انتشار الظاهرة الإسلامية جعلها تقترب من الديمقراطية باعتبارها وسيلة شرعية يمكن أن توصلها إلى السلطة أو أداة "تمكين" في الحكم .
عدا ذلك لم تقدم الحركات الإسلامية أية ممارسة أو سلوك ديمقراطي عملي ينعكس على تعاملها اليومي أو العادي ، وبالذات حين يتعلق الأمر بقضايا ذات صلة بحقوق الإنسان ، والتي غالبا ما تصطدم بمسألة خصوصية المجتمعات والثقافة الإسلاميتين .
فهناك حق التعبير والرأي والعقيدة ، والحريات الشخصية ، كل هذه قد تتعارض مع مبادئ دينية ثابتة ، أو قد تهدر تماسك الدين ووحدته ، وقد تشكك في مسلمات الإيمان ، أو قد تستفز الأخلاق والمشاعر الدينية .
فعلى سبيل المثال لا الحصر ، كيف يمكن التوفيق بين تطبيق حد الردة وبين حق الفرد في تغيير دينه أو اعتناق أية عقيدة أخرى على رغم إسلامه .
هناك أيضا حرية التعبير ، كما تظهر في الروايات والأدب ، أو في الفكر والاجتهاد ، فقد عرف العالم الإسلامي تكفير عدد من الكتاب والمبدعين ، وصدرت فتاوى ضدهم تقول بخروجهم عن الإسلام وتهدر دمهم ...
ومن المفارقة ، أن بعض الإسلامويين يلجأ إلى منظمات وجمعيات يرفضون فلسفة قيامها .
هناك مبدأ آخر مهم يمكن اعتباره مؤشرا أساسيا في توجه الحركات الإسلامية نحو الديمقراطية ، وهو قبول الآخر المختلف واحترام حق الاختلاف في الرأي وعدم اللجوء إلى العنف لإسكات الرأي الآخر مهما كانت الأسباب والمبررات .
إن قبول الآخر هو أول تمرين على الديمقراطية ، لذلك أثارت هذه الممارسات _ الرافضة للآخر _ الرغبة في الكتابة عن موقف التيارات الإسلامية من الديمقراطية ...
إن الحديث عن الصحوة الإسلامية يشوبه كثير من التعميم ، خاصة إذا اعتبرنا هذا التسييس الفائض للدين هو نهضة أو صحوة تمس كل جوانب شمولية الإسلام .
وأعني في هذا الصدد تحديد الآثار الثقافية لهذه الصحوة .
هل حدث تحول حقيقي في ثقافة المجتمعات الإسلامية وانعكست على الفرد المسلم ؟.
هل ساهمت الصحوة الإسلامية الحالية في تجديد الفكر الإسلامي ، كما حدث في عصر النهضويين في القرن الماضي ؟
هل شهدت المكتبات رصيدا جديدا من الكتابات العميقة والرصينة التي تخاطب _ بواسطة العقل _ القضايا الحقيقية التي تهم المسلمين ؟.
هل اتسعت الترجمات لنواكب الحضارة المعاصرة ، كما حدث في التاريخ الإسلامي في بعض مراحل صعوده ؟ .
كل هذه جعلتني أميل إلى استعمال مصطلح (الإسلاموي) حين أتحدث عن الإسلام السياسي ، خلافا عن الإسلام أو المسلم ، وهذا يتضمن المعنى الديني والثقافي أكثر .
فالشخص الذي يؤدي الفرائض ويسعى إلى أن يتطابق سلوكه مع تعاليم الإسلام ، يستحق التسمية الأخيرة .
ولكن من يعتبر الإسلام حزبا سياسيا ويحاول بكل الوسائل إقامة الدولة الإسلامية ، وقد يستعمل وسائل غير إسلامية من أجل الوصول إلى ذلك الهدف ، فهو إسلاموي ، بحسب سياق هذا البحث .
... ، وقد تعودنا على سماع الموقف الإيجابي للتيارات الإسلامية من الديمقراطية ، والآن نعرض الموقف السالب من الديمقراطية ، وهكذا يبدأ الحوار والجدل من خلال إبراز النقيض .

حيدر إبراهيم علي

.
.






 
رد مع اقتباس
قديم 20-12-2011, 04:56 PM   رقم المشاركة : 39
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: التاريخ يُقرأ من الأحدث ..

.
.

تعقيب على المقدمة التاريخية :
بالتركيز على ما جاء في الاقتباس من بحث (الدولة العثمانية والحاضرة العثمانية) وتحديدا ما حرفيته :
{في الواقع كان الدين الإسلامي موجودا في قلب الإمبراطورية العثمانية ولكنه كان تابعا لها سياسيا} .
وعلى ما جاء في الاقتباس من بحث (الحدث العثماني) وتحديدا ما حرفيته :
{ انتهى الصراع بانتصار الجماعة _ السنة .
تلك النتيجة "كانت برهانا قاطعا على استقلال النظام الديني الإسلامي عن الخلافة ، وغيرها من المؤسسات السياسية ، وعلى أن الحكام السياسيين لا يستطيعون الإشراف على مصادر سلطان الدين ، لأنها ملك الجماعة ، ولا علاقة لأحد بها . وإن الخلافة ذاتها نابعة من ذلك السلطان وإنها رمز سياسي له"} .
{ سيظهر الانقسام بين النظام الديني والنظام السياسي ، حيث تُرك النظام الثاني حرا في تطوره دون أن يكون للنظام الديني سوى سيطرة ضئيلة نسبيا عليه .
وإن هذه الحقيقة ستجعل التطور التلقائي النسبي يحكم الحياة الثقافية بجوانبها الدينية والأدبية والفكرية} .
{ استطاع المسلمون التوفيق ، أو التعايش بين (الانحطاط السياسي ، واستمرار حيويتهم الثقافية) ، بين عملية التشظي السياسي ، وحالة الازدهار الثقافي بعد أن هدأ ضجيج الخراب المغولي _ الصليبي ، في القرن الثالث عشر ، وهي الفترة التي تشهد تمزق ديار الإسلام والعرب ، وإفقارهم المدني ، "لم تحافظ هذه الحضارة على تماسكها الداخلي فحسب ، بل حققت تقدما أيضا على نطاق عالمي ، على نحو أكثر إثارة حتى من الفتوحات العربية التي تمت في القرنين السابع والثامن الميلادي ..} .

يمكننا بسهولة وعلمية , أن نلاحظ أهمية (فصل السياسة عن الدين , وأهمية الحرية الفكرية الدينية , وحماية الفكر الإنساني الإسلامي , متمثلا بحركة فلسفة التصّوف) .

من الواضح , وبالمقارنة العادلة , أن الحيوية الدينية هي التي منعت تحول الدولة العربية_الإسلامية الأولى إلى حالة الديكتاتورية العقيمة كما حدث مع الدولة العثمانية التي تحولت إلى سلطنة أو إمبراطورية وفقط ..
في حين تحولت الدولة العربية_الإسلامية الأولى إلى حضارة إنسانية بكل ما لهذه الكلمة من ملامح وسمات ..

وبالتركيز على ما جاء أيضا , في الاقتباس من بحث (الحدث العثماني) وتحديدا ما حرفيته :
{الإمبراطورية العثمانية كانت في الابتداء "دولة مجاهدين" ، وإن شيوخا من فروع الطريقة السهروردية هم الذين أوجدوا الإمبراطورية الأخرى المنافسة للعثمانية وهي الدولة الصفوية في فارس" .
هاتان الدولتان ستلعبان دوري اللاعب الأول ، مع اختلاف مضمون دور كل منهما ، في "مغامرة الإسلام الكبرى" في القرون اللاحقة} .


علينا أن نعترف , بأن التاريخ ليس محض إرادة مجتمعات مستقلة في حركتها الزمنية , بل هو فعل الجغرافيا الثابتة في مجتمعات محكومة بملامح هذه الجغرافيا في حركتها في الزمن , ولا تزال .

إن أخطر ما أصاب ويصيب , الحيوية الإسلامية , سياسيا وفكريا , هو تلك النزعة الالغائية التكفيرية الطاغية اليوم .
وهو أيضا تلك الفردية والانعزالية الإسلامية الطقسية إذا صح التعبير .

وهو بكل تأكيد , تلك الهوية التكفيرية في مواجهة حق بقية منازل البيت الإسلامي الكبير , في الاختلاف الفعّال والحركة الحرّة والتنوع الايجابي والتجديد الحتمي .

يمكننا أن نستنتج بطمأنينة , أن فترة الهيمنة العثمانية على جغرافية الحضارة العربية_الإسلامية , عطلت تماما , ولا يزال فعل الإيقاف القسري مستمرا لأسبابه , الحيوية الفكرية الإسلامية العربية (فوق السياسية) التي شكلت أهم خصائص الفلسفة العربية _ الإسلامية .

إن حاجة العرب للفرس والفرس للعرب , كحاجة الإسلام الرسمي للحركات الصوفية , انه ذلك التجاذب الطبيعي للقوى في الجغرافيا الأوسع من داخل جغرافيتها الطبيعية المتجاورة , مع ما يعنه ذلك من إطلاق لسلسة تفاعلات إنسانية أخلاقية حضارية تشاركية وتكاملية , لا تزال تعجز الطبقة السياسية_الدينية التركية المعقدة , ورثة العثمانيين أو (العثمانويين) , في قبولها , فكيف على المشاركة فيها .

إن استمرارية فعل التعطيل القسري , لقوانين التفاعل الطبيعي , بين الجغرافيا العربية والفارسية من جهة , وبين جغرافية الأناضول الانعزالية من جهة ثانية , ينعكس سلبيا بشكل متصاعد على العلاقة التاريخية والحتمية بين العرب والفرس , ولكنه من جهة ثانية يأخذ جغرافية الأناضول إلى حتمية تمزقها إلى مكوناتها التاريخية , إلى ما قبل الحقبة العثمانية _ الإسلامية .

تعقيب على مقدمة الباحث :
المقدمة تشكل مدخلا واسعا لتلمس آفاق الكتاب , ولعل أهم زوايا رؤية الموضوع واسع الطيف تتجسد في قول الباحث الإسلامي :
{فقد مثل التمرد والصهيونية والامبريالية خطرا على وحدة السودان ووجوده , بحسب رأي الحركات الإسلامية .
وهي تضع بالتالي مقابلة تبيّن أهمية الدولة القوية تجاه الدولة الديمقراطية , لأن الأخيرة قد تترك ثغرات تتسلل منها أخطار عظمى .
لذلك يمكن التضحية بالديمقراطية ولو مؤقتا} .

نحن نعيش هذه الأيام , أيام التحولات السياسية الحادة والانعطافات الاجتماعية المضطربة , حالة من القلق المشروع على بناء سياسي اجتماعي لم يحقق لنا ما نريده ونحتاجه , ومن القلق العلمي من بناء سياسي اجتماعي موعود , لا يبدو أكثر من تكرار لتاريخ خلافي وتجارب غير مكتملة ونماذج لم تقدم لمعاصريها في أزمنتها ما يستحقونه .
وأمام وقائع تقدم التيارات الإسلامية إلى الواجهة السياسية , وممارستها للعبة الديمقراطية , تعود كل هذه الأسئلة عن (الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان ...) التي طرحها الباحث في مقدمة كتابه للظهور بحدة وقوة , وخصوصا أنها لم تعد مجرد (تحديات افتراضية) في حال وصل الاسلامويين إلى السلطة , بل تصير كل يوم تحديات على الأرض يواجهها المجتمع الذي أوصلت الديمقراطية (حديثة الولادة) تياراته الاسلاموية إلى السلطة .

من الحيوي , بل هو التحدي الرئيسي , لعودة الروح إلى الحضارة العربية _ الإسلامية , السؤال عن أبعاد وآفاق ومستقبل هذه (الصحوة الإسلامية) .

هل نحن في الطريق عمليا اليوم , وليس نظريا في الأمس , أننا نعود إلى عصر النهضة العربية _ الإسلامية , أو أننا نغرق من جديد في عصر من الانحطاط السياسي _ الفكري , في عودة إرادية من زاوية ما , إلى جلباب السلطنة العثمانية _ الإسلامية ..!!

علينا أن نبحث جيدا في متن الكتاب الذي نرغب في تقديمه مكثّفا , عن إجابة على هذا السؤال المُلحّ اليوم وغدا .
من خلال رصد الأداء السياسي الاسلاموي اليوم , ومن خلال العودة إلى أدبيات وفكر هذه الحركات في جغرافياتها الضيقة , من زاوية تطبيقها ورؤيتها وفهمها وتعريفها لـ ( قضية الديمقراطية) .

كانون الأول / 2011

زياد هواش

..







 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 08:35 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط