نقاش هادئ حول شعار: لازم حازم 2-2

[هشام النجار]

بقلم/ هشام النجار
اتفقنا على أن العاملين للإسلام إذا اتخذوا لأنفسهم سبيلاً لإقامة الدين فلابد من التزام الشرعية والواقعية.. وألا يجعلوا موقفاً سياسياً بعينه أمراً حتمياً وواجباً مقدساً.. بل عليهم أن يراجعوه وأن يمحصوه مع كل جديد من متغيرات الواقع.. وليحذروا من أن يضعوا آراءهم السياسية في منزلة المقدس.
فالحتمي واللازم الوحيد عند المسلم هو القرآن والسنة.. أما الاجتهادات البشرية والاختيارات السياسية فلابد من تمحيصها بين الحين والآخر لاختبار صلاحيتها من عدمه.
هناك شق آخر لا يكتمل الدرس إلا به.. وأرى لزاماً عليّ نقل ما تعلمته في كنف مفكري وقادة الجماعة الإسلامية إلى إخواننا في حملة "لازم حازم" و "حازمون" كاملاً دون نقصان.. لأنني غيور على الحركة الإسلامية.. وخائف على مستقبلها.. ولا أريد من أحد أن يلومني بعد ذلك.. كما قمنا نحن بعتاب ولوم الإخوان المسلمين على تقصيرهم الشديد في المكاشفة والشفافية والوضوح الذي كان ينبغي أن يكونوا عليه.. وهم ينقلون تجربتهم إلينا.. وكان النقل المخل المشوب بالعناد والمكابرة وعدم الاعتراف الكامل بالأخطاء.. وتحميل الأطراف الأخرى كامل المسئولية في الأحداث.. جزءاً من مأساة تكرار محنة الإخوان في الستينات مع الجماعة الإسلامية في التسعينات من القرن الماضي.
فبلا شك أن قضية أنصار الشيخ حازم أبو إسماعيل قضية عادلة.. وهي لا تختلف عن قضية الجماعة الإسلامية وعن قضية الإخوان قبل ذلك.. فالكل يسعى لنصرة الإسلام وتطبيق الشريعة الإسلامية.. والسؤال هنا:
هل معنى عدالة قضيتك أن تقوم من أجلها بأي شيء؟!!.. أم أن لعدالة القضية إطاراً ولنصرتها مسلكاً يفرضه الشرع ويحكمه الواقع؟!!
والمشاهد واقعاً وتاريخاً أنه إذا تجاوز أهل الحق وأصحاب القضية العادلة حدود الشرع أو أهملوا معطيات الواقع.. فإنهم يضرون بعدالة قضيتهم.. ويشككون في مصداقيتهم وفى ثبوت حقهم.
النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل زعيم المنافقين عبد الله بن أبى بن سلول.. رغم أن قتله قضية عادلة "لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه".. هنا مراعاة النبي الحكيم للواقع وعدم إهمال معطياته.. والنظر فيما سيترتب على الخطوة التي سيقوم بها مستقبلاً.
فالحكمة تقتضى أن يحافظ أصحاب الحق على الحق الذي معهم.. وأن يتجنبوا كل ما يضر بحقهم أو يسئ إلى سمعتهم.
تعلمنا في الجماعة الإسلامية في حضرة مفكرها الشهير "د/ ناجح إبراهيم".. أن كثيراً من أصحاب القضايا العادلة يتحمسون لعدالة قضيتهم.. فينطلقون بغير حساب في القيام بممارسات غير مدروسة يكون لها أسوأ الأثر عليهم وعلى قضيتهم.. وهناك من يتمادى فيخسر كل شيء ويضيع كل شيء.. وهذه بعض النماذج:
الفلسطينيون أصحاب قضية عادلة وكان العالم كله يتعاطف معهم.. إلى أن قاموا بخطف طائرات الركاب المدنية في السبعينات.. فانقلب التعاطف مع قضيتهم إلى ضده.. ولكنهم لما أدركوا ذلك تركوه حفاظاً على قضيتهم.. لكي تظل عادلة في عين المجتمع الدولي.
وتنظيم القاعدة قضيته عادلة.. ويهدف للدفاع عن الإسلام وقضايا الأمة المسلمة.. ويسعى لتحرير البلاد الإسلامية من القوات الأجنبية التي تحتلها.. إلا أنه لما قتلت القاعدة آلاف المدنيين في أحداث سبتمبر 2001م أضر ذلك بقضيتهم العادلة.. فتسببوا في احتلال أفغانستان وانطلاق أمريكا في بلاد الإسلام تجوس خلال الديار فاحتلت العراق.. وأصبحت بلاد الإسلام في أسوأ وأخطر ظرف تاريخي مر بها على الإطلاق.. فضلاً عن الأخطاء الشرعية الكبيرة التي حدثت في الحادي عشر من سبتمبر.
إذا ً ليس معنى عدالة قضية أنصار الشيخ حازم أبو إسماعيل أن يفعلوا من أجلها أي شيء.. أو أن يتبنوا خيارات غير مدروسة لا تحقق المصالح وتقلل من مكاسبهم وتفقدهم تعاطف الناس معهم .
تعلمنا من تجربة الجماعة الإسلامية بمصر أن عدالة القضية لا تعني حتميات ولزوميات نفرضها نحن على الواقع وهي لا تناسبه زماناً ومكاناً.. وتعلمنا أن هناك متسع وبدائل رعاها الشرع.. وأتاحها الواقع يمكننا بها تحقيق الكثير من أهدافنا التي لا تتحقق بالجمود على خيار واحد.. أضفينا عليه قداسة في غير محلها.
والمسلم الواعي البصير بتاريخه وواقعه هو من يتبنى الخيار الأمثل والبديل المناسب في الزمان والمكان المناسبين.. وتلك هي السياسة التي ورثناها عن أعظم سياسي عرفه التاريخ البشرى وهو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي اختار الصبر في مواقف.. واختار الصلح في مواقف.. واختار التفاوض في مواقف.. واختار المواجهة المسلحة في مواقف أخرى.. وكل هذه الخيارات كانت تخدم قضية عادلة واحدة.
على إخواننا أنصار الشيخ حازم أن يتأملوا جيداً تجربة الجماعة الإسلامية المصرية.. وهم أصحاب قضايا عادلة ألزموا أنفسهم بخيار واحد فحدثت المواجهة المسلحة.. فتضاعفت أعداد المعتقلين وسقط القتلى.. وتمزقت أوصال المجتمع.. وعاشت أسر المعتقلين مآس لا تزال آثارها حتى اليوم.
وفي التجربة الجزائرية أسدى المفكر التونسي الشيخ راشد الغنوشى نصيحة لإخوانه في الجزائر وقال لهم "نافسوا على ثلث مقاعد البرلمان .. والثلث كثير".. إلا أنهم اختاروا المنافسة على جميع المقاعد وحصلوا على الأغلبية.. فتدخل الجيش وأُلغيت الانتخابات واشتعل الصراع المسلح وسقط القتلى بالآلاف من النساء والأطفال وزج بالآلاف من أبناء الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى غياهب السجون.. وتحول الكثيرون من عقيدة أهل السنة إلى عقيدة الخوارج والتكفير.. ودار صراع دموي لا تزال الجزائر تعانى منه حتى اليوم .
على إخواننا قراءة الواقع جيداً.. وقبل ذلك عليهم أن يتذكروا فضل الثورة السلمية عليهم.. وأن الفضل الأكبر في نجاحها وحريتهم يرجع إلى سلميتها .
الأحد الموافق
8-6-1433هـ
29-4-2012م