الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديات الحوارية العامة > منتدى الحوار الفكري العام

منتدى الحوار الفكري العام الثقافة ديوان الأقلاميين..فلنتحاور هنا حول المعرفة..ولنفد المنتدى بكل ما هو جديد ومنوع.

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع التقييم: تقييم الموضوع: 1 تصويتات, المعدل 5.00. انواع عرض الموضوع
قديم 08-03-2011, 08:42 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي التاريخ يُقرأ من الأحدث ..

التاريخ يُقرأ من الأحدث ..

الإنسان هو الثابت التاريخي الأهم .

الهدف ..
المشاركة في القراءة , فانا اخترت العودة تاريخيا , من الدولة العثمانية , إلى الدولة العربية الاسلامية , في محاولة بسيطة غير متصنعة , لجمع ما يكفي من الأدوات , في رحلة العودة إلى النص التوراتي بوجهه التاريخي الجغرافي , لتلمس ما فيه .

القراءة المتأنية ..
هي في أن تقرأ وأنت تكتب , حتى تصلك فكرة البحث كما يجب , ولذلك لا ضير في مشاركة المهتمين بالملخصات والآراء , في السير في التاريخ والنص التاريخي , في محاولات يجب أن تستمر لتهذيب النفس , إنسانيا أولا .

8/3/2011

..






 
رد مع اقتباس
قديم 08-03-2011, 08:44 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: التاريخ يُقرأ من الأحدث ..

الاجتهاد
مجلة متخصصة تُعنى بقضايا الدين والمجتمع والتجديد العربي الإسلامي
العددان الواحد والأربعون والثاني والأربعون
السنة الحادية عشر
شتاء وربيع العام 1419هـ / 1999 م

رئيسا التحرير
الفضل شلق ورضوان السيد


الدولة العثمانية في الدراسات الحديثة
من الإمارة إلى الإمبراطورية


البحث التاريخي ليس على "التاريخ كما حدث بالفعل" , ولكن "كيف أصبح على ما هو عليه في الحقيقة" .


ظهور الدولة العثمانية
جمال كفادار
ترجمة عبد اللطيف الحارس

يبدأ التأريخ , مع "سلالة عثمان" وحلمه في مواجهة الاضطرابات السياسية والمادية التي سببتها الجانكيزخانية في غرب آسيا .
مع تدفق الأتراك إلى آسيا الصغرى , وانحلال السلطة السلجوقية .

" إنّ السلطان قدر الهي , ولقد تحول التوفيق الإلهي من البيت السلجوقي إلى بيت أرطغرل" .
أرطغرل والد عثمان .
هكذا بشر الحاج بكتاش "حاجي بكتاش" , الزعيم الروحي لنظام الدراويش البكتاشية , بقيام الدولة العثمانية .

في المصادر الأوروبية , هل العثمانيين هم حقا الطرواديون , أم هم سكيثيون , يثأرون لمقتل هكتور أو خرجوا للقتل والتدمير .
مهاراتهم العسكرية العظيمة , هي خاصية عرقية , وبانتمائهم إلى الإسلام "ديانة محاربة" , حضر "الخطر التركي" , إن الإرادة الإلهية تعاقب المسيحيين على خطاياهم .
لقد ضاعت في كتب عصر النهضة , الملامح بين العثماني والتركي والمسلم .

بعد الحرب العالمية الأولى , عندما أصبح زوال الدولة العثمانية أمرا وشيكا , ظهر الاهتمام بنشوئها .
كيف يمكن لبعض "البرابرة" والذين كانوا عند مستهل بناء إمبراطوريتهم , رعاة , خلق هذا الكيان المعقد ..؟

كتب أيورغا (Iorga) : لكي نفهم تطورات الدولة العثمانية ، وعلل ضعف المقاومة المسيحية ، وكثرة الأمراء ، واستعداد الجماعات المسيحية للخضوع للعثمانيين ، ونُدرة أحداث التمرد والمقاومة المسلحة للفاتحين .
من أجل ذلك كلّه يكون علينا أن نعرف خصائص هؤلاء العثمانيين ، والأبعاد الحقيقية لحياتهم التاريخية .

يرى غيبون (Gibbons) : أن "الأربعمائة خيمة" التي تشكل قبيلة عثمان , لا بد أن يكون قد انضم إليها العديد من الداخلين الجدد في الإسلام مما أدى إلى زيادة عدد هذه الجماعة إلى "عشرة أضعاف" .
وهكذا خلقت سلالة جديدة (العثمنلي) ، التي تشكل مزيجا من الأتراك الوثنيين سابقا واليونان المسيحيين سابقا .
ولذلك فان القوة الخلاقة للإمبراطورية العثمانية يجب أن لا تعزى للشعب الآسيوي وإنما للعناصر الأوروبية" .
وكذلك يرى غيبون ، أن التوسع العثماني في البلقان يجب أن لا ينظر إليه كنتيجة لسلسلة من الغارات الهادفة إلى الحصول على الغنائم وإنما "كجزء من خطة استيطانية" تزامنت مع هذه الغارات .

عبر شارلز ديل (Charles Diehl) ، (بيزنطي _ فرنسي) ، عن ذلك بقوله : "الأتراك ... هؤلاء المقاتلون القساة لم يكونوا إداريين ولا حقوقيين ، ولم يفهموا سوى القليل من العلوم السياسية . ونتيجة لذلك فقد أقاموا معظم مؤسسات دولتهم وأكثر تنظيماتهم الإدارية على غرار ما وجدوه في القسطنطينية" .

بينما يرى أيورغا أن العثمانيين الفاتحين "بالرغم عن أنفسهم" ، اندمجوا بشكل كلي تقريبا في الحياة البيزنطية – ما عدا ديانتهم ، أو كما عبر عن إمبراطوريتهم بجملته الموفقة "بيزنطية بعد بيزنطية" .
{كل هذا مرتبط بالادعاء بان العثمانيين لم تكن عندهم "أساليب الحياة" اللازمة لمعرفة المفاتيح الفكرية لفهمه التاريخي لإنشاء الإمبراطورية} .

غيز (Giese) , انتقد نظريات غيبون وطريقة استخدامه للحقائق ، واقترح دافعا جديدا للفتوحات العثمانية :
علاقة عثمان مع ، أو دعمه من قبل ، الآخي (Ahi) .
هذه "الأخويات" كانت تمثل الشكل الأناضولي لمؤسسات الفتوة الاسلامية الأولى ، والتي تضمنت أوساطا حرفية وتجارية مدنية تتماشى مع أنماط سلوك شبه صوفية وشبه فروسية ونقابية .

ذهب كرامرز (Kramers) إلى أبعد من ذلك فاعتبر أن عثمان كان واحدا من قياديي فتيان الآخي أو الأخوان الآخي في قرية بافلاكونيا التابعة لمقاطعة عثمانجك (Osmancik) حيث يفترض انه اتخذ لقبه .

كان الكثيرون من الغربيين متحمسين لإعطاء رأي في هذه المواضيع المتعلقة بهوية عثمان الإثنية والدينية في هذه السنوات .
والهوية – مزيج من التصنيفات الإثنية ، والقومية ، والعرقية ، والدينية – لها قيمة تفسيرية أساسية في الفهم التاريخي ، وخاصة في تحديد المطاف الصحيح للأفراد والأمم في التطور الدقيق للحضارة .
وهم جميعهم يميلون ، بطريقة أو بأخرى ، إلى التركيز على الطبيعة "الشرقية" للعثمانيين ويقبلون الهوية الأساسية التركية – الاسلامية لمؤسسي الدولة .

محمد فؤاد كوبرولو و بول فيتك (Wittek) ، وعلى الرغم من اعترافهما بأهمية التحوّل من النصرانية إلى الإسلام ، إلا أنهما كانا حذرين بما يكفي لعدم استخلاص أي تصورات ديموغرافية مميزة من كل هذا .
كما أنهما لم يقبلا فكرة أن عثمان كان وثنيا بناءً على حقيقة مهلهلة ، إذ إنهما كانا مقتنعين بأن "الديانة لعبت دورا ، وربما هاما ، في قصة التوسع العثماني" .
وشعر الباحثان أن "عشيرة الفاتحين العثمانيين الأوائل" ، يمكن تفسيرها من خلال حضور الدراويش المحيطين بهم .
وأبرزا دور النمو التجاري وتكاثر منظمات الآخي كذلك ، وبذلك توصلا إلى نتيجة أن "السلاطين الأوائل كان لديهم ما هو أكثر من جماعات من البدو للاعتماد عليهم" .

محمد فؤاد كوبرولو ، وباختصار فان الدولة العثمانية كانت ذروة تفاعل بعض الديناميات ، والمهارات ، والمبادئ التنظيمية التي ربما استوردت أو تطورت في المجتمع التركي الأناضولي خلال قرنين من الزمان .
وحدث أن كان عثمان في المكان المناسب ، في الوقت المناسب .

بول فيتك ، توافق مع محمد فؤاد كوبرولو في نقطة أساسية :
قيام الدولة العثمانية ينبغي أن يدرس بالمقابلة مع خلفية قرون من العمليات العسكرية ، والتحوّل الثقافي ، والتلاقح الثقافي ، واستيطان المسلمين والأتراك في أناضول العصور الوسطى .
وتوافقا في نقطة أخرى : يجب أن يميز بين ساكني المناطق الخلفية وساكني التخوم بالنسبة لنظامهم الاجتماعي وخصائصهم الثقافية .
ركز هذان الباحثان مجددا على أن مجتمع التخوم ترك مجالا أوسع للتجديد ، والتولد ، الذاتي المختلف عن الأصل ، والتغير .
واختلفا حول موضوع "العامل القبلي" وأثره ، خاصة في بناء الدولة العثمانية .

محمد فؤاد كوبرولو ، كان جاهزا لقبول فكرة أن العثمانيين يتحدرون من قبيلة تنتمي إلى فرع قايي (Kayi) من الترك الأوغوز (Oguz) كما ادعت معظم المصادر وكما أصبح لاحقا مقولة عثمانية رسمية .

فيتك ، استخلص أن العثمانيين الأوائل لا يمكن أن يكونوا متجانسين قبليا ، وإلا لكان عندهم نسب ثابت بإمكانهم إظهاره .

{بالنسبة للمؤرخين ، القبليّة تستوجب قرابة عصب . مما يعني أنه ينبغي في الأساس أن تكون مؤلفة من علاقات دموية ، أما النسب فيجب أن يكون بالإمكان العودة به إلى أصل مشترك} .

فيتك ، ركز اهتمامه على عامل واحد محدد داخل مجتمع الأوك (UC) ، عبارة تعني رجال التخوم في مصادر العصور الوسطى , جمع أوكات (Ucat) ، بيئة الغزو وروحيته ، والتي كانت أساسية في ظهور الإمارات , ولاحقا الدولة العثمانية ، التي سيطرة على الآخرين .

كوبرولو كان ملتزما بمعتقد قومي أساسي وبشكل أقوى من اعتقادات المؤرخين الذين عارضهم .
فإذا كان على الدولة العثمانية أن تُرى على أنها من صنع الأتراك ، فان هؤلاء الأتراك ينبغي أن يكونوا من الأتراك الأصليين الفعليين ، وليس من المتتركين .
وأن الأتراك لم يكونوا مفتقدين "للمهارة الإدارية" .
"المهارة الإدارية" لشعب من الشعوب ، ومحاولة إثباتها "للعالم المتحضر" بشكل خاص ، كانت أكثر من مسألة اعتزاز قومي ، وكما ذكر سابقا ، فان مثل هذه المناقشات لم تكن إلا صدى لأحد المبادئ الأساسية "للنظام العالمي الجديد" بين الحربين العالميتين:
أي شعب له الحق في وطن في العالم المتحضر إذا استطاع أن يثبت أن عنده في تجربته التاريخية ما هو ضروري لإقامة دولة مستقرة وليحكم بطريقة متحضرة .

بالنسبة لفيتك ، التاريخ السياسي للتخوم صُنع من قبل مجموعات من الغزاة ، مجاهدين في سبيل العقيدة ، انتشروا في مناطق الحدود مع زوال السلطة السلجوقية ، وكونوا إمارات طامحة ، ومنهم المجموعة التي قادها الغازي عثمان ، والتي كتب لها النجاح بسبب موقعها الموفق .
"مقولة الغزو" عند فيتك هي التي أصبحت الرواية النهائية لأصول الدولة العثمانية في جزء واسع من عالم المثقفين ، وبسبب استحضارها لتصورات فروسية ، دخلت عالم المعالجات الشعبية .
أبرز فيتك إيديولوجية الغزاة بدلا من العرق التركي كما فعل كوبرولو , وبالتالي رفض مقولة أن العثمانيين كانوا فرعا من قبيلة القايي من الأتراك الأوغوز .

أرناكس (Arnakis) ، ركز على أن المصادر توحي بأنه لم يكن هناك تعصب إسلامي خلف النشاطات العسكرية للعثمانيين الأوائل : هدفهم ، كما أوضح أرناكس ، لم يكن نشر الإسلام أو تحطيم المسيحية ، وإنما ببساطة الغنيمة.
... العثمنلي الأوائل جعلوا من السهل على اليونانيين الانضمام إليهم ...
ومع فتح بورصة ، "تعزز العثمنلي بالتقدم الاجتماعي لسكانها المدنيين . وبجعلهم بورصة عاصمتهم ، بدأ العثمنلي إصلاحات ... ، ونظموا دولة نموذجية ، فتقدمهم وانتشارهم السريع في أوروبا يعزى إلى التجربة الإدارية والتقاليد المدنية لمواطني بورصة ، ونيقية ، ونيقوميديا" .

على أية حال ، هناك إجماع بين هؤلاء الباحثين ، فيما يبدو ، على تقدير الدولة العثمانية الأولى ، ولكن السؤال الهام كان : إنجاز من كانت ؟

أرناكس مثل غيبون ، ركزا معا على إسهامات العناصر غير التركية وغير الاسلامية بالأساس في قيام الدولة العثمانية , بينما دعم كوبرولو وفيتك دور التقاليد الاسلامية التركية ( التي فهمها فيتك في إطارها الثقافي وليس الإثني) .

البحث عن البدائل

زكي واليدي توغان ، ركّز غالبا على أهمية التراث الإيلخاني ، وكذلك على الأتراك الشرقيين ، غير الأوغوز ، وهي عناصر أراد من خلالها تذكير الأتراك الغربيين ، ورثة التقاليد العثمانية ، بأبناء عمهم غير الشرق أوسطيين .
كما أن مرابع قبيلة عثمان ، كانت تقع بالقرب من الطريق التجارية البيزنطية _ الإيلخانية ، كل هذه العوامل جعلت من الطبيعي للمحاربين الأتراك أن يسعوا لتوسيع سلطتهم وبناء دولتهم .

بالنسبة لأرنست فيرنر (Ernest Werner) وهو ماركسي لينيني ، القرنين الأولين من التاريخ العثماني مثّلا إطار نظام إقطاعي من خلال إخضاع العناصر ما قبل الإقطاعية والمعادية لها .
وكان ذكيا بتركيزه على الصراعات الاجتماعية ، داخل هذا الكيان النامي ، معتبرا إياه الدينامية التي حرّكت التطورات السياسية .

مقولة فيتك ونقّادها

ما كان فيتك ليتمكن من تشكيل نظريته لو لم يفترض نوعا من الاستمرارية في التغيير اللغوي في تقاليد الغزاة في الأناضول ، وفي إسلام القرون الوسطى بشكل عام ، وصولا إلى العثمانيين الأوائل .
وهو استهل روايته عن صعود العثمانيين بمسح لتقاليد الغزاة في الأناضول بدءًا من الدنشمند في نهاية القرن الحادي عشر والقرن الثاني عشر .
ولهذا السبب أيضا وجد أن تجارب الإمارات الأخرى المعاصرة إلى حد ما للعثمنلي مفيدة في فهم القضية الناجحة والمميزة للعثمانيين .
إن القيادات العسكرية والسياسية لساكني التخوم كانت دائما حكرا للغزاة ، بالنسبة لفيتك .
ومنذ أواخر القرن الحادي عشر ، كانت مناطق التخوم الأناضولية مسيطرا عليها من قبل الغزاة ، الذين كانت أعمالهم المستقلة ، المتفرقة والعامة ، لا تتوافق دائما مع سياسة الإدارة السلجوقية الموجهة الفعلية نحو الاستقرار .
وكانت هناك اشتباكات متعددة بين السلطات السلجوقية وأولئك الغزاة ، الذين كان الدنشمند من أبرز ممثليهم في القرن الثاني عشر .
وفي أوائل القرن الثالث عشر ، حصل تقارب بين الغزاة والسلاجقة ، إلا أن غزوات المغول وضعت نهاية لهذا كله .
بالنسبة لفيتك ، ساهم الأتراك البدو في الغزوات ، والغارات ، وقيام الإمارات ، إلا أنهم كانوا على درجة أقل من الغزاة "هؤلاء المقاتلون على الحدود ، الذين ولأجيال هاجموا وسيطروا على التخوم ... قادة الغزاة هؤلاء أصبحوا أمراء الإمارات" .
ولذلك يعزو فيتك تكوين هذا النظام لحملات القرصنة الناجحة للغزاة ، الذين انضم إليهم "العمال البحريون ساكنو المناطق الساحلية" و "عدد كبير من البحارة البيزنطيين" .
دول صغيرة مماثلة وجدت في مناطق أخرى من الأناضول الغربي .
من بينها واحدة أسسها أتباع عثمان ، الذي مثل تشكيلا آخر للغزاة ، "تكيّفوا مع حضارة البلد الذي يهاجمونه" , وهذا "ما جعل من الأسهل على الأكريتاي [محاربو الحدود البيزنطيون] الانضمام إليهم في مجموعات ، وعلى الحصون والمدن الأصغر أن تستسلم طوعيا" .
العثمانيون , كانوا أكثر القادة نجاحا في تحقيق التوسع من بين كل هذه الإمارات , على الرغم من أنهم كانوا الأقل أهمية في البدء .
إلا أنهم وبفضل مركزهم على المشارف القريبة من منطقة الحدود غير المستقرة ، كانوا أقرب المجموعات إلى أضعف النقاط في دفاعات القسطنطينية .
نجاحات العثمانيين الأولى , أمنت بدورها ، مصادر جديدة من المحاربين بمن فيهم المتحولون إلى الإسلام ، وهذا بدوره ساعد في عملية نموّهم .
لقد وضع فيتك فارقا بين الغازي والتوجهات الاسلامية الكلاسيكية وشعار الحرب المقدسة .

رودي بول لندنر (Rudi Paul Lindner) ، شكل له التراث الأنتروبولوجي حول القبائل مصدرا واضحا للإلهام ، الذي قدم أكثر الانتقادات اتقانا ، تنظيم لفرضية الغزو وانتشارها .
وكان الوحيد الذي طور نظريةً بديلة .
نقطته الرئيسية قامت على أساس ما لاحظه من تناقض بين الطبيعة الضمنية للقبيلة والطبيعة الواضحة لإيديولوجية الغزو .
وقد وجد أن القبيلة ، كما حُددت في الأنتروبولوجيا المعاصرة ، تمثل وبشكل أفضل سلوك العثمانيين الأوائل ، ولذا فهي مرشحة بشكل أقوى لأن تكون العامل الأهم وراء قيام الدولة العثمانية .
وهذا ما جعله يأخذ على عاتقه دحض نظرية الغزو لفيتك .
القبائل التي اعتبرت في زمن فيتك "مجموعات عصبية يجمعها رابط الدم ، ومغلقة مبدئيا في وجه الغرباء عن تلك الرابطة" .
القبيلة في الدراسات الأنتروبولوجية المعاصرة هي "كائن سياسي تحدد عضويته بالمصالح المشتركة (وفي أوراسيا العصور الوسطى ، بالخضوع للزعيم)" .
يرى لندنر أنه إذا كانت القبليّة المتداخلة في الواقع هي العامل المسيطر في قيام الدولة العثمانية ، فنظرية الغزو إذا يجب أن ترفض لأن الغزو "كأيديولوجيا مانعة (مقصورة على جماعة معينة) ومعادية" كانت ستمنع البيزنطيين من الانضمام إلى الأتراك لتكوين قبيلة .
و"إذا كان شعار الحرب المقدسة قد لعب دورا هاما في منطقة التخوم ، فهذه البؤرة لن تتضمن إذن وبوضوح بيزنطيين ، لأنهم سيكونون العدو المكروه للمؤمنين" .

يرى لندنر أن حقائق فيتك حول نظرية الغزو تقتصر على نقش بورصة سنة 1337 وتاريخ الأحمدي .
وهو يشعر أن كلاً من هذين المصدرين يمكن أن يفسر كانعكاس لإيديولوجية متأخرة للدولة العثمانية المستقرة بدلا من الروحية الحقيقية للعثمانيين الأوائل .
وهو يقترح تحاشي مثل هذه "الأقوال الأيديولوجية المتأخرة" ، ويبني مناقشته على أفعال العثمانيين الأوائل ، الذين لو كانوا حقا محاربين مدفوعين للعمل بأيديولوجية الغزو ، لما كان بإمكانهم ، كما يرى لندنر :
1_ تجنيد بيزنطيين في صفوفهم .
2_ محاربة قوى إسلامية أخرى .
3_ عدم بذل الضغوط لاضطهاد المسيحيين أو عدم حملهم على تغيير ديانتهم .
4_ إظهار الاعتدال و"الرغبة في التعايش والتكيّف المتبادل" أو
5_ السماح بحرية الهرطقة والمعتقدات ما قبل الاسلامية .
ثم أن كبار المؤرخين البيزنطيين المعاصرين للعثمانيين كان ينبغي أن يلاحظوا هذه الحيوية الدينية كعامل في الزحف العثماني لو كان العثمانيون بمثل هذه الحيوية .

