الرأسمالية من الماسونية الى الأولغارشية...

[زياد هواش]

الرأسمالية من الماسونية الى الأولغارشية...

النظام الرسمي الجمهوري العربي ينتقل من سلطة الديكتاتور الى سلطة العائلة الديكتاتورية الى سلطة الطائفة أو القبيلة الأولغارشية التي ضمنت للنظام الملكي العربي أمنه واستقراره واستمراريته في كل الأزمنة والتقلبات في المنطقة والاقليم وستضمن له أمنه واستمراريته في القرن الحالي على الاقل

الماسونية هي الجدّة الأوروبية والأولغارشية الأولى (أولغارشيا القرن العشرين) هي الابنة الأمريكية والأولغارشية الثانية أو المتوحشة (أولغارشيا القرن الواحد والعشرين) هي الحفيدة العالمية أو مُناة الثالثة الأخرى والوالد هو الاستعمار الرأسمالي الأوروبي ثم الرأسمالي الأمريكي ثم الرأسمالي العالمي

لطالما ألهبت مخيلة المُتخيلين في هذا العالم القائم على العبثية والخداع الشعبوي او على الفلسفة الفارغة والمنطق الأجوف في مواجهة القلّة من العقلاء المُستهدَفين مصطلح "الماسونية" الشريرة وذلك الغموض الذي يحيط بها وذلك التاريخ السرّي التآمري الممتد الى زمن التوراة والفراعنة !

الحفيدة السافرة "الأولغارشية المتوحشة" كشفت حقيقة الجدة الشريرة "الماسونية" باعتبارها تجمّع مغلف بالغموض المُفتعل لعصابات السلطة في زمن الملكية البائدة والرأسمالية الفتية التي تحتاج لتبرير نهب بقية العالم عن طريق الغزو تحت شعارات التفوق العرقي الذكوري الأبيض والتكليف الإلهي المقدس

يمكننا القول إن الماسونية كانت عبارة عن تجمع لمصاصي الدماء الأوروبيين وأن الأولغارشية الأولى كانت تجمع نخبوي لمصاصي الدماء الاوربيين والامريكان أو البيض وأن الأولغارشية الثانية هي اليوم تجمع لمصاصي الدماء العالميين لقد تحولت الى دين جديد قادر على تجاوز اللون والعرق واللغة والجغرافيا والتاريخ

الأولغارشية الأولى كانت أولغارشية رأس المال القائم على احترام السلطة السياسية والمختبئ خلفها يحركها ضمن مسارات متفق عليها ويسمح للسياسي بان يكون جزء من القرار الاقتصادي بما يتوافق مع الادبيات الأوروبية السائدة والمنتقلة الى أمريكا والتي انتهت مفاعيلها مع بوش الاب ودفن بقاياها بوش الابن

الأولغارشية الثانية يعبر عنها بوضوح الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب لقد انتهت الفوارق الشكلية والتجميلية بين أرقام الاقتصاد ولغة السياسة وبين ادبيات السياسة وقوانين الاقتصاد ولا تحتاج الأولغارشية الثانية أو المتوحشة اليوم وغدا لأي مساحيق تجميل سياسية او اقنعة وقبعات دبلوماسية

"الماسونية" محفل اقتصادي ينسجم مع قواعد الاقتصاد الاقطاعي الملكي الديني ثم الرأسمالي في أوروبا في الالف الميلادية الثانية التي انتهت مع اندلاع الحرب العالمية الأولى التي انجبت الأولغارشية الأولى واستكملت ولادتها مع نهاية الحرب الكونية الثانية او مع قصف اليابان بالنووي الأمريكي

الأولغارشية الثانية ولدت من رحم الانهيار المالي الكبير 2008_2009 والذي هو بمثابة الحرب الكونية الأولى وستستكمل ولادتها حين تنتهي الحرب الكونية الثانية او الفوضى الخلاقة الدائرة بقصف مدن إيرانية بالنووي الامريكي فالتاريخ لا يكرر نفسه بل يسير في مسارات محددة تتبع قوانينه الحتمية

لذلك اعتقد ان الامريكان يتجهون الى قتال الإيرانيين وتدميرهم والذين ينزلقون الى الفخ بحسابات محلية لا ترى الصورة الكبيرة لاقتصاد عالمي ينمو ويتغير بسرعة ويجتاح المناطق والاقاليم البطيئة او المتوقفة التي تعتقد أنها قادرة على مقاومة حركة التاريخ الحتمية او حركة الاقتصاد المتوحشة !

في المنطقة العربية يتجه الامريكان الى تثبيت الديكتاتوريات العسكرية القبلية الأولغارشية المتوحشة في جمهوريات الموت بالتوازي مع الأولغارشيا الدينية التقليدية التي استكملت ولادتها بظهور تنظيمات القاعدة وداعش وأخواتها بديلا عصريا عن جهاز عسكري سري بائد في زمن السرّية فيه غير مجدية اقتصاديا

وفي الإقليم الذي تتدحرج كرة النار الفوضوية اليه يبدو أن الامريكان يتجهون الى القضاء على الأولغارشيا العسكرية لصالح أولغارشيا المافيات كما فعلوا في تركيا سلميا وكما ينوون فعله في إيران عسكريا متخذين في الحالتين من النموذج الإسرائيلي الناجح والفعال مثالا وقدوة وقيادة مركزية للإقليم

وهذا المنطق الأمريكي الذي توافق عليه روسيا والصين وتعترض عليه أوروبا المتضررة بقوة من انتقال مركز الثقل الأولغارشي العالمي من أمريكا الى آسيا عبر صراع اقتصادي مرير ولكن منضبط سيقود بالضرورة الى تمزيق تركيا وإيران الى دويلات متشابهة في واقعها لدويلات يوغوسلافيا السابقة

الأولغارش الديكتاتوري الجمهوري العربي المتفائل في بقائه في السلطة بعد تخليه عن رموزه التقليدية (مبارك وبن علي وصالح والبشير وبوتفليقة وغيرهم) والذين ارتدوا يوما القناع الديني مواربة الى الوجه الأولغارشي العسكريتاري العائلي/القبلي أو الطبقي او الميديني المتعجرف (السيسي مثال فاقع)

ففي النهاية الحراك السوداني او الجزائري لن يصمد طويلا في وجه الأولغارشيا العسكرية العائدة حتما الى السلطة في تونس ولو بعد حين وخصوصا انها انتصرت في سوريا واستمرت في لبنان لثلاث عهود قوية متتالية في حين ترتبط عودتها في العراق واليمن بالمصير الأسود الذي ينتظر إيران وتركيا بدون أدنى شك

تعتقد ايران أنها قادرة على فرض أولغارشيا عربية تابعة لها وتنال رضا وموافقة أمريكا وإسرائيل في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن !
وهذا الامر كان صحيحا في عالم ما بعد الثورة الإيرانية وقبل الفوضى الخلاقة ولكن أمريكا تريد اليوم تغيير أولغارشيا الإقليم من بوابة المنطقة وليس العكس

ضرب إيران وتغيير وجهها الاقتصادي وبالتالي السياسي والديموغرافي سيؤدي بالضرورة الى تغيير حاد في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن على كافة الأصعدة لصالح طبقة أولغارشية جديدة او متجددة مرتبطة مباشرة بإسرائيل وتابعة بكليتها لأمريكا او من تختاره أمريكا لها شريكا او مستثمرا الى حين

ما يحدث وما سوف يحدث في المنطقة والاقليم لا يعود الى قرار ديكتاتوري يتخذه بوتين او اقتصادي يتخذه ديكتاتور الصين او مزاجي يتخذه الرئيس الأمريكي بل يعود الى قوانين اقتصادية شديدة الصرامة ودقيقة النتائج تقوم على الربحية وعلى قيادة الدولار الأمريكي الديكتاتوري للعالم الاقتصادي والمالي

السؤال المباشر هل استمرار المنطقة والاقليم على حافة الهاوية والتوتر اكثر جدوى اقتصادية من حرب إقليمية محدودة !
القراءة السياسية عبثية والقراءة المحلية او الاقليمية مخادعة والقراءة الاقتصادية هي وحدها الصحيحة علما أن الاقتصاد العالمي الذي يقوده الدولار الأمريكي يتغير بسرعة عالية

الحرب المحدودة في حوض بحر العرب أكثر جدوى اقتصادية من حالة الستاتيكو في المنطقة والاقليم والتي استنفذت فرصها وتنتظر قدرها الأمريكي بخوف.
11/5/2019

صافيتا/زياد هواش

..