الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > منتديات اللغة العربية والآداب الإنسانية > منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي

منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي هنا توضع الإبداعات الأدبية تحت المجهر لاستكناه جمالياته وتسليط الضوء على جودة الأدوات الفنية المستخدمة.

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-02-2015, 10:23 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عبدالرحيم التدلاوي
طاقم الإشراف
 
الصورة الرمزية عبدالرحيم التدلاوي
 

 

 
إحصائية العضو







عبدالرحيم التدلاوي متصل الآن


افتراضي قراءة في إضمامة "قط شرودنجر" لحسن البقالي

صدرت عن وراقة و مطبعة البوغاز ، المجموعة القصصية " قط شرودنجر " بحرسنة ، 2014 ، في 80 صفحة من الحجم المتوسط ، تضم بين حناياها 76 نصا مشرقا. تختلف بين نصوص لم تتجاوز الأربعة أسطر بفعل الإضمار و الحذف و التكثيف الشديد ، و نصوص تتمدد لتبلغ حدود الصفحة بكاملها من دون أن يعني ذلك احتفاء بالتفاصيل المخلة بشروط القص الوجيز ، فالنصوص ذات هذا الطول لم تكن مترهلة و لا سمينة بحيث تتطلب عملية شفط صحي ، بل بالعكس ، هي نصوص تمددت لكون دلالتها تتطلب ذلك التمدد ، مع المحافظة على الرشاقة المطلوبة و الحذف البليغ.

مدخل:حسن البقالي، القاص الساحر، صناع الدهشة:

لعلي لا أبالغ إذا قلت : إن حسن البقالي صائغ بكل ما تحمله هاته الكلمة من براعة ، و مهارة ، و قوة سبك ؛ و قد تحقق له ذلك باعتماده على ثقافة واسعة ، عميقة و متنوعة. نصوصه مثقلة بالرموز الثقافية ذات الحقول المتشعبة ؛ تجمع بين البصري و الكتابي ، الغربي و العربي ، إضافة إلى الموسيقى و الحقل العلمي ، فضلا عن خيال خلاق. و هو ما جعله يأتي بنصوص غاية في البراعة ، نصوص يمكن عدها سبائك من ذهب ، تحقق الدهشة و المتعة ، و الإبهار. و هي نصوص كونية لأنها تخاطب الإنسان في أي زمان و مكان. إنها نصوص تنطلق من المحلي لتعانق العالمي ؛ إذ أنها تهتم بقضايا الإنسان ، و تعالج مشاكله ، و تطرح همومه النفسية و الوجودية.
و بذا ، نجد أنفسنا أمام كاتب فذ ، يلتقط المعاني المطروحة ، فيعيد بناءها ببراعة نافثا فيها الكثير من روحه و خياله ، فتأتي مبهرة و عجيبة ، لا تشبه النصوص التي طرقت الموضوعات نفسها ، و في هذا تميزها و تميز رؤية كاتبها. و أبرز مثال دال على ما سبق من قول ، نص " دوران الأرض " فالكثيرون طرقوا هذا الموضوع من زوايا متباينة و مختلفة ، لكن البقالي طرقه برؤية عميقة و بصوغ رائع ، و قدم نصا مبهرا بتشكيل مختلف و جديد.