من بين جميع المواقف المتشددة ، كان موقف لندنر هو الأكثر جذرية ، كان على استعداد لأن يتصرف كواحد من أعضاء محاكم التفتيش ، تقريبا ، لحرمان العثمانيين الأوائل من انتمائهم الديني .
وإذا تمعنا في بعض الأمثلة التي يعتبرها من معتقدات ومواقف ما قبل الإسلام عند العثمانيين الأوائل ، نراه يخلص إلى أنهم قد يكونون , مثلا , "مجاهدين في سبيل الشامانية (دين بدائي من أديان شمالي آسيا وأوروبا) وليس في سبيل الإسلام" .

لماذا علينا أن نتوقع أن أعمال الغزاة لا بد أن تكون موجّهة بصرامة دينية ، حماسة ، ورفع شعار "الإسلام الصرف ؟" إن وصف فيتك لبيئة الغزاة وروحيتهم كان مبنيا على ما رأى من حقائق تاريخية وليس على تعريف مسبق للغزو .
وبالتحديد ، لم يكن تعريفه شرعيا وإنما كان تاريخيا ، آخذاً بعين الاعتبار شروحات المؤلفين المسلمين في العصور الوسطى ، الذين سبقوا بكثير ، في كتاباتهم ، المؤرخين العثمانيين ، لنموذج اجتماعي معين أطلق عليه اسم الغزاة ، وارتبط بمناطق الحدود مع العالم الإسلامي .

ومنذ التقارير الأولى في المصادر الاسلامية عن غزاة خراسان في القرنين العاشر والحادي عشر ، رأينا أنفسنا في مواجهة "عناصر لا تهدأ" وهي "تقدم خدماتها حيثما كانت هناك حرب مقدسة تدور وحيثما كانت هناك غنيمة متوقعة" .

غزاة "Gaziyzn" كان الاسم الجامع الذي أعطي لهذه التنظيمات ، ومناطق الحدود كانت ميدانهم الرئيسي ، وذلك لسبب واضح إذ هناك كان بإمكانهم أن يقوموا بغزواتهم ضد دار الحرب .
ظهور الغزاة واحد من المظاهر الاجتماعية التي ما تزال غامضة لمنظمات ذكرية شبه مشتركة في التاريخ الإسلامي في عصوره الوسطى .
وقد ظهروا في منطقة جغرافية واسعة تمتد من خراسان إلى البلقان ، وفي مدة زمنية طويلة تمتد من القرن العاشر إلى القرن السادس عشر على الأقل .

وباختصار نقول إن الغزاة ، وكما عرّفهم منتقدو فرضية الغزو أنفسهم ، ليسوا بكيانات تاريخية ، وإنما هم رجال بسيطون يجاهدون بلا كلل من أجل مثالياتهم السامية .
أوليس من المستغرب أن لا ينظر إلى هؤلاء الرجال كعامل فعلي في أوائل التاريخ العثماني وإنما كابتداع أيديولوجي من المؤرخين العثمانيين المتأخرين ؟

من الغريب أن أحدا ، من بين الذين يقبلون أو يرفضون دور روحية الغزو في بناء الإمبراطورية العثمانية ، لم يحاول التحقق من طبيعة هذه الروحية كظاهرة تاريخية وعلى قاعدة تحليل دقيق للمصادر التي تروي أعمال الغزاة .
بالتأكيد ، كانت نظرية الغزو أكثر مرونة ، مما تصورها منتقدوها .

بعد إبراز هجرات القبائل التركمانية إلى غرب الأناضول والتي أدت إلى "إمكانية ديموغرافية عظيمة وأبرزت إيديولوجية الحرب المقدسة" ، كتب إينالجيك يقول :
الاندفاع من جانب هذا المجتمع الحدودي المتفجر ... تحقق على المراحل التالية :
1_ بدأ بالتحرك الموسمي للمجموعات التركمانية البدوية نحو السهول البيزنطية الساحلية ،
2_ وتكثف بتنظيم مجموعات غازية صغيرة تحت قيادة زعماء الغزاة ، ومعظمهم من أصول قبلية ، من أجل القيام بغزوات للحصول على الغنائم أو للتوظيف كمرتزقة ،
3_ واستمر ببروز قادة ناجحين قادرين على أن يجمعوا تحت قيادتهم زعماء محليين للفتح وإقامة الإمارات ...
4_ ومع تورط هذه الإمارات الغازية ، بأهدافها وبتوجهاتها السياسية والاقتصادية الواضحة ، في الصراع الإقليمي للسيادة على مناطق بحر إيجة والبلقان ، الذي لا يزال يذكر زمر الغزاة ولكنه يسميهم "زمر القراصنة _ الغزاة" ، وبالنسبة لهم ، وبسبب "الارتفاع العام لأسعار العبيد ... فإن استعباد الجيران "المشركين" كان العمل الأكثر ربحا إضافة إلى أنه عمل (ديني) .
وهذه الرواية تحاول أن تحافظ على توازن ، أو بالأصح على ارتباط داخلي ، بين العوامل المادية والأيديولوجية حيت إن "أيديولوجية الحرب المقدسة (الجهاد) ، مثلها مثل نجاح الغزوات الفعلية ، قد عززا الروابط بين [القراصنة_ الغزاة] وأنتجا فئةً اجتماعية متماسكة تتمحور حول الزعيم" .

آذار 2011 / زياد هواش

..







 
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2011, 08:56 PM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: التاريخ يُقرأ من الأحدث ..

الدولة العثمانية في الدراسات الحديثة
من الإمارة إلى الإمبراطورية

تكوّن الدولة العثمانية
جمال كفادار
ترجمة عبد اللطيف الحارس

في مرتفعات بيثينيا حيث اعتادت قبيلة عثمان على التجوال، "جاء اليوم" الذي رأى فيه عثمان أن بإمكانه قيادة شعبه وبناء قوة سياسية تحت زعامته.
وتحديد "اليوم المناسب" لفرض إرادته على قبيلته وتوضيح معالم توجهاتها السياسية، دلّ على مقدرة فائقة في معرفة اللحظة المناسبة والاستفادة منها.
وللحصول على شرعية لنجاحه و"لخروجه" على العادات والتقاليد المتبعة، كان لا بد من تدخّل الهي.

ما إن بدأت قبيلة عثمان الصغيرة بتنفيذ مسعاها السياسي حتى دخلت في منافسة مع خصومها الأتراك – المسلمين والمسيحيين في المنطقة، إلا أنها تمكنت في النهاية من تحقيق سيطرتها.
لم يتوقع أحد في نهاية القرن الثالث عشر أن تكون النتيجة قيام قوة واحدة منتصرة هي البيت العثماني.
كيف تمكنوا من تسخير دينامية التخوم وروحية الغزو، والتراث الثقافي التعددي للمنطقة بشكل ناجح أكثر من خصومهم ؟
ما هي العوامل التي جعلت العثمانيين في النهاية يبزون جميع الدويلات الأخرى وحتى الدولة السلجوقية ؟

مما لاشك فيه أن روحية الغزو (gazi ethos) قد لعب دورا، إلا أن العثمانيين لم يكونوا الشعب الوحيد الذي ادّعى أنه يجاهد في سبيل الله وكذلك الحال بالنسبة للقبيلة أو أي مفهوم أو مبدأ أو أيديولوجية أو عقيدة أو عرق أو قانون بإمكاننا أن نتوقع منطقيا أن يكون ميزة عثمانية.

إن البحث عن "أسباب النجاح العثماني" لا يمكن أن يكون أحادي الجانب لكل الفترة التاريخية موضوع الدراسة، فالالتزام الأيديولوجي بالغزو والذي يكاد يكون القاسم المشترك لكل الفترات، كان يتغير باستمرار وكذلك كانت خصائصه ودرجة كثافته.
فعلى الرغم من الوجود الدائم لمحاربين ملتزمين بعقيدة البطولة والشرف والجهاد في سبيل الإسلام, فان علاقاتهم بالإمارة من جهة، وبالبيت العثماني من جهة أخرى كانت تتغير باستمرار، وكذلك كانت حال القوى الاجتماعية الأخرى كالدراويش.
إن الوضع السياسي والاجتماعي برمته كان في حالة تغير دائم، بينما كانت السلطة تتركز تدريجيا في أيدي إدارة تخدم سلالة معينة.

ركز الباحثون بشكل عام على عدة عوامل ساهمت في قيام الدولة العثمانية:
_ موقع ولاية عثمان, الذي شكل ميزة فريدة، وخصوصا أن العثمانيين عملوا على تسخير هذه الظروف بطرق معينة ساعدتهم على تحقيق قدرهم.
_ سياسة المحافظة على وحدة الإمارة العثمانية وخاصة عند انتقال السلطة تحت زعامة وريث واحد.
وشكلت هذه السياسة فرقا واضحا عن الإمارات الأخرى التي سمحت بالتجزئة، وذلك باعترافها بحقوق الورثة جميعا تبعا للتقاليد المغولية _ التركية.
_ اتباع العثمانيين منطق المركزية.
_ الطريقة التي اتبعها بناة الدولة في تغييرهم الناجح لشبكة تحالفاتهم مع القوى السياسية والاجتماعية الأخرى، وفي مقارنة مع الإمارات المغولية _ التركية والتركية _ الاسلامية في المنطقة نرى بان هؤلاء لم يتمكنوا من حل إشكالات الصراع والوحدة بشكل ناجح كما فعل العثمانيون.

صحيح أن كل الإمارات كانت وارثة للثقافة السياسية لسلاجقة الأناضول، وهذا ما اعتبره كوبرولو في غاية الأهمية في بناء الدولة العثمانية، إلا أن العثمانيين كانوا أكثر خبرة في إعادة تشكيل هذه الثقافة لتتوافق مع حاجاتهم، فكانوا أكثر إبداعا في عمليات الدمج غير المتوقعة للتقاليد المختلفة, التركية والإسلامية والبيزنطية.

استراتيجيات التحالف والصراع
الإمارة الأولى
تعتبر التقاليد التاريخية العثمانية أن القبيلة التي مثلت قاعدة قوة عثمان قدمت إلى آسيا الصغرى في عهد جده وترافق ذلك مع بداية الفتوحات "الجانكيزخانية" في أواسط آسيا.
وعلى الرغم من أن هذه القصة مقبولة تاريخيا، إلا أن تفاصيلها، وما يتعلق منها بهوية الجد اقرب إلى الأسطورة منها إلى الحقيقة.
والأهم من ذلك انه ليس واضحا متى وكيف انتهى العثمانيون في بيثينيا، على نهاية حافة الأناضول التركي _ الإسلامي.
أما كونهم ينتمون إلى بطن القايي من قبيلة الأوغوز فيبدو أنها إعادة اكتشاف مبدعة من قبل ملفقي الأنساب في القرن الخامس عشر.
فهي غير مذكورة لا في التاريخ الأحمدي ولا في تاريخ "يخشي فقيه" الذي يعطي روايته الخاصة والمفصلة بقبيلة القايي فمن الصعب أن نتصور أن "يخشي فقيه" لم يسمع به.
أما يازجي زاده فهو أول مصدر مكتوب يربط العثمانيين بقبيلة القايي وذلك سنة 1430 م، إلا أنه يضيف بان عادات الأوغوز ومن ضمنها افتراضا، "الارتباط الحقيقي" لقبيلة أرطغرل، كانت قد نسيت كليا في أيامه.
أما شكر الله والذي كتب تاريخه لاحقا، فيخبرنا بأنه قام بزيارة إلى بلاط القره قويونلو سنة 1449، ليتعرف على فروع العائلة العثمانية من الأوغوز والقايي.
ويؤكد شكر الله أنه اهتدى لهذه الحقيقة وأعطى دليلا على ذلك قرابة النسب بين العثمانيين والقره قويونلو وتحالف الاثنين ضد الأق قويونلو.
وعلى الرغم من رأي كوبرولو بأن الارتباط بالقايي لم يكن بالشيء المميز ولذا فانه لا يستحق التزوير, فان المكاسب السياسية من وراء هذا الادعاء كانت واضحة.

تنسب بعض التواريخ إلى أرطغرل قيامه ببعض الغزوات وتحقيق بعض الانتصارات العسكرية، يرى آخرون بان هذا الجيل لم يكن ناشطا عسكريا ولا سياسيا، على الأقل بعد قدومهم إلى بيثينيا.
ويروي أبز أنه في زمن أرطغرل وبعد انتقال القبيلة إلى بيثينيا "لم يكن هناك أي قتال أو معارك عسكرية، لقد كانوا ينتقلون فقط بين مراعي الصيف والشتاء".
ويبدو واضحا من كل هذا بأنّ سعي العثمانيين للتنافس السياسي لم يبدأ إلا مع عثمان.
فالأكيد إذا أن القبيلة تمتعت بارتقاء مهم في مستوى نجاحاتها العسكرية وادعاءاتها السياسية المبنية تحت قيادة عثمان، ولذلك كان اسم عثمان وليس أي اسم آخر من أسلافه، هو المعرّف للإمارة، ولا نعلم بأي أسم عرفت قبيلته قبل قدومه.
ولكن كعثمانيين (أتباع عثمان) فان القبيلة والإمارة نعتتا بهذا الاسم لمدة طويلة.

لقد عرف أرطغرل وجيله مفهوم الغزو.
والخصم الأساسي لأرطغرل كان بيت جرميان، واستمرت هذه الخصومة حتى أوائل عهد عثمان.
لقد أُعطي أرطغرل أرضا رعوية حول سغوت, وكانت الأراضي المجاورة التي أصبحت تشكل أرض جرميان ما تزال دار حرب.
ويبدو أن قبيلة أرطغرل قد كرهت قدوم قبيلة جرميان الأكثر قوة، لأنها هددت حرية تحركها.
وقد لعبت قبيلة "جرميان" دور الوصي "الأخ الأكبر" على القبائل الأخرى، على الأقل حتى أوائل القرن الرابع عشر.
وبدأ الصراع بين قبيلة عثمان والبيت الجرمياني بسبب من أن الأخير وقف مع السلاجقة في قمع الثورة التي قامت خلال السنوات 1239 _ 1241 بقيادة الدراويش البابائية، والذين هرب الكثيرون منهم كزعيمهم أده بالي (Ede Bali) إلى بيثينيا وأقاموا علاقات ودية مع العثمانيين.

وإذا كان الغموض لا يزال يحيط بالسنوات الأولى من حكم عثمان، فهذا الغموض يطال أيضا هويته الذاتية.
أقدم المصادر البيزنطية تقرأ اسم عثمان كالتالي:
أتومان أو أتمان واستنتج بعض البحاثة من ذلك أن مؤسس الإمارة العثمانية كان له اسم تركي في البدء، على الأرجح أتمان، ثم تغير لاحقا إلى عثمان.
والغريب أن مصدرا من أقدم المصادر العربية التي ذكرت اسم عثمان، المؤرخ والجغرافي "العمري" سنة 1330، يهجىء الاسم بالطاء أيضا في مكانين ثم يذكره بشكل صحيح لاحقا.
وهناك صدى لهذا "الاسم الآخر" في مصدر تركي متأخر، سيرة حياة "الحاج بكتاش" المكتوبة في القرن الخامس عشر.
ولا نحتاج هنا إلى إعادة إحياء نظرية "غيبون" التي تقول بتحوّل عثمان من الوثنية إلى الإسلام لتفسير تغيّر اسم عثمان وجعل هذا التغير ممكنا تاريخيا.
فالأسماء التركية، كانت وما تزال، تعطى للأطفال الذين يولدون مسلمين.
إلا أنه إذا كان الاسم الفعلي لعثمان هو أتمان ثم تبنى اسما عربيا أكثر هيبة ومقاما لاحقا، فهذا يمكن أن يدلّ على نقطة انعطاف هامة في الهوية الذاتية أو الأيديولوجية السياسية للعثمانيين الأوائل.

البيزنطيون والمغول وحتى السلاجقة كانت لهم بعض السلطة على مجتمع التخوم.
في العقد الأخير من القرن الثالث عشر بالنسبة للجانب الإسلامي _ التركي في غرب الأناضول، كانت هناك طبقات سلطوية متعددة:
1_ خانات المغول وحكامهم.
2_ سلطنة السلاجقة.
3_ سلطنة المماليك.
4_ أمراء سلاجقة لهم وجود مادي عسكري في التخوم ويسعون إلى السلطة.
5_ أمراء الأوك وهم معينون ومعترف بهم من المغول أو السلاجقة.
6_ بكوات أو أمراء القبائل.
7_ وجهاء دينيون وأتباعهم.
8_ المغامرون والطامحون وبعضهم توصل إلى أن يكون أميراً.
انطلاقاً من هذه الأرضية المعقدة والمتغيرة لمناطق التخوم، كان من الصعب الحديث عن "الجانب الاسلامي _ التركي" ككيان ذاتي مغلق، أو "كمجموعة قومية".
حتى الإمبراطور البيزنطي كان له نفوذ مباشر بين المسلمين والمسيحيين خصوصاً وأنه كان هناك أمراء محليون مسيحيون إضافة إلى مجموعات كهنوتية.

وأظهر عثمان براعة سياسية في هذه البيئة حيث التحالفات تتجاوز الخطوط القبلية والاثنية والدينية.
يتحدث أبز عن علاقات عثمان الودية مع قادة المدن والقرى المسيحية، كما أنّ قبيلة عثمان في ترحالها نحو مراعي الصيف، كانت تترك حاجياتها عند قلعة
"بيلجيك" البيزنطية وعند عودتهم كان يهدون مسؤولي الروم، عربون لخدماتهم، "الجبن وزبدة الحليب المحفوظة في جلود الحيوانات والسجاد الجيد".
وعند سيطرة عثمان على أول مركز ديني، أقام (سوق المدينة) وكان يقصده المشركون من المناطق المجاورة كما المسلمون من الإمارات العثمانية والجرمانية.
أنّ مفهوم الغزو يرتبط بمبدأ الشرف، والصداقات القديمة والخدمات والوعود والارتباطات كان لها وزن معين وتأثير على روحية الغزو.
احترم الأتراك الكسيوس فيلنتروبينوس إلى درجة أنهم كانوا مستعدين للتخلي عن حصار فيلادلفيا سنة 1323، "متذكرين لطافته وبسالته".
إنّ أفضل محاربي التخوم هم أولئك الذين يستطيعون المحافظة على قضيتهم بشجاعة وإصرار، ويظهرون تعاطفاً وشهامة نحو العدو.
صلاح الدين الأيوبي هو مثال محاربي القرون الوسطى الذين جمعوا وبأناقة بين هاتين الخاصتين متناقضتين ظاهرياً.

علاقة عثمان مع خصومه
المسيحيين والمسلمين
تأتي علاقات عثمان مع ميهال (Mihal) أحد جيرانه، ورئيس قرية هرمنكايا لتقف دليلاً على تعاون عثمان مع جيرانه البيزنطيين. وعلى الرغم من ميهال قد تحول لاحقاً إلى الإسلام، إلا أنّ بعض الغزاة قد كرهوا وجود مشرك بينهم يساهم في عمليات الغزو ويتمتع بفوائدها.
وقد أوضح البعض أنّ علاقة عثمان مع ميهال توضح "الطريقة العثمانية في الفتح"، وذلك بانتقال ميهال من مشارك إلى خاضع إلى مندمج في بناء هرمي جديد.

المصاهرة والإستراتيجية السياسية
ولقد تصرف عثمان ببعد نظر وإستراتيجية طويلة المدى. وربما اتبع في ذلك غريزته ومتطلبات خطته.
فإحدى زيجاته كانت لابنة شيخ هو رأس مجموعة مزدهرة من الدراويش والرعاة في التخوم. علاقة المصاهرة بين العثمانيين والشيخ القائد لهذه الجماعة "أده بالي" تفسر علاقات العداء التي قامت بين العثمانيين وبين بيت جرميان. فهذا الأخير قد كوفئ من قبل السلاجقة بسبب خدماته لهم في إخضاع ثورة البابائية.
أما بالنسبة للإستراتيجية العسكرية للعثمانيين الأوائل، فإننا لا نعرف عنها شيئا أكيداً. حتى معركة بافوس (Bapheus) وهي أول حدث مؤرخ في تاريخ عثمان، حيث انتصر في مواجهته مع قوى بيزنطية سنة 1301 أو1302 .
بعض هؤلاء المتطوعين في بافوس، كوفئوا بكرم ربما بقوا وأصبحوا عثمنليين، بينما الآخرون وبسبب عدم تحقق توقعاتهم، ربما تركوا وانضموا إلى قائد آخر.
وحتى عام 1330 فإنّ قوات الإمارات تكونت وبدرجة كبيرة من "محاربين متأرجحين"، كانوا مستعدين لنداء الغزو من قبل زعماء مختلفين.

