قال تعالى
( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)
شاء الله تعالى أن نفقد الأستاذ عبد الرحمن حسين حمران مذكور
بعد أن وافته المنية في دولة مصر إثر عمليةٍ جراحية
نعم فقدنا رجلاً من أعظم الرجال وأنبلِهم وودعته خضراء صامطة
وأهلوها بدمع لن يجفَّ والحمد لله على قضائه ولا حول ولا قوة إلاَّ به
بكيناهـُ على أرض الواقع واليوم نبكيه على الصحائفِ بلغة الرثاء
وأعلمُ أنَّ دواوين الأرض لن تفيَهُ حقَّه ولكن لابدَّ للشاعرِ أن يُدلي
بمشاعرهـِ إبتغاء مرضاتِ الله ثمَّ كرماً وحباًّ للفقيد عليه سحائب الرحمة والغفران
وأسأل الله أن يسكنه فسيح جناته وأن يلهم أهله وذويه الصبر
والسلوان إنه على كلِّ شيءٍ قدير ...
{ وداعاً أبا الفَضْل }
لكـِ الطَّيفُ يادنيا وروحي لها الأسرُ
فقولي لناعي الموتِ حقاًّ هو الأمرُ
تردَّتْ بنا الأحوالُ والكلُّ شاردٌ
وياليتها أبقتْ على نَعْيِهِ مِصْرُ
لِنَحْيا على الآمالِ في ظلِّ موعدٍ
نراهـُ كبستانٍ ولكنَّهُ قَفْرُ
خذيني بعيداً عن حديثٍ يَجُرُّني
إلى النَّكبةِ الكبرى وحُقَّ ليَ العذرُ
خذيني إلى ذكرى فقيدٍ كوالدي
لعلَّ على ذكراهـُ يبتسمُ الثَّغرُ
وقولي لأكفانِ الفقيدِ ولَحْدِهـِ
غَبِطْناهُما لمَّا ثوى فيهما الطُّهْرُ
نعم مـاتَ لكنَّ السَّجـايا جليلةٌ
وباطِنها مِسْكـٌ و ظاهِرُها عِطْرُ
وفي مثلِ هذا الخطبِ تأتي قصائدي
على هيئةِ الثَّكلى مدامِعُها الحِبْرُ
فما كلُّ مَيْتٍ يَجْرَحُ القلبَ فقدُهـُ
ولا كلُّ حيٍّ سوف يصفو بهِ الدَّهْرُ
يتيمٌ أنا كالفضلِ يجتاحني الأسى
ويغتالني ضيقٌ يضجُّ بهِ الصَّدرُ
مصابٌ دهى الخضراءَ حتى تَفَلَّعَتْ
على وقعهِ الوديانُ وانفطرَ الصَّخرُ
ذَوَيْنا من الفقدِ العظيمِ وهولِهِ
وحلَّت بنا الويلاتُ واستفحلَ الذُّعْرُ
وكدنا نلاقي الحَتْفَ جراَّءَ فَقْدِهـِ
وفاضَ من العينينِ ما لا لهُ حَصْرُ
وهذا نزيفُ الجرحِ أعيا أطبَّةً
وقالوا سيبقى الجرحُ ما بَقِيَ العُمرُ
فقدنا قًبيْلَ الأمسِ روحاً كريمةً
تسيلُ كما لو سالَ في الربوةِ القطرُ
عرفناهـُ إنساناً بريئاً وصادقاً
وهيهاتَ توفيهِ القصائدُ والنَّثْرُ
وقد كان كالطَّوْدِ العظيمِ مهابةً
وكالبحرِ لايقوى على مدَّهـِ الجزرُ
يناصرُ مظلوماً ويقضي حوائجاً
ويحلو له في آخرِ الَّليلةِ الوِتْرُ
ويرعى شؤونَ القومِ يحمي حقوقَهم
وما نالهم يوماً على عهدِهـِ خُسْرُ
نبيلٌ ومغوارٌ وشهْمٌ ومخلصٌ
وَقُوْرٌ وقـواَّمٌ وأمثالُهُ نُدْرُ
وأخلاقُهُ العُظمى كشمسٍ مُضِيئَةٍ
فمن ذا يوازيهِ ومن ذا الذي يَجْرُو
إذا عمَّنا ضَيْمٌ رأينا رِكابَهُ
يشقُّ صفوفَ الخصمِ عاصِفُها القَرُّ
رحيمٌ ولكن إن تمادى خصومُنا
يثورُ كزلزالٍ وقد نفدَ الصَّبرُ
عرِيشتُهُ في الحَيِّ جمٌّ رمَادُها
وما عادَ للطَّائيِّ صيتٌ ولا ذِكرُ
سأبكيهِ مثل الفضلِ يُتْماً و حسرةً
ويعلمُ ربُّ الكونِ ما كنَّهُ الصَّدرُ
مساجدُنا في الحيِّ تبكيهِ حُرقَةً
وتسألُ عن وجهٍ يَزِينُ بهِ البدرُ
وعن صوتهِ لمَّا يهزُّ مآذناً
ويختالُ في الدُّنيا يُشاطِرُهـُ الطُّهرُ
وتبكي الفروضُ الخمسُ أيَّامَ وَصْلِهِ
ويبكي عليهِ الصَّومُ والعيدُ والفِطْرُ
ويبكيه محرابٌ أَجَلَّ مَقامَهُ
ولازمَهُ حباًّ وفي قصدهـِ الأجرُ
ويبكيهِ أحبابٌ كرامٌ وإخوةٌ
وتبكي عليهِ الداَّرُ والزوجُ والصِّهرُ
ولستُ أحابي الأهلَ إنِّي صحبْتُهُ
سنيناً وطابَ الحبُّ والودُّ والبِرُّ
سيبقى فريدَ الوصفِ حياًّ وميَّتاً
ويكفيهِ بين الناسِ والسَّادَةِ القدرُ
وعزَّيتُ فيه الأرضَ شرقاً ومغرباً
وأيقنتُ أنَّ العيشَ من بعدهـِ مُرُّ
كأنَّ بني حمرانَ من بعد موتِهِ
ورودُ رياضٍ جفَّ من حولِها النَّهرُ
ولكنَّهُم قومٌ تربَّوا على الهدى
إذا راعهُم خطبٌ إلى ربِّهِمْ فرَّوا
ولا شكـَّ أنَّ الموتَ شيءٌ مقدَّرٌ
على كلِّ مخلوقٍ وليس له سترُ
وداعاً وللخضراءِ وجهٌ مهشَّمٌ
وليسَ إلى الأحلامِ في دربها جسرُ
وداعاً ومن بعدِ الوداعِ مدامعٌ
نقولُ لها كُفِّي وما راعها زَجْرُ
إلى جنَّةِ الفردوسِ إن شاءَ ربُّنا
وتغشاهـُ أنوارٌ ويُبنى لهُ قصرُ
وتلقاهـُ من فوقِ الأرائكـِ نظرةٌ
من الواحدِ الغفَّارِ يتبعُها البِشْرُ
ويسقيهِ خيرُ الخلقِ بالكفِّ شربةً
من الكوثرِ الأسنى وفي المعصمِ الدُّرُ
ومن حولهِ الأطيارُ تشدو , وينتشي
على طلَّةِ الأخيارِ في الجنَّةِ الزَّهرُ
فيا فضلُ لاتحزنْ ستحويكـَ ثُلَّةٌ
وتحميكـَ بعد اللهِ لو زمجرَ العُسْرُ
فأنعِمْ بأعمامٍ ستحيا بقربِهم
كعنقودِ عُنَّابٍ يُبَلِّلُهُ القَطْرُ
وصلُّوا على المعصومِ ما ناحَ بلبلٌ
وما لاحَ إصباحٌ وما رُتِّلَ الذِّكْرُ
..........
كلمات ... فارس الكلمة يحيى المشعل
مصر .. هي البلدة التي وافتنا بنبأ الموت إثر عمليةٍ جراحيَّة
الفضل .. ابن الفقيد الوحيد
الزوج .. حرم الفقيد
الخضراء .. القرية التي يقطنها الفقيد
الصِّهر .. قصدتُ به أخي وصديقي الغالي الأديب أسامه مصلح
وهو أخ حرم الفقيد
عريشته .. مقيلة تبنى بأعواد الشجر وهي في دار الفقيد يُكرَمُ فيها من يقصدها
وخصوصاً الضعفاء
.....
أرجو من كل قارئ أن يدعو للفقيد