تأتي مجموعة " قط شرودنجر " كلبنة من لبنات بناء صرح القصة القصيرة جدا ، لتشكل سدا منيعا ضد النطحات الرعناء لبعض الأقلام المتحاملة على هذا النوع من الكتابة ، و لتؤكد حضورها في المشهد الثقافي. فبعض النقاد لم يستوعبوا بعد هذه الكتابة إما عنادا و إما تجاهلا ، و إما اعتمادا على النصوص الأردأ ، فهاجوا و ماجوا ، و نزلوا نقدا ساخرا ، و تحاملا غير مبرر ذريعتهم تلك النصوص التي نجد لها أشباها و نظائر في كل الأنواع الأدبية ، بما فيها النقد.
" قط شرودنجر " مجموعة من النصوص الرائعة التي تؤكد أن الإبداع لا علاقة له لا بالحجم و لا بالنوع ، فحيثما وجد فثمة المتعة و الفائدة معا، تعتمد في كتابتها على مهارة خاصة، فتنتزعنا من ذواتنا، و توفر لنا إمكانية الحلم و التذوق
أصل القط:.
قط شرودنغر: هي تجربة ذهنية قدمها إرفين شرودنغر ليبين فيها المشاكل التي رآها بتفسير كوبنهاجن وتأثير الوعي الإنساني في عملية الرصد والقياس الفيزيائي خصوصا في الحالات الكمومية. العلبة تحتوي ذرة متفككة، في حال أصدرت الذرة جسيما باتجاه عداد غايغر ينطلق سم سيانيد قاتلا القطة، الاتجاه المعاكس لا يقتل القطة. بدون الاستعانة برصد بشري مباشر تكون حالة الذرة المتفككة عبارة عن دالة موجية باحتمال 50 % إطلاق جسيم بالاتجاه القاتل و 50 % بالاتجاه غير القاتل أي أن حالة القطة هي حالة مركبة من الموت والحياة.
القط في الأمثال الشعبية:
كثيراً ما نردد المثل الشعبي "زي القطط بسبعة أرواح" دون أن نفكر في سبب إطلاق هذه التسمية على القطط بالذات ، والسر في أقدام القطط وآذانها، فالواقع أن القطط دوناً عن بقية المخلوقات تتميز بجسد مرن يساعدها على تحمل صدمة السقوط من الأماكن العالية، دون أن تصاب سوى بخدوش قليلة ، وذلك ربما يعطينا إيحاءً بأن القطط يمكنها العودة إلى الحياة عقب المرور بحوادث سقوط قاتلة ، وقدرة القطط على تحمل تلك الحوادث القاتلة للإنسان، والحيوانات الأخرى لا ترجع بالطبع إلى امتلاكها لسبعة أرواح كما يشاع، ولكن لعدة مميزات تمتلكها، أهمها حجمها الصغير، وجسدها الخفيض، وهو ما يقلل أثر اصطدامها بالأرض حينما تسقط من ارتفاعات كبيرة وقاتلة ، علاوة على ذلك تملك القطط أذناً وسطى تكسبها حساً خارقاً بالتوازن، وهو ذو أهمية جوهرية عند نزولها على أقدامها.

القراءة:
تنبثق النصوص من نقطة التماس ، كخيط معاوية ، الجامعة بين الأضداد ، فهي تنهض لخلق معانقة بين قاموس لا يعانق بانسجام بقدر ما يخلق التنافر ، إذ نرى أن القصص كلها تقريبا ، تعمل على تلوين الفضاء بمعجم يصهر الكلمات المتضادة ، و يعيد بناءها لتشكل لحنا له إيقاع التآلف ، و التناغم. و هكذا ، تظهر الحياة كموسيقى غير ذات نشاز في الكثير من النصوص ، فالموت يذوب و الفرحة في لوحة واحدة تؤكد معانقة الأشياء و توحدها، و من الأمثلة الدالة على هذا،قصة"طعم المحال" ص 43، حيث الجمع بين الحب و الكارثة في وشيجة لا انفصال بين عناصرها، و في قصة "شمس ساطعة" ص 61، إذ يرد في سطرها الأول القول التالي:"حين لا تملك شيئا، فأنت تملك كل شيء".

يولد القاص نصوصه من رحم الواقع و من بطون الكتب و من مشاهداته البصرية و من عمق التجربة ، فيعيد تشكيل كل ذلك بلغة مناسبة و خيال خلاق و رؤية عميقة و ثاقبة. فاعتمادا على القولة السائرة ، المعاني مطروحة في الطريق ،* نجد البقالي ، يؤكد على أنها لا يمكن أن ترى إلا لذي بصيرة ، و لمن يمتلك حسا فريدا ، و تميزا في التقاط المميز، و ما لا يرى ، و إعادة تشكيله بطريقة تشهد له بالتميز و الفرادة ، و كذلك هو حسن البقالي ، الذي يؤكد في مجموعته هاته ، أنه صائغ فنان ، و أنه يأتي بسبائك مبهرة ، إذ يعيد بناء المواد بطريقة مبهرة لا تتأتى إلا لذي موهبة خارقة ، و هنا تميزه؛ ففي نصوصه الإبداعية نجد انفسنا مقذوفين في عالم تحييلي يقطر عذوبة و يولد الدهشة و يحقق المتعة ، فقد كتب الكثيرون عن قضايا كثيرة و مشابهة ، لكن البقالي لم يعد ما هو معروف بشكل عادي ، لقد بناه بطريقة مبهرة ، تبدو سهلة ، لكنها تدخل في باب السهل الممتنع ، لا يمكن تقليدها مهما أوتينا من مهارة.
لهذا، يصح التأكيد على أهمية "الصناعة" القصصية في بناء نص قصصي بمواصفات نوعية. من هنا، صار القاص البقالي مأخوذا بالإجادة والإتقان، مع ما يعنيه ذلك من تحكّم في النص القصصي على مستوى بناء محمولاته وموضوعاته، وعلى مستوى بناء أدواته وعناصره الفنية والجمالية.
فمثل طائر يهبط إلى الأرض بسرعة ليلتقط شيئا لا نراه، كذلك يفعل القاص حسن البقالي في كل كتاباته، يلتقط صورا نادرة من حياتنا اليومية، و يعيد تلوينها بقلمه الساحر، في صور مدهشة و غريبة كأنها من عالم آخر.
يُفصح مبدأ الصناعة الإبداعية في بناء النص القصصي عن دوافع تجعل كل قاص يتبنى هذا المبدأ؛ دوافع تفرض نفسها من داخل الكينونة النوعية للقصة القصيرة جدا، ومن داخل الشروط المتحكمة في المتخيل القصصي.
اقترن الإنسان، في سيرورته الوجودية، بالمتخيل، فصاغه في قالب حكائي، لكن ذلك لا يجعل كل "حكَّاء" قاصا. لهذا، يعد الاحتكام لمبدأ "الصناعة القصصية" إقرارا بالطابع النوعي، جماليا ومعرفيا، للنص القصصي.

إن "صناعة" القصة القصيرة جدا ،تتطلب التحكم في مكوناتها السردية، وضبط اشتغال دلالاتها، وحسن بناء كيانها الجمالي. إنها العناصر الكفيلة بإنتاج نص قصصي نوعي، وليس مجرد "تمرين جمالي

تعدّ (شعرية المفارقة) أحد أبرز المظاهر التشكيلية التي اشتغلت عليها هذه القصص، إذ يشعر القارئ أن كلّ قصة منها تنهض في تشكيل بنائها وفضائها السردي على بناء شعرية مفارقة، تتمكن من لفت انتباه القراءة إلى المحتوى الرمزي والسيميائي للعلاقات المؤسسة لشكل المفارقة ومحتواها الدلالي.
ففي نص "حنين" ص 76، تتبين المفارقة المولدة للسخرية من فعل قتل نابع من نفاق سياسي تذهب ضحيته نخلة اجثثت من أرضها، و تم اقتلاع ذاكرتها ، كل ذلك من أجل تزيين المدينة التي ستشعرها باغتراب، مما يولد لديها رد فعل قوي، تعبر عنه بنظرتها الشزراء لهذا المكان البارد:" و تنظر شزرا إلى ليل العاصمة"، و ليس عبثا توظيف كلمتي: ليل و العاصمة.
أما ما يمكن ان نصطلح عليها هنا بـ (التوازي الدلالي في صناعة اللقطات القصصية)، فيمكن معاملة هذه القصص بقدرٍ عالٍ من حساسية هذا المفهوم السردي، وهو يقود القارئ إلى مشهد يتمّ فيه صوغ لقطتين متوازيتين تعملان في نسق واحد، ولا بدّ من الاستمرار في متابعة التوازي الدلالي بين اللقطتين من أجل استيعاب طبيعة الصورة السردية التي تؤلفها اللقطتان.

يؤكد النصان الأولان:"الجد الأول في شجرة الأنساب" ص 2 و "رمل متحرك" ص 3، حقيقة فلسفية تقول : إن الحياة سرد ، و الإنسان فيه إما سارد أو مسرود له. و تتمخض عن هاته الحقيقة فكرة أساس مفادها أن هوية الإنسان سرد ، بمعنى أن الإنسان كائن حكاء ، لا يستقيم وجوده من دون حكاية يسردها. و من هنا ، نصل إلى استنتاج ألا و هو إن السرد ذو سطوة على الناس ، سطوة تجعلهم غير قادرين على التخلص منه ، لأنه حقيقتهم ، و عنصر حياتهم ، لا يمكن أن يعيشوا من دونه ، فهو الهواء الذي يتنفسونه. و هذا ما يؤكده بورخيس بقوله : لا أظن أن البشريتعبون أبدا من سماع و حكاية القصص. و إذا ما رافق متعة سماع القصص، احتفاظنا بمتعة إضافية من كرامة الشعر و جدارته، فإن شيئا عظيما لا بد أن يحدث عندئذ.

هناك حقيقة أخرى تقول : إن التطور سنة الحياة ، و أن الثبات مضاد كئيب لها ، و تترتب عنها قضية فرعية تتمثل في التحول ، أي الانصراف من هيأة لأخرى بما يفيد قضية التطور و يقويها. و هذا الأمر خفي على الرجل الفقير الذي أراد أن يحرق نهائيا حتى يتخلص من الحجيم بعدم انتقال روحه إلى جسد آخر ، و هو يريد السير حثيثا بفعله إلى الجنة ، لكن النسيان ، أو لنقل : لعبة الحياة و مكرها أبيا إلا وضعه في المنطقة المظلمة .

نلاحظ احتفاء المجموعة بأعلام الفكر و الفن و الأدب ، و من هنا دلالة ولادة نصوص الإضمامة من رحم الكتابات السابقة عليها ، و من بطونها و بطن الواقع المادي و الملموس، و من بطون أخرى أيا كان مصدرها ، بشرط توفر العين الثاقبة ، و الحس السليم ، و الرؤية الإبداعية العميقة ، و السبك الرائع ، و اللغة المشرقة ، و ضبط قواعد الجنس. و هما ما نراه على مستوى الكتابة الإبداعية الحاضرة هنا.




يقول الجاحظ: " المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي، والبدوي والقروي، والمدني..وإنما الشأن في إقامة الوزن ، وتخير اللفظ، وسهولة المخرج، وكثرة الماء، وفي صحة الطبع وجودة السبك، فإنما الشعر صناعة، وضرب من النسج، وجنس من التصور"
عن كتاب الحيوان.ج: ٣. ص: ١٣١-١٣٢


و القصة القصيرة جدا، هي، أيضا، جنس من التصور والخيال والجمال والحكمة والدقة في نقل صورة لا يدرك كنه تفاصيلها غير الشاعر ويحولها المتلقي لما أوصله إليها إحساسه بما لمسته من ألمه أو أمله


نصوص المجموعة عبارة عن كبسولات مضادة للرتابة ، و مانحة مصلا دفاعيا ضد الإسهال و سيل الكتابة الرديئة ، و حافظة للذوق من التردي. معظم نصوص المجموعة تتطلب قراءة واسعة لمتون أدبية و فنية حتى تتمكن من فك شيفراتها ، و القدرة على مسك دلالاتها ، ذلك أنها أقامت حوارا بناء مع اعمال أدبية و فنية كثيرة ، و لعل من أبرزها : رواية " العطر "و فيلما "و العمى" ، Misery ".

و عن الفيلم السابق"MISERY نجده يعالج مسألة الحب المرضي ، حب الاستحواذ إلى درجة التدمير ،فقد ينحرف الحب عن دلالته الإيجابية و السوية ، ليصير دالا على عصاب نفسي ، و وسواس قهري، بفعل الخوف من الوحدة و الانعزال ، فحاجة الإنسان للحب تكمن في خوفه المتأصل عنده من الانفصال و العزلة و ما يترتب على ذلك من محاولاته الجادة و المرضية إلى قهر حالة الانفصال التي تعيشها بتجربة الاتحاد و الاندماج مع الحب. و قد قاد شخصية الفيلم لتحقيق ذلك إلى القتل و سفك الدم كنوع من هضم الحبيب و الانصهار معه في ذات واحدة ، إنه حب استحواذي و مدمر ، يعكس خارجيا ما تعيشه الشخصية من خراب داخلي ، و بالنتيجة ، فإن شخصية القصة لا الفيلم ، و بفعل مشاهدته للشريط ، وجد نفسه و تلقائيا مرتعبا كرد فعل جوابي عن سؤال الحبيبة.



عندما كنا أطفالاً، لم نكن نمتلك أي وسيلة لمراجعة الحقائق التي تردنا بوصفها حقيقة والتمعّن فيها. لم نكن نجرؤ على إظهار ولو قليل من الشك، لم نكن نجرؤ على المطالبة بدليل أو برهان، وكنا عادةً نسلّم ونقبل بما يقال لنا بدون أي تساؤل. أهلنا أيضاً كانوا قد قبلوا ما جرى إخبارهم به وصدّقوا كل ما قاله لهم أهلهم؛ فالموت و البعث من المسائل العويصة التي لا يمكن للطفل فهمها أو استيعابها إلا بشكل مبهم و مشوش ‘


وكوننا لم نطوّر أي ملكات أو قدرات فكرية نقدية قمنا بقبول الأفكار والمفاهيم التي قدّموها لنا. لا يسعنا فعل شيء آخر غير ذلك. لقد تحوّلت البرمجة الطفولية المبكّرة إلى عادة. قسم كبير من الدماغ قد تطوّر خلال نموّنا وترسّخت فيه الأفكار والانطباعات الدينية بشكل عميق ومتجذّر، تماماً كما تجذّر الاعتقاد الخاطئ ببابا نويل في عقول الصغار التي تفتقر إلى القدرة على التمييز بين الحقيقة والخرافة.
و نص "السؤال" ص29 خير مثال، فالطفل الذي تابع عملية حرق الجثة باهتام، ألقى على الحضور سؤاله المتولد من المشهد الصادم، غير أنه لم يتلق أي جواب شاف، كون القصة انتهت بما تم طرحه، و في ذلك ما يشير إلى الصمت الذي أعقب الطرح، و بذا، ظل الجواب معلقا إلى حين.

لعل العنف الممارس في المدرسة و المنزل يلعبان دور الكابح للسؤال، و المانع للتفكير، هذا العنف الذي قد يقود إلى الموت، كما في قصة" نفاد صبر" ص 44، فالطفل كان يشاغب أثناء حصة الشرح، غير أن المدرسة لم تتمالك اعصابها، فقذفت به من النافذة، و يكتمل المشهد السخر ببكائها.
و البكاء دليل اعتلال نفسي؛ و قد جاء بناء النص معبر عن هذا الاحتلال، إذ التلاعب بالزمن عبر عن ذلك ببلاغة، فالنص لم يختمد السرد الكرونولوجي، بل اعتمد تكسير بنية الزمن، عإشارة إلى ما تعانيه المعلمة من خلل.
و تستثمر الإضمامة موضوع الطفولة بشكل كبير، و تفرد له حيزا مهما، فبالإضافة للنصين السالفين، نجد نص"قفز في الفراغ" ص21 ليعبر عن المرارة التي سيستشعرها الطفل الممثل و قد توهم بلوغ النجومية، لقد كان غير محمي من الاستغلال، و غير مدرك لأبعاد هاته الغابة الفنية التي تخفي الوحوش: لم يكن يعرف أن الوسط الفني غابة تسكنها الضواري، ص 21، و النتيجة، أنه كان محض أرنب صغيرأبيض و راجف، أي أنه لم يكن سوى ضحية لا غير. و من هنا قفزته في الفراغ.

بعض تقنيات المجموعة:
سنقف عند بعض التقنيات التي تم توظيفها في تشكيل النصوص المدهشة و المبهرة، و أولى التقنيات: الهرم المقلوب، و الالتفات، و التنازل.

الهرم المقلوب: 1
يقدم نص المجالدون ص 47، النموذج المثالي لهاته التقنية، فرأس السلطة جاء في الأسفل، و في حين، جاءالمحكونون في الأعلى، و هؤلاء التابعون، هم مهاجرون، اضطرتهم ظروف عيشهم في بلدانهم الأصلية إلى الهجرة بحثا عن ظروف أفضل. تعرضوا، هناك، لكل أشكال العنف و التحقير، و هم ينتجون ثروة، لا سيتفيد منها إلا أهل البلد، و بخاصة رأس الهرم، الذي لا يفكر سوى في غانية يقضي معها أوقات متعة، صارفا همه بعيدا عن هموم هؤلاء المجالدينفلم يفطر مطلقا في تحسين ظروف عيشهم، و الأدهى و الأمر، في هذا الانحطاط، قيام المسؤول باستغلال بنات هؤلاء المهجرين، إنه يستغل الآباء و الأبناء معا. لابد من الإشارة إلى أن النص مستوحى من قصة حقيقية، و كان الهدف نقد الاستغلال، و تعرية واقع منحل ينخر المجتمع و السلطة معا.

الالتفات: 2

حيث ينقسم النص إلى مقطعين، الأول يكون حول شخصية ما، و الثاني حول شخصية أخرى، مما يعني انتقال الضمير من شخصية لأخرى، أي: يتم تبئير الأولى، و بعدها تبئير الثانية. و إذا كان نص المجالدين ص 47 يمثل هاته التقنية، فهي تحضر في نصوص أخرى، مثل نص "النهد" ص 19، إذ القسم الأول يتحدث عن التجميل، و الثاني عن شهوة الجراح. النص يجمع بين شهوتين، شهوة صاحبة النهد، و شهوة الطبيب الجراح.

النزول أو التهاوي: 3

يقدم لنا نص "ناكاتا" ص 75 النموذج الدال عن هاته التقنية، إذ يقدم لنا الشخصية بحالتها المدنية، معبرا عن بلوغه سن الموت، و يصل بنا القص إلى هاته النتيجة، إن النص يبني السقوط بطريقة التنازل، المعبر عن الانحطاط فالموت.
إن الإضمامة لم تكتفي بهاته التقنيات، بل ن كل نص يبني تقنيته الخاصة و الدالة على التمازج القوي بين المبنى و المعنى.
لنقد تحليلا لقصة معبرة عما قدمناه، يتعلق الأمر بنص"حقيقة" ص 55: يأتي الاستهلا لمعبرا عن فعل
يتلوه غياب رد فعل، أي: غياب الاستجابة.
يتكرر الفعل ثانية.
يعقبه غياب رد فعل.
مما يضع القارئ أمام تساؤل: ما السبب؟
في الوسط، تأتي النتيجة: لا داعي للمتابعة.
و هي نتيجة تولد سؤالا آخر: لمه؟
يعقبها المطلوب: للمزيد من المقاطعة.
و في القفلة، ينبثق التنوير المدهش: أحدكما على الأقل ينتمي إلى عالم الظلال ص 55، إن النص يدخر السبب إلى الأخير، مما يولد حالة من الاستغراب، تعقبها أسئلة عدة، من دون جواب، أو أن الأجوبة المحتملة لم تستحضر عنصر الظلال، مما يولد خيبة أفق القارئ، بمعناها الإيجابي.
على سبيل الختم:
ما قلناه يبقى غيضا من فيض، يدعو النقاد إلى الاهتمام بهذه المجموعة الحابلة بالعطاء، إذ يصدق عليها ما قاله الشاعر عن اللغة العربية: هي بحر في أعماقها الدر كامن، و يبقى على النقاد الغوص لاستخراج مكنوناتها و جواهرها.
المجموعة رائعة لكاتب استثنائي.






التوقيع

حسن_العلوي سابقا

 
رد مع اقتباس
قديم 07-02-2015, 11:50 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
سحر م على
عضوية مجمدة
 
إحصائية العضو







سحر م على غير متصل


افتراضي رد: قراءة في إضمامة "قط شرودنجر" لحسن البقالي

مشكووووووووووور كتير

جزاك الله خيرا







 
رد مع اقتباس
قديم 08-02-2015, 05:08 PM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عبدالرحيم التدلاوي
طاقم الإشراف
 
الصورة الرمزية عبدالرحيم التدلاوي
 

 

 
إحصائية العضو







عبدالرحيم التدلاوي متصل الآن


افتراضي رد: قراءة في إضمامة "قط شرودنجر" لحسن البقالي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سحر م على مشاهدة المشاركة
مشكووووووووووور كتير

جزاك الله خيرا
شكرا لك، أختي الفاضلة، سحر
سرني تشجيعك.
مودتي






التوقيع

حسن_العلوي سابقا

 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 09:55 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط