|
|
منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي هنا توضع الإبداعات الأدبية تحت المجهر لاستكناه جمالياته وتسليط الضوء على جودة الأدوات الفنية المستخدمة. |
مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان) |
|
أدوات الموضوع | التقييم: | انواع عرض الموضوع |
29-03-2006, 02:55 AM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
الخيال وأثره في الأعمال الأدبية حسين علي الهنداوي
الخيال وأثره في الأعمال الأدبية يرى / جان ستاروبنسكي / في تحديده لمفهوم الخيال ص 165 من كتابه (( النقد والأدب )) أن الخيال الأدبي ليس إلا فرعاً خاصاً لملكة نفسية عامة جداً لا ينفصل نشاطها عن نشاط الشعور وتشير لفظة (( خيال )) إلى العلاقة التي تصل فعل الكتابة الأدبية بالمعطيات الأساسية لوضع الإنسان وتسهم في إقامة رابطة ضرورية بين النظرة الأدبية وأوسع نظريات الشعور .فالخيال وارد في فعل الإدراك ويمتزج بأعمال الذاكرة ويفتح أمامنا أبعد الآفاق الممكنة ويرافق مشاريعنا وأمانينا ومخاوفنا ، فهو ملكة تستدعي الصور المسايرة لعالم الإدراك المباشر وغير المباشر ، وهو قدرة تساعدنا على الانفصال عن الواقع . وقد يكون الخيال من قبيل (( الوهم )) واللهو والأحلام إذا ولى الوعي المتخيل ظهرة للواقع المباشر وأن أشهر أنواع الخيال وأقربها إلى الهذيان يحتفظ بصبغة واقعية ومن هنا فالأدب كله ما هو إلا ضرب من النشاط والخيال الذي يتألق في نطاق الصورة والرمز والأسطورة والحلم والهواجس ويعتبر الخيال الأدبي أحد أبعاد الأثر الأدبي وتشير لفظية ((فانتازيا )) الإغريقية عند أفلاطون إلى مزيج من الإحساس والرأي وهي عند أرسطو حركة داخلية ناجمة عن الإحساس وعند الرواقيين يدمج الإحساس بالخيال فيعرب عن نشاط نفسي لا يغنى إلا بظواهر الأمور . ولما كان الخيال ملكة متوسطة بين الحس والتفكير فهو لا يملك بداهة الإحساس المباشر كما لا يملك الانسجام المنطقي للمحاكمات العقلية المجردة . فالخيال يأتي في مرتبة ثانية بعد الإحساس ويتفرغ عنه لكنه يسبق عمل التفكير الذي يسعى للإشراف عليه وإذا كان الفن على حد تعبير أفلاطون محاكاة للظاهر فإنه إذا ينتج ظاهراً من مرتبة ثانية أو يبدع صورة للصورة إذ لا توجد محاكاة إلا بفضل الخيال ومن أجله وبسبب تلك العلاقة بين الخيال والفن اتهموا الفن وقالوا عنه أن مجاله قاصر على الفتنة الخبيثة أو في أحسن الأحوال على اللهو الذي لا نفع فيه . ويعتبر اللجوء للخيال هو الشرط اللازم لعملية التطهير في المأساة فالخيال يملك القدرة التي يملكها الواقع على إثارة أهوائنا والتأثير في جوارحنا . والخيال على حد قول أرسطو حركة نفسية يولدها الإحساس إذ يفعل فإنه يُفرض على عقلنا كما لو ورد من الخارج وعلى ذلك فالخيال لا يزال مغموراً بالنور الذي يسطع من الأشياء الخارجية فقد اشتق اسم خيال / فانتازيا / من النور / فاوس / ولولا النور لما أمكنت رؤية الأشياء ومعنى ذلك أن الخيال يوفر لنا ضياء ثانياً . وتشير لفظة / فانتازيا / عند / لونجان / اليوناني إلى الاندفاع العاطفي الذي ألم المؤلف ونقله للمستمع وبذلك يستطيع الشاعر أن يثير الإعجاب والدهشة فيكون الخيال الأداة التي تستخدمها المحاكاة حتى تبلغ الأوج . وينسب / لونجان / ذلك التأثير بالصور الخيالية إلى فعل الحماس أو الهوى الذي أعتبره أفلاطون مصدراً من مصادر الإلهام . وبذلك يكون أشبه بالعين الجسدية التي ترنو إلى حقائق فكرية تدركها بالحدس عن طريق الرمز والقصة الرمزية وعند /دانتي / الخيال ملكة متوسطة تزود بالصور التي يحتاج إليها حتى يعبر عن الأفكار المجردة . ولا يقنع الخيال بنقل الصور على نحو سلبي بل يملك قدرة فعالة كما أقر بذلك/توماس الأكويني / فيكون تارة منبعاً من منابع الوهم وتارة ملكة مبدعة وهو يتوسط بين عالم الإحساس الأدنى والملأ الروحي الأعلى فيكون الشعر الملهم ثمرة من ثمرات الخيال الذي يغمره النور العلوي وحدود الخيال هي حدود الإبداع الشعري . وإذا تجاوزنا عصر النهضة إلى العصر الرومانسي حيث تحول الأدب من سيادة العقل إلى سلطان الخيال نجد أن للخيال الأدبي عمله فلولاه لما كانت المحسنات والزخارف (( مجاز استعارة _ تشبيه )) وهي التي تبعث في الأسلوب الحياة والحركة والحيوية صحيح أن المدرسة الكلاسيكية اعتمدت على هندسة القصيدة فكرياً وطلبت من الشاعر أن يضع النماذج الكبرى نصب عينيه حين ينظم قصيدته إلا أنها أهملت الابتكار وسعت نحو الكمال المعهود ولم يكن الإبداع سوى اكتشاف أفكار مناسبة مطابقة (لمقتضى الحال ) وإن لا مهمة للخيال سوى تحسين الكلام ويرى / فولتير / و/ مارمونتيل / أن الخيال موهبة ثمينة وأن الإلهام أقصى درجاته . وترى الفلسفة الكلاسيكية أن الخيال هو الذي يبعث الروح في الإنتاج الأدبي وهو الخالق لمشاعر الحياة والحرارة التي هي عناصر إضافية وألوان عاطفية . ويرى /برونو / الإيطالي أن الخيال هو مجموع الأحاسيس الداخلية ليس التقليد والمحاكاة هي مهمته فقط بل هو مصدر جميع الأحكام ومنبع للأشكال الأصلية والمبتكرة ومنطلق لكل إنتاج فكري . ويقول / روبرت كلاين / إن الآراء التي اعتبرت الصورة ثوباً للفكرة أو جسمها الأول ملائمة لنظريات الخيال . ولا يجوز أن نعد الخيال بعداً ثانوياً من جملة العناصر العبقرية ولا تابعاً يسهم في العمل المشرك الذي تقوم به سائر الملكات الإنسانية بل هو تعبير آخر عن العبقرية ذاتها . وهو كما يقول بودلير / سيد الملكات النفسية / أو الكلمة الخلاقة . _ لقد ترسم أتباع الحركة السريالية / ممن يؤمن بالغيب والسحر / آراء الرومانسيين في الخيال وجاءت آراؤهم في مظهر السخط أو الاستنكار رافضةً العقل الآلي رفضاً عاطفياً شديداً عندما راح يشيد صرح العلو أو يضع الطبيعة في صيغ فيزيائية و كيميائية . إن الفلسفة الطبيعية التي انتشرت في القرن الثامن عشر ميلادي تسعى إلى تحويل العالم إلى ضرب من السحر و تأويله شعرياً . بينما ارتبط النشاط الخيالي عند الرمزيين بالأسطورة النرجسية ، (( حب الذات وتضخمها )) . ويعتبر يونج (( أحد تلاميذ فرويد )) أن النشاط الخيالي هو اللذة الجنسية المنطوية على الخيال ويضيف السرياليون أن المخيلة أداة حيوية في علاقاتنا بالكون الغاية منها اكتشاف الأمور الخارقة وقلب الحياة إلى شعر والقيام بثورة دائمة في جميع ما يفعل . إن الخيال : ملكة مألوفة شائعة بين الناس ترمي إلى إدراك الأشياء الدارجة خارج وضعها الراهن الذي تقع الحواس عليه . وهو ليس عملاً فكرياً محضاً بل هو مغامرة من مغامرات الشهوة ، لأنه الفعالية المنشئة لصور الأحلام والهلوسة / وما يسميه فرويد / فانتازي / ليس انعكاساً ذهنياً للعالم المدرك ولا فعل مشاركة ميتافيزيقية في أسرار الكون بل هي حركة مسرحية داخلية يبعثها (( الليبيدو )) الذي يجعل الخيال يغير من المعطيات الأساسية التي توفرها التجربة العاطفية تغييراً سحرياً عجيباً . إن الإنتاج الأدبي حالة خاصة من حالات النشاط الخيالي ولقد أسند يونغ للخيال مهمة القوة الكونية ولم يعتبره نشاطاً عشوائياً بل اعتبره لغزاً من ألغاز العالم يطّلع عليه الإنسان في أحلامه والشاعر في شعره . إن الخيال هو المصدر الذي يثير الصيرورة النفسية فنياً إثارة مباشرة فقد نشوّه حقيقة الحب إذا فصلناه عن واقعيته . ولا يوجد خيال صرف ، بل لا يوجد خيال إلا سلوكاً يتغذى بالعواطف والأخلاق ويتجه اتجاهاً يتلاءم مع المعطيات الاجتماعية أو يخالفها . إن الخيال عند الإيطالي / آريوست / يمتزج بوضع اجتماعي مركّب بينما ينشئ عند /روسو / إطاراً وهمياً لمعقل حصين يلوذ به الفرد ويحدث نفسه به في حال من العزلة والإنفراد ويندس ّ الخيال عند / زولا / في محاولات الوصف الواقعي (1) . يقول / مارون عبود/ في كتابه على المحك ص 94 : (( ما الشعر إلا حلم يقظة ، فالذي ليس له عين ترى وقلب يحس وإذن تسترق وعقل يحلم فهيهات أن يدخل مملكة الشعر))(2) . (( إن مجيلة الشاعر المبدع راديو يلتقط حديث عوالم الأثير وقريحته راديوم يشع نوراً خالداً . إن الشعر لا يكون بخلق الصور الغريبة البعيدة عن واقع الحياة لأنه كلما دنت الصورة الفنية من الواقع كانت أحب إلى القلوب وأقرب إليها )) (3) . (( إن المبدأ الرئيسي المحدد للشعر هو المجار يضاف له الوزن )) (4) وهما العنصران المهمان المتلاخمان في تكوين الشعر (( والمخيلة موضوع يخص كلا من علم النفس والدراسة الأدبية لأن كلمة صورة في علم النفس تعني إعادة إنتاج عقلية ، وذكرى لتجربة عاطفية أو إدراكية )) (5) . إن عزرا باوند يثير انتباهنا إلى أن الصورة هي تلك التي تقدم لنا عقدة فكرية وعاطفية في برهة من الزمن . ويقول القاضي الجرجاني في حديثه عن العناصر الجمالية في الشعر : (( التشبيه لمح صلة بين أمرين حسيين أو متخيلين في النفس مع تداخل يجعل السامع يحس بما أحس به المتكلم )) . وهذا يعني أن المقاربة في التشبيه دلالة فنية تقوّي المعنى المجرد الذي يتكلم عنه الشاعر بأن ينقله من الإحساس ومن الفكر إلى الحدس . ويضيف الجرجاني أن الوصف والتشبيه في الشعر أكثر مكانة من المعنى وينصح بتجنب المبالغة وبالتقيد بمعطيات التجربة الحسية وإعطاء التعليل عند تبيين وجه الشبه لأن الصورة الشعرية قد تستكمل شرائط الحسن والجمال ولكنها لا تكون ذات وقع كصورة أخرى لا تستكمل شرائط الحسن وأوصاف الكمال وعناصر الجمال . إِننا على حد قول الجرجاني حين تأخذ قطعة من ذهب وتصنع منها خاتما نهتم بالخاتم وتنسى مادة وهذا يعني أن للصور عنده أهمية كبيرة لأن المعنى يتوقف عليها (6) . ويعتبر لفارابي أن الأقاويل الشعرية كاذبة بالكل لا محالة لأنها قائمة على التخييل الذي له قيمة في الشعر كقيمة العلم في البرهان ( 7) . فالتخيل في الشعر هو المحاكاة اللطيفة لشيء أو حدث وغايته الحفز وليس الصدق أو التصديق فهو محاكاة المحاكاة كما أشار أرسطو . وقد ساير ابن سينا الفارابي في رأيه السالف الذكر وأضاف (( أن الكلام المخيل تذعن له النفس فتنبسط عن أمور وتنقبض عن أمور )) (8) . وقد قالت العرب . أجمل الشعر أكذبه . ويشير حازم القرطاجي إلى أن الشعر بما فيه من محاكاة أو تخييل يؤدي إلى الإقناع (9) . ويرى / لونجينوس / التدمري صديق أفلوطين ومستشار زنوبيا في مقالته / سمو البلاغة / أن صياغة الصور والمجازات ضرورة من ضرورات الشعر (10) . وكثرة اعتماد الخيال عند الشاعر يدل على أن الشاعر يهتم بالصنعة أكثر من الصدق العاطفي فشعر الرثاء قليل الصور ضحل الخيال غالباً ويبقى أن نشير إلى أن الخيال يكتسب من الواقع والمفاهيم والعادات والتقاليد المعاصرة أشياء تساهم في إبرازه كعنصر فعال ومهم في حركة العمل الأدبي (( إن الخيال باعتباره آلة التصوير التي تصور الأشياء والأشخاص والمعاني فإن الشاعر والأديب من خلاله كما يقول / رسكين / (11) يلتقط كل ما يقع تحت سمعه وبصره ثم يختزن الصور ويعود لاستخراجها في الأوقات الملائمة وتتفاوت قوة الخيال بين جمهور الأدباء بتفاوت قوة الذاكرة لديهم وهو أنواع : الخيال الخالق :وهو الذي يخلق العناصر الأولى التي تكتسب من التجارب صور جديدة لا تتنافى في الحياة المعقولة وألا أصبحت هذه الصور من قبيل الوهم . والخيال المؤلف :الذي يجمع صوراً ومناظر مختلفة قد تستدعي صوراً أخرى كقول ابن الرومي : ما أنس لا أنس خبازاً مررت به يدحو الرقاقة مثل اللمح بالبصر ما بين رؤيتها في كفة كرة وبين رؤيتها قوراء كالقـمر إلا بمقدار ما تندح دائرة في لجة الماء يلقى فيه بالحجر والخيال الموحي :وهو الخيال الذي يفيض على الصورة التي يراها صفات روحية تؤثر بالنفس . قال تعالى (( حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وأزينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس )) . فالصورة تلف الدنيا بجميع مظاهرها وزخارفها ولا تفصل وقائعها ولكنها تدعو الإنسان للتفكير بها )) . وقد يصف الخيال أثراً لشيء في النفس كقول جرير : إن العـيون التي في طرفها حـور قتلننا ثـم لم يحيين قتلانـا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله أركانا وقد يصف أجزاء الشيء كوصف نزار قباني لحركة العيون : عيناك حمامتان دمشقيتان تطيران بين الجدار وبين الجدار وقد يصف الخيال صفاء العيون بألفاظ موحية كقول السياب : عيناك غابتا نخيل ساعة السحر أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر ولذلك فإن المناظر التي تعرض على الخيال أو العقل تبدو أجمل مما إذا عرضت على العين المجردة وكلما قوي خيالنا قويت لذاتنا . يقول جميل بن معمر : وإني لمشتاق إلى ريح حبها كما اشتاق إدريس لجنة الخلد ويقول مجنون ليلى : لقد رسخت في القلب منك مودة كما رسخت في الراحتين الأصابع ويقول المتنبي : وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائـم هذا وإن للخيال ارتباطاً كبيراً بالعواطف لأن العاطفة القوية تحتاج إلى خيال قوي والعاطفة المسرفة المبالغ فيها تذهب بالخيال مذاهب شتى كقول الشاعر : لا تسقني ماء الملام فإنني صب قد استعذبت ماء بكائي إن أنواع الخيال السالفة الذكر لا تعمل منفصلة إذ لا بد أن يكون في كل عمل أدبي مسحة من هذه الأنواع لأن الخيال هو محور هذا العمل . حسين علي الهنداوي osn@shuf.com |
|||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | تقييم هذا الموضوع |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
دواعي نظرية النقد حسين علي الهنداوي | حسين علي الهنداوي | منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي | 1 | 27-03-2006 03:37 AM |
الأدب والعقيدة حسين علي الهنداوي | حسين علي الهنداوي | منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي | 0 | 19-03-2006 03:58 AM |
محنة الأدب والأدباء حسين علي الهنداوي | حسين علي الهنداوي | منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي | 2 | 18-03-2006 05:50 AM |
الدين والفن والحياة حسين علي الهنداوي | حسين علي الهنداوي | منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي | 0 | 18-03-2006 05:43 AM |
حوار أسد محمد مع الملحق الثقافي | د.أسد محمد | منتدى الأدب العام والنقاشات وروائع المنقول | 7 | 28-01-2006 09:34 AM |