_ 3 / 1 _
تاريخ الدولة العثمانية ..
بعيون مؤرخين أتراك معاصرين .
نقلا عن ..
الاجتهاد
مجلة متخصصة تُعنى بقضايا الدين والمجتمع والتجديد العربي الإسلامي
العددان الواحد والأربعون والثاني والأربعون
السنة الحادية عشر
شتاء وربيع العام 1419هـ / 1999 م
رئيسا التحرير
الفضل شلق ورضوان السيد
الدولة العثمانية في الدراسات الحديثة
من الإمارة إلى الإمبراطورية
البحث التاريخي ليس على "التاريخ كما حدث بالفعل" , ولكن "كيف أصبح على ما هو عليه في الحقيقة" .
الدولة والرعايا .. 1
خليل إينالجك
ترجمة عبد اللطيف الحارس
قراءة متأنية للنص ..
أو إعادة قراءة إنسانية للنص .
[لقد رسّخ سليمان أولا وجوده على شبه جزيرة غاليبولي سنة 1352 كحليف لجان كانتوكوزانوس المدّعي للتاج البيزنطي.]
سليمان ابن أورخان ابن عثمان ابن أرطغرل .
لقد أدخل صاحب طموح بيزنطي , العثمانيين إلى أوروبا , في واحدة من تلك الصراعات الإنسانية التقليدية والمستمرة , داخل البيت , على السلطة .
تماما , كما فعل (الخلفاء العباسيين) , عندما أدخلوا أبناء عم البيت العثماني , إلى بغداد , في صراعهم المستميت على السلطة .
لقد أخفقت دولتين مركزيتين عظيمتين , الدولة البيزنطية , ومن قبلها , الدولة العربية , في إنتاج آليات سياسية صحيحة لانتقال السلطة , فعادت جغرافية الدولتين لتقع كلها تحت حكم (البيت العثماني) الذي أنتج تلك الآلية الرهيبة , (قانون قتل الأخوة) و جيش (المرتزقة الانكشارية) .
بالتأكيد , (الغزو الإسلامي) يجب أن يسمى "فتحا" , لأنه ساهم في نقل الجغرافيا التي استهدفها , من حالة سياسية واقتصادية أدنى , إلى حالة سياسية واقتصادية مركزية أعلى .
تماما كما فعل (الغزو اليوناني) في تلك الجغرافيا , عندما حطم الإمبراطورية الفارسية العسكريتارية الأدنى , والذي يجب أن نسميه أيضا "فتحا" .
في حين لا يمكننا تسمية (الغزو العثماني) بـ "الفتح" , تحت أي مقياس تاريخي , لأنهم حطّموا إمبراطورية بيزنطية مركزية ومدنية , وبنوا مكانها (سلطنة عثمانية) عسكريتارية .
وورثوا الدولة العربية الإسلامية , فأوقفوا قسريا (دورتها الحضارية) , سياسيا واجتماعيا واقتصاديا , بل وحتى إسلاميا , عندما حطموا ونهائيا , تلك الحالة الدينية الفلسفية الفعالة والمتحركة , لنصل إلى ما نحن عليه اليوم , (إسلام الأشخاص) أو إسلام (الطرق الصوفية) في أحسن الحالات .
إن مصطلح ( الفتح ) , لا يجب أن يرتبط بالإسلام , بل بذلك الإسلام الحضاري الإنساني المدني الايجابي , والتشاركي والفعال , بل وحتى المستقبلي .
وبطبيعة الحال , ( الفتح ) ليس هو ( الهداية ) ولو لبس لبوسها الضيق عليه , ولا هو وسيلة ( الدعوة ) الفضلى .
[وعندما تحدى بايزيد تيمور، تعرض لخسارة ساحقة في معركة أنقرة سنة 1402، وانهارت إمبراطوريته.]
[ولكن الاستقرار ما لبث أن عاد وبسرعة خلال عهدي محمد الأول (1413 _ 21) ومراد الثاني (1421 _ 51)، لأنهما استطاعا البناء على المؤسسات الصلبة السابقة للدولة العثمانية.]
[كل القوى السابقة من جيش الانكشارية، ومالكي التيمار السُباهيين، العلماء والبيروقراطيين.. كانت لها مصلحة مشتركة في إعادة إحياء الدولة المركزية.]
[ومما تجدر ملاحظته بعد العاصفة التيمورية التي أودت بالإمبراطورية العثمانية الأولى تحت قيادة بايزيد الأول، أن مركز جاذبية الدولة قد تحول نحو البلقان.
ومن البلقان أعاد العثمانيون سيطرتهم على غرب وشمال الأناضول قبل وصول محمد الثاني فاتح استانبول (1451 _ 81)، إلى السلطة.]
استطاعت الإمبراطورية العثمانية أن تعود إلى الحياة بعد العاصفة التيمورية , لأنها مثّلت أو قامت على تلك التحالفات التي(يريد استمراريتها الجميع) أو تلك التحالفات التي (يحتاجها الجميع) أو تلك التحالفات التي (تحفظ مصالح الجميع) .
واستطاعت الإمبراطورية العثمانية الثانية أن تقوم , لأنها استندت إلى تلك المؤسسات الصلبة التي ورثتها الإمبراطورية العثمانية الأولى عن الدولة البيزنطية المدنية المركزية , التي كانت قائمة .
وكذلك فعلت الدولة العربية الإسلامية , عندما استندت إلى مؤسسات تلك (الحياة الاقتصادية النّشطة) لمدن بلاد الشام , وما رافقها من تنظيمات سياسية وتشريعية وتنظيمية , على درجة عالية من المرونة , ولكنها تفتقر إلى المركزية الإدارية والسياسية .
لقد سارع (العرب الفاتحين) , إلى بناء مركز إداري وسياسي , عصري وحديث ومنفتح , لدولتهم الفتية , وأحكموا سيطرة هذا المركز الحيوي على الأطراف التي تتوسع باستمرار , وبفعالية دائمة .
ولكن الدولة العربية الإسلامية , عجزت عن العودة إلى الحياة , بعد العاصفة المغولية , لأنها حولّت تلك المؤسسات المركزية التنظيمية الجبارة , في أواخر أيام الدولة العباسية , إلى مجرد (مؤسسات مالية لجباية الضرائب) .
وكذلك فعلت الإمبراطورية العثمانية الثانية , بالضبط , وهكذا أيضا بدأت رحلة انكماشها .
أو بتعبير معاصر , أفسدت البيروقراطية المركزية المتنامية , في الدولتين , العربية والعثمانية , عملية التنمية الاقتصادية الجبارة , وأوقفت النمو الاقتصادي للأطراف , وتعطلت الشراكات المُربحة والمُطمئنة للجميع , وبدأت رحلة الانكماش الحتمي .
كان طبيعيا أن تنتقل عاصمة الدولة العربية الإسلامية الأولى , من مكة الراشدين , إلى دمشق الأمويين , ثم إلى بغداد العباسيين , قبل أن تعصف بها الصراعات على السلطة , وإدخال العنصر التركي , كطرف مرجح في الوصول إلى الخلافة , وضامن للبقاء فيها , إلى حين .
وكذلك كان طبيعيا أن تنتقل الإمبراطورية العثمانية الثانية إلى "القسطنطينية" , كعاصمة جديدة لها تعبر عن تجددها , بعيدا عن "أدرنة" التي فقدت حيويتها .
في اللحظة التي تتحول فيها العاصمة / المركز , للدولة / الإمبراطورية , من دورها القيادي الطبيعي الصارم , إلى الدور التحكيمي التوافقي الدبلوماسي , داخليا , تبدأ رحلة الانكماش الاقتصادي والسياسي .
وهذا التحول في الدور , يعود إلى بطء عملية التحول من (اقتصاد الغزو) إلى (اقتصاد الاستقرار) .
وهذا البطء في التحول , يعود بطبيعة الحال إلى أمراء الحرب (الغزاة) , الذين يريدون ثمن التضحيات فورا , تلك هي عقلية (المرتزقة) .
عندما تتحول العاصمة من مركز لـ (إدارة الاقتصاد) , إلى مجرد (مركز مالي) , تتحول الأطراف من حالة (الإنتاج والتصدير) إلى حالة (الاستهلاك والاستيراد) , ويبدأ الانكماش ويتسارع .
الضرائب قد تكون (العمود الفقري) لأي اقتصاد مركزي , ولكن أن يتحول الاقتصاد المركزي إلى مجرد عملية (جباية ضرائب) منظمة ودقيقة وفقط , تتحول الدولة إلى حالة (احتلال اقتصادي) , ثم طبقي وعسكري وديني طائفي .
الريعية الضرائبية , تبدأ , ليس فقط بأكل الاقتصاد وتعطيل نموه , بل بتنمية الديكتاتورية العسكريتارية التي لا ترحم .
وتضاف إلى المهام العسكرية , للقوات (التي تنمو بديلا عن الاقتصاد) , والتي تقوم فلسفتها أو عقيدتها القتالية على حماية الحدود .
تضاف مهمة القمع الداخلي وتأمين تدفق (أموال الضرائب) , ليبدأ الانكماش الواسع الطيف , لدى الشعوب في بيئاتها , وداخل الفئات التي تعمل .
[إنّ نهضة القوة البحرية العثمانية في البحر الأبيض المتوسط كانت لها نتائج عظيمة ليس فقط على صعيد توسع الحكم العثماني إلى الأراضي العربية من سورية إلى مصر والمغرب، وإنما أيضاً بطردهم للبرتغاليين من البحر الأحمر.]
لو عدنا في الزمن , ودرسنا التأثير الحضاري والاقتصادي لحركة الأساطيل اليونانية والفينيقية , وأساطيل قرطاجة , ثم قارناها بالأساطيل الرومانية , أو أساطيل الحملات الصليبية , في البحر الأبيض المتوسط .
أو تقدمنا في الزمن , إلى حقبة الأساطيل الانكليزية والفرنسية .
الفرق , هو بين تلك الأساطيل التي نقلت البضائع والمعرفة والثقافة , وحرّكت دورة اقتصادية كونية في زمنها , استفاد منها الجميع .
وبين تلك الأساطيل العسكرية التي حمت تلك الحركة الإنسانية الحضارية البحرية , وتلك التي نقلت جيوش الغزو والدمار .
يبقى هناك ضرورة صارمة , لدراسة دور وأثر الأساطيل البحرية العثمانية , في البحر الأبيض المتوسط , هل كانت اقتصادية أولا , أو محض عسكرية أولا وأخيرا .
إن ثقافة (الغطاء الإسلامي) لحركة القوميات التاريخية , في جغرافية العالم القديم , لا تزال سائدة بل طاغية .
ولا يكفي لقراءة أي حركة قومية تاريخية أو معاصرة , ايجابيا , أن تكون ترفع تلك الشعارات الإسلامية , التي لا تغني برفعها لوحدها في السماء , عن "فعل" تطور وتنمية , وعن دور إنساني وحضاري , وعن بناء مؤسساتي تشاركي حقيقي , على الأرض .
آب / 2011
صافيتا / زياد هواش
..