التواريخ في معظمها تقريبية وضعناها في جدول مستقل لسهولة العودة إليها وتتتبع تطور وتتالي الأحداث .
.............................
1005 ق.م , الملك داود يؤسس مملكة يهوذا .
........... , الملك داود يؤسس مملكة كل إسرائيل , ويورثها لابنه سليمان .
........... , بعد وفاة سليمان تنقسم المملكة إلى مملكة يهوذا , ومملكة إسرائيل .
721 ق.م , السبي البابلي الأول والقضاء على مملكة إسرائيل .
624 ق.م , العثور على سفر الشريعة في الهيكل .
597 ق.م , ثاني سبي بابلي لمملكة يهوذا .
586 ق.م , قضاء البابليين على مملكة يهوذا وسبي ملوكها .
560 ق.م , العفو عن "ملك" اليهود في بابل , وبقائهم فيها .
........... , قضاء الفرس على مملكة بابل , والطلب إلى "اليهود" العودة إلى مملكة يهوذا وبناء الهيكل من جديد .
520 ق.م , "ملك" اليهود يعينه الفرس "واليا" على يهوذا .
515 ق.م , الانتهاء من بناء الهيكل الثاني في يهوذا , واختفى ذكر "ملك يهوذا" من النصوص .
300 ق.م , اليهود يتفقون على نص نهائي للكتاب المقدس ويوافقون جميعا عليه .
..
البحث عن يسوع
كمال الصليبي
الطبعة العربية الأولى , 1999
دار الشروق للنشر والتوزيع
.................................................. .....
مدخل
يمثّل هذا الكتاب محاولة للوقوف على الحقيقة التاريخية بشأن يسوع الناصري المعروف بالمسيح , وذلك عن طريق قراءة دقيقة لما تقوله النصوص المقدسة لدى المسيحيين بشأنه .
وقد درج علماء "الكتاب المقدس" بين المسيحيين على القراءة النقدية لهذه النصوص منذ أكثر من قرنين . ومن هؤلاء من كان من رجال الدين البارزين . وكانت الكنائس المسيحية في البداية تعارض وبشدّة هذا "النقد الكتابي" (كما يسمّى) . لكن الكبرى منها ما لبثت أن أقرّت بشرعيته , نظرا لاستحالة العكس , فوجدت طريقها للتعايش معه . ومن ذلك الفصل في بعض الكنائس البروتستانتية بين ما يسمى "مسيح التاريخ" و "مسيح الإيمان".
وليس في هذا الكتاب من جديد من حيث الأسلوب الذي يتبعه في "النقد الكتابي" إنّما الجديد فيه هو الأطروحة العامّة التي يتقدم بها , وهي التي تذهب إلى أبعد من الآراء المألوفة بشان يسوع الناصري كشخصية من التاريخ , وبشان الظروف المحيطة بسيرته وما لهذه النصوص من خلفيات . ومن هذه الخلفيات ما يعود إلى زمن سبي إسرائيل في بلاد بابل , أي إلى القرن السادس قبل الميلاد , إن لم يكن إلى زمن أسبق .
........................
........................
1
معلومات عامة
يتألف "الكتاب المقدس" لدى المسيحيين مما يسمونه "العهد القديم" و "العهد الجديد" :
الأول يحتوي على ما يشترك المسيحيين واليهود في تقديسه من أسفار كتبت أصلا باللغة العبرية .
والثاني يحتوي على ما يقدسه المسيحيون دون اليهود من نصوص كتبت أصلا باللغة اليونانية .
"العهد القديم" بالنسبة للمسيحيين , في المفهوم اللاهوتي , هو الميثاق الذي حدّد العلاقة الخاصّة بين الله و "شعبه المختار" الذي هو شعب إسرائيل , وذلك على عكس "العهد الجديد" وهو الذي جرى , في المفهوم اللاهوتي المسيحي , بين الله والعالم أجمع , من خلال موت يسوع المسيح على الصليب ليفتدي البشر.
أمّا "العهد الجديد" الذي هو الجزء الخاص بالمسيحيين من "الكتاب المقدس" فيتألف من أربعة أسفار تسمّى "الأناجيل" ( المفردة اليونانية تعني "الخبر الجيد" أي "البشارة" ) , يليها سفر "أعمال الرسل" ثم "الرسائل" ( ومجموعها 21 رسالة منها 13 بقلم الرسول بولس ) , وأخيرا سفر "رؤيا يوحنا اللاهوتي" الموجّه , هو أيضا , على شكل رسالة من "يوحنا إلى الكنائس السبع التي في آسيا" ( أي في بلاد الأناضول ) .
والأناجيل الأربعة من "العهد الجديد" تحمل أسماء اثنين من تلاميذ يسوع هما متّى ويوحنا , واثنين من معاوني الرسول بولس هما مرقس ولوقا . ( وسوف نفترض أن كلاّ من هؤلاء الأربعة هو الذي كتب الإنجيل المنسوب إليه تسهيلا للأمور , حتى لو لم يكن ذلك صحيحا ) .
يضاف إليه سفر "أعمال الرسل" الذي يتحدث عن أحوال تلاميذ يسوع وأفعالهم من بعده .
الواضح أن سفر "أعمال الرسل" جاء من القلم نفسه الذي صدر عنه إنجيل لوقا ....
والرأي السائد اليوم بين علماء "العهد الجديد" أن كتابة الأناجيل الأربعة ابتدأت قبل العام 70 للميلاد بقليل , وانتهت مع نهاية القرن الأول أو بداية القرن الثاني .
يجمع العلماء اليوم أيضا على كون رسائل بولس _ وهي التي جاءت من قلمه معظمها في الأقل _ هي أقدم من أيّ من الأناجيل , نظرا إلى أن بولس توفي في العام 67 م تقريبا .
......................
.......................
رسائل بولس , إذن , هي أهم المصادر التي لدينا للبحث عن حقيقة يسوع . تأتي بعدها الأناجيل الربعة , أضف إلى ذلك الإشارات العابرة إلى يسوع , أو إلى الأفراد الآخرين من أسرته , أو إلى تلاميذه , في كتابات المؤرخ اليهودي يوسيفس الذي عاصر المتأخرين من الرسل ( توفي 100 م تقريبا ) ....
....................
....................
يبقى أهم ما في الأمر , وهو أن "العهد الجديد" يبشّر بيسوع على انه "المسيح" الذي يرد التنبوء بمجيئه مخلصا لبني إسرائيل في عدد من أسفار "العهد القديم" وخاصّة في أسفار "الأنبياء" .
ومن الأناجيل ما يأتي باقتباسات من "العهد القديم" ليقيم البرهان على أن يسوع ما هو إلا هذا "المسيح" بالذات . والواقع هو أن قصة "المسيح" يسوع لا تبدأ بولادته , أو ببداية دعوته , إذ أن أصولها تعود إلى الزمن الذي كان بنو إسرائيل مسبيين فيه في بابل . ولذلك , فعلينا أن نبدأ بالبحث عن الخلفيات لقصة يسوع في بابل , مما يضطرنا إلى العودة إلى "العهد القديم" فنتفحص ما فيه من مادة بهذا الشأن .
ولا بد من الملاحظة أن البحث في الموضوع الذي نحن بصدده لا يجوز أن يعتمد على نصوص "العهد القديم" و "العهد الجديد" إلا في اللغة الأصلية , العبرية واليونانية .
.................
.................
2
البداية في بابل
قدم نبوخذ ناصر إلى بلاد يهوذا في العام 597 ق.م تقريبا , فخلع ملكها يهوياكين عن عرشه , ونصّب عمّه صدقيا مكانه ثم اقتاد يهوياكين إلى بابل ووضعه في السجن وسبى معه جميع أفراد عائلته , ومعظم أعيان مملكة يهوذا وأرباب الصناعة والمهارات فيها , بحيث لم يبقى في البلاد إلا "مساكين شعب الأرض" ..
في العام 586 ق.م تقريبا , قضى الملك نبوخذ نصر البابلي على مملكة يهوذا ( وفي يقيني أن مركزها كان في سراة عسير , إلى الجنوب من الحجاز ) , فقبض على آخر ملوكها , وهو المدعو صدقيا , وأمر بقتل جميع أبنائه أمامه . ثم قلعت عيناه , وقيّد بالسلاسل , واقتيد أسيرا إلى بابل حيث مات في ارض لا يراها , وهو عديم العقب ..
كان يهوياكين يوم اسر في الثامنة عشر من العمر . وبعد 37 عاما من أسره , أي في العام 560 ق.م تقريبا , توفي نبوخذ ناصر , فبادر خلفه أويل مردوخ إلى إخراج يهوياكين من السجن , وبالغ في إكرامه , جاعلا له مرتبا يوميا بقي يتسلمه حتى آخر حياته ..
بعد وفاة صدقيا في السجن , بقي يهوياكين وحده صاحب الحق في المطالبة بعرش يهوذا . ثم توفي يهوياكين , فصار الذكور من ذريته في بابل يتوارثون هذا الحق بكرا عن بكر , من دون أن يكون لهم منافس .
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن مؤسس مملكة يهوذا هو الملك داود : أسسها في العام 1005 ق.م تقريبا , ثم ضم إليها ما تبقى من بلاد بني إسرائيل حتى جعلها مملكة "كل إسرائيل" , وهي المملكة التي أورثها إلى ابنه سليمان ..
بعد وفاة سليمان قامت سلالات أخرى تتحكم بالأراضي الإسرائيلية التي ضمت إلى مملكة يهوذا في عهد داود , جاعلة من هذه الأراضي مملكة أخرى سمّيت "مملكة إسرائيل" .
وبعد قضاء ملوك آشور على هذه المملكة عام 721 ق.م تقريبا , وتشتيت سكانها , لم يبق لبني إسرائيل إلا مملكة يهوذا , وملوكها من سلالة داود الذين أصبحوا , من ثم , هم وحدهم ملوك إسرائيل . وبذلك , وبعد سبي يهوذا , أصبحت المطالبة بعرش داود لا تقتصر على يهوذا , بل تشمل كامل إسرائيل .
ودرجت العادة لدى بني إسرائيل منذ بداية الملك عندهم بان يكرّس كل واحد من ملوكهم لخدمة (الرب) عند تبوئه العرش عن طريق مسح رأسه بالدهن , بحيث يصبح "مسيحا للرب" ولذلك أصبح لقب "المسيح" يطلق على ملوك إسرائيل , وخاصة ملوك يهوذا من سلالة داود .
وبعد زوال مملكة يهوذا , أصبح كل واحد من المطالبين بعرش داود , في نظر أتباعه على الأقل , مسيحا منتظرا تعقد حوله الآمال لإحياء الملك الإسرائيلي الضائع . وثمة ما يشير إلى أن المطالب بعرش إسرائيل كان يطلق عليه لقب "نسيء" بمعنى رئيس أو أمير ..
وهكذا نشأت في بابل , بعد وفاة الملك يهوياكين , سلالة من "الأمراء" المطالبين بعرش يهوذا , من ذريته , هي أشبه ما تكون بسلالة الأئمة من ذرية علي بن أبي طالب , في تاريخ الإسلام . وقد كان كل واحد من هؤلاء "الأمراء" يعتبر في زمانه , والى حد ما في الأقل , مسيحا منتظرا , ولكل منهم الحق في أن يعتبر نفسه "ابن داود" نسبة إلى جده الأعلى .
وكان أول من اشتهر من هؤلاء في بابل سليل ليهوياكين عرف باسم "زربابل بن شألتيئيل" نسبة إلى حفيد ليهوياكين اسمه شألتيئيل ....
ولعل زربابل ربما بمعنى "سجين بابل" كان لقبا وليس اسما أصليا للمذكور .
وحدث في زمن زربابل أن قضى قورش الثاني ملك فارس على مملكة بابل واحتل أراضيها , بما في ذلك أرض يهوذا فيما أصبح يعرف بولاية "عبر نهرا" (أي عبر نهر الفرات ....) . وما أن تم لقورش هذا الفتح حتى أصدر نداء بالكتابة قائلا : ( الرب أوصاه بأن يبني له بيتا في أورشليم التي في يهوذا ....)
وكان زربابل وهو "الأمير" الداودي المعترف به في صفوف شعب يهوذا في زمانه , أوّل من لبى نداء الملك قورش . ولعله اعتبر هذا النداء فاتحة خير لعودة ملك داود إلى بلاد يهوذا المنكوبة .
_فقام هو وعشرة من معاونيه_ بجمع 42360 فردا من شعب يهوذا المقيم في بابل , فضلا عن العبيد والإماء , وعاد بهم إلى أرض يهوذا مشيا على الأقدام أو ركوبا على الخيل والبغال والجمال والحمير ..
وعند الوصول إلى أورشليم تبرّع الميسورون من رؤساء الأسر العائدة بما يلزم لإعادة بناء "بيت الرب" في مكانه ....
....................
.....................
ويستدرك , بالمناسبة , أنّ الأسر الإسرائيلية التي عادت إلى أرض يهوذا بقيادة زربابل _مثلها مثل الشعب الأصلي لمملكة يهوذا_ كانت تتألف من ثلاثة عناصر , كل منها يمثل سبطا من أسباط بني إسرائيل . فمن العائدين من كان ينتمي إلى سبط يهوذا , الذي منه زربابل وسائر بيت داود . ومنهم من كان ينتمي إلي سبط بنيامين . وبين هؤلاء وبيت داود خلاف قديم ....
أمّا العنصر الثالث من شعب يهوذا العائد إلى وطنه , فكان انتماؤه إلى سبط لاوي الذي منه الكهنة من بيت هارون .
........................
........................
وما لبث الكهنوت في إسرائيل أن أخذ ينحصر في بيت واحد من سبط لاوي , هو بيت هارون ابن عمران , ومن المفترض أن هارون ابن عمران كان أخا لموسى , وأن موسى جعل منه أول كاهن على إسرائيل .
.....................
.....................
بتصرف : ( في عهد الملك داود , خاف الأخير من تعاظم سلطة بيت هارون الدينية , فطور عمل هذه المؤسسة وجعل له كاهنين , الثاني منهما من عامة الناس وأضاف "الأنبياء" لهذه المؤسسة الحساسة , وهم من أوكل إليهم الاهتمام بأمور الناس , في حين اقتصرت مهمات الكاهنين الأعظم على خدمة ورعاية "تابوت العهد" في قدس أقداس الهيكل والخدمة الدينية العامة . وبذلك أصبح الكهنوت خاضعا تماما لمشيئة العرش , ولم يعد له استقلال يذكر في التصرف ) .
بتصرف : ( بعد داود اختلف ولداه على خلافته الأكبر "أدونيا" وناصره الكاهن الهاروني , و "سليمان" وناصره الكاهن الثاني صادوق , وما أن تمت الغلبة لسليمان , حتى قتل أخيه وأنهى الكهنوت الهاروني الأصل في إسرائيل وحل محله الكهنوت الصادوقي ) .
وشرعية الكهنوت الصادوقي مستمدة من العرش الداودي , وليس من أي مصدر آخر .
بتصرف : ( حاول الكهنة الصادوقيين اكتساب المزيد من الشرعية والسلطة , وصولا إلى العام 624 ق.م حيث أعلن الكاهن الأعظم حلقيا العثور على "سفر الشريعة" ( أي صحف موسى) في مخبأ داخل الهيكل , ويعتقد علماء الكتاب المقدس أن سفر الشريعة ما هو إلا سفر التثنية من التوراة , المنسوب إلى موسى , وان هذا السفر , في الواقع , من وضع المؤسسة الكهنوتية الصادوقية ) .
كانت هذه بداية ما يمكن تسميته منذ ذلك الوقت ب "اليهودية" كنظام ديني قائم على شريعة مكتوبة وطقوس ثابتة , خلافا لما كانت عليه العبادة الإسرائيلية التقليدية وغير المنتظمة للإله يهوه في السابق .
............................
............................
وكان الرسول بولس أول من اشتق لفظة "اليهودية" من اسم "اليهود" للدلالة على ديانتهم , على ما يظهر , وذلك في رسالته الشهيرة إلى أهل غلاطية , ولا توجد أيّة إشارة معروفة إلى أسم لهذه الديانة من قبل .
وما كاد العام الثامن والثلاثون من إعلان الكاهن حلقيا عن اكتشاف "سفر الشريعة" يكتمل حتى تم القضاء على مملكة يهوذا والعرش الداودي فيها , ولم يبقى لشعبها من قيادة منظمة إلا قيادة الكهنوت الصادوقي غير الشرعي أصلا , وهو الذي انتقل أربابه آنذاك مع السبي إلى بابل .
وكان في بابل أن أخذ الكهنة من آل صادوق , يغمزون أكثر فأكثر من قناة بيت داود , وهم يسعون جاهدين إلى تنظيم سبي يهوذا على أساس الشريعة , وليس على أي أساس آخر , ليحولوهم من شعب إلى جماعة دينية , أي من "إسرائيليين" إلى "يهود" . ومن جماعة السبي من قبل بذلك , ومنهم من بقي يحلم بعودة الملك الإسرائيلي الضائع إلى الوجود بقيادة "مسيح" من بيت داود .
بتصرف : ( شارك الكاهن الصادوقي , زربابل , في رحلة العودة الإسرائيلية من بابل إلى يهوذا , ولكن الصراع بقي خفيا أثناء العمل في بناء بيت الرب بين الطرفين إلى أن توقف العمل بسبب الوشايات إلى البلاط الفارسي , إلى "السنة الثانية في ملك داريوش ملك فارس" (520 ق.م) .
في ذلك العام استأنف زربابل العمل في إعادة بناء هيكل أورشليم بالتعاون مع الكاهن الصادوقي والأنبياء وجماعتهم .....
وكان زربابل في تلك الأثناء قد تعيّن واليا على يهوذا , ولم يبق إلا أن يعترف له بقدر من الاستقلال ليصبح بالفعل "المسيح" المعيد لمجد بيت داود , كما كان أنصاره ينتظرون .
بتصرف : ( تم في العام 515 ق.م إكمال بناء الهيكل , وفي الاحتفالات لم يعد من وجود لأسم زربابل , واختفى ذكره من أسفار الكتاب المقدس , وحدهم الكهنة الصادوقيين كانوا قادرين على إخفاء نهاية قصة زربابل , الذين دونوا أحداث ذلك الزمن ) .
ومهما كانت الحقيقة بشأن مصير زربابل , فلا شك في أن اختفاءه من الساحة أضعف الآمال في عودة بيت داود إلى ملك إسرائيل .
إذ لم يقم أحد من أبنائه أو أحفاده الكثر _ وهم المدرجة أسماؤهم في سفر الأيام الأول ... _ بأي دور قيادي من بعده , على ما يظهر .
وبذلك خلا الجو للكهنوت الصادوقي , فتمكن أخيرا من تسلم قيادة شعب إسرائيل في ارض السبي , وكذلك في أرضه الأصلية , من دون منافس , محوّلا هذا الشعب تدريجيا إلى جماعة دينية تعتمد الشريعة للحفاظ على هويتها , بدلا من النشاط السياسي أملا بعودة الملك إلى إسرائيل .
وحدث بعد اختفاء زربابل بنصف قرن تقريبا أن ظهر في بابل كاهن من بيت صادوق اسمه عزرا ...
بتصرف : ( نشط عزرا في جمع التراث الديني لبني إسرائيل , وترتيب المدونات الإسرائيلية الموروثة , وإعادة النظر فيها تمشيا مع العرف الصادوقي , وقام بزيارة يهوذا مرتين لإتمام عمله وتعميم النصوص على الشعب .... ) .
ولعل عزرا توفي في يهوذا , كما يقول المؤرخ اليهودي يوسيفس الذي كتب "تاريخ اليهود" في القرن الميلادي الأول .
لكن المرجّح أن عزرا عاد إلى بابل وتوفي هناك , فدفن في ما يعرف اليوم بمقام "النبي عزير" بجنوب العراق . وما زال اليهود يقدسون هذا المزار .
وقام في بابل , بعد عزرا , من استمر في العمل على جمع المدونات الإسرائيلية الموروثة , وإعادة ترتيب محتوياتها , والإضافة إليها , حتى اكتمل هذا العمل في أواخر القرن الرابع أو بداية القرن الثالث قبل الميلاد . وبذلك أصبح لليهود "كتاب مقدس" متفق على مضمونه .
ويبدو أن المؤسسة الصادوقية التي أشرفت على إخراج هذا الكتاب حرصت على أن يأتي هذا الإخراج مقبولا ليس فقط من اليهود التابعين لتعليم عزرا , بل كذلك من الإسرائيليين الذين بقوا يعقدون الآمال على "مسيح" من بيت داود يعيد الملك إلى إسرائيل , وذلك بالبقاء على الأسفار المحببة لدى هؤلاء , ومنها أسفار الأنبياء الذين انتصروا لزربابل في زمانه .
12/9/2008
..