أهمية موقع الإمارة العثمانية
لقد كان لمركز قاعدة سلطة عثمان أثر كبير في تحقيق نجاحاته. إلا أنّ الميزة الأولى والأساسية كانت موقع القوات الموالية لعثمان الكائن في نهاية طرف التخوم. إن نجاح هذه المؤسسة الصغيرة التي يرأسها عثمان وأبناؤه في سلسلة من الغزوات والفتوحات لمدن صغيرة في بيثينيا، قد دفعت بالعديدين، ليس فقط من المحاربين، وإنما من الدراويش والعلماء، للانضواء تحت قيادتهم.
ويذكر يخشي فقيه أنّ انتشار أي خبر عن إنجاز عثماني آخر، كان يدفع شعوباً جديدة ً نحو السلطنة العثمانية. وإن "عدالة وكرم" العثمانيين الأوائل، يذكر أبز دفعت بالمزارعين الهاربين من المناطق المفتوحة للعودة مجدداً إلى مزارعهم.
لقد أدرك العثمانيون أنّ الوضع الجيد لرعاياهم هو "عامل في إطالة عمر الدولة واستمرار النظام في الإمبراطورية".
إنّ انحطاط المصالح المباشرة للدولة البيزنطية في هذه المنطقة قد سهّل ولا شك عملية التوسع العثماني. فنقص الدفاعات البيزنطية ساعد العثمانيين على التقدم دون لفت انتباه القوى الكبرى. لقد عمل البيزنطيون من 1290 إلى 1294 على تحصين حدود بيثينيا على طول النهر الفاصل. العثمانيون الذين كانوا يقيمون جنوباً ، تحركوا على طول النهر من الجنوب، مما جعل القلاع البيزنطية عديمة الفائدة. التحرك العثماني الأول كان على طول النهر ثمّ امتد غرباً نحو بيثينيا وهذا ماحصل في السنوات الأولى بعد معركة بافوس، ولم يدرك العثمانيون أنّ توسعهم هذا كان حاسماً إلا في مرحلة متأخرة.
واستناداً إلى المعلومات المأخوذة من العمري، ومن حقائق سنة 1320، فإنّ هناك إمارات أخرى (آيدن ومنتشى) كان بإمكانها جمع قوات أكثر مما كان بإمكان البيت العثماني أن يجمع. وفي التصوير الجغرافي العربي العمري لإمارات غرب الأناضول، نراه يبرز العثمانيين وحدهم كقوة متصارعة عسكرياً مع البيزنطيين. وعندما مرّ ابن بطوطة على إمارات المنطقة سنة 1330، وصف أورخان على أنّه "أعظم أمراء التركمان سعة أرض، وضخامة جيش وثروة" .

الخلافة
وفي منصف 1320 م كان للعثمانيين نظام إداري _ عسكري معقد لإصدار نقود باسمهم، ولإعطاء مناصب للعبيد، ولإقامة الأوقاف ولإصدار الوثائق المكتوبة (بالفارسية) ولامتلاك مدينة مهمة كبورصة. إلا أن أهم انجاز لهم في هذه السنوات، كان وبحق في تخطي الإمارة العثمانية لاستحقاق موت عثمان دون أية خسارة لوحدة الإمارة.
لم يتحدى أورخان أحد من أخوته في خلافته، كما أنّ إمارة عثمان لم تقسم. يرى أبز في أنّ عثمان نفسه، وكان لا يزال حياً، أعطى العرش إلى أورخان، حتى يتم قبول هذا الرجل الشاب في حياة أبيه. مما يعني أنّ عثمان كان ينوي عدم ترك أي مجال لتحدي خلافة ابنه على الأراضي والقبيلة العثمنلية. ومعلومات أبز هذه جاءت مباشرة من يخشي فقيه، ابن الزعيم أورخان، والذي من المفترض أن يكون عارفاً بتفاصيل هذه المسألة.
ففي كل جيل، كانت هذه المعارضة لتقسيم المملكة تبرز نفسها، وأخيراً مع محمد الثاني (1451_ 81) الذي شرّع قتل الأخوة كتتويج لمنطق المركزية، هادفاً القضاء نهائياً على عناصر التقسيم.

تحديات للسلطة العثمانية
استراتيجيات سيادة المركزية
لم تكن الخلافة هي الإستراتيجية الوحيدة التي اتبعها العثمانيون للحفاظ على سلطتهم المركزية وعلى حدود ممتلكاتهم، إذ كان عليهم مواجهة مراكز النفوذ الأخرى التي كانت تنشأ في ممتلكاتهم خلال الظروف التاريخية التي مروا بها.
ولا نعرف الكثير عن إمارة كارازي (Karasi) سو أمر واحد مؤكد، وكانت له أهميته الخاصة بالنسبة للتاريخ العثماني. لقد كان لكارازي مجموعة من المحاربين الأكفاء الذين علموا العثمانيين أشياء كثيرة من ناحية العبور نحو ثراس، والتي مثلت أرضا لها الأولوية في عمليات الغزو. وعندما قضى أورخان على التي الكارازي وضم ممتلكاتهم، تحول هؤلاء المحاربون إلى خدمته وقدموا له خبرة عسكرية هامة في نقل نشاطات الغزو إلى الضفة الأخرى من الدردنيل، والتي أصبحت بالأساس ممكنة بسبب دعوة كونتاكوزينوس الذي احتاج للمحاربين الأتراك لاستخدامهم ضد خصومه.
بعد خسارة العثمانيين لغليبولو (Gelibolu) الرابط الأساسي بين الضفتين (الأناضول وثراس) تمتع الغزاة في ثراس باستقلالية عن العثمانيين حتى ولو كانوا بالأساس تحت الحماية العثمانية. وهذا جزء من قواعد اللعبة العسكرية السائدة.
وأشهر القادة المحاربين الراغبين بالاستقلال كان حاجي الباجي، وهو من محاربي الكارازي السابقين. وربما كان هو الفاتح الذي عرف باسم سيد علي سلطان. ويبدو أن الشخصية المركزية في الطريقة الكباشية قد قامت على محارب له الفضل في نقل نشاطات الغزو إلى ثراس. ومن الواضح في المصادر العثمانية أن حاجي الباجي كان له الفضل في الانتصار الساحق على القوات الصربية سنة 1371. وقد ذكرت هذه المصادر أيضا أن حاجي الباجي قد قُتل من قبل قائد موالٍ لمراد الأول ابن أورخان.
وهذا ما يثبت أن التوجهات الانفصالية قد بلغت أوجها في السبعينيات من القرن الرابع عشر، ما دفع العثمانيين إلى تطوير جهاز حكمهم المعقد.
فبعد ملاحظاتهم لضعف الروابط بين المحاربين من جهة وبينهم وبين البيت العثماني من جهة أخرى أصبح الأمير العثماني سلطانا وابتدعت الدولة الناشئة جيشا جديدا هو الانكشارية والمؤلف من شباب كانوا عبيدا حتى يكون ولاؤهم الوحيد للسلطان.
أن التعقيدات المؤسساتية لإمارة عثمان ظهرت مبكرا، وقبل وصول عائلة الجاندرلي التي سيكون لها دور هام في تعزيز السلطة المركزية العثمانية. فبدءا من الجاندرلي قره خليل سيطرت ثلاثة أجيال من هذه العائلة على الوظائف العليا في الإدارة ولعبت دورا هاما في بناء بُنى معقدة للحكم دعمت التوجهات المركزية للدولة العثمانية على الرغم من استياء الغزاة ومؤيديهم لهذه التوجهات. والمصادر التي تذكر هذا الامتعاض تربط "بداية" كل الشرور والاضطرابات مع قدوم عائلة الجاندرلي وبايزيد الأول.
فنظام مثل نظام (الدفشرمة)، حيث كان يتم جمع الصبيان من عائلات الفلاحين غير المسلمين، "فيحولون إلى عثمانيين" ثم يرفعون إلى أعلى مراتب الحكم، لا يمكن رؤيته إلى من خلال دولة ولدت في ظروف التخوم، واستخدمت خصائصه في المرونة والحركة في أناضول العصور الوسطى.
أما القوى الاجتماعية التي تضررت من هذه السياسة المركزية فكان على رأسها قادة الحركات الدينية الصوفية، ولكن في النهاية فضّل العثمانيون الحركات الصوفية المدنية والأكثر علما وحداثة، خصوصا بعد تحول بعض حلفائهم القدامى من الدراويش إلى أعداء.
وقد تمكن الصفويون من كسب أنصار لهم ليس فقط من بين القبائل وإنما أيضا من بين مجموعات الدراويش التي كانت مرتبطة بالعثمانيين والذين أصبحوا مستعدين لتبني المذهب الشيعي. أما جماعات الآخيين القريبة من مفهوم النقابات والمؤسسات شبه الصوفية والمكونة من رجال من المناطق المدنية، فقد خسرت استقلاليتها التي تمتعت بها في السابق وتحولت إلى نقابات مسيطر عليها من قبل الحكومة.
مجموعة أخرى، هي محاربو التخوم وعلى رأسهم أمراء الأوك عانت من القوة المركزية في الإمارة العثمانية النامية، ومن التبني العثماني في النهاية للمفهوم الإمبراطوري في الإدارة والحياة الثقافية.
التوتر النظامي والعميق نشأ بين الغزاة الذين اعتادوا أن يروا أنفسهم شركاء للبيت العثماني. واستياؤهم يعود على الأقل إلى الربع الأخير من القرن الرابع عشر. عندما لم يقم العثمانيون فقط بضم الأراضي التي فتحها الغزاة أنفسهم وبشكل مستقل في مناطق ثراس، وإنما فرضوا أيضا ضريبة على غنيمتهم الأساسية: العبيد.
الشيخ بدر الدين، القائد "المبتدع" لأعظم حركة ثورية (على الرغم من فشلها) في التاريخ العثماني (1419)، كان ابن غاز. وتؤكد التقارير أن والده كان مرافقا للحاجي الباجي.
المعارضة للقوة المركزية العثمانية التحمت مع توجهات عرفتها الدولة العثمانية بأنها "بدعية"، كما أنها انتشرت ضمن أوساط محاربي التخوم والدراويش والبدو. صحيح انه لم يتحول كل الغزاة والدراويش إلى متمردين أو هراطقة، كما لم تؤيد كل القبائل القضية الصفوية، لكن هذه القضية عرضت نفسها كخيار ثقافي وديني وسياسي منذ النصف الثاني من القرن الخامس عشر. ولا يمكننا بالطبع أن نتوقع لهذه الفئات الاجتماعية المختلفة أن تتصرف كمجموعة واحدة.
المهم أن الغزاة كمجموعة اجتماعية مميزة لها طرق حياتها الخاصة، وتحالفاتها وصراعاتها كما يمكن ملاحظة مواقفها بسرعة.
لماذا وقف بعض الغزاة مع الدولة العثمانية ؟
لأن دولة مركزية يمكن أن تؤمن لهم الأمان نسبيا. كما من الممكن أيضا أن تجعل الغزوات اللاحقة أكثر ربحا. ولذا فمن الطبيعي أن يكون قبول مستوى معين من الخضوع خيارا مقبولا بالنسبة لبعض المحاربين.
وفي نهاية القرن الخامس عشر، كان ورثة تقاليد الغزو الأولى قد ابتعدوا عن الاتجاه العثماني السائد. وهكذا فان أبز والمؤرخين الآخرين تبنوا الاتجاه الأصلي لاستمرار تقاليد الغزو الأساسية، بينما أعطى بيروقراطيو البلاط مفهومهم "الغريب" للغزو، ففشلوا في ذلك في كسر ورثة التقاليد الأولى. ويجب التنبيه هنا إلى أن الصفويين كسبوا ولاء القبائل والدراويش ليس فقط بالدعاية الدينية، وإنما أيضا بتبنيهم مفهوم "الغزو الحقيقي".
أما في البلقان فبعد إخماد ثورة بدر الدين، انحصر الوجود التركي _ الاسلامي بالوجود العثماني. واستمر العثمانيون في توسعاتهم، وكان لسياسة إقامة المستعمرات والاستقرار التي اتبعها العثمانيون بعد انتصاراتهم العسكرية اثر مميز في عملية التوسع. وقد ساعدت طبيعة السلطة السياسية المجزأة في البلقان ومشكلة وجود كنيستين على هذا التوسع أيضا. وقد ركز الكثير من المؤرخين على خفض العثمانيين للأعباء المالية المفروضة على فلاحي البلقان الذين عانوا ولوقت طويل من جشع سادتهم. والأهم من ذلك كانت الطبيعة المنتظمة والمستقرة للإدارة العثمانية التي جاءت بعد فترة ضياع وفوضى، إضافة إلى تأثير الانتصارات "الساحقة" {سيب سنديغي (Sip Sindigi) 1371، كوسوفو 1389، فارنا 1444، وكوسوفو الثانية 1448} التي كرست نهائيا وجود الإدارة العثمانية في البلقان.


.
.

آذار 2011 / زياد هواش

..







 
رد مع اقتباس
قديم 10-03-2011, 09:00 PM   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: التاريخ يُقرأ من الأحدث ..

.
.

ركز إينالجك في دراسته للأطراف السياسية العثمانية في سنوات 1430 و 1440 على مجموعة من الأمراء الأوك الذين شكلوا في ذلك الوقت الأعضاء القياديين لـ "حزب الحرب" الذي وقف معارضا لعائلة الجاندرلي الذين كانوا من الداعين للتعاون مع حكومة الإمبراطورية البيزنطية. وستكون هذه هي المرة الأخيرة التي يلعب فيها وجهاء محاربي التخوم دورا استراتيجيا هاما كان له أثره في التوجه العام للسياسة العثمانية. وعلى الرغم من أن اعتقال مراد الثاني والتتويج الأول لمحمد الثاني سنة 1444 ، اظهر وكأن أمراء الأوك لهم اليد الطولى في السياسة العثمانية، إلا أن انقلابا مضادا سيقوم بين جيش العبيد (بتشجيع من عائلة الجاندرلي) بعد اقل من سنتين. رغم عودة محمد الثاني سنة 1451 وأتباعه لسياسة أكثر عنفا نحو البيزنطيين وفتح اسطنبول، فان تحقق حلم الغزاة لم يؤدِ إلى تعزيز دور أمراء التخوم في النظام السياسي العثماني بسبب نضج التوجهات المركزية للدولة العثماني في ذلك الوقت. وعلى الرغم من إعدام جاندرلي خليل من قبل الفاتح بعد الفتح مباشرةً، فان بعض زعماء "حزب الحرب" من أمراء الأوك قد قتلوا أيضا بعد فترة لم تكن ببعيدة.
وعلى الرغم من أن القرن الذي تلا فتح القسطنطينية ظهر وكأنه عهد مجد الغزاة في البلقان كما نقرأ في (غازيات نامه) التي سجلت أعمال الغزاة، إلا انه كان مجدا عابرا وتمتع الغزاة به على حساب خضوعهم المتزايد للدولة المركزية. وفي سنة 1457 عندما أمر محمد الثاني بالهجوم الأخير واحتلال قلعة بلغراد، احتج محاربو الحدود في البلقان قائلين كما يروي أبز، "إذا فُتحت بلغراد، فما علينا سوى فلاحة الأرض".
ويتبين من "سلجوق نامه" التي أُلفت سنة 1474، أن الغزاة كانوا يشعرون بأنهم لم يعطوا مردودا عادلا في مقابل خدماتهم. ونقول مجددا أن فتح القسطنطينية وجعلها عاصمة شكل الحسم النهائي في هذه المسالة، لأن هذا الفتح كان يمثل قمة الرؤية السياسية التي همشت الغزاة. ولكن وقبل الفتح بكثير، كما تقول الروايات التي كتبت بعد أن خسرت أدرنة دورها كعاصمة، زار سلجوق هذه المنطقة وحذر الحكام المسلمين من المستقبل قائلا: "أي شخص يرغب في فتح ارض الروم، يجب أن يكون مركزه في أدرنة. وأي شخص يرغب في تدمير المشركين والأعداء، يجب أن يبقى في أدرنة لأنها قلب الغزاة ..".
وسيكون من الخطأ الحديث عن محاربي التخوم كقوة سياسية بعد القرن السادس عشر.
وتحويل العاصمة بعيدا عن اسطنبول، استمرت في حمل معانيها الرمزية في التاريخ العثماني السياسي حتى الأيام الأخيرة للإمبراطورية.
وأخيرا فان اختيار أنقرة كعاصمة للجمهورية التركية لا يحتاج إلى أي تفسير كرمز للانقطاع النهائي عن النظام السياسي العثماني.
ومهما كانت عظمة الدور الذي لعبه الغزاة في ظهور الدولة العثمانية، فإنهم لا يمثلون أكثرمن جزء معين من مجتمع التخوم في أناضول العصور الوسطى، مع عاداتهم الخاصة ومصالحهم وتحالفاتهم، ضمن ائتلاف حظي بنجاح أكبر أدى في النهاية إلى ابتلاع بعض أعضائه. لقد مثل الغزاة فئة اجتماعية صلبة، تُركت في النهاية خارج الطبقة الحاكمة بسبب ظهور الإمارة المركزية بقيادة البيت العثماني، الذي كان يوماً مثلهم واحداً من أمراء الغزاة.
لقد أصبحت عمليات الغزو تخضع لقرارات الباب العالي. فالغزوة لم تعد مسألة على مستوى المحلة أو المنطقة إنما ارتقت إلى مصاف المسائل العالمية في عالم السياسة الحقيقية. ولذا فعندما وقّع سليمان القانوني معاهدة سلام مع آل هابسبورغ وكان في نيته الحفاظ عليها أمر قائد الغزاة ميهال أوغلو بالامتناع عن القيام بأية غزوة في أراضيهم.

آذار 2011 / زياد هواش

..







 
رد مع اقتباس
قديم 18-05-2011, 07:39 PM   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: التاريخ يُقرأ من الأحدث ..

الدولة والرعايا
خليل إينالجك
ترجمة عبد اللطيف الحارس

برزت الدولة العثمانية إلى الوجود حوالي سنة 1300 كإمارة تخوم صغيرة، كرّست نفسها للغزو (الجهاد) على حدود سلطنة السلاجقة، في آسيا الصغرى، مع الإمبراطورية البيزنطية.

إن عبور العثمانيين للدردنيل واستيطانهم أراضي أوروبية كان ذا أهمية حاسمة في تحوّل الدولة العثمانية من إمارة تخوم صغيرة وغير هامة، إلى إمبراطورية تضم البلقان وآسيا الصغرى. ويعود الفضل إلى سليمان باشا ابن ثاني السلاطين العثمانيين أورخان (1324 _ 62)، في إقامة أول مستوطنة عثمانية في أوروبا.

لقد رسّخ سليمان أولا وجوده على شبه جزيرة غاليبولي سنة 1352 كحليف لجان كانتوكوزانوس المدّعي للتاج البيزنطي. ثم تمكن بعد سنتين من احتلال مدينة غاليبولي المحصنة وجعل منها قاعدة قوية ومنطلقا لفتوحاته في ثراث (Thrace).
واجتذبت إليها وبسرعة مهاجرين أتراكا من الأناضول، فلاحين لا يملكون أراضي، وبدوا، وكل أنواع الشعوب التي لا جذور لها، والباحثة عن حياة جديدة على ضفة المضيق الثانية. وهكذا ظهر إلى الوجود ما يسمى بالباشا سنجق (Sancak)، الذي تضمّن شبه جزيرة البلقان بكاملها.

وخلال الفترة الواقعة بين 1362 و 89، كان مراد الأول قد أخضع الجزء الأعظم من البلقان شمالي الدانوب وجعل من معظم السلالات المحلية أتباعا للعثمانيين، خالقا بذلك إمبراطورية تتألف من دول تابعة. وفي سنة 1389، وفي معركة كوزوفو _ بولجي (Kossovo-Polje)، فشلت محاولات السلالات البلقانية الحاكمة، الموحّدة القوى، في القضاء على السيطرة العثمانية.

بسقوط والده في ساحة المعركة، استلم السلطان بايزيد الأول (1389 _ 1402) السلطة وبحماس عزّز مواقعه في الأناضول. وفي سنة 1393، عاد إلى البلقان لتأسيس سيطرة مركزية على الإمارات السلافية متوسّعا باتجاه الشمال.
ونتج عن تنافس بايزيد مع هنغاريا في مناطق الدانوب الأدنى، ومع فيينا في الموره، وألبانيا، ومناطق بحر إيجة، ظهور تحالف هنغاري _ فييني ضد العثمانيين. وعندما بدأ بايزيد حصاره للقسطنطينية، نجحت كل من هنغاريا وفيينا في تحريك حملة صليبية لوقفه. إلا أن بايزيد فاجأ الصليبيين في نيقوبوليس سنة 1396 وانتصر عليهم، معززاً بذلك وبشكلٍ راسخ الوجود العثماني في البلقان ومكتسبا في الآن ذاته مكانة هامة لنفسه في جميع أرجاء العالم الإسلامي.
وهو الأمر الذي جعل كلاً من مصر والشام تتحرران من تهديد أي هجوم صليبي. وبالإضافة إلى ذلك، لم يتردد السلطان العثماني في القضاء على السلالات التركية في الأناضول، في محاولة لضم كل الأراضي الواقعة غرب الفرات في آسيا الصغرى إلى مملكته.
ومع كفاحه لتوسيع مملكته وبناء دولة مركزية قوية على شاكلة الدول الاسلامية الكلاسيكية، أصبح بايزيد وبشكل لا يمكن تجنبه، متورطا مع الطبقة العسكرية الأصلية في الأناضول، والتي باتت تتطلع الآن شرقا نحو تيمور للحماية والإنقاذ.

أما تيمور، الذي كان قد ادّعى أنه وريث الإمبراطورية المغولية في إيران، فقد بات يدّعي الآن السيادة على كل بلاد الأناضول بما في ذلك الممتلكات العثمانية.
وعندما تحدى بايزيد تيمور، تعرض لخسارة ساحقة في معركة أنقرة سنة 1402، وانهارت إمبراطوريته. ونتيجة لذلك، أعادت السلالات الحاكمة في الأناضول تأسيس ذاتها، واستعادت الدول التابعة في البلقان (بيزنطة، وولاشيا، وصربيا، وألبانيا) حريتها من جديد من العثمانيين.

الصراع الداخلي بين الأمراء العثمانيين المتنازعين بين سنتي 1403 و1413 أضعف وبشكل كبير إمكانية عودة السلطة العثمانية بُعيد موت تيمور سنة 1405.
ولكن الاستقرار ما لبث أن عاد وبسرعة خلال عهدي محمد الأول (1413 _ 21) ومراد الثاني (1421 _ 51)، لأنهما استطاعا البناء على المؤسسات الصلبة السابقة للدولة العثمانية.
كل القوى السابقة من جيش الانكشارية، ومالكي التيمار السُباهيين، العلماء والبيروقراطيين.. كانت لها مصلحة مشتركة في إعادة إحياء الدولة المركزية.
وواجهت الدولة منعطفا خطرا عندما تمكن العثمانيون من رد هجمات صليبية هنغارية في البلقان في معارك زلاتيكا سنة 1443، وفارنا سنة 1444، وكوسوفو سنة 1448.
لقد أظهرت القوات العثمانية مجددا قدرتها على افتتاح أراضٍ جديدة، مع تصميم واضح، هذه المرة، على فتح العاصمة البيزنطية نفسها.
ومما تجدر ملاحظته بعد العاصفة التيمورية التي أودت بالإمبراطورية العثمانية الأولى تحت قيادة بيازيد الأول، أن مركز جاذبية الدولة قد تحول نحو البلقان.
ومن البلقان أعاد العثمانيون سيطرتهم على غرب وشمال الأناضول قبل وصول محمد الثاني فاتح استانبول (1451 _ 81)، إلى السلطة.

قوات التخوم وعلى رأسها بيكوات التخوم (Uc begis)، كانت الأكثر فعالية في الجيش العثماني. لقد لعب أمراء التخوم هؤلاء دورا هاما في الشؤون الداخلية والخارجية للإمبراطورية خلال الفترة ما بين 1360 و 1453.
هذه القوات كانت منظمة تبعا لقيادات عائلية وراثية، أمير تخوم (أوج _ بيك) على الجناح اليمن باتجاه الدانوب الأدنى وولاشيا، وأمير تخوم آخر على الجناح الأيسر باتجاه مقدونيا، وأمير تخوم ثالث في المركز باتجاه صوفيا وبلغراد. ومع استمرار الفتوحات فان خطوط التخوم في هذه المقاطعات تقدمت إلى الأمام، من ناحية البلقان إلى الدانوب، ومن ثراث إلى مقدونيا ثم إلى ألبانيا والبوسنة، ومن فيليوبوبوليس (Philiopopolis) إلى صوفيا ونيش.

خلا فترة الانقطاع بعد خسارة سنة 1402، كانت السلطة الفعلية للدولة قد انتقلت إلى أيادي أمراء التخوم. إلا أن السياسة المركزية ما لبثت أن تزايدت أهميتها مع مراد الثاني (1421 _ 51)، الذي عمد إلى تعيين قواد تخوم من بين رجاله الخاصين العاملين بالقصر, إلى أن تمت لها السيادة تحت قيادة محمد الثاني (1451 _ 81). ولكن قبل انتهاء هذه العملية، كانت المنافسة قد نمت وبشكل خطير بين قوات التخوم تحت قيادة الأوج _ بيك الوراثية، والفرسان مالكي "التيمارات" في الأراضي الداخلية. وفي الحقيقة، هذه المنافسة تساعد على تفسير العديد من الاضطرابات والثورات خلال هذه الفترة، بما فيها ثورة الشيخ بدر الدين سنة 1416 والتي حتى الآن لم تفسر من خلال هذه الخلفية. المتنازعون على النفوذ من حول التاج العثماني لجأوا أيضا إلى أحزمة التخوم، التي كانت دائما مراكز نزاع ضد الحكومة المركزية.

ورغم ذلك، كان دور أمراء التخوم حاسما في دفع الحدود العثمانية إلى الأمام، خلال هذه الفترة ذاتها. فتحت الضغط، وإنقاذا لأنفسهم من الغارات المستمرة لرجال التخوم، ارتضى العديدون من أمراء وقياديي البلقان الانضواء طوعيا تحت ظل الراية العثمانية، لأنهم وبمجرد أن تصبح هذه المناطق دافعة للجزية، يصبح سكانها غير المسلمين أهل الذمة ورعايا محميين من الدولة الاسلامية كما ينص على ذلك الشرع الإسلامي.
أما التحول من حالة دافعي الجزية إلى الضم الكامل والدمج داخل النظام العثماني، أي تحويل هذه المناطق وتسجيلها كسناجق، فقد تراوح توقيته تبعا للظروف الخاصة لكل مقاطعة.

سياسة الامتصاص التدريجي للأراضي المحتلة هذه استمرت كقاعدة حتى القرن السادس عشر. وضم هنغاريا لم يكن إلا حالة خاصة، لأنه عندما أصبح وجود هنغاريا المستقل غير ممكن في مواجهة خطر آل هابسبورغ عندها فقط تحول حوض الدانوب إلى مقاطعة عثمانية تحت قيادة أمير الأمراء (Belglerbegi).

ظروف التوسع العثماني في أوروبا
وكحماة للكنيسة الأرثوذكسية، أعطوا مكانة متميزة للإكليروس في تنظيمات دولتهم، برز العثمانيون كقوة في البلقان منذ الفتوحات الأولى، على الرغم من المساعي المناهضة لكل من هنغاريا والبندقية. وبإمكاننا في الواقع ملاحظة العديد من الأمثلة على تعاون الكهنة الأرثوذكس المحليين مع الدولة العثمانية.
أما الأرستقراطيون ورجال البلاط المحليون في دول البلقان فقد اتبعوا سياسة مؤيدة لغرب بشكل عام. وكمقابل لمساعدات الغرب العسكرية، فان هذه العناصر النافذة وعدت بالاعتراف بسيادة المذهب الكاثوليكي الروماني، وهذا ما أدى إلى ابتعاد هذه الشعوب عن زعمائها الإقطاعيين. لقد كان هناك دائما حزب مؤيد للعثمانيين ضمن النخبة الحاكمة.

إلا أن الظروف الاجتماعية التي كانت سائدة في بلقان القرن الرابع عشر، هي التي جعلت التوسع العثماني ممكنا، فمع انحطاط السلطة البيزنطية المركزية، كما ترى الأبحاث المعاصرة، تمكن مالكو الأراضي الكنسية والعسكرية الواسعة في المقاطعات، من زيادة نفوذهم، واستطاعوا تجنب دفع الضرائب على حساب القسطنطينية أو الأنظمة المحلية المختلفة الأخرى، ثم أصبحوا مستقلين في مناطقهم الخاصة. ولدعم دويلاتهم الإقطاعية الصغيرة، فإنهم احكموا سيطرتهم على الأرض والمزارعين وفرضوا عليهم ضرائب باهظة بأعباء مرهقة.

وبالعكس من هذا التوجه نحو الإقطاعية في البلقان، أقام العثمانيون نظاما مركزيا قويا، يماثل أنظمة بعض الدول الأوروبية الغربية في القرن الخامس عشر. وخلال هذه العملية المركزية، أعاد العثمانيون لملكية الدولة أو سيطرتها، كامل الأراضي التي كانت في أيدي الزعماء أو العائلات, أو الأديرة المحلية. صحيح إنهم ابقوا جزءً من هذه الأراضي بيد مالكيها السابقين, إلا أن هؤلاء الزعماء المحليين أصبحوا الآن مالكي "تيمار" عثمانيين وتحت السيطرة الصارمة للدولة. وللتأكيد, فان السلاطين العثمانيين قاموا بهذا التغيير لسبب هام، هو أنهم اوجدوا مجموعة عسكرية مركزية قوية, فيالق الانكشارية، أول جيش متفرغ في أوروبا. وتحت القيادة المباشرة للسلطان، ازداد عدد هذه الفيالق من (1000) سنة 1360 إلى (5000) تحت قيادة بايزيد الأول (1389 _ 1402).
والذي تحققت في عهده المركزية الإدارية بشكلها الكامل لأول مرة, وتميزت سياسته بخاصية الاعتماد على العبيد وخدّام البلاط الذين دُرّبوا ليكونوا موالين، وأداة فعالة للإدارة الإمبراطورية.

الضرائب والرعايا
في ظل النظام العثماني كان الشعب يتكون من مجموعتين أساسيتين:
العسكر، الطبقة الإدارية والعسكرية، التي كان أفرادها يقومون بوظائف عامة كمثلين للسلطان وكانت لذلك معفاة رسميا من كل الضرائب.
والمجموعة الثانية، الرعايا، التجار, العمال والفلاحون، عمليا مجموعة الناس التي كانت تقوم بأعمال منتجة وتدفع لذلك الضرائب. لقد فرض النظام العثماني ضرائب على الرعايا، ولكن بنسبة اخف وبساطة أكثر من ضرائب النظام البيزنطي _ البلقاني السابق. وقد أعفت الدولة أيضا من الضرائب الاستثنائية _ الافاريز (Avariz), (في حالات الحرب)، مجموعة معينة من الرعايا، كانوا يقدمون بعض الخدمات الخاصة، مثل حراسة الممرات الجبلية والغابات، أو يساهمون في بعض الموارد الخاصة للبلاط أو للجيش. هذه المجموعات، التي كانت تعرف باسم (معفى ومسلم) كتعبير عن وضعهم الإعفائي، كانت تشكل طبقة وسطى بين العسكر والرعايا.

كل هذه المجموعات _ العسكر، الرعايا، والمتمتعين بالإعفاءات، كانت تسجل في سجلات خاصة على أساس مسح تقوم به الدولة في فترات منتظمة في كل الإمبراطورية. إلا أن هناك درجة معينة من التغير وجدت بين هذه المجموعات، بما جعل النظام العثماني اقل تشددا من نظام الطبقات المغلقة الصارم. وفي الواقع، كانت هناك وسائل معترف بها للرعايا، المسيحيين والمسلمين، ليصبحوا عسكرا. "الدفشرمة"، ضريبة الغلمان المسيحيين، كانت واحدة من الوسائل التي مكنت المسيحيين من الانضمام إلى الطبقة العسكرية.

تأسيس الإمبراطورية العثمانية في عهد السلطان محمد الثاني (1451 _ 81)
تعود لمحمد الثاني مسؤولية إتمام النظام العثماني المركزي والمطلق في الأناضول والبلقان. فبعد فتح القسطنطينية. شعر محمد الفاتح بأنه قد أصبح أكثر الحكام قوة في العالم الإسلامي، ولذا قام بتحدي الإمبراطوريات الإسلامية في إيران ومصر. واكتسب سلطة عظيمة لا مثيل لها حصرها في شخصه واستخدمها لخلق نموذج البادشاه العثماني، وهي سلطة ملكية مطلقة في التقاليد القديمة لملوك الفرس وخانات الترك. إن فتوحاتهم جعلت من الإمبراطورية العثمانية وحدة أراض متجانسة بين الدانوب والفرات، مما أحيا مركز سيطرة بايزيد الأول، ولكن على قاعدة ملموسة، وأكثر ثباتا.وهذا التوسع في الأراضي نفسه، استمر كمركز لأراضي الدولة العثمانية الرئيسية حتى القرن التاسع عشر. ويعود الكثير من الفضل من التوسع السريع للإمبراطورية، للاستخدام الفعال للمدفعية ولزيادة عدد الانكشارية. ولكن ينبغي أن لا نقلل من أهمية سياسة الاستمالة التي طبقها السلاطين العثمانيون في الأراضي المفتوحة حديثاً. لتمويل سياساته الإمبراطورية لجأ إلى عدد من الإجراءات المالية المجدِدة والقاسية كان من جرائها أن صارت سياسته المالية الباعث الرئيس لعدم الرضا الواسع والعنيف أحياناً، والذي ميّز الفترة الأخيرة من عهده.
اسطنبول، العاصمة الجديدة، أصبحت رمز طموحات محمد لإمبراطورية عالمية
وخلال مدة حكمه قام بكل جهد ممكن لتحويل اسطنبول إلى حاضرة سياسية ودينية كما كانت في السابق أيام عظماء أباطرة الرومان. جعل من نفسه قيصراً وحاكماً للبرين والبحرين.
ومن أجل إنعاش الازدهار الاقتصادي في اسطنبول، بنى مراكز تجارية _ بازارات كبيرة مغطاة في "المدينة القديمة " ، وبازارات أصغر في منطقة المرفأ وفي وسط المدينة وبينما قدر عدد سكان القسطنطينية 30,000 و50,000 ، ارتفع هذا العدد إلى 14,803 عائلة، أي ما يقارب مجموعه 70,000 نسمة، في إحصاء 1478 م.
لقد نمت اسطنبول بسرعة بعهد خلفائه ، وبعد مضي قرن على الفتح أصبحت أكبر مدينة في الشرق الأوسط وأوروبا بعدد سكان يصل على الأقل إلى 400,000 نسمة.
وكنتيجة لردة الفعل ضد سياسة الفاتح المالية ، فإن حكومة خليفته، بايزيد الثاني (1481 _ 1512 ) اعتمدت المواقف الأكثر توفيقية . وفي عهد بايزيد بشكل خاص تعزز وضع اسطنبول كمدينة اقتصادية قادرة عل الاستمرار. وقد سمح التوسع العظيم لمالية المركزية للدولة بتدعيم الجيش والبحرية وزيادة عدد الانكشارية المجهزين ببنادق، وبناء أسطول حربي كبير لم يشهد البحر الأبيض المتوسط مثيلاً له من قبل، وكان ذلك بإشراف ومساعدة المهندسين الجنويين.

القوة البحرية العثمانية والامبريالية
في عهد بايزيد الأول تحدت البحرية العثمانية البنادقة من مركزها المحصن في غاليبولي. ولاحقاً، في عهد محمد الثاني، لعبت البحرية دوراً هاماً في تحقيق السيطرة العثمانية على البحر الأسود وبحر إيجه، وساهمت في أعمال عسكرية ضد المماليك ( 1485 _ 91) بمهاجمتها للسواحل السورية. إلا أنّ الأهم من ذلك كله، كان التحدي العثماني الفعال للبنادقة في البحر المفتوح في حرب البندقية (1499 _ 1503). في الحقيقة، وخلال الفترة الأولى لصعود البحرية العثمانية، فإن الغزاة البحريين الأتراك قد ظهروا في غرب المتوسط لمساعدة المسلمين الاسبان الذين استنجدوا ببايزيد الثاني. وكان المماليك أيضاً قد طلبوا مواد وخبرات عثمانية لإعادة بناء بحريتهم في السويس بعد خسارتهم على يد البرتغاليين سنة 1509.
إنّ نهضة القوة البحرية العثمانية في البحر الأبيض المتوسط كانت لها نتائج عظيمة ليس فقط على صعيد توسع الحكم العثماني إلى الأراضي العربية من سورية إلى مصر والمغرب، وإنما أيضاً بطردهم للبرتغاليين من البحر الأحمر. ولذا، وبعكس المعتقدات الشائعة، فإنّ العمل التأسيسي للنهوض العظيم للعثمانيين كقوة عالمية في عهد سليم الأول (1512 _ 20) وسليمان (1520 _66 )، كان قد بدأ في عهد بايزيد الثاني.

يتبع ..

18/5/2011

..







 
رد مع اقتباس
قديم 27-07-2011, 09:05 PM   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: التاريخ يُقرأ من الأحدث ..

الدولة والرعايا .. 1
خليل إينالجك
ترجمة عبد اللطيف الحارس

الخلافة
حتى عهد السلطان محمد الثاني كان هناك نوع من التضامن تمت المحافظة عليه بين العثمانيين والمماليك في وجه الغرب الصليبي والخطر التيموري من الشرق . وظهرت المنافسة للمرة الأولى حول مسألة السيادة على الإمارات التركمانية في مناطق الحدود : القرمانيين ، وذي القادر ولاحقاً الرمضانيين .
قبل التحدي العثماني اعتبر المماليك القوة الإسلامية السُنية الأولى لأنهم تغلبوا على المغول ، وأصبحوا حُماة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة واحتفظوا أيضاً بالمتحدرين من الخلفاء العباسيين في القاهرة . وبحذر شديد مّز العثمانيون في دعايتهم بين العرب و" المماليك المضطهدين " تحت زعامة السلطان النشِط سليم الأول (1512 – 1520) ، وقرروا إنهاء الحكم المملوكي للأراضي العربية .
وتمكن العثمانيون وبسرعة من إقامة حكمهم في سوريا ومصر بعد انتصار سليم الأول على المماليك في مرج دابق 24 آب ، 1516 ، وفي الريدانية 22 كانون الثاني (يناير) ، 1517 .وعجّل شريف مكة في تلك اللحظة وتحت خطر الغزو البرتغالي ، في الاعتراف بسيادة سليم على الحجاز .
هناك أسطورة ، اختُلِقت على مايبدو في القرن الثامن عشر ، تُخبرنا بان المتوكل ، احد المتحدرين من الأسرة العباسية ، تنازل عن حقوقه كخليفة إلى سليم الأول في احتفال رسمي
في الحقيقة ، كان سليم سعيدا في ذلك الوقت بحصوله على لقب حامي (الحرمين) مكة والمدينة على الرغم من أن سليمان الأول كان قد عرّف عن نفسه باعتباره " خليفة كل المسلمين في العالم " ، وما عناه بذلك كان تركيزاً على دوره كحامي للعالم الإسلامي . ولذا فإن المفهوم العثماني الجديد للخليفة كان في الواقع توسيعا للمفهوم العثماني الأساسي لقيادة الحرب المقدسة (الجهاد) وبخط متواز مع سياسته للزعامة العالمية ، حاول سليمان أن يبرز دوره كحامي للمسلمين في كل أنحاء العالم .
ففي سنة 1538 أرسل أسطولا لطرد البرتغاليين من منطقة ديو في الهند . وبناء على طلب سلطان اتجه في سومطرة ، أرسل مساعدات تقنية ، وخطط لإرسال بعثة لطرد الموسكوبيين من الفولغا الأدنى لفتح طرق التجارة والحج للمسلمين في آسيا الوسطى .
ولكن بعد القرن السابع عشر ، لم تعد للسلاطين العثمانيين المقدرة على عرض قوتهم من اجل المسلمين . وبدلا من ذلك ، صاروا يركزون وبشكل متزايد ع حقوقهم الشرعية كخلفاء ، بالعودة إلى تعاريف الخلافة التي كونتها السلطات الدينية في القرن العاشر . هذا التركيز عل الشرعية سيؤدي ، في القرن التاسع عشر ، إلى حركة الجامعة الإسلامية في عهد عبد الحميد الثاني (1876 - 1909) .
إنّ الفكرة التقليدية للغزو ، الجهاد ضد المشركين ، أُعيدت صياغتها من قبل العثمانيين في القرنين الخامس عشر والسادس عشر لدعم التوسع العثماني في الشرق ، على حساب جيرانهم المسلمين . فعندما قرر العثمانيون اتخاذ موقف ضد منافسيهم المسلمين – سلالات الأناضول ، ثم الأق قوينلو ، وأخيرا الصفويين في إيران – اتهموهم بإعاقة العثمانيين عن القيام بواجبهم الأساسي ، الحرب المقدسة ضد المسيحية الغربية . ووجد العثمانيون موافقتهم للحرب ضد المبتدعة .

العثمانيون والغرب
إن الدولة العسكرية الأوتوقراطية للعثمانيين قد قدمت الأداة التي تمكن بواسطتها العالم الإسلامي أولا من مقاومة ثم مهاجمة الغرب . وبدا الصراع وبشكل واسع عندما شنّ العثمانيون ، مستفيدين من الانقسامات الناشئة عن ظهور البروتستانتية والملكيات القومية في أوروبا ، سلسلة الهجمات المتماسكة ضد آل هابسبورغ في وسط أوروبا والبحر الأبيض المتوسط . ونتج عن ذلك احتلال هنغاريا (1526 – 41 ) ، والحصار الأول لفيينا سنة 1529 ، والانتصار البحري في برفيتزا preveza سنة 1538 . وخلال فترة 1528 – 78 ، اتبع العثمانيون دبلوماسية فعالة في أوروبا ، ففي كل الأماكن دعموا القوى المعارضة للبابوية ولآل هابسبورغ ، مثل الكالفنيين في فرنسا ، وهنغاريا والملكيات القومية الناشئة في فرنسا وانكلترا . بالإضافة إلى الحملات العسكرية المتتابعة ، عبّر العثمانيون عن دعنهم بإعطاء امتيازات تجارية للدول الصديقة (فرنسا سنة 1569 ، انكلترا سنة 1580 ، والأراضي المنخفضة سنة 1612 ) وعلى المدى الطويل ، فان هذه الامتيازات التجارية قد أعطت دفعا قويا لاقتصاديات الدول الغربية المدعومة من قبل العثمانيين .
الدعامة الأخرى الدبلوماسية العثمانية في ذلك الوقت كانت تجنب الحرب على جبهتين . وبشكل خاص ، فان الإمبراطورية أرادت إن تتجنب حربا مع إيران عندما تكزن منخرطة في حرب مع أوروبا الغربية . وقد أعاق تحقيق هذا الهدف عام 1603 إعلان الشاه عباس (1588 -1629) الحرب واستعادة كل ما فتحه العثمانيون في أذربيجان عندما كان العثمانيون منهمكين في حرب طويلة ومدمرة مع الهابسبورغ (1593 -1606) . ومعاهدة تستزفا – توروك " Zistva – Torok “ " مع آل هابسبورغ سنة 1606 نظر إليها بصواب كنقيض للمد العثماني وبداية للانحطاط . وكان من جملة ما عناه الفشل العثماني هو أن الثقافة الآسيوية التقليدية ، وحتى عندما تقتبس تكنولوجيا عسكرية من الغرب ، محكوم بالإخفاق أمام قيام أوروبا الحديثة . ومن الملاحظ أن الانحطاط العثماني كما كان نتيجة النظام الاقتصادي الحديث لأوروبا الغربية ، كان كذلك نتيجة تفوق التكنولوجيا العسكرية الأوروبية . النظام الاقتصادي والنقدي العثماني انهار في القرن السابع عشر بسبب الاقتصاديات الماركنتلية العدوانية للدول الأوربية التي حلت محل البنادقة في المشرق .

زمن الأزمات في نهاية القرن السادس عشر ــ الانحطاط
من العوامل التي مهدت الطريق لأزمات أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر يمكن أن نذكر أثر الازدياد السكاني ، والتكنولوجيا العسكرية الأوربية الجديدة ، والأزمة المالية والنقدية .
انتشر العنف في الأناضول في أواسط القرن السادس عشر وخاصة خلال فترات نزاع الأمراء مصطفى وبايزيد . آلاف المزارعين الأناضوليين العاطلين عن العمل انضموا إلى الأمراء المتنازعين كمرتزقة أملا في الوصول إلى مرتبة الطبقة العسكرية تحت راية أميرهم المنتصر . الفرسان السباهية الذين خسروا تيماراتهم ، أو الذين أضحت تيماراتهم غير ذات قيمة ، شكلوا واحدا من العناصر الرئيسية للفوضى . إضافة إلى أن الآلاف من المزارعين الشباب ، الساعين إلى المشاركة في امتيازات الطبقة الدينية ، ملأوا المعاهد في مدن الأناضول ، وساعد البلقان على استيعاب جزء كبير من سكان الأناضول عندما أمنت مناطق التخوم للشباب المعتنق مهنة عسكرية فرصة واضحة لإبراز بسالتهم كمتطوعين " gonullus " ، إلا أن التوسع العثماني في أوروبا وصل إلى مرحلة الجمود في النصف الثاني من القرن السادس عشر وانهارت تنظيمات المغيرين على التخوم akincis .
أما في الأناضول ، وفي نفس الوقت ، فان الضغط السكاني في سهول الأناضول القاحلة كان مستمرا . قد درس هذا الضغط على قاعدة المسح العثماني للشعوب ، إلا أن مداه الدقيق لا يمكن حسبانه .
بعد 1578 ، دفعت الحروب مع إيران العديد من الشباب للانخراط في الجيش . وبمعنى ما فإن الحروب مع إيران والنمسا في نهاية لقرن السادس عشر كانت جزئيا نتيجة النمو السكاني ، لأنها حركت ضغوطات متنوعة اجتماعية سياسية ومالية داخل الإمبراطورية .
وفي المناطق الواسعة المفتوحة في القوقاز ، عمل الآلاف من رعايا الأناضول في التيمار أو حراسا للقلاع . ولكن – وهذا ما يشبه الملاحظون للانحطاط العثماني بشدة – هذا التغيير عرّض لخطر نهائي المبدأ الموجه للنظام العثماني ، وهو المبدأ القائم على الفصل بين الرعايا والجيش .
وبالنسبة للأسباب الأخرى للانحطاط ، فان الكتاب العثمانيين في تلك الفترة ركزوا على ضعف استقلالية الديوان الإمبراطوري ومكاتبه ، وخاصة مع قيام المعركة التي أعلنت ضد الصدر الأعظم سوكوللو Sokullu من قبل مراكز نفوذ وصلت حديثا على اسطنبول مع ارتقاء سليم الثاني للعرش (1566) . إن الاستقلالية التقليدية للإدارة ، والتي هي في الظروف الأفضل الضمان لمصالح الدولة ، تقلصت من قبل نزلاء البلاط وأشخاص آخرين غير مسؤولين . وبذلك بدأ الفساد والانحلال في القوانين والأنظمة الأساسية للإمبراطورية ، وواحد من أهم النتائج المؤثرة كان التحول وعلى مدى واسع للميري (أراضي الدولة) من سيطرة الدولة إلى وضعية ملك (أراضي ملكية خاصة ) والوقف ( مؤسسات دينية ) . وفي هذا الوقت أيضا فإن الطبقة الدينية ، العلماء ، اعتادت على التدخل أكثر فأكثر في الإدارة وفي القوانين الصادرة عن السلطان . المسائل المتعلقة بالقوانين السلطانية والتنظيمات الإدارية أصبحت وبشكل متزايد موضوعات للفتوى ، الرأي الرسمي لشيخ الإسلام ، رئيس العلماء ، بالاتفاق مع السلطات الدينية . هذا النفوذ لرجال الدين عزّز روح المحافظة السنية فقُلصت وعلى نحو خطير حرية عمل الحكومة في الاستجابة للظروف المتغيرة .
الكتاب العثمانيون في تلك الفترة أرجعوا ، الانحطاط الى فساد المؤسسات الذي بلغ ذروته في عهد سليمان القانوني . بدون شك هناك بعض الحقيقة في كل هذا ، والمؤرخون المحدثون بالإجمال يوافقون على هذا الرأي . إلا أن الكتاب العثمانيين فشلوا في تبيان كل الأسباب المساهمة ، كما فشلوا في تقدير التغيرات الفعلية الهامة التي كانت تحدث في زمانهم .
ننتقل الآن إلى دراسة النظم العسكرية والمالية ، المرتبطة مباشرة بموضوعنا .
الحروب مع إيران التي ابتدأت منذ 1578 واستمرت بتقطع حتى سنة 1639 ينبغي النظر إليها كأحد الأسباب الرئيسية لانحطاط الإمبراطورية العثمانية . إنّ غزو واحتلال أذربيجان وشروان في السنوات 1578 – 90 كان مدمرا جدا ، ليس فقط للبناء العسكري التركي وإنما أيضا للمالية العثمانية . فالجنود الذين أقاموا في تلك الأراضي بشكل ثابت كان ينبغي إعادة تموينهم من الأناضول . ثم كان الهجوم الإيراني المضاد في سنة 1603 ، الذي رمى الجنود العثمانيين المقيمين هناك برمتهم إلى الأناضول.
وقد أعاد هذا السيناريو نفسه أكثر من مرة خلال حروب القرن السابع عشر ، ولكن وبخاصة بين سنوات 1683 و 1699 . هكذا لم يعد بإمكان العثمانيين إنجاز عملهم في أوقات الحرب دون مساعدة السكبان والمجموعات الأخرى المختلفة التي يطلق عليها اسم المرتزقة المسلمين . ولتدفع لهم ، وللأعداد المتضخمة من الانكشارية أيضاً ، كان على المالية المركزية أن تبحث عن مصادر دخل جديدة . وحقيقة أن الدولة العثمانية كانت ملزمة منذ معركة ليبانتو Lepanto بالمحافظة على أسطول قوي في البحر الأبيض المتوسط لموازنة أسطول الحلفاء ، زاد من أعبائها المالية .
بعد سنة 1590 عانت المالية من عجز كبير . وفي نفس الفترة فإنّ زيادة الـ " avariz " ( ضرائب الطوارئ ) والجزية ( ضريبة الرأس على غير المسلمين ) والتجاوزات التي اقترفت خلال جبايتهما زادت من عدم ارتياح الرعايا .
أما العامل الذي كانت له آثار تدميرية على الاستقرار المالي العثماني فكان انخفاض سعر النقود الفضية ، والسبب الرئيسي لذلك كان تدفق الفضة الرخيصة من أوروبا بعد سنة 1580 . الأسواق العثمانية فاضت بالفضة الأوروبية والعملة المزوّرة . ولأن الضرائب والأعباء المرتبطة بالتيمار لم ترتفع ، فإنّ قيمتها الاسمية بقيت دون تغيير رغم أنّ قيمتها الفعلية هبطت وبكثافة .وليس بالمستغرب والحال هذه ، أن يحاول السباهيون ومالكو التيمار الآخرون التعويض عن خسارتهم في مداخيلهم بابتداع ضرائب جديدة أو بالمطالبة بنسب أعلى من الضرائب القديمة من الرعايا المضغوطين بقوة . إنّ الانتفاضات المتعددة للانكشارية خلال هذا الوقت ارتبطت مباشرة بالانخفاض الفعلي لمداخيلهم وعدم الاستقرار النقدي .
وكنتيجة لهذه الثورات ، لم تعد الإمبراطورية العثمانية في القرن السابع عشر تلك الإمبراطورية الحيوية التي كانت في القرن السادس عشر . إنّ نظام التيمار ، الذي ولد في ظروف خاصة بالعصور الوسطى ، قد تحطم بشكل لا يمكن إصلاحه . وقد استبدل به جيش مجهز بالبنادق من المرتزقة وبمالية مركزية تحولت نحو الضرائب المدفوعة نقداً . واستُبدل بالعملة العثمانية النقد الأوروبي ، ودخل الاقتصاد في مجال المركنتاليات الأوربية " European mercantilists "

سكان الإمبراطورية وحركات السكان
السكان
الإحصاءات الأكثر مصداقية حول السكان العثمانيين في القرن الخامس عشر أتت من كشوفات الضرائب والجزية ، وسجلات ضريبة الرأس .
وبالنسبة لغير المسلمين فإنّ سجلات ضريبة الرأس من السنوات الهجرية 893 إلى 896 ( 17 كانون الأول 1487 إلى 5 تشرين الأول 1491 ) ، ومجموع عائدات الجزية لسنة 1489 هو 32.407.330 أقجه لكل المجموعات . وتتضمن هذه الإحصائيات العائلات hanes أو الأرامل اللواتي ورثن أراضي أزواجهن . وهان hane لا تعني كل الأشخاص الذين يعيشون تحت سقف واحد وإنما كل زوج وزوجة مع مصدر دخل مستقل يشكل هانا واحدا . كما أنزلاء المنزل " Household " يشكلون عائلة مستقلة اقتصاديا .
وعلى الرغم من ذلك فإنه من غير الممكن على قاعدة هذه الإحصائيات التحديد ولو على وجه التقريب لمجموع السكان غير المسلمين لهذه الفترة .
فغير المسلمين الخاضعين لضريبة الرأس كانوا من الذكور البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين أكثر من 12 أو 15 سنة والقادرين على إعالة أنفسهم من خلال نشاطات اقتصادية . إلا أنه في المناطق الريفية بشكل عام فإنّ رب العائلة الفلاحية كان مسؤولا عن كل الأشخاص الذين تتوجب عليهم الجزية ويدفع جزية واحدة عن العائلة . وكذلك فإن التقارير حول ضريبة الرأس لم تتضمن غير المسلمين المعفين من هذه الضريبة ، مثل رجال الدين ، العبيد ، المُعدمين ، حاشية العسكريين وأحيانا أعضاء الميليشيات المسيحية .
وفي زمن هذا المسح الإحصائي فإن الأراضي العثمانية تضمنت الأراضي البلقانية شمالي نهر الدانوب وسافا sava ، باستثناء شمالي البوسنة وكرواتيا اللتين كانتا بأيدي الهنغاريين : ودلماتيا dalmatia ، في أيدي البنادقة ، إضافة إلى أنها كانت تتضمن بعض القلاع والجزر في اليونان و ( مجموعة جزر أرخبيل ) بحر إيجة . ومجموعة العائلات غير الإسلامية المسجلة الخاضعة لضريبة الرأس بلغت حوالي 674.000 في البلقان وحوالي 32.000 في الأناضول سنة 1491. وإذا افترضنا مع بَركان barkan أن السكان المعفيين يشكلون نسبة 6 بالمائة من مجموع السكان مع معدل وسطي 5 أشخاص للعائلة الواحدة ، فيكون مجموع السكان في البلقان العثماني حوالي الأربع ملايين في التسعينات من القرن الخامس عشر .
أما بالنسبة للأناضول ، فإن الأراضي العثمانية سنة 1490 كان يحدّها خط من طرابزون إلى خليج أنطاليا تقريباً ، بدون مناطق شرقي آسيا الصغرى . في هذه المنطقة ، التي يبلغ مجموع عدد العائلات المسيحية فيها 27.131 ، فإن منطقة طرابزون _ رايز Trabzon – Rizeوالتي خرجت من أيدي الـ Comneni سنة 1461 ، فإنها المنطقة الوحيدة التي كانت تكتظ بالسكان المسيحيين سنة 1490 . وبالعكس فإن مناطق غربي الأناضول ، والتي فُتحت من قبل التركمانيين في مرحلة سابقة ، في أوائل القرن الثالث عشر ، فإنّ عدد السكان غير المسلمين الخاضعين لضريبة الرأس كان 2.605 عائلة فقط ، أما في أنحاء الأناضول الأخرى فوصل العدد إلى 2.856 , معظمهم كانوا من اليونانيين والأرمن مع بعض المجموعات اليهودية الصغيرة في المدن .
وفي الفترة بين 1520 _ 35 ، فإن عدد العائلات المسيحية الخاضعة للضريبة في مقاطعات الأناضول الخمس وصل إلى 63.300 أو 7 بالمائة من مجموع السكان ، بينما كان سابقا 32.000 حوالي سنة 1490 . وهذه الزيادة ربما كانت نتيجة النمو السكاني والذي شكل الاتجاه العام للفترة بين 1490 _ 1535 ، أو عدم دقة السجلات ، أو من الهجرة من الشرق . المجموع العام للبلقانيين المتحوّلين إلى الإسلام بلغ 94 عائلة في السنة الهجرية 893 ، و255 في سنوات 893 _ 96 . الغلمان المسيحيون الذين جمعوا لفيالق الانكشارية أو لخدمة البلاط والذين سينضمون لاحقا إلى طبقة العسكر بعد التدريب لم يُتضمنوا في هذه الإحصائيات . في الفترة 1520 _ 35 كان في الأناضول 271 عائلة يهودية فقط تدفع الضريبة ، وفي مقاطعة ديار بكر 288 .
وبتعبير آخر ، مع نهاية القرن الخامس عشر كانت الأناضول وحتى غرب الفرات بلداً مسلما بأكثريتها ، مسكونة بالأترك المسلمين المهاجرين ، أو بالسكان الأصليين المتحوّلين . ومما لا شك فيه أن عملية أسلمه واسعة النطاق قد حدثت . وكان ذلك نتيجة عملية ثقافية _ اجتماعية القرون الثلاثة للحكم السلجوقي التركي . وإذا أردنا أن نحكم من خلال السكان العثمانيين وسجلات الضرائب للنصف الثاني من القرن الخامس عشر ، فإننا نرى غرب الأناضول عندها مسكوناً بالتركمانيين .
ولا توجد عندنا أية أرقام عن السكان المسلمين في الأناضول قبل السنوات 1520 _ 35 . ففي هذه الفترة ، واعتماداً على حسابات بَركان Barkan فإن العائلات الإسلامية الخاضعة للضريبة لنفس المنطقة سنة 1490 بلغت 832.395 . وأُضيفت إلى هذه الإحصائيات العسكرية المعفاة من الضريبة والتي شكلت مجموعة صغيرة تعيش بأكثريتها في المدن . ومن خلال نفس الإحصائيات ، فإنّ النمو السكاني في المقاطعات الآسيوية الخمس .
الزيادة ، أضاف بركان ، وصلت إلى حد 83.6 بالمائة في المدن الكبرى .
ومع قدوم عام 1535 ، فإن سوريا وفلسطين ، وكذلك مقاطعتا ديار بكر ( جنوبي شرقي آسيا الصغرى ) وذو القادر قد ضمتا إلى الأراضي العثمانية . وفي عام 1535 ، فإن العدد الإجمالي للعائلات المسلمة التي تدفع الضريبة في المقاطعات الآسيوية ، بما فيها كيليكيا Cilicia والمقاطعات العربية في سوريا وفلسطين وأفراد القوة العسكرية ، بلغ 1.067.355 عائلة أو حوالي 5.300.000 شخص إذا استخدمنا نفس المضاعف بخمسة . وعند إضافة المسيحيين واليهود فإن عدد العائلات يصل إلى 1.146.697 والعدد الإجمالي إلى 5.73.485 .
بالإجمال فإن بركان يقترح للفترة بين 1520 _ 35 ، عدد السكان يتراوح بين 12 و 12.5 مليون مليون في الإمبراطورية العثمانية بما فيه السكان الذين لم يذكروا في سجلات الضرائب في البلقان وآسيا الصغرى . ويقترح بروديل حداً أقصى من 22 مليون لأقصى مدى للإمبراطورية في نهاية القرن كان عدد السكان أكثر بكثير ويتراوح بين 30 _ 35 مليون ، بناء على تقدير نسبة النمو الطبيعي بـ 60 بالمائة وإضافة سكان المناطق التي ضُمت بعد سنة 1535 ( سيرميا Syrmia ، كرواتيا ، هنغاريا ، وسلوفاكيا في أوروبا ، شمال أثيوبيا ، الحجاز ، اليمن ، العراق ، الإحساء ، وشواطئ أفريقيا الشمالية ) . وبالتأكيد فإن إحصائيات بركان مبالغ فيها . وفي حساباتنا ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار الظروف الخاصة للفتوحات العثمانية . بشكل عام ، هناك تراجع في الازدهار وعدد السكان في الأراضي الجديدة المفتوحة من قبل العثمانيين كما هو موثق في سوريا ، وجنوب شرق آسيا الصغرى وهنغاريا . ولكن عند ثبات الحكم العثماني وعودة النظام والأمن ، عاد التحسن والتطور وازداد السكان.

تموز / 2011

..







 
رد مع اقتباس
قديم 27-07-2011, 09:12 PM   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: التاريخ يُقرأ من الأحدث ..

الدولة والرعايا .. 2
خليل إينالجك
ترجمة عبد اللطيف الحارس

الضغط السكاني
إن الهجرة المتزايدة للبدو التركمان إلى منطقة التخوم في غربي الأناضول كانت واحدا من الأسباب الرئيسية لاندفاع الأتراك باتجاه الغرب في الفترة الواقعة بين سنوات 1260 _ 1400 . وفُقد هذا الضغط السكاني بسبب التقلص الاقتصادي
وازدياد الفقر ، كما اعتبرها العديد من الدارسين العثمانيين موضوعاً أساسيا لتفسير الأزمات والتغيرات البنيوية التي مّت فيها الإمبراطورية العثمانية في الفترة بين 1580 و 1620 . عدة دلالات استخدمت لتحديد ما إذا كان قد حدث ضغط سكاني أم لا في تلك الفترة .
ومن أجل فحص فرضية الضغط السكاني خلال القرن السادس عشر في الأناضول ، درس مايكل كوك " Michael Cook " المُعطيات الديموغرافية والاقتصادية من الإحصائيات العثمانية . الدراسات السابقة ( وخاصة دراسات أكدغ Akdag ، بروديل Braudel وكوجر Guger ) اعتمدت على الانخفاض في تصدير القمح ، ارتفاع الأسعار ، نقص المواد والمجاعات في الإمبراطورية كمؤشرات أساسية للضغط السكاني . درس كوك المسألة بالبحث عن نسبة السكان للموارد الاقتصادية وما إذا كانت هذه النسبة قد تغيرت بشكل كبير في مرحلة معينة من الوقت وفي مناطق محددة . مع دراسة المظاهر التي تتعلق بها مثل عدم توفر الأراضي المريحة ( الأراضي التي يكون ناتجها مساويا لما أنفق عليها ) ، ارتفاع أسعار الأراضي ، زيادة عدد المزارعين غير الملاكين والهجرة ، واستخلص أنّ " النمو السكاني كان أكثر سرعة من زيادة نمو المحصول " .
وناقش أيضا " التشبع الديموغرافي في ظروف القرن السادس عشر " . واقترح كوك حسابات للنسبة بين النمو السكاني وزيادة المحاصيل 17 على 12 في فترة 1475 _ 1575 مستخدما كمؤشر المستوى الأساسي 10 سنة 1475 . ويجب أن
نلاحظ أن معدل ملكية الأراضي للعائلة الفلاحية قد انخفض من نصف إلى ثلث أو
بالأحرى ربع في نهاية الفترة ، في المناطق الخاضعة للدراسة . انخفاض حجم مزرعة العائلة هو بلا شك إشارة إلى أزمة للسكان الريفيين إضافة إلى نظام ( قطعة الأرض _ العائلة ) ككل . ولفت كوك أيضا الانتباه إلى حقيقة أن أسعار المواد الغذائية قد ارتفعت بوتيرة أسرع من ارتفاع الأجور ولكن لا يوجد أي دليل إحصائي على ذلك . والاستغلال المكثف للأرض أو الانتقال إلى زراعة محاصيل مريحة أكثر اقُترحا أيضاً كدلائل على الضغط السكان ونمو إنتاج الحبوب . وقد درست فاروقي واردر Erder التغييرات السكانية في مناطق سبين قره حصار وكوكايلي في فترتين . وفي كلتا الحالتين لاحظ المؤلفان أن " بعض الانحدار السكاني حدث في نهاية القرن السادس عشر " . وأكد " أنّ هذا كان في الواقع ظاهرة شاملة ".
ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار بعض التطورات غير المتوقعة في التقديرات السكانية والتغييرات . فمثلا ، الزيادة الحادة في مجموع السكان في منطقة قره حصار ، والهجرة الجمعية للسكان المسيحيين من شرقي الأناضول نتيجة عمليات السلب من قبل الجلالي Celali يمكن أن تشكل تفسيرا آخر . وتقترح فاروقي أنه ، وعلى الرغم من المنع القانوني ، كان هناك اتجاه لتقسيم وحدات الـ Cift خلال القرن السادس عشر وقد يكزن هذا إحدى نتائج الزيادة السكانية .

التحركات السكانية
منذ البداية ، تكوّن المجتمع العثماني من المهاجرين ، والجماعات المستأصلة من جذورها ، الرعاة الباحثين عن المرعى ، الجنود العاطلين عن العمل أو الشباب المزارعين الذين لا يملكون أرضاً ، الساعين إلى النجاح وحياة جديدة في التخوم . المؤرخون العثمانيون الشعبيون الأوائل قالوا : " هؤلاء العثمانيون تعاطفوا مع الغرباء الذين لا جذور لهم " . ومما لا شك فيه أن العثمانيين كانوا يعتقدون أن الازدهار وزيادة مداخيل الدولة كانا يعتمدان أساسا على النشاط والمهارة الإنسانيين .
وسنرى أن مالكي التيمار أو الأمناء على الوقف شجعوا الناس على المجيء والاستقرار في أراضيهم لأن أعم وسائل الإنتاج كان العمل في هذا الاقتصاد الريفي مع توفر أراض ٍ حدّية غير محدودة للزراعة .
وقد استغل العثمانيون دائما اللاجئين . عشرات الآلاف من اليهود المطرودين من اسبانيا ، والبرتغال وإيطاليا جاؤوا وأسسوا مجموعات مزدهرة في المدن تحت حماية السلاطين العثمانيين خلال وبعد سنة 1492 . مجموعات من المور Mariscos الذين طردوا من الأندلس Andalusia في القرن السادس عشر استقروا في قلب غلطة Galata .
المنشقون عن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية " Old Believers.Raskolnik " استمروا في السكن حتى القرن العشرين في شمال غرب الأناضول . وفي القرون الأخيرة للإمبراطورية ، مئات الآلاف الهاربين من الغزو الروسي للبلقان ، وبلاد الشركس Circassia والقرم Crimea ، استقبلوا وأسكنوا من قبل الحكومة العثمانية في الأناضول .
ومن ناحية ثانية ، فإن سياسة الترحيل التي اتبعتها الحكومة ، والانتفاضات السياسة والاجتماعية قبل تخريب الجلالي وأحيانا الضغط السكاني في منطقة معينة ، كلها لعبت دورا أساسيا في التنقل السكاني في الإمبراطورية . هجرات البدو الرعاة كانت دائما ويشكل خاص ذات نسق بارز.
وكما كان معروفا بالنسبة للإمبراطوريات البيزنطية والإيرانية ، فإنّ العثمانيين أيضا اتبعوا سياسة الترحيل بالقوة للسكان في محاولة للتخلص من أي مجموعة إثنية متمردة أو لإقامة مستوطنات في منطقة معينة ذات أهمية خاصة بالنسبة للدولة .
وحدث استيطان على مدى واسع في عهد محمد الثاني عندما رحّل مجموعات من الفلاحين من الأراضي المفتوحة حديثاً في صربيا والموره ، وبدواً من التركمان إلى القرى المجاورة لاسطنبول والتي خسرت سكانها اليونانيين خلال حصار القسطنطينية . وفي سنة 1455 ، رحّل أيضا كل المجموعات اليهودية في مدن البلقان من أجل إعادة السكان وتحريك النشاطات الاقتصادية في عاصمته الجديدة اسطنبول . كما تسبب أيضا في استقرار اليونانيين في اسطنبول من خلال فتوحاته المتتابعة في المورة ، جزر بحر إيجه ، طرابزون ، وبعض مدن وسط الأناضول . سكان أرمن من وسط الأناضول ، ومسلمون من الأناضول أحضروا إلى اسطنبول في سنوات 1459 _ 75 . أما سليم الأول فقد أحضر إلى اسطنبول 200 عائلة من الحرفيين من تبريز و500 عائلة من القاهرة .

السكان البدو التركمان واقتصادياتهم
غن سلاجقة الأناضول الذين يمثلون دولة بيروقراطية مركزية قد دعموا الفلاحين والمصالح التجارية ضد التركمانيين الرعاة الذين دُفعوا من قبل الدول إلى الأراضي الحدية ، وكان هؤلاء التركمانيون متجمعين في مناطق التخوم والأراضي الرعوية الجبلية من جبال طوروس في الجنوب إلى جبال بونتيك Pontic التي تمتد من بولو Bolu إلى طرابزون في الشمال . وفي سهول وسط الأناضول الجافة من قونيه إلى أنقرة كان هناك تجمع تركماني رعوي آخر .
وفي الواقع ، وبسبب الحاجة إلى الانتقال الموسمي بين الأراضي الرعوية الصيفية والشتوية ، اصطحب التركمانيون قطعانهم في الشتاء إلى الأراضي المنخفضة في وديان الأحواض النهرية الأساسية في جنوبي وغربي الأناضول . وقد تجاهلوا الحدود ودخلوا في عمق وديان الأناضول الغربي ، التي كانت تحت السيطرة البيزنطية ، من القرن الحادي عشر حتى الوقت الذي استطاعوا فيه فتح هذه الوديان والاستقرار فيها تحت قيادة الغزاة .
وهؤلاء البدو الأتراك الذين عرفوا بالتركمان Turkmen ، يوروك yorok
ثمّ لاحقا قزل باش kizilbas ، كانوا يشكلون حوالي 15 بالمائة من السكان في مقاطعة أناضولو Anadolu ( التي تمتد على طول خط بين سينوب Sinop وخليج أنطاليا Antalya في الغرب ) في العشرينات في القرن السادس عشر .
وإذا أضفنا المجموعات العسكرية ذات الأصول الرعوية مثل Yaya وmusellem فإن هذه النسبة ترتفع إلى 27، في الحقيقة ، إن تجمع الـ Yoruk العظيم كان موجودا في المقاطعات الصغرى لأنقرة ، كوتاهيه ، منتشا ، آيدن ، صاروخان ، تاكي Teke وحميد Hamid . هذه السناجق السبعة مجتمعة كان عدد سكانها من البدو حوالي 80.000 عائلة .
وكانت هناك أعداد كبيرة من القبائل التركمانية منذ الغزو التركي الأول للأناضول في العقود الأخيرة للقرن الحادي عشر . كان هناك تدفق مستمر من البدو ، بأكثرية تركمانية ، استمر في زيادة السكان البدو في المنطقة .
وبينما كان النمو السكاني العام في غربي الأناضول من الفترة 1520 _ 35 إلى 1570 _ 80 قد حسب على أنه 42 بالمائة ، فإن نمو السكان البدو كان 52 بالمائة ، وهذه الحقيقة يمكن تفسيرها بالهجرة من الشرق بدلاً من النمو الطبيعي . إن الهجرة الواسعة نحو الداخل الغربي قد اكتسبت زخماً عندما أسس العثمانيون مواقعهم المتقدمة في البلقان سنة 1352 . وعندما اصطدمت غزوات التركمانيين المهاجرين في أزمير بالصليبيين الغربيين ، سنة 1348 ، فإن الهجرة التركمانية اتخذت اتجاها جديدا وبدأ الخروج من مناطق دنيزلي Denizli _ آيدين _ صاروخان إلى الدردنيل ، ومن هناك إلى ثراث Thrace وشرقي البلقان خلال الفتوحات العثمانية الأولى . وقد أظهرت الإحصاءات العثمانية أن هذه الهجرة التركمانية الواسعة والاستيطان كانت لهما آثارا ثورية على ديموغرافية شرقي البلقان وثراث . وقد ترافق مع السياسة العثمانية القائمة على نقل المجموعات البدوية الفوضوية إلى البلقان من أجل التتريك وتـأمين فتوحات جديدة ، درجة واسعة من الهجرة الطوعية التي حدثت خلال القرن الرابع عشر في نفس المناطق.
وقد أعادت الإدارة العثمانية تنظيم القبائل الرعوية في شرقي الأناضول إلى اتحاديين كونفدراليين كبيرين : التركمان في تحالف Boz _ Ulus والأكراد في تحالف Kara _ Ulus . وقد وقعت منازعات شبه دائمة بين هذين الاتحادين.

البدو والاقتصاد
من المُضلل أن نتبع وبشكل غير نقدي أحكام السكان الحضر ، وبخاصة بيروقراطيو الإدارة المركزية ، فيما يتعلق بالبدو . في الحقيقة شكل التركمان البدو جزءاً متكاملاً مع المجتمع الحضري وقاموا ببعض الأعمال التي بدونها لا يمكن للمجتمع أن يستمر .
والدولة العثمانية ، معترفة بهذه الحقيقة ، اتخذت إجراءات لتكييف البدو مع نظامها الإمبراطوري . فأعطت كل عشيرة Yurt هذه ، ( اليورت يتكون من أراض رعوية صيفية وشتوية ذات حدود واضحة ومسجّلة في السجلات الإمبراطورية ). وفي مناطق الـYurt هذه ، ومع العناية بالماشية ، انخرط التركمان ، ولو هامشيا ، في الزراعة . وقد استصلحوا أراضي في الغابات والمستنقعات لزراعة القمح والقطن والرز لتأمين حاجاتهم وحاجات السوق .
ومعظم أراضي الأودية النهرية في غربي الأناضول ، مثلا ، كما في أدنى كيليكيا Cilicia كانت هناك مستنقعات تنتشر فيها الملا ريا متروكة بدون استخدام .
وعند مجيئهم للإقامة الشتوية فيها استصلح التركمان البدو جزءا من هذه الأراضي من أجل محاصيل تدر عليهم أموالاً نقدية صعبة ، كالقطن والرز . وعند رحيلهم إلى المراعي الصيفية كانوا يتركون مراقبين ليعودوا من أجل الحصاد .
هذه المستوطنات المؤقتة تحولت إلى قرى صغيرة مع مرور الوقت . وتُظهر الإحصاءات العثمانية أن التركمان قد زرعوا في بعض أراضي غربي الأناضول الواطية القطن الذي يباع للإيطاليين في مرافئ (Ayasoluk ) Ephesus ، وبالاتيا Palatia (Palat ) أو في جزيرة خيوس Chios . والقيمة الإجمالية للقطن الخام المُشترى من قبل الجنوبيين هناك بلغت مبلغاً عظيما يعادل أكثر من نصف مليون دوكات ذهبية في الخمسينات من القرن الخامس عشر .
وإلى جانب القمح والقطن ، فإن تصدير السجاد أصبح موضوع تجارة عالمية وكان له تأثير كبير على الاقتصاد والمجتمع التركماني في غربي الأناضول . وفي الثلاثينات من القرن الرابع عشر .
ويجب أن لا نغفل عن أي رعاية الماشية أمنت المنتجات الغذائية والمواد الخام الأساسية مثل الصوف والجلود للصناعات المدينية وكان لها أثر اقتصادي حيوي في المجتمعات ما قبل الصناعية في الشرق كما في أوروبا .
وليس بمستغرب أن الصوف والجلود يأتيان دائما في مقدمة لائحة المواد المصدرة إلى أوروبا من الأناضول العثماني والبلقان من القرن الرابع عشر إلى القرن العشرين .
حقيقة أخرى حول الرعاة الأناضوليين هي أنهم قد احتكروا المواصلات البرية في الإمبراطورية ليس فقط على الصعيد الخاص وإنما أيضا على صعيد مؤسسات الدولة . الجمل هو الحيوان الأهم عند اليوروك . والجمال كانت تستخدم عادة لنقل الأمتعة في الظروف الصعبة ، إلا أن اليوروك استخدموها أيضا في مصلحة النقل ولكسب المال . وإذا أخذنا بعين الاعتبار أهمية الجمل ، فإنه لم يذبح من أجل الطعام ، وسمي بمادة " رأس مال مهم " . حتى أصبح بعض الرعاة رأسماليين ، يوظفون رعاة آخرين للعناية بالقطعان ويفرغون أنفسهم للمواصلات الطويلة المدى أو لتجارة الماشية .
وعندما يضطر اليوروك في ظروف خاصة ، حياة حضرية مستقرة فبإمكانهم القيام بذلك دون صعوبة تذكر وخلال فترة تكيف قصيرة . ففي حياتهم الرعوية مارسوا غالبا الزراعة كمكمل لاقتصادهم .وقرى اليوروك معروفة بأنها أصغر حجما وأكثر بدائية من القرى الكبيرة المجاورة كما يلاحظ في مناطق دلي أورمان
Deli _ Orman ودوبروجا Dobruja أو وسط الأناضول.
وتبين سجلات الضرائب والسكان العثمانية للقرن الخامس عشر يأن أكثرية سكان غربي الأناضول من الحضر المستقرين كانوا عندها من أصول تركمانية . وبفضل ارتباطها مع التجارة الأوروبية عن طريق تصديرها للقمح ، والقطن ، والزبيب ، والتين ، والشّب ، والسجاد ، والصوف ، والجلود ، أصبحت هذه المنطقة واحدة من أكثر المقاطعات ازدهارا في الإمبراطورية .
وقد نوقشت فكرة أن النمو السريع للسكان الريفيين في القرن السادس عشر سبّب توسعا في الأراضي المزروعة على حساب الأراضي الرعوية ، ولذا كان على اليوروك الانسحاب تدريجيا إلى الأراضي الحدية "Marginal Land " على ارتفاع أعلى . إن العدد المتزايد لمستوطنات المزارعين في مناطق الغابات يُفسر أساسيا بهذا العامل . وفي القرن السادس عشر ، أصبح الصراع بين الرعاة والفلاحين في شرقي الأناضول مسألة خطيرة للحكومة . وبخاصة عندما أصبحت منطقة رصيف أرضروم _ بازين Erzurum_ Pasin ممرا للجيوش العثمانية ، فتخلى السكان الريفيون عن الأرض وتفرقوا .
ثم جاء الرعاة من الجنوب لاستخدام الأرض كمرعى صيفي . وعندما حوّلت الحكومة الأرض إلى تيمار للسباهيين ، أحضر هؤلاء فلاحين إلى الأرض في محاولة لإعادتها مجددا إلى أراض مزروعة . ومنذ ذلك الوقت منع الرعاة من رعي مواشيهم هناك . محبطين من أوامر السلطان ، هدد هؤلاء البدو بترك البلد برمته والذهاب إلى أذربيجان تحت سلطة شاه إيران . وفي الواقع ، حدثت رحلات مستمرة للعشائر التركمانية إلى أذربيجان في القرن السادس عشر .
الهجرة الموسمية للقبائل ، وخاصة التركمان القزل باش ، بحثاً عن المرعى على جانبي الحدود العثمانية _ الإيرانية ، كان أحد الأسباب الرئيسية للصراع بين العثمانيين والصفويين . ولأنّ الرعاة لم يعيروا انتباها للحدود السياسية ، وُجد وضع مماثل بين بولندا والإمبراطورية العثمانية في نفس القرن . اليوروك الغربيون ، في وسط الأناضول من منطقة سيواس Sivas إلى البحر الأبيض المتوسط ومن وادي سكاريا Sakarya إلى مقاطعة آيدن ، استفادوا بشكل عام من الظروف المناخية الملائمة ، فمارسوا الزراعة إلى جانب تربية المواشي ، بينما كانت القبائل في شمالي سوريا وشرقي الأناضول تعتمد وبشكل كامل على الرعي . وبشكل عام ، ومن اجل زيادة مدخول تيماراتهم ، كان السباهيون مهتمين بشكل خاص بتحويل المراعي المخصصة للبدو قد تخلوا عن الرعي . وباختصار ، فإنّ نظرية توسيع الأراضي المزروعة على حساب الأراضي الرعوية كان أحد حقائق أناضول القرن السادس عشر .
ولا انتقال البدو من منطقة إلى أخرى لم يؤثر إجمالا على العائدات الضريبية ، وهو وضع كان لا يمكن تجنبه مع الفلاحين ، استخدمت الدولة التركمانيين على نطاق واسع في الأعمال العامة . استخدمتهم كقوات إضافية في البلقان ( الجدول 1:7) ، أو نقلتهم من الأناضول وأسكنتهم في الروملي في أماكن إستراتيجية هامة على طول الطرق ، في الممرات الجبلية ، الخ . ولأن قوة عمل البدو كانت معفاة من الضريبة استغلت بشكل واسع في المؤسسات المختلفة للدولة مثل المناجم ، زراعة الأرز ، أو تدريب الأحصنة للدولة . كما أسندت الدولة أيضاً إلى بعض المجموعات الخاصة من البدو مهمة التزويد النظامي للبلاط والجيش ببعض المؤن ، مثل السمن ، والأقواس والسهام .
وبسبب طبيعة اقتصادهم الحساس ، كان البدو أكثر تأثراً من السكان الحضر بالعوامل غير الملائمة . فأي وباء يمكن أن يقضي على حيواناتهم ، قد يحولهم إلى حالة الفقر المدقع . وفي ظل ظروف كهذه ، كانوا يلجأون إلى قطع الطرق أو ينضمون للجيش الإمبراطوري كمرتزقة من أجل معاش ضئيل . ولأنهم كانوا مجموعة غير مميزة وثانوية في المجتمع العثماني ، انضموا إلى كل حركة معارضة للنظام القائم . ولأنه يصعب الوصول إليهم في جبالهم ، أصبح التمرد مستوطنا مع اليوروك في منطقة طوروس وبين القبائل الألبانية في البلقان . وفي شرقي آسيا الصغرى ، حيث ساد الاقتصاد الرعوي ، حاولت الإدارة العثمانية التوصل إلى تسوية مع القبائل محترمة استقلاليتها في ظل قيادتها الموروثة . وكانت الضرائب ، الضئيلة القيمة ، تُجمع وتُرسل من قبل الزعيم . وفي مقابل امتيازاته ، كانت الخدمة العسكرية الإجبارية تحت قيادة الزعيم الموروثة مطلوبة .
إن سكان الجبال المسلمين والمسيحيين أظهروا بعض الخصائص المشتركة . الإدارة الإمبراطورية عمدت عادة ً ، إلى تقسيم القبائل الكبيرة التقليدية إلى عشائر مستقلة بقيادة زعماء منضبطين ومُعترف بهم رسميا . وعلى الرغم من أن مناطق رعيهم Yurt والطرق التي يسلكونها في انتقالهم الفصلي بين المراعي الصيفية والشتوية كانت محددة في سجلات رسمية ، فإن الخلاف مع الفلاحين والسلطات الإدارية لم يكن أمرا غير مألوف . فالرعاة كرهوا التقييدات البيروقراطية والتسجيلات والضرائب ، وعندما تضعف السلطة المركزية ، يصبح استياؤهم خارج حدود الانضباط .

تموز / 2011

انتهى .

..







 
رد مع اقتباس
قديم 18-08-2011, 10:22 AM   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: التاريخ يُقرأ من الأحدث ..

كفى استخفاف بالعقول العربية
ديار الهرمزي
أكبر جالية التي اتية بهم العثمانيون الى العراق والتركية والسورية من الايران ومن بلوجستان هم اكراد , ام تركمان هم بقايا السومريون اصحاب الحضارة ،،، لقد فشلتم في العراق لعزل التوركمان عن السياسة وسوف تفشلون في سورية ايضا للعلمك عندما يسأل اي عربي في العراق عن التوركمان يكون والنعم انهم وطنيون علينا ان نتعلم منهم معنى الوطنية...كفى استخفاف بالعقول العربية لانهم اكثر يقظة اليوم من الامس...ديار الهرمزي

الاكتشاف الأثري الأهم لهـذا العام جماجم مغولية
ديار الهرمزي
عمرها 7 آلاف عام في تل أسود بغوطة دمشق عثرت البعثة الاثرية السورية..الفرنسية في موقع تل اسود بقرية جديدة الخاص في غوطة دمشق على قرية انموذجية مبنية من الطين تعود الى الالف السابع قبل الميلاد. وعثر في القرية على جماجم مغولية بأقنعة جصية والعيون منزلة من مادة القار تشير الى وجود طقوس شعائرية وجنائزية في ذلك العصر اضافة الى بدايات التحنيط الامر الذي شكل ثورة معرفية في التاريخ. ويعد هذا الاكتشاف من اهم الاكتشافات الاثرية في سورية لهذا العام. وفي تصريحه لمندوب سانا أمس قال الدكتور بسام جاموس المدير العام للمتاحف والآثار ان الاكتشاف الاخير في موقع جعدة المغارة الواقعة على الضفة اليمنى لنهر الفرات والمتمثل بمنحوتة الثور الملونة اكدت على انتشار عبادة الثور المقدس في هذه المنطقة اضافة الى اكتشاف تمثال نصفي للربة عشتار المصنع من مادة الجبس الزجاجي والتي تؤكد عبادتها منذ الألف التاسع قبل الميلاد. اما فيما يتعلق بالاكتشاف الجديد في موقع حالولا على نهر الفرات اوضح مدير عام المتاحف والآثار ان البعثة الاسبانية وبالتعاون مع الطلبة السوريين العاملين في الموقع فقد عثرت على جدران وأرضيات منازل ملونة بالاسود والاحمر والبني مما يدل على فكر فني متطور وإن صح التعبير ان هذا الاكتشاف يدل على وجود مدرسة فنية تعود الى الألف السابع قبل الميلاد مؤكدا غنى سورية بالاوابد التاريخية والرموز الحضارية وانه يمكن القول في كل يوم كشف جديد يضيف الوليد الى التليد. سانا

.
.

تعقيبين كريمين من الأخ ديار الهرمزي ..
على نصنا السياسي تحت عنوان :
بقايا عثمانيين .. أو مواطنين سوريين ..!!
الذي نشر على صفحة دنيا لرأي , بتاريخ : 16/8/2011 ..
وفي منتديات مجلة أقلام , في الساحة السياسية , تحت عنواننا الرئيسي ( دائرة الشيطان ) .

الأخ ديار الهرمزي ..
نحن لا نستخف بالعقول العربية ولا التركية , حفظ الله عليك عقلك .
لا احد يعطي شهادة في الوطنية لأحد , ولا أحد يعلم أحدا الوطنية , نحن العرب والكرد والتركمان والارمن والاشوريين والكلدان والسريان والبربر والامازيغ والطوارق والموسويين من بني اسرائيل .. وكل شعوب هذه الجغرافيا التاريخية , متساوين في الدور الحضاري والجوهر الانساني والفكر التوحيدي , وهذه الجغرافيا التي بنينا صروح حضارتها تراكميا على مر كل هذه الالاف الجليلية من السنين , هي ملك للجميع وتتسع لهم , وهذه الحضارة الخالدة هي ملك للعقل الانساني وصناعته , ودافع حقيقي واخلاقي لصناعة شراكة حقيقية في المستقبل , وانتهى الحديث هنا , ويكفي .
ثم لا اريد الحديث عن ضرورة ان تكون هناك (مواطنة كاملة) في جغرافية تركيا العسكريتارية , بين الترك والعرب والكرد اولا , وبين الفسيفساء الاسلامي التركي الغني ثانيا , ثم اخرجوا علينا بالحديث عن المواطنة عندنا .

أمّا من ناحية الاكتشافات الأثرية وتوظيفها الحاد سياسيا في جغرافية تعاقبت عليها شعوب وأمم وزالت وبادت عبر أكثر من (عشرة الاف سنة) ..!!
نحن هنا نلمس بوضوح تأثير (الفكر التاريخي القومي الصهيوني) على (الفكر القومي التركي الماسوني) , مع الأسف الشديد .
الآثار قضية علمية , وحتى يكتمل التنقيب في منطقة الشرق الأوسط , وتتولى دراسة اللقى والرقيمات الاثرية , جامعات معاهد علمية حضارية انسانية مخلصة لرسالتها الاخلاقية , لتحرر هذا التاريخ من التوظيفات الاستعمارية الدينية والاقتصادية الذكورية العنصرية البيضاء .
الآثار لا تعطي حقوقا سياسية في جغرافية تاريخية ولا تتعطل حقوقا سياسية , بل الواقع التاريخي المستمر على الأرض , وليس المنقطع .
هذه الاثار , تكرّم الانسان وعقله , ولا تكرم عرقا او شعبا او دينا او طائفة او عشيرة او قبيلة .
الا بمقدار ما ننحو بارادتنا لضعف في بنية عقلنا واخلاقنا نحو الفكر التلمودي الذي يدعي بوجود (شعب الله المختار) أو طائفة الله المختارة أو عرق الله المختار .
هذه وثنية وكفر والحاد , تعالى الله , خالق البشر جميعهم , عن ذلك علوا كبيرا .

..







 
رد مع اقتباس
قديم 19-08-2011, 09:59 AM   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: التاريخ يُقرأ من الأحدث ..

ديار الهرمزي

توركمان حقيقة سياسية وكيان قوي ...

لا يجوز تهرب من مطاليب التوركمان وحقوقه المشروعة .. نعم ان الكيان التوركمان قديم جدا .. ان العلماء الاثار والمؤرخون ثبتوا ذلك من خلال الاكتشافات والدراسات التي اجريت للاثار السومرية في العراق ... بيّن لهم ان هناك تشابه كبير بين اثار وفخاريات الحضارة السومر في بلاد الرافدين وحضارة... ننه .. انو ... اي حضارة الام التوركمانستانية ... التوركمان هم غراس الحضارة الاولى في بلاد الرافدين ... هي حضارة السومر ... وهم ايضا غراس حضارة ايلام ..أيْلَم .. علوم وعلماء واطباء وادباء وكُتابْ ومثقفين التوركمان هم غراس الامس ونبات اليوم وثمار المستقبل... اسلاف التوركمان قدموا العناية الملائمة لغرس الحضارة الاولى في العراق التي لازال تقطف العالم من ثمارها وخيراتها ... نعم التوركمان على سيرة اسلافهم يحبون غرس المحبة لتكون نبات اليوم و ثمار المستقبل ، ولذا فإن الاهتمام بالمطاليب التوركمان وحقوقهم المشروعة من قبل العقلاء والمثقفين يعد المؤشر الحقيقي لوعي هذه القومية بمستقبلها .. خاصة ان التوركمان في حالة من الغبن والتهميش والتي تحمل في طياتها ضعفا مرحليا ، وقصورا عن القيام بأمورها .. ولهذا وجب ان يقوم المجتمع التوركماني كله بجميع مؤسساته المختلفة في خدمة القضية التوركمانية وبخاصة في وسائل الاعلام التي يمكن ان تقدم للتوركمان خدمة كإيصال صوتهم للعالم اجمع ...من خلال متابعتي لكتابات والمقالات والنشرات .. وجدت ان الدراسات المتعلقة بتوركمان قد تعرضت لتشويه والتحريف ومحاولة تقليل من شأن القومية الثالثة ... فمعظم المقالات والكتابات ولا سيما فيما يتعلق بتاريخ التوركمان قبل الاسلام وبعد الفتح الاسلامي لبلاد ما وراء النهر ... الموطن الاصلي لتوركمان والتورك ... اقتصرت على بعض دراسات والبحوث الاستشراقية التي ليس من المتوقع ان تقدم للقارئء معلومات حقيقية وامينة عن هذه القومية ... وانطلاقا من ان لكل عصر متطلباته التي تختلف عن متطلبات عصر اخر سبقه ، وجدت ان من احد واهم واجبات عصرنا واجتياجاته تقديم دراسات اكادمية شاملة و مميزة عن شعب التوركمان ... هذا واجب الاساتذة الاكادميين التوركمان المختصين في دراسة التاريخ.. اما من ناحية سياسية يجب على المجتمع الدولي ضغط على الحكومة لاستجابة لمطاليب التوركمان المشروعة وعدم هروب من الحقيقة ،لان التوركمان جزء لايتجزأ من الشعب وله نفس الحقوق اسوة لاخوانهم من العرب والكورد ووو ...للعلم ان النسل التوركماني قادة العالم الاسلامي وحماه مايقارب الف سنة وقدم مئات الاف من الشهداء من الاجل الاسلام ... اتمنى ان مسائل السياسة لاتأثر على العلاقة الانسانية الموجودة بين الاطياف



ديار الهرمزي

انت تتهم شعب كاملا بالخيانة

يعني اتهامك لا منطقي مرفوض رفضا قاطعا من قبل كل عاقل وفاهم ... انك ليس لديك اي مستمسك ان تركمان من بقايا العثمانيون... ألم تعلم شيئا عن التركمان السلاجقة والاتابكة والايلخانيين والجلائريين والصفويين والقجار والخوارزميين والخروف السود والخروف الابيض والمماليك والخشيديين والطولونين كل هؤلاء حكموا المنطقة قبل العثمانيين ألم تقرأ عن عماد الدين الزنكي ابن اق سنقر وابنه نور الدين محمود الزنكي ؟؟؟؟
هل تعلم ان صلاح الدين ايوبي ووالده وعمه وجده شاذي خدموا في بلا ط التركمان ؟؟؟؟؟
وهل تعلم ان العلاقة بين الكرد والتركمان علاقة الاف السنيين هم اخوة في الانسانية والدين والتاريخ؟؟؟
ما ذنب التركمان اذا سلبت حكام الدول المنطقة حقوق الكرد والتركمان والعرب وغيرهم وظلموهم واعتدوا عليهم ؟؟
تركمان هم ضحايا سياسات التطهير والتهميش ... اما بالنسبة الخونة والخيانة كل الشعوب فيهم اناس صالحيين واناس طالحيين...


.
.

تعقيبين كريمين تاليين من الأخ ديار الهرمزي ..
على نصنا السياسي تحت عنوان :
بقايا عثمانيين .. أو مواطنين سوريين ..!!
الذي نشر على صفحة دنيا لرأي , بتاريخ : 16/8/2011 ..
وفي منتديات مجلة أقلام , في الساحة السياسية , تحت عنواننا الرئيسي ( دائرة الشيطان ) .

.
.
شريكي في التاريخ والمستقبل ..
هنا تغير الحديث , أصبح أكثر هدوءا وتنظيما , وسبق وذكرت لك أهمية العودة إلى البحث التاريخي العلمي الاحترافي الأخلاقي لكل تاريخ المنطقة .
لقد أوضحت لنا الفرق بين الشعوب بمعنى القبائل ذات اللهجات , التركمانية , وبين العثمانيين , وهذا أمر جيد .
إذا أنت توافقني الرأي على أن الأتراك المعاصرين يستثمرون تاريخ التركمان الحضاري عبر جغرافية الشرق الأوسط , ويعيدون الفضل كله لبيت عثمان , وهذا محض افتراء وتوظيف تاريخي حاد وغير علمي على الأقل .
وأتمنى عليك أنت أيضا , أن لا تعيد تاريخ المنطقة كلها لفضل التركمان وحده وتلغي دور بقية الشعوب .
وارغب في لفت انتباهك إلى علاقة العراق التاريخي بجغرافية بلاد عسير واليمن , وكتابات الدكتور كمال الصليبي حول الموضوع , ونظريته التي تقول بان الأكاديين عرب من شبه الجزيرة .
عندما تضع التركمان والعرب والكرد , كشرائح متساوية في صناعة حضارة هذه الجغرافيا العظيمة , عليك أن تقبل المساواة في الحاضر والمستقبل أيضا .
كل أحرار هذه الجغرافيا الإنسانية يا صديقي تتحرك اليوم لإنتاج وصناعة (المواطنة الكاملة) للجميع في كل مكان , وتبقى الهوية التاريخية مجرد ترف فقط .
أنا اتهم النظام السياسي التركي الماسوني القائم اليوم في أنقرة , بخيانة تاريخ التركمان والعثمانيين , وعلاقتهم بجوارهم التاريخي , وتوظيف المكونات التاريخية لهما , في خدمة أمريكا وإسرائيل , هكذا وببساطة .
وأتمنى عليك مراجعة السجلات الرسمية للدولة العثمانية بعد منتصف القرن التاسع عشر , وقرارات السلاطين , التي تتحدث , والتي أمرت بنقل معارضين أتراك إلى داخل البلاد العربية .
ومراجعة وثائق استعمارية فرنسية وانكليزية وروسية ويونانية , أشارت إلى حركة عائلات يهودية عبر تلك الجغرافيا , ثم طلبت منهم البقاء حيث هم والتحول .

..







 
رد مع اقتباس
قديم 19-08-2011, 10:58 AM   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: التاريخ يُقرأ من الأحدث ..

_ 2 / 1 _

تاريخ الدولة العثمانية ..
بعيون مؤرخين أتراك معاصرين .

نقلا عن ..

الاجتهاد
مجلة متخصصة تُعنى بقضايا الدين والمجتمع والتجديد العربي الإسلامي
العددان الواحد والأربعون والثاني والأربعون
السنة الحادية عشر
شتاء وربيع العام 1419هـ / 1999 م

رئيسا التحرير
الفضل شلق ورضوان السيد


الدولة العثمانية في الدراسات الحديثة
من الإمارة إلى الإمبراطورية


البحث التاريخي ليس على "التاريخ كما حدث بالفعل" , ولكن "كيف أصبح على ما هو عليه في الحقيقة" .

تكوّن الدولة العثمانية
جمال كفادار
ترجمة عبد اللطيف الحارس

قراءة متأنية للنص ..
أو إعادة قراءة إنسانية للنص .

إنها إذا حتمية القوانين العلمية التاريخية , تلك التي أدت إلى ظهور الدولة العثمانية , عبر أدواتها الواعية وغير الواعية ، في لحظتها التاريخية .
وليست بأي حال من الأحوال نبوءة درويش , أو حلم الهي , أو إرادة زعيم شاب صادف أن كان اسمه ربما "عثمان" .
ومما لاشك فيه ، أن "روحية الغزو" التي يعزى الفضل إليها وحدها , في ظهور الدولة العثمانية , وابتلاعها للإمبراطورية البيزنطية بقيادة "البيت العثماني" الذي اعتاد التجوال في مرتفعات بيثينيا , في جغرافية التخوم .
"روحية الغزو" هذه , ليست إلا التعبير الأدبي الأسطوري القاصر , عن التعبير العلمي والدقيق "الحتمية التاريخية" .

إن اعتماد البيت العثماني على سياسة انتقال السلطة إلى "وريث وحيد" , ليس فقط مجرد خروج عن التقاليد (المغولية _ التركية) , بل هو فعل التطور الطبيعي في بنية الإدارة ضمن الإمارة , بدأت رعوية , ثم تحولت إلى نظام اقتصادي أكثر تعقيدا بما لا يقارن , ونمت جغرافيتها على ( التحالفات الاقتصادية ) , ثم جاءت التحالفات العسكرية كنتيجة طبيعية لها .

الأكيد أن البيت العثماني انطلق من بيثينيا ، والأكيد أن تاريخ الدولة العثمانية الرسمي كتبه السلاطين أنفسهم , لإصباغ كل الشرعية والقداسة على ملكهم , ويبقى لعلم الآثار والتنقيب , ودراسة المخطوطات الموثقة أينما وجدت في لغاتها الأم وإخضاعها جميعها للتدقيق في المختبرات اللغوية المختصة ، الحسم في معرفة من أين ومتى جاء "البيت العثماني" إلى بيثينيا .

عندما نتذكر أن والد الاسكندر المقدوني كان محاربا ، عندما نتذكر أن والد هانيبعل القرطاجي كان محاربا , يصعب علينا قبول فكرة أن كل شيء قد بدأ مع "عثمان" ، ويسهل علينا أن نقبل فكرة أن والده "أرطغرل" , كان محاربا أيضا .

إنّ الواقع السياسي العسكري على الأرض , في منطقة التخوم غرب الأناضول , ربط الشرعية السياسية لحكام الوحدات الصغيرة المستقلة , بخانات المغول وسلطنتي السلاجقة والمماليك والإمبراطور البيزنطي ، جاعلا من هذه البيئة ذات الاستقلال النسبي والحدود السياسية القلقة ، وذات الغنى الاقتصادي , بيئة جاهزة للاستقلال ومهيئة لبناء دولة مركزية بقيادة أمير محلي ، تماما كما كان عليه الحال عندما وحّد بسمارك , كل تلك الإمارات الألمانية الصغيرة والمتناثرة .

علينا أن نتوقع أن يكون "بيت عثمان" في تلك الحقبة , هو البيت الأغنى اقتصاديا , والقادر بذلك على صناعة الدولة المركزية الاقتصادية أولا , والتي تحمي الجميع ويحتاجها الجميع , متجاوزين الاختلافات اللغوية والعرقية والتاريخية .

علينا أن نتوقف الآن , عن النظر إلى هذا القائد الافتراضي المسمى لاحقا "عثمان" , على انه ذلك الرجل الأسطوري القائد الأكثر حكمة وذكاء وشجاعة وقوة ودهاء ونبلا وشهامة ، كما لا نزال نفعل جميعنا إلى اليوم , في تقديسنا لحكامنا الأغبياء , بل والمتخلفين عقليا .
بل علينا أن ننظر لهذا "العثمان" , على انه كان الأكثر قدرة على ( التعبير عن مصالح الأكثرية ) , التي وقفت معه وصيرته زعيما , في مواجهة الأقلية , التي تضررت مصالحها واصطدمت به .

إن تلك النتائج التاريخية , التي تعزى دائما إلى تلك المصاهرات الاستثنائية , لن تكون يوما إلا تعبيرا بدائيا وطفوليا , عن تلك الروايات الأسطورية المخضلة بالخيال , والتي يصر الجميع على أنها تاريخ .

علينا دائما أن نستعيد كلمة ذلك الفاتح العظيم القرطاجي "هملقار برقة" , والد ذلك القائد العسكري الأسطوري "هانيبعل" , الذي كان يقول دائما وهو يفتح المدن الاسبانية المحصنة الواحدة تلوى الأخرى :
إن أعظم الأسوار العاتية , لا يمكن لها , إلا أن تفتح بواباتها الصلبة والعالية , لبغل محمل بالذهب .

ولذلك علينا دائما , ونحن ندرس أهمية الموقع الجغرافي للمدن التي صارت عواصم إمبراطوريات , ومراكز لإدارة دول وحضارات , إلى أن تلك التضاريس الجغرافية , لتلك الممالك الخالدة ، استمدت قوتها الحقيقية ومناعتها وتأثيرها المباشر على مجريات التاريخ , من وعي إنسانها وقوة اقتصادها , أولا وأخيرا .
إن تلك الجغرافية التي صارت منيعة في زمن العثمانيين , كانت ضعيفة في زمن البيزنطيين , لأنهم أهملوا إنسانها واقتصادها .

إن قانون ( قتل الأخوة ) الذي شرع في عهد محمد الثاني (1451_ 1481) ، برز مع مراد الأول (1362 _ 1389 ) .
هذا القانون كان حتما مطبقا في زمن "أرطغرل" وفي زمن "عثمان" وفي زمن ابنه "أورخان" .
بالبطش والتصفيات الدموية , استطاع "بيت عثمان" المحافظة على وحدة مملكته , ومنع تقسيمها من الداخل , وهم بذلك قد يكونون تلامذة أفضل للتاريخ من منافسيهم ، ولكنه تاريخ تلك السلالات الدموية , وتلك الإمبراطوريات العسكريتارية , وليس أكثر من ذلك .

إن انتقال سلطة الدولة العثمانية إلى الضفة الأخرى من الدردنيل , اعتمد على تحالف "أورخان" مع (بيت الكارازي) وإستراتيجيتهم القتالية , وهو ما دفعهم لاحقا إلى ابتداع جيش جديد هو "الانكشارية" , المؤلف من (شباب كانوا عبيدا) حتى يكون ولاؤهم الوحيد للسلطان .

إن تحالف "بيت عثمان" مع (عائلة الجاندرلي) هو الذي سمح لهم ببناء الدولة المركزية ذات مؤسسات الحكم المعقدة .

إن أسلوب أسر أو خطف الصبيان , من عائلات الفلاحين غير المسلمين , وتحويلهم إلى "عثمانيين" , ثم يرفعون إلى أعلى مراتب الحكم , يعبر بوضوح عن طريقة (الحكم الديكتاتوري) الذي يقبل كل إشكال التحالفات التي تقود إلى الولاء والتبعية , والتي تقف حتما , حتى قبل , حدود الشراكة في السلطة .
النظام الرسمي العربي والملكي منه تحديدا , لا يزال نموذجا فاقعا .

الآن علينا أن نتوقع أن كل حلفاء "بيت عثمان" التقليديين والتاريخيين , من قادة الحركات الصوفية , إلى جماعات الآخيين , إلى محاربو التخوم وعلى رأسهم أمراء الأوك , وبعض الغزاة قد , تحولوا الآن إلى (معارضين حقيقيين ومسلحين) ، وقد وصّفتهم الدولة العثمانية بأنهم متمردين أو هراطقة أو أصحاب بدع , وقضت عليهم بوحشية , الواحد تلو الآخر .

وإذا كان من الطبيعي أن يستبدل مفهوم (الغزو الحقيقي) بمفهوم (الدولة المركزية) , فلا بد أن هذا التحول قد تم قسريا , أو بطريقة دموية .

لقد كان الانتقال من أدرنة إلى القسطنطينية , بعد سقوطها بيد محمد الثاني , نهاية زمن مفهوم (الغزو الحقيقي) ، وتكريس سيادة (الإدارة المبنية على العبيد) .

آب / 2011

صافيتا / زياد هواش

..







 
آخر تعديل زياد هواش يوم 19-08-2011 في 11:06 AM.
رد مع اقتباس
قديم 22-08-2011, 01:02 PM   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: التاريخ يُقرأ من الأحدث ..

_ 3 / 1 _

تاريخ الدولة العثمانية ..
بعيون مؤرخين أتراك معاصرين .

نقلا عن ..

الاجتهاد
مجلة متخصصة تُعنى بقضايا الدين والمجتمع والتجديد العربي الإسلامي
العددان الواحد والأربعون والثاني والأربعون
السنة الحادية عشر
شتاء وربيع العام 1419هـ / 1999 م

رئيسا التحرير
الفضل شلق ورضوان السيد


الدولة العثمانية في الدراسات الحديثة
من الإمارة إلى الإمبراطورية


البحث التاريخي ليس على "التاريخ كما حدث بالفعل" , ولكن "كيف أصبح على ما هو عليه في الحقيقة" .

الدولة والرعايا .. 1
خليل إينالجك
ترجمة عبد اللطيف الحارس

قراءة متأنية للنص ..
أو إعادة قراءة إنسانية للنص .

[لقد رسّخ سليمان أولا وجوده على شبه جزيرة غاليبولي سنة 1352 كحليف لجان كانتوكوزانوس المدّعي للتاج البيزنطي.]
سليمان ابن أورخان ابن عثمان ابن أرطغرل .
لقد أدخل صاحب طموح بيزنطي , العثمانيين إلى أوروبا , في واحدة من تلك الصراعات الإنسانية التقليدية والمستمرة , داخل البيت , على السلطة .
تماما , كما فعل (الخلفاء العباسيين) , عندما أدخلوا أبناء عم البيت العثماني , إلى بغداد , في صراعهم المستميت على السلطة .
لقد أخفقت دولتين مركزيتين عظيمتين , الدولة البيزنطية , ومن قبلها , الدولة العربية , في إنتاج آليات سياسية صحيحة لانتقال السلطة , فعادت جغرافية الدولتين لتقع كلها تحت حكم (البيت العثماني) الذي أنتج تلك الآلية الرهيبة , (قانون قتل الأخوة) و جيش (المرتزقة الانكشارية) .
بالتأكيد , (الغزو الإسلامي) يجب أن يسمى "فتحا" , لأنه ساهم في نقل الجغرافيا التي استهدفها , من حالة سياسية واقتصادية أدنى , إلى حالة سياسية واقتصادية مركزية أعلى .
تماما كما فعل (الغزو اليوناني) في تلك الجغرافيا , عندما حطم الإمبراطورية الفارسية العسكريتارية الأدنى , والذي يجب أن نسميه أيضا "فتحا" .
في حين لا يمكننا تسمية (الغزو العثماني) بـ "الفتح" , تحت أي مقياس تاريخي , لأنهم حطّموا إمبراطورية بيزنطية مركزية ومدنية , وبنوا مكانها (سلطنة عثمانية) عسكريتارية .
وورثوا الدولة العربية الإسلامية , فأوقفوا قسريا (دورتها الحضارية) , سياسيا واجتماعيا واقتصاديا , بل وحتى إسلاميا , عندما حطموا ونهائيا , تلك الحالة الدينية الفلسفية الفعالة والمتحركة , لنصل إلى ما نحن عليه اليوم , (إسلام الأشخاص) أو إسلام (الطرق الصوفية) في أحسن الحالات .
إن مصطلح ( الفتح ) , لا يجب أن يرتبط بالإسلام , بل بذلك الإسلام الحضاري الإنساني المدني الايجابي , والتشاركي والفعال , بل وحتى المستقبلي .
وبطبيعة الحال , ( الفتح ) ليس هو ( الهداية ) ولو لبس لبوسها الضيق عليه , ولا هو وسيلة ( الدعوة ) الفضلى .

[وعندما تحدى بايزيد تيمور، تعرض لخسارة ساحقة في معركة أنقرة سنة 1402، وانهارت إمبراطوريته.]

[ولكن الاستقرار ما لبث أن عاد وبسرعة خلال عهدي محمد الأول (1413 _ 21) ومراد الثاني (1421 _ 51)، لأنهما استطاعا البناء على المؤسسات الصلبة السابقة للدولة العثمانية.]

[كل القوى السابقة من جيش الانكشارية، ومالكي التيمار السُباهيين، العلماء والبيروقراطيين.. كانت لها مصلحة مشتركة في إعادة إحياء الدولة المركزية.]

[ومما تجدر ملاحظته بعد العاصفة التيمورية التي أودت بالإمبراطورية العثمانية الأولى تحت قيادة بايزيد الأول، أن مركز جاذبية الدولة قد تحول نحو البلقان.
ومن البلقان أعاد العثمانيون سيطرتهم على غرب وشمال الأناضول قبل وصول محمد الثاني فاتح استانبول (1451 _ 81)، إلى السلطة.]
استطاعت الإمبراطورية العثمانية أن تعود إلى الحياة بعد العاصفة التيمورية , لأنها مثّلت أو قامت على تلك التحالفات التي(يريد استمراريتها الجميع) أو تلك التحالفات التي (يحتاجها الجميع) أو تلك التحالفات التي (تحفظ مصالح الجميع) .
واستطاعت الإمبراطورية العثمانية الثانية أن تقوم , لأنها استندت إلى تلك المؤسسات الصلبة التي ورثتها الإمبراطورية العثمانية الأولى عن الدولة البيزنطية المدنية المركزية , التي كانت قائمة .
وكذلك فعلت الدولة العربية الإسلامية , عندما استندت إلى مؤسسات تلك (الحياة الاقتصادية النّشطة) لمدن بلاد الشام , وما رافقها من تنظيمات سياسية وتشريعية وتنظيمية , على درجة عالية من المرونة , ولكنها تفتقر إلى المركزية الإدارية والسياسية .
لقد سارع (العرب الفاتحين) , إلى بناء مركز إداري وسياسي , عصري وحديث ومنفتح , لدولتهم الفتية , وأحكموا سيطرة هذا المركز الحيوي على الأطراف التي تتوسع باستمرار , وبفعالية دائمة .
ولكن الدولة العربية الإسلامية , عجزت عن العودة إلى الحياة , بعد العاصفة المغولية , لأنها حولّت تلك المؤسسات المركزية التنظيمية الجبارة , في أواخر أيام الدولة العباسية , إلى مجرد (مؤسسات مالية لجباية الضرائب) .
وكذلك فعلت الإمبراطورية العثمانية الثانية , بالضبط , وهكذا أيضا بدأت رحلة انكماشها .
أو بتعبير معاصر , أفسدت البيروقراطية المركزية المتنامية , في الدولتين , العربية والعثمانية , عملية التنمية الاقتصادية الجبارة , وأوقفت النمو الاقتصادي للأطراف , وتعطلت الشراكات المُربحة والمُطمئنة للجميع , وبدأت رحلة الانكماش الحتمي .
كان طبيعيا أن تنتقل عاصمة الدولة العربية الإسلامية الأولى , من مكة الراشدين , إلى دمشق الأمويين , ثم إلى بغداد العباسيين , قبل أن تعصف بها الصراعات على السلطة , وإدخال العنصر التركي , كطرف مرجح في الوصول إلى الخلافة , وضامن للبقاء فيها , إلى حين .
وكذلك كان طبيعيا أن تنتقل الإمبراطورية العثمانية الثانية إلى "القسطنطينية" , كعاصمة جديدة لها تعبر عن تجددها , بعيدا عن "أدرنة" التي فقدت حيويتها .
في اللحظة التي تتحول فيها العاصمة / المركز , للدولة / الإمبراطورية , من دورها القيادي الطبيعي الصارم , إلى الدور التحكيمي التوافقي الدبلوماسي , داخليا , تبدأ رحلة الانكماش الاقتصادي والسياسي .
وهذا التحول في الدور , يعود إلى بطء عملية التحول من (اقتصاد الغزو) إلى (اقتصاد الاستقرار) .
وهذا البطء في التحول , يعود بطبيعة الحال إلى أمراء الحرب (الغزاة) , الذين يريدون ثمن التضحيات فورا , تلك هي عقلية (المرتزقة) .
عندما تتحول العاصمة من مركز لـ (إدارة الاقتصاد) , إلى مجرد (مركز مالي) , تتحول الأطراف من حالة (الإنتاج والتصدير) إلى حالة (الاستهلاك والاستيراد) , ويبدأ الانكماش ويتسارع .
الضرائب قد تكون (العمود الفقري) لأي اقتصاد مركزي , ولكن أن يتحول الاقتصاد المركزي إلى مجرد عملية (جباية ضرائب) منظمة ودقيقة وفقط , تتحول الدولة إلى حالة (احتلال اقتصادي) , ثم طبقي وعسكري وديني طائفي .
الريعية الضرائبية , تبدأ , ليس فقط بأكل الاقتصاد وتعطيل نموه , بل بتنمية الديكتاتورية العسكريتارية التي لا ترحم .
وتضاف إلى المهام العسكرية , للقوات (التي تنمو بديلا عن الاقتصاد) , والتي تقوم فلسفتها أو عقيدتها القتالية على حماية الحدود .
تضاف مهمة القمع الداخلي وتأمين تدفق (أموال الضرائب) , ليبدأ الانكماش الواسع الطيف , لدى الشعوب في بيئاتها , وداخل الفئات التي تعمل .

[إنّ نهضة القوة البحرية العثمانية في البحر الأبيض المتوسط كانت لها نتائج عظيمة ليس فقط على صعيد توسع الحكم العثماني إلى الأراضي العربية من سورية إلى مصر والمغرب، وإنما أيضاً بطردهم للبرتغاليين من البحر الأحمر.]
لو عدنا في الزمن , ودرسنا التأثير الحضاري والاقتصادي لحركة الأساطيل اليونانية والفينيقية , وأساطيل قرطاجة , ثم قارناها بالأساطيل الرومانية , أو أساطيل الحملات الصليبية , في البحر الأبيض المتوسط .
أو تقدمنا في الزمن , إلى حقبة الأساطيل الانكليزية والفرنسية .
الفرق , هو بين تلك الأساطيل التي نقلت البضائع والمعرفة والثقافة , وحرّكت دورة اقتصادية كونية في زمنها , استفاد منها الجميع .
وبين تلك الأساطيل العسكرية التي حمت تلك الحركة الإنسانية الحضارية البحرية , وتلك التي نقلت جيوش الغزو والدمار .
يبقى هناك ضرورة صارمة , لدراسة دور وأثر الأساطيل البحرية العثمانية , في البحر الأبيض المتوسط , هل كانت اقتصادية أولا , أو محض عسكرية أولا وأخيرا .

إن ثقافة (الغطاء الإسلامي) لحركة القوميات التاريخية , في جغرافية العالم القديم , لا تزال سائدة بل طاغية .
ولا يكفي لقراءة أي حركة قومية تاريخية أو معاصرة , ايجابيا , أن تكون ترفع تلك الشعارات الإسلامية , التي لا تغني برفعها لوحدها في السماء , عن "فعل" تطور وتنمية , وعن دور إنساني وحضاري , وعن بناء مؤسساتي تشاركي حقيقي , على الأرض .

آب / 2011

صافيتا / زياد هواش

..







 
رد مع اقتباس
قديم 25-08-2011, 05:35 PM   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: التاريخ يُقرأ من الأحدث ..

_ 4 / 1 _

تاريخ الدولة العثمانية ..
بعيون مؤرخين أتراك معاصرين .

نقلا عن ..
الاجتهاد / العددان الواحد والأربعون والثاني والأربعون

الدولة العثمانية في الدراسات الحديثة
من الإمارة إلى الإمبراطورية

الدولة والرعايا .. 2 و 3 .
خليل إينالجك
ترجمة عبد اللطيف الحارس

قراءة متأنية للنص ..
أو إعادة قراءة إنسانية للنص .

[قبل التحدي العثماني اعتبر المماليك القوة الإسلامية السُنية الأولى لأنهم تغلبوا على المغول ، وأصبحوا حُماة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة واحتفظوا أيضاً بالمتحدرين من الخلفاء العباسيين في القاهرة .
وبحذر شديد مّيز العثمانيون في دعايتهم بين العرب و" المماليك المضطهدين " تحت زعامة السلطان النشِط سليم الأول (1512 – 1520) ، وقرروا إنهاء الحكم المملوكي للأراضي العربية .]
[هناك أسطورة ، اختُلِقت على مايبدو في القرن الثامن عشر ، تُخبرنا بان المتوكل ، احد المتحدرين من الأسرة العباسية ، تنازل عن حقوقه كخليفة إلى سليم الأول في احتفال رسمي .]
[إنّ الفكرة التقليدية للغزو ، الجهاد ضد المشركين ، أُعيدت صياغتها من قبل العثمانيين في القرنين الخامس عشر والسادس عشر لدعم التوسع العثماني في الشرق ، على حساب جيرانهم المسلمين .
فعندما قرر العثمانيون اتخاذ موقف ضد منافسيهم المسلمين – سلالات الأناضول ، ثم الأق قوينلو ، وأخيرا الصفويين في إيران – اتهموهم بإعاقة العثمانيين عن القيام بواجبهم الأساسي ، الحرب المقدسة ضد المسيحية الغربية . ووجد العثمانيون موافقتهم للحرب ضد المبتدعة .]
الخلافة ..
هذه هي إحدى تجليات (مفهوم الخلافة) في العقل العسكريتاري (للبيت العثماني) .
هي ذلك الحق الشرعي , (للبيت الإسلامي السنّي) في القضاء على كل المنافسين والمعارضين من داخل هذا البيت ومن بقية المنازل الإسلامية , بحجة (الحرب المقدسة على المسيحية الغربية) و (حماية الحرمين الشريفين) , ولاحقا "خدمتهما" .
ما أشبه الأمس باليوم , أو هو تشابه كل (الديكتاتوريات الدينية) , نحن أمام شعارات لا تزال تُستعمل إلى يومنا هذا , لتشريع الحروب الفتنوية داخل البيت الإسلامي ومنازله الكثيرة , ولتبرير وجود قواعد عسكرية غربية , في بلاد المسلمين .
العقل القومي العثماني , كان لينظر إلى الرسول العربي , أنه كان (مسلما سنّيا) .
وان (صك خلافته) كان معقودا للبيت العباسي , وأن مجرد تنازل من أحد ورثة "البيت العباسي" إلى أحد سلاطين "البيت العثماني" , يصير كافيا لهم , وسندا نهائيا (للتحليل والتحريم) وإعلان (الجهاد المقدس) على من لا يرون فيه (مسلما صحيحا) , بمعنى (معارضا سياسيا) ..!!
إن مفهوم استعادة (الخلافة) , نظاما سياسيا _ دينيا , في فكر وعقيدة الحركات الإسلامية , لا يزال يرتبط إلى يومنا هذا , بتلك الإضافة القومية العسكريتارية العثمانية , لذلك المفهوم الإسلامي المطوّر (الغزو المقدس) .
بالتأكيد هناك فروق زمنية وفقهية حاسمة , بين قضيتي (الفتح) و (الجهاد) , في زمن الخلفاء الراشدين , ثم في زمن كل من تلاهم , هذا من جهة .
وبين قضية (الغزو المقدس) , الذي خلط بين قضية (الفتح) و (الجهاد) , وخلق هذا المفهوم الثالث الهجين .
وصولا إلى مفهوم (الجهاد) في فكر مؤسس الفكر الإسلامي الشيخ الباكستاني أبو الأعلى المدودي .
نحن هنا لا نستطيع أن نخوض في نقاش فقهي معقد , لقضايا كانت المحرك والدافع الفلسفي للحضارة الإسلامية , بل كل ما في استطاعتنا فعله , هو أن نعيد قراءته التاريخية بتأني وانفتاح .
في زمن الراشدين , كانت القضايا الثلاث مختلفة فيما بينها , وواضحة الحدود والمعالم والتعاريف , قضايا :
(الخلافة) و (الفتح) و (الجهاد) .
كانت حدود (الخلافة) محسومة , هي قضية (شورى) وليست قضية (وراثة) .
وكان كل الجدل الحقيقي , بين الأربعة الراشدين , حول (آليات تطبيق) هذا المفهوم , والدولة الفتية أمام تحدياتها الوجودية .
السؤال الآن :
هل كلمة (قضية الشورى) فقهيا تعني استشارة (بعض الناس أو كل الناس) ..!!
وهل (قضية الشورى) , سياسية أو دينية ..؟؟
إذا كان التشريع الإسلامي يميز دينيا بين المسلم وغير المسلم , هل الإسلام السياسي يميز في الحقوق والواجبات بين المسلم وغير المسلم ..؟؟
هل تعني (قضية الشورى) استشارة أهل السنة والجماعة , أو كل منازل البيت الإسلامي , أو كل "رعايا" الدولة العربية الإسلامية .
هل انتقلت الخلافة (السلطة السياسية) بين الأربعة الراشدين , عبر استشارة (كل الناس أو بعض الناس) .
_ هذا هو سؤال المستقبل العربي والإسلامي الأول والاهم بما لا يقارن ..؟؟
حتى تاريخه , كانت لا تزال (قضية الشورى) تعني , ولو نظريا , لتعطلها منذ العهد الأموي , استشارة أهل الحل والربط , جماعة الخليفة أو السلطان , (حلقته الضيقة) .
مع انتقال قضية (الخلافة) في زمن البيت الأموي , إلى مفهوم (الوراثة) , سقطت (الشورى) في العالم الإسلامي كمصدر وحيد ونبوي للشرعية السياسية , ولا تزال .
هنا احتاج البيت الأموي , وكل من تلاهم في الحكم , إلى شرعية (الفتح) لتبرير (الوراثة) , وبقية قضية (الجهاد) في العقل العربي المسلم , قضية (فقهية سلمية) إذا صح التعبير , ترتبط بالقيم الإسلامية الإنسانية التسامحية والتشاركية , بل هي قضية (تهذيب النفس) عند أصحاب العقيدة .
عندما وصلت قضية (الخلافة) إلى (البيت العثماني) , إلى خارج (البيت العربي) , إذا جاز لنا التعبير , صارت دائرة المعترضين والمعارضين للنظام السياسي , أوسع بما لا يقارن .
وصار حتميا أن ترتبط الشرعية السياسية , (بروحية الغزو) الإسلامي المقدس , باعتباره (فتحا وجهادا) في الوقت نفسه , تعويضا عن شرعية (الخلافة) الغائبة أو العربية , في حين كانت قضية (الوراثة) من ضمن الشرعية السياسية للبيت المغولي أو بتعبير أدق , البيت التركماني .
كان تغييب قضية (الشورى) لصالح قضية (الوراثة) , السبب الرئيسي في تحوّل قضية (الجهاد) , من قضية تربوية في المقام الأول , لتهذيب وتربية ذلك (الإنسان المسلم) .
إلى قضية (هوية وحيدة) لهذا الإنسان المسلم , في فكر الشيخ المدودي .
(هوية وحيدة) بملامح وسمات (الفتح) كما طوره (البيت العثماني) , أو بملامح وسمات (الغزو المقدس) كما صار يراه أيضا الشيخ المدودي .
وذلك كله على حساب قضية (الشورى) لصالح قضية (الوراثة) , ولو بغطاء (حامي أو خادم) الحرمين الشريفين , أو من نسل ذلك (البيت الهاشمي) الذي قَبِل حتى النهاية بالشرعية السياسية عبر (الشورى) وحدها .

[إن الدولة العسكرية الأوتوقراطية للعثمانيين قد قدمت الأداة التي تمكن بواسطتها العالم الإسلامي أولا من مقاومة ثم مهاجمة الغرب .]
[اتبع العثمانيون دبلوماسية فعالة في أوروبا ، ففي كل الأماكن دعموا القوى المعارضة للبابوية ولآل هابسبورغ ، مثل الكالفنيين في فرنسا ، وهنغاريا والملكيات القومية الناشئة في فرنسا وانكلترا . بالإضافة إلى الحملات العسكرية المتتابعة ، عبّر العثمانيون عن دعمهم بإعطاء امتيازات تجارية للدول الصديقة (فرنسا سنة 1569 ، انكلترا سنة 1580 ، والأراضي المنخفضة سنة 1612 ) وعلى المدى الطويل ، فان هذه الامتيازات التجارية قد أعطت دفعا قويا لاقتصاديات الدول الغربية المدعومة من قبل العثمانيين .]
[النظام الاقتصادي والنقدي العثماني انهار في القرن السابع عشر بسبب الاقتصاديات الماركنتلية العدوانية للدول الأوربية التي حلت محل البنادقة في المشرق .]
[أما العامل الذي كانت له آثار تدميرية على الاستقرار المالي العثماني فكان انخفاض سعر النقود الفضية ، والسبب الرئيسي لذلك كان تدفق الفضة الرخيصة من أوروبا بعد سنة 1580 .]
[وكنتيجة لهذه الثورات ، لم تعد الإمبراطورية العثمانية في القرن السابع عشر تلك الإمبراطورية الحيوية التي كانت في القرن السادس عشر .
إنّ نظام التيمار ، الذي ولد في ظروف خاصة بالعصور الوسطى ، قد تحطم بشكل لا يمكن إصلاحه . وقد استبدل به جيش مجهز بالبنادق من المرتزقة وبمالية مركزية تحولت نحو الضرائب المدفوعة نقداً . واستُبدل بالعملة العثمانية النقد الأوروبي ، ودخل الاقتصاد في مجال المركنتاليات الأوربية " European mercantilists " .]
الفقرات المقتبسة هذه , من النص الأصلي , لا تحتاج إلى كثير عناء وجهد , لرسم الصورة الصحيحة , لحقيقة بنية الاقتصاد الوطني في الدولة العثمانية .
ضم المزيد من الأراضي , استعمار أراضي في أوروبا , ادخل العثمانيين في (لعبة الأمم الاقتصادية) , وبسبب عدم وجود بنية حقيقية للاقتصاد , كان هناك انتعاش وهمي داخل الإمبراطورية العثمانية , في حين , وعلى المدى الطويل , أعاد الاقتصاد الأوروبي (امتصاص التدفق الاقتصادي) لكامل جغرافية الإمبراطورية العثمانية , إلى داخل أوروبا .
ففي مكان ما , يمكننا رؤية المشهد بكامله , عسكريا واقتصاديا , كما لو أن العثمانيين كانوا الذراع العسكرية للاقتصاد الأوروبي , بعد استيعاب الأوروبيين للصدمة الأولى , وهذا ما أطال عمليا (عمر الإمبراطورية العثمانية) , لحين كانت هناك حاجة لإعادة إنتاج اقتصاد كوني جديدي , عبر الحرب الكونية الأولى .

[وليس بمستغرب أن الصوف والجلود يأتيان دائما في مقدمة لائحة المواد المصدرة إلى أوروبا من الأناضول العثماني والبلقان من القرن الرابع عشر إلى القرن العشرين .]
بكلام بسيط , ترتسم صورة الاقتصاد العثماني كله , (بدائي رعوي) .

انتهى .

آب / 2011

صافيتا / زياد هواش

..







 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 05:42 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط